Translate

Friday, May 31, 2019

خالد منتصر - لماذا أسامة أنور عكاشة؟ - جريدة الوطن - 5/2019 /31

أسعدنى ملف «الوطن» عن الحاضر الغائب أسامة أنور عكاشة بمناسبة ذكراه، لأنه ليس ملف سرادقات ولا صفحات بكائيات على قبور، ولكنه ملف رسالة لها دلالة لكل من يتصدى لكتابة الدراما هذه الأيام، لكن لماذا أسامة أنور عكاشة سيظل يحظى بكل هذا الاحتفاء والنوستالجيا عبر السنين؟ هناك عدة أسباب، منها:
• الكبرياء العكاشى إن جاز التعبير، ليس الكبرياء الشخصى أو الكرامة الذاتية فقط، ولكن عكاشة كان يحافظ على كبرياء وكرامة كتّاب الدراما جميعاً، أسامة أنور عكاشة كان لا يسمح بشطب أو تغيير كلمة من الحوار إلا بعد العودة إليه، لم يكن يقبل بدور الترزى أو الشماشرجى أو حامل المباخر أو مضحك الملك، يتحول إلى بركان غضب إذا علم بأن مُخرجاً قد غيّر على مزاجه مشهداً أو جملة حوار، خاض مع الرقابة نفسها فى عز مجدها معارك دامية وصلت إلى أعلى الجهات وقتها، وهناك حادثة شهيرة عندما أشار إلى علاء مبارك نفسه فى إحدى الحلقات!
• النجومية: كان أسامة أول كاتب سيناريو دراما تليفزيونية يتحول إلى «براند» وسوبر ستار، كان اسمه يُكتب فى معظم أعماله قبل النجم بطل أو بطلة العمل، الجزء الأول من «الشهد والدموع» تم إنتاجه فى بلد عربى خارج قطاع الإنتاج، وبعد نجاحه الساحق طلب ماسبيرو بنفسه إنتاج الجزء الثانى فى مصر، كان لا يسعى وينافق لكى يصل، بل كانت شركات الإنتاج هى التى تسعى إليه وتنافقه.
• صوته من دماغه: كان أسامة خارج التدجين، له صوته الخاص ومؤسسته المستقلة، دفع ثمن معارضته وخروجه عن السرب كثيراً.
• الجدية والسعى إلى الكمال: أسامة حين يتصدى لكتابة مسلسل كان يحتشد ويسافر إلى الإسكندرية ويعتزل الناس ويظل مع أوراقه وأقلامه وشخصياته وأفكاره، كان يقسو على نفسه ولا يعرف الدلع، كان يعتبر نفسه فى مهمة عسكرية وأن الزمن حتماً سيخذله فكان يسابقه.
• مفكر فى ثوب سيناريست: دخل أسامة معارك فكرية على صفحات الجرائد وفى البرامج التليفزيونية خارج سياق مسلسلاته وأعماله، وكان من أوائل من تصدوا للتيار الدينى الفاشى، ومعظمنا يتذكر معركته الشهيرة حول الشخصيات الدينية ومنها عمرو بن العاص.
• الحنين المزمن إلى الرواية: ظل النفَس الروائى ساكناً كل أعمال أسامة، ولأنه بدأ بكتابة القصة فقد ظل الحلم يسكنه، ونجح فى كتابة عدد قليل من الروايات والقصص، وكان يعتبر أن الدراما لص سرق منه الحلم الروائى الساكن فى تلافيف الروح.
• غلاف الفلسفة: كل أعمال أسامة كانت مغلفة بحكمة فلسفية نتيجة دراسته، ولكنه كان يسربها لا إرادياً وبدون تعمد أو تقعير أو كلكعة.
• عاشق التاريخ: كان قارئاً نهماً للتاريخ، وخاصة ما بين السطور، وقد كانت ذروة التوهج فى نظرته التاريخية هى «أرابيسك» التى لخّص فيها رأيه فى طبقات التاريخ الجيولوجية لمصر المحروسة.
• عالم تشريح النفس: كما درس الفلسفة درس أيضاً علم النفس، فكانت شخصياته غير أحادية، كانت درامية بجد، ألوان طيف متداخلة، وصراعات متشابكة داخل الشخصية الواحدة، وكانت موهبته كامنة فى الاحتفاظ بخيط الشخصية طوال الحلقات وإيقاع انفعالاتها مهما دخلت فى علاقات متناقضة ومتضاربة.
• مصرى حتى النخاع: أعتقد أنه لا تنطبق على أحد مقولة «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً» مثل انطباقها على أسامة، الشخصيات عنده تنضح مصرية وتنطق بلهجتنا وتشم منها رائحة طين الوادى الخصيب.
يا أسامة.. حقاً فى الليلة الظلماء يُفتقد البدر.

Thursday, May 30, 2019

كتابٌ.. يبحثُ عن مؤلف! بقلم فاطمة ناعوت ٣٠/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


«السلام عليكم/ الاستاذه فاطمه ناعوت. انا (…...) من دولة (...) الشقيقة. اتمنا ان تصل لكى رسالتى وانتى بخير وصحه. اننى افكل بعمل سلسله كتب عن ١٢ شخصيه عربيه مشهوره. اتمنا التعاون معكى فى هذا الموضوع. اذا كنتى على استعداد ارجو الرد باسرع وقت وسوف اشرح لكى كل التفاصيل. ولكى منى جزيل الشكر».
وصلتنى هذه الرسالةُ على الإيميل. ابتسمتُ دهشةً من مفارقة أن كاتبًا بصدد تأليف كتابٍ، بل سلسلة كتب، يكتب رسالة كتلك! وتصورتُ أنه يودُّ أن أنقِّحَ له ما سيكتب؛ لتحريره من أخطاء الإملاء وتحسين الصوغ. فلم أعبأ بالردِّ على الرسالة، ونسيتُ الأمر.
بعد أسبوع تبددتْ دهشتى، وحلَّ محلَّها غضبٌ عارم؛ حين هاتفنى ذلك «الكاتب» العربيّ صاحبُ الرسالة. فى بداية المكالمة، بادرنى بالمديح والثناء على رشاقة قلمى وجمال أسلوبى اللذين من أجلهما اختارنى ضمن نخبة من كبار كتّاب الوطن العربى، لإتمام ذلك المشروع. قدّم لى نفسه بوصفه كاتبًا وصحفيًّا. ثم شرح لى المطلوبَ: عليَّ أن أختار شخصيةً أو أكثر من مشاهير العرب. ثم (أُؤلِّفُ) كتابًا عن تلك الشخصية. ثم أرسل مخطوطةَ الكتاب إلى ذلك السيد، مع تحديد المبلغ المالى الذى أرغب فيه، مقابلَ التأليف. هنا ظننتُ أن المتحدثَ ناشرٌ بصدد إصدار سلسلة كتبٍ عن شخصيات عربية راحلة بأقلام كُتّابٍ معاصرين. فكرةٌ لا بأس بها لو أُحسِنت صنعًا. لكنَّ الشكَّ بدأ يساورنى حين طلب منى السيدُ أن يظلَّ الأمرُ سرًّا بيننا، وأن أنساه تمامًا فور تسلُّمى المبلغ! أخبرنى أن الكتب ستخرج حاملةً اسمه هو، بوصفه المؤلف (!!!). ضحكتُ. واعتذرتُ عن عدم المشاركة فى المهزلة. فبدأ فى مساومتى ومضاعفة المبلغ حتى وصل إلى رقم خيالى. فرفعتُ صوتى بحسم لأوقفه قائلة: «المكالمة انتهت يا سيد! ونصيحة مخلصة ألا تكرر طلبك مع كُتّاب آخرين، لكيلا تسمع ما لا تحبّ». فطبّقتْ ضحكتُه الآفاقَ وهو يخبرنى أننى الوحيدة التى تأخرت فى الرد على إيميله؛ لهذا هاتفنى. وأنه حصل بالفعل على موافقات كُتّاب، وكبار، وأننى مغرورةٌ وغير ذكية، ولا أفهم الحياة! وانتهت المكالمة.
لم أصدّقه. فليس من كاتبٍ يحترم «فكرة الكتابة وشرفَها» يوافقُ أن يُهينَ قلمَه، ويشجّع لصوص الفكر. لكننى صدّقتُ أنّ حُلمَ الكتابة يراودُ الناس. الأطفالُ يرسمون ويُغنّون ويعزفون ويرقصون. ثم تتباينُ أحلامُهم وفق مواهبهم واجتهاداتهم. يحلمُ الصبىُّ أن يغدو شاعرًا، فيقرأ آلاف القصائد، ثم ينساها، ليختبر وهجَ ما يحملُ قلبُه من جَذوة الشعر. لكنه، خلال رحلة حُلمه وقراءاته، يكون قد ضَبَط إيقاعَ اللغة فى أُذُنه، من حيث ميزانها النَّحوىّ والصَّرفى والعَروضىّ، ومعرفة أسرار اللغة وسحرها ومجازها. بعد كلِّ هذا الجهد والاشتغال، لا تضمنُ له الحياةُ أن يغدو شاعرًا إلا بقدر ما يحملُ من تفرّد وتميّز وقدرة على الإدهاش. نعم، حُلُمُ الكتابةِ لم ينجُ منه أحدٌ، تقريبًا. حتى الزعماء، بعضهم لم يكتفِ بسلطان الحكم، فحاول الكتابة كيفما اتفق. بعضُهم وضع اسمَه على روايات لم يكتبها. وبعضُهم كان راقيًا مثل جمال عبدالناصر، حين أعلن عن مسابقة بين الأدباء ليُكملوا عدة صفحات كان كتبها وهو طالبٌ، كمشروع رواية عنوانها: «فى سبيل الحرية». وفاز فى المسابقة كاتبان هما: عبدالرحمن فهمى، عبدالرحيم عجاج. كلٌّ أكمل العملَ وفق رؤاه، وصدرت الروايتان تحملان اسمى الكاتبين على الغلافين، مع تنويه صغير عن الرئيس.
الحلمُ حقٌّ مشروعٌ بل حتمىّ لكل إنسان. لكن الأحلام لا تسعى إلينا، بل تتأبى إلا على الساعين إليها بصدق. هذا السيد الذى قرّر استلاب عصارة إبداع الآخرين، ليضعَ اسمه على ما كتبوا لم يفكر أن يتعلم مبادئ الكتابة دون أخطاء إملاء، على الأقل، قبل أن يقرِّرَ أن يغدو كاتبًا له مؤلَفات!. وبفرض تحقُّقَ ما أراد، هل سيشعرُ بالفرح الذى يغمرُ الكاتبَ مع صدور كتاب جديد؟ وبأىّ اطمئنان سيواجه أصدقاءه حين يناقشونه فى مسألة بالكتاب، أو فكرة ملتبسة تحتاج توضيحًا؟ السؤالُ: هل يشترى المالُ كلَّ شىء، كلَّ شىء، ماديًّا كان أو معنويًّا، عارضًا كان أو مبدئيًّا؟ حقًّا، كم بسطوة المال تُرتَكبُ من جرائم!.
فى مسرحية الإيطالى «لويجى برانديلو»، «ستُّ شخصيات تبحثُ عن مؤلف»، تقتحم أسرةٌ مكونة من ستة أفراد خشبةَ المسرح؛ ثم يطالبون المخرجَ بأن يجد لهم مؤلفًا مسرحيًّا حتى «يكتبهم». تذكرتُ تلك المسرحية الجميلة الآن.
قبل إرسال مقالى هذا إلى الجريدة، وصلنى إيميل جديد، سأنقله لكم أيضًا دون تحرير:
«بعد ازنك يا استازة انا بكتب بعد المقالت ممكن ابعتلك حاجة اخد فيها ريك وتسعادينى انشر فى جرنان المصرى اليوم.»!
«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».

خالد منتصر - أنقذوا أطباء البورد المصرى - جريدة الوطن - 5/2019 /30

وصلتنى هذه الرسالة من أطباء الدفعة الثانية من البورد المصرى وأصحاب حملة هاشتاج بعنوان:
#ادعمونا
#ادعموا_الدفعة_الثانية_البورد_المصرى على مواقع التواصل الاجتماعى، ورداً على وزارة الصحة، وبالأخص على إدارة مكتب المنح والبعثات فى مبنى وزارة الصحة (تهدف الإدارة العامة للبعثات والمنح إلى دعم وتشجيع العاملين بالقطاع الصحى من أطباء - تمريض - فنيين وإداريين للحصول على الدراسات العليا وصولاً إلى الارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين...
والبورد المصرى هو برنامج تدريبى للأطباء يشمل خبرة عملية فى المستشفيات، بالإضافة إلى أنه يخضع أفراده لامتحانات مستمرة تؤهلهم لنيل شهادات علمية عند اجتيازه كباقى الدراسات العليا.
وقد انطلق برنامج البورد المصرى فى يناير ٢٠١٨ بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى).
توجَّه الأطباء لمكتب المنح والبعثات، لكى تتحمل الوزارة المصاريف الدراسية وصرف المستحقات المالية «المرتبات» من جهة العمل الأصلية، حيث إنه صدر قرار وزارى رقم «387» لسنة 2018 بمعاملة البورد مالياً معاملة الزمالة المصرية «مادة 4».
وفوجئ أطباء البورد برفض مكتب المنح والبعثات منحهم مستحقاتهم المالية (وهى الراتب، وتحمُّل جزء من المصروفات السنوية «٩٠% منها») طيلة خمس سنوات أثناء حصولهم على درجة البورد المصرى، وهذا الرفض لم يحدث لزملائهم من الدفعة الأولى، وأيضاً لزملائهم المقبولين من نفس الدفعة الثانية، لكنهم يتبعون هيئة التأمين الصحى وأمانة المعاهد التعليمية، حيث إنهم يصرفون مستحقاتهم المادية بشكل كامل.
وهذا ما أثار غضب أطباء البورد التابعين لوزارة الصحة، وتوجهوا بالشكاوى الجماعية لعدة جهات مسئولة كمجلس رئاسة الوزراء، مطالبين بالموافقة على أخذ مستحقاتهم كاملة، أسوة بزملائهم من الدفعة الأولى، وأيضاً زملائهم المقبولين من نفس الدفعة الثانية، لكنهم يتبعون هيئة التأمين الصحى وأمانة المعاهد التعليمية، وناشدوا عدداً من نواب مجلس الشعب للتدخل السريع، وعدداً من الأعضاء البرلمانيين المسئولين عن لجنة الصحة، وعدة صحف ومواقع إخبارية وصفحات كبيرة على الفيس بوك، وقد تفاعل الجميع مع مشكلة الدفعة الثانية للبورد المصرى، وتدخلوا مشكورين لحل هذه الأزمة وليأخذ كل ذى حق حقه، والجميع الآن يناشدون وزيرة الصحة رجاء سرعة حسم أمر أطباء الدفعة الثانية فى البورد المصرى، ليتسنى لهم استكمال إجراءات الاستلام، وليلحقوا بزملاء دفعتهم فى برنامجهم التدريبى فى الوقت المحدد لهم.

Tuesday, May 28, 2019

خالد منتصر - أنت طبيب ولست واعظاً - جريدة الوطن - 5/2019 /29

كتب أحد الأطباء على جروب خاص بأصحاب البالطو الأبيض من جميع التخصصات بوست استغاثة. الطبيب الشاب يطلب إجابة عن سؤال علمى عاجل بالنسبة لمريض دخل عليه الاستقبال مخموراً يكاد يغمى عليه، ماذا يفعل معه؟، وهل دخل فى تسمُّم؟، وكيف ينقذه؟، وما هى الأقراص أو الأمبولات التى يعطيها لهذا المريض؟، سؤال مشروع وطلب يُشكر عليه هذا الطبيب الشاب الذى يطلب نصيحة علمية من مراجع ومجلات واستشاريين وأصحاب خبرة ومهنيين أقسموا على احترام آدمية المريض، فوجئت بالتعليقات التى كان معظمها سلبياً بل صادماً ووضيعاً وسافلاً ومفرغاً من أى إنسانية وبالطبع مفرغاً من العلم ذاته، المفروض أن هؤلاء أطباء شباب، ما زالوا يتذكرون قسّم «أبوقراط» الذى حثَّ على حفظ السر وصون الحياة والتعامل مع المريض كإنسان طلب منك العون والغوث فى لحظة ضعف وألم، التعليقات من نوعية «كنت اضربه برصاصة واخلص منه»، «أقم عليه الحد»، «الطشه قلمين»، «إزاى يعمل كده فى العشر الأواخر ده ابن كذا كذا ولا تسأل عنه وسيبه يموت»..... إلى آخر التعليقات التى لا يقولها ولا يتفوه بها بلطجية عصابة لا أطباء محترمين يعملون على خدمة المرضى!!، أنا بالطبع لا أُعمم فمعظم الأطباء فى غاية الاحترام والإنسانية ويقدسون مهنتهم، ولكنى أرصد ظاهرة صادمة خاصة فى أوساط بعض شباب الأطباء والذين للأسف لو فتحت صفحاتهم ستجدها مزينة ومزدحمة ومزركشة بالآيات والدعوات والأذكار.. الخ!!!، الظاهرة خطيرة وهى تخلِّى الطبيب عن البالطو الأبيض وارتداء جبة وقفطان الواعظ، مسرور السياف، منفِّذ الحدود، يتحول الطبيب الدرويش إلى عضو فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، يلهب ظهر مرضاه بكرباج الوعظ، يظل يعانى وهو الطبيب الدارس من وسواس الهداية وإسهال التبشير وهستيريا الوصاية، الطبيب أمامه مريض إنسان يجب عليه إنقاذه، هذا المريض ليس لك الحق فى التدخل فى حياته أو معتقداته، أو محاسبته وأخذ موقف منه أو الانحياز ضده لأنه تبنَّى معتقدات مختلفة عن قناعاتك الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، مالَكش دعوة وماتحشرش مناخيرك أيها الطبيب فى اختياراته، نصائحك يجب أن تكون فى إطار الطب وتعديل خريطة جسده لإعادة التوازن وتحسين نوعية الحياة، لكى يعيش حياة أفضل ومدة أطول، كل هذه الإرشادات حتى لا يؤثر هذا على طريقة علاجك ويبنى سداً منيعاً أمام اختياراتك الطبية الأحسن والأفضل، الأخطر أن هذا الانحياز الأخلاقى والاضطهاد على أساس الاختلاف سيؤدى إلى خلل وتراجع فى البحث العلمى، فلو كان علماء الغرب قد حاسبوا مريض الإيدز على علاقاته الجنسية وتركوه يموت عقاباً له على فعلته الشنعاء، ما كان علاج الإيدز قد تطور وصار مفيداً لحالات تعيش الآن عشرات السنوات!، انقِذه أولاً ثم انصحه نصائحك الطبية من منطلق طبى لا دينى، لكن أن تكون طبيباً وبحجة حماية الدين والذود عن العقيدة تصبح غليظ الإحساس، جلفاً، قاسياً، والأدهى أنك تتخيل أنك بقسوتك ترضى الله!!!، فهذا رياء ونفاق وشر، هذا ليس التطبيب ولكنه الترهيب، هذه قمة اللاإنسانية والانحطاط، عالجوا أنفسكم من الانحيازات المسبقة والهوس الدينى، تعاملوا مع الأسرار الخاصة للمرض وليست الأسرار الخاصة للمريض.

خالد منتصر - أغلى حقنة فى العالم - جريدة الوطن - 5/2019 /28

يوم الجمعة الماضى وافقت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية على نزول أغلى دواء فى العالم إلى الأسواق من شركة نوفارتس واسمه «zolgensma»، وهو دواء جينى لعلاج مرض الضمور العضلى الشوكى الذى يصيب واحداً من كل عشرة آلاف، وسعره 2 مليون و125 ألف دولار!!، سيستخدم الدواء للأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين ويعانون من هذا المرض الوراثى الخطير الذى يسبب فقداً تدريجياً فى وظائف العضلات وصعوبة فى التنفس تنتهى بالموت، سبب المرض عطب جينى يؤدى إلى عطب فى الخلية العصبية للعضلة، الدواء يستخدم فيروساً لنقل النسخة البديلة للجين بالهندسة الوراثية، والجرعة مرة واحدة فقط عن طريق الحقن، ودافع مديرون تنفيذيون فى «نوفارتس» عن سعر العقار الجديد، وقالوا إن دواءً يعطى لمرة واحدة أكثر قيمة من أدوية باهظة الثمن وطويلة المدة تكلف مئات الآلاف من الدولارات سنوياً، وقالت الشركة إنها توفر لشركات التأمين الصحى خيار سداد سعر العقار على أقساط وكذلك استرداد المبلغ المدفوع إذا لم يجد العقار نفعاً، وخصومات على الدفعات المقدمة لمن يلتزمون ببنود التغطية القياسية، ويعول الرئيس التنفيذى لـ«نوفارتس» كثيراً على الدواء ويصفه بأنه يوشك على أن يكون علاجاً ناجعاً للضمور العضلى الشوكى إذا تلقاه الطفل فور الميلاد.
لكن هناك بيانات كشفت عن أن مدة فاعليته من الممكن أن تمتد إلى نحو خمسة أعوام فحسب، وأحد أكثر الآثار الجانبية شيوعاً للعقار هو ارتفاع مستوى إنزيمات الكبد والقىء، وتطالب إدارة الأغذية والعقاقير شركة نوفارتس بوضع تنبيه على العقار باحتمال حدوث إصابة خطيرة فى الكبد، ومع إجراء الشركة المزيد من الدراسات قالت إنها عالجت حتى الآن أكثر من 150 مريضاً بالعقار الجديد الذى امتلكته بعد استحواذها على شركة أفكسيس فى العام الماضى مقابل 8.7 مليار دولار، ومن المتوقع من خلال محللى «وول ستريت» أن تبلغ مبيعات عقار زولجنزما مليارى دولار بحلول عام 2022. وهناك منافس قوى لهذا الدواء قد ظهر 2016 وهو الـspinraza من Biogen، هذا الدواء يتطلب حقناً منتظماً فى النخاع الشوكى يتكلف 750000 دولار فى السنة الأولى ثم 375000 دولار سنوياً طوال العمر، وهناك شركة روش التى وعدت بتقديم دواء لعلاج هذا المرض عن طريق قرص كل يوم بالفم وسينزل إلى الأسواق بحلول 2020، إننى أتحدث عن معجزات كانت أشبه بأفلام الخيال العلمى صارت واقعاً، وكأننى أسمع الآن قارئاً يتهكم قائلاً «ما تتكلم عن حاجة تنفعنا مش عن مرض نادر، مين اللى حيشترى دوا باتنين مليون دولار»!!، المشكلة أننا دخلنا فى زمن مختلف وعصر مغاير وحقبة ستدهس كل من لا يمتلك أدوات العلم، العلاج الجينى بالقص واللصق والاستنساخ والذى يتكلف مليارات الدولارات وعشرات السنين من البحث والعرق والجهد، صار هو الأمل، وصار هو عنوان المرحلة الجديدة، ستختفى رفوف الصيدليات التقليدية وسيذهب المريض فى السنوات القادمة إلى مراكز الصيانة الطبية لتغيير الجين التالف ووضع الجين السليم!، الأدوية ستصبح أسعارها بالملايين قياساً إلى كم الجهد المبذول والمليارات المدفوعة، ولذلك اشتركت إسرائيل مع شركات العالم فى أبحاث الأدوية الجينية فى المرحلة الثالثة وهى التى تجرى على المرضى، وذلك سمح لها بالمشاركة والاستفادة على مستوى الأطباء والصيادلة والباحثين وعلى مستوى المرضى، أما نحن للأسف فسنخرج من السباق وسيهملنا العالم لأننا حتى هذه اللحظة نضع عراقيل كارثية أمام تنفيذ التجارب السريرية فى مراحلها الأخيرة بحجة أن جينات مرضانا ماتتكشفش على غريب!!، وكأننا فى زيارة لشيخ قبيلة بدوية ونريد رؤية وجه بناته!!، تسونامى العلم سيجرفنا إن لم نلحق بسفينة النجاة، لا نريد أن ينظر العالم إلينا كبقعة من العالم تعتبر العلماء عصابة متآمرين، وتتهم شركات الأدوية بأنهم سفاحون ومصاصو دماء، فلنترك هذا الكلام العبيط التافه ولنلحق بعربة قطار العلم والحضارة الأخيرة والتى لو فاتتنا سنعض بنان الندم بعد فوات الأوان، وفى السوفالدى ذكرى وعبرة لأولى الألباب، فلولا هذا التعاون مع شركة الدواء العالمية التى منحتنا إياه والتى نتهمها هى وغيرها بأنهم دراكولا، لولاها لظللنا حتى هذه اللحظة نعالج بشرب بول الإبل وفعص الحمامة على السرة!.

Monday, May 27, 2019

ملاحظاتٌ على أزمة برنامج «شيخ الحارة»! بقلم فاطمة ناعوت ٢٧/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


حين شاهدتُ ذلك المشهد، تصدّع قلبى بالوجع، ولم أصدّق ما أسمع. ولكننى لسببٍ ما تصوّرتُ أن الأمرَ سيمرُّ كما تمرُّ عديد المحن العنصرية فى بلادى.
الواقعة:
الفنان «ماجد المصرى» فى برنامج «شيخ الحارة»، يحكى للمذيعة «بسمة وهبة»، عن أحد المقالب التى دبّرها صديق عمره، حين أوهمه أن ثلاث فتيات جميلات مفتونات به يرغبن فى لقائه فى الثانية بعد منتصف الليل فى ميدان روكسى. ابتهج الفنانُ وكان على الوعد منتظرًا فى سيارته، حتى جاءت الفتيات واستقللن السيارة متوشحّات بما يخفى وجوههن. فسألهن «المصرى» أن يرفعن الأوشحة حتى يأنس بجمالهن. وما أن كشفن عن وجوههن، واكتشف أنهن أفريقيات، قام «بركلهن» وطردهن من السيارة.
انتهت الحكاية التى لم تُضحِك أحدًا من الشعب المصرى إلا المذيعة، وساردُها. وهنا لدينا بعض الملاحظات.
■ ■ ■
الملاحظات:
■ حين شاهدتُ ذلك المشهد، تصدّع قلبى بالوجع، ولم أصدّق ما أسمع. ولكننى لسببٍ ما تصوّرتُ أن الأمرَ سيمرُّ كما تمرُّ عديد المحن العنصرية فى بلادى، دون أن يغضبَ أحد. لكن ما حدث هو العكس.
■ اشتعلتْ مواقعُ التواصل الاجتماعى بالغضب من الفنان والمذيعة. ومنحنى هذا الثقةَ بأن جوهر المصريين مازال نقيًّا ومتحضِّرًا؛ يرفضُ التنمّرَ والعنصرية والسخرية من الآخر، حتى وإن كان الكثيرون من هذا الشعب يمارسون تلك العنصريةَ وذلك التنمّر فى حياتهم اليومية، ربما دون أن يشعروا بهول ما يصنعون. تمامًا مثلما لم يشعر الفنانُ بأنه يقول «هولاً»، ولم تشعرُ المذيعةُ بأنها تضحك على «هول».
■ الحلقةُ «مُسجَّلة». وليست على الهواء مباشرة. بما يعنى أن فرصةً عظيمةً أفلتها المخرج والمونتير وفريق العمل وصاحب القناة، والمذيعةُ ذاتُها، لحذف ذلك المقطع المشين من الحلقة. وهذا يعنى أن جميع العاملين فى البرنامج لم يروا فى العنصرية مشكلةً، ومرّروها فى الحلقة باعتبارها «طُرفةً» سوف تُضحكُ الجمهور وتُزيد من نسبة المشاهدة.
■ الفنانُ صاحب الواقعة يفخر بأنه حافظ القرآن الكريم، ونسى إحدى أجمل آياته الكريمات: «يا أيّها الذين آمنوا لا يسخرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرًا منهم». وقهقه متفاخرًا بأنه كان «يركل» الفتيات بقدميه لطردهن من السيارة، بمجرد رؤية وجوههن.
■ المذيعةُ التى بدأت مشوارَها الإعلامى فى تقديم برنامج دينى لتُعلّم النساءَ الفضيلة ومبادئ التُقى، شاركت الفنان قهقهاتِه على تلك الواقعة العنصرية المخجلة.
■ المذيعةُ التى يقوم نجاحُ برنامجها وذيوعُ صِيته على النبش فى الأسرار العائلية وهتك سَتْر الأبواب واقتحام الغرف المغلقة لفضح أسرار البيوت، لم يخطر ببالها أن تستوقف ضيفَها لتأخذ عليه نقطة فى الحلقة، كما هى طبيعة برنامجها «شيخ الحارة»؛ الذى يعتمد على النيْل من الضيف ووضعه فى موقف «المتهم»، حتى يبدأ فى التبرير والدفاع عن نفسه فيشتعلُ اللقاء؛ كما هى طبيعة برامج الـ Hard Talk Show.
■ كيف أضاعت «بسمة وهبه» فرصةً ثمينة من مواجهة «ماجد المصرى» بجريمته العنصريّة فى حق الأفارقة، كما تفعل دائمًا مع جميع ضيوفها فى «شيخ الحارة»، بل شاركته الضحك على واقعة مخجلة أغضبت الشعب المصريّ؟ الإجابة: أنها لم تنتبه إلى خطأه أصلا! وهذا يضع علامة تعجّب كبيرة، ويثير سؤالا صعبًا حول مقدار وعى تلك المذيعة وحجم ثقافتها ومفهومها المغلوط عن القيم والأخلاق والتحضّر والخطأ والصواب وما يجب وما لا يجب.
■ اعتذر الفنانُ عن سخريته من الأفارقة، مبرِّرًا ذلك بأنه أفريقى، فكيف يسخر من قومه؟! ولم تعتذر المذيعة!
■ اعتذاره الواهى ذكّرنى برواية «الوصمة البشرية» للأمريكى فيليب روث، التى ترجمتُها للعربية وصدرت عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» ثم عن «دار المدى». وفيها يتبرأ أستاذ الأدب الإنجليزى من جنسه الأفريقى الملوّن، لأن صدفةً چينية جعلت بشرته بيضاء. فيُخفى جذوره السمراء عن الجميع ويتزوج من فتاة بيضاء ويرتعب مع كل حمل لزوجته أن يلعب الجينوم البشرى لعبتَه فتُنجب له طفلا ملوّنًا وتنكشف الحقيقة. لدرجة أنه يُتّهم بتهمة عنصرية تدمّر حياته وتفصله من الجامعة، وليس بينه وبين النجاة من التهمة إلا الاعتراف بجذوره الملوّنة، لكنه لا يفعل ويُفضِّلُ الضياعَ والانتحارَ على الاعتراف بتلك «الوصمة البشرية». لكن الفارق بين الواقع الأمريكى والواقع المصرى أن بطل الرواية تمّت محاكمته وفصله من الجامعة، بينما فى الواقع المصرى لن يُقاضى الفنان ولا المذيعة، لأن أحدًا لم يتقدم ببلاغ ضدهما. فى حين كان الشعب المصرى والرأى العام المحترم هو القاضى العدل.
■ فى مقال قديم لى بعنوان: «جميعُنا قتلة، لا أستثنى أحدًا»، ناقشتُ ظاهرة قيامنا بالقتل العمدى مع سبق الإصرار والترصّد، عن طريق السخرية من الآخرين دون قصد. كما فعلنا مع الممثلة «حنان الطويل» التى دفعتها سخريةُ الناس إلى الانتحار. وكما فعلنا مؤخرًا مع الفنان الجميل «محمد ممدوح» الذى تغافل بعضُ الناس عن موهبته الاستثنائية فى التمثيل، وسخروا من أسلوب نطقه للحروف.
■ نحتاجُ أن نزن الكلمةَ قبل نطقها لأن «الحرف يقتل». أنا أفريقية وأفتخر.
«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».

Sunday, May 26, 2019

«الدين.. العقل.. والثقافة» بقلم الأنبا موسى ٢٦/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

من المهم أن يكون الإنسان مثقفًا!، فالثقافة الإنسانية جزء هام فى تكوين الشخصية المتكاملة. ومن غير المقبول أن يكون الإنسان روحانيًا فقط، يفقد اتصاله بالعالم، والمجتمع، والفكر الإنسانى! هذا تغييب للعقل، وتعطيل لقدرته على الشهادة لإلهنا العظيم.
إن الإنسان ليس روحًا تصلى فقط، ولكنه أيضًا عقل يفكر، ويدرك، ويقرأ، ويدرس، ويبحث عن الله فى كل مكان. الإنسان يفرز، ويفتش، ويستعمق التراث الإنسانى القديم، والفكر المعاصر الحديث، والنشاط البشرى اليومى، ليتلامس مع الحق، ومع الله، وهكذا يرفض الزيف والشر والباطل.
أ- الثقافة وتمجيد الله: إن كانت الطيور والتماسيح والأشجار تمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه، فكم بالحرى الإنسان، وذهن الإنسان! لذلك فالقراءة المجتهدة فى العلوم المختلفة، تدخل بنا إلى أبعاد جديدة وثرية فى الإنسان. ولذلك أيضًا يجدر بالشاب المتدين أن يتعرف على الكثير من العلوم، والدراسات، والبحوث، فى ميادين كثيرة ومتعددة. ومن خلالها يتعرف على ثراء الإنسان الداخلى، أعظم مخلوقات الله. كما يتعرف على ما فعلته الخطيئة فى الإنسان، حينما أسقطت الإنسان من عرشه، وأفقدته اتزانه الإيمانى، ونقاءه الروحى، وأفسدت كيانه الداخلى، فانحرف العقل، وتلوثت الروح، واضطربت النفس، وسقط الجسد صريع الحروب، والكوارث، والميكروبات، ووحوش الأرض.
ب- علم النفس: يحسن بالإنسان أن يقرأ فى هذا العلم، بفروعه المتنوعة، فيغوص فى أعماق النفس الإنسانية، ويتعرف على الدوافع، والحاجات النفسية، والأفعال المنعكسة، وكيفية نشوء العقد النفسية، وما نكتسبه من عواطف نحو الأشخاص والأشياء والقيم، أو العادات التى تتكون لدينا يومًا فيومًا، ويكون لها أثرها البناء أو الضار. وكذلك الاتجاهات التى نكتسبها أثناء مسيرتنا فى الحياة، والتفاعل مع البيئة، من الأسرة إلى المدرسة، ومكان العبادة، والمجتمع والإعلام.
ج- علوم الاجتماع والتربية: فالإنسان كائن اجتماعى، والدراسات الاجتماعية تفسر لنا أبعاد السلوك الإنسانى سواء: الفردى، والأسرى، والقبلى، والوطنى. وكذلك نحتاج إلى الدراسات، فالإنسان يحمل منذ طفولته بذور رجولته وشخصيته، والفهم التربوى السليم، الذى يعطينا إدراكًا للمراحل التى تعبر بها النفس الإنسانية من المهد إلى نهاية العمر. ومن خلال هذه الدراسات، نتعرف على مراحل نضوج الشخصية: من الثقة إلى الاستقلال إلى الإنجاز فالإيمان، وتحقيق الذات، والصداقة الوثيقة، والخصوبة، والتماسك...
د- الفلسفة: تحتاج إلى بعض السياحة فى العقل الإنسانى، ليتعرف على: ذاته ومصدره وغايته، وعلى الماورائيات (Metaphysicals)، مثل: ماذا وراء المادة، والطبيعة، والزمن، والموت.. وفى هذه السياحة قد يصعد الإنسان ويهبط، وقد يحسن الرؤيا ويفشل، ولهذا يبقى الوحى الإلهى والنور السماوى، مصدرًا أساسيًا للمعرفة الروحية، وسبر أغوار الكون، والوصول إلى المعرفة الحقيقية، بالله تعالى، والحياة الأبدية.
ه‍- الأدب والفن: أعداد لا تحصى من العلوم والإبداعات، التى تعبر عن وجدان الإنسان: نحو الله، ونحو السماء، ونحو المعرفة، ونحو أخيه الإنسان. تعبيرات متنوعة يستحيل الاستغناء عنها! كالشعر، والفنون، والتسبيح، والرسم، والموسيقى.. الخ.
و- حركة الحياة: فالإنسان المؤمن يجب أن يقرأ الثقافات المعاصرة، ويتعرف على تاريخ البشرية، ويعى دروس الماضى، ويتطلع إلى ما هو أفضل، ويفحص تيارات الفكر وقضايا الساعة، ويتعرف بالنعمة والحكمة الإلهية، على الرأى الدينى البنّاء، فى أمور الحياة المتنوعة.
القارئ العزيز: نحتاج أن نقرأ كثيرًا، فالقراءة إثراء للذهن والروح، وارتفاع فوق الحس والمادة. وتبقى الكتب المقدسة فى النهاية، المصدر الحقيقى للنور الإلهى المضمون، الذى يضمن لنا سلامة الرؤيا، وإمكانية الوصول إلى الله، والحياة فيه إلى الأبد.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

كمال الملاخ يكتشف مراكب الشمس ماهر حسن ٢٦/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

كان كمال الملاخ صحفيا وباحثا وناقدا فنيا ومما يسجله له التاريخ اكتشافه لمراكب الشمس «زى النهارده» فى ٢٦ مايو ١٩٥٤ حين كان يشرف على عمليات الترميم فى منطقة الأهرام وهو مولود فى ٢٦ أكتوبر ١٩١٨ فى أسيوط، وهناك رواية تقول إنه ولد عام١٩٢٠ واسمه كاملا (كمال ولـيم يونان الملاخ)، حصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم عمارة عام ١٩٤٣ من جامعة القاهرة، ثم التحق ‏بمعهد الدراسات العليا للآثار بكلية الآداب جامعة القاهرة، وحصل على ماجستير معهد الدراسات ‏المصرية، تخرج فى كلية الفنون الجميلة، قسم العمارة، ثم حصل على الماجستير فى قصة اللغة المصرية القديمة وآثارها فى كلية الآداب، جامعة القاهرة عام ١٩٤٨، بدأ حياته العملية مهندسًا معماريًا ثم انتقل للتدريس بكلية الفنون الجميلة ومعهد السينما والجامعة الأمريكية بالقاهرة، فيما بدأ حياته الصحفية رسامًا ثم ناقدًا فنيًا بجريدة الأهرام عام ١٩٥٠ وكان عضوا بالجمعية الجغرافية العالمية فى الولايات المتحدة التى اختارته عضواً فخرياً بها مدى الحياة، كما كان عضوا بالمجلس الأعلى لهيئة الآثار، كما عمل أستاذاً زائراً فى كلية الآثار جامعة القاهرة، وكلية الفنون الجميلة والمعهد العالى للسينما وأسس جمعية نقاد وكتاب السينما وأسس ورأس مهرجانى القاهرة والإسكندرية السينمائيين وقد اختارته وزارة الثقافة لتمثيل مصر فى افتتاح معرض توت عنخ آمون فى لندن.

