Translate

Friday, May 27, 2016

اضربوا الفساد بالتكنولوجيا! بقلم د. وسيم السيسى ٢٨/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

تلقيت دعوة كريمة من نادى روتارى مريوط، ونادى روتارى النزهة بالإسكندرية لإلقاء محاضرة عن «مصر أسعدت العالم»، وحجزوا لى غرفة فى فندق سيسيل، طلبت أن تكون الغرفة التى كان يقيم فيها النحاس باشا عند زيارته للإسكندرية.
ها هى الغرفة، وها هى الشرفة - البلكونة - التى كان يطل منها على الشعب والبحر، غفوت قليلاً على فراشه، فسمعت صوتاً من الماضى القريب، فيه أنس وفيه وحشة، يسألنى: ماذا صنعتم بمصر؟!، أخذتموها ١٩٥٢ وهى دائنة لإنجلترا ما يعادل عشر ميزانيات للأمام، والآن فى ٢٠١٦ بعد ٦٤ سنة، أصبحت مدينة للداخل والخارج، والله وحده يعلم كيف سوف تسددون هذه الديون!، كنا نصدر العلم والحضارة المصرية، أصبحتم تعيشون فى ثقافة بدوية صحراوية، كانت مصر دولة اسمها مصر والسودان أصبحت فى ١٩٦٧ بلا سودان أو سيناء، «انفصلت السودان ١٩٥٦»، حتى اسمها مسحه عبدالناصر واستبدل به الجمهورية العربية المتحدة، ولا هى عربية ولا هى متحدة، والاسم الصحيح لها: الجمهورية المصرية.
واستطرد النحاس باشا: قلت تقطع يدى ولا أوقع على انفصال السودان عن مصر، إنها إنجلترا حاضنة الصهيونية العالمية، وشعارها المعروف: فرق تسد أو Deyide To Rule.
سألته: ما رأيك فى أداء حزب الوفد؟
قال: انحرف الحزب منذ فؤاد سراج الدين حين تحالف مع الإخوان المسلمين، وبدأ الانهيار منذ ذلك الحين، أو قل منذ ٥٢ فلا أحزاب دون حرية سياسية، ولا أحزاب سياسية بشعارات خادعة دينية، فالسياسة لعبة قذرة متغيرة ونسبية، والدين طهارة، وثوابت، ومطلق!، كيف توفق هذا مع ذاك؟!.
قلت: كتبت مقالة منذ بضعة أشهر: «رئاسة كاسحة، وإدارة كسيحة!»، كيف كانت إدارة الدولة - الحكومة - أيامكم؟!. قال: كنا نؤمن أن السياسة من أجل الاقتصاد أى الرخاء، وليس الاقتصاد من أجل السياسة!، لأن تعريف السياسة عند هارولد لاسكى فى كتابه «الحرية فى الدولة الحديثة»: السياسة هى فن الإنتاج!.
كان لدينا حنكة سياسية، لم نعلن الحرب ضد ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ - ١٩٤٥ ولما تأكدنا من هزيمة ألمانيا.. أعلنا الحرب ضدها!، لم نعلنها أولاً حتى ننجو من نار الحروب، وأعلناها مؤخراً حتى يكون لنا نصيب فى التعويضات!، قارن هذا بالمسؤول الذى يعلن فحص البضائع القادمة من اليابان من الإشعاع فى نفس الوقت الذى كان فيه الرئيس السيسى فى زيارة لليابان، فهل هذا ذكاء سياسى أم غباء سياسى أم ذكاء إخوانى شيطانى، وقس على هذا قانون الخدمة المدنية، وإعلان قرار تيران وصنافير!.
قلت: أنت تعلم مؤامرات الخارج.. موشيه شارين، وزير خارجية إسرائيل، وبرنارد لويس ١٩٨٣، ومؤامرات الداخل من أبناء مصر الذين يرونها حفنة من تراب عفن وطظ فيها، كيف ننجو؟ كيف نتقدم؟ كيف نبدأ؟!.
قال النحاس باشا: هيبة الدولة فى سيادة القانون، وسيادة القانون فى تنفيذ الدولة للأحكام النهائية، أما هذا السُـخف والجبن والتمحك فيما يسمى القرار الأمنى من وزارة الداخلية، إذا كان هذا الحكم النهائى ينفذ أم يؤجل، فهذا أصل الشرور والبلطجة وضياع هيبة الدولة.
استطرد النحاس باشا: اضربوا الفساد بالتكنولوجيا ما دمتم غير قادرين على مواجهته كبشر، رخصة القيادة تسلم لصاحبها بالكمبيوتر، لديكم مليون توك توك، لو كل توك توك دفع ضريبة سنوية ألف جنيه لجمعتم ملياراً من الجنيهات المصرية وضبطتم أمن البلد من هؤلاء الصبية الذين يرتعون دون قانون يحكمهم!، الشباك الواحد للاستثمار وأيضاً الجمارك.
لم تعودوا على قلب رجل واحد، والمجرم الحقيقى هو الإعلام والتعليم، كان يوسف إدريس يقول: أعطونى التليفزيون سنتين أصنع لكم شعباً جديداً!. إن تعريف التنوير هو: إضاءة المساحات المظلمة فى العقل الجمعى، والمجتمع كله مساحات مظلمة، لا تحس بالخطر المحدق بها!، العمارات حول عمارتكم مشتعلة وأنتم تحتجون على ارتفاع أسعار، وحرية التظاهر ونحن معرضون للفناء!. قال الابن لأبيه: علمنى التفاهة يا بابا!، قال الأب: تعالى فى الفارغة واتصدر!!.
أفقت من أحلامى على كلمات أمير الشعراء:
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما.. وَهَذى الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَأَينَ الفَوزُ لا مِصرُ استَقَرَّت.. عَلى حالٍ وَلا السودانُ داما.

هل أصبحت السياسة رذيلة؟ بقلم د. محمد نور فرحات ٢٧/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

مشهور عن أرسطو قوله إن الإنسان حيوان سياسى. يقصد أنه لا يمكن أن يعيش بمعزل عن تحديد أهداف عيشه فى المجتمع ووسائل تحقيقها. و«السياسة» فى تعريفها المعجمى: «رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ودراسة السلطة التى تحدد مَن يحصل على ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟».
مفهوم «الإدارة»، وهى التخطيط والتنسيق والرقابة على الموارد المادية والبشرية للوصول إلى أفضل النتائج، مفهوم أكثر ضيقا. الإدارة وحدها لا تكفى دون سياسة تسترشد بها.
وتُعنى السياسة بالإجابة عن أسئلة من نوع: إلى مَن ينحاز نظام الحكم: إلى الفقراء أم الأغنياء؟ أم أنه نظام يحاول التنسيق المتوازن بين انحيازاته، وكيف؟ مَن حلفاء النظام فى الداخل والخارج؟ وعلى أى معيار تم تحديدهم؟ وما محددات الأمن القومى؟ ما وسائل المجتمع فى تحديد خياراته وأولوياته؟ وهل جرى عليها توافق مجتمعى؟ وما موقفه من الحرية وكرامة الإنسان وسيادة القانون العادل؟
أظن أننا نعيش مرحلة غيبة السياسة والاكتفاء بالإدارة. أو أن هناك سياسة غير معلنة تمارس فى الخفاء لا يعلمها أحد. ومسؤولونا لا يعلنون إلا عن محاربة الإرهاب وإنقاذ الاقتصاد، وهى أهداف لا يصدق عليها وصف «السياسات»، بل هى نشاطات حيوية تمارسها الدولة.
هناك قطاعات شعبية واسعة تبارك غيبة السياسة. هذه الفئات هى التى يحكمها الخوف من المستقبل أكثر من الأمل فيه. وتتكون هذه القطاعات الاجتماعية أساسا من:
١- الفئات التى أرهقتها ثورة يناير لأنها مست رزقها وطمأنينتها.
٢- الفئات التى هددت الثورة مصالحها غير المشروعة.
٣- بعض قطاعات الأقليات، التى لم تدرك أن استبداد وفساد نظامى السادات ومبارك كان هو السبب المباشر فى الكوارث التى حلت بها. هى تكره السياسة لأنها تبحث عن الحماية، وهذا حقها، ومع ذلك تتبنى سياسة مضمرة بإقرار الأمر الواقع الذى يحرمها من الحماية، ولا تتحمل تكاليف إقامة مجتمع ديمقراطى ينعم فيه الجميع بالحرية والعدالة والمساواة.
٤- التكنوقراط الذين يخدمون أى نظام سياسى ويبيعون فكرهم وعملهم لكل مَن يدفع.
تركيز الخطاب الرسمى على المخاطر الأمنية التى تتهدد الوطن يستنفر غريزة الخوف لدى الفئات السابقة. كلنا ندرك المخاطر الأمنية المحيطة ببلدنا، والتى يدفع خيرة أبنائنا أرواحهم لمواجهتها.
تنبأ بهذه المخاطر مبارك عندما قال: «أنا أو الفوضى». وهددنا بها مرسى بقوله: «إما أن تعلن نتيجة الانتخابات بفوزنا وإما أن تحرق مصر». عدو مصر الأول هو الإرهاب والفوضى.
السؤال هو: هل تتم محاربة الإرهاب بمعزل عن دعم شعبى وبمنطق أمنى بحت وبنفس السياسات التى أنتجت الإرهاب فى السابق؟ وهل يتحقق الاستقرار بقهر الحريات والزج بالشباب المعارض إلى السجون، وبتطبيق قوانين ظالمة، وبغيبة الشفافية عند اتخاذ قرارات مصيرية، وبإحكام قبضة الأمن على كل مؤسسات الدولة؟
هنا تبرز أهمية السياسة، أى تحديد الأهداف الكبرى التى يتوافق عليها المجتمع. هناك رؤية خاطئة ومدمرة تتردد فى بعض الدوائر الرسمية بأن ثورة يناير ناتجة فحسب عن القصور الشديد فى أداء الأجهزة الأمنية وقتئذ، وأن تلافى هذا القصور بزيادة جرعات القمع والضربات الاستباقية من شأنه عدم تكرار ما حدث وتحقيق الاستقرار. وهذه رؤية مدمرة لمستقبل مصر. إنها تتجاهل أن أسباب الثورة هى استشراء الفساد، وتهرؤ الدولة طوال ثلاثين عاما من حكم مبارك، وقهر الحريات والتعذيب فى ظل نظام الطوارئ وقبضة الأمن.
الحل إذن لا يكون بقمع مطالب الثورة وتشويهها، بل بتبنى سياسات متوافق عليها تتلافى أسبابها. يكون بالقضاء على الفساد أيا كان المستفيدون منه، وبتأمين حق المواطنين «وأغلبهم من الشباب» فى صنع مستقبلهم بحرية، وبالقبول بمشاركة المجتمع المدنى فى صنع المستقبل، وفى الإعلام الحر، ورقابة برلمان مستقل وقادر على أداء السلطة التنفيذية.
أتوقف أمام أمرين أعتبرهما من الكوارث السياسية غير المسبوقة. أفزع المصريين تصريح رئيس البرلمان مؤخرا بأنه سيحيل إلى لجنة القيم كل نائب يتحدث عن السياسة النقدية فى وسائل الإعلام. هذا تصريح يليق برجل أمن لا برئيس برلمان.
أولا: الدستور ولائحة المجلس ينصان على حرية الرأى والتعبير. ثانيا: رئيس المجلس منفردا لا يملك الإحالة إلى لجنة القيم. ثالثا: حديثه عن مراكز الأبحاث المشبوهة التى تدرب النواب- إن لم يُلحقه ببلاغ موثق إلى النيابة العامة- يدخل فى باب نشر شائعات من شأنها تكدير السلم العام. رابعا: وهناك نصوص فى اللائحة تسمح بسحب الثقة من رئيس المجلس. خامسا: حديثه عن مخططات هدم الدولة حديث مكرر كحائط صد يضعه المسؤولون ضد النقد. إن عليه واجبا كمواطن فى حالة علمه بوجود هذه المخططات أن يبلغ عنها فورا، وإلا يكون قد علم بوقوع جريمة أو الشروع فيها ولم يبلغ!
نتابع الرصد: رئيس لجنة الأمن القومى «الحاصل بالمناسبة على وسام الملك فيصل» جزم، فى حوار صحفى، بأن جزيرتى تيران وصنافير سعوديتان، وأن البرلمان ليس من شأنه بحث هذا الأمر، لأن الحكومة قد قررت الصواب. البرلمانى البارز، رجل الأمن السابق، صادَر مسبقا على عمل اللجنة التى يرأسها، وحرمها من مباشرة مسؤوليتها الدستورية فى الرقابة على الحكومة، تماما كما نهى رئيس البرلمان أعضاءه عن التعبير عن رأيهم. ما لزوم البرلمان إذن إذا كان يصادر حريات أعضائه، ويعتبر قرارات الحكومة بمنأى عن المساءلة.
كتبت فى الأسبوع الماضى عن «الطريق إلى جمهورية الخوف». لم أقل إننا تحولنا فعلا إلى «جمهورية الخوف»، ولكننى حذرت من ذلك. وانتقدت منظومتنا التشريعية المناهضة للحريات. أتابع تعليقات القراء الموضوعية على ما أكتب وأسعد بها.
أدهشتنى رسالة من زميل أستاذ للرياضيات بإحدى الجامعات، وحصل على الدكتوراه من ألمانيا. لن أنشر رسالته كاملة فى هذا الحيز المحدود. يقول إنه متابع لأحاديثى وكتاباتى، وإنه لاحظ أننى ضد الرئيس السيسى على طول الخط، وإننى وغيرى من كتاب وإعلاميين نهدم الوطن، وإن هذه ليست هى الديمقراطية التى شهدها فى ألمانيا، حيث لا يمارَس النقد إلا من خلال البوندستاج!!. ثم اختتم رسالته بإعلان حرمانى ونظرائى من شرف المواطنة. تحاورت معه فى رسائل متبادلة، وأدركت أن ما يحكمه سياسيا غريزة الخوف أكثر من إشراقات الأمل.
الحكم على الأمور بغريزة الخوف سائد، حتى لدى صفوة المثقفين ورجال الجامعة. لم أهاجم السيسى «الذى كان لى شرف التعرف عليه والحوار معه شخصيا»، ولم أهاجم مرسى، ولم أهاجم مبارك، لا يهم الأشخاص إلا بقدر ما يعملون. انتقدت بوضوح فى عهد السادات ومبارك سياسة الخصخصة والفساد والتلاعب بالدستور والتمهيد للتوريث، فى وقت كانت تبارك التوريث بعض المؤسسات والأحزاب الدينية. بعد الثورة عبرت عن رأيى بوضوح فى سوء إدارة العملية الدستورية: بدءا من التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها، وجعل الانتخابات البرلمانية قبل الدستور، وهو ما انتهى إلى تسليم الحكم لجماعة الإخوان ووضع دستور يمهد لدولة دينية. أعلنت بوضوح انتقادى للخلط بين الدين والسياسة وسطوة الإخوان والسلفيين على عقول الفقراء. واليوم أعارض صراحة غيبة السياسة فى إدارة شؤون الوطن، وإعلاء قيمة الأمن بمفهومه القمعى، وغيبة السياق السياسى فى تحديد الأولويات، والتنكيل بالمحتجين ووضعهم فى السجون، فى حين ينعم مَن أفسدوا مصر بالحرية.
إن الذين يؤمنون بالتعددية واحترام الاختلاف وحرية الرأى والتعبير هم البناة الحقيقيون للوطن، وليسوا من أهل الشر، بل هم يريدون لوطنهم كل الخير. إنهم يدعون إلى إقامة دولة قوية الدعائم: بها تعليم جيد يتساوى الجميع فى فرصه، وبها قضاء مستقل كفء عادل يتشبث بقيمه الليبرالية التى بشر بها رواده، وبها علاج لائق، وبها إعلام حر، ويحلمون بوطن به مشاركة فى صنع المستقبل، يطعم فيه المواطن من جوع، ويأمن من خوف، وبه برلمان يتحاور فيه السياسيون الساعون إلى وطن أفضل ولا يُهدَّد فيه المعارضون بتهمة محاولة هدم الدولة.
وتلك هى السياسة التى يعتبرها بعضنا رذيلة.

Tuesday, May 24, 2016

من مصريين وطنيين إلى الرئاسة بقلم د محمد أبو الغار ٢٤/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم


أكتب هذه المقالة من ولاية ماريلاند فى أمريكا بصحبة مجموعة من الأصدقاء المصريين الأمريكان الذين هاجروا إلى أمريكا منذ حوالى أربعين عاماً، وكلهم مُحبُّون لمصر، يتابعون أخبارها عن قرب شديد، ويعلمون عنها أشياء لا أعلمها، وكلهم من المهنيين الكبار، أطباء ومهندسين ورجال أعمال وأساتذة جامعات مرموقين. كلهم يؤمنون إيماناً تاماً بمدنية الدولة، وكان موقفهم واضحاً أيام حكم الإخوان، وكلهم ساعدوا وطنهم الأم مادياً ومعنوياً وبمساهمات علمية، قدموا استشارات طلبها منهم رجال الدولة عبر قنوات متعددة معظمها رسمية. قضينا أربعة أيام معاً بعضهم أحضر زوجته فى مكان جميل على بحيرة ضخمة وتحدثنا ساعات وساعات، وفضلت أن أترك هذه المقالة لهم، وباختصار أسرد ما قالوه:
١. حذرونى من الكتابة فى «المصرى اليوم»، وقول الرأى بصراحة، لأنهم يشعرون أن النظام أصبح يطيح بالجميع حتى أكثر الناس وطنية، ولم يعد يحتمل أى نقد أو حتى نصيحة، وقالوا إننا جميعاً فى فترة عمرية متقدمة، وآن لنا أن نستريح. وقالوا إن د. نور فرحات كتب شيئاً مشابهاً، وقلت لهم إن أى نقد موضوعى مع الالتزام بالأدب والاحترام هو واجب وطنى، ويجب أن تقرأه الدولة بعناية، لأنه فى مصلحتها، ونحن لا نريد إسقاط الدولة وإنما نعطى النصيحة لمنع سقوطها لأن مصر لا تحتمل ذلك، ونحن نرى مخاطر لا يراها من يحكم، لأن معظم حكام العالم الثالث، الذى يُحكم بنظام ديكتاتورى أو فاشى، لا يرون ما يحدث ولا يستمعون إلى أحد، وهم معزولون عن العالم، ومعظمهم يظن أنه الوحيد الذى يفهم ولا يتصور أن ينتقده مواطن لأنه يحب وطنه ويريد له الخير.
٢. أصدقائى عندهم ذهول من القبض على آلاف دون مدد محددة ودون سبب واضح، مما يثير غضباً شديداً على النظام ولا يحقق ردعاً. قال أحدهم: انظروا للتاريخ القريب، كلما ارتفع عدد المساجين السياسيين كان الحاكم ضعيفاً، واهتزاز كرسيه وارداً، وهم لا يريدون ذلك.
٣. تحدثوا كثيراً عن الشفافية، وأن مصر أصبحت معدومة الشفافية، والرئيس يتفاوض على وضع جزر البحر الأحمر ويوقِّع اتفاقاً مع السعودية وبموافقة دول أخرى دون علم مجلس وزرائه ولا برلمانه ولا شعبه. الجميع مقتنع لأسباب كثيرة بأن الجزر مصرية، وأحدهم قال: أنا متفهم وضع مصر الاقتصادى السيئ، وأنه حتى يأخذ دعماً مادياً واستثمارياً وبترولياً لا بد أن تعطى مصر شيئاً، هو هذه الجزر. وقال إن تناول القضية والتعتيم الكامل عليها وضعا النظام فى موقف ضعيف أدبياً، لأن غالبية الشعب تؤمن أن الجزر مصرية ولكن ليس لديها معلومات كاملة عن الوضع الاقتصادى الكارثى، وكان رأيه أن مصارحة الشعب بالموقف عبر عدة أسابيع كانت سوف تسهل الأمور عليه، وقالوا إن استدعاء مهندسى وترزية قوانين مبارك سيئة السمعة للدفاع عن أن الجزر سعودية خطأ كبير، لأنه أعطى انطباعاً بأن السياسيين السابقين حضروا مرة أخرى للقيام بنفس المهمة، كما أن الإعلاميين الذين أيدوا سعودية الجزر أضروا أكثر مما أفادوا. وكان غياب الشفافية حتى فى إعلان نص الاتفاقية حتى حكمت المحكمة بإظهار تفاصيل الاتفاق على الشعب أمراً جعل الشعب متشككاً وقلقاً. وأخيراً إهمال البرلمان الذى أعطاه الدستور صلاحيات كثيرة أصبح شيئاً مسيئاً للغاية، ثم الهجوم غير المسبوق على شخصية محترمة مثل منير فخرى عبدالنور، لأنه قدم من الوثائق ما يثبت أن الجزر مصرية. وأخيراً ما قاله أحدهم من أن شخصية من مكتب الرئيس ثبت أنها تتجسس لصالح إحدى الدول الخليجية مقابل أموال وهدايا، ولم نسمع عن نيابة أو محاكمة أو أى شىء! وأخيراً علم المصريون بالصدفة أن كهرباء السد العالى قد توقفت، وطلب الرئيس من وزير الكهرباء بطريقة دبلوماسية عدم الخوض فى تفاصيل هذا الأمر. أين الشفافية؟
٤. تحدث أحدهم، وهو خبير اقتصادى، وعلى دراية تامة بالاقتصاد الأمريكى والمصرى والعالمى وله مؤلفات ومترجمات مهمة فى هذا المجال، بأن الأمور الاقتصادية فى مصر لا تدار بطريقة علمية وإنما بطريقة عشوائية، فلا توجد أولويات للمشروعات الكبرى ولا دراسات اقتصادية دقيقة. وقال أحدهم إن الطاقة النووية قد تكون أفضل الطرق لتوليد الطاقة فى ظروف مصر الحالية ولكنه يريد شرحاً أكثر عن معدلات الأمان، وعن أن العرض الروسى هو الأفضل من الناحية الفنية والتمويلية. هم يعتقدون أننا مقبلون على كارثة اقتصادية رهيبة لن يستطيع أحد منعها ما لم تتكون وبسرعة لجنة من المصريين ذوى الخبرات العالمية لمحاولة إنقاذ الموقف، وهو أمر يعتقد أنه من الصعب أن يحدث فى ظل تفكير الإدارة الحالية.
وقالوا إن الدين الداخلى تخطَّى مستوى المخاطر والقواعد بكثير، والدين الخارجى كان معقولاً حتى فترة قريبة، وهم يخشون أن يرتفع الآن خارج حدود الأمان، مما يعرض مستقبل مصر واستقلالها لأخطار أكبر وضغوط أكثر.
لن أدخل فى شرح حزنهم الشديد على تدهور حقوق الإنسان فى مصر ولا عن التضييق على الحريات ووسائل الإعلام، وكانوا واضحين فى أنه إذا حدث تعدٍّ على وسائل التواصل الاجتماعى- وهو أمر محتمل الآن- ستتحول مصر إلى كوريا شمالية أخرى، وسنكون خارج نطاق احتمالات عودة السياحة والاستثمار إلى الأبد.
هذه بعض أفكار يقول مثلها الخبراء المقيمون فى الوطن. أرجو التفكير والتروى، لأن الجميع يريد لمصر أن تنجح، ولا أحد يريد لها أن تسير ضد تيار القرن الواحد والعشرين.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Sunday, May 22, 2016

منذ متي كنت انحني تحت ضغط أو خوف من بشر؟ أون تي في .. وجحا وحماره - أخبار اليوم 21/5/2016

