Translate

Wednesday, July 12, 2017

خالد منتصر - انفصال.. وألزهايمر - جريدة الوطن - 12/7/2017

بالأمس شاهدت فيلم «انفصال»، وهو من أجمل أفلام السينما الإيرانية المدهشة الجميلة التى تتحفنا بروائع مختلفة عن السائد، لا تبهرنا نحن أبناء العالم الثالث فقط، بل تبهر أباطرة الفن السابع فى هوليوود نفسها، بدليل أن هذا الفيلم فاز بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبى منذ ست سنوات تقريباً، التقييم الفنى مفروغ منه، ولن أتعرّض له، فالفيلم بشهادة نقاد السينما من دُرر السينما العالمية وليس الإيرانية فقط، رغم أنه لا يتحدث عن قضية سياسية كبيرة، ولا يحتوى على مشاهد أكشن مثيرة، بالإضافة إلى ميزانيته الفقيرة، لكن البعد الإنسانى والاجتماعى فيه يمس القلوب، مما جذبنى شخصياً كطبيب، فضلاً عن الإخراج والتمثيل والتصوير، تجسيد شخصية الأب المصاب بألزهايمر، وأعتبره -دون مبالغة- أفضل ما قُدّم فى السينما حول هذا المرض ومعاناة الأسرة معه، البطل الذى تريد زوجته الانفصال عنه والهجرة يرفض مرافقتها لأنه يرعى والده المريض بألزهايمر، الفيلم يصدمك بخطورة هذا المرض الأصعب من السرطان، إنه فقدان هوية الإنسان، فمريض السرطان يظل هو فلان المحتفظ بهويته وكينونته وكود شخصيته وشفرة سلوكياته وتصرفاته، إنه هو لكنه منهك بعض الشىء، متعب، متألم، لكنه فى النهاية الشخص نفسه، وأنت كابن أو أب أو أم لهذا المريض تتعاطف معه، لأن الخيط الإنسانى ما زال موصولاً، لكن فى ألزهايمر، هذا المرض اللعين، يسقط الكثيرون فى فخ الملل والزهق، بل للأسف، العدوانية تجاه هذا المريض الغلبان الذى لا حول له ولا قوة، ببطء يتسرب إلى أفراد الأسرة أن هذا الكائن المسلوب الإرادة والوعى والهوية هو عبء، حتى بصمته الإنسانية تلاشت، وجهاز إرساله الروحى تعطل، الابن فى الفيلم استثناء، مشكلته فى الفيلم كيف يوفّق بين ظروف عمله، ورعايته لأبيه الذى ينظفه ويطعمه ويمسح له فضلاته ويوصله بأسطوانة الأكسجين، تبدأ المشكلات حين يلجأ لخادمة لكى ترعى أباه، فتسأل لجنة الفتوى فى البداية هل يصح دينياً أن تنظف جسد رجل مصاب بألزهايمر؟!، ثم تتركه ذات يوم وتُقيّد يديه فى السرير كى لا يخرج، وتنطلق إلى مشوار خاص، فيعود الابن ليجد أباه بين الحياة والموت، فينفعل عليها ويطردها ويدفعها إلى الخارج فتُجهض، وهنا تبدأ ذروة الفيلم وعُقدته التى لن أدخل فى تفاصيلها وأفضّل لكم أن تشاهدوه دون أن أحرق تفاصيله لكم، المشهد الذى أبكانى كان بطلاه، هذا الابن المرهق المنهك من خدمة الأب، وذاك المريض المسن وهو يستحم، والابن ينظفه بالليفة، ثم يرتمى ويحتضنه وهو يجهش ببكاء مر على ما آل إليه هذا الأب الذى لم يعد يطلب من حطام الدنيا إلا الجريدة التى لن يفهم حرفاً واحداً منها، لكن صفحاتها هى طوق النجاة الذى يتشبث به وحبله السرى الذى يربطه بالماضى!!، العبء رهيب على أسرة مريض ألزهايمر، وهذا ينقلنى إلى سؤال مهم ماذا فعلنا فى مصر لهؤلاء المرضى المساكين الذين لا يحتاجون فقط إلى اهتمام المحيطين بهم، لكنهم يحتاجون أكثر إلى ممرضين متدربين وأطباء متخصصين ودور رعاية مؤهلة ومجتمع محترم يحترمهم، ووطن متحضّر يؤهل من يعتنون بهم، إنهم فى النهاية بشر سُرقت أعمارهم لخدمة هؤلاء الأبناء الذين يتعاملون معهم فى النهاية كنفايات بشرية يتمنون لهم الموت!!، ما أقسى تلك الحياة التى يضحى فيها الآباء ليضحى بهم الأبناء!.

No comments:

Post a Comment