Translate

Tuesday, May 28, 2024

التاريخ المذهل لفرقة البرشا التى فازت فى مهرجان كان - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 28/5/2024

 الفن ينبع من الإنسان، وها هو الإنسان البسيط فى قرية صغيرة من صعيد مصر يحقق أمجادًا فى مهرجان سينمائى عالمى عجزت عن تحقيقه مؤسسات تنفق المليارات لأن الفن الحقيقى فى النهاية هو الذى يؤثر ويبقى. أعرف بنات البرشا من زمان، وأعرف تريزا التى أنشأت أول فرقة مسرح عام ٢٠٠٤، وأعرف أختها الصغرى يوستينا، التى حملت المسرح على كتفيها، وطورت الفرقة بعد سفر تريزا للعمل فى القاهرة، ثم الهجرة لأمريكا. الفيلم المصرى لبنات البرشا «رفعت عينى للسما» فاز بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم تسجيلى فى مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائى فى الدورة ٧٧ لعام ٢٠٢٤. ويدور الفيلم حول تمنيات وأحلام فتيات فى قرية صعيدية مصرية. وهو من إخراج ندى رياض وأيمن الأمير، وبطولة فريق مسرح بانوراما برشا: ماجدة مسعود وهايدى سامح ومونيكا يوسف ويوستينا سمير ومريم نصار وليديا هارون. وقالت لى يوستينا سمير، رئيسة الفرقة، فور عودتها من فرنسا، إن مدة عرض الفيلم ساعة و٤٥ دقيقة، وقد عُرض مرتين فى نفس اليوم، العرض الأول للنقاد، وحضر هذا العرض بجدعنة نجيب ساويرس وحسين فهمى، وقاما بالسلام على الفرقة والمخرجين، وكان الموقف مؤثرًا جدًّا.

تدور أحداث الفيلم عن مجموعة من البنات اللاتى قررن أن يؤسسن فرقة مسرحية ويعرضن مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبى الصعيدى فى شوارع قريتهن البرشا فى محافظة المنيا مركز ملوى حتى يسلطن الضوء على قضايا مثل الزواج المبكر وتعليم البنات والعنف الأسرى ويتكلمن عن أحلامهن البسيطة. واستمر المخرجان المبدعان ندى رياض وأيمن الأمير على مدار ٤ سنوات فى توثيق رحلة البنات، واكتشاف مشاعرهن ونمط حياتهن وأحلامهن.

مهرجان كان بدأ عام ١٩٤٦، واشتركت فيه مصر بعدد كبير من الأفلام اعتبارًا من ١٩٥٢، وفاز الفنان يوسف شاهين بجائزة «السعفة الذهبية» عن مجمل أعماله عام ١٩٩٧، وفاز بمسابقة الأفلام القصيرة عام ٢٠٢٠ المخرج سامح علاء عن فيلمه «أخاف أن أنسى وجهك» وفى عام ٢٠٢١ فاز عمر الزهيرى عن فيلم «ريش» فى جائزة أسبوع النقاد.

وقد بدأ نشاط الفرقة عام ٢٠٠٤، وبعد ثورة ٢٥ يناير بدأت تقدم عروضها فى شوارع البرشا، وسجلت الفرقة رسميًّا عام ٢٠١٤. وفى عام ٢٠١٦ قدمت أعمالها فى مهرجان مسرحى فى تونس بعرض اسمه «الفرح»، وكان يناقش مشكلة الزواج المبكر للفتيات. وبعد العودة استمرت العروض فى الشارع، وتجاهلها الناس، وتعرضت الفرقة فى البداية للاستهزاء من المارة فى الشارع. وبدأ شادى خليل، وهو شخصية محبوبة، فى تدريبهن على التمثيل. وفى هذه الفترة انتقلت تريزا للعمل كصحفية فى القاهرة، وتولت يوستينا سمير مسؤولية الفرقة. كان شباب القرية من الذكور يرفضون الاشتراك فى المسرحيات، وكانوا يستهزئون بها.

