Translate

Thursday, August 20, 2015

كيف يحكم السيسي مصر؟! حازم حسني .. التحرير

أكتب مقالى الأسبوعى هذا -عادة- يوم الاثنين من كل أسبوع، لتتسلمه أسرة «التحرير» يوم الثلاثاء، وقد كان فى نيتى أن أكتب هذا الأسبوع فى موضوع بعيد عن السياسة وتعقُّداتها، وعن الاقتصاد وحساباته، لولا أن فاجأنا السيد الرئيس بكلمته التى ألقاها خلال الندوة التثقيفية التاسعة عشرة التى نظمتها القوات المسلحة لمجموعة من ضباطها وقادتها يوم الأحد 16 أغسطس، أى قبل أن أبدأ فى كتابة المقال بساعات، ولم يكن ممكنًا أن أكتب مقالًا يبعد بنا عن السياسة والاقتصاد إلى أعماق أزمتنا الثقافية والمعرفية، ولا أكتب بعض ملاحظاتى على الرسائل السياسية والاقتصادية المباشرة والضمنية التى امتلأت بها كلمة الرئيس على مستوى الشكل كما على مستوى المضمون، وكلها يشى بالطريقة التى يحكم بها السيسى مصر.
أولى ملاحظاتى على الخطاب أنه خصصه للحديث عن مشروع قناة السويس وعن غيره من المشاريع الكبرى، ثم عن جهاز الخدمة المدنية وردود فعل الموظفين حياله، وكلها أمور مدنية كما نرى، ومع ذلك لم نرَ حضورًا لرئيس الحكومة ولا لأى من قيادات الدولة المدنية! اكتفى الرئيس بتوجيه كلمته بخصوص دقائق الشأن المدنى إلى ضباط القوات المسلحة، وهو ما لا يقل خطورة عن تناول دقائق الشأن العسكرى مع قيادات مدنية! فلرئيس الدولة فى الحقيقة صفتان، إحداهما أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، والأخرى أنه رئيس السلطة التنفيذية، وقد كشفت كلمة الرئيس بوضوح أنه غير قادر على التمييز بين الصفتَين، وإنما هو يتعامل مع الشأن المدنى باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعهد إلى الجيش بمهام هى من اختصاص السلطة التنفيذية، بما يشى بأزمة حقيقية فى بنية نظامنا الجمهورى، فأساس النظام الجمهورى هو توازن العلاقات العسكرية المدنية، وكذا توازن العلاقات بين السلطات والمؤسسات المدنية، فإن هى سقطت هذه التوازنات سقط النظام الجمهورى، حتى إن بقى الرئيس يحمل شرفيًّا صفة رئيس «الجمهورية»!!
ثانية الملاحظات، وهى وثيقة الصلة بالملاحظة الأولى، إنما تتعلَّق بالتعامل مع العلاقات العسكرية المدنية، وكأن المؤسسة العسكرية تعلو فوق المؤسسة المدنية، فهى التى تقود العمل المدنى، وتضع تحت إشرافها المباشر خطط وموازنات الأشغال العامة المدنية، بل ووصل الأمر بالرئيس -عن قصد أو غير قصد- إلى حد المن الذى قد يؤذى ما يجب أن يكون بين المؤسستين من علاقات سوية فى إطار الدولة الواحدة والوطن الواحد، وإلا فما هو معنى حديث الرئيس المتكرر عن تضحيات رجال القوات المسلحة بينما يتحدَّث عن تقاعس رجال القطاع المدنى عن خدمة الوطن، وكأن خدمة الوطن لا تكون إلا بالسخرة، وإلا بتعلُّم حملة درجات البكالوريوس والليسانس قيادة اللوادر واللوارى فى مشروعات تشرف عليها القوات المسلحة؟!
ألا يضحى القطاع المدنى بكثير من أساسيات الحياة الكريمة كى يوفّر لقواته المسلحة كل ما تحتاجه من سلاح وعتاد ومرافق، بل وحتى منشآت الترفيه التى بخل بها على نفسه ولم يبخل بها على قواته المسلحة؟ ألم يوفّر هذا الشعب من قوت يومه ومن حقوق الأجيال القادمة كى يكون الجيش المصرى واحدًا من أقوى خمسة عشر جيشًا فى العالم؟ ألم يقدّم هذا الشعب المدنى خيرة أبنائه على خط النار طيلة أكثر من سبع سنوات أيام حرب الاستنزاف، ومَن لم يستشهد منهم خرج إلى الحياة وقد ضاع مستقبله المهنى؟ ألم ننتصر سنة 73 فى معركة العبور بسبب صلابة جبهتنا الداخلية (المدنية) لا بسبب صلابة الجبهة العسكرية وحدها؟ وما زال الشعب المصرى عبر مؤسساته المدنية يضحى بالكثير من أجل دعم جيشه، وهو مستعد للتضحية بالأكثر شرط أن لا يكون ذلك سببًا فى معايرته لاحقًا بأنه لا يملك ما يملكه الجيش من خبرات وقدرات، وإلا فما هو معنى أن يتباهى الرئيس فى كلمته بأن الشركات الموردة لمعدات حفر الأنفاق ستدرب ضباط سلاح المهندسين على استخدامها، وكأنه لا يوجد بمصر مهندسون مدنيون يتلقون هذا التدريب؟!
