فى أعقاب الانقسام الشديد فى الشارع المصرى بفعل طريقة إدارة الحكومة لملف جزيرتَى تيران وصنافير، ثم قرار الحكومة برفع أسعار مواد الطاقة والكهرباء والمياه، ظهرت تحليلات وتقديرات تشير إلى عودة الحراك إلى الشارع المصرى، وهو ما تلقفه أنصار الجماعة الإرهابية فى الداخل والخارج، ومن ثَم بدأوا فى الحديث عن ثورة جديدة فى مصر، وأن الشارع المصرى يغلى بالفعل، وينتظر مَن يوجهه لبدء فعاليات ثورة جديدة، بعضهم روّج لقرب عودة «مرسى» إلى كرسى السلطة فى البلاد. والحقيقة أن مثل هذا الحديث يكشف عن مراهقة فكرية وعدم نضج سياسى، فقادة وكوادر الجماعة الإرهابية يتحدثون عن الثورة وكأنها تفاعل كيميائى، بمعنى أن توافر عناصر معينة يؤدى إلى نتائج محددة، دون إدراك أنها فعل اجتماعى وليس معادلة كيميائية، والفعل الاجتماعى لا يمكن التحكم فيه أو توقع نتائجه، كما أن توافر عناصر معينة فى ظروف معينة قد يؤدى إلى نتائج محددة، ولكن ذلك لا يعنى أن توافر نفس العوامل فى نفس الظروف يؤدى إلى نفس النتائج السابقة التى تولدت فى مجتمع آخر، أو فى مرحلة تاريخية أخرى، فالثورة فعل اجتماعى لا يمكن توقعه بصفة عامة، ولا تحديد نتائجه مسبقاً.
وفيما يخص المجتمع المصرى فقد تعرض فى آخر عشر سنوات من حكم «مبارك» لضغوط هائلة، ولم يتحرك بشكل جماعى للاحتجاج، ناهيك عن الثورة، تعرض لظلم بيّن من رجال «مبارك» على جميع المستويات، وتعرضت الطبقة الوسطى والشرائح الدنيا فى المجتمع المصرى لسياسات الإقصاء والتهميش، وكان التدهور المتواصل هو حال هذه الفئات التى ظلت تنتقل من مرتبة دنيا إلى مرتبة أدنى، والنظام مهموم بتسمين قططه المحيطة بالوريث، ولم يتوقف ظلم النظام، وتحديداً مع بروز وتقدم مشروع التوريث، عند حدود، فالأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يزدادون فقراً، لدرجة أن وزير المالية فى ذلك الوقت يوسف بطرس عندما قرر فرض ضريبة على العقارات لم يستثنِ الشقق والعقارات التى يستخدمها أصحابها، وعندما تعالت أصوات بعض مالكى الشقق والعقارات فى مناطق مميزة لا تسعفهم قدراتهم المالية على دفع الضريبة لسكن ورثوه، لم يجد حرجاً فى أن يطالبهم ببيعه، والبحث عن سكن أقل، حتى لا يدفعوا عليه ضريبة عقارية، طلب من مواطنين مصريين أن يبيعوا شققهم وعقاراتهم التى عاشوا فيها عشرات السنين وورثوها عن آبائهم حتى يدفعوا ضريبة عقارية فى وقت كان فيه كبار رجال الأعمال يربحون مئات الملايين، بل والمليارات، عبر شراء أراضٍ ومشروعات وشركات عامة، وتشغيلها أو بيعها بعد إعادة تأهيلها. ازداد ظلم نظام «مبارك» وتضخمت ثروات رجال الوريث، وعانى بسطاء المصريين من ظلم بيّن، وبات بعضهم عاجزاً عن توفير مستلزمات علاج الأبناء فى وقت سطا فيه رجال الأعمال على مخصصات العلاج على نفقة الدولة، بل إن مواطنين مصريين أقدموا على الانتحار هرباً من العجز عن الإنفاق على الأسرة والأبناء، كل ذلك ورجال أعمال النظام يراكمون الملايين والمليارات، وهناك من كان لديه أكثر من طائرة خاصة. لم يجد النظام غير عصا الأمن لحفظ النظام وتمرير مشروع التوريث، تمددت قدرات الأمن واتسعت، وباتت الشرطة جاهزة للتصدى للقوات المسلحة إذا فكرت الأخيرة فى التحرك لمنع تنفيذ خطة التوريث، وكان الوريث سخياً مع وزير الداخلية حبيب العادلى، فوفر له كل ما يحتاج من أموال لشراء قنابل الغاز، وأحدث منتجات مصانع أدوات القمع والقهر، حوّل وزارة الداخلية إلى ترسانة سلاح، وحرص على أن يكون عدد قوات الأمن التى تتصدى لأى مظاهرة ضد النظام أو مشروع التوريث أضعاف عدد المتظاهرين حتى تصل لهم رسالة الإحباط.
وللحديث بقية.
No comments:
Post a Comment