فوجئت بكم كبير من التليفونات والأسئلة والتعليقات بعد أن صرحت بشكل عارض وبالصدفة فى برنامج «السفيرة عزيزة» عن وجود تطعيم ضد سرطان عنق الرحم، بل إنه موجود فى عيادات الكثير من أطباء النساء، كنت أحسب أننى أقول معلومة بديهية معروفة، ولم أكن أتخيل أنها مجهولة عند 99% من نسائنا وأسرنا المصرية، لكننى كنت قد تناسيت أن التوعية الصحية فى مصر صفر مكعب، وأن المشاهدين متعطشون للمعلومة الطبية السليمة والموثوق منها، وأن البرامج الطبية قد صارت دعارة إعلانية للأسف، ساعات تُشترى على الهواء وكأنها سوق نخاسة لبضاعات الأطباء «السكند-هاند»، لذلك قررت اللجوء لصديقى د. عمر عبدالعزيز، أستاذ طب النساء بجامعة القاهرة، لإعطائنا المعلومة الطبية الدقيقة عن هذا التطعيم، يقول «د. عمر»:
يعتبر سرطان عنق الرحم ثانى أكثر السرطانات شيوعاً فى السيدات بعد سرطان الثدى، وأظهرت الإحصاءات أن هناك نحو نصف مليون إصابة جديدة سنوياً على مستوى العالم تتسبّب فى نحو 270 ألف وفاة سنوياً، بمعدل حالة كل دقيقتين تقريباً، من هنا يتضح مدى أهمية هذا النوع من السرطان، خصوصاً أنه يصيب السيدات فى أعمار صغيرة نسبياً فى أواخر الثلاثينات والأربعينات؛ حيث تكون السيدة فى قمة عطائها العملى والأسرى، مما قد يؤثر بشدة فى الأسرة والمجتمع. على مدى سنوات طويلة، تمت دراسة التطور المرحلى لخلية عنق الرحم حتى تتحول إلى خلية سرطانية، ووُجد أنها تحتاج إلى مدة طويلة قد تصل إلى خمسة عشر عاماً حتى يتم التحول الكامل، وقد أعطى هذا الفرصة للعلماء لاكتشاف طرق للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم، وأشهرها المسحة الخلوية ودراستها، باستخراج صبغة خاصة أو استخدام محلول اليود الذى يغير لون الخلية الطبيعية فقط، ويمكن رؤية ذلك بالعين المجرّدة، وكذلك منظار عنق الرحم الذى يقوم بتكبير الخلايا ودراستها فى مكانها فى عنق الرحم. استمر هذا لسنوات طويلة؛ حيث كان الهدف الرئيسى هو اكتشاف الخلايا فى مرحلة مبكرة ومنعها من الوصول إلى المرحلة النهائية بوسائل علاجية مختلفة تتراوح بين الكى الموضعى أو استئصال عنق الرحم أو الاستئصال الكامل للرحم، حسب نوع الخلايا ودرجة التغيّر وسن السيدة، وأخيراً حدث انقلاب كامل فى التعامل مع هذا المرض، وذلك بفضل الاكتشاف التاريخى للبروفيسور الألمانى هارالد هاوزن الذى أكد فيه أن 100% من حالات سرطان عنق الرحم نتيجة الإصابة بفيروس H.P.V، وهو فيروس ينتقل بواسطة الاتصال الجنسى ويتكاثر فى خلايا عنق الرحم، مما يتسبب طوال سنوات فى تحول هذه الخلايا إلى خلايا ما قبل السرطانية أو خلايا سرطانية، وقد نال هذا العالم جائزة نوبل فى الطب سنة 2008م عن هذا الاكتشاف المهم. ومن المعروف أنه يوجد نحو 100 نوع من هذا الفيروس، لكن هناك نوعين فقط هما 16 و18، يكونان مسئولين عن نحو 70% من حالات سرطان عنق الرحم على مستوى العالم، ومن هنا كان التفكير فى إنتاج مصل مضاد لهذا الفيروس، وبالفعل تم إنتاج هذا المصل باستخراج جزيئات غير معدية من الفيروس، مضافة إليها مواد خاصة تحفز مناعة الجسم حتى تقوم بإنتاج أجسام مضادة تمنع هذا الفيروس من إصابة خلايا عنق الرحم، ويُستخدم هذا المصل على نطاق واسع على مستوى العالم ويتم إعطاؤه للإناث بداية من 14 سنة فى صورة ثلاث جرعات على مدى ستة أشهر، وأثبتت الدراسات أنه ينجح فى منع الإصابة بهذا الفيروس بنسبة 90% خلال سنين طويلة.
No comments:
Post a Comment