Translate

Tuesday, November 27, 2018

هيا نحتفل بمئوية ثورة ١٩ بقلم د. محمد أبوالغار ٢٧/ ١١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

بعد شهور يحل عام ٢٠١٩، وتحل ذكرى مائة عام على ثورةٍ شعبيةٍ عظيمةٍ قام بها الشعب المصرى ضد الاحتلال البريطانى منادياً بالاستقلال لمصر والتخلص من المندوب السامى البريطانى.
والحقيقة أنه سبق ثورة ١٩١٩ جهاد الحزب الوطنى الذى رأسه مصطفى كامل، وقاد الجهاد على الأرض فيه محمد فريد وعبدالرحمن فهمى، وكان من شبابه البواسل القائد العظيم مصطفى النحاس.
لم يكن الاستقلال الكامل واضحاً فى ذهن بعض قيادات الحزب الوطنى، المنادين، آنذاك، بالاستقلال عن الإنجليز والانضمام بطريقة أو بأخرى لفلول الدولة العثمانية.
ثورة ١٩١٩ كانت ثورة تحرير من الاستعمار، ولم تكن ثورة تنادى بالديمقراطية أو العدالة الاجتماعية، ولكنها كانت تنادى بأن يحكم المصريون مصر.
تميزت ثورة ١٩١٩ بأنها ثورة شعبية عمّت البلاد من أقصاها إلى أدناها، لم تكن ثورة مدن ولا طلبة، وإنما كانت ثورة للجميع، شارك فيها الفلاحون والطلبة وملاك الأراضى والباشاوات والطبقة الوسطى، وعمّت مصر كلها.
ثورة ١٩١٩ انفجرت فجأة دفاعاً عن مطالب شرعية تقدم بها سعد زغلول ورفاقه، ورفضها المندوب السامى البريطانى بتعجرف شديد، وانتهت بنفى الزعماء خارج مصر وتحول سعد زغلول الوزير السابق المتزوج من ابنة رئيس وزراء موالٍ للإنجليز إلى معارض عنيد وثائر شرس.
شلت الثورة حركة الإنجليز وسيطرتهم، بعد أن فكك المصريون خطوط المواصلات، وسقط شهداء كثيرون من المصريين.
هناك مؤرخون عظام كتبوا بدقة عن تاريخ الثورة وتضحيات قيادات الصفوف (الأول والثانى والثالث) ووقوف كبار الأقباط، مثل، فخرى عبدالنور، بشجاعة مبهرة ضد الإنجليز.
وانتهت الثورة بمكاسب كثيرة، منها دستور ١٩٢٣، وبرلمان حديث، واستقلال رسمى، وإن لم يكن كاملاً، وسيطرة الحكومة المصرية على أمور كثيرة كانت كلها بيد المستعمر.
وأظهرت زعماء عظامًا، مثل مصطفى النحاس ومكرم عبيد. كافحت مصر كثيراً، بعد ذلك لتحويل الاستقلال الجزئى إلى استقلال تام، ولكن الظروف العالمية والشرق أوسطية لم تمنح مصر استقلالها كاملاً.
هذه الثورة أخرجت المرأة المصرية من القمقم، فخرجت تشارك فى المظاهرات، وفتحت هذه الثورة الأبواب أمام تعليم المرأة فى المدارس الثانوية ثم التعليم الجامعى.
ثورة ١٩١٩ كانت ثورة مصرية صميمة، ولكنها كانت أيقونة لمناطق أخرى فى العالم. غاندى ثم نهرو كانا يعتبرانها نبراساً لهم لطرد الإنجليز، وكانا يقدران سعد زغلول ومصطفى النحاس تقديراً كبيراً.
ثورة ١٩١٩ أتاحت الفرصة لتحديث التعليم وإعادة نظام البعثات، وهى التى نبهت أغنياء مصر- وكانوا من كبار ملاك الأراضى- إلى الاتجاه إلى الصناعة والتجارة والعمل الخيرى.
وهى التى فتحت الأبواب لنقلة ثقافية وتعليمية لجموع الشعب، ووحدت بين الغنى والفقير والرجل والمرأة. الكل فى واحد- كما كتب توفيق الحكيم- دفاعاً عن الوطن واستقلاله.
وهى التى وحّدت المسلمين والمسيحيين واليهود تحت راية واحدة، وهى راية الاستقلال، وكان التمثيل المسيحى فيها واضحاً وقوياً على مستوى القيادة والشعب.
هذه الثورة حولت مصر من دولة تابعة للخلافة العثمانية المنهارة المتخلفة إلى دولة مدنية حديثة، ولأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، يتوقف اضطهاد المسيحيين وتصدر قوانين المساواة التامة، وتطبق إلى حد كبير.
ثورة ١٩١٩، أسست أكبر مجتمع مدنى فى الشرق الأوسط، وهى التى سمحت بتكوين جيش مصرى كبير بعد معاهدة ١٩٣٦، وهى التى أدت إلى إلغاء التمييز الأجنبى.
وخلقت قيادات وطنية عظيمة، أهمها مصطفى النحاس الذى خلف سعد زغلول، وهو فى تقديرى الشخصية الديمقراطية الوحيدة التى حكمت مصر فى كل العصور، والشخصية المدنية الوحيدة التى لم تسمح للدين ولا للملك بالتدخل فى العمل العام، وكان شجاعاً وأميناً، وكان مسلماً متديناً، ولكنه كان أعظم المصريين دفاعاً عن المساواة بين المسلمين والمسيحيين بالفعل، لا بالقول.
ماذا نحن فاعلون فى الاحتفال؟
الثورة ثورة شعب. والاحتفال يجب أن يكون شعبياً بالدرجة الأولى، يشارك فيه الأحزاب، وعلى رأسها «الوفد» والنقابات والهيئات المختلفة. وبالطبع تشارك الحكومة.
يجب عمل طبعات شعبية للكتب والدراسات التاريخية والروايات التى كتبت عن ثورة ١٩١٩.
أمامنا وقت ليكون العمل الرئيسى فى مسلسلات رمضان فى العام القادم عن ثورة ١٩١٩ والمسرح القومى وكل فرق مصر الفنية، ويستمر عاماً كاملاً.
ذكرى ١٩١٩ غالية ومهمة، وسوف تعيش دائماً فى قلوب المصريين.
تحيةً لذكرى شهداء ١٩١٩.
فلنُعِد الاحتفال بهم، ونتذكر أسماءهم.
وتحية من القلب لكل رجال ونساء مصر الذين قاموا بها.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


No comments:

Post a Comment