رغم شعور غالبية المصريين بالارتياح الشديد للقرارات العقابية التى اتُّخذت بحق قطر من قِبَل السعودية والإمارات والبحرين، ثم انضمام مصر إلى هذه السياسة العقابية، فإن هناك من أبدى عدم ارتياحه لما يجرى، هناك من برّر موقفه بأنه يرفض سياسة الانتقام من دويلة عربية صغيرة لها مواقف داعمة للأمن القومى العربى والقضية الفلسطينية، ويغلب على من يستخدم هذا المبرر الانتماء إلى جماعة الإخوان أو التعاطف معها. وهناك من برّر رفضه لما يُتخذ من إجراءات عقابية تجاه قطر بأنه قرار سعودى فى الأساس، ومن ثم فمصر هنا بدت دولة «تابعة» تسير خلف المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت تقوم بالقرار العربى.
فى تقديرى، أن أصحاب المبرر الأول يبنون موقفهم على الضرر الذى سوف يقع على الجماعة بصفة عامة، وعلى القيادات والكوادر المقيمة فى قطر، أو فى دول أخرى، مثل السودان وتركيا وماليزيا، ويحصلون على الدعم المالى من قطر، ففى جميع الأحوال فإن مقاطعة قطر وحصارها على النحو الذى اتخذته السعودية والإمارات والبحرين، سوف يضر بالجماعة ضرراً شديداً، تنظيمها الدولى وقياداتها الهاربة فى قطر، وغيرها من الدول المتعاطفة مع الجماعة، ومن ثم فإن الحديث عن أن قطر دولة داعمة للأمن القومى العربى والقضية الفلسطينية، هو حديث خاوٍ من أى مضمون، فقطر لعبت، وتلعب، دوراً تخريبياً فى الداخل الفلسطينى، تدعم حركة حماس، الجناح السياسى لجماعة الإخوان، الفرع الفلسطينى، وتراها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى على حساب ممثلها الشرعى المعترف به دولياً، وهو منظمة التحرير الفلسطينية، على النحو الذى ورد فى حوار أمير قطر مع وكالة أنباء بلده، الذى شدد فيه على أن «حماس» هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى. ولقطر أيضاً علاقات تبادلية على جميع المستويات مع إسرائيل، وهناك تنسيق فى الكثير من القضايا. هذا إضافة إلى رعاية قطر لما سُمى بالربيع العربى وتمويل الجماعات الإرهابية المتطرّفة، وعلى رأسها «داعش». ومن ثم فإن الحديث عن أن قطر دولة عربية داعمة للأمن القومى العربى والقضية الفلسطينية هو حديث أجوف كهتاف الإخوان والسلفيين فى مصر بعد يناير ٢٠١١: «على القدس رايحين شهداء بالملايين»!!!!
أما من يقول إن مصر سارت خلف المملكة العربية السعودية وبدت تابعةً لها فى حصار ومقاطعة قطر، فهو حديث أجوف لا ينطلق من تحليل الواقع القائم، الذى يقول إن قطر دولة خليجية، عضو فى مجلس التعاون الخليجى، وترتبط عِرقياً وقبلياً بأسر ممتدة فى باقى منطقة الخليج، ومن ثم فإن اتخاذ إجراءات عقابية تجاهها لا بد أن يتم بالتنسيق أو بالتفاهم مع باقى دول مجلس التعاون الخليجى، وتحديداً السعودية والإمارات، وذلك حتى تكون الإجراءات مؤثرة وتُؤتى ثمارها، هذا إضافة إلى أن الواقع يقول إن مكانة مصر ودورها قد تعرّضا للعطب، وحدث انكفاء على الذات خلال السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى الوهن الاقتصادى والصعوبات الأمنية، ومن ثم فإن المسألة ليست هتافاً بالحناجر، والأدوار لا يُحدّدها مدى ارتفاع نبرة الصوت، بقدر ما تتحدّد من خلال القدرات الشاملة للدول.
وفى تقديرى، فإن مصر لعبت دوراً مهماً، بل وجوهرياً فى تقديم المعلومات والوقائع التى دفعت الدول الخليجية الثلاث إلى اتخاذ قرارات مقاطعة قطر ومعاقبتها، وهو الهدف الجوهرى للسياسة المصرية، التى تعتبر قطر اليوم على رأس أعداء مصر وشعبها وأمنها القومى، ومن ثم فقد نجحت الدولة المصرية فى دفع الدول الخليجية الثلاث إلى اتخاذ هذه القرارات من خلال أداء راقٍ على المستوى السياسى والمعلوماتى، أما من اتخذ القرار أولاً، ومن اتّخذه ثانياً، فهو أشبه بتحليل السياسات العالمية والاستراتيجيات الكبرى على المقاهى الشعبية.
No comments:
Post a Comment