أون تي في .. وجحا وحماره
نجيب ساويرس
هذا ما حدث معي في قناة أون تي في...!!! فلا أحد راض عما تقدمه القناة سواء قوي ثورة 25 يناير أو من يطلق عليهم الفلول أو المحافظون أو الإصلاحيون أو الحكومة أو المعارضة، كلهم علي حد سواء قد تحولوا إلي نقاد لا يعجبهم ولا يرضيهم أي شيء وانهال عليّ العتاب واللوم والشكوي من كل الاتجاهات وفي نفس الوقت. اضف إلي ذلك صعوبة التعامل مع الإعلاميين علي الرغم من حبي لهم.. الحقيقة زهقت وتعبت فوق الاحتمال وأصبحت قناة أون تي في بالنسبة لي مصدراً للصداع والمشاكل والخسائر من كل نوع.
بالإضافة إلي ما سبق فأون تي في كانت كما يقولون «واقفة عليّ بالخسارة» فلم تكن تغطي نفقاتها المالية نظرًا لأنها قناة فضائية إخبارية لا تقدم أفلاما ولا مسلسلات وكان من الصعب الاستمرار بهذا الوضع. وكان لزاما لكي تتحول القناة إلي الربحية إنشاء باقة كاملة من القنوات التابعة حوالي 5 أو 6 قنوات تقدم أنواعًا أخري من المحتوي التليفزيوني مثل الدراما والأفلام والمنوعات وتخاطب نوعيات مختلفة من المشاهدين لتجذب موارد إعلانية كبيرة، وهو ما كان يتطلب ضخ مئات الملايين من الجنيهات ان لم يكن مليارا كي تستطيع منافسة القنوات الأخري وأنا اهتماماتي سياسية وهو استثمار لست علي استعداد للدخول فيه.
أما بالنسبة لهواة الشائعات والتفلسف الذين بلينا بهم والذين أشاعوا أني قد اضطررت لبيع القناة تحت تأثير ضغوط مورست عليّ فأقول لهم منذ متي كنت انحني تحت ضغط أو خوف من بشر؟ إن بيع القناة قد جاء بمبادرة شخصية مني بعد أن أصبح للمشاكل التي تأتي من ورائها تأثير سلبي علي حياتي. لقد وصلت لمرحلة من النضج والحكمة أفضل فيها تخصيص وقتي لإنجاز أعمال مهمة تسعدني وتسعد الجميع ولا تسبب لي صداعا ينغص عليّ حياتي اليومية.
أعلم أن الإنسان لا يستطيع أن يرضي الجميع ولكن نكران المجهود المبذول وافتراض سوء النية وراء الهدف من عمل في أصله نبيل ووطني بالتأكيد شيء محبط. علي سبيل المثال فقد قامت أسرتي متبرعة برصف شارع شجرة الدر في الزمالك وتم ذلك بمعداتنا وعمالنا وعلي نفقتنا وعلي أكمل وجه ولكني فوجئت برسالة من سيدة علي التويتر تقول لي بتهكم «هل أصبح هذا مستوي أوراسكوم « ؟
عودة أخيرة إلي موضوع أون تي في، أتمني لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة كل النجاح والتوفيق وإن كنت مشفقا عليه من مواجهة ما سبق أن واجهته أنا من مشاكل أون تي في إلا أني متأكد أنه بحماس وعزيمة جيل الشباب الذي ينتمي إليه سوف يجتاز كل المصاعب وسوف ينجح في تحويل القناة من الخسارة إلي الربح وأقول له حظا سعيدا وربنا يعينك!
وبالنسبة لي.. لن ينسي أحد أو ينكر أن أون تي في كان لها دور تاريخي في ثورة ٢٥ يناير فانفردت بالتغطية ولم تنحني لبطش النظام أو تهديداته وأكملت ذلك بثورة ٣٠ يونية وساهمت في خلاصنا من الكابوس الذي جثم علي أنفاسنا! وستظل جزءاً من تاريخي وقلبي !!

انخفاض الجنيه لا يقتل وطناً لكن انخفاض الانتماء يقتله 2016-05-21 السبت - خالد منتصر




كتب الصديق الفنان نبيل الحلفاوى تويتة بعد تحطم الطائرة يقول فيها: «مصر كبيرة وستنتصر»، تخيلوا ماذا كان رد البعض، كان هجوماً شرساً لدرجة أن هناك من رد عليه قائلاً كنت أحترمك يوماً ما!!، تعجبت لماذا أصبح عند البعض أرتيكاريا ممن يحب هذا البلد؟!، لماذا أصبحت أى كلمة حب وعشق لتراب هذا الوطن تثير حساسية البعض، شىء يدعو للعجب والدهشة، ماذا حدث حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من إحساس الكراهية والسواد والغل والعدمية؟، للأسف كثير منهم شباب، وكثير منهم لا ينتمون للإخوان، الفنان نبيل الحلفاوى فى هذه التويتة لم ينافق السيسى حتى يقال عليه سيساوى، حتى الجيش المصرى الوطنى لم يوجه إليه التحية حتى يقال عنه اللفظ الفيسبكاوى «عبد بيادة»!!، لكنه قال بكل إحساس الرجل المصرى الوطنى العادى، وبرد فعل تلقائى من مواطن مكلوم حزين بعد انفجار طائرة مصرية فى جو محتقن متربص، مواطن يبكى شركته الوطنية التى يريدون إطلاق رصاصة الرحمة عليها وعلى السياحة المصرية، للأسف كل شىء ممكن تعويضه إلا روح الانتماء للوطن، حتى الانهيار الاقتصادى والإفلاس من الممكن التعافى منه، لكن أن يكون بيننا شامتون شتامون لا يقفون للسلام الجمهورى، ويسخرون من النشيد القومى ولا يريدون الالتحاق بالجيش ويفرحون فى خسارة شركاتنا الوطنية ويشجعون منتخباً أفريقياً لكرة القدم يلعب ضد مصر ويدبّجون المقالات فى صحف الخارج للهجوم على البلد.. إلخ، هذه الروح هى التى تدمر الأوطان وليس التضخم الاقتصادى، الإفلاس الوطنى وليس الإفلاس الاقتصادى، انخفاض الانتماء وليس انخفاض الجنيه، فالجنيه بخطة اقتصادية ناجحة سينتعش لكن إيدز الانتماء لن تنفع فيه كل أمصال الدنيا، أحس بجهاز المناعة الوطنى ينهار، وللأسف نجحت عصابة الإسلام السياسى بكافة أطيافها فى خلق حالة من العدمية والانتقال بالكثيرين إلى خانة الانتماء إلى دائرة الجيتو الدينى بديلاً عن الوطنى، والبعض الذى لم يختر الانتماء إلى الجيتو الدينى انتمى إلى الجيتو العبثى إلى قوقعة الذات، علينا أن نعى جيداً أن الانتماء إلى تراب هذا الوطن، وعشقنا له هو الذى أنقذنا وقت ٦٧ برغم عنف وشراسة الضربة، هل هناك شىء غير الانتماء يجعلك كمهاجر من مدن القناة تتحمل التهجير من مدينتك لتذهب إلى المجهول حيث محافظة أخرى وتقف فى طوابير الجاز وتسلم البطاطين والإعانات، ما جعلك تتحمل هذا يا ابن بورسعيد، والإسماعيلية والسويس هو حبك لهذا البلد وثقتك فى أنه لن يموت، من الممكن أن يمرض، لكنه وطن لا يموت.

Saturday, May 21, 2016

أول من وضع علامة تجارية على الملابس الداخلية! بقلم د. وسيم السيسى ٢١/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

أعرف أن أول طبيب عرفه العالم حسى رع.. مصر.
وأول طبيب ومهندس بنى الهرم المدرج إيمحوتب.. مصر.
وأول من عرف البنسلين - لباب خبز الشعير المتعفن.. مصر.
وأول من عرف علاج البلهارسيا بالأنتيمون.. مصر.
وأول من أجرى عمليات التربنة والشق الحنجرى.. مصر.
وأول خيوط جراحية Cat Gut.. مصر.
وأول عمليات لمياه العين البيضاء كاتاركت.. مصر.
وأول زراعة للأسنان.. مصر.
وأول عناية بالأم الحامل قبل وبعد الولادة.. مصر.
وأول من عالج الصداع النصفى بالكهرباء «سمك الرعاد».. مصر.
وأول قانون دولى - تحوت - مصر.
وأول قانون لحقوق الإنسان - حور محب.. مصر.
وأول من عرف التوحيد والثواب والعقاب.. مصر.
وأول من دافع عن المسيحية.. عصر الاستشهاد.. مصر.
وأول من دافع عن الإسلام: الصوارى.. حطين.. عين جالوت.. مصر.
أعرف هذا كله بل وأكثر منه عشرات المرات ولكن أن أعرف أن أول من وضع علامة تجارية Trade - Mark على الملابس الداخلية.. ختم دائرى بداخله - نفر - أى جميل هى مصر؟! فهذا ما لم أتوقعه أبداً ولكنى صدمت به - صدمة حضارية فى مؤتمر: الاحتفال الأول بيوم المرمم المصرى.. الأحد ١٥ مايو ٢٠١٦.
إنها الملابس الداخلية Under - Wear لتوت عنخ آمون، وهى على هيئة مثلث، قاعدته تربط حول الوسط، وقمة المثلث تمر من بين الساقين حتى تصل للوسط من ناحية البطن! فتغطى الأعضاء التناسلية ومنطقة العجان، ولكن الصدمة التاريخية الحضارية الأكبر، أن بعض هذه الملابس الداخلية، تهرأت أى تمزقت، فكان رتق الفتق أو الفتوقات يهدم ادعاءات اليهود عن ملوكنا العظماء.. السخرة، الظلم، استغلال الشعب، كان السيد المسيح يخاطبهم: يا أولاد الأفاعى.. أيها المنافقون الكذبة، كيف تهربون من دينونة جهنم؟!
ملكان من ملوك الأسرة ١٧ يستشهدان فى حرب الهكسوس، ومؤسس الإمبراطورية المصرية تحوتمس الثالث يطلب تعديل فقرة فى القانون، فيرفض كبير القضاة قائلاً: أعلم يا جلالة الملك أن كلمة الحاكم لا تعلو فوق كلمة القانون! فيعتذر الملك ويطلب المغفرة «تحوتمس ٣ الأسرة ١٨».
وفى الأسرة ١٩ يحكم بإعدام أميرين من أسرة رمسيس ٣ بل وبإعدام قاضيين، فانتحر القاضيان قبل تنفيذ الحكم وتقول فراعنة!!
كانت الصدمة التى أحزنتنى كثيراً بحوث علماء الترميم Conser Vators، بحوث استخدموا فيها الميكروسكوب الإلكترونى، الأشعة السينية، الأشعة المقطعية، المذيبات العضوية، الطبيعية، الكيميائية، تقدير عمر الأثر بالكربون ١٤ والكربون ١٣ هذا كله ولا نعرف عن هؤلاء العلماء إلا استخدام «Epoxt» كمادة لاصقة لذقن توت عنخ آمون، واستدعاء أجنبى للترميم، وعندنا هؤلاء العلماء!
متى نعرف أن دور هؤلاء العلماء المهمشين لا يقل خطورة عن إيجاد الأثر نفسه! فهم الذين يحافظون على بطاقة الهوية للحضارة المصرية، جاء هذا الاحتفال رداً على الهجمة الشرسة على المرمم المصرى، إن ٧٠ بالمائة منهم يحملون الماجستير أو الدكتوراه، إنهم هم الذين يقدرون عمر الأثر، ويزيلون عنه آثار السنين، فنرى تاريخنا موثقاً مسجلاً، فهم الجندى المجهول الذى آن للدولة أن تلتفت إليهم!
طلب منى أ. د. محمد عبدالهادى، كلية الآثار جامعة القاهرة، كلمة لأعضاء المؤتمر، فذكرت لهم كلمات الشاعر الإغريقى:
هزمناهم.. ليس حين غزوناهم بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم، وأنتم حراس تاريخنا وحضارتنا!
قلت لعلماء المؤتمر: مانيتون المؤرخ المصرى السمنودى المولد يقول إن حضارتنا بدأت بالتدوين الأسرة الأولى ٥٦١٩ ق.م، المتحف البريطانى يدعى أنها ٣٢٠٠ ق.م! ولكن أندريه بوشان أخذ عينات من مومياوات الأسرة الثانية فوجدها أقدم ألفى سنة! مما يتفق مع رأى ماينتون! عليكم بالتحقق من هذا الأمر ولا تتركوه للأجانب خاصة من يدعون بناء الأهرام وهم رعاة غنم، وعقدتهم الأزلية هى الحضارة المصرية، كما يقول سيجوند فرويد، فى كتابه: موسى والتوحيد.
صاحبتنى فى هذا المؤتمر عاشقة الهيروغليفية إيناس الشافعى- كلية الآثار- واستقبلنى بالترحاب كل أعضاء المؤتمر، خاصة فينيس إبراهيم صاحبة بحث مومياوات Osiris Grains فالشكر الجزيل لهم جميعاً.