بدأت ترتيب جلسات وورش كتابة، وكانت يوستينا تكتب نصًّا مسرحيًّا بسيطًا، وبعد ذلك تمت الاستعانة بمدربين متطوعين. وبعد ٣ سنوات، بدأت العروض فى حوالى ٥ قرى مجاورة. تقول تريزا: «نحن كعائلة ٧ أبناء، ٤ بنات وثلاثة أولاد، أمى كانت تقول: (البنت بميت راجل)، الأطفال الذين كانوا معنا كبروا وكبرت معهم الأفكار، وغيروا مفاهيم القرية، والمسلمون كانوا يحضرون، ومغنية المسرح كانت فتاة مسلمة، من ذوى الإعاقة. شكرًا لأبويا الذى أعطانا دورًا كاملًا فى البيت لإقامة المسرح، والبيت يفتح على شارعين، شارع مسيحيين وشارع مسلمين، وكانوا يدخلون ويحضرون العرض من الناحيتين».

فى عام ٢٠١٦ تلقت الفرقة أول دعم على شكل منحة فى السفارة الهولندية. وبعد أن كبرت الفرقة عرضت ١٠ مسرحيات بالبنات فى مطرانية ملوى. كانت الممثلات تلميذات فى الابتدائى والإعدادى والثانوى وخريجات، وكانت تشترك معهن فلاحات أميات. وكانت المسرحيات اجتماعية، وبعضها دينية عن حياة أحد القديسين، وكانت تريزا تُخرج، ويوستينا تقوم بدور البطولة.

وفى عام ٢٠١١ تأسست جمعية مصر للتنمية، وبدأت الحرب على الفرقة لأنهن بنات صعيديات يقمن بكل هذا، فقامت يوستينا بتأسيس فرقة بانوراما البرشا عام ٢٠١٤. وكانت المهمة الأساسية قضايا المرأة ومشاكل القرية بصفة عامة، وكان أول عرض مسرحى بعنوان «محاكمة القرية»، وهى مسرحية تنتقد كل ما يعتبره البنات سلبيات فى القرية مثل الختان والزواج المبكر والضرب من جانب الأب والأخ ولاحقًا الزوج للبنت، واعتبار أنه ليس لها رأى، ويجب ألا تُكمل تعليمها، وأن مستقبلها هو الزواج، وأن الفلكلور والمسرح أمور سيئة. وكن يطالبن بالحرية بغناء أغنية «سيبوا الهوا لصحابه».

ودُعيت الفرقة إلى المشاركة فى مهرجان صفاقس بتونس بمسرحية الفرح، وكانت الممثلة صغيرة جدًّا، فى يوم زواجها تلعب على المسرح بالعروسة. واهتمت الفرقة بأغانى الفلكلور الشعبى التى يتم غناؤها فى الأفراح والمناسبات. وكانت بعض الأغانى لها صبغة تاريخية تحكى عن حقائق التاريخ وقضايا المجتمع مثل أغنية كانت تُقال لمعايرة البنت التى تتأخر فى الزواج:

عمتى يا عمتى/ ما تبَيّضيلى الحلة

كل البنات اتجوزت/ وأنا قاعدة ألِمّ الجلة

سألت تريزا هل القرية كلها مسيحية فقالت: لا، ٥٠٪ مسلمون، وهم يحضرون المسرح معنا ويغنون.

ترشحت تريزا على قائمة الحزب المصرى الديمقراطى للبرلمان عام ٢٠١١، وكنت فى ذلك الوقت رئيس الحزب، وشجعتها، ودعمناها، وقالت لى تريزا، فى اتصال من نيوجرسى، أمس: «أهل البرشا شجعونى، رغم أننى كنت بنتًا صغيرة، وكانت بداية كسر العادات والأفكار».

المخرجة تقول إنها شاهدت بانوراما البرشة فى قرية أخرى، وأخذوا قلبها وعقلها، والبنات كن قريبات جدًّا من المخرجة، والبنات يقلن: لم نكن نعرف أن المسرح سوف يغير المجتمع، وقد صورن ٤٠٠ ساعة، ويشكرن المونتير لأن عمله كان صعبًا.

وتقول يوستينا: «مسرحنا ليست به إمكانيات، ولا توجد أماكن فنية فى الصعيد. مفيش مسرح ولا سينما، والبنات كان نفسهم الفيلم ياخد جايزة، وكل بنت لها مشاكلها الخاصة».

