حتى عنوان هذا المقال يحمل الكثير من الرفاهية الغير المباحة للاقباط فى هذا الزمن الأغبر. فليس امام الاقباط ان يختاروا بين الكوتة والكوسة لأن الكوسة هى الطعام الوحيد المتاح لهم، يأكلونه فى الإفطار والغداء والعشاء، و (تصبيرة) بين الوجبات.
لو كان لنا ان نختار لرفضنا الكوتة والكوسة معا.
فنحن لسنا مغرمون بالكوتة لأن وجود الكوتة توحى اننا نعيش فى بلد عنصرى لا يحترم فيه المواطن اخيه الموطن لكفاءته واخلاقه ويرفضه لمجرد انه يختلف عنه فى العرق او الدين او اللون او غيره.
والكوتة تحد من مقدرة الانسان فى ان يفتخر بانجازاته وانه نجح لأنه استطاع اقناع الناخب بانه الشخص المناسب فى المكان المناسب. ولكن ان يعيّن انسان بواسطة الحاكم لكى يملأ الفراغ الذى اتيح له بناء على نسبة مقررة فهى تقلل من الاحساس بالقيمة وتزيد من الاحساس بالدونية.
والكوتة تعطى الفرصة لاختيار بعض الأقباط الحكوميين امثال رفيق حبيب وجمال اسعد، الذين سيكون ولائهم للحاكم وليس للاقباط، وهم اسوأ من أى مسلم يمكن ان يرشح نفسه. طبعا سوف لا يقع الاختيار على من هم أمثال مجدى يعقوب الذى رفضه يوما رئيس قسمه ليكون معيدا فى كلية الطب بسبب دينه ولم يحظ بالاحترام فى مصر الا بعد ان كرّمته دول العالم واعطته بريطانيا لقب الفارس (سير). ورأت مصر انها فرصتها لتستغل اسمه لتبعد عن نفسها تهمة التمييز الدينى الذى كان الرجل ضحيته منذ البداية.
والكوتة تقسم الوطن والمواطنين على اساس الدين، ونحن نتمنى ان يأتى يوم ننسى فيه اننا ننتمى الى اديان مختلفة ونتذكر فقط اننا مصريون. فتأتى الكوتة لكى تضع بيننا هذا الجدار المصطنع وتذكرنا جميعا بانتمائنا الدينى.
كل هذا مفهوم ولكن المتأمل فى كل هذه المشاكل يجد انها ليست شهادة ضد الكوتة بقدر ما هى شهادة ضد النفوس المريضة التى تصر على ظلم الاقباط. فسواء مع الكوتة او بدونها ستستمر التفرقة والاحساس بعدم التقدير واعطاء الفرص للخونة وتقسيم الوطن على اساس الدين.. وسيظل المسئولون يحاولون ان ينفذوا من اى ثغرة لكى يحققوا اغراضهم العنصرية وربما يزيدوا من عقابهم للاقباط ليعطوهم درسا لن ينسوه. وفى النهاية يخرجوا ألسنتهم لهم ويقولوا لهم: سواء عن طريق الكوتة او غيرها فالكوسة هى نصيبكم شئتم ام ابيتم.
وفى النهاية سنجد الاقباط امام خيارين: اما الكوسة أو الكوسة. الكوسة الصرف او الكوسة المختلطة بأشياء فرضت عليهم مثل الكوتة او التمييز الايجابى او المساواة او غير ذلك من مسميات. فالشكل قد يختلف ولكن المذاق سيظل واحدا وهو الكوسة.
الخلاصة ان الاقباط يعيشون احلك فترات حياتهم من ناحية الحقوق المسلوبة والمواطنة المنقوصة. والسبب هو طغيان النعرة الدينية المتعصبة التى تنادى ضمن ما تنادى به انه لا ولاية لغير المسلم على المسلم. ومن هنا قرروا ان يعطوننا المساواة عن طريق شعارات براقة فى الدستور ثم يتم الغائها بنفس الدستور الذى يربط كل هذه بمبادىء الشريعة الاسلامية التى – بناء على تفسيراتها الضيقة - تفرق بين المسلم وغير المسلم.
كان الاقباط فى فترة الزمن الجميل يرفضون مبدأ الكوتة لأنهم كانو لا يحتاجون له فالاسلام المعتدل كان هو السارى ولذلك كنت تجد من بين الأقباط من اختير رئيسا للوزراء او وزيرا للخارجية وكان القبطى ينجح فى الانتخابات فى الدوائر التى كان معظمها من المسلمين.
ولكننا نعيش الآن فى غير ذلك العصر والاحوال السيئة لم تترك لنا خيارا سوى تناول الدواء المر الذى كنا نتمنى ان لا نحتاج له. لم يتبق امامنا غير ان نأخذ حقوقنا عن طريق تحديد نسبة لا يجب ان تنقص عنها وهى الكوتة. وذلك لفترة محدودة وحتى يتعود المواطن المصرى على مبادىء الديمقراطية واحترام حقوق الآخر.
ولكن الجزء الهام والمكمل لهذا هو ان يكون للاقباط الكلمة فى اختيار من يمثلوهم. ويمكن ان يتم هذا عن طريق عمل قائمة لمن يرشحون انفسهم من الاقباط ثم يصوت الناخبون الاقباط على الاسماء ويتم ترتيبها بناء على ما اخذوه من أصوات. ويتم اخذ العدد المطلوب من الاسماء التى حصلت على أعلى الاصوات. والألية الأخرى هى ان يتم غلق دوائر لصالح الأقباط فلا يترشح لها ولا ينجح فيها سوى القبطى.
وعلى الأقباط وقد خرجوا من عزلتهم واصبحوا قوة يعتد بها فى مصر ان يفوتوا الفرصة على من يهدفون لتهميشهم ويكونوا حراسا وحماة لحقوقهم ولا يتركوها للغير.
مع كل عيوب الكوتة فهى الشىء الوحيد الذى تبقى للاقباط، والبديل للكوتة هو الكوسة. وصراحة لقد سئمنا طعم الكوسة ونصر على التغيير.
No comments:
Post a Comment