Friday, May 20, 2016

الطريق إلى جمهورية الخوف بقلم د. محمد نور فرحات ٢٠/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

صاحب تعبير «جمهورية الخوف» المعمارى العراقى كنعان مكية الذى هرب من العراق وتجنّس بالجنسية البريطانية. وهرب أيضًا من تخصصه فى هندسة العمارة إلى الكتابة فى الإنسانيات بكتابه «جمهورية الخوف» الذى صدر فى طبعته الإنجليزية الأولى سنة ١٩٨٩. هناك بالطبع كتابات كثيرة بالعربية تتناول بالتحليل ظاهرة الاستبداد الذى يجعل الشعوب خائفة من الكلمة أكثر من خوفها من عذاب الآخرة. منها كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع العباد» لعبدالرحمن الكواكبى والذى يقول فيه «خلق الله الإنسان حرًّا قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدًا قائده الجهل». وكتاب الباحث المصرى الفذ إمام عبدالفتاح إمام وعنوانه «الطاغية» الذى حلل فيه ظاهرة الطغيان والاستبداد من النواحى الفلسفية والتاريخية.
هل مصر فى طريقها إلى أن تصبح جمهورية الخوف بعد ثورتها التى نزعت الخوف من صدر شعبها ورغم دستورها الذى يأمن فيه المواطنون من الخوف إن طبقت نصوصه بدقة؟
هذا السؤال أثارته همسات فى أذنى من أصدقاء خلصاء بعد مقالاتى عن الجزيرتين وعن أزمة الصحفيين. الجميع رغم تأييدهم لما قلت، أبدوا خشيتهم على سلامتى الشخصية. مجرد إثارة هذه التساؤلات وهى مجرد هواجس مبالغ فيها، تشير إلى أننا نسير فى الطريق نحو جمهورية الخوف. لن أحدثكم عن عبارات السفهاء الذين يتخفون تحت أسماء مستعارة فى مواقع التواصل الاجتماعى، وفى مواقع الصحف، ويوجهون لأصحاب الرأى المخالف فاحش القول والتهديد المستتر. وهى ممارسات ورثناها من تراث الكتائب الإلكترونية للإخوان. وللحق لم يكن لها وجود فى عصر مبارك.
ويبقى السؤال: لماذا نكتب؟ هل بحثا عن السلامة الشخصية والحظوة والمنفعة؟ أم بحثا عن الحقيقة؟ الكتابة لغرض ما (أو ما كان يسميه الفقهاء القدماء للهوى والتشهى) هى نوع من الثرثرة الكاذبة. «وما يزال المرء يكذب حتى يكتب عند الله كذابا». وقديما قالوا «إن أبلغ الشعر أكذبه»، ولعلهم كانوا يقصدون شعر المديح والهجاء الذى يدبجه شعراء العرب مقابل أكياس الدنانير الذهبية. وهى تقاليد ما زالت راسخة فى جماعتنا الثقافية والسياسية.
طالب الحقيقة قد يصيب أو يضلّ وله، فى كل حال أجران أو أجر. وقوله صواب يحتمل الخطأ، وقول غيره خطأ يحتمل الصواب.
السؤال الثانى الذى يوجهه البعض إلىّ: لماذا لا تكتب إلا نقدا وتركيزا على العيوب والمثالب؟ ألا ترى نصف الكوب الملآن؟ ألا تشاهد الإنجازات على أرض الواقع؟
وجوابى على ذلك: أن وظيفة الكاتب ليست التصفيق لإنجازات الحاكم. فالحاكم يحكم كى ينجز ويعدل لا لكى يفشل ويظلم. ونجاحه وعدله أمران لا يتطلبان الثناء لأنهما من طبائع الأمور. ولديه أجهزة إعلامه التى تصفّق لإنجازاته عن حق أو غير حق.
مهمة الكاتب الذى يرعى حق المجتمع وشرف قلمه وحق القارئ عليه أن يبصر النظام والمجتمع بعيوبهما. وأن يسعى إلى حث النظام على ملء النصف الفارغ من الكوب. النقد هو ضمير الأمة، وأمة بلا نقد هى أمة بلا ضمير. والأمة ذات الصوت الواحد هى أمة لا صوت لها ولا مستقبل. وأعظم ما اكتسبته الإنسانية من خبرة فى مسيرتها أن التعددية هى طريق التقدم: التعددية فى الفكر وفى السياسة وفى المعتقد والدين وفى الانحياز الاجتماعى. وأن احترام الاختلاف من بديهيات السياسة الرشيدة.
لا أريد أن أفيض فى الحديث عن مجتمعات الرأى الواحد فمصيرها معروف للجميع: بدءا من نظم ستالين وهتلر وشاوشيسكو وفرانكو وبينوشيه حتى صدام والقذافى والأسد. لو وجد هؤلاء الحكام من يبصّرهم بأخطائهم لما انهاروا وانهارت معهم مجتمعاتهم. لو وجد عبدالناصر من يبصّره بأخطاء نظامه لما حدثت هزيمة ١٩٦٧.
الهيمنة الأمنية على الإعلام أمر يثير القلق ويشير إلى طريقنا نحو مجتمع الصوت الواحد/ مجتمع الخوف. رجل أعمال واحد انطلق من صفوف الناس المستورين بسرعة الضوء نحو الثراء الفاحش. موّل قيام حزب أمنى أصبح صاحب كلمة حاسمة فى البرلمان. يزحف اليوم نحو توحيد قنوات الإعلام الخاص المرئى والمقروء تحت إمرة مملكته المالية الأمنية.
هناك ثوابت مبدئية لا يمكن أخلاقيا السكوت عنها. إقامة الطرق الحديثة، وتحديث الكهرباء والمفاعل النووى إنجازات عظيمة تستحق الإشادة. ولكن ستالين أنشأ شبكة طرق ومترو أنفاق هى الأعظم فى العالم وجعل من دولته دولة نووية عظمى. ثم سلط جهازه الأمنى المسمى «كى جى بى» على معارضيه يسوقهم كالقطيع سيرًا على الأقدام إلى سيبيريا حتى انهار النظام الذى أقامه. وكذلك فعل هتلر وفرانكو وشاوشيسكو وباقى الطغاة. جعلوا مجتمعاتهم ذات صوت واحد خائف فتقدم المجتمع ثم انهار.
لا تنمية إلا بالعدل والحرية. هكذا أخبرنا عمر بن الخطاب فى الماضى وأخبرنا حديثا أبرثيا صن صاحب نوبل. شبكة الطرق الحديثة وحلّ أزمة الكهرباء متزامنة مع الزحف نحو السيطرة على الإعلام لن تغنى شيئًا فى إحساس الناس بالعدل. الظلم والعدل يشعر بهما الناس من ممارسة السلطة وأهلها.
ليست هناك سلطات فوق القانون والدستور. السلطة هى التجسيد الفعلى للقانون. هما وجهان لعملة واحدة. إن خالفت السلطة القانون والدستور فقدت مبرر وجودها. السلطة وظيفة لخدمة الناس وتأمين حريتهم وليست أداة لقهرهم لحساب صاحبها.
الأحكام مفرطة القسوة التى صدرت مؤخرًا فى حق شباب مصر المتظاهرين دفاعًا عن إقليمها أحدثت هزة عنيفة فى الوجدان الجمعى. كان يجب أن يكون هؤلاء الشباب موضع الفخر، لا أن يقبض عليهم عشوائيا من المقاهى ويحبسوا. الحبس الاحتياطى تحول إلى اعتقال مقنع يزلزل شعور الناس بالعدل. تعلمنا أن للحبس الاحتياطى مبررين لا ثالث لهما: الخوف من هروب المتهم أو من تأثيره على أدلة الجريمة. الأصل فى الإنسان البراءة والحرية. لن نعلق على أحكام وقرارات القضاء، لا يوجد نص فى القانون يمنع التعليق. وحتى لو وجد النص فلن يستطيع أحد أن يمنع الناس فى أى مجتمع من إخفاء مشاعرهم تجاه حكم أو قرار قضائى يهز قيمهم الكبرى أو يمسّ حرياتهم الدستورية. القضاء لا يصدر أحكاما إلهية تأبى النقاش المجتمعى. المحظور هو إهانة القضاء أو التأثير على أحكامه التى تصدر باسم الشعب. القضاة بشر يخطئون، ولهذا شرع القانون طرقا للطعن فى أحكامهم. حتى الرسول (ص) لم يستبعد عن نفسه أن يصدر حكما ظالما. «إنكم تختصمون إلىّ وإنما أنا بشر مثلكم ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضى بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه بشىء فإنما أقطع له بقطعة من النار يأتى بها يوم القيامة».
العدالة شعور اجتماعى يتغلغل فى نسيج المجتمع. أحد أركانها القضاء النزيه المستقل والكفء. القضاء هو الخطوة الأخيرة فى طريق طويل نحو تحقيق العدل، يسبقها الاتهام النزيه والتحقيق المحايد وجمع الأدلة الذى يتسم بالكفاءة والبعد عن التلفيق، وقبل ذلك النصوص التشريعية العادلة.
النص التشريعى واجب التطبيق بالجبر وقوة الدولة. قوانين محمد على بصَلب الفلاحين المتسحبين من الأرض كانت واجبة التطبيق. وقوانين محاكم الأخطاط ومحاكم الغدر كانت واجبة التطبيق. ولكنها قوانين القهر والظلم. والظلم قد يزهو به صاحبه، وقد يشيع الرعب فى نفوس العباد ولكنه لا يدوم. القانون الظالم يحرّض على الإفلات منه. لا يعرف نظامنا وسيلة معترفًَا بها لتغليب العدل على القانون الظالم، رغم أن محاكمنا فى مسيرتها الطويلة قامت بذلك فعلا وبإبداع عندما كانت لدينا تنشئة قضائية ليبرالية. قانون التظاهر غير دستورى. لماذا لا نعدّله؟ يقولون إن البلد لا يحتمل المظاهرات. هذا صحيح. نحن فى حاجة إلى الإنتاج لا التظاهر. ولكننا فى حاجة إلى العدل والحرية قبل ذلك.
«المواطنون الشرفاء» وفقًا لتسمية الإعلام الأمنى، تظاهروا ولوّحوا بإشارات وعبارات بذيئة، ونعموا بمباركة ومكافأة وابتسامة وحماية الشرطة وإعلامها. وأمناء الشرطة تظاهروا ولم يقربهم أحد. الدولة لن تستطيع أن تمنع التظاهر بقمع الناس بممارسات البطش ولكن بالقضاء على أسباب التظاهر. ماذا لو كانت قد تمت مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود قبل التوقيع عليها من رئيس الوزراء (وهو بالمناسبة غير مختص دستوريا). هل يعقل أن تكون فى قوانيننا مواد تحتمل التعسف فى التفسير ضد المعارضين. عشرات من النصوص التى لابد أن يعاد النظر فيها أدانت المحكمة الدستورية نهجها لأنه غير منضبط الصياغة.
نفهم الآن لماذا تسامحت الحكومة مع قانون الإعلام الذى أعدته اللجنة الوطنية، ولكنها تقف مترددة حذرة أمام مشروع إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية. كان المشروع يتضمن مادة واحدة منقولة من الدستور بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى هذه الجرائم.
الحكومة لا تريد ذلك دفعة واحدة. أقصى ما تستطيع أن تفعله الآن أن تراجع نصوص قانون العقوبات مادة مادة لتحسين شروط القهر لا لإلغائه. والحكومة لا تستطيع العمل والإنجاز بمنأى عن القهر. فليتحايل مشرّعوها ما شاء لهم التحايل.
ولكن المجتمعات لن تتقدّم إلا بالعدل والحرية وللعدل شروط، وللحرية متطلبات ليس من بينها العيش فى جمهورية الخوف.