تهنئة كبيرة لمخرجى الفيلم، وكلنا يعلم صعوبة الإخراج خارج البلاتوه، أى فى الشارع والحارة والقرية التى تقبع فى الصعيد. مبروك عليكما الجائزة، «وعقبال الجوائز القادمة»، وألف مبروك لبانوراما البرشا، وتحية كبيرة لصديقتىَّ تريزا ويوستينا سمير، اللتين أسستا الفرقة وقادتاها عبر سنوات طوال فى وسط صعوبات جمة.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك

Friday, April 26, 2024

نجيب محفوظ كاتب أطفال - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 25/4/2024

 عبقرية نجيب محفوظ تتجلى فى أنه يكتب لكل الناس، حتى الأطفال كتب لهم قصة عبقرية فى مجموعة «خمارة القط الأسود»، أقتبس لكم منها بداياتها:

الطفلة: بابا...

الأب: نعم!

الطفلة: أنا وصاحبتى نادية دائماً مع بعض.

الأب: طبعاً يا حبيبتى فهى صاحبتك.

الطفلة: فى الفصل، فى الفسحة، وساعة الأكل.

الأب: شىء لطيف، وهى بنت جميلة ومؤدبة.

الطفلة: لكن فى درس الدين أدخل أنا فى حجرة وتدخل هى فى حجرة أخرى.

لحظ الأم فرآها تبتسم رغم انشغالها بتطريز مفرش، فقال وهو يبتسم:

الأب: هذا فى درس الدين فقط...

الطفلة: لِمَ يا بابا؟

الأب: لأنك لك ديناً وهى لها دين آخر.

الطفلة: كيف يا بابا؟

الأب: أنت مسلمة وهى مسيحية.

الطفلة: لِمَ يا بابا؟

الأب: أنت صغيرة وسوف تفهمين فيما بعد.

الطفلة: أنا كبيرة يا بابا.

الأب: بل صغيرة يا حبيبتى.

الطفلة: لِمَ أنا مسلمة؟

الأب: بابا مسلم، وماما مسلمة، ولذلك فأنت مسلمة.

الطفلة: ونادية؟

الأب: باباها مسيحى، وأمها مسيحية، ولذلك فهى مسيحية.

الطفلة: هل لأن باباها يلبس نظّارة؟

الأب: كلا، لا دخلَ للنظّارة فى ذلك، ولكن لأن جدها كان مسيحياً كذلك.

وقرر أن يتابع سلسلة الأجداد إلى ما لا نهاية حتى تضجر وتتحول إلى موضوع آخر، لكنها سألت:

الطفلة: مَن أحسن؟

وتفكر قليلاً ثم قال:

الأب: المسلمة حسنة، والمسيحية حسنة.

الطفلة: ضرورى واحدة أحسن.

الأب: هذه حسنة، وتلك حسنة.

الطفلة: هل أعمل مسيحية لنبقى دائماً معاً؟

الأب: كلا يا حبيبتى، هذا غير ممكن، كل واحدة تظل كباباها ومامتها.

الطفلة: ولكن لِمَ؟

فى الحقيقة، أن التربية الحديثة طاغية... وسألها.

الأب: ألا تنتظرين حتى تكبرى؟

الطفلة: لا يا بابا.

الأب: حسن، أنت تعرفين الموضة. واحدة تحب موضة، وواحدة تفضّل موضة، وكونك مسلمة هو آخر موضة، لذلك يجب أن تبقى مسلمة.

الطفلة: يعنى أن نادية موضة قديمة؟

الله يقطعك أنت ونادية فى يوم واحد. الظاهر أنه يخطئ، رغم الحذر، وأنه يُدْفَع بلا رحمة إلى عنق زجاجة، وقال:

الأب: المسألة مسألة أذواق، ولكن يجب أن تبقى كل واحدة كباباها ومامتها.

الطفلة: هل أقول لها إنها موضة قديمة وإنى موضة جديدة؟

فبادرها الأب: كل دين حسن، المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله...

الطفلة: ولِمَ تعبده هى فى حجرة وأعبده أنا فى حجرة؟

الأب: هنا يعبَد بطريقة وهناك يعبَد بطريقة...

