فى مصر إذا كانت لديك رؤية عظيمة ومخطط شامل وأفكار رائعة، فيمكنك دوماً التباهى بها وأنت خارج أى منصب، أما مع المنصب فأؤكد لك أنك ستتحول من مبتكر حاد التفكير إلى إدارى يتابع مستوى نظافة حمامات مؤسسته؛ وذلك لأنك لن تجد من يعاونك، وستلحظ غياب أى تفكير ابتكارى، ولذلك عادة ما ألتمس العذر لأى مسؤول فى الدولة يقوم بما لا أراه أنا صحيحاً ومنطقياً وقابلاً لتطبيق، لأن الصورة الكلية عنده وليست عندى، ولكن الحياة بطبيعتها اختيارات، تماماً مثل لعبة الشطرنج، أنت تختار مصيرك ضمن عدد هائل من «تفريعات» النقلات، فإما أن تُحسن البدء فيحسن معك الختام، وإما تُراكم فى البداية أخطاء صغيرة لا تشعر بها إلى أن يتداعى الموقف فى منتصف الدور وتسقط سقوطاً عظيماً فى نهايته. كان الله فى عون الرئيس ومؤسسته، لكننى أرى بعض تفريعاتهم ليست جيدة، ومنها ما يلى:
١- (فى الإدارة): المؤسسات المصرية جميعها مهترئة ومترهلة ومنتهية الصلاحية ولكنها مريضة وليست ميتة، والآن يتم الاعتماد على الجيش فى كل صغيرة وكبيرة، وهذا حسن لإنقاذ الموقف، ولكن إن لم يصاحبه إصلاح للمؤسسات فستموت الدولة مؤسسياً على المدى المتوسط.
٢- (فى السياسة): قولاً واحداً، الديمقراطية وسيلة وليست غاية، ولها مخاطرها فى مجتمعنا الآن (إللى يزعل منى ميزعلش قوى). ولذلك فإن مجلس النواب القادم، الذى سيأتى بكائنات غريبة كثيرة، ومع صلاحياته الجديدة قد يسبب صداعاً كبيراً. لذلك وضع النظام فى جيبه الآن كارت حل المجلس بعد إقرار قانون يسمح بانعقاده رغم عدم البت فى الطعون، على أن يُنظر فيها لاحقاً. الأفضل أن يقوم النظام بحوكمة الدولة لخمس أو عشر سنوات (وهذا قرار جد صعب).
٣- (فى الاقتصاد): يتم التعامل بطريقة «حبيبك يبلع لك الزلط»، لكن المشكلة أن «الفقر يقتل الحب». وبعيداً عن الأرقام الاقتصادية الصماء والبراقة، فإن سياسة «رزق يوم بيوم» لن تكفى، وبروباجندا المشاريع لن تُجدِى. الأفضل هو وجود مشروع إصلاحى شامل ورؤية اقتصادية واضحة ومحددة التوقيت والآليات.
٤- (فى الإعلام): الموت السريرى لإعلام الدولة تسبب فى ضبابية الرؤية وغياب الهدف الأعلى؛ مما أنتج فراغاً سده أصحاب المصالح والمال، وهم ليسوا بالضرورة أصحاب قضايا قومية. لجأت الدولة لتكوين ذراع إعلامية لها مع ترك الوضع كما هو دون إصلاح سريع. هذه الذراع مفيدة مؤقتاً، لكنها تهدم على المدى القصير. والأفضل هو تفعيل مواد الدستور الخاصة بالإعلام، أو «بل» الدستور وتوزيع مياهه علينا بالتساوى.
No comments:
Post a Comment