أحمد بهاء الدين
| ||
كأنه معنا، يكتب وصاياه للجنة الدستور الحالية، لا التي وضعت دستور ، الكاتب الراحل- الحاضر دائما أحمد بهاء الدين كتبهذا المقال الهام في مجلة روزاليوسف في 23 فيراير 3591
وصاياه ولاتزال صالحة لهذا الزمان
إلي السادة الاجلاء أعضاء لجنة الدستور: "الخمسين المختارين" الذين منحهم هذا العهد فرصة رائعة للخلود. إليهم وهم يجلسون في المقاعد الخضراء، تحت قبة تاريخية كانت رئة تنفس فيها الشعب أياما واختنق بها أياما أخري.. إليهم وقد كانوا أحسن حظا من "الثلاثين" الذين وضعوا دستور .. والذين أطلق الناس عليهم اسم "الاشقياء" اذ رأوا منهم من يمر بالقصر قبل ان يذهب إلي الجلسات ليتلقي الوحي، ويمر بالقصر، وإذ رأوا هؤلاء الثلاثين حين يضعون عملهم يفرغ من الجلسات ليقدم الحساب، يحذف ما يشاء ويضيف ما يشاء ـ آخر الامر - بين يدي الملك نفسه بغير حساب.
إليكم - أيها السادة الاجلاء - تساق هذه الوصايا العشر.. هذه الخلجات التي تنبض بها قلوب الناس... ولن يطلق الناس عليكم
هذه المرة الاسماء الا بعد ان يروا عملكم..
أولا - ليكن كل واحد منكم شجاعا مع نفسه. ليقل من يري ان الشعب عاجز عن حكم نفسه أن هذا هو رأيه، وليدافع عنه.
فسوف يخالفه الناس ولكنهم سيحترمونه. ولكنهم لن يحترموا رجلا يقول آن للشعب أن يحكم نفسه بنفسه، ثم يحاول ان
يسلبه هذا الحق بنصوص وأحكام أخري.
ثانيا- كونوا كتمثال العدالة المعصوبة العينين، التي تحكم في القضية دون نظر إلي الاشخاص ضعوا المباديء التي ترونها صالحة، ولاتفكروا قط فيمن يستفيد من هذا المبدأ أو ذاك. فإنكم ان نظرتم إلي الاشخاص زاغت عيونكم عن المباديء.
ثالثا- ضعوا دستوركم للبشر لا للملائكة، ثقوا ان الملائكة لايعيشون علي هذه الارض، وان أحدا منا لايحمل في ظهره جناحين. لا تمنحوا السلطة المطلقة لاحد.. وآمنوا بالحكمة القائلة: لا شيء يقوي الضمير.. مثل الرقابة.
رابعا- ضعوا دستوركم من أجل الغد ولاتكتفوا بالنظر إلي "اليوم" فحسب فتحكموا بذلك علي دستوركم بالعمر القصير. أدخلوا في حسابكم ظروف الشعب التي لا تتغير، لاتنظروا إلي سطح البحيرة الذي يضطرب بالموج، بل حاولوا ان تنفذوا إلي القاع.
خامسا- إياكم والتحفظات اذا آمنتم بشيء فسجلوه في نص بسيط. ولا تقتلوه بالتحفظات. اذا آمنتم بأن الشعب هو الذي يختار البرلمان فلا تعطوا احدا حق حله. اذا آمنتم بأن البرلمان هو الذي يختار الوزارة فلا تبيحوا لاحد ان يقيل الوزارات. اذا رأيتم ان "الصحافة حرة والرقابة محظورة" فلا تقولوا "إلا إذا.." واذكروا ان هذه التحفظات في دستور 53 لم تستعمل لحساب الشعب مرة واحدة. اذكروا الصحف التي صودرت والاقلام التي تحطمت. والسجون التي امتلأت.. واذكروا ان كل هذه الاحوال كانت بسبب تحفظات بسيطة.. كلمات قليلة منشورة هنا وهناك.
سادسا- لايكفي ان تسجلوا كل حقوق الشعب، لا يكفي ان تقولوا "لكل مواطن حق العمل وحق الراحة وحق المساواة.. إلي آخره"- فالنص علي هذه الحقوق لايحققها. الاهم من ذلك ان تمهدوا الوسيلة التي يجعل بها الشعب هذه النصوص حقائق.. وأنتم تعرفون هذه الوسيلة.. الوحيدة: كفالة الحريات العامة..
سابعا- لينقطع كل واحد منكم ساعة كل يوم يقرأ فيها تاريخ مصر والحركة الدستورية فيها منذ مائة وخمسين عاما. ليدرك - فوق إدراك - ان المطالب الدستورية عميقة في تاريخ هذا الشعب، وانه لا مفر من تحقيقها يوما.
ثامنا - انظروا إلي العالم الذي يحيط بكم، لا تظنوا انكم قادرون علي ابتداع شيء لم يعرفه البشر أو تطبيق نظام في مصر لم يعمر في غيرها. حاولوا ان تدركوا مغزي التطور العالمي فإنه لم يحدث عبثا. وتأملوا تجارب الشعوب الناجحة وأي طريق سلكت.
تاسعا- احتفظوا - طيلة جلساتكم - بهذا المقعد المذهب.. كرسي العرش الخالي: ليقول فراغه لكم كل يوم: ها هنا كان يجلس طاغية.. وها انتم ترون انه ذهب.
عاشراـ انشروا أعمالكم: أذيعوا مناقشاتكم. دعوا الشعب يتابع تدقيقكم في كل لفظ. وجهادكم في كل مادة. فسيكون ذلك درسا رائعا له، يتعلم منه مغزي كل حرف. ونية كل سطر. فبذلك تتوفر له عناصر الحكم علي عملكم.. يوم يؤول إليه الحكم!
|
Translate
Tuesday, November 19, 2013
أحمد بهاء الدين يكتب للجنة الدستور
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment