Translate

Monday, December 29, 2014

هل يمكن أن نتقدم دون حرية؟ (٢) بقلم د. محمد أبوالغار ٣٠/ ١٢/ ٢٠١٤

الحرية أمر نسبى. فى أى جيش لا توجد حرية، هناك أوامر، وفى غرفة العمليات الجراحية لا توجد حرية، فأنت لا يمكن أن ترتدى أى ملابس أو تنادى بصوت عال أو تترك العمل بسبب انتهاء وقت النوبتجية.
أما فى الحياة المدنية فقد ثبت بما لا يترك مجالاً للشك أن الشعوب لا يمكن أن تتقدم إلا بالحرية التى تحرك الأفكار الجيدة، وتساعد على الابتكار، وتؤدى إلى تقريب الأفكار بين الناس، تقلل من احتمال الخطأ، وأيضاً تشعر الإنسان بأنه بنى آدم حقيقى يستطيع أن يعمل ويناقش ويطور. هذه الأفكار هى التى طورت المجتمعات فى الغرب، وأدت إلى الابتكارات والاختراعات، ورفعت مستوى المعيشة. الأفكار الإنسانية ساعدت على تطبيق مبادئ تقرب الفوارق بين الطبقات، ووفرت الصحة والتعليم لكل سكان الغرب، حتى أمريكا الرأسمالية طالها نظام صحى جزئى للكبار فى عهد جونسون واستكمل فى عهد أوباما.
هناك أسباب كثيرة أدت فى مجموعها إلى تأخر مصر خلال القرن الماضى، وفى تقديرى أن أهمها غياب الحرية. فقد قهر الإنجليز خلال ٧٢ عاماً الحريات فى مصر، وعندما حدث تخفيف لوطأة الاحتلال قام الملك وأحزاب الأقلية بمساعدة الإنجليز بقهر الحريات، وعندما جاء عبدالناصر الزعيم الكبير حاول أن يرفع مستوى التعليم والصحة فى مصر، وأنشأ المصانع الكبيرة، الكثيرة، وقلل من الفساد فى الدولة، بالفعل رفع مستوى الفلاحين والعمال، لكن الحرية اختفت تماماً، والخوف والرعب أصابا المصريين حتى حدثت الكارثة الكبرى فى تاريخ مصر الحديث فى ١٩٦٧ والتى مازلنا نعانى من آثارها، وكل ذلك بسبب غياب الحرية وفرصة مناقشة صاحب القرار. وجاء السادات وأعطى هامشاً من الحرية للمصريين، ولكن كل الأمور المهمة لم يسمح بمناقشتها فانتهينا بسيطرة الفاشية الإسلامية.
وجاءت ديكتاتورية مبارك الراكدة البطيئة التى جثمت على صدر مصر فقضت على الفكر والثقافة والصناعة وكل شىء، وازدهرت أعمال السمسرة والفساد.
مصر الآن بعد ثورتين شعبيتين كتبت دستوراً عظيماً بالرغم من معارضة بعض محبى الديكتاتورية والقهر الذين يريدون تغييره، ونجح الرئيس بأغلبية ساحقة، ونحن على أبواب انتخابات برلمانية تأخرت كثيراً دون سبب واضح، وهذا مؤشر مخيف. مصر على أعتاب نهضة كبيرة بدأت بوادرها بسياسة خارجية متميزة وسياسة اقتصادية جيدة، ويلزمها بعض دراسات الجودة، وبقيت الحريات وحقوق الإنسان والتى إذا تحققت فسوف يساند الشعب كله النظام، وسوف تقفز مصر إلى الأمام، وإذا تعثرت فسوف يتعثر مشروع النهضة المصرى ونحن ليس أمامنا غير النجاح، ولنتذكر أن الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهى من دول العالم الثالث الواعدة التى تتمتع بالحرية والديمقراطية، وبسبب ذلك أصبحت تناطح اقتصاديات الدول المتقدمة.
رئيس الجمهورية عليه أن يسرع بفتح ملف حقوق الإنسان والحريات، لأنه الطريق الوحيد لتحقيق برامجه.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

المتواطئون مع أحمد زويل سليمان جودة

قبل أيام، دعا الدكتور أحمد زويل، المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، إلى افتتاح ما أطلق عليه: مركز النانو تكنولوجى.
كان منظر المهندس محلب، مع الدكتور زويل، مع عدد آخر من الأشخاص، لافتاً جداً، لأنهم كانوا يرتدون الملابس الكاملة البيضاء والمعقمة، داخل الغرفة المجهزة فى المركز، ولم يكن يبدو من كل واحد فيهم سوى عينيه وجزء من وجهه بالكاد، ولابد أن الذين طالعوا الصورة، قد راحوا يدققون فيها، لعلهم يعرفون مَنْ هذا، ومَنْ ذاك فيها.
كل هذا يظل مجرد شكل لا نتوقف عنده طويلاً، ولذلك نتجاوزه إلى المضمون، لنسأل سؤالاً مباشراً، أرجو أن تكون لدى الدكتور زويل الجرأة الكافية للإجابة عنه، وهو: أين يقع هذا المركز الجديد؟!
فالقارئ للخبر المنشور عن الافتتاح، وعن الزيارة، سوف يجهد نفسه ليعرف أين يقع المركز، وسوف لا يظفر بإجابة محددة فى النهاية.. لماذا؟!.. لأن «زويل»، فيما يبدو، قد استحى من أن يقول إن المركز يقع فى مبنى جامعة النيل الذى يستضيف مدينة الدكتور زويل العلمية، إلى أن ينتقل هو معها لموقعها الجديد، بموجب اتفاق بين الجامعة والمدينة، كان المهندس محلب ذاته شاهداً عليه!
السؤال الكاشف هنا يظل على النحو الآتى: إذا كان هذا المبنى يمثل إقامة مؤقتة له، ولمدينته، فهل يجوز، بالله عليكم، أن ينشئ فيه الدكتور زويل مركزاً بتكلفة مائة مليون جنيه، وهو يعرف أنه سوف يترك المبنى غداً، أو بعد غد؟!.. هل يجوز هذا؟!.. وإذا لم يكن يجوز، فمن بالضبط سوف يتحمل المائة مليون عند الانتقال من المبنى إلى المدينة بمقرها الجديد، أم أن الأمر سوف يكون إهداراً للمال العام لن يحاسب أحد الدكتور زويل عليه فى بلد يأكل فقراؤه التراب؟!
سؤال آخر: ما السبب الذى جعل زويل يسارع إلى إنشاء مركز بهذا الحجم، وهو يعرف تماماً أن هناك مركزاً أكبر منه، ومن النوع نفسه، وفى مدينة زايد نفسها، ويتبع جامعة القاهرة، أعرق جامعات مصر والمنطقة؟!.. هل أراد «زويل» ضرب مركز جامعة القاهرة بعد أن فشل، طوال سنوات مضت، فى الاستحواذ عليه، وضمه إلى مدينته؟!.. إننى لا أذيع سراً حين أقول إنه حاول بكل الطرق، على مدى سنوات ماضية، ضم مركز جامعة القاهرة إلى مدينته دون وجه حق، وهناك أركان كبيرة فى الدولة موجودة الآن، وتعلم جيداً تفاصيل محاولاته التى جرت كلها على يديها، وفى صمت، وبعيداً عن الإعلام!
بالمناسبة.. مركز جامعة القاهرة، اسمه مركز مصر للنانو تكنولوجى، وهو مجهز على أعلى مستوى فنى، ويضم باحثين أنفقت عليهم الدولة الملايين، حتى اكتسبوا خبرات بحثية وعلمية نادرة، ولم يفكر أحد ممن أنشأوه فى إطلاق اسمه عليه، كما أطلق زويل اسمه وحده على مدينته، لا اسم مصر، ولا غير مصر!
إذا جاز للدكتور زويل، الذى نتمنى له كل نجاح فى مدينته التى لم يضع فيها طوبة واحدة حتى الآن.. أقول إذا جاز له أن يسطو على جامعة النيل مرة، ثم يحاول أن يسطو على مركز مصر للنانو تكنولوجى فى جامعة القاهرة مرات فهو حر!.. لكن السؤال: كيف تسمح له الدولة بذلك، ومَن بالضبط يتواطأ معه فى هذه الدولة؟!.. ومتى ينشئ شيئاً بيديه هو، وبجهده هو، لنهنئه عليه، بدلاً من أن يقفز فوق المشروعات الجاهرة، فيستولى عليها بتواطؤ مسؤولين بلا ضمير، كما كان الحال مع جامعة النيل، لولا أن الله سلم، أو يشوش عليها ويشوشر، كما حدث مع مركز مصر للنانو تكنولوجى.. متى يا دكتور تنشئ شيئاً بيديك، بدلاً من خطف شىء من جهد غيرك هنا، أو شىء من جهد غيرك هناك؟!

Tuesday, December 23, 2014

البابا فرنسيس وتجديد الرسالة والدور بقلم سمير مرقس ٢٤/ ١٢/ ٢٠١٤ (١)

بهدوء ونعومة ومعرفة حديثة، وقبل ذلك بتواضع شديد ومن خلال ممارسات روحية لافتة، يقوم البابا فرنسيس بابا الفاتيكان ـ أول بابا غير أوروبى منذ ١٢ قرنا ـ بتجديد الفاتيكان قبلة الكاثوليكية فى العالم. التجديد يتم هذه المرة من الداخل أو فى المركز بواسطة البابا القادم من الأرجنتين، أو الجنوب/الأطراف بالمعنى الاقتصادى بحسب مدرسة التبعية التى انطلقت من أمريكا اللاتينية... كانت محاولات التجديد قد انطلقت من أمريكا اللاتينية على موجتين قبل أن يحملها البابا الجديد إلى داخل الفاتيكان... الأولى: فى عام ١٩٥٥ عندما عقد الأساقفة الكاثوليك مجمعهم الثانى ـ تاريخيا ـ ليعلنوا عن الوضع غير الإنسانى الذى تعانى منه مجتمعاتهم بسبب الديكتاتورية وانحياز المؤسسة الدينية إلى الحكام بدعم الكنيسة المركز... وعندما شعر الفاتيكان آنذاك بأن هناك تمرداً سارع بعقد مجمع الفاتيكان الشهير الذى امتد لمدة أربع سنوات مطلع الستينيات. وصحيح أنه استطاع أن يصدر وثيقة تجديدية شاملة، إلا أنها لم تنجح فى الاستجابة لاحتياجات شعوب الجنوب أو الأطراف. فانطلقت الموجة الثانية: وذلك نهاية الستينيات من خلال حركة قاعدية شعبية عرفت بحركة لاهوت التحرير والتى أطلقها مجموعة من الشباب الذين انفتحوا على العصر بأفكاره الجديدة مثل: مدرسة فرانكفورت، وجرامشى، ومحاولات التجديد اللاهوتية فى أوروبا وتحديداً ألمانيا، وفكر وثقافة وإبداعات ثورة الشباب فى فرنسا، وجديد علم التنمية، واقتصاد مدرسة التبعية...إلخ. ما نتجت عنه اجتهادات دينية بديعة مقرونة بممارسة حية وسط الفقراء، (عرضنا لجانب منها فى دراستنا المبكرة عن تجربة لاهوت التحرير ـ١٩٩٤).
(٢)
ولكن المؤسسة الكنسية فى المركز لم تكن رحيمة. فتعاطت مع الحركة المتنامية داخل القارة اللاتينية وخارجها بعنف قاده الكاردينال راتزينجر (البابا بنديكتوس ١٦ لاحقاً)... ومرت الأيام وأثمرت حركة لاهوت التحرير من خلال أجيال تأثرت بأفكارها المنحازة لقيم التنمية العادلة والمتطلعة إلى الحرية دون وصايا وإلى قيم التقدم، أن تنهض ليس بكنائس القارة اللاتينية وإنما بمجتمعاتها... فالجماعات القاعدية التى تشكلت وسط الفقراء لرفع وعيهم وتمكينهم تنموياً، إما تحولت إلى كيانات ذات طبيعة سياسية محضة، أو استمر فى الإطار الكنسى يعمل على تجديد المؤسسة من الداخل...لذا رأينا قادة سياسيين ممن تعلموا من العمل القاعدى وعملوا وسط الفقراء... فكانت الحركة حافزاً نحو العمل الإيجابى المجتمعى دون خلط بين السياسة والدين... وما بدأت تنهض دول الأطراف: البرازيل، وتشيلى، وبيرو، والإكوادور، والأرجنتين،...إلخ... كان من الطبيعى أن يكون البابا فرنسيس على رأس الفاتيكان، ولكن برؤية مغايرة.
(٣)
من عباراته الأولى: «الكنيسة ليست هى المبنى ولا الحجارة، إنها الإنسان القادر على استيعاب وممارسة الحداثة... وعليه لا يجب أن تتحول الكنيسة إلى منظمة غير حكومية والأساقفة إلى أمراء بلا رحمة»... أعاد هيكلة الفاتيكان على أسس مواكبة للعصر وذلك باختياره عناصر شابة. فهو يؤمن بأهمية الشباب فى هذا العصر، مدركا ـ كما يقول أحد الباحثين: «إن الشباب أسرع فئة تصطدم بالواقع المغاير لطبيعته منتفضاً ضد الفساد والظلم»...وعليه ناشد الشباب بقوله: «أنتم أيها الشباب لديكم حساسية تجاه الظلم، وعما يترتب على الفساد من تداعيات، خاصة إذا ما جاءت على أيدى أشخاص كان من المفترض أن يسعوا نحو الخير العام لا إلى خيرهم الخاص. لذا لا تيأسوا أبداً ولا تفقدوا الثقة والرجاء، ويمكن للحقيقة أن تتغير كما يمكن للإنسان أن يتغير، فاسعوا لتحقيق الخير»... وفى هذا الاتجاه يحرص البابا على أن يقدم نموذجاً عملياً فى استخدام كل ما هو بسيط متجنباً الكماليات والبذخ، ونازعاً نحو التجرد والزهد.
(٤)
إن تجربة البابا فرنسيس الأول فى تجديد الفاتيكان جديرة بالقراءة والمتابعة الدقيقة والمتأنية، خاصة أنها تعكس فكرا وخطابا متجددا... كما أنه بدأ يكون حاضرا فى الساحة الدولية بمنهجية مغايرة؛ وهو ما وضح فى خطابه المهم فى إسطنبول ورعايته للمصالحة التاريخية بين أمريكا وكوبا... ونواصل.

Monday, December 22, 2014

الحصاد المر للتخلف الثقافى بقلم د. عماد جاد ٢٢/ ١٢/ ٢٠١٤

نظرة سريعة على خريطة توزيع نظم الحكم الديمقراطية فى العالم تقول لنا إن المنطقة العربية تكاد تكون الاستثناء الوحيد من الديمقراطية، فالديمقراطية انتشرت فى دول كانت حتى عقود قليلة ماضية توصف بأنها سلطوية، استبدادية أو فاشية، انتشرت الديمقراطية فى الشطر الأوسط والشرقى من القارة الأوروبية بعد سقوط النظم الاشتراكية فى نهاية الثمانينيات وتحديداً اعتباراً من سقوط سور برلين عام ١٩٨٩، واجتاحت الديمقراطية أيضا دول أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى بعد أن كانت ترزح لسنوات طويلة تحت حكم ديكتاتورى عسكرى أو سلطوى مدنى، ثم بدأت الديمقراطية تنتشر فى ربوع آسيا، وأخيراً زحفت الديمقراطية على القارة السمراء ووصلت إلى دول ودويلات تقوم على نظم قبلية قاسية تفصلها عن المدنية الحديثة عقود وعقود من السنين.
الملاحظ أن الديمقراطية لم تستقر فى العالم العربى، لا شقه الآسيوى ولا جناحه الأفريقى، فكل منهما مثل استثناء من ظاهرة انتشار الديمقراطية وبينما تخندقت دول كالسعودية وراء الخصوصية الثقافية والذاتية، اكتفت نظم أخرى لاسيما الجمهوريات الرئاسية بقشور الديمقراطية، حيث اعتبرت وجود المؤسسات كافياً للادعاء بوجود الديمقراطية، اختزلت الديمقراطية فى مجموعة من الإجراءات والطقوس منها إجراء انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء البرلمان، وهى انتخابات شكلية يجرى تحديد الحصص والمخصصات من قبل أن تجرى الانتخابات، ومن ثم لا تعدو الانتخابات أن تكون مجرد إجراء شكلى، كذلك الحال بالنسبة للاستفتاءات على منصب الرئيس والتى تحولت مع الموجة قبل الأخيرة التى وصلت المنطقة أوائل القرن الحادى والعشرين إلى انتخابات تعددية شكلية.
من بين ٢٢ دولة عربية تتوزع على قارتى آسيا وأفريقيا لا توجد دولة واحدة يمكن وصف نظامها بأنه ديمقراطى حقيقى، فالنظم القائمة فى هذه الدول لا يمكن وصفها بالديمقراطية، بعضها لا يعنيه الوصف، ومن ثم يرفض الديمقراطية ويعتبرها بدعة وضلالة غربية لا تتوافق وحضارة وثقافة الأمة، وبعضها الآخر يأخذ بقشور الديمقراطية والإجراءات الشكلية فقط. لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تقاوم انتشار قيمة الديمقراطية ومعها قيم مصاحبة لا مجال لرسوخ الديمقراطية دونها كالمساواة، الحرية والعدل. لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تتحايل على الديمقراطية عبر ادعاء الخصوصية والذاتية، قليلة هى دول العالم خارج المنطقة العربية، والتى يمكن وصفها بأنها دول غير ديمقراطية، فالديمقراطية استقرت فى أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى، واجتاحت قارة آسيا، ثم بدأت تنتشر فى القارة الأفريقية، لكنها لم تجد موطئ قدم فى البلدان العربية فى آسيا وأفريقيا.
الدول الآسيوية التى كانت ترزح تحت حكم عسكرى وتلك التى كانت تحكم بنظم شمولية وسلطوية تغيرت وباتت ديمقراطية وحققت تقدما كبيرا على طريق التنمية السياسية والاقتصادية وبعضها غادر العالم الثالث بتخلفه وفقره ودخل العالم الثانى، ومنها من بدأ يغادر العالم الثانى فى طريقه إلى العالم الأول مثل كوريا الجنوبية.
تحقق الأمر نفسه فى أفريقيا لكن جنوب الصحراء، وباتت الدول والدويلات القبيلة المتخلفة دولاً ديمقراطية حقيقية، بل إن جنوب أفريقيا نفضت عن نفسها غبار العنصرية بسقوط نظام الفصل العنصرى وشقت طريقها باتجاه نظام ديمقراطى حقيقى قفز بها مراحل عديدة على طريق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباتت جنوب أفريقيا من الدول الديمقراطية المتطورة اقتصاديا والتى غادرت العالم الثالث إلى الثانى ومرشحة لدخول العالم الأول بقوة، ويكفى أن العالم عندما يبحث عن دول تحصل على العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، أسوة بالدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية، توقف عند جنوب أفريقيا ممثلا للقارة السمراء وعند البرازيل والأرجنتين عن أمريكا الجنوبية والهند عن القارة الآسيوية، ولا مجال لذكر دولة عربية واحدة فجميع الدول العربية استراحت فى مصاف دول العالم الثالث واستقرت هناك وغير مرشحة لمفارقته لفترة زمنية طويلة قادمة، بل إن دولاً منها دخلت مرحلة الدولة الفاشلة (الصومال ثم ليبيا واليمن)، وهناك دول أخرى قريبة من التعثر ويمكن أن تنزلق إلى مرتبة الدول الفاشلة.
 السؤال هنا: لماذا كل ذلك، ولم بات العالم العربى استثناء من التنمية الشاملة وفى مقدمتها السياسية التى تعنى إرساء أسس الديمقراطية؟ إنها الثقافة المعادية لقيمة الحرية، المساواة والديمقراطية والتى تجرح قيم حقوق الإنسان، إنه التخلف الثقافى الذى جعل عالمنا العربى يقبع فى منطقة ما قبل التحضر عبر الخلط بين الدين والسياسة، عبر تديين المجال العام ومن ثم عرقلة القبول بقيم الحرية، المساواة، المواطنة، ومن ثم الديمقراطية

Friday, December 19, 2014

عظيمة يا مصر.. ياللى جيناتك حاملة للسعادة وحب الحياة بقلم د. وسيم السيسى ٢٠/ ١٢/ ٢٠١٤



قامت منظمة الصحة العالمية بمسح شامل عن نسب الانتحار بين دول العالم المختلفة، فكان أعلاها دولة جوايانا البريطانية «٤٤ حالة انتحار كل مائة ألف نسمة»، تليها كوريا الشمالية «٣٨ حالة كل ١٠٠.٠٠٠» ثم كوريا الجنوبية «٢٨ حالة»، ثم أمريكا «١٢ حالة انتحار كل ١٠٠.٠٠٠»، ولكن الشىء العجيب أن مصر سجلت تقريباً «حالة واحدة كل ١٠٠.٠٠٠ وللدقة ١.٢»!!
نشرت «المصرى اليوم» هذه الدراسة تحت عنوان: شعوب أمريكا وبريطانيا حزانى، والمصرى يحب الحياة!
تأملت هذه الأرقام، والأرقام خير لغة، وحاولت أن أجد لها تفسيراً، فتذكرت كلمات آلان جاردنر: لم أجد شعباً محباً للحياة، وعلى استعداد أن ينفق كل ما يملك من أجل الاستمتاع بها مثل الشعب المصرى!
تذكرت واشنطن D.C والمتحف القومى NRTION MUSEUM وكيف كتبوا على قسم التحنيط: المصريون القدماء.. أحبوا الحياة، فأرادوا أن يكون لها استمرار بعد الموت!!
السؤال الذى يطرح نفسه: هل السعادة أو حب الحياة تورث عبر آلاف السنين؟!
الإجابة نعم، وإليكم الدليل العلمى من تجربة سويدية، التجربة تقوم على قفص.. قاعدة معدنية، لمبة حمراء، عمود خشبى، تيار كهربى خفيف.. يلسع الفأر ولا يقتله، وحين يوصل التيار.. اللمبة الحمراء تضىء، ويبحث الفأر عن شىء يحميه، فيجد العمود الخشبى، يتسلقه، ويتعرض الفأر للتجربة مئات المرات حتى يربط ما بين اللون الأحمر والألم «المنعكس الشرطى»، وأصبح الفأر يرى النور الأحمر فقط ودون ألم، يتسلق العمود الخشبى! ثم جاءوا بفأر جديد النور الأحمر لا يعنى له شيئاً، أخذوا مخ الفأر الأول، حولوه إلى Suspension أى معلق، وحقنوه فى التجويف البطنى للفأر الجديد، وفوجئ العلماء بعد شهر بالفأر الثانى يتسلق العمود الخشبى إذا شاهد النور الأحمر دون أن يكون قد تعرض للسعة الكهرباء مرة واحدة!
يا الله!! المعارف المكتسبة تورث.. السعادة تورث.. جينات حب الحياة من أجدادنا السعداء تورث.. العالم حزانى ونحن سعداء!! السعادة فى الجينات.. السعادة من الداخل وليست من الخارج!!
قرأت أسطورة جميلة فى كتاب «فى زورق الحياة» لمؤلفه رشدى السيسى، والد كاتب هذه السطور تقول: اجتمع إبليس مع الشياطين لسرقة أعظم ما يمتلكه الإنسان! قام شيطان وقال: نسرق ثروته، وقال آخر: نسرق عقله.. رد إبليس وقال: ثروته سبب شقائه، وكيف يحس شقاءه إذا سرقنا عقله؟!
قامت شيطانة شمطاء وقالت: يا إبليس يا عدو كل خير، اسرق سعادة الإنسان وخبئها فى مكان لا يخطر على باله، فى داخله، فى أعماق قلبه! سيبحث عنها المنكود فى الثروة ولن يجدها، فى الشهرة ولن يجدها، فى الجنس الآخر ولن يجدها، ذلك لأنها فى مكان لا يخطر على باله.. فى أعماق نفسه!
احتفل إبليس ومن معه بهذه الشيطانة الدردبيس، وخلع إكليل الشر الملتهب من على رأسه ووضعه على رأس هذه الشريرة التى أدخلت التعاسة إلى العالم بإخفائها السعادة فى أعماق قلب الإنسان وجعلته يبحث عنها فى كل مكان إلا قلبه.
هل تذكرون كارثة ٦٧، تغلبنا عليها بجينات السعادة، والسخرية، والإبداع! أما جينات السعادة فكانت المقاومة وحرب الاستنزاف، أما جينات السخرية فكانت عشرات الآلاف من النكات «النكت» سخرية من المسؤولين عن هذه الكارثة، أو أكبر سرقة فى التاريخ: سرقة نصر لا يستحقونه بمعونة دولة سرقت قارة بأكملها «أمريكا من الهنود الحمر.. أصحابها الأصليين».. أما جينات الإبداع، فكانت القنبلة المائية بديلاً عن القنبلة النووية لهدم خط بارليف.
عظيمة يا مصر.. ياللى جيناتك عبقرية وحاملة للسعادة وحب الحياة.

Monday, December 15, 2014

مبارك وشلة الحرامية (٢) بقلم د. محمد أبوالغار ١٦/ ١٢/ ٢٠١٤

صدمة قطاع كبير من الشعب المصرى بعد صدور الحكم ببراءة مبارك هى أنه كان الفاسد الأعظم، والثابت أن بعض وزرائه المعروفين بالاسم كانوا فاسدين، والغريب أن شلة الوزراء الحرامية كان شعاراً متداولاً فى كل مكان. ومعروف أن أنجال الرئيس وأقارب حرمه كانوا يعملون بالبيزنس الكبير جداً ومافيا الأراضى، وبدون أدنى شك فإن وضعهم العائلى كان السبب الرئيسى فى صعودهم كالصاروخ فى هذا العالم، وهذا هو الفساد بعينه.
بالرغم من أن مبارك كان قد وصل إلى مرحلة من التبلد فى الفكر والاستهتار بالشعب كله فإنه كان يعلم بكل دقة من اشترى ومن تربح من عائلته وأصدقائه من أراضى مصر المنهوبة ووافق عليها وتدخل لصالح صديقه حسين سالم عدة مرات. أما عن بيع الغاز المصرى بتراب الفلوس فهو صاحب القرار النهائى فى أمر استراتيجى مهم. مبارك قام بتزوير الانتخابات والاستفتاءات وتغيير الدستور لتوريث ابنه.
ملخص الأمر أنه كان رأس الفساد كما أعلن القاضى الذى حكم عليه بالبراءة فى مقدمة الحكم. فأين العدل إذن؟ والشعب له الحق كل الحق فى الغضب.
نعم هناك نمو فى الاقتصاد ولكن الشعب لم يشعر به لأنه كان معظمه يتم نهبه لصالح مجموعة من البليونيرات.
الحقيقة الدامغة أنه بعد ٢٥ يناير وحتى الآن لا يوجد وزير واحد حرامى ورؤساء المؤسسات لا يستطيع واحد فيهم أن يسرق أو ينهب، والفساد الكبير جداً قد توقف وظهر هذا فى التقرير العالمى للفساد بوضوح. صحيح أن الفساد المتوسط والبسيط لا يزال عنيفاً إلا أنها خطوة للأمام.
مجموعة الفاسدين والمفسدين الذين أدوا إلى خراب مصر غير سعداء ويعتبرون أن ٢٥ يناير هى السبب فى فقدهم وضعهم التاريخى فوق القانون والدستور، ويستطيعون أن يفعلوا ما يريدون. هذه الخطوة فى تحجيم الفساد ليست على هوى الفاسدين وأصدقائهم ولذا يحاولون تشويه ثورة ٢٥ يناير. أقول لهم جميعاً إن ٢٥ يناير قد أحدثت تغييراً هائلاً فى الشعب المصرى وأنه لن يعود كما كان مهما فعلتم ومهما أردتم. العنف لن ينجح. لا يستطيع رئيس ولا وزير ولا حتى صاحب عمل خاص أن يفعل فى المصريين ما كان يفعله فيهم نظام مبارك وهم ساكتون صامتون. الشعب تغير والعالم تغير والديكتاتورية والفساد وهما شعار مبارك لن يعودا، وسوف يقف الجميع ضدهما، ومنهم بعض الإعلاميين من الشرفاء.
أيها الفاسدون الكبار كفاكم ما نهبتم وسرقتم من دم المصريين، وعلى «صوت سيده» أن يتوقف حتى يمكن أن تنجو مصر، وأنتم وعائلتكم وأصدقاؤكم فى النهاية جزء من الشعب، فانضموا للوطن فى الحرب على الإرهاب والفقر والفساد، واعلموا أن عقارب الزمن لن تعود إلى الوراء، ومهما طبلتوا وزمرتوا فالمستقبل ليس لكم.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


انتبه ياريس.. مصر ترجع إلى الخلف - مى عزام - المصرى اليوم - 13/12/2014



قال الرئيس لا عودة للوراء، مع أن كل المظاهر التي تحيط بنا تصرخ في العيون والآذان: «تيت تيت .. انتبه مصر ترجع إلى الخلف».
دماء الشهداء لم تجف، صورهم لازالت تملأ العيون، ولوعة غيابهم تحرق الأفئدة، ولم يتمكن القضاء من إدانة القتلة، ولا تجريم الفاسدين الذين أجرموا فى حق الشعب على مدى عقود من الزمن، إنهم يفلتون من العقاب الواحد تلو الآخر، ومن يخرج يلبس ثوب البراءة ويسعى لتبييض وجهه وتاريخه، فيشترى بأمواله الحرام منصة إعلامية يتسلل منها من جديد إلى حياتنا ليسممها، الجميع يحاول أن يرتدى ثياب التقوى ويتشدق بحب الخير والخدمة العامة ولا يخجل من الهتاف «تحيا مصر».
أحمد عز، الشريك الأهم فى إفساد الحياة السياسية المصرية قبل ثورة يناير، يعود بقوة المال على صفحات الجرائد محتفلا بعيد ميلاد إحدى شركاته وبجواره زوجته ومحبيه، ويتحدث عن مشاريعه وما قدمه لمصر من خير، ويتم نشر ذلك في صفحات إعلانية مدفوعة عن رعاية مجموعة شركات حديد عز للفريق القومى لكمال الأجسام (وحتى الآن لم يتم إعلان موقف وزارة الشباب ولا الفريق القومى المذكور من هذه الهبة الكريمة، وهل تم رفضها أم قبولها شاكرين مهللين).
المحترم حسين سالم، المتهم بالعديد من القضايا، بعد الحكم ببراءته، تناقلت وسائل الإعلام تصريحاته بأنه سيعود لمصر وسيشارك فى تمويل مشروع قناة السويس، المحترم محمد فودة، خريج السجون، يخرج علينا فى ثوب المصلح الاجتماعى ورجل الخير وبفلوسه يتم تلميعه على قناة النهار، رجل العادلى القوى إسماعيل الشاعر يعلن أنه سيخصص حياته للخدمة العامة وعمل الخير.
الجميع تحولوا إلى ملائكة الرحمة، ثوب التقوى والورع لا يليق بهم، ولكن فى حقيقة الأمر إنهم يعودون بقوة وجرأة شديدة، لا يكلفهم ذلك إلا القليل من الرشاوى الخيرية التى اعتادوا تقديمها لينالوا بها الكثير، وللأسف نشم رائحة خبيثة تفوح من بعض الدوائر الإعلامية المملوكة لرجال أعمال تربطهم بهؤلاء روابط مصالح كثيرة ومودة قديمة.
كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر القيادة السياسية التى بالتأكيد تشعر أنها فى مأزق، فالسيسى لم يقدم نفسه كخليفة لنظام مبارك ولكن كقائد شعبى جاء بعد ثورتين، ثورة يناير الرافضة لنظام مبارك، و30 يونيو المتمردة على نظام الإخوان، ولا يمكن للرئيس السيسى الذى يستمد شرعيته من الثورتين، أن يجرم فى عهده نظام الإخوان ويترك الحبل على الغارب لنظام مبارك ليعود بسطوته متغلغلا من جديد، خاصة أن أتباعه موجودون، وينتظرون فقط اللحظة المناسبة وكلمة السر لينقضوا على النظام الجديد ليجهضوه وهو فى المهد، وأول من سيعانى من لدغتهم هو السيسى نفسه.
فى الفترة التى تلت 29 نوفمبر انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى بوستات تحمل معانى اليأس والرغبة فى ترك مصر والهجرة، فالأفضل أن يموت المصرى وحيدا فى الغربة بدلا من أن يموت مقهورا فى بلده، ويئست مع اليائسين ولكنى أيقنت أن الهجرة ليست حلا، لأننا سنحمل أحزاننا أينما ذهبنا وسنضيق يوما بحمل سحارة الذكريات على ظهورنا وسنعود بحنين لمصر من جديد.
والحل أن نبقى، لن نترك طيور الظلام تعود من جديد، لا نظام مبارك ولا الإخوان، وإن كانت مجموعة حقوقية فى نيويورك عندها أمل فى أن يكون حكم محكمة النقض لصالح شمبانزى، فلن نكون أقل منهم إيمانا، بأن يكون نقض حكم براءة مبارك لصالح حرية شعب وأمن بلد ومستقبل شبابها.
وسنظل نردد عن قناعة: «إني اخترتك يا وطنى.. سرا وعلانية».

Friday, December 12, 2014

ماذا لو توقفت الأرض عن الدوران؟! بقلم د. وسيم السيسى ١٣/ ١٢/ ٢٠١٤

جاء فى الإصحاح العاشر من سفر يوشع بالعهد القديم: حينئذ كلم يشوع الرب طالباً منه أن تدوم الشمس على جدعون، والقمر على وادى أيلون، فدامت الشمس ولم تعجل بالغروب نحو يوم كامل، ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه الأموريين.
ومعنى هذا أن الأرض توقفت عن الدوران، فتوقفت الحركة الظاهرية للشمس ٢٤ ساعة، وقد خاطب أمير الشعراء الشمس، وسماها أخت يوشع قائلاً:
قفى يا أخت يوشع خبرينا
أحاديث القرون الغابرينا
وفى مؤتمر أبوظبى لتطوير التعليم، صاحبنى رئيس المؤتمر الدكتور علاء جراد إلى إحدى المكتبات الضخمة، اشتريت مجموعة من الكتب، كان أهمها كتاب صدر ٢٠١٤ بعنوان WHAT IF؟
أى ماذا لو؟ لمؤلفه راندال مونرو RANDALL MUNRO
يسأل مؤلف هذا الكتاب: ماذا يحدث لو توقفت الأرض عن الدوران فجأة، ولكن الغلاف الجوى ظل على سرعته؟!
يقول راندال مونرو إن سرعة دوران الأرض حول نفسها ٤٧٠ ربعمائة وسبعون متراً فى الثانية الواحدة، أى ألف وستمائة واثنان وتسعون كيلومتراً فى الساعة ١٦٩٢/ ساعة، فإذا توقفت الأرض عن الدوران، تهب ريح بسرعة أكبر من ألف ميل/ ساعة، ما بين خط عرض ٤٢ درجة شمالاً، خط عرض ٤٢ درجة جنوباً أى ٨٥% من سكان الأرض يصبحون حطاماً فى دقائق! ذلك لأن ريحاً فوق صوتية SUPERSONIC WIND! تجعل المبانى من حظائر حتى ناطحات السحاب تسوى بالأرض بعد أن تقتلع من أساساتها!
ستكون هذه الريح على أشدها عند خط الاستواء، وأضعفها عند خط بعرض ٦٠ شمالاً أو جنوباً، قد ينجو البعض، خصوصاً إذا كانوا فى أنفاق المترو مثلاً، ولكن فرحة ما تمت فسرعان ما ترتفع درجة الحرارة حتى وإن توقفت الريح، فتموت كل الأسماك، الحيتان، السلاحف، الدلافين وطبعاً الإنسان.
لم يعد هناك شروق أو غروب كل يوم، ولكنه شروق وغروب مرة كل سنة لأن الأرض تدور حول الشمس مرة كل سنة! ووجه الأرض المواجه للشمس ستة أشهر تقتل الحرارة فيه كل كائن حى، بينما الوجه الآخر تنخفض الحرارة إلى درجة التجمد!
ليس هذا فقط! ماذا عن القمر الذى إذا ابتعد قليلاً أو اقترب قليلاً من الأرض كان المد والجذر الذى قد يغرق سفناً؟ ما الذى يجعل القمر فى مكانه؟! إنه دوران الأرض! دوران الأرض حول نفسها يجعل القمر بعيداً عنها، فإذا توقفت الأرض عن الدوران اقترب القمر منها إلى حد مخيف!
أخيراً السؤال الذى يطرح نفسه: هل توقفت الأرض عن الدوران حقاً فى عصر يوشع ابن نون يوماً كاملاً حتى انتهى من حربه مع الأموريين، وكان الله يحارب من أجل إسرائيل؟!
الذين لا يؤمنون بالغيبيات مثل ألبرت أينشتين، زائيف هر تزوج، هيكسلى HUXLY، نتشه، جورج برناردشو، سوف يقولون ما قاله أينشتين: قصص أطفال ما قبل النوم »الأهرام«!
هناك فريق آخر من أتباع مذهب اللاأدرية AGNOSTICS يقولون: لا ندرى إذا كانت الأرض توقفت عن الدوران، وبالتالى حركة الشمس الظاهرية أم لا!
أما المؤمنون بالعهد القديم وما جاء فيه فيقولون: إنها معجزة إلهية، أوقف الله فيها دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يوماً كاملاً، كما حماها من الأعاصير التى تقتلع ناطحات السحاب، والحرارة القاتلة فى وجه، والتجمد فى الوجه الآخر من الأرض، والله على كل شىء قدير! إنها معجزة كبرى، ولكن المعجزة الأكبر هى دوران الأرض حول نفسها بهذه السرعة، وهذا الثبات.. حقاً ما أعظم أعمالك يارب.

Tuesday, December 9, 2014

وحيد حامد يكتب: الفساد بقانون...!! ٩/ ١٢/ ٢٠١٤

قرأت فى الصحف المصرية بمزيد من الحزن والأسى عزم الحكومة الحالية إصدار قانون يسمح بالتصالح فى مخالفات البناء، وسيكون القانون الكارثة إذا تم صدوره أو العمل به، لأن هذا يعنى ببساطة شديدة أنه لا أمل على الإطلاق فى أن يكون لهذه الدولة مستقبل من أى نوع.. طالما هناك من يفكرون برؤوس مستعارة من زعماء الحزب الوطنى المنحل، وكأنه لا جديد فى هذا الوطن، وأنه لم يشهد ثورة حقيقية فقدها لبعض الوقت ولكنه لم يستسلم أو يستكن وسرعان ما استرد ثورته، وكما قلنا مراراً وتكراراً إن الثورة ليست مجرد تغيير أشخاص أو استبدالهم بآخرين... ولكن الثورة الحقيقية هى التى تتمكن من إزالة أى نظام فسد وتعفن وأصابه العفن، وتعمل على خلق نظام جديد، قائم على العدل والمساواة، ولديه رؤية مستقبلية واعية للنهوض بالدولة رغم المصاعب والمشاكل التى تضخمت وتمكنت من جسد الأمة.. ولكن من الواضح أنه تم تغيير الأشخاص ولم يتم تغيير السياسات العقيمة والمتخلفة والقائمة على الحلول الوقتية، وكلنا نعلم أن المسكنات لا تشفى من أى مرض.. وهناك فرق بين حكومات البناء والتنمية، وحكومات معالجة الجراح بسدها بالتراب، حكومات الموظفين الذين يهدفون إلى قضاء مدتهم فى الوزارة وهم فى خير وأمان وتوريث من يخلفهم تركة متورمة بالكوارث، وهذه حال مصر على مدى سنوات وسنوات حتى إننا أصبحنا ننزل الدرج درجة درجة ولا نعرف الصعود أبداً.
وبهذه الطريقة فإن الاستمرار فى الهبوط قائم ومستمر، وهذه المرة نحو القاع.. قامت الثورة لمنع هذا الهبوط أولاً والاتجاه نحو الصعود من جديد ثانياً.. ولكن يبدو أننا غير قادرين لا على هذا ولا ذاك، طالما أننا مازلنا نسير ونحن نسترشد بالخرائط القديمة، وأيضاً أصحاب العقول القديمة التى تؤمن بالإمساك بالعصا من المنتصف، العقول العاشقة للرمادى، الذى لا هو بالأبيض ولا بالأسود.. هؤلاء الذين يطفئون وهج الثوران بالنمطية والبلادة وعدم الإدراك.. هؤلاء الذين لا يعرفون الطموح ولا يرون أبعد من تحت أقدامهم.
بالتأكيد المهندس إبراهيم محلب يعلم أكثر منى، لأن هذا تخصصه ومجال عمله قبل أن يكون وزيراً ثم رئيساً للوزراء، يعلم أكثر منى ومن غيرى عن شروط البناء فى الدول الأجنبية والعربية.. ويعلم جيداً قداسة الالتزام بالشروط الخاصة بالارتفاعات وألوان الواجهات ومساحات الشوارع.. وهذه الشروط موجودة لدينا بنسبة كبيرة، ولكن على الورق فقط.. أما الواقع فهو مرير ومؤسف وقبيح بفعل الفوضى الكاسحة التى شملت البلاد قبل الثورة وبعدها، والمدهش أن هذه الفوضى اكتسبت لنفسها شرعية الأمر الواقع.. واللى مش عاجبه يضرب رأسه فى الحائط.. وأنا كمواطن مصرى أضرب رأسى فى الحائط... فكأن المهندس «محلب» لا يعرف أن الأرض الزراعية فقدت سبعمائة ألف فدان، كلها تحولت إلى مبان خرسانية، قطعت الأشجار واقتلعتها.. وتم تبوير حقول القمح والذرة والقطن وزرع بدلاً منها الخوازيق الخرسانية لبيوت عشوائية هى المسخ العمرانى عندما يتباهى بنفسه، وكأن المهندس إبراهيم محلب وأركان حربه من الوزراء والخبراء لم يعلموا بالعمارات والبيوت التى انهارت على رؤوس أصحابها بسبب مخالفات البناء وفساد المحليات، كأنه وأركان حربه فى حالة تجاهل تام لمفاهيم جمال المدن وهندسة مبانيها، رغم أن سيادته مهندس ويقدر الجمال.. يخرج علينا سيادته بمشروع قانون للتصالح فى مخالفات الإسكان.. فى بلاد غير مصر لو كان هذا من باب الهزل ليس إلّا فإنه يغضبهم ولا يضحكهم، فما بالكم إذا كان الأمر حقيقة واقعة تحدث فى مصر.
ودعونا أولاً نناقش مبدأ التصالح.. هو مقبول فى حالة خصومات الثأر، لأنها عادة تكون بين طرفين، وكل ما يتشابه مع هذه الحالة.. وحالة التصالح واجبة وحتمية بين زوج وزوجته وقع بينهما شقاق.. أما التصالح مع الفساد فهو الفساد نفسه، حتى لو كان هذا التصالح بقانون تحتضنه هذه الحكومة.. والسيد رئيس الوزراء يدرك تماماً أن مخالفات الإسكان لا تخص الحكومة فقط لا غير، وإنما تخص بالقدر الأكبر والأهم المجتمع.. الناس.. البشر.. المواطنين.. السكان.
هؤلاء يقع عليهم الضرر مباشرة، فهم سكان العقارات المهددة بالسقوط على رؤوسهم بسبب مخالفات البناء، سواء بالتحايل أو الرشوة أو البلطجة.. وهم أيضاً الذين يتم ابتلاؤهم بالقبح وفساد الذوق، وكلها أمور لا يصلح فيها التصالح.. وقانون التصالح هذا مهما كانت بنوده هو قانون وقح يعطى الإذن للفاسد أن يفسد ويدفع للحكومة ثمن فساده، ويمنح المخالف الحق فى أن يخالف ويدفع ثمن المخالفة.. وعائد هذا القانون على الدولة هو حصيلة الأموال التى ستدخل خزانة الدولة ليس إلّا.. صحيح أن الدولة فى حاجة إلى كل قرش صاغ ولكن ليس على حساب ثوابت تحمى كيان الدولة التى من واجبها أن تحمى الأراضى والمبانى من أى جور أو عدوان.
أذكر أنى فى سنوات العمر الأولى كانت إحدى أمنياتى أن أشاهد غابة وأمشى قليلاً بين أشجارها.. وفى أول مرة سافرت فيها إلى أوروبا سعيت إلى تحقيق هذه الأمنية، أخذنى الأصدقاء إلى غابة تحيط بمدينة «سالزبورج» النمساوية، وطبعاً كنت منبهراً، صحيح أننى نشأت على رؤية أشجار التوت والسنط والكافور التى كانت تنمو متفرقة على شواطئ الترع.. ولكن أن تكون وسط هذه الكثافة من الأشجار العالية فى تناسق أعطانى الإحساس باكتشاف الجديد، وفى براءة أهل الريف سألت: هيه الغابات دى ملك مين..؟ مين صاحبها..؟ وكان الرد.. إنها ملك لأشخاص، ولكن لا يحق لهم قطع أى شجرة إلا بعد موافقة إدارة الغابات.. وعلى كل من يقطع شجرة أن يزرع ثلاثاً بدلاً منها.. وهكذا تدار الأمم والبلاد.. فرض القانون وإعمال النظام وكل من يخالف القانون أو يتحايل عليه فاسد ويجب عقابه، ويجب أن يتعرض للأذى، لأن عمله الفاسد أدى إلى إلحاق الضرر بالآخرين وهدد أمن السكان مع جيرانهم.
ولأن أعمار القوانين طويلة بعض الشىء، فمن المؤكد أنه طوال سريان هذا القانون المعيب المزمع إصداره ستتحول مصر بكاملها إلى عشوائية كبيرة.. سيقول السيد رئيس الوزراء إن القانون قد شدد العقوبات وضاعف الغرامات، وإن هناك حالات لا يجوز التصالح فيها.. وأقول له: يا سيادة رئيس الوزراء ثغرات أى قانون تسبق القانون نفسه.. وحيل أهل الفساد لا تنتهى.. ونحن حتى الآن فى دولة تمكن الفساد من عظامها، والفاسد والمفسد يد واحدة.. وطالما أن التصالح سيتم بدفع الأموال فقد سهل القانون الأمر.. خالف وادفع.. وكل شىء له ثمن يسهل شراؤه.. وبهذا القانون نفتح الباب على مصراعيه أمام فوضى البناء على امتداد سنوات قادمة، وننشئ بدعة كريهة وهى عدم معاقبة الفاسد أو المخطئ لمجرد إجراء تسوية.. الخطأ فى حق المجتمع لا يقبل أى تسوية.. وتشويه المدن وخلخلة عمرانها لا يجوز التصالح فيه وليس للحكومة شأن به.. لأنه حق المجتمع أولاً كما أسلفنا.
حدثنى أحد وزراء الحكم المحلى السابقين والمحترمين قائلاً.. ذات يوم أخبرونى بعمارة سكنية تقام على الأرض الزراعية المتاخمة للطريق الدائرى فى محافظة الجيزة، وكانت كلها أرضاً زراعية.. فقررت إعمال القانون ونسف هذه العمارة بالديناميت.. إلا أن المواءمات السياسية والحسابات الحكومية حالت دون التنفيذ.. الآن اذهب وشاهد منشآت القبح والفوضى.. صحيح أن محافظ القاهرة الحالى فعلها وأزال بعض العمارات خلف المحكمة الدستورية، وهو إجراء وفق صحيح القانون ولكنى لا أعلم هل سيادته مازال عند إيمانه بإعمال القانون والتصدى لأهل الفساد.. أم أن الفساد أقوى منه، أم أن أكثر من مسؤول رمادى اللون، باهت الإرادة، أقنعه بالعدول.
ولأن جعبة الرماديين مثلها مثل جعبة الحاوى تماماً لا تخلو من الألعاب والحيل.. فسيخرج علينا من يزعم بأن هناك مخالفات لا تسبب أضراراً وإزالتها لن تحقق أى فائدة بينما الفائدة تكمن فى الحفاظ عليها.. وربما يكون هذا صحيحاً.. وهنا يكون الحل الأمثل بعيداً عن الإزالة، وأيضاً بعيداً عن المصالحة.. وإنما يكون الحل هو المصادرة لصالح إسكان الفقراء، سواء تم إيجار العقار المخالف أو بيعه، وذلك حتى لا يهنأ الفاسد بفساده، ونفس الشىء بالنسبة للأراضى الزراعية.. وأخشى ما أخشاه أن يجرنا مبدأ المصالحة فى هذا القانون إلى مصالحات أخرى فى قضايا ذات أهمية، ربما تفوق قضايا الإسكان.
وعلى الحكومة أن تعترف فى شجاعة.. أن هذا القانون فى حالة صدوره سيكون أحد القوانين التى تحمى الكبار فقط.. ولا يحمى البسطاء، فأغلبهم لا يملكون ولا يخالفون، بل هم غالباً مضارون، وأعتقد أن الأغنياء لديهم كفايتهم من القوانين التى تحميهم، وزيادتها قد تتخمهم أو تدفعهم إلى ابتلاعنا أحياءً باعتبارهم جزءاً من منظومة الفساد التى لم تهزم بعد.
الفساد الذى هدم القصور والفيلات فى القاهرة والإسكندرية وسائر المدن، الفساد الذى سمح بإقامة الأبراج القبيحة البعيدة عن المواصفات السليمة، انظر مثلاً إلى هذا الخازوق الضخم الكبير والمطل على نادى الجزيرة حتى يسمى البرج السكنى، ومنذ سنوات وهو على هذا «خرابة عالية»، كأنها تمثال للفساد نفسه، وغير ذلك كثير وكثير، ثم إن الفساد ليس فى حاجة إلى قانون.. الفساد يدير شؤونه بتفوق ومهارة، انظر أمامك يا سيادة رئيس الوزراء.. ولكن لا تنظر تحت أقدامك وتعمل على إصدار القوانين.

Monday, December 8, 2014

فرص التيار المدنى فى الانتخابات البرلمانية بقلم د. عماد جاد ٨/ ١٢/ ٢٠١٤


كثيرة هى الأسئلة التى تطرح اليوم حول قدرة التيار المدنى المصرى على حصد غالبية مقاعد مجلس النواب الجديد، السمة العامة للإجابات هى التشكيك فى قدرة هذا التيار على سد الفراغ الذى خلفه حل الحزب الوطنى وتفكك حزب الحرية والعدالة، ومن هنا يصاب البعض باضطراب شديد يجعله يطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية إلى حين ترتيب الساحة المدنية، وهو ما يصطدم بضرورة إجراء هذه الانتخابات لاستكمال بناء مؤسسات الدولة وتحديداً قبيل عقد المؤتمر الاقتصادى فى مارس القادم.
السؤال هنا هل بمقدور التيار المدنى ترتيب صفوفه وحصد غالبية مقاعد البرلمان القادم؟ الإجابة بإيجاز شديد: نعم، فهناك فرص سانحة للتيار المدنى لحصد غالبية مقاعد البرلمان القادم لسبب جوهرى هو صعوبة موقف تيار الإسلام السياسى وخسارته القاعدة العريضة من المصريين بعد تجربة البرلمان الأخير وسنة حكم مرسى وما بعدها.
كان أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يأخذون على التيار المدنى أنه منفصل تماماً عن الشارع، يقولون عنه إنه تيار فضائى أو تليفزيونى، بمعنى أنه متواجد فقط فى الفضائيات والتليفزيونات، ولا وجود له على أرض الواقع، كانوا يقولون ذلك من منطلق أنهم يمثلون النقيض للتيار المدنى، فهم يعيشون وسط الناس، يتواجدون مع مختلف الشرائح والطبقات، يشعرون بآلام المواطن المصرى البسيط ويعرفون احتياجاته، يقدمون له ما يحتاج من سلع وخدمات دون مقابل أو بمقابل زهيد. وفى أكثر من مناسبة كانوا أسرع من الدولة المصرية فى الوصول إلى المواطن البسيط وتلبية احتياجاته، وأذكر أن الجماعة سبقت الدولة فى الوصول إلى ضحايا ومشردى زلزال أكتوبر ١٩٩٢، وصلت إليهم بسرعة، قدمت لهم الخدمات العلاجية السريعة، ووفرت للمشردين احتياجاتهم العاجلة، ولم تجد الدولة ما تفعله فى مواجهة ذلك سوى محاولة عرقلة جهود الجماعة فى تقديم المساعدات العاجلة لضحايا ومشردى الزلزال.
حصدت الجماعة مقابل هذه الخدمات والمساعدات من خلال منحها والرفاق من تيار الإسلام السياسى ما يزيد على ٧٠٪ من مقاعد مجلس الشعب، وفاز مرشح الجماعة بمنصب الرئيس فى يونيو ٢٠١٢. وبدا منذ الوهلة الأولى أن الجماعة كتنظيم تفتقد المؤهلات والخبرات اللازمة لإدارة الدولة، وأن أعضاء الجماعة يفتقدون المهارات والكفاءات المطلوبة لممارسة مهام رجال الدولة، فقد ظهر جلياً أن الجماعة تضع مصلحة التنظيم قبل مصلحة الدولة، بل تطوع الدولة لخدمة مشروع الجماعة الأممى، وتضع مصالح الرفاق والفروع قبل مصلحة مصر، ولا مشكلة لديها فى استخدام قدرات الدولة المصرية لصالح التنظيم. وبدا واضحاً أيضاً أن ولاء أعضاء الجماعة هو لخدمة التنظيم ومشروعه الأممى لا خدمة الدولة المصرية التى بدت بالنسبة لهم ولاية من ولايات دولة الخلافة.
أدت هذه الرؤية وما ترتب عليها من سياسات وممارسات إلى تدهور الأوضاع فى البلاد على نحو شامل، كما أدى استهداف مؤسسات الدولة من قبل التنظيم إلى تحصين هذه المؤسسات فى وجه محاولات الاختراق، وإلى دفاع مؤسسات الدولة «العميقة» عن نفسها وعن البلاد من خلال رفض التعاون مع محمد مرسى، وهو ما قاد إلى صراع خفى بين محمد مرسى والتنظيم الدولى للجماعة من ناحية، ومؤسسات الدولة المصرية من ناحية ثانية، الطرف الأول سعى بكل قوة إلى اختراق هذه المؤسسات وتطويعها لمصلحة التنظيم الدولى والمشروع الأممى، والطرف الثانى سعى إلى تحصين الدولة المصرية وحمايتها. أدى هذا الصراع إلى تدهور شامل فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، زادت من معاناة المواطن المصرى البسيط الذى بدأ يخرج إلى الشارع مجددا للاحتجاج على تدهور الأوضاع فى البلاد، وهناك من خرج لرفض سياسات الأخونة والتمكين محاولاً الدفاع عن الدولة المصرية وهوية مصر كما عرفها.
هنا أظهرت الجماعة كما من الشر ومثله من الكراهية للمصريين لم يكن أحد يتوقعها، فمثلما لم يتوقع أحد هذا المستوى المتدنى من الكفاءة والغياب التام للقدرات اللازمة لإدارة الدولة، لم يكن أحد يتوقع كم هذه الكراهية التى يحملها أعضاء التنظيم للشعب المصرى، وهى الكراهية التى عبرت عن نفسها فى عمليات العنف العشوائى ضد المواطنين المصريين، عمليات القتل والقنص، السحل والتعذيب التى مارسها الإخوان بحق مواطنين مصريين من رجال شرطة وجيش وأقباط (جريمة قسم كرداسة، قتل نائب مأمور مطاى، قتل خمسة وعشرين شابا مصريا كانوا فى طريقهم لوحداتهم لإتمام إجراءات إنهاء الخدمة العسكرية) قتل على المشاع لأكبر عدد من المواطنين، محاولات التفجير العشوائية لخط المترو، وصولا إلى الاستقواء بالخارج ومحاولة استدعاء الطرف الأمريكى للتدخل العسكرى فى مصر.
لكل ذلك يبدو واضحاً أن فرص التيار المدنى فى حصد غالبية مقاعد البرلمان القادم كبيرة، ولكن على أحزاب التيار المدنى أن تعلم تماماً أن الأداء والإنجاز فى الفترة القادمة وبيان النضج السياسى سيكون معيار الحكم على مستقبلها، ففى الانتخابا القادمة ستحصل - غالبا - على الأغلبية لعدم وجود بدائل قوية، واستمرارها سيتوقف على الأداء والإنجاز والنضج السياسى المفتقد حتى اللحظة الراهنة.

Saturday, December 6, 2014

على ظهر كرّاس كل تلميذ وتلميذة بقلم د. وسيم السيسى ٦/ ١٢/ ٢٠١٤

بدعوة كريمة من أ. د. غازى زين عوض الله المدنى، رئيس مجلس صالون غازى الثقافى العربى الدولى، لتكريم بعض الشخصيات منهم صاحب هذه السطور على شرف، رئيس وزراء لبنان الأسبق، نجيب ميقاتى، كان حفلاً رائعاً ضم الكثير من مفكرى وفنانى مصر، وكان هذا الاحتفال بمناسبة اليوبيل الفضى لهذا الصالون الذى يشع نوراً وعلماً وثقافة. خرجت قبل انتهاء الحفل متجهاً للمطار لأبو ظبى بدعوة من الدكتور علاء جراد، رئيس المؤتمر الثالث للتعلم المؤسسى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ٢٠١٤، لإلقاء محاضرة بعنوان: الدروس المستفادة من التاريخ «بخصوص التعلم والتعليم».
حدثنا الدكتور مهاتير محمد عن التعليم الحكومى فى ماليزيا، كما حدثنا دكتور علاء جراد عن كيفية التغلب على صعوبات التعليم المؤسسى، وكان من الأجانب إليوت ماسى، مارى كارسون، ماريون ماثيو، كما حدثتنا أ. د. سوزان القلينى، رئيسة قسم الإعلام جامعة عين شمس، الدكتورة غادة عامر، الدكتور شريف أبوالنجا، الرئيس التنفيذى لمستشفى ٥٧٣٥٧، عن طريق التعليم الصحيح. حدثتهم كيف أن التاريخ وعاء للتجارب الإنسانية، وكيف نستفيد من التعلم والتعليم فى مصر القديمة بالنقاط الآتية: ١- الملاحظة والرصد: فقد أهدوا العالم التقويم الشمسى سنة ٤٢٤١ق.م. ٢- الأساليب العلمية كتشريح الجثة بعد الوفاة لمعرفة سبب الوفاة «حالة الشلل الرباعى بعد حادثة»، ٣-الترقى بالإنجاز وليس بالأقدمية. ٤- روح الفريق أى ؟؟؟؟؟ القومى وليست الأنا الفردية «حضارة النهر». ٥- الأرقام خير لغة «٣٦ وثيقة أصلية فى الرياضيات المصرية»، ٦- الإبداع.. أى الإتيان بالجديد: الأنتيمون - زراعة الأسنان - السمكة الكهربائية (EEL) الأقزام أمناء على خزائن المال. ٧- حكمتهم القاتلة: العلم غاية الإيمان بالله، والجهل غاية الكفر به.
يجب أن نعلم أولادنا وبناتنا:
١- عالمية التعليم.. اسمى واسمك نداء النجدة للمكروبين، قلبى وقلبك مرفأ الراحة للمتعبين.
٢- القيم المشتركة بين الأديان السماوية وغير السماوية، كالرحمة، الحب، العطاء، إنكار الذات، التسامح، السماحة TOLERANCE، الكرم، المواطنة، الولاء، الانتماء، الفداء... إلخ.
٣- إن من يقول لك: اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك حين يعتلى السلطة: اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك (أو حرقت لك البلد) (فولتير).
٤- كلمات توماس جيفرسون: أنا لا يعنينى لونك أو دينك، يعنينى أن تعطى هذا البلد أفضل ما عندك، وسوف يعطيك هذا البلد أفضل ما عنده.
٥- أن الله خلق الأوطان قبل الأديان، وحين ذهب أبوطالب لأبرهة الحبشى يطلب جماله (وطنه)، تعجب أبرهة وقال له: تطلب جمالك ولا تطلب الكعبة؟ كان الرد الممتلئ إيماناً: للبيت رب يحميه!
٦- إن الدين ثوابت والسياسة متغيرات، الدين مطلق والسياسة نسبية، الدين مقدس، والسياسة لعبة قذرة (تشرشل).
٧- احترام المرأة.. فهى صانعة النساء والرجال، ومعجزة الخالق فى الخلق، والمجتمعات الذكورية تضطهد المرأة، واضطهاد المرأة اضطهاد للطفل، واضطهاد الطفل، اضطهاد للمستقبل، مستقبل أى أمة.
وأخيراً اقترحت اقتراحاً أخذ المؤتمر به، ألا وهو أن يكون على ظهر كرّاس كل تلميذ، وتلميذة:
١- اقرأ قراءة الأحرار أى البحث عن الحقيقة، ولا تقرأ قراءة العبيد (أن تكون عبداً للموروث).
٢- اجعل أفكارك أو أفكار غيرك تمر على أنبوبة اختبار فى عقلك: How - When - Where - Why - What.
٣- قل فكرتك وواجه بها الدنيا.
٤- لا تخف أن تكون نفسك مهما كانت غرابة أفكارك.
٥- لا تكن مثل غيرك، وإلا لماذا جئت إلى هذا العالم وأنت نسخة من غيرك.
٦- احلم كثيراً، فما من واقع إلا وكان حلماً.
٧- سيراك الناس متمرداً ثم ثائراً ثم رائداً.
٨- اجعل الحب بوصلة حياتك.. لله وهو الإيمان، للناس وهو الخير، للأقربين وهو المودة والرحمة.
٩- الذين يقرءون لا ينهزمون ذلك لأن القراءة معرفة، والمعرفة قوة.
١٠- اعرف تاريخ بلدك أولاً وتذكر كلمات الشاعر الإغريقى: هزمناهم ليس حين غزوناهم بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم.

Wednesday, December 3, 2014

دستة نقاط عن براءة مبارك بقلم رامى جلال عامر ٣/ ١٢/ ٢٠١٤

على الرغم من أن اسم هذا العامود «ابتسم»، ولكن فلنجعله اليوم «ابتسم ابتسامة صفراء». يهتم العالم من حولنا بـ«براءة الاختراع» وننشغل نحن بـ«اختراع البراءة» وكأنها بدعة، وكأن كل محاكمة لابد أن تنتهى بالإدانة. براءة مبارك محزنة لكنها ليست مفاجأة، والمؤلم أننا فشلنا فى ألف يوم أن نجد قتلة ألف شهيد. والحديث ذو شجون لكن دستة ملاحظات قد تلخص الأمر.
١- الحزن على الشهداء لا يعنى توريط أى برىء فى عمليات قتلهم، فالأصل هو البحث عن القاتل وليس «تفصيل قاتل».
٢- إذا صدر أمر من الدولة بقتل الثوار لكانت حصيلة القتلى بعشرات الآلاف، ولكن من يقل إن جهاز الشرطة لم يتورط فى قتل البعض فهو مدلس (والفيديوهات موجودة)، وهى وقائع تتعلق بضعف كفاءة الجهاز وانفلات البعض أثناء الاشتباك.
٣- لماذا لم يتم فتح تحقيق مع ضباط وأفراد الشرطة المتورطين فى قتل المتظاهرين بعيداً عن أقسام الشرطة؟
٤- إن كان مبارك قد علم بعمليات القتل ولم يتخذ إجراءات حماية للثوار، وإن كان لم يعلم من الأساس، فهو فاقد للكفاءة فى كلتا الحالتين، ويستحق المساءلة بتلك التهمة.
٥- علينا الفترة القادمة أن نضغط على الدولة لمعرفة الأطراف التى قتلت الثوار وتقديمهم إلى المحاكمة، وليس الضغط من أجل إصدار أحكام ضد أبرياء من تلك التهمة، بغض النظر عن كونهم فاسدين أو متورطين فى تهم أخرى.
٦- حتى تجد الدولة القاتل الحقيقى سوف نعتبر أن من قتل الثوار هو سلاحف النينجا أو غزاة المريخ.
٧- حسنى مبارك موظف محدود الكفاءة ساهم فى استكمال مسيرة تخريب وتجريف هذا البلد، دمر ملفات السياسة والتعليم والصحة والاقتصاد وغيرها، الفساد والتجاوزات فى عهده سيؤرخ لها التاريخ. لكنه ببساطة لم يأمر بقتل الثوار!
٨- لا يوجد قانون مصرى يحاسب مبارك على أخطائه الحقيقية. ولا يمكن وضع قانون وتنفيذه بأثر رجعى.
٩- محاكمة مبارك كانت محاكمة جنائية على تهم جنائية، فلماذا يريد لها البعض أحكاماً سياسية؟ (هل وقتها سيكون القضاء عظيماً لأنه لا يحكم بالعدل تبعاً للأوراق)؟! الدول المحترمة لا تُدار بمبدأ «الجمهور عاوز كده».
١٠- من يطالبون بمحاكمة المواطن محمد حسنى مبارك أمام محكمة استثنائية غير طبيعية هم من يرفضون محاكمة باقى المواطنين أمام محاكمات عسكرية، (وهو ما نرفضه أيضاً).
١١- على مؤسسة القضاء أن تقدم لنا توضيحاً بخصوص صدور حكم على مبارك بالمؤبد (الحكم الذى ألغاه مرسى)، ثم تبرئته من التهم نفسها فى محاكمة أخرى. هل كان منهما حكم سياسى؟
١٢- «سيادة القانون» لا تتحقق إلا عبر ثلاث خطوات (نص مُحكم، تطبيق للنص، إشراف على التطبيق). أنقذوا ما يمكن إنقاذه.

Tuesday, December 2, 2014

من كوارث مبارك: الازدهار الإخوانى (١) بقلم د. محمد أبوالغار ٢/ ١٢/ ٢٠١٤

لقد أصبح مبارك حراً، لكن مصر المستقبل تدينه، وإليكم عريضة الدعوى: ٢٥ يناير أنقذت مصر من كوارث مبارك، ومن أهمها كارثة الإخوان التى قد لا نستطيع التخلص منها قبل سنوات طويلة إذا حالفنا التوفيق وتصرفنا بحكمة. كان عصر مبارك فترة خصبة لنمو الإخوان، عددياً واقتصادياً، وسيطروا فيه على التعليم، وصاغوا عقول الآلاف من المصريين، وغيّروا مناهج التعليم، وانتشر المعلمون منهم فى البلاد، وأنشأوا للأغنياء مدارسهم الإسلامية، وسيطروا على النقابات، ومبارك وفرقته نائمون فى العسل، وأقصى ما استطاعوا أن يفعلوه هو القبض على بعض القيادات لفترات مختلفة، وتركوا خلايا الإخوان ذات الكفاءة العالية تنشئ علاقات وثيقة مع معظم المراكز السياسية والحزبية فى أوروبا وأمريكا. بينما الرئيس لا يدرى أن جماعة فاشية قد سيطرت على البلاد بالكامل، وأن التعامل الأمنى وحده لن ينجح. المؤكد أن مبارك قد أدى أعظم الخدمات للجماعة منذ إنشائها.
وقد منع مبارك التنظيمات المدنية كلها من العمل فى الشارع، وسلم مصر للإخوان بدون منافسة، ليقول للعالم إما أنا أو الإخوان، بينما أقنع الإخوان العالم كله بأنهم الوحيدون القادرون على حكم مصر.
لقد أظهرت ٢٥ يناير الإخوان على حقيقتهم، أنهم جماعة فاشية ليس لها ولاء للوطن وللشعب، وإنما عندهم ولاء فقط للجماعة التى تريد أن تحول مصر بتاريخها العظيم إلى ولاية إسلامية، فلفظهم الشعب، ولكن نحن نرتكب بعضاً من أخطاء مبارك. الحل الأمنى وحده لا يكفى، والمصالحة مع الإخوان لن تجدى الآن. الحل السريع هو توحيد الشعب المصرى وقواه المدنية، مهما اختلفنا معها، خلف دولة مدنية، ولاؤها للشعب فقط، وتشجيع التنظيمات الشعبية على النمو لتقف أمام القوى المتطرفة.
هذا يعنى تغيير الخطاب الإعلامى الذى يدافع عن السيسى، بينما هو فى الحقيقة يستفز قوى كثيرة، وقد أدت براءة مبارك إلى التأثير على شعبية السيسى، ونفخت الروح فى الإخوان. هذا الإعلام المسىء، الذى تقوده بعض القنوات الخاصة، يخلق تعاطفا مع الإخوان، ويقوم بخلق أعداء للنظام من قيادات ٣٠ يونيو، وكانوا ومازالوا من أكبر الأعداء للإخوان. أنا لا أتفهم هذا التشويه المتعمد الذى وصل إلى الاتهام بالخيانة لبعض رموز ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.
هل نحن مصممون على خلق أعداء من الوطنيين المصريين دون سبب لمصالح شخصية بحتة عند البعض، وتصورات خاطئة عند البعض؟ الإخوان تنظيم أعداده كبيرة، وموجود داخل وخارج مصر، والسياسة التى نتبعها فى الإعلام والأمن تقوى الإخوان وتضعف مصر الوطنية الحقيقية.
يا أيها الحكام أفيقوا قبل أن يجرفنا طوفان الإخوان، بدلاً من أن نترك وجوهاً محترمة ونقية تشرح للناس مشاكل الإخوان وخطورة أن تفقد مصر هويتها، هم يقسمون الشعب ويقوون التعاطف مع الإخوان ويبعدون الشباب الوطنى عن الكتلة الوطنية. الواضح أن ريما رجعت لعادتها القديمة.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

Monday, December 1, 2014

فى الطريق إلى الديمقراطية بقلم د. عماد جاد ١/ ١٢/ ٢٠١٤


فى مسيرة الدول نحو الديمقراطية لا توجد وصفة واحدة، كما أن الطريق إلى هذا النوع من نظم الحكم لا يسير فى خط مستقيم، وكم كانت كثيرة المرات التى أوصلت فيها الديمقراطية مستبدين ومجرمين إلى كرسى السلطة (هتلر على سبيل المثال)، لكن المؤكد أن المسيرة طويلة وتتطلب مزيدا من الوقت لإتمام التحول الديمقراطى.
المؤكد أن عملية انتقال دولة من نظام سياسى استبدادى فاشىّ أو ثيوقراطى إلى نظام ديمقراطى، هى عملية معقدة، تشهد تحولات عديدة، نجاحات وانتكاسات، خطوات إلى الأمام، وأخرى إلى الخلف، تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، بصرف النظر عن طريقة التحول والأداة المستخدمة، التى قد تكون طريقة ثورية أو عملية تحول تدريجى، المهم هنا ألا تفقد الشعوب إيمانها بقدرتها على فرض إرادتها والوصول إلى النظام الديمقراطى الذى هو فى جوهره وببساطة شديدة يعنى حكم الشعب بنفسه ولنفسه، يعنى أن الحاكم موظف عام يصعد إلى كرسى السلطة بإرادة شعبية، ويستمر بها أيضا، ويمكن أن ينزل من على الكرسى إذا أراد الشعب ذلك، فالشعب فى النظم الديمقراطية هو صاحب السيادة، وهو الذى يعطى توكيلا لحزب أو أشخاص بالإدارة، فإن أساءوا استخدام التفويض الممنوح لهم، أمكن سحبه. طريق التحول الديمقراطى طويل ووعر وبه صعوبات كثيرة، عكس حال الطريق إلى تدشين نظام فاشى أو استبدادى، فالديمقراطية تعنى بناء دولة مؤسسات وقانون، تعنى إرساء أسس الشفافية والمحاسبة، تعنى إعلاء قيمة المواطنة والمساواة، وهى عملية تستغرق وقتا طويلا وتتطلب جهدا ضخما، هذا بينما لا يتطلب بناء نظام غير ديمقراطى، فاشى أو استبدادى، أكثر من قرار من حاكم أو نخبة تفرض سيطرتها وتخضع المؤسسات لإرادتها. والأصل فى إنشاء الدول، مع استثناءات محدودة تمثلت فى دولة المدينة اليونانية القديمة، هو نظام الحكم الثيوقراطى، أى الدينى الذى يستند إلى نظرية الحق الإلهى، وممثلى الإله على الأرض، أو الحكم السلطوى الاستبدادى. والديمقراطية بمعناها المتعارف عليه، والتى تعنى ببساطة حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، هى صيغة طرحها وطورها الفلاسفة وعلماء السياسة فى مسيرة بحثهم عن نظم حكم تنهض على أساس نظرية العقد الاجتماعى، التى تطورت على يد فلاسفة عظام، أبرزهم الإنجليزى جون لوك، والفرنسى جان جاك روسو.
دفعت الشعوب فى طريق تحولها إلى الديمقراطية أثمانا باهظة، فقليلة هى الدول التى بدأت طريق التحول الديمقراطى بشكل تدريجى طبيعى دون أن تشهد ثورات أو حروب أهلية، هذه الدول بدأت تعرف طريق الديمقراطية بعد أن حققت طفرات هائلة فى التنمية الاقتصادية، وحققت معدلات عالية للنمو، عندها بدأ الطلب على الديمقراطية (حالة كوريا الجنوبية مثلا، والحالة المتوقعة للصين قريبا)، لكن غالبية دول العالم بدأت طريق التحول الديمقراطى من خلال أحداث عنف ثورية، بل بعضها دخل فى طور من أطوار الحرب الأهلية. وإذا تحدثنا عن تجارب التحول الديمقراطى فى دول شرق ووسط أوروبا، والتى كانت ترزح تحت حكم نظم شمولية حتى عام ١٩٨٩، نجد أن التحول بدأ بسقوط سور برلين، ثم ثورات متتالية ضد نظم الحكم القائمة، بعضها قاوم واستخدم القوة مثل رومانيا فسقط آلاف الضحايا، وبعضها كان الثمن أقل بكثير مثل الحالة فى بولندا. وفى مجمل الأحوال لم يتحقق التحول الديمقراطى سريعا ولا تم فورا، بل استغرق فى حده الأدنى قرابة العشر سنوات، بعضها نجح فى إتمام عملية البناء الديمقراطى على نحو تدريجى، ودفع ثمنا باهظا اقتصاديا وأمنيا، وبعضها شهد تعثر عملية التحول وتعرضها لانتكاسات شهدت فى بعض مراحلها عودة بعض مكونات النظام الشمولى بمسميات جديدة تتناسب والطلب على الديمقراطية.
فى جميع الأحوال لم تكن عملية التحول من النظم الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية عملية سهلة أو قصيرة المدى، بل كانت عملية صعبة، دفعت فيها الشعوب أثمانا باهظة واستغرقت وقتا طويلا، وكان العامل الحاسم فيها هو إيمان الشعوب بقدرتها على فرض التغيير الذى تريد، إيمان الشعوب بقدرتها على هزيمة الشمولية والديكتاتورية، وعدم فقدانها الثقة فى قدراتها على تصحيح المسار والمسيرة، عدم اليأس مطلقا حتى لو قفز مستبد جديد إلى السلطة عبر خداع الشعب، أو مستغلاً حاجة قطاع واسع من المواطنين للمساعدات، أو موظفاً الدين فى جذب أصوات بسطاء المواطنين على النحو الذى شهدناه فى مصر عام ٢٠١٢، بوصول مرسى والجماعة إلى قصر الرئاسة.
المهم هنا هو الإيمان بالقدرة على تصحيح المسار وتصويب المسيرة، والاستعداد لدفع ثمن استرداد مسيرة التحول الديمقراطى التى سوف تستغرق فترة زمنية كافية لتحقيق معدلات تنمية مرتفعة، تنمية شاملة تتجاوز المؤشرات الاقتصادية إلى الاجتماعية (وفى القلب منها الثقافية) والسياسية أيضاً.