الطفلة: وما الفرق يا بابا؟

الأب: ستعرفينه فى العام القادم، أو الذى يليه، وكفاية أن تعرفى الآن أن المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله.

الطفلة: ومن هو الله يا بابا؟

وأخذ، وفكر ملياً، ثم سأل مستزيداً من الهدنة:

الأب: ماذا قالت «أبلة» فى المدرسة؟

الطفلة: تقرأ السورة وتعلمنا الصّلاة، ولكنى لا أعرف، ، فمن هو الله يا بابا؟

إذا أردتم معرفة كيف رد الأب بطريقة نجيب محفوظ الروائى ودارس الفلسفة، اقرأوا القصة.


Tuesday, April 9, 2024

كيف تقاطعت حياتى مع أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 9/4/2024

 بعد كارثة 1967 فقد الكثير من المصريين الأمل فى المستقبل، وانطبق ذلك على دفعتى حديثتى التخرج (220 طبيبا)، بقى فى مصر ثلثها وهاجر أقرب الأصدقاء فؤاد ستار ورضا الصاوى، وعلى خليف وآخرون. وبدأت أنا مشروع الهجرة بالسفر إلى شمال أوروبا فى انتظار أوراق أمريكا. كنا بعيدين عن مصر، فلا يوجد إنترنت ولا قنوات فضائية والاتصال التليفونى كان صعبا، وكنت أقرأ الأهرام فى مكتبة بلدية كوبنهاجن متأخرا أسبوعا، وكانت حرب الاستنزاف على أشدها وقلوبنا تتقطع على مصر وأبنائها. وفى سهرات كوبنهاجن استمعت لأول مرة بتركيز لأغانى إمام ونجم مسجلة على شريط كاسيت قادمة من مصر، أثارت هذه الأغانى مع مجموعة المصريين شجونى وبعد أن كنت تاركا الوطن يائسا من الإصلاح بعد هزيمة مرة واقتصاد منهار وظلم شديد للمواطنين وآلاف المحبوسين أثارت كلمات نجم وألحان وغناء إمام مشاعر رهيبة بالإحساس بالوطن وأوضحت لى مدى التصاقى بتراب البلد الذى تركته غضبا. وبعد ليلة طويلة مع نجم وإمام كان قرارى بإلغاء هجرة أمريكا التى كانت وشيكة وعدم الاستمرار فى العمل فى أوروبا والعودة إلى المحروسة، وعدنا أنا وزوجتى وابنتى هنا التى ولدت فى السويد، واشترطت زوجتى أن تكون العودة لمصر نهائية وبلا شحططة أخرى. وبالتأكيد كانت كلمات وأغانى نجم وإمام سببا مهما فى إلغاء مشروع الهجرة.

وبعد ثلاثة أيام من عودتى إلى مصر دعانى الصديق العزيز الراحل، د. محسن خطاب، إلى الاستماع إلى إمام ونجم فى شقة صديق. ذهبنا إلى شقة فى العجوزة فى الدور الأرضى وتوافد الأصدقاء والمعارف، وكان الباب مفتوحا طوال الليل، وبدأ الغناء فى العاشرة والنصف وكانت كلها أغان وطنية، والحماس والشجن كانا على أشدهما، وساعد على ذلك ظروف الوطن فى عام 1972 واليأس من بدء حرب التحرير. وكان الجو صيفا والشبابيك مفتوحة وامتلأت الشقة والبسطة أمام الباب وتجمهر العشرات أمام الشباك فى الشارع للاستماع، وصهلل إمام وتحمس نجم، وألقى بعض القصائد وتوقف الغناء فى الثالثة صباحا، وذهبت إلى بيتى لا أصدق ما حدث، واعتبرت أن هذه الليلة من أجمل ليالى حياتى، ولم أنم طوال الليل أفكر فى مصر وما حدث لها، وأنها لابد أن تستعيد نفسها مرة أخرى، وكان واضحا أن الجميع كانوا مستعدين للتضحية بكل شىء من أجل مصر.

اتصلت بمحسن طالبا أن يعرفنى صديقه بنجم وإمام لأدعوهما للغناء فى بيتى وبعد أسبوع اتفقنا على يوم وذهبت أنا وأصدقائى الراحلين د. محسن ود. محمد شرف إلى حوش قدم ووصلنا إلى حجرة الشيخ إمام بصعوبة ووجدناه مستلقى على السرير فى انتظارنا ومحمد على الرسام كان يجلس على الأرض، وقالا اتفضلوا نجم زمانه جاى، ولم يأت نجم، وبعد ساعة نزل محمد على مع د. محسن للبحث عنه ووجدوه فى قهوة وجاء نجم ثم قال لى محسن: ماذا سوف نقدم لهم مع الضيوف وقلت له إننى سألت وعرفت أنهم يحبون الكباب، فطلبتها، وقال محسن: لازملهم توفر المزاج، فقلت: الحكاية دى صعبة، فقال: ضرورى وإلا القعدة متنفعش. فقلت: أنا لا أدخن ومن يدخن من الضيوف عندى يخرج فى البلكونة. فقال لى: النهارده نغير النظام، شرف يعرف صديقا رتب له موضوع المزاج وبعدين قالوا هم يطلبوا جوزة فقلت هذا مستحيل واتفقوا على أن السجائر كفاية، فى النهاية وصلنا البيت وكان عندنا طرقة طويلة تفصل حجرات النوم عن حجرات المعيشة، وكان الحضور حوالى 20 صديقا، منهم كثير من الأطباء وأذكر منهم الراحل فرج فودة، واستمرت السهرة حتى الثالثة صباحا، وكانت سهرة من سهرات العمر النادرة، وقام الأصدقاء بتوصيل نجم وإمام ومحمد على إلى بيوتهم وسجلت الأغانى على شرائط الكاسيت، ولكن للأسف هذه الشرائط تلفت قبل أن نفرغها فى الوسائل الحديثة.

حضرت سهرات أخرى فى أماكن مختلفة وحفظت مع الجميع الأغانى والأشعار ومازلت أحفظ معظمها. واستمرت المعرفة، وأيام مظاهرات الطلبة فى الجامعة مطالبين السادات بضرورة الحسم وكنت مدرسا شابا حديثا فى كلية الطب فساعدت الطلبة على تهريب الشيخ إمام داخل الجامعة للغناء فى احتفال كبير، وساهم آخرون فى إدخال نجم.

طلب نجم مقابلتى أكثر من مرة وذهبت إليه فى مقر ميريت القديم فى شارع قصر النيل عند محمد هاشم، وكان حديثا رائعا. وآخر مرة قابلت فيها نجم كان فى مطار عمان حيث كنت فى مؤتمر طبى، وكان نجم مدعو للقاء هناك قبل فترة قليلة من رحيله. فى السنوات الأخيرة تباعدت اللقاءات، ولكن الود كان مستمرا والحب والتقدير موجودين.

لم أحضر جنازة الشيخ إمام لأنى كنت مسافرا فى الخارج. ولكن يوم وفاة نجم ذهبت مع جموع المصريين من مختلف الفئات والتوجهات إلى ميدان الحسين ووقفنا أمام المسجد وتحدث معى حديثا طويلا السفير الراحل والصديق الحميم شكرى فؤاد ومشينا فى جنازة نجم.

منذ سنوات دعانى الأستاذ سيد عنبة، مؤسس جمعية الشيخ إمام، وحضرت الاجتماع التأسيسى وأصبحت عضوا مؤسسا، ومازلت أواظب على دفع اشتراك الجمعية البسيط.

Monday, February 5, 2024

«توماس جورجسيان» أيقونة مصرية أرمنية - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 6/1/2024

 قد يتعجب البعض ويقولون من هو توماس الذى أكتب عنه، ولكن من يعرفون توماس فى الأوساط الثقافية والصحفية فى مصر لن يتعجبوا؛ لأنهم يقدرون مقدرته وظرفه ووطنيته وآلاف المقالات التى كتبها فى المجلات والصحافة المصرية.

«توماس» مصرى بالمولد وبالجنسية التى اكتسبها من والده المصرى الأرمنى، ومن جده الذى هاجر إلى مصر عام ١٩٢٣، حصل على الثانوية العامة وعلى بكالوريوس الصيدلة بجامعة القاهرة، وقضى فترة التجنيد فى الجيش المصرى.

