Translate

Friday, July 14, 2017

د. عماد جاد - موقف أمريكى مراوغ - جريدة الوطن - 14/7/2017

فى أعقاب القمم التى عقدها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى المملكة العربية السعودية، وجنى خلال الزيارة قرابة النصف تريليون دولار، تصور البعض أن العلاقات الأمريكية السعودية وصلت إلى مرحلة متقدمة من التطور، مثلما تصور البعض فى مصر أن كلمات رجل أعمال يعمل بالسياسة كافية وصادقة فى التعبير عن جوهر موقفه ورؤيته. وقد تكشف الموقف الأمريكى تدريجياً عقب اندلاع الأزمة بين قطر والدول العربية الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) على خلفية الدعم القطرى للإرهاب والجماعات الإرهابية ومحاولاتها التى لا تتوقف عن زعزعة الاستقرار فى الدول الأربع، فضلاً عن تحالفها مع إيران وتركيا. تشجعت الدول الأربع واتخذت قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، ثم أقدمت السعودية والإمارات والبحرين على إغلاق مجالها الجوى والبحرى وإغلاق المنافذ البرية السعودية مع قطر، وتقديم ثلاثة عشر مطلباً لقطر مطلوب منها تلبيتها جميعاً وإلا فإن حزمة جديدة من العقوبات سوف تُفرض، ولوّح البعض بتجميد عضوية قطر فى مجلس التعاون الخليجى أو طردها من المجلس. هنا تطلعت الأنظار صوب العاصمة الأمريكية واشنطن لمعرفة موقفها من هذا الخلاف، لاسيما أن علاقتها مع قطر تتسم بالتطور الإيجابى، فعلى أرض قطر توجد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى المنطقة، وسبق للنظام القطرى أن تعاون مع الإدارة الأمريكية السابقة فى محاولة تنفيذ بعض عناصر سياسة الفوضى الخلاقة فى المنطقة أو ما سُمى «الربيع العربى»، كما لعبت قطر دوراً مهماً فى نقل السلاح ودفع الأموال لإثارة الفوضى فى ليبيا وسوريا تنفيذاً لتوجيهات أمريكية. فى الوقت نفسه فإن الدول الأربع المقاطعة لقطر تمثل رصيداً استراتيجياً مهماً للولايات المتحدة فبينها أكبر دولتين عربيتين بمقاييس القدرات الشاملة، مصر والسعودية.
اتسم الموقف الأمريكى فى البداية بالغموض المتعمد، فقد صدرت عن الإدارة الأمريكية تصريحات يُفهم منها أنها تتفهم فرض العقوبات على قطر وأن للأخيرة تاريخاً طويلاً فى دعم الإرهاب، وغرّد الرئيس الأمريكى على «تويتر» قائلاً إن ما يجرى فى المنطقة إنما هو محصلة لزيارته التاريخية للمملكة العربية السعودية، وهو ما فُهم منه أيضاً دعم الدول الأربع المقاطعة لقطر، بل وممارسة الضغط على الأخيرة، لا سيما بعد أن صرحت مندوبة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة بالقول إن محاربة الإرهاب ووقف تمويله هو ما يهم الولايات المتحدة أكثر من القاعدة العسكرية قى قطر.
تشجعت الدول الأربع وواصلت ضغوطها على قطر، فى الوقت الذى اتسم فيه موقف الأخيرة بالتشدد والتصلب، والسير باتجاه معاكس لرغبة الدول الأربع، فقد طوّرت علاقاتها مع إيران واستقدمت عناصر من الحرس الثورى الإيرانى، كما أعلنت منح تركيا قاعدة عسكرية على الأراضى القطرية، بل وقامت بعملية هجوم مضاد، إذ أعلنت قطر أنها تمهل دول الخليج الثلاث المقاطعة لها ثلاثة أيام فقط للتراجع عن عقوباتها وإلا فإن قطر سوف تنسحب من مجلس التعاون الخليجى. والحقيقة فإن هذا الموقف القطرى أربك حسابات الدول الأربع، إلى أن جاء وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون إلى المنطقة وقرر زيارة ثلاث دول فقط هى الكويت وقطر والسعودية، وفى الدوحة أعلن عن توقيع اتفاق أمريكى قطرى لمكافحة الإرهاب ووقف تمويله، وهو الاتفاق الذى كان بمثابة إعلان حماية أمريكية لقطر، فمسألة وقف دعم الإرهاب وتمويله باتت أمراً قطرياً أمريكياً لا شأن للدول المقاطعة به، وهو إعلان كان بمثابة صفعة على وجوه وزراء خارجية الدول الأربع قبل أن يلتقى بهم. وبصرف النظر عما سوف يحدث، فإن زيارة وزير الخارجية الأمريكية الأخيرة كشفت بوضوح عن جوانب المراوغة فى الموقف الأمريكى، وأن واشنطن تعمل على الاستفادة القصوى من الأزمة عبر ضرب الأطراف بعضها ببعض، واتخاذ مواقف غامضة بل ومتناقضة، المهم أنها تجعل واشنطن اللاعب الرئيسى إن لم يكن الأوحد، تجنى الثمار تباعاً ومن الأطراف المختلفة.

No comments:

Post a Comment