الإبداع أكثر كلمات اللغة العربية كراهية بالنسبة للسلفيين الإسلاميين، فالإبداع تغيير، وهم يعشقون الثبات، الإبداع ابتكار، وهم مغرمون بالاجترار، الإبداع خلق وتمرد وهم يقدسون التحنيط والتنميط، وقد وجدوا ضالتهم وسندهم فى تفسيرهم لبعض الأحاديث التى استغلوها واقتطعوها من سياقها الزمانى والمكانى، عجنوها وشكّلوها رصاصة رحمة على أى ابتداع واجتهاد ومحاولة تغيير أو تجديد فكر أو خطاب دينى، تلك الأحاديث هى:
خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة فى النار. إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة. من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد.
وأفهم أن يكون المقصود بهذا الكلام من يخرج علينا، فيقول كلاماً من قبيل أن صلاة الظهر ركعتان أو أن الصيام ليس فى رمضان أو أن السرقة والقتل حلال.. إلخ، لكن أن يكون المقصود مثلما قال الفقيه السعودى ابن باز معدداً البدع المقصودة:http://www.binbaz.org.sa/noor/9536، فيذكر المولد النبوى مثلاً، فيقول: «الاحتفال بموت فلان، أو بولادة فلان، هذه من البدع أيضاً. ومن ذلك الاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم- لا أصل له، لم يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه -رضى الله عنهم-، ولا العلماء الأخيار فى القرون المفضلة، إنما حدث بعد القرون الثلاثة، حدث فى المائة الرابعة وما بعدها، والمسلم ليس له أن يتقرب إلا بشىءٍ شرعه الله».
بالطبع، ستسمع الرد الجاهز المعلب المحفوظ، أن هؤلاء الشيوخ يتحدثون عن الابتداع فى الدين، وليس الابتداع فى الدنيا، هم لا يتحدثون عن المخترعات الحديثة والاكتشافات العلمية الجديدة.. إلخ، سأذكر لكم لضيق المساحة قصة واحدة، وهى قصة «الحنفية» أو الصنبور، وتلك كانت معركة كبرى ورهيبة لم ينقذنا فيها إلا فقيه حنفى وقف فى وجه كل فقهاء المذاهب الأخرى، وكان رأيه يعتبر وقتها رأياً شاذاً!!، لكن هذا الرأى الشاذ انتصر الآن، وأصبحت حضرتك تشرب من الحنفية وتغسل وجهك وتستحم بالصنبور والدش!!، انتصرت فى البداية مصلحة السقائين، الذين كانت لهم نقابة قوية، ذهبوا إلى الفقهاء، فاستصدروا لهم الفتوى بتحريم الصنبور، الأسباب التى قدموها، كما قال الباحث على يس فى بحثه عن أصل اسم الحنفية «لاستبدال الميض التى ينال المتوضئون فيها بركة الشيخ الذى يفتتح الوضوء من مائها، واعتبروا التغيير بدعة، وأيضاً لأن انتشارها فى الشوارع أدى إلى وجود بِرَك ماء عندما تمر فيها العربات التى تجرها الخيول تُطرطِش الطين فى وجوه المؤمنين»!!!، وكما أنقذ محمد على الطباعة من فتاوى مشايخ زمانه، أنقذ الإنجليز الحنفية من فتاوى المالكية والشافعية والحنابلة، يقول البحث التاريخى إن سلطات الاحتلال الإنجليزى أصدرت المنشور (رقم 68 لسنة 1884) باستبدال أماكن الوضوء فى المساجد بصنابير متصلة بشبكة مياه الشرب النقية التى أقامتها بناءً على (ما تقرّر فى مجلس النظار عن مسألة المراحيض النقالى المقتضى إحداثها، وميض الجوامع اللازم استبدالها بحنفيات)، لاستخدام المياه النقية فى المساجد للوضوء، بدلاً من «الطاسة»، تسهيلاً على المصلين، ضمن شبكات عمومية لمياه الشرب والصرف الصحى بدأت الحكومة فى تركيبها فى المدن، وأشرف عليها المهندسان «ويلكوكس» و«پرايس باى»!!، إذا كنت مقتنعاً بتفسيرهم للبدعة الضلالة، فلا تشرب من الحنفية، فإن بها سماً قاتلاً مضلاً.
No comments:
Post a Comment