ويعتز «توماس» بأصوله الأرمنية، ويجيد اللغة الأرمنية، وهو وثيق الصلة بالثقافة والفنون الأرمنية، وتأثر بحجم مأساة مذابح الأرمن. توماس بالطبع مثل كل أرمنى متأثر بهذا التاريخ الحزين ولكنه تخطى مع الجميع مرحلة استجرار الألم، وفكّر فى المستقبل بطريقة فلسفية، ونجح الأرمن فى الاندماج فى مصر التى أصبحت وطنهم الأساسى وحافظوا على تاريخهم وثقافتهم ولغتهم، خاصة بعد أن أدت الظروف السياسية والاقتصادية فى مصر خلال عدة عقود إلى هجرة ملايين المصريين، ومنهم المصريون من أصول أجنبية مثل: الأرمن واليونانيين والإيطاليين الذين تقلصت أعدادهم.

توماس الصيدلى عمل فى أجزخانة قديمة ولها تاريخ فى شارع فؤاد (٢٦ يوليو الآن)، ولكنه قرر أن يحول هوايته إلى مهنة،وهى التى بدأت من الطفولة؛ القراءة والكتابة والاندماج مع أطفال الأرمن لرفع مستواهم الثقافى، وفى نفس الوقت التعرف وبعمق على الثقافة المصرية وقراءة الأدب المصرى الحديث، والأهم من ذلك أنه عاش فى الشارع والحارة، وتعرّف على الشعب فى الأحياء الشعبية، وتعرّف على المثقفين المصريين فى حقبة زمنية مهمة من تاريخ مصر، وأصبح قريبًا من كل أفراد الأرمن فى مصر مع اختلاف أفكارهم وطبقاتهم وثقافاتهم وانقساماتهم الطائفية والسياسية، فهو كان صديقًا ومحبًا للجميع، وهو مازال فى طول الشباب.

هذا الصيدلى المثقف المعجون بتاريخ مصر أخذ قرارًا مصيريًا وشجاعًا، فقد ترك مهنته والتحق بالعمل الصحفى فى روزاليوسف، وتعرف على إحسان عبدالقدوس الذى أدار المجلة بموهبة وجدارة وشجاعة جعلت روزاليوسف فى صدارة المجلات المصرى، وهى الدار التى أخرجت عددًا ضخمًا جدًا من كبار الموهوبين من الكتاب والرسامين. تعرف توماس على رموز الصحافة وأصبح واحدًا منهم، وانتقل كثير من هؤلاء الموهوبين إلى صحف أخرى، وعلى رأسها الأهرام بعد أن تغيرت خريطة الصحافة المصرية بعد التأميم، استمر توماس فى علاقاته التى تقدمت لتشمل كل رموز الثقافة المصرية الكبار. واستمر يعمل ويندمج حتى وقع فى الحب وتزوج سيدة أمريكية فاضلة وأنجب ابنته. وعمل توماس فى تدريس مهنة الصحافة فى الجامعة، حيث عاش مع زوجته بضع سنوات كان فيها من نجوم الثقافة والصحافة، ومنها انتقل إلى واشنطن، حيث عمل بالصحافة مراسلًا لكبرى الصحف المصرية، واستمر يكتب بانتظام طوال هذه السنوات فى روزاليوسف، وغيرها، واستمر يقرأ كل ما يكتب فى مصر من أدب وثقافة.

وبالإضافة إلى خبرته الكبيرة فى الأحوال المصرية، فإنه أيضًا خبير فى شؤون الشرق الأوسط، والآن فى الشؤون السياسية الأمريكية الداخلية والخارجية، ولذا فهو زبون فى محطات التليفزيون فى أمريكا. وبالطبع، تعرف توماس على الدبلوماسيين المصريين ورجال السفارة عبر سنوات طويلة، وبذل كل ما يمكنه لخدمة مصر وتوصيل وجهة نظره عند استشارته، وهو بالطبع وثيق الصلة بالجالية المصرية فى واشنطن، وخاصة المثقفين.

