Translate

Sunday, November 24, 2019

الشباب فى المجتمعات المعاصرة بقلم الأنبا موسى ٢٤/ ١١/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


الاستهلاك - الأمركة
١- تتحرك البشرية بسرعة كبيرة، من عصر إلى عصر، فمن الزراعة، إلى الصناعة، إلى الذرةّ، إلى الليزر، والهندسة الوراثية، وزراعة الأعضاء، إلى عصر المعلومات الذى يأتى كحصاد جبار، لكل ما أثرى به العلماء البشرية، على مدى تاريخها.
٢- ويقولون إنه إذا كان القرن العشرين هو قرن «تدفق» المعلومات، فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن «سيطرة» المعلومات. ففرق بين أربعينات الحرب العالمية، وبين خمسينات الثورة، وستينات الاشتراكية، وسبعينات الانفتاح، وثمانينات التطرف، وتسعينات الإرهاب، والألفية الثانية والفمتوثانية، وما نقابله اليوم من العولمة وتكنولوجيا العصر. العصر يختلف، وظروف الحياة تتغير، ويجب أن نستوعبها مهما تقدمت بنا الأيام.
٣- وألا نعامل الشباب بظروف وتقاليد جيلنا، بل بما يواجهونه اليوم من ملامح عصر جديد، حيث ثورة الاتصالات، والمعلومات، وأطفال الأنابيب، وحرية الاقتصاد والسياسة والاجتماع، والبث بالأقمار الصناعية، وما يتبعه من غزو ثقافى وقيمى، مختلف تمامًا عما عاشه الآباء فى شبابهم، حيث كانت القيم المصرية، والتقاليد الاجتماعية، والعائلية، تحكم تصرفات الناس، بل تحكم حتى اختيارات الشباب فى تعليمهم، وزواجهم، وأشغالهم، وعلاقاتهم.
٤- لابد إذن من أن يستوعب الكبار معالم العصر، وأن يتعاملوا مع أبنائهم، متفهمين هذه المتغيرات فى: المنزل، والمدرسة، والشارع، ووسائل الإعلام، والتيارات السائدة، فكرياً وسياسياً واجتماعياً.
٥- ومن هنا لابد من مراعاة أنه دائمًا فى فترات نهضة أى مجتمع، نجد الشباب يقوم بدور إيجابى يدفع المجتمع إلى الأمام، لكننا أحيانًا ننظر إلى مجتمعنا- مع تغيرات العصر- فنجد أن أغلبية الشباب فى دور «المتفرج»، على كل ما يحدث، حتى وإن بدا عكس ذلك، فالعديد من الظواهر استجدت بين الشباب وصارت من الكثرة والتشابك بحيث يصعب تحليلها مجتمعة.
٦- ولكننا سنحاول هنا التركيز على بعض الظواهر والتى منها: الاستهلاك، الأمركة، والاغتراب والذاتية.
أولاً: الاستهلاك:
١- منذ السبعينات، ومع بداية سياسة الانفتاح الاقتصادى، بدأ ظهور طبقة من الأثرياء المحدثين، ومعهم بدأ تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج، وأصبح الاستهلاك الترفى ظاهرة بدأت تتفاقم منذ ذلك الحين، حتى تحولت ظاهرة الاستهلاك إلى دوامة سقط فيها المجتمع المصرى بجميع قطاعاته، حتى إن الفرد المصرى تقريبًا ينفق سنويًا على الاستهلاك ما يساوى دخله السنوى، وهى ظاهرة تزداد باستمرار.
٢- وتزداد حدة ظاهرة الاستهلاك بين الشباب، الذى أصبح أحد أساسيات الحياة، ليس فقط الاستهلاك المادى بل تعداه إلى استهلاك كل شىء حتى الآخرين. وخطورة ظاهرة التسلط الاستهلاكى هذه تكمن فى فقدان الإنسان لقيمته، وأصبح الإنسان «شيئًا» يُستهلَك، وسلعة تقيم حسب مظهرها وقيمتها المادية. وأصبحنا نسمع من يقول: «فى جيبك قرش تساوى قرش»!
٣- وبهذا يقوم الاستهلاك بالقضاء على قدرتهم على التمييز بين ما هو ضرورى وما هو غير ضرورى، بين الأساسيات والكماليات، من خلال سطوة إعلانية، تحرص بطرق مدروسة على إنماء الرغبات غير المهمة أو المهدفة.. وتجاهل أى عنصر جاد فى طبيعة البشر حتى هبطت بالبعض إلى مرتبة أدنى.
٤- انتشار الألعاب الإلكترونية، بين الشباب، وما تسمى بلعبة «الحوت الأزرق» وهو فعلاً كالحوت الذى يبتلع الإنسان، وأزرق بلون البحر، وهذه لعبة الكترونية خطيرة، تهدد حياة الإنسان، وغيرها من الألعاب الإلكترونية الأخرى الضارة والمدمرة!! إنها الاستهلاكية التى تسعى فقط للحصول على كل منتج يعلن عنه على شاشة الإنترنت.
ثانيًا: الأمركة (التغريب):
١- أصبحت أمريكا هى حلم عدد كبير من الشباب، الذى صار يحيا إما بهدف السفر والحياة فى أرض الأحلام الأمريكية، أو صار يحيا النموذج الأمريكى داخل مصر. وهذا النموذج الذى اخترق حياتنا حتى النخاع بداية من المنتجات الأمريكية، والسندوتشات، مرورًا بموضات (الملابس، وتسريحات الشعر)! وليست المشكلة فى هذه المظاهر، ولكن تكمن المشكلة فى «القيم التى تكمن خلفها».. والتى نقبلها ضمنًا بقبولنا للمظاهر، والتى لابد أن نتذكر أنها ظهرت هناك فى ظروف وثقافة، تختلف كل الاختلاف عن ظروفنا وثقافتنا وتقاليدنا. وهذه القيم تتسرب إلينا، ونحن فى حالة من الانبهار الساذج، وتصبح مع الوقت جزءًا من تكويننا.
٢- وتنتج هذه القيم من نظرة مناقضة لنظرتنا للحياة والكون والآخر، من نظرة تقوم على الفردية «Individualism» التى قد تكون حققت قفزة كبيرة للبشرية على كل المستويات: علميًا وفكريًا وفلسفيًا، ولكنها أيضًا تعتبر أحد أسباب المأزق الذى وقع فيه الإنسان المعاصر، والذى يمكننا أن نسميه «التمركز حول الأنا» (The me culture)، مما أدى إلى زيادة قيم المتعة الذاتية، والاستهلاك المكلف.
٣- ولا شك أن طاحونة الإعلام الغربية الضخمة، تدور بكل قوتها، فتحدث فيه غزوًا إعلاميًا وثقافيًا منظمًا، يصور للجميع أن نمط الحياة الغربى (المختلف بالأساس عن كل أنماط الحياة فى الدول صانعة الحضارات والتاريخ مثل مصر) هو النمط الأمثل للحياة. وهذا النمط الذى يفرض بمطاعمه وأفلامه ومواقعه الالكترونية، مؤثرًا قويًا على أجيالنا الصاعدة. لذلك يحتاج شبابنا تأصيلاً ثقافياً، ليعوا الحق، ويميزوا بينه وبين الباطل، ويكون لهم القوام المتماسك، والأساس الراسخ، الذى لا يهتز أمام أعاصير التفرنج، والثقافات السطحية!. وهذا كله يحتاج إلى تدقيق وتأصيل شبابنا فى كل ما هو إيجابى، وتحذيره من كل ما هو سلبى. (وللحديث بقية).

No comments:

Post a Comment