سلم الرئيس السادات الجماعة مسئولية الإشراف على العملية التعليمية فى البلاد، فكانت النتيجة مناهج مغرقة فى التدين، تديين العملية التعليمية بالكامل، نشر الفكر الإخوانى الذى يقول بأن الوطن عبارة عن حفنة تراب عفن وأن الرابطة الأهم فى حياة البشر هى رابطة الدين، ومن ثم جرى تقديم «الدينى» على «الوطنى»، وكان منطقياً أن يخرج من يرفض الوقوف لتحية علم مصر أو نشيدها الوطنى. وتدريجياً سيطرت الجماعة على العملية التعليمية، وافتتحوا مدارس خاصة لا مظاهر وطنية فيها على الإطلاق. وقد أدى ذلك إلى ردود فعل من جانب المواطنين المصريين المسيحيين، حيث تبنوا مواقف ورؤى دينية وإن ظل الوطن مقدساً لديهم.
قلنا بشكل واضح إن مسئولية تقديم «الدينى» على «الوطنى» بين الشباب المصرى تقع على عاتق النظم السياسية المتتالية منذ ١٩٥٢، فقد بدأت عملية صبغ الحياة السياسية بالصبغة الدينية، وبدأت عملية توظيف الدين لخدمة السياسة، ولا مخرج من هذه العملية إلا عبر تبنى سياسات جديدة وعلى نحو شامل، أولاً لا بد من إعادة صياغة مناهج التعليم بالكامل وتنقيتها من الحشو الدينى، فمناهج مثل المواد الاجتماعية متخمة بأحداث وتفاصيل دينية مقحمة، ويجرى تدريس «الغزوات» الإسلامية على أنها تاريخ المصريين، كما أن هناك تعمداً لإسقاط الحقبة القبطية من تاريخ مصر، وهى حقبة استمرت قرابة القرون الخمسة وتخص الأقباط المصريين، وإسقاط هذه الحقبة يصيب الوطنية المصرية بعطب شديد، فلا يعلم أطفال مصر من أين جاء الأقباط، هل هم بدو رحل غزاة، أم أهل البلاد الأصليين. أيضاً لا بد من تنقية باقى المواد من الحشو الدينى، حيث تحول منهج اللغة العربية إلى مواد دينية، واختيار وقائع وأقوال تطعن فى جوهر المسيحية وتشكك فيها وتصفها بالكفر.
أيضاً لا بد من إعادة تأهيل القائمين على العملية التعليمية، فالغالبية الساحقة من القائمين على العملية التعليمية تلقوا تعليمهم وفق مناهج تعليم تسيطر عليها الصبغة الدينية، ومن ثم تتراجع لديهم الرؤية الوطنية كثيراً لحساب الرؤية الدينية، وهو ما يجرى نقله إلى الأجيال الجديدة من خلال العملية التعليمية.
وإذا كنا نبحث عن علاج ناجع لداء تقديم الدينى على الوطنى لدى الشباب المصرى فلا بد من صياغة سياسة عامة شاملة فى البلاد تتوافق فيها مناهج التعليم مع التوجه الإعلامى مع الرسالة المضمّنة فى كافة أدوات التنشئة من منزل، دار عبادة، وسائل إعلام، وغيرها، بحيث تتوافق الرسالة المقدمة من خلال هذه الأدوات من أجل إعادة تكريس وترسيخ قيم المواطنة والوطنية، بحيث تأتى فى المقدمة، ويعود الدين لمكانته الطبيعية باعتباره علاقة بين الإنسان وخالقه، علاقة خاصة يُفترض أن تظل فى دائرة العلاقة الشخصية التى تدفع الإنسان إلى التمسك بالأخلاق، والتحلى بكافة القيم الإنسانية الراقية دون مظهرية ودون توظيف للدين قى خدمة السياسة. نريد أن نعود شعباً محباً لوطنه، معلياً من قيمة المواطنة، شعباً عاملاً منتجاً، يحفظ للدين مكانته كمطلق مقدس، ويُنهى ظاهرة المظهرية الدينية التى حولت المصريين إلى أكثر شعوب الأرض حديثاً فى الدين وعنه وهو منصرف عن جوهره الحقيقى. غاية ما نريده هو استعادة مصر الأربعينات والخمسينات، مصر المتحضرة الراقية التى كانت تسبق دولاً أوروبية كثيرة مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان، مصر التى كانت قبلة لكل أوروبى يسعى لتحسين مستقبله أو البحث عن فرصة عمل جيدة، مصر التى كان العالم أجمع يعترف بالشهادات الممنوحة من كلياتها ولا يُجرى معادلة لخريجيها، وعلى رأسهم خريجو كليات الطب. التدين الشكلى وتديين مناهج التعليم هبطا بمصر والمصريين إلى مكانة متأخرة للغاية على مقاييس كافة المؤشرات الخاصة بالرقى والتقدم من ديمقراطية، وحرية، وشفافية، ومكافحة الفساد، وجودة التعليم، بل وجودة الحياة ومؤشرات السعادة، فقد احتلت مصر ذيل الترتيب العالمى فى كافة هذه المؤشرات، ولن نفارق هذه المرتبة ما لم نُنهِ ظاهرة التدين الشكلى، ونوقف عجلة تديين التعليم وتديين المجال العام.
No comments:
Post a Comment