خالد منتصر - رسالة إلى وزير الداخلية.. قرية دمياطية من خلية النحل إلى وكر المخدرات - جريدة الوطن - 5/2019 /26

قرية «الشعراء»، قرية تقع قرب مدينة دمياط، لذلك هى تحمل هجيناً اجتماعياً واقتصادياً ما بين شكل القرية والمدينة، كنت أذهب إليها وأنا طفل صغير فى إجازاتى الصيفية للاستمتاع بجمالها وهدوئها ومساحاتها الخضراء وبشاشة أهلها، هى مكان ولادة أبى وأمى، لكننى اعتبرتها مكان ولادة أحلامى ومصنع إنتاج خيالى، سافرت عبر بلاد العالم وظلت تلك القرية أجمل بقعة فى الكون وأقربها إلى قلبى، بمخزون الحب والشوق وعطر الطفولة، كان تآكل اللون الأخضر فيها إيذاناً بزحف الدخان الأزرق، دخان المخدرات، بعد أن كانت أكبر مكان لصناعة الموبيليا فى الجمهورية، صارت أكبر بؤرة مخدرات فيها، بعد أن كانت خلية نحل، صارت غرزة كبيرة، أقولها وأنا حزين وغاضب ومتألم، كانت أكبر مصدر للاتحاد السوفيتى، وصارت الآن أكبر مصدر للباطنية، بعد أن كان مستقبل الشاب وبيته الأول هو الورشة، صار مستقبله إن استطاع اللحاق والإنقاذ مركز التعافى من الإدمان، ولو صرخ معترضاً سيكون مصيره أسود، وهذا حدث أمس الأول حين اعترض مواطن صاحب حضانة أطفال على افتتاح غرزة أمام بيته، تضخّمت الغرزة وكل يوم ينضم إليها عشرات الشباب الجُدد من المراهقين، يقدم إليهم أفخر أنواع المخدرات، يتركون الورشة والبيت والأسرة ليرتموا فى حضن تاجر الصنف، كان مصير صاحب حضانة الأطفال المربى الفاضل ضربه على دماغه من أصحاب الغرزة، حتى فقد الوعى، ونُقل إلى المستشفى بين الحياة والموت، العجيب والغريب هو الصمت والخوف، صارت القرية قرية السكوت والتواطؤ، الجميع يتداول أخباراً كالحقائق المقدسة عن أن الشرطة لا تستطيع اقتحام القرية والقبض على هؤلاء التجار، هل صارت الشعراء دولة داخل الدولة؟، رسالة إلى وزير الداخلية، وأعرف أنه لا يرضى، ولن يرضى عن تلك المهزلة الكارثية، أرجوك أنقذ شباب تلك القرية، أنقذ شباب دمياط وأهلها من تسونامى المخدرات، الذى صارت بؤرته قرية كانت الأجمل والأروع والأكثر طيبة وبهاء وبهجة، وصارت الآن الأكثر غيبوبة وتخديراً وبلطجة.

Saturday, May 25, 2019

الكرة الدموية! بقلم د. وسيم السيسى ٢٥/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

قالوا إنها الكرة الأرضية، ثم قالوا إنها الكرة المائية، ذلك لأن المياه تغطى ٧٠ بالمائة من مساحتها، ولكنى أراها: الكرة الدموية! ذلك لأن الدماء تغطى تاريخها، جغرافيتها، بل مساحتها كلها.
هو ذا هابيل وقابيل أو همام وقدرى «أولاد حارتنا» أول جريمة فى التاريخ.
أشرق فجر الضمير «مصر» على العالم حتى يكبح جماح دموية الإنسان بقوانين سمائية «جنة ونار»، وقوانين أرضية أهمها: إذا أعلن الملك الحرب، فيجب أن يكون فى مقدمة الصفوف، وعلى الجنود حمل أبناء الأسرى عند العودة!!
بدأ الغزو الفارسى ثم اليونانى ثم الرومانى ثم العربى ثم الفاطمى ثم الأيوبى.. إلخ، كانت الدماء أنهارًا، هيباتيا، الغنوصيون «العارفون»، برونو كوبر نيكس، جاليليو، توماس مورو، الخلفاء الراشدون جميعًا «مات أبوبكر وطبيبه بالسم فى ساعة واحدة»، القرامطة، أبو طاهر الجنابى ٩٣٠ ميلادية هاجم الحجاج فى مكة، قتل الآلاف، وقال: «أنا بالله وبالله أنا، يخلق الخلق، وأفنيهم أنا» ثم جاء حسن الصباح، فرقة الحشاشين، فرقة الاغتيالات السياسية، وكان أشهر ضحاياه الوزير نظام الملك، حتى قضى عليهم هولاكو، وأجهز على هذه الجماعة الدموية الظاهر بيبرس ١٢٧٣م.
ناهيك عن الحروب الصليبية أو القضاء على شعب بأكمله «الهنود الحمر مائة مليون وعشرة!!» أو السود فى أمريكا «roots» أو الحرب العالمية الأولى «استشهد من مصر ٦٠٠ ألف مصرى، أو الحرب العالمية الثانية: خمسون مليونًا قتلى من العالم! ما هذا العالم بل ما هذا الإنسان الدموى؟!
جورج برناردشو فى كتابه: الإنسان الأعلى أو the superman يقول إن الإنسان البدائى أو إنسان الغابة ما زال كما هو لولا القوانين أو العقوبات التى تردعه نار فى الآخرة، وسجن أو إعدام فى الدنيا، ولولا هذه العقوبات، لوجدنا الرجال يغتصبون النساء فى عرض الطريق، ولكن الإنسان الأعلى أو السوبر مان قادم.
أنا أرى أنه قادم بالعلم! بـ«عرفة» فى «أولاد حارتنا» بالهندسة الوراثية، الجينات أو الـgenotherapy.
استئصال جينات الشر والعدوان والاستغلال وزرع جينات الحب والسلام.
العلم سوف يوفر لنا طاقة لا نهائية نظيفة اسمها طاقة الاتحاد، اتحاد أربع ذرات من الأيدروجين لعمل ذرة من الهيليوم، والفارق طاقة لا نهائية كما يحدث فى الشمس! كذلك من الماء، كذلك من الكائنات المضيئة «لوسفرين».
سيوفر لنا العلم الغذاء من الشمس بعد أن يكسب الهيموجلوبين البشرى صفة الكلوروفيل، فنكون مواد نشوية إذا تعرضنا للشمس! عن طريق الماء، ثانى أكسيد الكربون وهما فينا!
سيقضى العلم على كل رذيلة، وأهمها الكذب! لا تستطيع أن تكذب، أفكارك، وصور جريمتك على الشاشة أمام المحقق!
لن تتقدم لخطبة فتاة إلا بخريطة جيناتك.. مثلًا: فى الخمسين سكر، وفى السبعين ضغط، وفى التسعين سرطان، وفى المائة وفاة!
لن تقدم للمحاكمة إلا بخريطة جيناتك، هل هى إجرامية، تعزل عن المجتمع وتعالج، أم هناك حرية اختيار؟! إذن العقوبة والسجن.
ستكون هناك متاحف لإنسان الغابة، والإنسان الحالى بأدوات الدمار التى اخترعها عقله المدمر!
ستكون كرتنا الدموية كرة مضيئة بالغابات المضيئة «موجودة الآن» خالية من الدماء.
سوف يكون باسبورك: أرضى أو قمرى أو زهروى، أو مريخى أو زحلاوى أو عطاردى، لأننا سنكون ضمن: جامعة الكواكب الشمسية أو السوق الكوكبية المشتركة.
سوف يكون دستور كل كوكب هو قانون الأخلاق الذى كان فى مصر القديمة، والذى قال عنه والاس بادج: نحن فى حاجة إلى مئات السنين حتى نصل إلى هذا المستوى الرفيع من الحضارة الإنسانية.


خالد منتصر - طائر يشبه السمكة - جريدة الوطن - 5/2019 /25

هذا عنوان مجموعة قصصية للكاتب العراقى محمد حياوى، صادرة عن دار نشر شهريار بالبصرة، تقع المجموعة فى 92 صفحة من القطع المتوسط وتضم 49 قصة قصيرة جداً، وبعض القصص متطرف فى اختزاله وتكثيفه، وأعتقد أنها من التجارب النادرة فى أدبنا العربى بهذا الكم المتنوع من الاختصار المكثف الممتع، وكأنك أخذت ثمالة عصارة الروح ونواة الخلية التى تحمل كل الأسرار، لا أريد أن أطيل عليكم تاركاً المساحة لبعض القصص ومهمتكم ومتعتكم الاطلاع على باقى المجموعة.
القصة الأولى: سيلْفِى مع أَنجلِينا جوْلِى
أَيْقَظَت الْأُمّ ابْنَتها المُرَاهِقة المَهْوُوسَة فى الأَفْلام بَعْدَ أن تَناهى إِلى سَمْعها صَوْت أَنجلِينا جوْلِى ونَشِيجهَا وسط أطْلال أَيْمُن الموْصِل، «انهْضِى يا اِبْنَتى. إنّها أَنجلِينا جوْلِى تجوب الخرائِب فَوْقَنَا. إنَّها فُرْصتكِ لتحْقِيق حُلْمكِ بالتَّصْوِير معها». مسَحَت الفَتاة عَيْنيهَا وعَدَّلَت شعْرها وراحَت تتَسلَّق الأَنْقاض. صادفَها كَثِير من الجثث فى طَريقها إِلى الأعلى. وهُناك، وجدَت أَنجلِينا جوْلِى تَجْلِس باكيَة، وما أَن رأتها مُقْبِلة، حتَّى ابْتَسمَت لهَا وفرَّدت ذِراعيها لتَحضنها، فأخْرَجَت هاتِفها والتقطَت سيلفِى مَعَهَا وعادَت مُسْرِعَة إِلى الأَسْفَل لِتُرِىَ أُمّها الصُّورة، لكنَّها اِنْدهشَت حين لَمْ ترَ وجْههَا بجانِب وجْه أَنجلِينا المُبْتَسِم وسط دُموعها. لقد نَسِيَت أَنَّها مَيْتة مُنْذُ أَشْهر تحتَ الأَنْقاض.
القصة الثانية: مقارعة
بِالنِّسبَة للعَجُوز المُصَاب بسرَطان الدِّمَاغ يَنْتظرُ المَوْت، كانَتْ اِبْتِسامَة المُمْرضَة الشَّابَّة، حِينَ تُطِلُّ عليه صَباحاً بوجْهِها الدَّائِرِىّ الصَّغِير وعيْنيْها الخَضْراوَيْن، جُرْعَة يَوْميَّة كافِيَة لمقارعة المَوْت المُتَربّصُ به. وذَات يَوْم، اِنْشَغلتْ المُمَرّضَة بِمُكالمَةٍ طَوِيلةٍ مع حَبيبها، فَطلبَتْ من زميلٍ لَهَا تَفقد العَجُوز. لَمْ تدرك أَهَمّيّة اِبْتِسامَتها بالنِّسْبَة لِإِصْرارهِ على الحيَاةِ، فَمَات كَئيباً ذَلِكَ الصَّبَاح.
القصة الثالثة: طَائِرٌ
لَمْ يَكنْ يتَوَقَّع أَنَّ المَاء بَارِد إِلى هَذا الحَدّ حِينَ نزلَ إِلى النَّهْر، كانَتْ سَاقَه المَبْتُورَة تَتْرُك خَيْطاً من الدم خَلْفه، وعندما نَظَر إِلى الضِّفَّة الأُخْرى، لَمْ يلَمح رفَاقه هُنَاك. فى طِين الشاطئ وقَفَ ذَلِكَ الطَّائِرُ على خَشَبَةٍ يهزها المْوَج الخَفيف. كانَ شَكْلهُ غَريباً ويَتَطلَّعُ إِليه بِغمُوض، وعِنْدَما ابْتعَد قليلاً، شَعَر بالوَهْن، ولَاحَ الرِّجال المُلَثَّمون ينزلون الجُرْف باتِّجاهه، كمَا لوْ كانُوا ذئاباً تتشمّم رائِحَة الدَّم، ثمَّ أخذوا يُطْلِقون الرَّصَاص الَّذى بدا مِثْل جَمرَات حَارِقة تَنطفِئ فى الماء. كانَتْ الضِّفَّة الأُخْرى لا تزَال بَعيدةً، وسَاقهُ النَّازِفَة أَفْرَغَتْ الدَّمَ تَمَاماً من جسَدِه، وحين غَطس متجنباً الرَّصَاص، لمحَ ذَلِك الطَّائِر الغَريب يَسبحُ تَحْتَ المَاء. لَمْ يَكُنْ طَائِراً! أو هوَ طَائِرٌ يَشْبَهُ السَّمَكَةَ ربَّمَا، يَقُودهُ إِلى الظُّلَّام فى المِيَاه البَارِدَة.