Tuesday, May 17, 2016

العمدة المسلم والمحافظ المسيحى بقلم د. محمد أبوالغار ١٧/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

فى الأسبوع الماضى، كانت هناك معركة انتخابية ومنافسة شديدة على منصب عمدة لندن، بين مرشح إنجليزى من حزب المحافظين ومرشح إنجليزى آخر من أصول هندية من الجزء الذى أصبح «باكستان» فيما بعد، وهو من أصول مسلمة. وهو معروف بنشاطه وشعبيته الكبيرة، وتم انتخابه بفارق كبير فى الأصوات أمام المرشح ذى الأصول الأنجلو ساكسونية العريقة.
عندما ذهب الناخب الإنجليزى إلى صندوق الانتخاب لم يكن يفكر فى دين المرشح ولا أصله ولا فصله وتاريخه، وإنما كان يفكر من الأصلح، والذى أقنعه أنه الأحسن فى دعايته الانتخابية، وبالتالى كان معظم الناخبين يفكرون فى الأنسب. وعند تحليل النتائج وجد أن المرشح الفائز حصل على معظم أصواته من الأحياء التى فيها غالبية من البيض، وأن نسبة التصويت فى الأحياء التى يقطنها المسلمون والسود كانت ضعيفة وغير مؤثرة، فهم لم يهتموا بالذهاب إلى صناديق الانتخاب.
العمدة الجديد فى نظر الإنجليز هو مواطن إنجليزى له كل الحقوق، وعليه كل الواجبات، ولكن فى عين المصريين والذى نشرته جميع الصحف فى صدر صفحاتها الأولى أن عمدة لندن أصبح مسلماً وبعض الصحف والتعليقات هللت للأمر كأنه انتصار للإسلام، وهو كلام لا يمت للواقع بصلة.
العمدة مسلم لأن أباه كان مسلماً، فهو لم يقرر شيئاً، ولم يعتبر أن دينه له علاقة بكفاءته وقدراته. لم يتظاهر شعب لندن ولم يخرج اللوردات إلى الشوارع ولم يتم تكسير فوانيس الإنارة والتظاهر حول المدينة للتخلص من العمدة المسلم، لأنهم ببساطة لم يفكروا لحظة واحدة فى دين العمدة.
أما فى مصرنا العزيزة، فحين تم تعيين لواء سابق قبطى محافظاً فى قنا هاجت كل المحافظة، وعمت المظاهرات شوارع المدينة والمحافظة كلها وحوصرت المحافظة بالجماهير الغاضبة، واضطر المحافظ للسفر إلى القاهرة حتى تهدأ الأحوال، ولكن الأحوال لم تهدأ وزاد الغضب، وتم تعيين نائب مسلم للمحافظ يقوم بالعمل مؤقتاً وفى النهاية رضخت الدولة لتعصب أهل قنا، وتم إلغاء التعيين، واستلم العمل محافظ مسلم بعد مفاوضات استمرت أسابيع.
تعلمت الدولة درساً قاسياً، فالعالم كله عرف أن ما تقوله مصر بأنها تحترم الدولة المدنية والمواطنة والمساواة ليس صحيحاً، بل ثبت أنه كلام فارغ كمثل قبلات الشيوخ للقسس وزيارة المسؤولين فى الصعيد إلى الكنائس.
لماذا هذا التعصب الأعمى؟ ولماذا هذا التصرف العنيف من الشعب وفى النهاية الرضوخ من الدولة؟ الأمر خطير، فكر المواطنة والمساواة غائب عن وعى المواطن والدولة، ومعظم من رفضوا تعيين المحافظ هم من الفقراء ومن أنصاف المتعلمين وهم من أكثر المصريين فقراً وهم مقهورون فى كل شىء بواسطة القوانين وبواسطة الأمن وبواسطة الإدارة وبسبب أنهم صعايدة يتلقون أسوأ الخدمات وأقل مشروعات التنمية، وهم يعوضون هذا القهر بتعصب مقيت ضد من يعتبرونه أقل قيمة منهم بسبب دينه.
الأمر تعدى اختيار المحافظ، فأصبح الاحتجاج على تعيين مديرة مدرسة أو مديرة إدارة أو ناظر مسيحى مشكلة. كيف يستطيع المدير المسيحى أن يقوم بعمله فى وسط هذه الضجة غير المبررة والعنصرية الفجة والاتهامات الظالمة؟
المشكلة أن الأمر لم يكن كذلك منذ مائة عام وأكثر. كان نوبار باشا- وهو أرمنى مصرى- وزيراً للمالية وكان قطاوى باشا- وهو يهودى- وزيراً للمالية، وكان مكرم عبيد القبطى سكرتيراً عاماً لحزب الوفد، وكان هو المحرك الأساسى، وأهم وزير للحزب الحاكم فى مصر لسنوات طويلة، ولم يغضب أحد من كل هؤلاء أو يشعر بالقهر.
الآن يذكر المصريون عن مكرم عبيد أنه كان حافظاً للقرآن، ويعنى ذلك بالنسبة لهم أنه قبطى مش بطال بينما يذكر المثقفون كلمته الخالدة التى نقلها عنه البابا شنودة بعد ذلك: «مصر ليست وطناً نعيش فيه، وإنما هى وطن يعيش فينا». وإذا عدنا للخلف بضعه عقود نجد أن المهاجرين الشوام من المسيحيين حضروا إلى مصر، وأنشأوا الصحافة المتقدمة وبعض البيزنس، وأصبحوا مصريين بالتجنس، ولم يضطهدهم أحد أو يطالب بقهرهم.
الأمر ينطبق على أشياء كثيرة، فالمرأة فى مصر تحارب لتأخذ وضعها، وهى مازالت فى أول الطريق، وما زال نصيبها من الميراث فى الصعيد منهوبا، وقد كان وزير الحربية المصرى قبل عام ١٩٥٢ مدنياً، إذا انتخب حزب الوفد، أما إذا حكمت الأقليات، فكان الفريق حيدر باشا، قائد الجيش، هو وزير الحربية، وكان وزير الداخلية دائماً مدنياً. هل يتخيل أحد أن يعود وزير الداخلية مدنياً الآن كما هو فى العالم كله؟
الطائفية كانت موجودة فى مصر، ولكن الموقف تحسن جداً بعد دستور ١٩٢٣، وبعد أن أصبح الوفد هو الحزب المؤثر والأكبر. ولكن الموقف أخذ يتدهور تدريجياً، والمواطنة وقواعد الدولة المدنية ضعفت لأسباب مختلفة، منها التعليم الدينى، واختراق التعليم المدنى بالمتطرفين، ومنع المسيحيين من تولى كثير من الوظائف. الزيادة السكانية الرهيبة والديكتاتورية، عبر عقود طويلة، والتعليم الطائفى جعلت الحياة صعبة، و«فش المواطن غله» فى الطائفية والتطرف.
لا يمكن لأى دولة أن تتقدم دون الإحساس الكامل بالمواطنة والمساواة بين الجميع.
يا شعب مصر العزيز، كلنا مصريون متساوون، وعمدة لندن لم ينجح لأنه مسلم، ولكن لأنه مواطن محترم، له شعبية فى دولة مدنية تحترم مواطنيها. وللأسف المحافظ القبطى لم يتول وظيفته، ليس لأنه لا يجيد الإدارة، ولكن ببساطة لأنه قبطى! وهذه قمة العنصرية.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

Monday, May 16, 2016

«الجَرد» الوطنى الديمقراطى..! بقلم د. مصطفى حجازى ١٦/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

كلنا سمع عن موسم «الجَرد» فى المؤسسات التجارية الحكومية.. وهو ما اقترن عُرفاً بأنه موسم «الحرائق».. أو موسم «الماس الكهربى»..!
وغالباً ما كان يأتى هذا الحريق «القدرى» فى توقيته الثابت من كل عام.. لكى يلتهم كُل محتويات المخازن أو جُلَّها قبل الجرد بساعات أو بأيام..!
ودائماً ما كان يأتى على موعده لينُقِذ رِقاباً تهرب «فى» حرائقه.. نعم تهرب «فيها».. لا تهرب «منها»..!!
وإن كانت تلك الرؤوس لا تلقى بأنفسها - يقيناً - فى ألسنة اللهب الذى يأتى على عهدتها.. فهى تهرب بعجز الأداء.. وتَستُّره بين صفحات الدفاتر الرسمية التى تشهد بأن الجرد تعذر واستحال بالحريق.. لكى لا يصبح أمامنا إلا إحالة الأمر لخانة الكوارث.. ولِنَدَع القدر يسوى الحالة ويُنَقى صفحة كل مسؤول.. بلا مساءلة ولا محاسبة..!
بل لعل صاحب «الجرد» يستحث مؤسسته على التعاطف مع سوء حظه.. ويستَنهضهم لمؤازرته.. وقد يُمعِنُ فى ذلك حتى يَتهم كل من حوله بالتقاعس والتخاذل عن نصرة المؤسسة وقت الشدة..!
وإن بدا ذلك قلباً للحقائق.. مُستَهجَناً من بعضنا.. فهذا حدث ويحدث وسيحدث..!
وللباحثين عن التأويل والإسقاط بين السطور.. أقول إنه ليس مِنْ ربطٍ - لا طبيعى ولا قسرى - بين هذا المقال وبين حرائق «الرويعى والغورية» الأخيرة.. وإن داهمتنا ببعض من نقائصنا وبكثير من وجع القلب.. لكل قابض على عقله وهو القابض على الجمر..!
وكأشياء أخرى كثيرة تُداهمنا كل يوم.. فلا نيةَ للخوض فيها سرداً ولا تحليلاً.. فما يأتى هذان الحريقان - وما سَبقهما وما قد يلحقُهما لا قدر الله - فى سياقه.. هو سياق آخر من «حرائق» أولى بالتوقف عنده.. والتَدبُّر فيه قبل فوات أوان..!!
الأولى بالتوقف عنده قبل حرائق المبانى.. هو حرق المجتمع بالفتنة وشق ذات بينه..!
الأولى بالتأمل والتَدبر وتحمل المسؤولية.. هو ذلك الدفع السفيه بالمجتمع والوصول به - بفائض التوتر وفائض الشك وفائض التشاتم وفائض الاحتقان وفائض التنابذ - إلى شِيع متنافرة ومتناحرة نفسياً.. على شفا الاحتراب بل تجاوزت أعتابه ذماً ودماً..!
الأولى بالتَدبر.. هو ذلك التحريض للمجتمع على «الطرفيّةِ» فى كل شىء.. وتفريغ المجال العام من كل «منطق»، ولن أقول وسطية أو فهم أو تسامح..!
الأولى بالدهشة والتحليل.. هو ذلك الجهد الرتيب المبذول من أجل مَسخ المجتمع وطَمس وعيهِ..!
الأولى بالاستفهام والاستهجان.. هو تلك المسوخ التى تعمل بدأب لحرث العقل الجمعى للمصريين.. فهى إما «المعيَّة» العمياء أو «الضديَّة» العمياء.. هى إما الموالاة حتى تمجيد الفشل.. أو المعارضة بابتداع النقائص حتى وإن كان ما حضر منها يكفى..!
الأولى بالتساؤل والذهول.. هو ذلك الجهد الأخرق فى حرق الموارد وحشد المرتزقة والمؤلفة «جيوبهم».. من أجل إغراق المجتمع فى هَوَسِ التصنيف والشخصنة وادعاء ملكية الحقيقة.. وتأجيج النفوس بقسمة المجتمع إلى ملائكة وشياطين وفقاً لهوى محتكر الحقيقة..!
الأولى بالتعجب واستحضار المساءلة.. هو ذلك الدفع الأهوج بالمجتمع لساحة الاحتراب النفسى قبل المادى.. عقاباً له على الحلم بالكرامة أو استشراف العدل والحرية.. كبقية خلق الله..!
النسيج المجتمعى المصرى بالٍ بإرث متراكم من الثقة المفقودة بين المواطن والسلطة.. وبين غالبية أبناء المجتمع على مختلف مشاربهم، وهو وإن كان إرثاً منشؤه الفقر وثقافة الزحام والأثَرة.. يبقى بالقطع - مصدره الأكبر - هو صيغة القهر والفوضى التى حُكِمَت بها مصر عقوداً ولم تزل..!
عقدٌ اجتماعى فاسد وغير مقدس بدأ بصيغة الكفالة والوصاية.. فالدولة تكفل أبناءها تعليماً وتوظيفاً وسكناً مقابل الوصاية التامة من السلطة على عقولهم وحقوقهم وحرياتهم.. ولكن الوصاية استحالت قهراً.. والكفالة باتت هى كفالة الفوضى ولا غيرها..!
ولهذا بات الأولى بالمشاهدة والتحليل والتحذير.. هو ذلك التكريس لـ«الفوضى النفسية» فى المجتمع بل إدارتها والاستثمار فيها.. وهذا هو عين حرق المجتمع.. الذى تتضاءل أمامه كل حرائق المبانى.. ويتضاءل أمام فساده كل فسادٍ كان وقوداً لحرائق الجرد الحكومى..!
قضايا السلام المجتمعى ووحدة الأوطان.. لا تصلح أن تكون أوراق مقامرات أو مفاوضات سياسية.. ولا مدارج سلطة..!
قضايا السلام المجتمعى ووحدة الأوطان.. لا تحتمل التلاعب بها مخافة المساءلة أودرءاً لمظنة «الجرد الوطنى».. فهو قادم لا محالة..!
ولنتذكر جميعاً قول النبى - صلى الله عليه وسلم: «إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة».. فمن أراد منا أن يبرأ لنفسه ولوطنه من فتنة يكون من مؤججيها أو المتعامين عنها.. فليراجع فعله وقوله فى كفالة فوضى أو استبداد.. منشؤهما احتكار دين أو احتكار دولة أو احتكار ثورة..!
ورحم الله صاحب الإحياء أبا حامد الغزالى حين قال:
«أشد الناس حماقة أقواهم اعتقاداً فى فضل نفسه.. وأثبت الناس عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه».
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..

