كثيرة هى النظريات التى نشأت فى الغرب كى تفسر غياب الديمقراطية فى دول الشرق، وعندما نقول دول الشرق فإن المقصود بها التى تسود فيها الثقافة الشرقية، ومن ثم فهى تشمل روسيا الاتحادية، الصين وجوارها، إضافة إلى العالم العربى، اتسمت هذه الدول بمقاومة الديمقراطية وفق المفاهيم الغربية، فقد قاومت الثقافة السائدة فى الشرق مكونات الديمقراطية وفق المعايير الغربية، وابتدعت لنفسها أطراً خاصة بها، تارة يتحدثون عن المستبد العادل، وأخرى يتحدثون عن ظل الإله على الأرض، خليفة الله الذى يحكم باسمه، ويرى فى المقدسات مصدراً للسيادة وليس الشعب، ومن ثم فمن يقاوم الحاكم إنما يعصى الخالق، سادت هذه المجتمعات أفكار وليدة نظرية «الاستبداد الشرقى» وقيل إن الشرق شرق والغرب غرب، بمعنى أن لكل منهما طابعه الخاص وسمات شعبه تجعله متميزاً عن الآخر.
تحايلت نخب الشرق فى بحثها عن بدائل الديمقراطية الغربية وابتدعت أشكالاً للحكم مختلفة ومتنوعة، كان هناك الحكم الإمبراطورى (الصين) والقيصرى (روسيا) والخليفة (تركيا والعالم العربى) ومع اتساع موجة انتشار الديمقراطية وفق المعايير الغربية، هناك من قاوم هذه الظاهرة وحافظ على أسس نظام الحكم دون تغيير (الصين) أو مع قدر من التغيير الشكلى (روسيا الاتحادية) أو عمل على استيراد بعض الأشكال المؤسسية دون الجوهر (مثل عدد من الدول العربية الشرق أوسطية) ومنها من ظل يتخندق وراء الخصوصية والهوية ليرفض التكيف (دول الخليج العربى وفى مقدمتها السعودية). وفيما يخص علاقتنا بالديمقراطية، نقول بوضوح إن الديمقراطية هى ثقافة ومجموعة من القيم مثل الحرية، المساواة، قبول التنوع والتعدد والاختلاف، المواطنة، حرية الرأى والاعتقاد، حرية التعبير... وغيرها من تلك القيم الإنسانية المصاحبة للديمقراطية والمؤسسة لها، هذه القيم تتطلب مجتمعاً له مواصفات خاصة تتعلق بالإنجاز المادى والمعنوى، إذ لا بد من تحقيق إنجازات كبرى فى التعليم والقضاء على الأمية والجهل، فلا ديمقراطية فى مجتمعات ترتفع بها معدلات الأمية، كما لا بد من تحقيق معدلات مرتفعة لمتوسط الدخل السنوى للأفراد، فلا ديمقراطية فى مجتمعات فقيرة ترتفع فيها معدلات الفقر بالمعايير العالمية، فالفقر والجهل يؤديان إلى انتشار الخرافات، وسهولة سيطرة رجال الدين على العقل الجمعى، وتجهيز الشعب للرضوخ للحاكم وفق المقولة الخالدة «الدين أفيون الشعوب». طبعاً هناك نظريات ورؤى تقول بإمكانية انتشار الديمقراطية فى مجتمعات ترتفع فيها معدلات الفقر والجهل، ويتخذون من الهند نموذجاً لذلك، لكن علينا أن نلاحظ أن النموذج الهندى فقد باكستان على أساس دينى، ومن الأخيرة خرجت بنجلاديش، ولا تزال المشاكل المتراكمة تعوق عمل النموذج الهندى، مقابل نموذج كوريا الجنوبية الذى أغلق ملف الديمقراطية لتحقيق معدلات تنموية مرتفعة، ارتفعت معها معدلات التعليم، فولدا لاحقاً الطلب على الديمقراطية وقد كان فتحولت كوريا الجنوبية بعد حكم غير ديمقراطى إلى دولة ديمقراطية غادرت العالم الثالث التى كانت تشاركنا فيه وقفزت من العالم الثانى لتتصدر دول العالم الأول وتصبح نموذجاً فى التطور الاقتصادى والسياسى. ما نريد التأكيد عليه هنا هو أن طريق الديمقراطية طويل للغاية بالنسبة لنا، ولن يتحقق فى ليلة وضحاها، فهناك معوقات ثقافية وفى التراث الشعبى، وهناك ارتفاع معدلات الفقر والجهل، وهما من أكبر معوقات التحول الديمقراطى، ومن ثم فإن النضال من أجل الديمقراطية ينبغى أن يوجه إلى تحقيق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة أولاً، ورفع معدلات وتحسين محتوى التعليم، وبها سوف يتزايد الطلب على الديمقراطية تلقائياً.
No comments:
Post a Comment