Friday, May 24, 2019

خالد منتصر - «ماسبيرو زمان» طوق النجاة - جريدة الوطن - 5/2019 /24

قابلت كثيراً من الأصدقاء، وتابعت كثيراً من بوستات وتويتات السوشيال ميديا، فوجدت إقبالاً وإعجاباً بما يُعرض على قناة «ماسبيرو زمان» فى رمضان، وأعتقد أنها ليست النوستالجيا فقط هى ما جذب الجمهور، ولكن هناك المضمون والشكل والأسلوب الذى افتقدوه. دخول ماسبيرو زمان فى قائمة المفضّلات فى شاشات البيوت المصرية ومنافستها للقنوات الأخرى ليس جرعة حنين إلى الماضى، بل جرعة حنين للإجادة و«البيرفيكشن» والجهد والصدق وحب وعشق المهنة، حنين لجرعة الثقافة التى كانت تغلف حتى برامج المنوعات والتسلية. لا بد لمسئولى التليفزيون المصرى من الانتباه إلى هذا النجاح واستغلاله وانتهاز فرصة اتساع قاعدة المشاهدة، خاصة فى ظل غياب قنوات ماسبيرو الأخرى عن المنافسة، وحالة التردى التى صار عليها كثير من البرامج، وشكوى أبناء ماسبيرو أنفسهم من انعدام حافز المنافسة، وحالة الإحباط التى أدت لغياب الرغبة فى هذا «البيرفيكشن».
قناة «ماسبيرو زمان» لا بد من تغيير خطتها كمجرد شاشة تعرض أعمالاً قديمة فقط، لا بد من تغيير سياسة أنها مجرد خزانة شرائط قديمة، لا بد من تطعيمها بشغل برامجى آخر على الشغل القديم، فمثلاً عند عرض حوار الإعلامية ليلى رستم مع عميد الأدب طه حسين لا بد من الشغل على هذا الحوار برامجياً بعد عرضه كله أو جزء منه، باستضافة بعض المثقفين ممن يلقون الضوء على القضايا التى أثارها الحوار، وعندما يُعرض مسلسل ما قديم، أتمنى بعدها تحليل المسلسل والحديث عن ذكرياته، وإذا كان أحد أبطاله أو كاتبه أو مخرجه ما زال على قيد الحياة فليُستضَف للحوار حول المسلسل، وكذلك كل البرامج والفوازير... إلخ، لا أرى ضرورة لعرض أفلام قديمة، فهذه لها أماكن أخرى أكثر بريقاً، استغلوا أماكن التفرد والتميز التى تمتلكها مكتبة ماسبيرو ولا تقلدوا الآخرين.
القناة تحتاج رؤية لاستغلال حالة الشجن وإثارة الذكريات والمقارنات التى جذبت الناس لشاشتها، فلنجعل «ماسبيرو زمان» طوق نجاة للعملاق القديم، لهذا المبنى الذى ضم خيرة أبناء مصر من الإعلاميين المثقفين الذين صنعوا نهضة الإعلام العربى كله. المبنى الذى كانت بدايته فى الستينات وكان مغناطيساً سحرياً جذب المشاهد العربى لا المصرى فقط، المبنى الذى كان قطاع الإنتاج فيه بئر نفط إبداعية، ازدهرت به ومعه صناعة الدراما، ليس من الجانب التمثيلى فقط، وإنما هناك جيش من مبدعى الصناعة تخرجوا من مدرسة ماسبيرو، هناك مهندسو الديكور والمصورون وفنيو المونتاج وعمال الإضاءة.... إلخ، «ماسبيرو زمان» ليست مجرد مغارة على بابا السحرية التى فيها الزمرد والياقوت، لكنها مصنع إبداع وسر قوة وحافز تنافس وتفوق، لكن لكى نفتح تلك المغارة ونستفيد من كنوزها بحق لا بد أن نعرف كلمة السر.. افتح يا إبداع.. افتح يا صدق.. افتح يا فن.. افتح يا ماسبيرو.

Thursday, May 23, 2019

أطفالُ السجينات.. فوق كفِّ السيدة الجميلة بقلم فاطمة ناعوت ٢٣/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


- «ماذا يفعلُ أطفالٌ دون الثانية فى حوش السجن؟» هتفت الصحفيةُ الشابّةُ من وراء القضبان صارخةً فى وجه المجتمع. كانت تظنُّ أن الأطفالَ جاءوا مع الزائرين ذويهم من السجناء. لكن صدمتها كانت هائلة حين علمت أن أولئك الأطفال سجناءُ مع أمهاتهم السجينات، لأن لا أحدَ يرعاهم خارج السجن. كانت الصحفيةُ الجميلةُ تُجرى تحقيقًا لجريدة «الأخبار» داخل أروقة سجن النساء، لكنّها لم تخرج بتحقيقها الصحفىّ وحسب، بل خرجت من بوابة السجن وهى تحمل رسالةً كبرى عزَّ نظيرُها.
همسَ قلبُها: «كيف تجرؤ القضبانُ الغليظةُ على حبس عصافيرَ صغارٍ لم تقوَ أجنحتُها بعدُ على الطيران؟! الأطفالُ محلُّها الحدائقُ والأراجيحُ، وليس قضبانُ الحديد». وقرّرت من فورها إنشاء جمعية لرعاية أطفال السجينات. وكان لها ما أرادت عام ١٩٩٠، فى بادرة لم يفعلها أحدٌ. وبعد أعوامٍ قرّرت حلّ المشكلة من جذورها بتحرير «سجينات الفقر» اللواتى دخلن السجن لعجزهنّ عن سداد ديونهن البسيطة. كانت تدفعُ لهنّ مغارمهنّ وتُخرجهن من عتمة السجون إلى نور الحياة. ثم اكتشفت أن خروجهن لا يحلُّ المشكلة؛ لأن الفقر والجهل بالقانون كانا عدوّين للغارمة، فتعود إلى السجن مرّة أخرى لذات السبب: «العجز عن السداد». فقررت حلّ المشكلة من جذورِ جذورها بأن احتضنت أولئك النساء، وأنشأت لهنّ مشاريعَ صغيرةً، وجلبت خبراءَ لتدريبهن على الحِرف والصناعات الصغيرة، حتى يصبحن قادرات على كسب أرزاقهن، فلا يعدن للسجن مرّة أخرى. هكذا كان العقلُ المثقف الذى عمد إلى تفكيك حبائل الأنشوطة الموجعة من جذورها، وليس الحلول القشرية التى تداوى العرضَ ولا تعالج المرض. هذه السيدةُ التى تستحق «قلادةَ النيل» عن استحقاق، هى الروائيةُ والصحفية الفاتنة الأستاذة: «نوال مصطفى». المصريةُ العظيمة التى أصبحت، وهى فى مقتبل عمرها، أُمًّا رحيمةً لآلاف النساء الفقيرات المجهدات اللواتى يكبرنها عمرًا، تعسّرت بهن الحياةُ؛ فكانت لهنّ اليدَ التى تمسح الكدَرَ وتُفكّكُ الكربَ وتجفف الدموع.
طبيعىٌّ أن يتعاطفَ الناسُ مع الفقراء والمرضى والثكالى والأرامل. لكنّ المدهشَ أن يتذكّر المرءُ فقيراتٍ منسيّاتٍ لفظهنّ المجتمع وألقى بهنّ وراء القضبان حتى سقطن فى دائرة النسيان. تلك هى المعجزة التى صنعتها «نوال مصطفى». لكنها لم تكتف بالتذكّر والتعاطف، بل أنفقت زهرةَ عمرها وأهرقت عرقها ومالها وجهدها حتى تصنع مع فريق عملها الرائع «حياة جديدة» لأولئك المنسيات، فيتحوّلن من «عبء» على المجتمع، إلى مواطناتٍ صالحات فاعلات منتجات يساهمن فى نهضة الوطن.
لكل هذا، لم يكن غريبًا حين شاهدنا بعض تلك النساء وهنّ يعانقن نوال مصطفى عناقَ الغريق الذى وجد يدًا امتدت لتنقذه من الموت المحقّق. فى حفل الإفطار الرمضانىّ السنوى الذى أقامته «جمعية رعاية أطفال السجينات» قبل أيام، وقفت ثلاث نساء يحكين لنا كيف تحوّلن على يد تلك الرائعة: من سجينات منبوذات إلى سيدات أعمال صغيرات يملكن الوعى والثقافة والمال واحترام المجتمع.
تتلمذت على يد رائد «الصحافة الإنسانية» مصطفى أمين، فأصبحت أمًّا روحية لأطفالٍ محرومين وأمهات تعيسات. أعطتهم من قلبها مثلما أعطت ابنتها الوحيدة الجميلة «شروق». آمنت بأن مكوث الأطفال فى عتمة السجون سيُطفئ شمعةَ البراءة فى أرواحهم، فيخرجون للحياة بقلوب مصدوعة، تملأها الثقوبُ التى قد تغدو حقلًا خصبًا لإغواء الجريمة. فتأملوا معى كم أجهضتْ تلك السيدةُ مشاريعَ محتملة لمجرمين ومتسولين وأطفال شوارع! وتأملوا كيف أصلحت حال سجينات من ضحايا الجهل وبطش المجتمع وقمع الرجل! أنشأت ٣٠٠ مشروع صغير للغارمات تخلصن بها من شعورهن بالدونية والإقصاء المجتمعى بعدما قامت بتعليمهن ورفع وعيهن بحقوقهن وواجباتهن ودعمهن النفسى لمواجهة نظرة المجتمع القاسية، واحتضنت ١٢ ألفًا من أطفالهن. وتعكف الآن على إنشاء مصنع ومشغل لتوفير فرص عمل للغارمات السابقات. لهذا استحقت دعم وزارة التضامن الاجتماعى، ووزارة الشباب والرياضة، التى تخطط الآن لتنظيم مسابقات لاكتشاف مواهب للغارمات حتى يفيد المجتمع من تلك الطاقات المعطّلة. ولهذا أيضًا استحقت الجميلة نوال مصطفى جائزة «صنّاع الأمل» من الشيخ محمد بن راشد، والتى أرجو أن تقابلها جائزةٌ مصرية رفيعة من وطنها لقاء ما قدمت له ولنا من أعمال جليلة بتحويل «الِمحَن» إلى «منح»، وتحويل المستهلكين إلى منتجين، وإنقاذ شطر من طفولة مصر من مجهول مظلم إلى إشراقة غدٍ جميل.
«الأمهاتُ السجيناتُ/ اللواتى نسيْن الفرحَ/ ونسيَهنَّ/ مشغولاتٌ هذا الصباحْ/ بجمعِ الزهورِ الشحيحةِ/ التى بالكادِ تنمو/ على ضفافِ الجدْبِ الموحشِ/ كى يجدلنَ إكليلاً أبيضَ/ لهامةِ السيدةِ الجميلةْ/ التى صنعتْ من قلبِها عُشًّا/ يحمى أحلامَ العصافيرْ/ ومزقّتْ ذيلَ فستانِها/ لتنسجَ ضِماداتٍ للأجنحةِ الصغيرة/ التى تكسّرتْ على جدرانِ العنبرْ/ ثم مدّت كفَّها البيضاءَ/ ليلتقطَ الطيرُ الجائعُ/ من راحتِها/ حبوبَ القمحِ/ وفتافيتِ السكّرْ».
«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».

Wednesday, May 22, 2019

خالد منتصر - فوبيا التغيير - جريدة الوطن - 5/2019 /22

أتعجب وأندهش من كم السباب والشتائم والسفالات التى يتعرض لها كل من يكتب فكراً مخالفاً للسائد خاصة الفكر المخالف لما يتحدث به الدعاة ورجال الدين، قاموس الشتائم وضيع إلى حد العفن، ولهجة التهديدات عنيفة إلى حد البلطجة، والعجيب أنك عندما تدخل على صفحات التواصل الاجتماعى لديهم تجد كلها أدعية وأذكاراً وآيات وأحاديث، وكأنهم ملائكة تحلق فى الفردوس، هذه الازدواجية تفسر على أنها فوبيا التغيير، الخوف من أن تقتحمنى الفكرة المختلفة، أو يؤثر على عقلى الرأى المغاير، فيصبح سلوكى عدوانياً، وأسب وألعن كميكانزم دفاعى ضد تلك الأفكار، وخوفاً من الفتنة، كما يسمونها ويطلقون عليها فى مصطلحاتهم، لديهم وسواس الثبات وهستيريا الاستقرار على المألوف والسائد، الشتائم أسوار حماية تتحول إلى زنزانة يتنفسون فيها سموم أفكارهم الفاشية، يلقحونها وتلقحهم وتتوالد سرطاناً مدمراً، لا يعرفون أن التقدم لا يحدث إلا بمراجعة تلك الأفكار التى يسمونها ثوابت، كل منهم يخترع ثوابته ويجعلها فولاذية لا تخترقها إعادة الرؤية أو اختلاف النظرة، هو مستمتع بخدر الدفء اللذيذ للقطيع، هو منتعش بكسل النوم المعطل للفكر والحواس، فما أن توقظه طالباً منه التفكير والتحليل، ما أن ينتفض ويلطمك بسفالاته وكأن نحلة لدغته.
عن هذا المعنى وصلتنى رسالة من الكابتن طيار حورس الشمسى وهو مثقف مستنير وصاحب فكر ورؤية، يقول فيها:
يقابلنا يومياً من يسبوننا لأننا نهز موروثاتهم ويلعنوننا لأننا نكشف خرافية معتقداتهم.. وتتعجب ممن يسبك لمحاولتك تغيير ثوابته السياسية مع أنه هو نفسه قد نجح فى تغيير ثوابته الدينية أو العكس.
هذا يرجع للإصابة بدرجات مختلفة من هذه الفوبيا.. metathesiophobia أو الخوف من التغيير.. التأصيل البيولوجى لهذا الخوف هو أن عقلك البدائى يقول لك «طالما أن منظومتك العقلية الحالية أبقتك على قيد الحياة حتى الآن إياك أن تغيرها».
فعقلنا البدائى لم يعِ بعد أننا لم نعد نحيا فى الكهوف والغابات ولم نعد مطاردين من الحيوانات المفترسة كإجراء روتينى يومى.. ولذلك يتعامل مع موروثاتك الثقافية والدينية والسياسية بل وعاداتك وتقاليدك وحتى وساوسك القهرية وكأنها هى التى أدت بك إلى النجاة حتى الآن من هذه الأخطار وطالما أنك على قيد الحياة حتى الآن فلابد أنها ناجحة ولا يجب أن تغيرها.. غير عالم أن ما أوصلك بسلام لهذه النقطة فى الزمن هو الطعوم واللقاحات والتطور العلمى والإنسانى (الذى لقصر مدته فى التاريخ التطورى لم يتجذر بعد فى عقلنا البدائى).
معرفتك بهذه الحقيقة تساعدك على التغير والتغيير متفهماً ومتغلباً على مخاوفك.

