أدخلها رديارد كبلنج فى عداد الأدب العالمى لمتانة التركيب، وطلاوة الأسلوب، وسلامة اللغة، كما استعار منها فرجيل الكثير من تعبيراتها الجميلة، أخرجتها السينما العالمية، وترجمت لكل لغات العالم بعد أن تناولها الكثيرون من الشعراء والأدباء! إنه سنوحى.. المثل الأعلى فى الولاء والانتماء للوطن.
معنى كلمة سنوحى هو: ابن شجرة الجميز، كان معاصرا لأمنمحات الأول وابنه سيزوستريس فى الفترة من ١٩٩١ - ١٩٣٦ ق. م .
ملخص هذه القصة الواقعية أنه لما حضر الموت «أمنمحات الأول» الأسرة ١٢، كان ابنه وولى عهده سيزوستريس قد خرج على رأس جيش لمعاقبة الخارجين عن القانون فى ليبيا، وكان معه سنوحى، تسرب خبر وفاة الملك إلى ابن آخر كان طامعاً فى الحكم، فتوقع سنوحى الصراعات القادمة، فهرب مخترقا بحيرة مريوط ومنها إلى بلدة فى جنوب فلسطين اسمها «ريلينو» قابل سنوحى أميرها، فجعله سيداً على قبيلة لما سمعه عن حكمته وعلمه.
مرت السنون، أحس سنوحى بقرب نهايته، أرسل لملك مصر يطلب منه العودة إلى «تامرى»، أى الأرض الحبيبة، وهو اسم مصر، فرد عليه الملك: لن تموت غريبا يا سنوحى، ولن يسبقك الآسيويون إلى قبرك مكفنا فى جلد شاه! لقد عفوت عنك لأنك لم تنطق بكلمة سوء عن مصر طوال أيام غربتك!
صرخ سنوحى فرحا وقال: رحمتك ياإلهى، أنقذتنى بعد أن ضللنى قلبى.. وهربت لبلاد بعيدة.
عاد سنوحى إلى مصر، استقبله الملك ففقد الوعى بين يديه! أقامه الملك وقدمه لزوجته قائلاً: انظرى لقد عاد إلينا سنوحى بدويا!
يقول سنوحى: أخذنى رجال القصر فأزالوا عن جسمى أثر السنين، كما سرحوا شعر رأسى، وفى الحمام أزالوا الطفيليات التى تعلق بالجسم فى الصحراء.. تركت الرمل ونمت على السرير بعد أن دهنوا جسمى بالزيوت والعطور، وأعطونى دارا جميلة حتى أقضى فى الأرض الحبيبة «تامرى» باقى أيام عمرى.
إن كلمة «سا» فى المصرية القديمة معناها ابن، كلمة «نهوت» معناها شجرة الجميز!
فأصبحت سانهوت أو سانوهى أو سنوهى أو سنوحى، هذا ما يسمى بالتصحيف فى اللغة.
والأساطير المصرية القديمة تقول إن ربة السماء نهوت أو نوت تقمصت شجرة السيدار - سدرة المنتهى - وهاتور تقمصت شجرة الجميز، ونحن نذكر موسى وشجرة العليقة فى البرية، كما نذكر الحديث النبوى الشريف: أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذى خلق منه آدم عليه السلام، وليس من الشجر شىء يلقح مثلها.
من كلمات سنوحى: يا إلهى كائناً من كنت «ارحمنى» فلم تعد لى أمنية أعز من أن أموت فى مصر التى ولدت فيها. نجد فرجيل فى الإنيادة من ٥٧٦ يقول: أيها الإله المقدس كائنا من كنت.. إلخ.
خلق الله الأرض قبل الإنسان حتى يعلمنا أن الأوطان قبل الأديان، عاد سنوحى إلى الأرض الحبيبة مصر بعد أن قبل الملك توبته لأنه لم ينطق بكلمة سوء عن مصر فى سنوات غربته.
ما هى الصهيونية؟ إنها باختصار شديد: ديانتك هى جنسيتك! أنت يهودى ولدت فى فرنسا أو إنجلترا أو أمريكا.. هذا لا يهم لأنك إسرائيلى! وهنا تكون الأوطان حفنة من تراب عفن أو طظ فى مصر! على هذا القياس.. هناك صهيونية يهودية، وصهيونية مسيحية وصهيونية إسلامية!
فى رائعة كريستوفر مارلو «صفقة الشيطان» يخاطب الشيطان فاوست، الذى باع وطنه الأرضى والسماوى من أجل سلطان ومتع زائلة قائلاً: لقد بعت نفسك لى من أجل حفنة من تراب! هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لأمريكا وتركيا وقطر وإسرائيل.. أليسوا هم فاوست مصر فى القرن الواحد والعشرين. سيأتى اليوم الذى يقولون فيه ما قاله فاوست: اللعنة على أبوى لأنهما أنجبانى!!.
No comments:
Post a Comment