جمال السويدى يحذّر من السراب بقلم فاطمة ناعوت ١٦/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

كأننى كنتُ أتوقّع! لو لم يفُز هذا الكتاب بتلك الجائزة الرفيعة، لكان هناك شىء خطأ. حين سمعتُ مفردة «السراب» تخترقُ صمتَ القاعة المترقبة، لحظة إعلان الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب، صفقتُ فى قلبى: أولا لحدسى السليم، ثم للجنة المثقفة التى اختارت هذا العقل النيّر لتُتوّج مسيرته العلمية والفكرية المحترمة فى دروب السياسة بعد عديدِ جوائزَ من جامعات ومؤسسات عالمية عريقة.
إنه المفكّر الإماراتى د. جمال سند السويدى، الذى كرّمته مصرُ مؤخرًا بجائزة نجيب محفوظ للآداب، ويعدُّ أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين الذين نجحوا فى تفكيك شرانق جماعات الإسلام السياسى، وتحليل نواتّها الإجرامية تاريخيًّا وفلسفيًّا وعَقَديًّا من أجل التبصير بأحابيلها الزلقة التى تلتفُّ حول أعناق النشء الجديد لتجنيده فيكونون أذرعها فى تفتيت الأوطان وتخريب العالم.
تُرجم كتاب «السراب»، الصادر قبل عام، إلى عديد اللغات الأجنبية، حتى يتعرّف العالم على خفايا مطبخ التنظيمات الجهادية والجماعات التكفيرية وطبيعة فكر أولئك الخارجين عن ناموس الإنسانية، الذين يدمّرون البشر والحجر والفكر والأثر مع كل نهار جديد. كان من الحتمىّ نقل ذلك الكتاب إلى ألسن الدول الغربية التى تدعم الإرهابيين لتقويض المجتمع العربى بزرع السرطان فى جسده، وكذلك الدول التى تقف على الحياد لأنها لا تكترث بهم، ولا بنا، فيوقن الجميعُ أن أولئك هم المغول الجدد وأن على العالم أجمع أن يحتشد ليضيق الحصار عليهم قبل أن تتوسع دولتهم الوحشية المزعومة وتغطى الأرض بالدم، وتملأ السماءَ بصرخات الثكالى.
ومازلتُ أرجو أن يتم تعميمُه فى مكتبات الوطن العربى وصالونات النوادى الاجتماعية، ومحافل الجامعات والمعاهد، حتى يتعلم الشبابُ خفايا ذلك الفكر الإقصائى الدموى، علّنا نفوّت على تلك الجماعات فرصة تجنيد شبابنا الغافل. كما آمل أن تنتثر قطوفٌ من كتاب «السراب» فى مناهج التعليم بالسنين الإلزامية الأولى حتى نزرع فى قلوب صغار النشء رفضَ ذلك الفكر الوحشى، فننزع فتيل الفرص المحتملة لاختراق أولئك الصبية الأبرياء، حين يشبّون، بعدما يتعلمون منذ الصغر أن كل الشعارات التى ترفعها تلك التنظيمات حول العدل والمساواة والتُقى والإيمان، إنما هى سرابٌ فى سراب، وأن كل ما يشغل رؤوس الإرهابيين ليس إلا مغانم السلطة وسرقة كراسى الحكم للتنكيل بالشعوب وإذلال الرجال، وسبى النساء، وسرقة الأطفال والثروات وتحطيم ميراث البشرية الثرى، تمامًا كما تفعل داعش اليوم.
يؤصّل الكتاب فى٨٠٠ صفحة المنشأ التاريخى والإطار النظرى لنهج الإسلام السياسى، بين الواقع والخرافة متأملا وثوق الصلة، أو انعدامها، بين هذا النهج وبين صحيح الدين كما ورد فى القرآن والسنة. ثم يتأمل العلاقة التاريخية المرتبكة بين الدين والسياسة عبر التاريخ. ثم يحلل أربعةَ نماذج من الجماعات الدينية السياسية: «الإخوان المسلمون» بوصفها الرحِم الحرام الذى لفظ كلَّ ما بعدها من تنظيمات متطرفة، ثم «السلفيون» وهم الوجه التنظيرى لكل ضربة سيف تُطيّر عنقًا وكل رصاصة تخترق رأسًا، ثم «السروريون»، نسبة إلى مؤسسها «سرور بن نايف»، وهو معلّم رياضيات سورى نزح للمملكة العربية السعودية لتدريس الرياضيات ثم برع فى نهج التكفير والجهاد، وأخيرًا التنظيمات الجهادية التى تنثر الرعب وتزرع الويل أينما حلّ رحالُها.
ثم نقف على الرؤية الختامية حول تلك الظاهرة المعاصرة التى تحيق مخاطرُها بالعالم وتهدد بتقسيمه وتدمير بنيته التراثية والحضارية كما لم تفعل القنابل النووية والهيدروجينية فى بلاد الله. الكتاب مُصاغ بلغة سلسلة عذبة وموثق بالمراجع التاريخية، ويعدُّ فى تقديرى حجرًا عثرًا فى طريق انتشار هذا الفكر الشيطانى الذى يهدد الإنسانية. نموذج محترم لمحاربة الدماء بالفكر، ومواجهة قطع الرقاب بالمعرفة.

Saturday, May 14, 2016

سنوحى: من روائع الأدب العالمى بقلم د. وسيم السيسى ١٤/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

أدخلها رديارد كبلنج فى عداد الأدب العالمى لمتانة التركيب، وطلاوة الأسلوب، وسلامة اللغة، كما استعار منها فرجيل الكثير من تعبيراتها الجميلة، أخرجتها السينما العالمية، وترجمت لكل لغات العالم بعد أن تناولها الكثيرون من الشعراء والأدباء! إنه سنوحى.. المثل الأعلى فى الولاء والانتماء للوطن.
معنى كلمة سنوحى هو: ابن شجرة الجميز، كان معاصرا لأمنمحات الأول وابنه سيزوستريس فى الفترة من ١٩٩١ - ١٩٣٦ ق. م .
ملخص هذه القصة الواقعية أنه لما حضر الموت «أمنمحات الأول» الأسرة ١٢، كان ابنه وولى عهده سيزوستريس قد خرج على رأس جيش لمعاقبة الخارجين عن القانون فى ليبيا، وكان معه سنوحى، تسرب خبر وفاة الملك إلى ابن آخر كان طامعاً فى الحكم، فتوقع سنوحى الصراعات القادمة، فهرب مخترقا بحيرة مريوط ومنها إلى بلدة فى جنوب فلسطين اسمها «ريلينو» قابل سنوحى أميرها، فجعله سيداً على قبيلة لما سمعه عن حكمته وعلمه.
مرت السنون، أحس سنوحى بقرب نهايته، أرسل لملك مصر يطلب منه العودة إلى «تامرى»، أى الأرض الحبيبة، وهو اسم مصر، فرد عليه الملك: لن تموت غريبا يا سنوحى، ولن يسبقك الآسيويون إلى قبرك مكفنا فى جلد شاه! لقد عفوت عنك لأنك لم تنطق بكلمة سوء عن مصر طوال أيام غربتك!
صرخ سنوحى فرحا وقال: رحمتك ياإلهى، أنقذتنى بعد أن ضللنى قلبى.. وهربت لبلاد بعيدة.
عاد سنوحى إلى مصر، استقبله الملك ففقد الوعى بين يديه! أقامه الملك وقدمه لزوجته قائلاً: انظرى لقد عاد إلينا سنوحى بدويا!
يقول سنوحى: أخذنى رجال القصر فأزالوا عن جسمى أثر السنين، كما سرحوا شعر رأسى، وفى الحمام أزالوا الطفيليات التى تعلق بالجسم فى الصحراء.. تركت الرمل ونمت على السرير بعد أن دهنوا جسمى بالزيوت والعطور، وأعطونى دارا جميلة حتى أقضى فى الأرض الحبيبة «تامرى» باقى أيام عمرى.
إن كلمة «سا» فى المصرية القديمة معناها ابن، كلمة «نهوت» معناها شجرة الجميز!
فأصبحت سانهوت أو سانوهى أو سنوهى أو سنوحى، هذا ما يسمى بالتصحيف فى اللغة.
والأساطير المصرية القديمة تقول إن ربة السماء نهوت أو نوت تقمصت شجرة السيدار - سدرة المنتهى - وهاتور تقمصت شجرة الجميز، ونحن نذكر موسى وشجرة العليقة فى البرية، كما نذكر الحديث النبوى الشريف: أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذى خلق منه آدم عليه السلام، وليس من الشجر شىء يلقح مثلها.
من كلمات سنوحى: يا إلهى كائناً من كنت «ارحمنى» فلم تعد لى أمنية أعز من أن أموت فى مصر التى ولدت فيها. نجد فرجيل فى الإنيادة من ٥٧٦ يقول: أيها الإله المقدس كائنا من كنت.. إلخ.
خلق الله الأرض قبل الإنسان حتى يعلمنا أن الأوطان قبل الأديان، عاد سنوحى إلى الأرض الحبيبة مصر بعد أن قبل الملك توبته لأنه لم ينطق بكلمة سوء عن مصر فى سنوات غربته.
ما هى الصهيونية؟ إنها باختصار شديد: ديانتك هى جنسيتك! أنت يهودى ولدت فى فرنسا أو إنجلترا أو أمريكا.. هذا لا يهم لأنك إسرائيلى! وهنا تكون الأوطان حفنة من تراب عفن أو طظ فى مصر! على هذا القياس.. هناك صهيونية يهودية، وصهيونية مسيحية وصهيونية إسلامية!
فى رائعة كريستوفر مارلو «صفقة الشيطان» يخاطب الشيطان فاوست، الذى باع وطنه الأرضى والسماوى من أجل سلطان ومتع زائلة قائلاً: لقد بعت نفسك لى من أجل حفنة من تراب! هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لأمريكا وتركيا وقطر وإسرائيل.. أليسوا هم فاوست مصر فى القرن الواحد والعشرين. سيأتى اليوم الذى يقولون فيه ما قاله فاوست: اللعنة على أبوى لأنهما أنجبانى!!.

Friday, May 13, 2016

الصحفيون والأمن والدولة! بقلم د. محمد نور فرحات ١٣/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