Tuesday, May 21, 2019

كرة القدم لعبة مبهرة بدون قلة أدب بقلم د. محمد أبوالغار ٢١/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

كرة القدم استمرت اللعبة الشعبية الأولى فى العالم عبر عقود طويلة، وذلك بالرغم من أن شعبيتها محدودة فى الولايات المتحدة لأسباب عديدة أهمها انخفاض عدد الأهداف فى المباريات التى ينتهى عدد لا بأس به منها بدون أهداف. والأمريكان يحبون الألعاب التى بها أهداف كثيرة. وبالرغم من المحاولات المضنية من العالم كله لمساعدة أمريكا حتى تنتشر اللعبة إلا أن نجاحها كان محدودًا هناك حتى الآن.
تطورت كرة القدم من لعبة للهواة كان أقصى ما يحصل عليه اللاعب من النادى هو الزى وحذاء الكرة، إلى لعبة للمحترفين وزادت دخول المباريات والتمويل من الفضائيات والمراهنات إلى مبالغ خيالية، فأصبح بعض اللاعبين يباعون بأكثر من مائة مليون دولار وأصبح دخل كبار اللاعبين عشرات الملايين من الدولارات فى العام الواحد من النادى ومن الإعلانات. وأصبح نجوم كرة القدم من الشخصيات الهامة والمؤثرة فى العالم كله ولاعبنا محمد صلاح كان على غلاف مجلة التايم الأمريكية فى العدد الذى ضم أهم مائة شخصية مؤثرة فى العالم.
كان نقل المباريات على شاشة التليفزيون نقلة نوعية أدت إلى تطور كبير فى نسب المشاهدة وغيرت من وجه اللعبة واقتصادياتها.
شهد دورى أبطال أوروبا مباراتين فى الدور قبل النهائى وكانتا من أمتع المباريات فى تاريخ الكرة وكلتاهما حملت مفاجأة كبيرة حين استطاع ليفربول الفوز على برشلونة أقوى فرق العالم بأربعة أهداف مقابل لا شىء، بعد أن كان مهزومًا بثلاثة أهداف، وبالتالى وصل للدور النهائى. وكذلك فاز نادى توتنهام على أياكس الهولندى بعد أن كان مهزومًا بثلاثة أهدام مقابل لا شىء ووصل إلى الدور النهائى. كان العالم كله بما فيه مصر تشاهد هذه المباريات على شاشات التليفزيون فى البيوت والمقاهى والنوادى والفنادق وكل مكان.
الشعب المصرى يعشق الكرة وينحاز فى القاهرة ومصر كلها إلى النادى الأهلى ثم الزمالك وفى الإسكندرية الاتحاد السكندرى له الشعبية الكبرى، وفى منطقة القنال النادى المصرى والإسماعيلى لهما شعبية كبيرة. فيما عدا ذلك لا توجد شعبية لأى أندية بعكس انجلترا التى ينقسم الدورى فيها إلى أربع درجات ولكل فريق فى أى درجة جمهور محبون ومشجعون.
للأسف الشديد هذه الرياضة الجميلة الممتعة أحوالها فى مصر لا تسر عدوا ولا حبيبا. فمباريات الدورى العام شديدة الضعف والمستوى فى تدهور وزاد من السوء خلو المدرجات من الجمهور لأسباب مختلفة أهمها الأسباب الأمنية، والكرة بدون جمهور كالأكل بدون ملح ليس لها طعم.
وانعكس هذا الأمر على مستوى الفريق القومى الذى وصل إلى كأس العالم بمعجزة بسبب ضعف المجموعة المؤهلة فى إفريقيا، وكان ذلك بعد غياب طويل جدًا. وللأسف كان الأداء الفنى والتقنى للفريق غاية فى السوء وكان الأداء الإدارى لمشرفى الاتحاد أسوأ من ذلك بكثير بحيث سمحوا بالفوضى داخل فندق اللاعبين وشارك فى الفوضى بعض كبار اللاعبين، وكان إحباط المصريين عظيمًا.
نحن على أعتاب كأس الأمم الإفريقية ولم يبق إلا بضعة أسابيع وتستعد مصر بتجهيز الملاعب ولكن كيف سوف نملأ الملاعب بالجمهور وأثمان التذاكر للدرجة الثالثة خارج قدرة الجماهير المالية؟.
يقول الخبراء وكل محبى وعشاق كرة القدم إن مستوى الفريق القومى الآن فى أسوأ حالاته والاعتماد سيكون أساسًا على اللاعبين المصريين فى الخارج. ومع ذلك تكال الاتهامات بعد المباريات بطريقة مزعجة للجميع، ووصل تردى الألفاظ والإساءة إلى حد لم يسبق له مثيل وزاد من ذلك تدخل شخصيات غير مصرية تسببت فى الفتنة والفوضى بدون وجه حق.
لم أكن لاعبًا لكرة القدم ولكننى كنت أذهب لجميع المباريات الهامة وأنا طالب وبعد التخرج بعدة سنوات، وأذكر أننى شاهدت مصر تلعب أمام فريق المجر الذهبى وأنا تلميذ فى الإبراهيمية الثانوية وشاهدت البرازيل وقائده بيليه وأنا طالب فى كلية الطب وكنا نذهب إلى المباريات الهامة الساعة التاسعة صباحًا بينما المباريات تبدأ فى الساعة الرابعة بعد الظهر ولم تكن هناك كراسى كنا نجلس على الأسمنت فى استاد التتش فى الترسو، وكان أكبر ملعب فى مصر آنذاك.
هناك شىء غلط فى أمور كرة القدم فى مصر، شعب تعداده ١٠٠ مليون نسمة وكله يعشق كرة القدم ويلعبونها فى الحوارى والشوارع والمدارس والأندية بحماس شديد وهى لعبة غير مكلفة، وفى نفس الوقت لا يستطيع هذا البلد أن يقدم لاعبين على مستوى عال ودورى عام محترما ويكون فريقًا يستطيع أن يشرف مصر. لا بد أن الخطأ فى الإدارة أو طرق التدريب أو اختيار اللاعبين. لا بد أن هناك أمرًا ينقصنا. نرجو أن يكون أداء فريقنا فى كأس إفريقيا أحسن حالًا من أدائه فى كأس العالم.
مصر تريد انتفاضة حقيقية لرفع مستوى اللعبة وإيقاف الفساد فى أجهزتها المختلفة فى الاتحاد وفى بعض الأندية.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك


خالد منتصر - إنقاذ ضعاف السمع من صحراء الصمت - جريدة الوطن - 5/2019 /21

الطفل الأعمى الكفيف من الممكن أن يصبح عبقرياً، وشاهدنا فى حياتنا عشرات الآلاف من المبدعين، أما الطفل الأصم المحروم من السمع أو المولود بهذه الإعاقة، فمن الصعب، بل أحياناً من المستحيل، أن يسير فى طريق الإبداع إلا بعض الفلتات النادرة الاستثنائية، وهذه دلالة على أهمية وخطورة غياب تلك الحاسة عن الأطفال، لذلك سعدت بخبر إدراج الكشف المبكر عن ضعف السمع ضمن الفحوصات والتطعيمات الإجبارية للطفل، التى ستُطبّق بداية من يونيو المقبل، خطوة رائعة وثورية، كما وصفها د. أحمد سامح فريد، أستاذ الأنف والأذن المعروف ووزير الصحة السابق، لأنها سترسم لنا خريطة الوقاية والعلاج والاكتشاف المبكر، وكم من هؤلاء الأطفال سيحتاجون إلى سماعات أو زرع قوقعة، سيتم إنقاذ عشرات الآلاف من الأطفال ودمجهم فى التعليم العام، بدلاً من تعلم لغة الإشارة فى المدارس الخاصة، نسبة الصمم العالمية تقريباً ٥٪ من السكان وتزيد فى الدول الفقيرة، ومشكلة ضعف السمع عندنا غالبيتها مابين الفقراء الغلابة، لذلك كان قرار المسح الطبى، وقبله قرار توزيع السماعات فى التأمين الصحى لأطفال المدارس قراراً فى منتهى الأهمية، فمرونة المخ فى الاستيعاب تقل مع الزمن، وإن لم يستوعب الطفل المعلومات المنطوقة التى حوله من خلال الأذن قبل خمس سنوات فهو قد فقد فرصة عمره، وإذا أهملته الأسرة أو المجتمع لما بعد هذه السن فتلك جريمة عظمى، من هنا تأتى المشكلة الأصعب وهى زرع القوقعة، وقائمة الانتظار الرهيبة التى من الممكن أن تفقد الطفل فرصته الذهبية فى الدمج المجتمعى والعودة إلى طبيعته والاحتفاظ بقدرته على السمع، وقد قدم العلم هدية عظيمة لهؤلاء المرضى بنقص السمع الحسى العصبى، والهدية هى زرع القوقعة.
لماذا قائمة الانتظار طويلة؟، ولماذا لا يلجأ الأهل الذين معظمهم غلابة إلى المستشفيات الخاصة؟، لأن الجهاز (فقط) الذى ستتم زراعته يتجاوز ثمنه المائة وسبعين ألف جنيه!!، وهناك كارثة ومأساة أمام هؤلاء الأطفال، الذين ما زال أمامهم طريق آخر صعب بعد زرع القوقعة، وهو طريق التأهيل والتخاطب لكى يستعيدوا إنسانيتهم ويندمجوا فى مجتمعهم، لذلك ننصح بألا يُرخّص لأى جهة أن تقوم بعملية زرع قوقعة إلا ويصاحبها تحديد طاقة التأهيل التخاطبى من عناصر فنية مدربة، لأنه ببساطة زرع قوقعة دون تأهيل تخاطب حرث فى الماء بلا جدوى وتكلفة ضائعة فى الهواء، سيصيبكم الحزن لو شاهدتم هؤلاء الأطفال المعزولين داخل شرنقتهم الكثيفة المنسوجة من الصمت والخرس، وستلمسون حجم الكارثة، الطفل بدون سمع مجرد كتلة آدمية من لحم ودم بلا تواصل وبلا حياة، والحل ممكن، والأطباء القادرون على إجراء العملية، والمستعدون للتنازل عن أتعابهم كثيرون، لكن المشكلة فى هذا الكمبيوتر، الذى يحوّل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كهربية يفهمها ويترجمها المخ عبر أعصاب السمع، التى لا بد أن تكون سليمة، لكن ما هذه القوقعة؟، جهاز السمع يتمثل فى القوقعة، التى تحوى العضو الحساس المسئول عن نقل السمع إلى العصب السمعى، ويطلق عليه اسم عضو كورتى، الذى يحوى الخلايا المشعرة الحسية العصبية، التى تقوم بتحويل الاهتزازات الصوتية الواصلة من الأذن الوسطى إلى إشارة كهربائية يطلق عليها اسم «السيالة العصبية»، هذه الخلايا تتصل مع ألياف العصب السمعى، الذى يقوم بنقل السيالة العصبية إلى المراكز الدماغية، نقص السمع الحسى العصبى يحدث فى معظم الأحوال نتيجة إصابة فى هذه الخلايا الحساسة، ومن أسباب هذه الإصابة: التشوهات الخلقية، الإصابات الوراثية، العوامل الجرثومية والفيروسية.
مطلوب إنقاذ أطفال مصر من المعاقين سمعياً، وتأهيل إخصائيى التخاطب ورفع رواتبهم، لأنهم عملة نادرة، وتكوين جمعية لتوفير هذه القواقع لمن يقرّر التأمين الصحى علاجهم، وتنويع مصادرها ومصادر السماعات وتحسين خدمة ما بعد البيع، لا بد من التكاتف حتى نُنقذ هؤلاء المساكين من صحراء الصمت.

Monday, May 20, 2019

«محمد ممدوح» ... صمتُه كلامٌ! بقلم فاطمة ناعوت ٢٠/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


