هو شعور صعب وقاسٍ يحس به من عبر عن تصوره فلم يعبأ به٬ ومن أفصح عن موقفه فتم تجاهله٬ وكأنه لم يكن. الأمر لا يتعلق بوثائق تاريخية ولا بحجج قانونية٬ ولا حتى بانتقال السيادة على الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية٬ وإن كانت عملية الانتقال أسرع بكثير عن المعتاد أو من المتعارف عليه دوليا. إنما تكمن الكارثة هنا فى تجاهل مشاعر وتصورات ومواقف وطلبات المصريين٬ والضرب بها عرض الحائط٬ وكأن لا اعتبار لها.
فالقضاء المصرى أقر بوضوح لا يقبل التأويل أن الجزيرتين مصريتان٬ وفقاً لما قدم له من وثائق وبراهين من قبل كل من المؤيدين والمعارضين لعملية انتقال السيادة. أما مجلس النواب فقد أقر الاتفاقية فقط صوريا فى شكل سريالى غريب يشبه التزكية عنه التصويت٬ وبعد محاولات مستميتة لإسكات المعارضين والضغط على كل من يتجرأ فيعرض وجهة نظر مخالفة. أما الشعب بجميع فئاته- مثقفيه، أحزابه٬ موظفيه٬ عامليه- فقد عبر أغلبه بوسائل شتى عن عدم الارتياح لهذا المسار٬ وعدم تقبل إدارة الأمر بهذه الطريقة المعيبة، ومن ثم كانت هذه القضية حديثا لمقالات لا تعد ولا تحصى٬ ولحوارات طويلة فى البرامج التليفزيونية٬ ومحركا لتظاهرات كثيرة ومتتالية فى الشوارع٬ وموضوعا لنقاشات لا تنتهى فى المقاهى والنوادى وفى القعدات الخاصة. بالقطع٬ اتجاه الرأى العام فى مصر كان واضحا لكل ذى بصر، فهو غير مؤيد لنقل الجزيرتين٬ على الأقل ليس بهذا الشكل، وبهذه السهولة وبتلك السرعة.
وبالرغم من كل ذلك٬ أصرت السلطة أن تسير فى مسار عكسى غير عابئة بأحكام القضاء فى سابقة خطيرة تطيح بدولة القانون فى مصر٬ وهو الدرب الذى سار عليه أيضا مجلس نواب يبدو وكأنه ينوب عن الحكومة وليس الشعب٬ لأن الأخير قد تم ببساطة استبعاده. وعلى نفس المنوال وبلا تراجع٬ تجاهلت السلطة كل المسارات القانونية والدستورية، سواء على المستوى الدولى أو المحلى بشكل مدهش٬ إن لم يكن مريب.
مؤلم أن تتناسى الدولة رأياً عاماً قوياً لم يتوحد بهذا الشكل وبهذه الطريقة حول قضية كتوحده حولها٬ وشعب لم يشعر بأن أحداً يمس ثوابته الوطنية٬ وحسه القومى مثلما أحس فى هذه القضية. شعور عام بالصدمة وإحساس مكتوم بالإهانة يظهر لمن يريد أن يراه٬ وينتشر بشكل عابر للطبقات فقط لمن يعترف به. أن يعبر أحدهم عن رأيه مراراً وتكراراً ويطالبك بالاعتداد به باعتبارك من تنوب عنه٬ لأن السلطة تنوب عن الشعب٬ فتخذله٬ فهى قمة الصدمة. أما أن يؤكد أحدهم تصوره بشكل قاطع ويسألك أخذه بمحمل الجد٬ باعتبار أن السلطة تخدم المجتمع٬ فتتجاهله٬ فهى قمة الإهانة. عادة ما تشعر السلطوية الإنسان بالقهر٬ وهو أمر ينتهى ويعبر بتغيير الأمور وتبديل الأحوال٬ أما الاستهانة فتحفر فى القلب جروحاً غائرة يسحب تراكمها تلقائياً من شرعية من تسبب فيها.
لذا وأخيراً٬ نتساءل: لماذا هذا الحجر الصارخ على الرأى؟ ولماذا كل هذا الاستعلاء على المجتمع؟ ولمصلحة من تراكم مشاعر المرار والغضب؟.. بالقطع٬ انتهاء قضية تيران وصنافير بهذا الشكل المؤسف سيظل كالغصة فى الحلق، تلك التى تقتل الروح لو لم تقتلع بمهارة أو تستوعب بذكاء.. فهل من يعى؟
No comments:
Post a Comment