Translate

Monday, August 24, 2015

هندوسٌ فى الإمارات وأقباطٌ فى مصر بقلم فاطمة ناعوت ٢٤/ ٨/ ٢٠١٥

«بدأت الحضارةُ فى اللحظة التى توقف فيها إنسانٌ ما عن إلقاء حجر، ليُلقى كلمة». هكذا قال سيجموند فرويد، ليصفَ اللحظة المفصلية التى تحولت فيها الإنسانيةُ من الهمجية إلى التحضّر. متى وأين تنشأُ الحضاراتُ؟ حين وحيث تزدهر الإنسانيةُ بقيم التعددية والقبول، فتحلُّ ثقافةُ المحبة والتعايش محلّ ثقافة العنصرية والإقصاء ومركزية «الأنا». هنا يبدأ البناء، والتراكم، وتنشأ الحضارات.
تلك هى الفكرة الناضجة التى أدركها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وكرّسها فى مجتمعه الوليد منذ قرر توحيد الإمارات ليكوّن ذلك النموذج الحضارى المشرق فى المنطقة العربية؛ الذى يُعلى قيمة «الإنسان»، ويحترم حقَّ اختياره لمعتقده وفكره. متى يبدأ الإيمانُ الحقيقى بالله؟ حين نستوعب أن خالقَ هذا الكون ليس حِكرًا على طائفة دون سواها. تلك إرادة الله فى كونه؛ أن تتعدد طرائقُ الوصول إليه. فكلُّ إنسان فوق الأرض يتوجّه إلى الله وفق منظوره ورؤيته ومعتقده. كلٌّ يسعى فى طريقه الخاص موقنًا أنه ساعٍ نحو النور الذى فى نهاية الطريق. ويبدأ التخلّفُ والاقتتالُ والدمار حين تبغى طائفةٌ على طائفةٍ لإجبارها على السير فى طريق بعينه. وفى حين يقتلُ إنسانٌ إنسانًا وهو يرفعُ لواءَ الله زيفًا وكذبًا، يساعدُ إنسانٌ إنسانًا آخر على عبادة الله وفق معتقد مخالف، وهو يرفعُ لواء الله حقًّا وصدقًا، وفى الوقت نفسه، يقدم للآخر صورة طيبة عن معتقده الخاص. الفارقُ بين الحالين أن الأول طائفيّ همجيٌّ يحارب مشيئة الله فى التعدد، والثانى مؤمنٌ متحضرٌ يحترم قولَ الله تعالى: «ولو شاء ربُّك لجعلَ الناسَ أمّة واحدة، ولا يزالون مختلفين» هود ١١٨.
واليوم، يسيرُ آلُ الشيخ زايد وأبناؤه على ذات النهج المتحضّر الذى غرسَ قيمَه النبيلةَ الأبُ المثقفُ قبل بضعة وأربعين عامًا. فقدّم الأبناءُ، مثلما قدّم الأبُ من قبل، الصورةَ الحضارية الأرقى للإسلام، حين يحتضنُ الإنسانيةَ ويحترمُ عقلَ الإنسان وحريته فى اختيار دربه، وحين يحارب الطائفية والعنصرية والاقتتال والإقصائية الأنانية. لأن الحرية مناطُ التكليف: «وهديناه النجدين». تلك الصورة الراقية للإسلام قدمتها حكومةُ الإمارات بالأمس حين منحت أرضًا فى العاصمة «أبوظبى» للجالية الهندية بالإمارات لبناء معبد هندوسى، فقدمت للعالم درسًا «عمليًّا» فى الاستنارة والتحضر ونبذ الكراهية والعنصرية. تقديم الوجه المشرق للإسلام لا يكون على الشاشات باللغو الصاخب غير المصحوب بالعمل، ولا فى المؤتمرات بالتنظير الشكلانى وإطلاق شعارات رنانة حول سماحة الإسلام كما نردد كل نهار لغسل الضمائر والتبرؤ مما يفعله التكفيريون والإرهابيون، بل بالعمل. ذاك أن داعش وبوكو حرام وأشباههم «لا يتكلمون»؛ بل «يفعلون». ومن ثَمّ لا تكون مواجهتهم بالكلام، بل بالفعل المضاد. داعش تقول «بأفعالها» إن الإسلام دينُ سفك دماء ونحر رقاب، والإمارات تقول «بأفعالها» إن الإسلام دينُ سلام وإنسانية ومحبة واحتواء. ذلك هو التطبيق العملى لكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى قالها فى حفل افتتاح قناة السويس: «سنحارب الكراهية بالحب». ولشدّ ما أتمنى أن تتحول تلك «الكلمة» الطيبة، إلى «فعل» طيب، يتجلى على نحو ملموس فى مصر. فإن وجد الهنودُ «الوافدون» حقَّهم الفطريّ فى ممارسة طقوس عبادتهم فى دولة «ليست» وطنهم، فليس من المقبول أن يتعثر «مواطنون» أصلاء فى الحصول على الحق نفسه فى دولة هى «وطنهم»، فيعانى مسيحيو مصر فى الحصول على ترخيص لبناء دير أو ترميم كنيسة أثرية متهدمة.
لن نبدأ مسار النهضة الحقيقية فى مصر الجديدة، إلا فى اللحظة التى تختفى فيها الطائفيةُ من بلادنا إلى غير رجعة. فتتعانق الأكفُّ، لا للاقتتال ولا للعراك، بل للبناء والتشييد وجرّ قاطرة الوطن.
تحية احترام لدولة الإمارات العربية المتحدة التى تقدّم لنا كل يوم درسًا حضاريًّا جديدًا. والعُقبى لنا.

No comments:

Post a Comment