قال «أرسطو» لتلميذه: «تكلّمْ حتى أراك». لأن الكلامَ هو فِكرُ الإنسان المسموع. فكان الفيلسوف الإغريقى يقيس عقولَ تلامذته، ويُقيّمُ قدراتهم على التفكّر والتفلسف عن طريق سماعهم وتقييم أفكارهم. ولكن ما ينطبقُ على «الفلسفة» لا ينطبقُ على «الفنّ». الفلسفةُ لغةُ العقل، والفنُّ لغتُه الشعور. الفلسفة تُسخِّرُ جميع الحواس لالتقاط الفكرة حتى يلتقطها العقل. بينما الفنونُ تُغلق أبوابَ الحواسّ لتفتحَ أبوابَ الوجدان والمشاعر. فيصيرُ «الإحساسُ» عينًا ترى، وأُذنًا تسمعُ، ويدًا تلمسُ، ولسانًا يتذوَّق، وأنفًا يستنشق. لوحات «ڤان جوخ» مثلا، تجعلك تشمُّ بأنفك رائحة سنابل القمح، وتتذوّق بلسانك طعم شرائح البطاطس فى صحون الفلاحين، وتلمسُ بيديك نسائمَ الهواء تطارده الطواحينُ فيرفض أن يمضى قبل أن يراقص ريشاتُها.
أعظمُ قصائد التاريخ هى التى لا تقول كثيرًا، وتُخفى أكثر مما تعلن. وأعظم لوحات الدنيا تقتضبُ فى الخطوط ولا تُثرثرُ فى اللون. وأعظم السوناتات تضنُّ بالنغم حتى تستنطق الموسيقى من أحاسيس سامعيها. وأجملُ النغمات لا تظهر إلا بمقدار مساحات الصمت التى تجاورها.
والحقُّ أننى من المفتونين بأداء الفنان «محمد ممدوح» لإيمانى بكل ما سبق. الممثلُ العبقرى هو الذى ينطِقُ صمتُه بالكلام. هو الذى تتكلم ملامحُه بقدر ما يصمتُ لسانُه. لهذا أبهرنا هذا الفنان الاستثنائىّ فى «جراند أوتيل» حين تلعثمت الكلماتُ فوق لسانه، وشحَّت وندُرَت، بينما كانت ملامحُ وجهه وخلجات جسده أداتَه للكلام. بريقُ عينيه تارةً، وانطفاؤهما تارةً، ظلالُ ابتسامه حين يلمحُ حبيبته، وغيومُ حزنه حين تغيب عن عينيه، جبروته الصامتُ الغضوبُ حين اكتشف غدرها فحملها مثل هِرّة مذعورة على كتفيه ليُلقى بها إلى النسيان، وحنوُّ ذراعيه العملاقتين على طفلٍ رضيع ليس من صُلبه. صمتُ هذا الفنان كلامٌ فى كلامٍ فى كلام.
«محمد ممدوح» فنانٌ من طراز شديد الخصوصية. لا يشبه إلا نفسَه. جميلٌ لأنه نسجٌ وحده، ويبقى جميلًا بقدر ما يتمسّكُ بأن يظلَّ نسجًا وحدَه.
حين باغتته المذيعةُ بانتقاد أسلوب نطقه للكلمات وشكوى بعض الناس من عدم وضوح الحروف على لسانه، أجابها بأعسر وأصعب إجابة يمكن أن ترِدَ على لسان: «آسف!»، مقرونةً بابتسامة الواثق الذى يعرفُ مكامن تميّزه وفرادته. لم يُبرّر ولم يغضب ولم يتجهَّم. فقط ابتسم واعتذر! لأنه فنانٌ حقيقىّ ومثقفٌ فنيًّا ويُدركُ أن أداةَ الممثل «صمتُه» وليس «كلامُه». لهذا لم ينزعج من النقد بل ضحك فى أعماقه واعتذر عمَّا لا يُعتَذرُ عنه. وهل يُعتَذرُ عن التميّز والفرادة؟!.
الأمير البريطانى «ألبرت» الذى ورث عرش بريطانيا العظمى بعد أبيه الملك جورج الخامس، وتخلّى شقيقه إدوارد الثامن، ولى العهد، عن الحكم، كان «يتلعثم» فى الكلام. وتولّى ألبرت الحكم ليصبح اسمُه «جورج السادس»، ملك بريطانيا العظمى وأيرلندا، وآخر أباطرة الهند؛ حتى ورثته ابنتُه الملكة إليزابيث الثانية. فى فيلم «The King›s Speech»، من إخراج «توم هوبر»، عالجت الدراما حكاية ملك مصاب بإعاقة الثأثأة. أخفق فى إلقاء كلمة على شعبه عبر ميكروفون الإذاعة؛ فاكتشف هو وزوجته، الملكة إليزابيث الأولى (الملكة الأم)، أن إعاقته الكلامية ستصنع بينه وبينه شعبه جدارًا من الصدود. فتبدأ الزوجة المحبّة رحلة تحطيم ذلك الجدار. إنها مأساة رجل تلازمه إعاقة كلامية منذ الطفولة، أصبح ملكًا على أهم عروش العالم، فى الوقت الذى كان هتلر يهدد نصف العالم، وستالين يهدد النصف الآخر. أخفق أطباءُ القصر فى علاجه حتى ظهر «ليونيل لوج»، الذى يهوى تمثيل مسرحيات شكسبير، فيُخضع الملكَ لتمارين تنفّس وجلسات تخاطُب مطوّلة، ويجعله يقرأ مقطعًا لشكسبير، على خلفية من الموسيقى الكلاسيك، حتى لا يسمع صوتَه وهو يتكلم فيرتبك ويتلعثم. ويراهنه الطبيب على «شلن» إن نجح. ويكتشف المعالجُ الذكىّ أن الملك كان أعسرَ فى طفولته، وأُجبِر على استعمال اليمنى قسرًا وفق البروتوكول الملكى، وكان ذلك سرّ تلعثمه وانعدام ثقته بنفسه، إضافة إلى سخرية شقيقه الأكبر من لعثمته. ويُعالَج الملكُ وينجحُ فى إلقاء خطاب إعلان الحرب على ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية. ثم تكتشفُ استخبارات القصر السرية أن المعالجَ الفذَّ ليس طبيبًا ولا يحملُ مؤهلًا أكاديميًّا، بل هو «ممثلٌ فاشل» يتقن فنَّ الخطابة، فامتهن تدريب المتلعثمين على التخاطب بمنحهم الثقة فى النفس وغرس فن التواصل مع الآخر. واستحق الملكُ عرشَه، وانتصرت بريطانيا فى عهده، وحصد محبة الشعب الإنجليزى واحترامه.
إحدى أدوات الملك خطابُه لشعبه. لكن للفنان أدواته الأخرى. لهذا يظلُّ شطرٌ من فرادة «محمد ممدوح» كامنًا فى تلك الكلمات الغامضة على لسانه. تلك منحةُ الله لذلك الفنان الموهوب، فهل نفرّط فى مِنح الله التى تصنع تفرّدنا؟!، أيها الفريد الذى صمتُكَ كلامٌ، أحبُّكَ كثيرًا.
«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».

Sunday, May 19, 2019

الأنبا موسى يكتب: سبعة شواهد على وجود الخالق (٤) ١٩/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

ذكرنا فى الأسبوع الماضى بعض شواهد على وجود الخالق، وذكرنا منها: التوافق بين العلم والكتب المقدسة، ونظرية التطور ثم إن المادة لها بداية ونهاية، ونستكمل موضوعنا...
الشاهد الرابع
١- علم الأجنة المقارن: «وَقَالَ اللهُ: لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا. وَكَانَ كَذَلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ» (تك ١: ٢٤-٢٥)
٢- لقد حاول العلماء أن يثبتوا فكرة التطور «بعلم الأجنة المقارن»، وكذلك بممارسة انتقاء السلالات والوراثة، وكافة زوايا علم التاريخ الطبيعى. وسنلمس هذا الموضوع لمسة خفيفة دون استفاضة. مكتفين بنقطة محددة وهى أنه يوجد قانون ثابت وقاطع وغير متغير يجعل التخطى من نوع إلى نوع مستحيلا.
٣- هناك مئات الأصناف فى النوع الواحد؛ ومهما اختلفت فى الحجم أو الشكل إلا أنها جميعًا نوع واحد. ويحاول علم الأجنة المقارن أن يظهر أن أجنة الأسماك والحيوان والإنسان تتشابه جدًا. وهذا حق! ولكنه ليس دليلا على التطور، بل هو أقوى دليل على وجود الله! لقد عجز العلماء عن تحويل جنين السمكة إلى حيوان أو إنسان، إذ نما جنين السمكة إلى نفس صورة السمكة التى وضعت بويضته. كذلك تجارب انتقاء السلالات وتنقيتها وتطعيمها، لا تثبت ادعاء التطور، بقدر ما تثبت أن هناك قوانين ثابتة تحكم تكاثر الحيوان والإنسان.
وأن هذه القوانين تعمل فى حدود لا يمكن تحديها أو تجاوزها.
٤- ومع أننا نستطيع اليوم أن نستنبط سلالات جديدة من نوع ما. إلا أنه لم تخرج عن إطار النوع ولم تتحول إلى نوع آخر. إن الفلاح البسيط العاكف على أرضه يعرف حسنا فكرة انتقاء السلالات، والعلماء المتخصصون فى معاملهم يستطيعون تحديد صورة دقيقة لعمل الجينات والكروموزومات، وتفاعلاتها فى الإنسان، من حيث: اللون والخصائص الأخرى الكثيرة، ويستطيعون أن يخبرونا بالصورة التى يكون عليها النسل. وهذا يؤكد حكمة الله وقوته، الذى وضع هذه القوانين ومازال يحفظها. إن إلهنا قال: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا» (تك ١: ٢٤)، وقد تم حفظ هذا القانون كشاهد رابع على وجوده تعالى. ولقد حاول العلماء - فى مقارنة للهيكل العظمى للشامبنزى والغوريلا والإنسان - أن يؤكدوا نشأة الجميع من أصل واحد.
لكن هذه خرافة عظمى! بل إن هذا التشابه يثبت وجود الله أيضًا! فهذه فى الواقع «وحدة تصميم» كدليل على مهندس واحد خطط وصمم هذا الكون! هذا مجرد تشابه وظيفى ليس إلا، فإلهنا هو واضع القوانين الحية والفعالة، وهو حافظها أيضًا.
الشاهد الخامس
دورة الحياة: نحن نحيا فى كون غاية فى التعقيد، وهو مصمم بطريقة خارقة! الشروق بهيج باستمرار، والصحارى والجبال والأنهار تنسجم جميعًا فى جمال فائق، ما لم تعبث بها يد إنسان! لا شىء يحيا لنفسه، ويموت لنفسه! وأشكال الحياة تعتمد بعضها على بعض! والسؤال التقليدى فى التطور هو: ماذا ظهر أولا: السنبلة أم حبة القمح؟ هل تطورت الحبة ببطء خلال ملايين السنين مستقلة عن جزع السنبلة، التى تستمد منها حياتها؟ هل تطورت الزهور والحشائش والأشجار ببطء شديد خلال ملايين السنين، مستقلة عن الحبة الصغيرة التى هى أساس حياتها؟
هذه الأسئلة يعسر على عالم التطور أن يجيب عنها. تمامًا كالسؤال القديم: ماذا ظهر أولا: البيضة أم الفرخة؟ العالم يتهم هذا السؤال بالتفاهة، والسبب - ببساطة - أنه لا يعرف الإجابة، لذلك فهو يحول هذا السؤال إلى مجرد نكتة مضحكة ليهرب من الإجابة.
- هذا التعاون المعقد بين صور الحياة يثبت وجود بادئ ومهندس.
- إنه المصمم العظيم الذى يمثل أمامه هذا الكون بكل تعقيداته، فيعطيه إمكانية الوجود.
- لا شىء يحيا ويموت لذاته: النبات والحيوان يتحللان بعد الموت، ليمدا غيرهما من الكائنات الحية بمزيد من الحياة. الشجرة تنمو ثم تموت، وتسقط وتصير جزءًا من أرض الغابة. فتمد الشجيرات الصغيرة بمقومات أساسية للحياة.
- هذا الكون المعقد والعظيم، وهذه الأرض المعقدة التى نحيا على سطحها ونتنسم هواءها.. من صنع مصمم عظيم، هو الله!.
- خواص المعادن، وأجنحة الطيور، والذباب، وجمال الشروق، وجنبات البلورة الجميلة وفوق الكل.. ذلك التركيب العجيب المذهل جسم الإنسان.. كلها تتحدث عن مصمم خالد، وهو إلهنا العظيم! له كل المجد.
- حقًا إن النظام الموجود فى الكون يعلن عن وجود مصمم عظيم وقدير له.. هو الله تعالى!
الشاهد السادس
إعلان الله عن نفسه:
١- نبوات العهد القديم: إن ثلث الكتاب المقدس تقريبًا نبوات. مع أن الكثير منه يتحدث عما هو آت، لكن الكثير أيضًا قد تم أو يتم حاليًا.
لقد أرسل الله أنبياءه منذ مئات السنين إلى مدن عظيمة: كبابل وعقرون وأشدود وأشقلون وصور وصيدا، وأنبأ هؤلاء الرجال العاديين بخراب وسقوط هذه المدن، وبالصورة المعينة المصاحبة لهذا الخراب. وقد تمت هذه النبوات بحذافيرها، وفى الوقت المحدد من الله.. حقًا إن الله يعرف المستقبل ويعلن عما فيه بنبوات تتم حتمًا!
٢- إعلان الله عن نفسه: أ- بكلام شفاهى لأشخاص من البشر أو بحلم نبوى.     
ب- برؤيا والإنسان فى غيبة كاملة لحواس الجسد.     ج- برؤيا والإنسان يستخدم بعض حواسه أو كلها.    
د- بوحى (بالهام) خاص لكتبة أسفار الكتاب المقدس. ﻫ- بالمعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة.     
و- بمجىء السيد المسيح بتسبيحات ملائكية وميلاد بتولى من عذراء قديسة.
الشاهد السابع
الصلاة المستجابة: لعل هذا هو أهم الشواهد إطلاقًا بالنسبة لنا كمؤمنين بالله... إنه: «الصلاة المستجابة» ولأن الملحدين والمتشككين لم يصلّوا أبدًا، ولم يختبروا الصلاة المستجابة، لذا فهم يتشككون.
وما أكثر الأمثلة فى الكتب المقدسة وسير الآباء، والحياة اليومية، عن استجابة الله لصلوات أبنائه. إنها أمثلة تفوق الحصر، ومجالها مفتوح لكل المؤمنين: «كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ فَيَكُونَ لَكُمْ» (مر ١١-٢٤)
- وقد يتصور البعض أن استجابة الصلاة هى مجرد نفس نتيجة التركيز فى أمر ما، لكنها فى الحقيقة تدخل إلهى مباشر بطريقة معجزية. إنها ثمرة طاعة قوانين الله، والسلوك حسب مشيئته، والإيمان بمواعيده. 
■ ■ ■
■ هذه الشواهد السبعة التى تعلن بوضوح وجود إلهنا العظيم هى مجرد أدلة عقلية، تتوافق مع عقائدنا الإيمانية بوجود الخالق العظيم.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


