تمثل حملة المقاطعة الخليجية والمصرية لدويلة قطر خطوة مهمة للغاية على طريق محاربة الإرهابيين، فهذه الحملة تستهدف وقف عمليات تمويل ودعم الإرهابيين الذين يعملون على الأراضى السورية والليبية، ووقف عمليات دعم وتمويل جماعة الإخوان والجماعات القريبة منها والتى تقوم بممارسة العنف والإرهاب على الأراضى المصرية لاسيما فى شمال سيناء. والمؤكد أن رفع الإدارة الأمريكية الغطاء عن النظام القطرى يمثل خطوة مهمة للغاية أيضاً على طريق إخضاع النظام القطرى ووضعه فى حجمه الطبيعى كدويلة صغيرة ذات وفرة مالية وليست قوة إقليمية عظمى لديها من مكونات القدرة الشاملة ما يمكنها من ممارسة هذا الدور. ومن ثم بات أمام النظام القطرى خياران لا ثالث لهما، الأول هو التراجع السريع عن السياسات الراهنة فى دعم الإرهابيين وقطع الصلة مع الدول الداعمة للإرهاب مثل إيران والتوقف تماماً عن تقديم الدعم المالى للجماعات الإرهابية، ومن ثم العودة مجدداً إلى الصف الخليجى، أو مواصلة دعم الإرهابيين فى سوريا والعراق، وممارسة اللعبة نفسها فى اليمن عبر تقديم الدعم لتنظيم القاعدة وللحوثيين، وتطوير العلاقات مع إيران، ومن ثم التعرض لمزيد من العقوبات الخليجية والمصرية من ناحية والغضب الأمريكى من ناحية ثانية على نحو يؤدى إلى تغيير جذرى فى النظام القطرى. ومن ثم لن يكون أمام النظام القطرى سوى تغيير السياسات جذرياً أو تغيير النظام نفسه.
والحقيقة أن الضغوط على قطر والعمل على وقف عمليات دعم وتمويل الإرهابيين تمثل الشق الأسهل من المعادلة التى تمثل محاربة الإرهاب شقها الثانى، وهنا نكون أمام عملية طويلة ومعقدة تتشكل من مكونين متكاملين، الأول وهو الإنتاج الفكرى والمعرفى الذى يولد الإرهاب ويغذيه، والثانى عمليات التحريض ضد «الآخر» المختلف. والحقيقة أن البنية الفكرية للإرهاب هى بمثابة مصانع إنتاج الإرهابيين، التى تواصل العمل ليل نهار على تغذية الفكر الإرهابى الذى يمثل البنية المعرفية للتشدد والتعصب وهى البطانة الوجدانية للتطرف ومن ثم الإرهاب. إذن نحن أمام سياسة تحاول وقف سياسات دعم وتمويل الإرهابيين، وأخرى لا بد أن تترافق معها لوقف إنتاج الإرهابيين، فعدد من الدول المشاركة فى حصار قطر ومقاطعتها مثل المملكة العربية السعودية تمثل منبع الوهابية التى هى أصل كل الشرور، وما لم يتم التحرك فوراً للتعامل مع المكون الفكرى للتطرف والمتمثل فى آلاف الكتب القديمة والفتاوى المتراكمة والتحريض على المنابر، سوف تستمر المصانع فى تخريج الإرهابيين، ومن ثم نكون تعاملنا مع الأعراض لا الأسباب، فالتعامل مع الأعراض يأتى بعد استفحال المرض، ودون أن يقضى عليه، أما التعامل مع المكونين الفكرى والمعرفى وفى الوقت نفسه محاربة الإرهابيين بكل قدرة، فيعنى منظومة متكاملة لمحاربة الإرهاب تمهيداً للقضاء عليه.
من هنا نتمنى أن تبدأ عملية مراجعة سريعة وشاملة لكل ما له علاقة بالإنتاج الفكرى والرسالة الدينية فى عالمنا العربى، لا بد من مراجعة كل ما يلقن به الأطفال منذ الصغر وما يقدم لهم فى مناهج التعليم لاسيما الدينى منه، ومراجعة رسائل وسائل الإعلام وتغيير أجندتها لتكون تكريس قيم الإنسانية المشتركة بين البشر ووقف كل ما له صلة بكراهية الآخر، أى آخر، أياً كان مصدر الاختلاف معه، أوّلى من لغة وعرق ودين وطائفة وجنس، أو ثانوى من طبقة اجتماعية ومستوى اقتصادى ورؤى وانتماءات سياسية.
محاربة الإرهاب أشمل وأعمق من محاربة الإرهابيين، فلا بد أن نبدأ من مكافحة التعصب والتطرف الفكرى ونتصدى بحزم وبالقانون لحملات التحريض والكراهية التى توظف المخزون الفكرى فى دفع الشباب، بل الشعوب ككل، إلى التطرف ومن ثم حمل السلاح.
No comments:
Post a Comment