علاقتى مع توماس بدأت عن طريق قراءة ما يكتبه والسماع عنه من أصدقاء مشتركين، ومنذ ٦ سنوات بدأت المعرفة الشخصية، والتى توثقت حين اقترحت اسمه للمشاركة فى احتفال جامعة نيويورك بمئوية ثورة ١٩١٩، حيث تحدث عن التأثير الثقافى والفنى الذى أحدثته ثورة ١٩١٩، وتزاملنا على المنصة فى نفس الجلسة حين تحدث عن تاريخ الثورة. ومنذ اللحظات الأولى والمقابلات، اكتشفنا سويًا أننا نفكر بطريقة مشابهة، وطالت الأحاديث فى نيويورك وتوثقت العلاقة.


Nigeria the most popular African football team from 90s
00:00
01:20 / 01:20
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Playتوماس يحافظ على زيارة مصر سنويًا فى فترة إقامة معرض الكتاب، حيث يشاهد كل ما هو جديد فى الثقافة المصرية، ويلتقى بأصدقائه فى الوسط الثقافى، وهم كثيرون ومن مختلف الاتجاهات والأعمار، وتربطه ببعضهم صلة وثيقة وحوادث طريفة من أيام إقامته فى القاهرة.

توماس يحافظ على زيارة مصر سنويًا فى فترة إقامة معرض الكتاب، حيث يشاهد كل ما هو جديد فى الثقافة المصرية، ويلتقى بأصدقائه فى الوسط الثقافى، وهم كثيرون ومن مختلف الاتجاهات والأعمار، وتربطه ببعضهم صلة وثيقة وحوادث طريفة من أيام إقامته فى القاهرة.

فى هذه الفترة يقيم توماس مع أخته التى تقيم مع عائلتها فى القاهرة، ويستمر فى ممارسة هوايته بالمشى فى الشوارع فى مختلف أنحاء القاهرة، والأكل من عربات الفول فى الشارع، وينتقل من وسط المدينة إلى مصر الجديدة، ومن نشاط ثقافى إلى آخر. فى السنوات الأخيرة، قضينا ساعات طويلة مع بعض فى القاهرة أثناء زيارته السنوية، وكما يحب أن يقول: كنا نقوم بعمل «خربشة فى المخ»، وتقاربنا بشدة، وعرفنا بعضنا بعمق، وفتحنا كل الموضوعات التاريخية والفنية والثقافية والشخصية، وعرفت من توماس الذى يعيش فى واشنطن أخبارا ونميمة لطيفة عما يحدث فى الوسط الثقافى والصحفى فى مصر، والتى تصله بانتظام عبر المحيط وأنا المقيم فى القاهرة لا أدرى عنها شيئًا.

لقاءاتنا المتعددة فى واشنطن كانت رائعة؛ لأنها كانت تستمر ساعات ونحن نزور المتاحف المختلفة ونمشى فى الشوارع فترات طويلة. قد أحمل له بعض الكتب من مصر، وهو يزودنى دائمًا بكل المقالات والأبحاث وما هو جديد فى الثقافة والسياسة الأمريكية عن طريق الإنترنت. فى العام الماضى، اتفقنا على اللقاء فى أرمينيا، وكانت زيارتى الأولى لها، وبمساعدته استطعت فى أقل من أسبوع أن نطوف سويًا بكل معالم أرمينيا فى مختلف أنحائها، وكذلك كل المعالم الأثرية والمتاحف.

من الأشياء الصعبة وشبه المستحيلة أن تكوّن صداقات جديدة حقيقية بعد مرحلة الشباب والنضوج. وأعتقد أن صداقتى مع توماس، بالإضافة إلى الاهتمامات المشتركة، لها بُعد إنسانى عميق، فصديقى توماس يبدو دائمًا متبسمًا وضاحكًا ويكتب مقالات تحمل طرافة وخفة دم، فهو إنسان رقيق بالغ الحساسية.. وفى الأسبوع الماضى، وفى جمع من ١٦ من الأصدقاء، وبعد الحديث من الجميع، حين تحدث توماس أجهش بالبكاء من فرط الحساسية حين قال إنه متأكد أن مصر وأصدقاءه هم الذين سوف يرعون ابنته إذا زارت مصر.

سعيد أن أقدم للقراء وجهًا مصريًا أرمنيًا مشرقًا، وأزف إليهم خبر أن توماس انتهى من كتابة مذكراته وتُنشر قريبًا، وسوف تكون حدثًا ثقافيًا وسياسيًا هائلًا.

(قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك)