Translate

Thursday, June 1, 2017

د. عماد جاد - الإدارة بـ«المزاج» - جريدة الوطن - 2/6/2017

كشفت جريمة أوتوبيس «دير الأنبا صموئيل» عن حالة متفاقمة من التوتر فى مدن وقرى محافظة المنيا، فهى أفقر محافظات الجمهورية على الإطلاق، كما أنها الأعلى من حيث الأمية، وقد انتشر فيها الفكر المتشدد والجماعات التكفيرية بشكل كبير، منها خرج قادة الجماعة الإسلامية وقيادات وكوادر فى جماعة الجهاد، وعلى أرضها تشكلت جماعات وتنظيمات، وقد أعطت المحافظة غالبية أصواتها عام ٢٠١١ لحزب الجماعة والأحزاب الدينية من جهادية وسلفية، كما صوتت الغالبية لمصلحة محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢، وتذكر بعض المصادر المحلية أن أكثر من ٧٠٪ من الخسائر البشرية التى وقعت فى صفوف المعتصمين فى رابعة العدوية تضامناً مع محمد مرسى كانوا من محافظة المنيا.
زرت بنى مزار ومغاغة فى المنيا والفشن فى بنى سويف حيث ضحايا جريمة دير الأنبا صموئيل، الواقع صعب للغاية، النفوس مشحونة ويسكنها الشك، الأجيال الجديدة هناك تسيطر على المشهد، تقلصت لديها مساحة المشترك تماماً، فجيلى نشأ وعاش مساحة «مشترك»، من الأسماء إلى الاحتفالات والعيش والوجدان المشترك هو الغالب، الأجيال التى وُلدت منذ الثمانينات لم تشهد من المشترك إلا قليلاً، تفصل بينهم وبين أقرانهم من المسلمين الأسماء، كما تقلصت مساحة العيش المشترك وتقزم المشترك فى الوجدان، بل لا نبالغ إذا قلنا إن هناك انفصالاً وجدانياً عن البلد، الحديث مملوء حزناً وغماً نتيجة بيئة محيطة ومؤسسات رسمية تلح عليهم طوال الوقت بأنكم مختلفون، مكروهون، كافرون، التمييز ينتشر حولهم، حتى إننى وجدت غالبية الموجودين فى سرادقات العزاء من المسيحيين والحديث الداخلى فى منتهى القسوة بل منتهى الصعوبة، تكاد مساحة المشترك تختفى ويكاد المشترك فى الوجدان يتلاشى، وهو وضع خطر للغاية لأن الشعوب والبلاد التي مرت بهذه التجارب تفككت لاحقاً وفضلت كل جماعة أن تعيش فى عالمها الخاص كما شهدنا فى يوغوسلافيا السابقة.
عدت من رحلتى مغموماً مهموماً، وفى اليوم التالى ذهبت إلى مجلس النواب حيث بدأت جلسة عامة غلب عليها طابع التأبين والحديث عن أن مصر مستهدفة، جيشها وشرطتها، وهو أمر صحيح، وتحدث زملاء أفاضل وأفاضوا فى الحديث عن المخاطر الكامنة فى مثل هذه الجرائم وبعضهم قدم الحلول، ومنهم من حرص على طمس القضية باعتبارها جريمة إرهابية مرت بالبلاد العشرات مثلها.
طلبت الكلمة من السيد رئيس المجلس لأطرح رؤيتى وقراءتى للمشهد الذى عشته قبل أقل من ٢٤ ساعة حتى نبادر بوضع رؤية ممتدة لمعالجة هذه الظاهرة الجديدة علينا تماماً، فرفض السيد رئيس المجلس منحى الكلمة بإشارة بإصبعه يميناً ويساراً، فسألته «ممكن أعرف معيار منح الكلمات للأعضاء؟»، فرد الرجل بكل ثقة وهدوء «مزاجى» فقلت له «مزاجك لم يرد فى اللائحة»، فاللائحة لا تتضمن المزاج كمعيار لمنح الكلمات، فما كان منه إلا أن قال «اجلس سيادة العضو وإلا صوتت على إخراجك من الجلسة»، فطلبت منه التصويت لإخراجى من الجلسة، فحدث الهرج والمرج وانفعل رئيس المجلس وتعطلت الجلسة قرابة عشر دقائق، وواصل الرجل إدارة الجلسة دون أن يمنحنى الكلمة.
طلبت الكلمة لأروى للمجلس الموقر مشاهداتى ومخاوفى، وأطلق صرخة وفى نفس الوقت أقدم ما أعتبره أجندة للحل قبل فوات الأوان، فدراساتى لتاريخ منطقة شرق ووسط أوروبا تجعلنى أضع يدى على قلبى خوفاً على بلدى من التفكك والتمزق، فما نعيشه فى مصر سبق أن مرت به بلاد فى شرق ووسط أوروبا وانتهى بها الحال نتيجة غفلة القيادات والإصرار على صم الآذان عن سماع أصوات أنين جزء من الشعب، إلى التفكك. هذا ما أردت قوله بصدق وإخلاص ومنعنى «مزاج» السيد رئيس المجلس من قوله، لم يتردد الرجل فى الحديث عن مزاجه فى منح الكلمات وهو لا يعلم أن كلمة رئيس مجلس النواب أو الشعب لا توجد إلا لدينا وفى ثقافتنا، أما المسمى الدولى والديمقراطى لمنصبه فهو «Speaker of the Parliament» أى المتحدث باسم البرلمان أو المعبر عنه لا الرئيس بالمعنى والمفهوم المصرى والعربى والذى يعنى الحاكم الآمر الناهى.

No comments:

Post a Comment