السؤال الأكثر أهمية فى موضوع الأزمة التى نشبت بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية يتعلق بمنهج كافة الأطراف فى التعامل مع الأزمة وليس بتحديد من المصيب ومن المخطئ.
فى العمل العام دائما تختلف الرؤى حول الخطأ والصواب، والعثرات فى تناول الأمور العامة واردة، ولكن الأهم هو كيف يتعامل أطراف الأزمة معها وكيف يديرون خلافاتهم وما هى القيم الحاكمة لكل ذلك؟
أذكر للقارئ واقعة شهدتها شخصيًّا عن كيفية تعامل وزارة الداخلية مع الاحتجاجات الجماهيرية فى عصر يسمونه عصر البطش بالحريات أيام نظام يوليو.
فى أواخر الستينيات المنصرمة جاء وزير سياسى للداخلية هو المرحوم شعراوى جمعة، وهو بالمناسبة لم يكن ضابطا للشرطة بل من رجال القوات المسلحة. كان فضلا عن ذلك كادرا فى المستويات العليا للتنظيم السياسى الرسمى الوحيد ومقررا للتنظيم الطليعى. فى هذا الوقت حدث تذمر بين جنود قوات الأمن فى الجيزة احتجاجًا على أوضاعهم المعيشية. كان من الممكن والمألوف فى ذلك الوقت أن يجرى القبض على زعماء التمرد واعتقالهم أو تقديمهم للمحاكمة بتهم متعارف عليها من أيام البوليس السياسى مثل محاولة قلب نظام الحكم، أو تكدير السلم العام أو ترويج الإشاعات المغرضة، أو مقاومة السلطات، أو، أو.. وهى التهم التى ما زالت توجه لكل من يجرؤ على الجهر بالصياح فى وجه السلطة.
كنت أجلس فى شرفة مطلة على مشهد تذمر الجنود. فوجئت بالوزير شعراوى جمعة وقد حضر إلى المعسكر بسيارة جيب بدون حراسة تقريبا، ودخل إلى جموع المتذمرين الجنود واستمع إلى هتافاتهم، ثم اعتلى أكتاف الجنود وأخذ يردد نفس الهتافات وهم يرددونها وراءه. ثم أصدر قراراته بتحسين أحوالهم المعيشية. وهدأت الأمور.
قريباً من ذلك تعامل الوزير أحمد رشدى قبل إقالته إثر أحداث الأمن المركزى، والوزير حسن أبو باشا، مع أزمات مماثلة. هؤلاء هم آخر الوزراء السياسيين فى الداخلية. وأقصد بالوزراء السياسيين هؤلاء الذين يرون أن للأمن هدف احترام القانون وإشاعة السكينة الاجتماعية وأن له أدوات رشيدة آخرها العنف لتحقيق هذه الأهداف.
طبعا لن أحدثكم عن زكريا محيى الدين فى بدايات عهد يوليو الذى أنشأ جهاز مخابرات مصر الحديث، ولا عن وزراء داخلية ما قبل الثورة مثل فؤاد سراج الدين وزير الداخلية المدنى فى حكومة الوفد. ومن قبله يحيى باشا إبراهيم وسعد زغلول وعدلى يكن ومصطفى النحاس، فتلك عهود مضت وولّت ولا ينتظر أن تعود. ولكن النظرة المنصفة للتاريخ تؤكد أن وزراء الداخلية من خارج جهاز الشرطة كانوا بمنأى عن المصالح الضيقة لأفراده وعلى قدرة على النظرة السياسية النقدية للجهاز والإقدام بخطى ثابتة نحو إصلاحه دون تحيزات فئوية.
ماذا عن الصحافة؟ منذ الخمسينيات كانت الصحافة دائما بالنسبة للدولة صديقا حميماً، أو عدوًّا ما من صداقته بد. الدولة تعطيها من طرف اللسان حلاوة وتروغ منها كما يروغ الثعلب. الدولة تعاملها بمنطق العصا والجزرة. حتى روغان الثعالب كفت عنه الدولة مؤخرا، إذ هبّت نائبة فى البرلمان الحالى تطالب بذبح الصحفيين (رغم أنها لا تمثل دائرة المذبح) وتشير ببيدها بعلامة الذبح.
لجأت الدولة إلى تأميم الصحافة تحت مسمى التنظيم. ثم سمحت بالصحف الحزبية والصحف الخاصة وصحف رجال الأعمال. بل استحدثت الداخلية ما سمته «الإعلام الأمنى أو الأمن الإعلامى». ومن لا تقدر الدولة على شرائه من أهل الرأى تظهر له العصا لمن عصا، ومن لا يزعه سيف السلطان تغلق فى وجهه الأبواب وتصم الآذان. لا أريد أن أخوض فى تفاصيل قد تغضب الكثيرين، ولكن ما فعلته العقلية الأمنية فى الصحافه فعلته فى الجامعات وأجهزة الإدارة وكثير من أجهزة الدولة وصولا لمجلسها التشريعى. والنتيجة كما نشهد (أشباه دولة وفى قول آخر: أشلاء دولة).
الواقعة التى حدثت مع نقابة الصحفيين كان يمكن التعامل معها ببساطة وسلاسة لو كان من يتعاملون معها يتمتعون بقدر محدود من الأفق السياسى الذى يسميه الغربيون INTELIGENCE أى ذكاء. الأمن ليس مجرد استعراض عضلات وتباهٍ بالقوة والهراوات، بل إعمال للعقل والخبرة والقدرة على تفكيك المواقف المركبة.
الذى حدث فى أزمة نقابة الصحفيين الأخيرة يعلمه الجميع، وأعلمه شخصيا لعضويتى بالمجلس الأعلى للصحافة. اعتصم صحفيان بالنقابة بعد اتهامهما بمجموعة من التهم لمشاركتهما فى الاحتجاجات ضد التنازل عن الجزيرتين. التهم معروفة وجاهزة وتبدأ من محاولة قلب نظام الحكم حتى نشر الإشاعات المغرضة، حتى تكدير السلم العام، حتى مقاومة السلطات وأخفها مخالفة قانون التظاهر.
درجت النيابة على إصدار قرارات القبض والتفتيش بناء على تحريات الشرطة. تحريات الشرطة لا تصلح وحدها دليلا وفقا لأحكام النقض المتواترة. نتحدث بصراحة. لا أحد فى مصر اليوم يصدق تحريات الشرطة. وهذه التحريات تكيل الاتهامات (كيفما اتفق) لمن يراد البطش بهم. النيابة تأخذ هذه التحريات أمرا مسلما دون تمحيص ودون سؤال محرر المحضر، وتصدر أوامرها بالقبض على الناس وتفتيشهم بل تقديمهم للمحاكمة استنادا لهذه التحريات وحدها، رغم أن القانون يشترط توافر دلائل جدية على ارتكاب جريمة معاقب عليها بالحبس. هذا بالضبط هو نوع الممارسات التى يطلق عليها فى فقه السياسة اسم (الدولة البوليسية)، بمعنى أن البوليس هو الذى يحكم الدولة متسلحا بالقوة ومتحررا من القانون.
لجأ الشابان الصحفيان إلى نقابتهما ملاذا، ليس هروبا من أمر الضبط والإحضار، ولكن حتى يتم تسليمهما بمعرفة النقابة للنيابة فى أول يوم عمل بعد إجازات عيد العمال وشم النسيم. بقاؤهما فى حوزة الشرطة فى موسم الإجازات دون عرض على النيابة أمر يثير لديهما الفزع. اتصل النقيب بأجهزة الأمن (والعهدة على روايته) فتم إرجاؤه إلى ما بعد الإجازات. بعد انتهاء اتصاله الهاتفى ببضع ساعات دخلت قوات الشرطة إلى النقابة للقبض على الشابين. إذن سارعت دوائر معينة فى الشرطة لإجهاض نتئج اتصالات النقيب والتعجيل بالقبض على الشابين. لماذا هذه العجلة وهناك العديد من الأحكام القضائية النهائية بالحبس فى قضايا جنائية تسقط بمضى المدة لعدم التنفيذ؟ هل كان مطلوبا تأديب النقابة وإهانتها؟ الله أعلم. للصحفيين تاريخ غير مطمئن مع الشرطة كما لغيرهم من فئات المجتمع. منهم من تمّ سحلهم فى الطرقات، ومنهم من سقط صريعا ومنهم العشرات داخل أقبية السجون. ومنهم من تعرض لاعتداءات الجعيدية والزعر والحرافيش الذين تجندهم الشرطة وتسميهم بالمواطنين الشرفاء. معيار الشرف أن تأتمر بأوامر الباشا.
ما عدد رجال الشرطة الذين دخلوا النقابة؟ اختلفت الروايات: من أربعة إلى الأربعين شرطيا؟ هل حدث اقتحام للنقابة بالقوة؟ اختلفت وتضاربت الروايات وصدرت أقوال تم العدول عنها. هل تم عدول موظفى أمن النقابة تحت ضغوط أمنية؟ لا أحد يصرح. هل جرى تفتيش النقابة للبحث عن المطلوبين؟ التفتيش قانونا هو البحث عن المكنون الخفى للسر فى الأشخاص والأماكن لضبط أدلة الجريمة. القانون يحظر تفتيش النقابة إلا بحضور عضو النيابة العامة وممثل النقابة. هل جرى التفتيش على غير مقتضى القانون؟ ليست هناك إجابة.
بيان النيابة العامة الذى صدر فى خضم الأزمة هو بيان أقل ما يقال عنه إنه بيان تهديدى انحاز تماما لوزارة الداخلية وقام بالتلويح بتوجيه اتهامات للنقيب. ولكنه لم يجب عن أى من الأسئلة السابقة. لم يكن ينقص هذا البيان إلا أن يكون ممهورا بختم الداخلية مع الاحترام للهيئتين الموقرتين. النيابة عندما تمارس التحقيق يجب أن تحكمها تقاليد القضاء. والقضاء لا يتهم ولا يهدد ولا ينحاز.
ما هو البديل الرشيد للتعامل مع الأزمة؟ لو كان أى مسؤول فى الأمن أو فى النيابة العامة قد اتصل بالنقيب وطلب منه تسليم المتهمين بعد انتهاء الإجازات، أو كان قد تم التفتيش بصحبة عضو النيابة لما قامت الأزمة. هل يمس كرامة الدولة أن تتعامل مع مؤسسات المجتمع التزامًا بالقانون والأخلاق؟ سياسة استعراض العضلات القوية لم تنفع ولن تنفع أحدا. قليل من العقل والبعد عن خيلاء القوة يصلح الوطن.
جبهة ما يسمى «تصحيح المسار» (وكثير منهم أصدقاء شخصيون لى) تسببت فى اعوجاج المسار ولىّ عنق الحقائق أكثر مما مهدت لتصحيح المسار. لا أتصور ولاءً لصاحب القلم إلا للحرية. لم ينفع ذهب المعز وسيفه أحدًا فى الماضى حتى ينفع اليوم. تصفية الحسابات المهنية يجب ألا تكون على حساب شرف المهنة.
أدعو مجلس النواب (بعد استبعاد من تحدثوا عن الذبح ومن باعوا أنفسهم لكل سلطان) لتشكيل لجنة تقصى حقائق للإجابة عن التساؤلات السابقة. فمجتمعات عصرنا لا تدار بمنطق القوة التى ترتد إلى نحور أصحابها. ولا يصيبنى الملل من الدعوة إلى إعادة مراجعة نهج الداخلية ليصبح نهج الالتزام بالقانون لا نهج تنفيذ التعليمات ولو خالفت القانون. ولا أيأس من الدعوة إلى جعل قيم الحرية واحترام المواطن متغلغلة فى صميم التربية الأمنية والقضائية. ولن أتوقف عن الدعوة لمراجعة قوانيننا العقابية لرفع التناقض بينها وبين الدستور. ولا أملّ من الدعوة إلى إنشاء أكاديمية للقضاء يلتحق بها المتفوقون من خريجى كليات الحقوق الخاضعة لقانون تنظيم الجامعات وحدهم دون غيرهم مع استبعاد من تعلموا القانون عرضا وتربوا تربية شرطية أو تربية تؤهلهم للوعظ الدينى وحده.
فهل تجاوزت القول أو شطح بى الخيال؟

Tuesday, May 10, 2016

مسؤولية الرئيس فى الخروج من المأزق بقلم د. محمد أبوالغار ١٠/ ٥/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم


مصر فى مأزق كبير ومخاطر شديدة بعضها لأسباب متراكمة وبسبب أخطاء فادحة فى إدارة الدولة والجميع يريد لمصر أن تخرج من عنق الزجاجة، والحل معظمه فى يد الرئيس وهو الوحيد الممثل للنظام الحاكم بعد أن أعلن رئيس البرلمان أنه أثناء الأزمات لايوجد فصل بين السلطات. وعلى الناحية الأخرى الشعب ويمثله مجموعة كبيرة تريد الاستقرار وتريد لأعمالها أن تزدهر والتى بدأت تتململ وتريد أن تشعر بالأمان ومجموعة أكبر من الشباب الغاضب وهم يمثلون أكثر من نصف المجتمع ومعظمهم يشعرون بأنهم بلا أمل فى عمل أو كسب أو زواج أو إسكان وهناك مجموعة كبيرة من المصريين الفقراء المطحونين والذين يؤثر عليهم التضخم وارتفاع الأسعار فأصبحت حياتهم أكثر صعوبة وبعضهم أصبح على حافة المجاعة وهم يبحثون فقط عن لقمة عيش غير متوفرة بلا أمل. وهناك مجموعة أقل فى العدد ولكن تأثيرها كبير وهى تشمل المثقفين والسياسيين الوطنيين والمهنيين وهم مهتمون بالحريات وحقوق الإنسان بالرغم من أن الكثير منهم فى حالة مادية مذرية وأخيراً هناك رجال الأعمال الغاضبون لأسباب مختلفة تتعلق بمستقبل البيزنس فى مصر.
واضح أن عموم الشعب غير راض ولا بد من وجود حل سريع.
١. الاقتصاد: يبدو أن هناك خللا كبيرا فى التصرف الاقتصادى للدولة وذلك يضخ أموالا فى مشروعات فاشلة أو سوء استخدام الأموال وذلك بسبب الاعتماد على أفكار الرئيس وجهازه العسكرى المساعد فقط ويجب عدم الإقدام على مشروعات كبرى بدون دراسة جدوى مستقلة تقوم بها بيوت الخبرة المدنية والتوقف تماماً عن تكملة بعض المشروعات التى يثبت أنها غير مجدية مع طرح كافة الأمور على الشعب بوضوح.
٢. الشفافية الكاملة عن الفترة السابقة بعمل تقرير كامل وواضح عن جميع الأموال والمعونات فى القروض التى تم منحها إلى مصر بعد ٣٠ يونيو وكيفية صرف هذه الأموال. عندى ثقة كبيرة فى نزاهة الرئاسة ولكن ليس عندى نفس الثقة فى حسن إدارتها لهذه الأمور.
٣. على الجميع وبالذات الشباب وكل المثقفين والسياسيين طمأنة الشعب أننا لا نرغب فى انتخابات رئاسية مبكرة أو ثورة أو فوضى وإنما نرغب فى إصلاح الأمور الاقتصادية والسياسية بواسطة الرئيس المنتخب حتى يمكن أن يحدث استقرار ويقل غضب الشعب وتتحسن أحوال حقوق الإنسان وبالتالى تتقارب أفكار الناس وتتوحد لمصلحة مصر.
٤. حل مشكلة وزارة الداخلية: وهى أكبر وزارة يعشش فيها الفساد حسب تقارير الصحف اليومية عن أمناء الشرطة والضباط المتعاونون مع العصابات وتلفيق التهم المستمر. ما حدث فى نقابة الصحفيين كارثة بكل معنى الكلمة من خروج عن القانون واستئجار بلطجية شراشيح يهتفون (سيسى سيسى) وأنا أخجل من أن يكون هؤلاء هم مؤيدو رئيس الدولة التى أنتمى لها. إذا كان الرئيس يعتقد أن بلطجية الشارع وبعض الإعلاميين الذين يشتمون الشعب كله تزلفاً له هم ظهيره الشعبى فهذه كارثة. الشرطة واجبها حماية الناس وليس تفتيش التليفونات المحمولة فى جيوب شباب يسير فى الشارع. واجبها هو منع اختطاف رجل أعمال سعودى دفع ٥ ملايين جنيه فدية وتأثير ذلك على الاستثمار رهيب وخطير وليس من واجبهم القبض على المحامى مالك عدلى بسبب مطالبته بأن تيران وصنافير مصريتين. الأمر لا يصلح فيه مسكنات وإلا ستنهار مصر بسبب الضعف المهنى والأخلاقى لجهاز الشرطة. وقرأت بعد الانتهاء من كتابة المقال عن الحادث الإرهابى البشع الذى استشهد فيه عدد من رجال الشرطة فى حلوان فلهم خالص العزاء وأعتقد أن تغيير سياسة الشرطة نحو الشعب تجعل الشعب كله يصطف وراءها لحمايتها.
٥. التوافق والتصالح مع الشباب: لا يمكن لرئيس أن يعادى ٦٠% من شعبه بهذه الطريقة التى سوف تؤدى إلى دائرة مفرغة من الكراهية له وفقدان الثقة وإذا تصور الرئيس للحظة بأن حزب مستقبل وطن أو الشباب الذى يظهر خلفه يمثلون شباب مصر فهو واهم. لا بد من حل جذرى مع الشباب بالإفراج عن جميع الموجودين فى الحبس الاحتياطى والعفو عن الذين عليهم أحكام بشرط ألا يكون الأمر بسبب استخدام العنف، ثم إشراك الشباب الحقيقى بإعطائهم الحرية ومحاورتهم وليس كتم أنفاسهم.
٦. تيران وصنافير أصبحت جزءاً من وجدان وعقل وكرامة المصريين، وغياب الشفافية أدى إلى غضب شعبى شديد، والالتزام بالدستور واجب وطنى.
٧. هناك أمور شخصية يجب أن يتبعها الرئيس وهى التوقف عن الخطابة بعيداً عما هو مكتوب أمامه وبدقة واختيار من يجيد كتابة خطب رئاسية لأن كل خطبة أصبح فيها مشكلة. كيف يقول رئيس دولة إن دولته شبه دولة وكيف يكرر للمرة الثانية أن شعبه درجة ثانية فى حقوقه الإنسانية؟ هذه إهانات لمصر ولشعبها وعلى الرئيس أن يتقبل أن ثقافة الاعتذار ليس عيباً أما حكاية ما بخافش فأنا خائف جداً على مصر وشعبها ومستقبلها مما يحدث.
٨. مصر فى مأزق كبير والخروج منه بالعمل سوياً لا يوجد محور شر وإنما توجد سياسة خاطئة يلزمها إصلاح المسار، وأنا أهدى كل مؤيدى الديكتاتورية والفاشية بيت شعر لمحمود درويش:
من رضع الذل دهراً     رأى فى الحرية خراباً وشراً
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك..

يا ريس.. من الذي حولنا لـ «شبه دولة»؟! محمد علي إبراهيم - المصرى اليوم 9 /5/2016

محمد علي إبراهيم


فاجأنى الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 5 مايو بقوله «إن مصر يجب أن تكون دولة حقيقية لأنها حاليا (شبه دولة).. اتهام خطير لمصر من رئيسها.. رغم أنه في يوم 16 مارس 2016 أي قبل 50 يوما أعلن الرئيس أن مصر دولة قوية وقوة إقليمية تدافع ولا تعتدى والعالم كله ينظر إلينا باحترام» كان هذا الكلام أثناء حضوره تدريبات «ذات الصوارى» البحرية في الإسكندرية!
الملاحظ أن الرئيس عندما يغضب ينسى.. يفقد تركيزه.. تتداخل خطاباته السابقة مع اللاحقة، فلا تعرف إلى أيها تستند.. ومن أيها نستخلص الدروس.. المهم أنه في نفس خطاب 5 مايو قال إن مسؤولا أجنبيا كبيرا أبدى إعجابه بإدارة الأمور في بلادنا.. وأصبحنا دولة قانون ومؤسسات يحترمها العالم!
ما هذا التناقض.. كيف تكون مصر دولة يحترمها العالم كما يقول الإعلام الحكومى والرئيس نفسه في زياراته الخارجية ثم يخاطب شعبه قائلا إننا «شبه دولة».. عفوا أصدقك إزاى يا ريس.. هل أصدقك وأنت غاضب.. أم وأنت راض.. هذا اعتراف خطير يصدر لأول مرة في التاريخ من رئيس.. لم يقلها تشرشل وشعبه في الملاجئ أيام الحرب العالمية الثانية.. أو يتفوه بها الرئيس روزفلت واليابان تدك الأسطول الأمريكى في بيرل هاربور.. لم يتجرأ عبدالناصر وهو مهزوم أن يقولها عن مصر التي أصبحت تحت الاحتلال عام 1967.. إذا كنا شبه دولة فعفوا أنت السبب!
( 2 )
الرئيس غاضب من المصريين.. يشعر أننا شعب نمرود قليل الصبر.. لا نُسبح بحمده بعد أن أنقذنا من مصير سوريا والعراق.. نحن لا نملك إلا الكلمة.. إذا كانت نورا استفد بها.. وإذا كانت قبرا ادفنا فيها.. ضحى جيلى في أكتوبر 1973.. لم نحصل على شقق وامتيازات وبدلات وقصور.. كنا نثق في الله وفى مصر.
يا ريس عندما تكون غاضبا يصبح وقع كلامك غليظا.. عصاك التي تعايرنا بها دائما بأنك حمتنا من مصير سوريا والعراق مردود عليها أن هذا واجبك.. لا تتفضل علينا فنحن الذين فوضناك وانتخبناك.. وإذا كنت ترى أننا غير جديرين بك تخلص منا.
( 3 )
وزير خارجيتك سامح شكرى صرح مؤخرا بأن سد النهضة أصبح واقعا، وأنه «حيتبنى حيتبنى» وعلينا أن نبحث تقليل آثاره.. نعم مصر شبه دولة في عهدك لأنكم تركتم إثيوبيا تتلاعب بنا كيفما شاء لها الهوى، وتبنى سدها رغما عن إرادة أكبر دولة أفريقية بسبب الروح الانهزامية! تصريحات حكومتك.. وأحيانا سيادتك تؤكد أننا في أيدى «هواة» سياسة.. ومسؤولين تحت التمرين.. نعمل إيه.. إثيوبيا ستدير السد وحدها وترفض الآن أي تغييرات في مواصفاته أو تخزينه.. من الذي حولنا لشبه دولة؟!
مصيبة أخرى.. هي السياسة التي اتبعتها وزارة الزراعة مع الفلاحين في محصول القمح.. أصبحت أجولة القمح مكدسة في بيوت الفلاحين لا تجد من يشتريها.. توريد القمح أصبح رحلة عذاب.. نهنئك على مشروع الفرافرة.. وننبهك إلى أن الفلاحين لن يزرعوا قمحا مرة أخرى فقد «اتخربت» بيوتهم هذا العام.. الأسعار انخفضت.. والمحصول في الشوارع.. الصوامع معظمها تالف أو مغلق.. وقانون الحيازة الزراعية الجديد تسبب في تكدس الأجولة في المنازل.
( 4 )
إذا كانت مصر شبه دولة فهناك عدة أسباب منها مثلا تعدد مراكز القوى حول الرئيس.. بعضها يدخل في صراع مع البعض الآخر.. وهذا يسىء للرئيس إذا كان لا يعلم، أما إذا كان يعلم فتلك المصيبة الكبرى.. وللأسف هذا الصراع ليس لصالح الوطن.. لكنه تنافس على أيهما يستطيع قمع أي معارضة.. وأحيانا يتجاوز الأمر إلى فضيحة.. اقتحام نقابة الصحفيين كان يمكن أن يتم القبض على الزميلين بهدوء وبألف طريقة والوقائع السابقة كثيرة.. إن ما حدث في النقابة أفقد النظام أقلاما محترمة ووضعها في موقف محرج.. فإما أن تنحاز للنظام فتخسر زملاءها.. أو تنحاز للزملاء فتفقد النظام.
هناك استنتاج آخر أتمنى أن أكون مخطئا فيه، وهو أن أزمة اقتحام نقابة الصحفيين ربما تكون مقصودة ومدبرة للتغطية على الإخراج السيئ جدا سياسيا وإعلاميا وحكوميا بخصوص مشكلة تبعية جزيرتى تيران وصنافير.. هنا أقول لك معك حق فالدولة التي لا تعرف إدارة الأزمات باحتراف وبهدوء.. وليس بالتهديد والوعيد هي شبه دولة.
( 5 )
الدولة التي يطالب رئيسها شعبه بألا يسمع كلام أحد غيره هي شبه دولة.. مصر عمرها 7 آلاف عام أنجبت العظماء والقادة والمبدعين والفنانين والشعراء وبالتالى لا يمكن أن تلغى عقلها بالأمر.. الاختلاف طبيعة بشرية يقول المولى عز وجل في كتابه «لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا».. البشر اختلفوا على الأنبياء فلماذا لا نختلف مع الرؤساء.
لقد كتبت قبل ذلك ناصحا لك بعدم الارتجال.. فإغراء الارتجال يُسىء لمقام الرجال.. اللسان إذا انطلق يصبح جوادا بلا لجام خصوصا في ساعات الغضب.. قلت لنا إنك طبيب يعالج كل الأمراض ومن ثم عليك أن تطبق القواعد الطبية.. أساتذة الطب الكبار يقولون شكوى المريض يجب أن تحترم.. ومن ثم يغيرون له العلاج ويعقدون «كونسلتو» لتدارس حالته.. لكن أنت لا تسمع شكوانا.. زهقت من أمراضنا بعد ما يقرب من عامين.
( 6 )
يا ريس عبقرية الشعوب في التنوع والاختلاف والتعددية وليس بالصوت الواحد.. ورغم أنك الفيلسوف الذي يشيد به العالم، إلا أن واقعنا كما هو.. فلا شرطة أصلحت.. لا دينا جددت.. لا فكرا حميت.. لا محليات طهرت.. المرور يتدهور.. الأخطر أنك استهنت بشعب تحمل رفع أسعار الغذاء والخدمات وتدهور التعليم والعلاج.. للأسف أصبحت أحيانا تتكلم مثل الذين حكمونا بأمر الله.
وأخيرا
لقد أهدانا الرئيس برلمانا بلا معارضة ويسبح بحمد الرئيس.. فعلى الأقل أسمح بمعارضة موازية في الصحافة والإعلام حتى نصبح دولة.. وأرجوك تخل عن الارتجال.. ولا تفرق بين مصريين «مواطنين شرفاء».. وآخرين ألصقتم بهم العمالة والارتزاق والخيانة والتمويل الأجنبى.. وإذا كانوا لذلك فلماذا لا تحاكموهم!