الملاحظة الثالثة تتعلَّق بتعامل الرئيس مع المشروعات المدنية الكبرى وكأنها أسرار حربية لا بد من إخفاء أخبارها وتفاصيلها عن القطاع المدنى، حتى لا تتسرب لأهل الشر! قالها الرجل أكثر من مرة، قبل انتخابه وبعد انتخابه، وآخرها فى كلمته يوم الأحد، من أنه يتجاوز حين يتحدّث فى تفاصيل لا يجوز له أن يتحدّث فيها! ولا أدرى ما التجاوز فى أن يعرف الشعب المصرى من رئيسه، أو فى أن تعرف المؤسسات المدنية من رئيس السلطة التنفيذية، تفاصيل الخطط والمشروعات المدنية، خصوصًا تفاصيلها المالية ودراساتها الاقتصادية إن وُجدت؟!
تنقلنى هذه الملاحظة إلى الملاحظة الرابعة، وهى هذا الاستدعاء التعسفى لعناصر المشروعات وتكلفتها والتعمية على تبعيتها... فمَن المسؤول عن تحديد مبلغ مليار جنيه كتكلفة حفر كيلومتر واحد من الأنفاق، أو إنشاء كيلومتر واحد من أرصفة الميناء الجديد؟ ثم ما العناصر التفصيلية لهذه التكلفة المفترضة؟ ولماذا لم تصارح الرئاسة الشعب بأن حفر التفريعة/ القناة الجديدة سيتكلف 20 مليار جنيه من أصل 64 مليار جنيه تم جمعها، وهى فى كل الأحوال دين محلى يتحمَّل سداده كل المصريين؟ ومرة أخرى، ما العناصر التفصيلية لهذه المليارات العشرين؟ ثم مَن الذى سيمتلك المزارع السمكية العملاقة التى قال الرئيس إنها ستكون أكبر مزارع سمكية فى الشرق الأوسط؟ ولأى جهة ستكون تبعيتها؟ هذه ليست أسرارًا حربية كى يتناولها الرئيس فى حديثه بمجرد كلمات وأرقام عابرة ليست لها ملامح اعتمادًا على ثقتنا فى أن الرئيس لا يكذب ولن يخدع الشعب المصرى، كما أكد هو نفسه فى كلمته، وكأن الأجهزة الرقابية لا تعمل إلا إذا ثبت أن البلاد يحكمها لصوص، أو أن الأجهزة الرقابية لا ضرورة لها حتى إن كانت الملائكة هى التى تحكم البلاد!
الملاحظة الخامسة والأخيرة فى مقال اليوم إنما تتصل بمشروع قناة السويس الذى خصص له الرئيس معظم الوقت، إذ من الملاحظ أنه قد استخدم فى كلمته تعبيرًا جديدًا لوصف المشروع هو «تنمية المجرى الملاحى لقناة السويس»، وهو تعبير يختلف تمامًا عن تعبير «قناة السويس الجديدة» الذى ظل يستخدمه منذ بداية المشروع، ولو كان الرئيس قد استخدم وقتها هذا التعبير الجديد، لكنا قد وافقناه عليه، ولكنّا قد فهمنا تعبير «قناة السويس الجديدة» باعتباره يشير إلى قناة السويس فى ثوبها الجديد بعد كل ما يجرى عليها من تنمية لمجراها الملاحى! لكنه لم يفعل، بل وكان يستخدم دائمًا تعبير «حفر قناة السويس الجديدة» بما كان ينفى عن المشروع حقيقته ويظهره دائمًا متنكرًا بحقيقة منتحلة! القضية هنا ليست قضية لغوية، فاللغة ليست ألفاظًا متراصة، وإنما هى «معانٍ» نلحقها بهذه الألفاظ وبهذه التركيبات، فإن هى شردت الألفاظ شردت المعانى، وتقطعت أسباب الفهم ومعايير التقييم!
انتهى مقال اليوم ولم تنتهِ الملاحظات، فهى كثيرة... لكن تبقى ملاحظة أخيرة لا يمكن اختتام مقال اليوم بغيرها، وهى عما قاله الرئيس من أن المسؤولية مشتركة بين الجميع، مطالبًا الشعب بتحمُّل نصيبه من المسؤولية! بيد أن المسؤولية لا تكون مشتركة إلا إذا كانت القرارات مشتركة، فلا يمكن لطرف فى معادلة الحكم المختلة أن يستأثر بالقرار ثم يطالب الطرف الآخر المُغَيَّب بأن يتحمَّل نصيبه من المسؤولية!

No comments:

Post a Comment