Translate

Friday, June 9, 2017

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (11).. مثنى وثلاث ورباع - جريدة الوطن - 10/6/2017

لم أرَ فى حياتى مكسباً يدافع عنه الرجال، مثل مكسب تعدد الزوجات أو رخصة «مثنى وثلاث ورباع»، التى يحاربون من أجل تثبيتها وتوسيع معناها وتعميق فائدتها بكل ما أوتوا من قوة، ولم أعرف آية تمت قراءتها بابتسار وإساءة فهمها عن عمد مثل هذه الآية، التى فسروها على أنها إباحة تعدُّد غير مشروطة، وأعتقد أن هذا الدفاع المستميت هو من باب «الطفاسة» الذكورية لا الرخصة الشرعية، ومن قبيل «فراغة العين» الرجالى لا من باب التحليل الدينى، الآية مثار الجدل، التى اعتمد عليها معظم الفقهاء وتعلق بأهدابها الرجال من بعدهم لتحليل تعدّد الزوجات فى الإسلام هى الآية رقم 3 من سورة النساء: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا»، ولكى نفهم أن انتزاع ما طاب لكم من النساء من سياقها لترويج فكرة تعدّد الزوجات على إطلاقها هو انتزاع به قدر كبير من سوء النية والألاعيب الفقهية، ولنسأل أنفسنا لماذا نزلت هذه الآية؟ وما الظروف التى قيلت فيها؟ حتى نعرف ماذا يقصد قرآننا الكريم بفكرة التعدّد؟ وما الهدف منها؟ وكيف قرأها فقهاء الاستنارة؟ هذه الرخصة التى قررتها الآية ارتبطت بظرف معين ومحدد، مثلما حدث بعد غزوة أحد واستشهاد عدد كبير من الرجال تركوا نساءهم أرامل من بعدهم، فجاءت الآية لإنقاذ هؤلاء الأرامل ووضع حد لاضطهادهن والسماح لكل منهن بالحصول على فرصة زواج شريف فى كنف رجل يحميها وتنتقل إليه مسئولية العناية بها وبأولادها، وكان الشرط أن يأخذها مع أولادها ولا يتركهم وحيدين بغير عائل أو حماية، ولو فكرنا بمنطق اللغة العربية فإن جواب الشرط «فانكحوا ما طاب لكم» مرتبط بالشرط الذى هو «وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى»، أى إنه بعبارة أخرى كما قال المفكر محمد شحرور، أطلق الكم حتى أربع، وقيد الكيف بأن تكون أرملة ذات أيتام، ولو فهمنا الآية مثلما فهمها معظم الرجال من أنها إطلاق للتعدُّد فلا بد أن نقرأ النصف الثانى من الآية التى تتحدث عن الخوف من عدم العدل، الذى فسّره معظم الفقهاء القدامى بأنه العدل المادى، وبالمناقشة الهادئة نجد أن العدل المقصود الشامل مستحيل بين الزوجات، وليس هذا كلامى، ولكنه كلام القرآن الذى قال فى محكم آياته «وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ»، وما كان معلقاً على شرط مستحيل فحكمه ببساطة حكم الموقوف، ولضيق المساحة سأنقل لكم رأى الشيخ محمد عبده فقط، قال الإمام محمد عبده فى دروس تفسيره التى كانت تُدون فى مجلة المنار: «إن تعدد الزوجات محرم قطعاً عند الخوف من عدم العدل»، وقال أيضاً «من تأمل الآيتين (يقصد فى سورة النساء) علم أن إباحة تعدد الزوجات فى الإسلام أمر مضيّق فيه أشد التضييق، وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدّد فى هذا الزمان من المفاسد، جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربى أمة فشا فيها تعدّد الزوجات، فإن البيت الذى فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال ولا يقوم فيه نظام، بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت، كأن كلاً منهم عدو الآخر، ثم يجىء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدّد الزوجات تنتقل من الأفراد إلى البيوت، ومن البيوت إلى الأمة»، وانتقل محمد عبده بآرائه خطوة أكبر وأكثر صراحة حين أباح للمشرع وقف تعدّد الزوجات، فقال: «أما جواز إبطال هذه العادة فلا ريب فيه، لأن شرط التعدُّد هو التحقّق من العدل، وهذا الشرط مفقود حتماً، فإن وجد فى واحد من المليون فلا يصح أن تتخذ قاعدة، ومتى غلب الفساد على النفوس وصار من المرجّح ألا يعدل الرجال فى زوجاتهم جاز للحاكم أو العالم أن يمنع التعدّد مطلقاً مراعاة للأغلب، ولأن سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدّد وحرمانهن من حقوقهن، ولهذا يجوز للحاكم والقائم على الشرع أن يمنع التعدّد وفقاً للفساد الغالب». وأضاف الإمام سبباً قوياً آخر لم يكتب فيه أحد قبله، وهو العداء بين الأولاد من أمهات مختلفات ضرائر، وكيف أن هذا يؤدى إلى أحقاد، ويلقى الإمام فى النهاية بالفتوى القنبلة فى وجه الجميع، قائلاً: «يجوز الحجر على الأزواج عموماً أن يتزوجوا غير واحدة، إلا لضرورة تثبت لدى القاضى، ولا مانع من ذلك فى الدين البتة، وإنما الذى يمنع ذلك هو العادة فقط»، والسؤال لمعارضى منع التعدّد هل محمد عبده بهذه الفتوى خرج عن الملة وأنكر المعلوم من الدين بالضرورة؟!

No comments:

Post a Comment