Translate

Friday, June 9, 2017

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (10) - جريدة الوطن - 10/6/2017

الفقهاء المسلمون يرفضون أن تكون الآنسة رشا رئيسة جمهورية، أو مدام فاطمة خليفةً للمسلمين! وذلك لأن المرأة حرام عليها وممنوعة شرعاً أن تتولى الولاية الكبرى. اعتمد الفقهاء على الحديث المذكور فى «البخارى»، الذى رواه «أبوبكرة»، قائلاً: «لقد نفعنى الله بكلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيام الجمل (يقصد موقعة الجمل بين عائشة وعلى بن أبى طالب)، بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما أُبلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى، قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وأعتقد أن «أبوبكرة» بهذا الحديث أراد أن يبرر موقفه ويريح ضميره أكثر منه يريد إعطاء موعظة دينية، أو لنقُل إعطاء نصيحة نبوية، وذلك لعدة أسباب درستها الباحثة فاطمة المرنيسى، فى كتابها «الحريم السياسى»، والحديث تدور حوله عدة أسئلة وشكوك منطقية، منها:
1- لماذا لم يتذكر راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة؟ وبعد أن تأكد أن السيدة عائشة قد فقدت بريقها السياسى، حيث قُتل ثلاثة عشر ألفاً من أنصارها فى ساحة المعركة، واسترجع «علىّ» السيطرة على البصرة، واستقر الأمر له؟!، أليس هذا نوعاً من التبرئة السياسية لمن وقف على الحياد، ولم يؤازر المنتصر، وفى نفس الوقت لم يقف إلى جانب حبيبة رسول الله -أمّ المؤمنين- فأحياناً يكون الحياد أو اللاموقف محسوباً على الشخص أكثر من الانحياز نفسه.
2- تاريخ «أبوبكرة» ملىء بالثغرات التى تجعله يريد الحفاظ على موقعه الاجتماعى الجديد كواحد من أعيان البصرة، ويعض عليه بالنواجذ، فالإسلام منحه الثروة، والأهم منحه الهوية، فقد كان مجرد عبد، حتى اسم أُمه عليه خلاف فى كتب التاريخ، وقصة إسلامه خالية من الاقتناع الإيمانى واليقين العقائدى، فقد أسلم بعد حرب حول حصن الطائف، وعد فيها النبى كلَّ مَن يترك الحصن بالحرية، وسرعان ما هبط «أبوبكرة» من الحصن، حتى يحصل على الحرية والأمان، وليس حباً أو اقتناعاً بالدين الجديد، والحفاظ على كل هذه المكاسب التى حصل عليها هذا الرجل من الممكن أن تدفعه إلى اختراع حديث ينقذ به نفسه من هذا الوضع الذى لا يُحسد عليه.
3- هل من المعقول أن نعتمد فى حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده فى عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف؟! فقد شهد على شخصية سياسية مرموقة هو المغيرة بن شعبة فى واقعة خطيرة، وهى الزنا، وتشكك «عمر» فى شهادته، فطبق عليه الحد، ألا تستدعى تلك الحادثة أن نتشكك فى هذا الحديث؟ السؤال موجَّه إلى كل الفقهاء، الذين اعتمدوا عليه فى نفى المرأة من جنة الولاية.
4- بفرض صحة هذا الحديث، لا بد أن نفهمه على أنه وصف لحادثة بعينها، وأيضاً لا بد من فهمه فى ضوء الأحاديث السابقة عن «فارس» و«كسرى»، فالحديث بهذا الشكل هو تكملة لقصة «كسرى»، الذى مزَّق كتاب النبى، فسلّط عليه ابنه فقتله، ثم قتل إخوته، وانتهى الأمر بموته مسموماً، فأخذت الولاية ابنته «بوران»، وكان الرسول قد دعا من قبل حين مزّق كتابه أن يمزقوا كل ممزق، ولذلك كان حديثه عن عدم فلاح قوم فارس استكمالاً للدعاء السابق، أو بحسب عبارة الباحثة السياسية هبة رؤوف عزت، حين وصفت هذا الحديث بأنه «يدخل فى إطار الإخبار والبشارة، لا فى باب الحكم الشرعى».

No comments:

Post a Comment