Translate

Monday, May 5, 2014

من تشرشل إلى دالاس (٢) بقلم د. مراد وهبة ٥/ ٥/ ٢٠١٤

إذا كان تشرشل قد تلاعب بمسلمى الهند حتى وُفق فى مولد دولة باكستان الإسلامية فى أغسطس عام ١٩٤٧ فبمن تلاعب جون فوستر دالاس ( ١٨٨٨- ١٩٥٩)؟ جواب هذا السؤال وارد فى كتابه المعنون «حرب أم سلام» (١٩٥٠). وواضح من العنوان أن ثمة عدواً يريد حرباً وأن ثمة آخر يريد سلاماً. العدو، فى رأى دالاس، قوة عظمى اسمها روسيا محكومة بحزب شيوعى متعصب وزعيمه ستالين ومتحكم فى ٧٠٠ مليون من البشر. وهنا الخطر فهل ثمة أمل فى إزالته؟ كان هذا هو السؤال المحورى. ودالاس يجيب بسؤال: إذا كان الحزب الشيوعى السوفيتى متعصباً بزعامة ستالين الديكتاتور ومتحكماً فى أولئك البشر فما هو الإغراء الذى يقدمه لهم؟ إن الإغراء يكمن فى اهتمام الحزب الشيوعى السوفيتى بتنمية الحياة المادية مع إعلانه أن النظام الأمريكى رأسمالى استعمارى، والمفارقة هنا، فى رأى دالاس، أن أمريكا ذاتها تسهم فى منافسة الحزب الشيوعى السوفيتى على تنمية الحياة المادية إلى الحد الذى أصبحت فيه أمريكا فى الصدارة، ومع ذلك فالتهديد قائم، لماذا؟ جواب دالاس أن قيمة الإنسان تكمن فى «الحاجة الروحية» وليس فى «الحاجة المادية»، والمسيحية كفيلة بإشباع هذه الحاجة. ومن هنا أسهم دالاس فى ديسمبر عامَ ١٩٤٠ فى تأسيس المجلس الاتحادى للكنائس المسيحية. كما دعت الكنائس البروتستانتية إلى تأسيس منظمة عالمية للسلام، فانضمت إلى هذه الدعوة الكنيسة الكاثوليكية ومجموعات يهودية. وفى ٣٠ أكتوبر ١٩٤٣ وإثر هذه الدعوة قررت الدول الأربع الكبرى: أمريكا وإنجلترا والاتحاد السوفيتى والصين تأسيس منظمة دولية. إلا أن دالاس لم يكن متحمساً، إذ فى رأيه أن المنظمة الدولية ضعيفة مثل الشرطة إلا إذا استندت إلى تدعيم أخلاقى من جماعة دولية. وكانت هذه الجماعة الدولية هى «مجلس الكنائس العالمى» الذى أسهم دالاس فى تأسيسه فى أغسطس من عام ١٩٤٨ بأمستردام بهولندا. وفى عام ١٩٥٥ قدم الرأسمالى الأمريكى جون روكفلر منحة قدرها ٢.٥ مليون دولار لذلك المجلس لدراسة الآثار المترتبة على حركة التصنيع فى دول العالم الثالث فى إطار الصراع بين الرأسمالية والشيوعية من أجل حسمه لصالح الرأسمالية. وفى عام ١٩٦١ صدرت هذه الدراسة فى كتاب عنوانه «الكنائس والتغير الاجتماعى السريع». وقد انتهت هذه الدراسة إلى ضرورة تحريك كنائس أفريقيا وآسيا للانخراط فى المجتمع ثم يصبح النشاط السياسى والاقتصادى جزءاً جوهرياً من العمل الدينى.
وفى عام ١٩٦١ تأسس «المركز الإسلامى» بجنيف بقيادة سعيد رمضان. وبدأ التعاون بين ذلك المركز ومجلس الكنائس العالمى بدعوى الاستجابة لتفعيل «الحاجة الروحية» اللازمة لمحاربة الشيوعية على نحو ما ارتأى دالاس. والمفارقة هنا أن سعيد رمضان كان عضواً فى مجلس إدارة بنك التقوى الذى كان الممول الرئيسى لـ«بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة».
وفى الفصل الأخير من كتابه وعنوانه «حاجتنا الروحية» يرى دالاس أن ما ينقص أمريكا هو الإيمان الحى الذى يعنى أن مصير الإنسان مغروس فى الله. ومع ذلك فإن دالاس يعيب على المجتمع الأمريكى أنه على الرغم من أنه مجتمع متدين إلا أنه كسر العلاقة بين الإيمان والممارسات العملية وكان من شأن هذا الكسر أن امتنع عن توليد الطاقة الروحية. واللافت للانتباه من هذه القسمة الثنائية بين المجتمع المؤمن والمجتمع الملحد عند دالاس أنها مماثلة للقسمة الثنائية بين المجتمع الإسلامى والمجتمع الجاهلى عند سيد قطب. وإذا كان ذلك كذلك فهل ثمة علاقة بين دالاس وسيد قطب؟.

No comments:

Post a Comment