Translate

Tuesday, July 4, 2017

د. عماد جاد - آلام مراحل التحول - جريدة الوطن - 4/7/2017

ترتب الإجراءات التى تُتخذ إبان مراحل التحول الاقتصادى والسياسى آلاماً شديدة للغالبية الساحقة من المواطنين، عادة ما تشهد هذه الفترة إجراءات من قبيل تحرير سعر صرف العملة المحلية، التى عادة ما تفقد الكثير من قيمتها أمام العملات الأجنبية، ومن ثم تشهد البلاد موجة من الغلاء وارتفاع الأسعار، تليها مرحلة رفع فورى أو تدريجى للدعم الذى كانت تقدمه الدولة لبعض المواد، مثل الطاقة والمياه، وهو أمر يرتب موجة جديدة من التضخّم وارتفاع الأسعار يعانى منها القطاع الأوسع من المجتمع. يجرى تبرير هذه القرارات بأنها ضرورة ملحة للحفاظ على الدولة، ومواجهة ظاهرة العجز المتراكم فى الموازنة، وأيضاً كمدخل لسياسة إصلاح اقتصادى شامل، سوف تُؤتى بثمارها فى القريب العاجل.
أيضاً تكشف تجارب التحول الديمقراطى فى بلدان عديدة أوروبية وآسيوية ولاتينية عن أن هذه العملية غالباً ما تكون صعبة، وتولد آلاماً وصعوبات مركبة، كما أنها قد تتعرّض لانتكاسات فى منتصف الطريق، وأنها فى مجمل الأحوال تستغرق فترة زمنية حدّها الأدنى عقد من السنوات، وقد تطول عن ذلك كثيراً. ومن هنا يمكن القول إن الدول فى طريق تحولها من نظام سلطوى، استبدادى أو ثيوقراطى (أى حكم دينى)، إلى نظام ديمقراطى، تمر بعملية مخاض طويلة تصاحبها آلام شديدة وتضحيات أيضاً، ويختلف طول المرحلة الانتقالية وكم التضحيات ودرجة الألم من دولة إلى أخرى، لاعتبارات كثيرة، منها درجة نضج ووعى الشعوب، ومدى قوة ومتانة مؤسسات الدولة، وطبيعة من يتولى إدارة المرحلة الانتقالية. حسب تفاعل هذه العوامل معاً تتحدّد طبيعة المرحلة الانتقالية، ومدتها، والثمن المدفوع ودرجة الألم. المؤكد أن شعوباً عدة دفعت أثماناً باهظة فى طريق انتقالها من النظم السلطوية إلى الديمقراطية، وأن شعوب أوروبا دفعت ثمناً باهظاً لتقلص من دور الكنيسة وتنزع القداسة عن الحكام، وقعت ثورات سالت فيها دماء، وقطعت فيها رقاب.
المؤكد أن الدول العربية ظلت حتى سنوات قليلة مضت، استثناء من الديمقراطية، ومن الالتزام بالحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، ظل حكامها يقاومون الديمقراطية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مستخدمين ذرائع الخصوصية الثقافية والحضارية، متخندقين وراء شعارات دينية لدغدغة مشاعر العامة والبسطاء. وعندما بدأت شعوب هذه الدول تثور، طلباً للحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، سادت روح إيجابية وتحرّكت قطاعات من الطبقة الوسطى وتولت قيادة المسيرة. حدث ذلك فى تونس ومصر بالأساس، أما ما جرى فى اليمن وليبيا، وما يجرى فى سوريا، فيختلف كثيراً عن النموذجين المصرى والتونسى. وبالنسبة إلى النموذج المصرى، فقد ثار شباب الطبقة الوسطى، ودفعوا ثمناً غالياً لإسقاط نظام سلطوى قاوم رياح التغيير وأراد العودة بالبلاد عشرات السنين، ثار شباب الطبقة الوسطى، وتنحى رأس النظام، وسلم السلطة لمجلس عسكرى تعامل مع السلطة ككرة لهب أراد نقلها إلى أيادٍ أخرى، وتوصل المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى صفقة مع جماعة الإخوان المسلمين، لعب فيها المجلس دوراً محورياً فى دفع السلطة إلى الجماعة دفعاً، سلمها مسئولية تشكيل لجنة التعديلات الدستورية، فسمحت بقيام الأحزاب على أساس دينى، وجرى استخدام الشعارات الدينية فى مخاطبة عامة المصريين من أجل الحصول على أصواتهم، وهو أمر أدى إلى هيمنة التيار الدينى على غالبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى، واكتملت حلقات الصفقة بإعلان مرشح الجماعة فائزاً بمنصب الرئاسة فى انتخابات تثير الجدل بين المصريين حتى اليوم. وهنا تضاعفت معاناة المصريين وتصاعدت معاناتهم وزادت آلامهم، وتوالى سقوط الضحايا. فقد تعاملت جماعة الإخوان مع الثورة على أنها حقّقت أهدافها بوصول مرشحها إلى السلطة، وتعامل «مرسى» من جانبه مع وصوله إلى السلطة على أنها نهاية الثورة، ومن ثم لم يقبل أى حديث عن أن الثورة مستمرة، أو عن استكمال أهدافها، وبالغ فى استخدام العنف فى مواجهة مطالب الثوار، بل أطلق ميليشياته المسلحة لتواصل عمليات الاعتقال، والتعذيب والقتل، بحق كل من يقول إن الثورة مستمرة. وبدأت الجماعة فى استهداف مؤسسات الدولة المصرية، وتحديداً الشرطة، ثم القضاء، وأخيراً المؤسسة العسكرية. بدأوا مبكراً فى استهداف الشرطة المصرية عبر اقتحام المقار الأمنية، وفى مقدمتها مقار أمن الدولة، ثم استبعدوا الشخصيات الفاعلة ذات الكفاءة من الجهاز، وفى مرحلة تالية جنّدوا أعداداً من ضعاف النفوس، كما ظهر من أعلن ولاءه التام للجماعة. تحرّكوا بعد ذلك لاستهداف مؤسسة القضاء، فحاصروا المحكمة الدستورية، أطاحوا بالنائب العام، وجاءوا بنائب عام تفصيل على مقاس مطالب الجماعة، ورغم ذلك لم ينجحوا فى إخضاع المؤسسة القضائية، وحالت محكمة القضاء الإدارى دون تجاوز دور المحكمة الدستورية الذى حدّدوه بموجب دستورهم الجديد فى الرقابة السابقة على قوانين الانتخابات. وظلت مؤسسة الجيش المؤسسة الوطنية القادرة على حفظ أمن البلاد واستقرارها ومقاومة محاولات الجماعة فى تقديم مصالح «التنظيم» على مقتضيات الأمن القومى المصرى، بل بات بسطاء المصريين يتطلعون إلى الجيش، لحماية الدولة المصرية ومنع اختطاف آمال المصريين فى غد أفضل، وهو ما تحقق فى ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، التى أعادت إنتاج المرحلة الانتقالية من جديد، فطالت المرحلة الانتقالية وتجدّدت آلامها. اليوم ونحن نمر بأصعب فترات تحمل ثمن أو ألم المرحلة الانتقالية، مطلوب حكمة شديدة من قِبَل من بيدهم مقاليد الأمور، مطلوب حساسية شديدة لأنين الألم الصادر من قطاعات واسعة من المصريين باتت تئن من وطأة آلام مرحلة التحول، موجات الارتفاع المتتالية فى الأسعار وارتفاع معدلات التضخّم، وسريعة إيقاع رفع الدعم على بعض السلع والمواد، الأمر الذى يضاعف من آلام مرحلة التحول فى مصر. نعم القرارات التى اتُّخذت كانت ضرورة لا بد منها، لكن ما ليس ضرورياً، بل وضار للغاية، هو صم الآذان عن سماع أنين مصريين هبطوا درجات عديدة على سلم الترتيب الاقتصادى والطبقى، مطلوب قدر من العقلانية والإدارة السياسية الإنسانية لمرحلة التحول التى تمر بها البلاد، حتى تسير نحو الهدف المنشود بأقل قدر من الصعوبات والآلام وأيضاً الخسائر.

No comments:

Post a Comment