سنوات أربع مرت على ثورة من أعظم الثورات المصرية على مر تاريخ مصر المعاصر، عظمة هذه الثورة أنها سجلت الرقم الأعلى فى تاريخ الثورات فى العصر الحديث من حيث عدد المشاركين فيها، ثورة بدأت على يد مجموعة من الشباب صاغوا ورقة لسحب الثقة من رئيس لم يكن أهلاً لها، حاول تغيير الهوية المصرية، هبت جموع الشعب المصرى دفاعاً عن هويتها الوطنية، فشارك فيها أكثر من ثلاثين مليون مصرى ومصرية، من كل الشرائح الاجتماعية، ومختلف الشرائح العمرية، وشتى ألوان الطيف السياسى عدا الإخوان وغالبية السلفيين، كل طوائف المجتمع المصرى، خرج المصريون يطلبون التخلص من حكم المرشد والجماعة، يهتفون «يسقط.. يسقط حكم المرشد» دعوا قواتهم المسلحة للوقوف إلى جوارهم، فكان لهم ما أرادوا، طلب منهم وزير الدفاع، آنذاك، الفريق عبدالفتاح السيسى الخروج إلى الشوارع فى السادس والعشرين من يوليو ٢٠١٣ لمنحه تفويضاً لمحاربة العنف والإرهاب المتوقع، فخرجت الملايين تمنحه التفويض، ثم طالبت غالبية المصريين الرجل بالترشح لرئاسة الجمهورية لاستكمال خارطة المستقبل والإشراف على تنفيذها بعد عام من حكم رجل قدير وعظيم هو المستشار عدلى منصور. كانت الآمال تحدو غالبية المصريين فى حكمة وسلامة منطق ورؤية وزير الدفاع فى ذلك الوقت. وقد كان، ترشح الرجل وتعاونت معه مختلف شرائح المجتمع وجميع ألوان الطيف السياسى المدنى.
ازداد تفاؤل المصريين بعد أن استمعوا إلى كلمات من ذهب وجهها الرئيس المنتهية ولايته، المستشار عدلى منصور، لقاطن الاتحادية الجديد، نصائح من ذهب قدمها عدلى منصور للرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يسلمه مقاليد السلطة، طالبه بالعدل، والاستعانة بالمخلصين من أبناء الوطن، ومحاربة الفساد والحكم من خلال التوافق.
ما حدث بعد ذلك سار فى اتجاه آخر، ففى الوقت الذى تُعلمنا فيه علوم السياسة أن هناك قاعدة ذهبية فى العمل السياسى والحزبى هى العمل وفق ثلاثة أهداف مرتبة بدقة الأول هو ضرورة العمل على الحفاظ على وتقوية وتعزيز معسكر الأنصار أو المؤيدين ويعنى ذلك ببساطة ضرورة الحفاظ على كتلة التحالف المؤيدة والمساندة للنظام، الرئيس، الحكومة أو الاتجاه السياسى والحزبى، وتقول القاعدة هنا إنهم أنصارك ومؤيدوك ليس مطلوباً منك بذل جهد ضخم للحفاظ عليهم، فقط عليك أن تعمل على الوفاء بالأسس والمبادئ والتعهدات التى قام عليها الائتلاف أو التحالف، لا تنقلب على حليف ولا تؤذِ مؤيداً، لا تنفرد بالعمل مع مجموعة صغيرة وتغلق الدائرة المحيطة بك وتصم آذانك عن سماع أنين وشكاوى أو مطالب المؤيدين لأن فى ذلك خسارة مجانية لقواعدك التى تحتاج إليها باستمرار. الهدف الثانى هو العمل بكل قوة على استقطاب أكبر قدر ممكن من الفريق المحايد الذى يسمى فى الانتخابات «الأصوات العائمة»، فهو فريق لم يتخذ قراره بالتأييد أو المعارضة ولا قرر التصويت فى أى اتجاه ومن ثم عليك أن تبذل جهداً أكبر فى إقناع مكونات هذا الفريق بأنك أمين على مبادئك وتعهداتك وأنك لا تبيع أنصارك وتلتزم بما تقطعه من تعهدات، هذا الفريق يمكنه حسم الموقف فى أى لحظة وعلينا أن نتذكر أن هذا الفريق فى زمن الإخوان أُطلق عليه «حزب الكنبة» وعندما تحرك ونزل إلى الشارع بسبب أخطاء وخطايا بل جرائم الجماعة، كانت ثورة الثلاثين من يونيو التى أطاحت بحكم المرشد، ومن ثم لا ينبغى الاستهانة بهذا الفريق على الإطلاق فقد يكون القطاع الأكبر والأكثر تأثيراً فى حال اتخذ القرار بالعمل فى اتجاه معين.
الهدف الثالث والأخير هو العمل على تفكيك بل وتفتيت قوة الأطراف الأخرى، فإذا كنا نتحدث عن الأحزاب والانتخابات فالهدف هنا هو تفتيت جبهة أنصار الأحزاب الأخرى واختراقها، وهو الهدف الأكثر صعوبة والذى يتطلب جهداً هائلاً وعملاً متواصلاً.
ماذا جرى على مدار السنوات الثلاث الماضية منذ تقلد الرئيس عبدالفتاح السيسى للسلطة؟
فى تقديرى أن ما جرى ويجرى هو العمل عكس هذه الأسس والمبادئ فهناك جهود متكررة لتفتيت المعسكر المؤيد، هناك أخطاء وخطايا ترتكب بحق تحالف ٣٠ يونيو، كان هناك إغلاق مبكر للدائرة الصغيرة المحيطة بالرئيس، هناك ضيق أفق فى التعامل مع مكونات تحالف ٣٠ يونيو على النحو الذى أدى إلى تصدعه ثم تفتته، انظر إلى طريقة العمل السياسى والأمنى لتعرف أن السياسة انحسرت لحساب الأمن، وعندما يتصدر رجال الأمن لشغل مهام رجال السياسة فاعلم أن الأخطاء المتراكمة تقود إلى تفتت المعسكر المؤيد، لا تحتاج إلى جهد كبير حتى تعرف أن رموزاً من أخلص مؤيدى وأنصار ٣٠ يونيو قد ابتعدوا أو أُبعدوا عن المشهد لسببين رئيسيين أولهما الإغلاق المبكر للدائرة المحيطة بالرئيس والثانى تغول المكون الأمنى على حساب السياسى ومن ثم جرى التعامل مع رموز مصرية وطنية بطرق خشنة وفظة فكان قرار الخروج من التحالف أو التنحى جانباً حزناً وألماً على طريقة الإدارة وإعادة إنتاج الأخطاء، والإصرار على الخطأ، انظر إلى قرارات القبض العشوائى، إلى التضييق على حرية الرأى والتعبير، إلى عدم التسامح مع الرأى الآخر، انظر إلى طريقة توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وطريقة تمريرها فى البرلمان، الاستهانة الشديدة بمشاعر المصريين وغياب الحساسية للرأى العام، ثم انظر إلى توقيت الإعلان عن زيادة أسعار مواد الطاقة والمياه، وانتشار «المكارثيين الجدد» فى مصر الذين يخونون كل من يختلف مع النظام حتى ولو كان الخلاف من أرضية وطنية. انظر إلى كل ذلك لتعرف لماذا تفكك تحالف ٣٠ يونيو ولم يتبق منه سوى الفتات: الأجهزة الأمنية والمكارثيين الجدد.
No comments:
Post a Comment