تاريخ حافل ومتميز لأحد أهم رجال مصر فى مجال البترول، أسس كثيراً من شركات قطاع البترول، واستطاع فى فترة وجيزة إعادة مصر لموقعها بين دول البترول، وله الفضل فى توفير البترول فى أصعب سنوات مرت بها مصر، بداية من نكسة ١٩٦٧ بعد أن احتلت إسرائيل كل سيناء، وسيطرت على حقول البترول فيها، حتى نصر أكتوبر ١٩٧٣، له الفضل فى إعادة الحياة لأكبر منجم للفحم فى سيناء، هو الكيميائى عبدالهادى قنديل، وزير البترول الأسبق، أحد أبرز رواد الصناعة البترولية، الذى ودعته مصر إلى مثواه الأخير.
وقفنا صفوفا خلف جثمانه كأحد تلامذته الذين تعلموا منه العمل الجاد، قادنا جميعا بحكمة وحنكة وشجاعة وذكاء وقدرة على الحزم حتى أصبح لنا القشة التى نتمسك بها فى تيار العمل الشاق وقسوته وإحباطه. كان معينا ومشجعا لنا، السند عندما كانت المساندة هى السبيل إلى نجاح الفريق.
فقد شغل عبدالهادى قنديل منصب رئيس هيئة البترول ثم وزيرها فى الفترة بين ١٩٨٠ و١٩٩١، وعندما تعرفت إليه لأول مرة كنت عائدا من غربة عن قطاع البترول المصرى استمرت من عام ١٩٧٧ حتى عام ١٩٨٣، بعدها أصبح لى أخا أكبر وقائدا ومعلما ورئيسا ومرشدا ومعينا حتى آخر أسبوع قضاه فى المستشفى فى رعاية الله، وبين يديه لا حول لنا ولا قوة فى أن يبقى بيننا حبيبا ضاحكا معلما ناصحا، نحرص على لقائه وهو لا يبخل علينا به رغم مشقة الخروج من منزله.
أتردد كثيرا ماذا أقول وماذا أكتب فى سيرة هذا العملاق!!
قلت لنفسى سوف أكتب وأكتب ما حييت حتى تمتلئ الصفحات أو ألاقيه فى عالم الصفاء بإرادة المولى وقدره، أما البداية فقد تكون أن أذكر للمواطن المصرى ما يهمه عن وزير بترول مصر.
سوف يبقى التاريخ المكتوب ذاكرا لعبدالهادى قنديل بُعد نظره وجرأته وقراره وحكمته، ففى عام ١٩٨٨ لم تكن للغاز اتفاقية ولا حافز ولا قواعد تجذب مستثمرا للبحث عنه منفردا حتى لو لم يكن هناك اكتشاف بترول.
صنع عبدالهادى قنديل هذا الاتفاق وسمى بند الغاز. وطبق أول ما طبق على حقول بدر الدين (تنتج حتى الآن) تلاها خالدة ثم الأبيض، وهو الذى اكتشف على أساسه كل حقول الغاز حتى حقل ظهر، وبسبب هذا الاتفاق الذى كان نقلة هائلة فى تاريخ البترول المصرى، اكتشفت حقول البحر الأبيض بداية من التسعينيات. ولم تنتج وتُنمى وقتها لعدم وجود تقنية عالمية للإنتاج من حقول فى مياه أعمق من ٤٠٠ متر (ظهرت فقط فى نهاية التسعينيات).
بدأ رحلة الألف ميل التى يكثر الحديث عنها الآن وهى تعميم استخدام الغاز فى المنازل بشركتين. بتروجاز وغاز مصر.
استطاع أن يوفر المواد البترولية لكل من يطلبها فى مصر بأسعار تتفق مع مستوى معيشة الفقير والمهمش ومن الممكن للقارئ أن يراجع أسعار تلك الفترة.
استطاع تصدير فائض بترولى يوفر دولارات لاستيراد القمح.
أذكر فى أول زيارة لى معه لافتتاح إنتاج حقول جبل الزيت وخليج الزيت العملاقة، لم يقف ليشرح لرئيس الجمهورية، فهو ليس فى حاجة لتزكية نفسه عند أحد. هو الوزير والقائد الذى تتحدث عنه نتائجه.
قدم شبابا لرئيس الدولة بالاسم سنة ١٩٨٥ وقفوا رجالا يشرحون ويتحدثون عن المستقبل الواعد والفرصة التى تنتظرهم ليكونوا قادة المستقبل وكنت واحدا من هؤلاء، وكان زميلى الأستاذ صلاح حافظ هو من وصفه الوزير قنديل بفارس المستقبل فى البحث، وكان الشاب كمال مصطفى هو من قدمه الوزير على خلفية قائد بتروجت التى أصبحت من كبرى شركات الإنشاءات البترولية، وكان الشاب طارق حجى، نائب رئيس شركة شل، من قدمه الوزير على أنه أول مصرى شاب يصبح على خطوة واحدة من رئاسة أعرق شركة أجنبية فى مصر.
وفى هذا اليوم دُشنت أول سفينة خدمة على المستوى العالمى لخدمة البترول لشركة مصرية هى ماريدايف التى أصبحت نجما من نجوم سوق المال.
هذا هو القائد. وهذا هو المفكر والمخطط. هذا هو صانع الرجال. وقد أثبت كل الرجال الذين قدمهم لمصر بتروليا أنهم عند حسن ظنه. ترك عالمنا ولكنه بقى فى داخلنا المعلم والرائد والقائد والحكيم.
رحمة الله عليك رئيسنا عبدالهادى قنديل. نحن أبناءك المخلصين. ولا يموت أب ترك أبناء صالحين يدعون له. دعاؤنا لك لن ينقطع حتى نلقاك.
* رئيس الهيئة العامة للبترول الأسبق
|
Translate
Wednesday, March 27, 2019
عبدالخالق عياد يكتب: عبدالهادى قنديل.. تاريخ حافل بالإنجازات ٢٦/ ٣/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment