لا يوجد شعب يكره علم الفيزياء مثل الشعب المصرى، بنظرة سريعة على طلبة الثانوية العامة قبل وبعد امتحانات الفيزياء ومانشيتات الصحف وبكائيات الفضائيات وصراخ الطلبة والطالبات والأهالى، ندرك أن هذا العلم هو بمثابة نذير الشؤم على البيوت المصرية، وللأسف من يخاصم علم الفيزياء فقد خاصم الحضارة والحداثة، ولا بد من التصالح مع هذا العلم الذى هو حجر الأساس لعلوم كثيرة تصبح بدونه خواء مثل علم الطب.
وميكانيكا الكم التى هى أحدث منجزات الفيزياء هى أصعب وأعقد ما فى ثنايا هذا العلم، وسطور الفيزياء الكلاسيكية شىء وميكانيكا الكم ومعادلاته شىء مختلف تماماً، إنها ثورة لا بد أن نفهم مفرداتها إذا كنا نريد الدخول فى عالم الحداثة، لذلك سعدت بكتاب د. إبراهيم فوزى، الصادر عن المكتبة الأكاديمية بعنوان «عبور اليم إلى ميكانيكا الكم»، وهو كتاب مبسط جداً ترجمه وأضاف إليه د. فوزى من لغته وحسه وذكائه الكثير، ميكانيكا الكم ليست مجرد معادلات بور وثابت بلانك وقطة شرودينجر والفوتون والكوانتم والموجات والجسيمات والكهروضوئيات... إلخ، إنها فلسفة حياة وقبول واقتناع بأن عالم الذرة والإلكترون هو عالم متجاوز لكل ما تعلمناه فى مدارسنا، إنها تُعلمنا أن الأمور نسبية، وأن الأفكار الجامدة المطلقة المحنطة لا مكان لها فى الحياة، وستكتشف أن تلك النظرية الغامضة التى لا يدّعى أحد حتى كبار العلماء أنه قد فهمها جيداً، هى السبب فى كل النعم التى تنعم بها الآن بداية من الموبايل وحتى الليزر مروراً بجهاز الأشعة المقطعية واللاب توب... إلخ.
لولا ثورة الكوانتم لكنا حتى هذه اللحظة نعيش زمن الكمبيوتر الذى يحتاج مساحة مبنى لاحتوائه، ستتعرّف فى هذا الكتاب على سير علماء فيزياء أكثر درامية من قصص هوليوود، ستعرف ما هو ثابت بلانك، ستقرأ عن الجدل هل الضوء موجات أم جسيمات، وهل الإلكترون ثابت فى مداره أم يقفز من مدار لآخر؟ ما الثورة التى أحدثها اختراع أديسون للمصباح الكهربائى الذى جعل العلماء فى حيرة عن علاقة حرارة التسخين بلون الضوء المنبعث والطيف الموجى له، ستعرف أن جائزة نوبل لم يحصل عليها أينشتاين بسبب أشهر نظرياته وهى النسبية بل عن إنجاز فيزيائى آخر فى مسيرة ميكانيكا الكم التى كان هو شخصياً معترضاً على بعض افتراضاتها! ستقتحم معامل وعوالم ومعارك عنوانها «الصدمة العلمية» بكونها ثورة لا يقبلها المجتمع العلمى فى البداية، لكن إصرار العالم الحقيقى وتحمُّله النقد اللاذع والهجوم الجامح هو الذى يحفزه على الاستمرار.
لقد بذل د. إبراهيم فوزى جهداً كبيراً فى هذا الكتاب وغيره من الكتب الصادرة عن نفس المكتبة عن الفيزياء والكم، هذا الجهد لا بد أن يُلقَى عليه الضوء ويتحول إلى برنامج علمى يسد ثغرة عدم وجود برامج علمية على الفضائيات، هذا الكتاب هو إضافة رائعة تمنحنا الأمل فى استكمال نمو هذه البذرة وتحفيز المزيد ممن يجيدون تبسيط العلوم أن يسهموا فى إصدارات علمية جديدة.
No comments:
Post a Comment