خالد منتصر - هجرة جماعية لشباب الأطباء - جريدة الوطن - 5/2019 /19

وصلتنى هذه الرسالة من طالب بكلية الطب، وهى لا تحتاج إلى أى تعليق منى، أضعها فقط أمام المسئولين، هى صرخة من طالب اقتنع بأنه قد التحق بكلية القمة، وضمن المستقبل بمجرد دخوله من بابها، أترك كلماته ورسالته تحكى مرارة الوضع:
أنا طالب فى كلية الطب جامعة المنصورة.. مثلى مثل آلاف الطلاب فى مصر أحلم بالهجرة واستكمال دراستى بالخارج.. لكن يحز فى نفسى أن أترك بلادى التى تربيت فيها وتعلمت فيها وأخرج لأعيش وأعمل ويكون مجهودى وإنتاجيتى كلها لصالح الأمم الأخرى.. لقد ظهرت فى الآونة الأخيرة يا سيدى ظاهرة هجرة الأطباء إلى الخارج.. حالات هجرة جماعية إلى ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وأستراليا وغيرها من الدول.. جميع الدول فيها طلب على مهنة الطب، خصوصاً مع ارتفاع معدل الأعمار فى المجتمعات الأوروبية ونقص الأيدى العاملة، هذه الظاهرة قد لا تكون ظاهرة للعيان فى الوقت الحالى.. لأن المنظومة الطبية فى مصر مسنودة بواسطة كبار أساتذة الطب الذين كبروا فى السن، واستقروا مادياً وأسرياً فى مصر ولا يستطيعون الهجرة إلى الخارج.. لكن خلال عشرين سنة من الآن مصر متجهة إلى كارثة حقيقية يا افندم!!، إذا استمر معدل هجرة الأطباء كما هو فى الوقت الحالى، فمن المتوقع أن تكون مصر خالية من الأطباء بحلول 2040 - 2050.. بعد وفاة الجيل الحالى من أساتذة الطب والأطباء الكبار فى السن لن تجد من يخلفهم، لأنه الجيل الحالى من الأطباء الشباب اللى فى العشرينات والثلاثينات والأربعينات كلهم فى اتجاههم للهجرة..
أرجو من حضرتك بصفتك إعلامياً لك صوت وقلم مسموع ومقروء أن تُسلط الضوء على هذه المشكلة وخطورتها.. الطبيب فى مصر حالياً يتقاضى راتباً لا يكفيه أن يعيش حتى مستوراً إذا كان عايش لوحده، فما بالك إذا كان متزوجاً ومعاه أولاد.. ده غير بيئة العمل غير الآدمية والمعاملة السيئة من قِبَل المرضى التى تصل فى كثير من الأحيان إلى الاعتداء على الأطباء فى المستشفيات، مغريات الهجرة إلى الخارج كثيرة جداً، الرواتب العالية الحياة الآدمية والتعليم الجيد.. وكل الدول حالياً تتسابق لجذب الأطباء.. من أسبوعين قرأت إحصائية أن عدد الأطباء المصريين العاملين فى بريطانيا زاد بنسبة نحو 150% فى السنتين اللى فاتوا ووصل إلى أكثر من 2000 طبيب.. نفس الكلام فى ألمانيا.. ولا يزال هناك عجز فى الأطباء فى جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا وكندا.. وكل الشباب فى كليات الطب فى الوقت الحالى بيفكر فى الهجرة..
أرجوك يا افندم تتكلم عن الموضوع ده وتسلط الضوء عليه.. مين اللى هيعالج الناس فى المدن الجديدة اللى بتتبنى؟ مين اللى هيشغل المستشفيات بتاعة العاصمة الإدارية الجديدة لما شباب الأطباء كلهم بيتجهوا للهجرة للخارج؟؟ مصر متجهة نحو كارثة حقيقية، ولازم الحكومة تصحى وتحسّن أوضاع الأطباء وتوفر لهم بيئة عمل آدمية ورواتب تخليهم عَ الأقل يعيشوا مستورين قبل فوات الأوان..

دينا عبدالفتاح - المستثمرون الجدد! - جريدة الوطن - 5/2019 /19

ترتبط كل تجربة تنموية حول العالم بظهور جيل جديد من المستثمرين يطلق عليه مصطلحات مختلفة، من بينها «المستثمرون الجدد - الشركات الناشئة - رواد الأعمال»، يعمل هؤلاء المستثمرون بخطط وأهداف ومعطيات مختلفة عن المستثمرين التقليديين، فيتمكنون من تحقيق قفزات هائلة فى حجم أعمالهم فى فترات وجيزة، وينجحون فى الوصول إلى مؤشرات قياسية على صعيد الأداء المالى، ومستوى جودة المنتج، ودرجة التنافسية فى السوق.
يعتبرون هم الدافع الأول لجهود التنمية، وعادة ما تشكل ابتكاراتهم السمة الرئيسية التى يتميز بها الاقتصاد، فنتيجة تميزهم فى صناعة السيارات فى ألمانيا خلال النصف الأول من القرن العشرين، تميّزت ألمانيا بأن بها أكبر قلاع صناعة السيارات حول العالم، حيث شهدت هذه الفترة ظهور وتأسيس شركات «مرسيدس بنز 1916»، «بى إم دبليو 1926»، «فولكس فاجن 1936».
ونتيجة تميزهم فى صناعة الإلكترونيات والتكنولوجيا فى اليابان، أصبحت اليابان بلد التكنولوجيا حول العالم، حيث شهدت مرحلة النهضة اليابانية ظهور شركات عملاقة ركزت على الصناعات الإلكترونية، وأبرزها «توشيبا، شارب، سونى، باناسونيك، كاسيو، سيكو».
لذا فارتباط ظاهرة المستثمرين الجُدد بنظرية التنمية، يجعلنا نبحث فى مصر عن هؤلاء المستثمرين بالتزامن مع العملية التنموية الشاملة التى تشهدها الدولة حالياً، هذا من ناحية.
ويجعلنا من ناحية أخرى نبحث فى الأوضاع المحيطة بنا، ونقيمها، لمعرفة مدى تهيئتها لظهور هؤلاء المستثمرين.
من خلال بحثى ومراجعتى المستمرة لأسماء ومجالات عمل الشركات الجديدة التى تظهر فى السوق المصرية بين الحين والآخر، يمكننى تدوين بعض الملاحظات المهمة فى هذا الملف شديد الأهمية.
أولاً؛ وجدت أن أغلب الشركات الجديدة التى تظهر فى السوق، وتحقق انتشاراً سريعاً، فى وقت قياسى، ولديها إمكانيات لتحقيق النمو المتصاعد فى المستقبل، تعمل فى المجال التكنولوجى، وبالتحديد فى مجال تطويع التكنولوجيا لخدمة الأفراد، سواء فى ما يتعلق بالتجارة الإلكترونية أو توصيل الطلبات، أو النقل، وغيرها.
وبالتالى لا بد من التركيز على تهيئة البيئة الاستثمارية للصناعات التكنولوجية فى مصر، وذلك من خلال مراجعة التشريعات الحاكمة فى هذا المجال، والتأكد من توافر شركات الإمداد لهذه الشركات الجديدة، وأقصد هنا شركات البرمجة، وبناء النظم والتطبيقات الإلكترونية، وصيانتها وتطويرها.
فضلاً عن ضرورة تطوير النظم التعليمية بمصر فى ما يتعلق بالمجال التكنولوجى، وأقصد هنا مناهج وطرق التدريس فى كليات الحاسبات والمعلومات وهندسة الحاسب والاتصالات والإلكترونيات.
كما ينبغى تعزيز دور المنظمات والجهات المعنية بالمجال التكنولوجى فى تدريب الشباب وتحفيز ظهور مستثمرين جدد فى هذا المجال، وأقصد هنا وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وغرفة تكنولوجيا المعلومات باتحاد الصناعات، ولا بد من تنسيق الجهود بين هذه الجهات لتحقيق نتائج قياسية فى المستقبل.
ثانياً: لاحظت أن هناك الكثير من الشركات التكنولوجية التى ظهرت فى السوق، لكنها ما زالت تقدم خدماتها على نطاق جغرافى محدود بداخل الدولة، أو لشريحة محدودة من جمهور المستهلكين المستهدف، وهذا الأمر يقيد نمو هذه الشركات، ويحد الدور الكبير الذى يمكن أن تلعبه فى بناء الاقتصاد.
ويتطلب هذا الأمر ضرورة تحديد هذه الشركات من قبل الجهات الحكومية المعنية، وعقد لقاءات معها، لبحث أسباب عدم توسّعها بالشكل المطلوب حتى الآن، رغم نجاحها الكبير فى المناطق، أو مع الشرائح المستفيدة من خدماتها.
فقد يعود عدم التوسّع، لمشاكل تتعلق بالتخطيط السليم، وبالتالى لا بد أن تساند الدولة هذه الشركات فى وضع خطط التوسع، وقد يكون لديها مشاكل فى التمويل، وهنا ينبغى أن تلعب البنوك، خاصة البنوك الوطنية، دوراً فى تحفيز هذه الشركات للحصول على التمويل وعدم التخوف من المخاطرة، طالما هناك تجربة ناجحة فى عملها.
ثالثاً: لاحظت قصوراً كبيراً فى عدد الشركات الجديدة التى يتم تأسيسها وتتخصص فى قطاعات الاقتصاد الحقيقى، وأقصد هنا قطاعى «الصناعة - الزراعة»، ويمثل هذا الأمر معضلة كبيرة لو لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح، فتطور صناعة التكنولوجيا لا يغنى أبداً عن الصناعة، وبالتحديد الصناعات التقليدية، ولا ينبغى أن تترك هذه المجالات، دون منافسة للسلع المستوردة من الخارج.
وبالتالى ينبغى على الدول أن تعمل على ظهور جيل جديد من المصنّعين، وأن تسارع الزمن فى تجهيز وتشغيل التجمعات الصناعية التى أنشأتها بعدد من المحافظات، وأن تنسق مع الشركات الكبرى على تدريب عدد من العاملين فيها على الاستقلال بصناعات صغيرة مغذية لها، وذلك فى إطار المسئولية المجتمعية للشركات الكبرى، التى ينبغى ألا ترتبط ببعض التبرعات أو المشروعات الخيرية فقط.
كما أن الدولة مطالبة بتنشيط عملية الزراعة والاستمرار فى تنفيذ مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتحفيز الشباب على الحصول على الأراضى بهذا المشروع، وتنميتها من خلال إنشاء شركات منظمة لديها رؤية واضحة لتنمية أعمالها فى المستقبل.

Saturday, May 18, 2019

د. وسيم السيسى يكتب: الأنبا إرميا.. ومصر الوثنية!! ١٨/ ٥/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


كتب الأنبا إرميا فى «المصرى اليوم» تحت عنوان: «مبدد الوثنية».. كانت الإسكندرية تشتمل على عدد كبير من الديانات الوثنية، منها الديانات الفرعونية بآلهتها مثل «آمون ملك الآلهة» ورع إله الشمس، وباخت إلهة الحرب، بتاح إله مدينة منف وغيرهم كثيرون! انتهى كلام الأنبا إرميا، ولو أنه قرأ ما كتبه ماسبيرو: هام المصريون بحب الله وذكره، وامتلأت كتبهم بمحاسن أفعاله، وما كتبه ويل ديورانت، صاحب موسوعة قصة الحضارة «مصر هى أول من دعت إلى التوحيد»، وما كتبه هنرى بروجش «كانت عقيدة مصر هى قمة القمم فى التوحيد»، وما كتبه عباس محمود العقاد فى كتابه «الله»: «لقد وصل المصريون إلى التوحيد»، وما كتبه الدكتور ثروت عكاشة: «فكرة التوحيد، مصر مصدرها»، وما كتبه الدكتور عبدالعزيز صالح: «عبدت مصر الإله الواحد الذى لا شريك له». نجد على متون الأهرام فى الدولة القديمة: «واع واعو.. نن سنو» أى واحد أحد ليس له ثان، كما نقرأ أيضاً: «يانوك نيتر واع واعو»: أى أنا الإله واحد أحد، «حبردس إف»: أى موجد نفسى بنفسى، «نن سنو إف أى»: ليس أحد مثلى، أما «باخت» فهى إلهة بطلمية وليست مصرية يا أبانا!!
إذن هى ليست آلهة عديدة، إنما إله واحد بصفات عديدة، فالأب والابن والروح المقدس صفات ثلاث لإله واحد، كذلك الله، الرحمن، الرحيم- صفات ثلاث لإله واحد، كذلك آمون صفة الإله الباطن الذى لا يمكن معرفة اسمه أو رؤيته، رع هو قوة الله الكونية الممثلة فى قرص الشمس، بتاح هو صفة الإله القادر على الخلق، وما زلنا نقول جميعًا آمين وهى آمون، ونقول السيد المسيح شمس البر «رع»، ونقول يا فتاح يا عليم وهى أصلًا بتاح الخالق، كلها صفات عدة لإله واحد.
تشوهون تاريخ مصر وتكتبون مصر الحلوة!
تدمرون الانتماء لمصر بأنها كانت وثنية!
لا تعرفون أن مصر صاحبة أعظم قانون أخلاقى وأعظم عدالة اجتماعية وسياسية وتقولون سخرة! ظلم! ظلموا بنى إسرائيل! ولو تمعنت ما تقرأ لعرفت أن بيوت العبرانيين كانت مثل بيوتنا، وأعطيناهم ثيابنا وذهبنا وفضتنا، بل كانوا يأكلون لحمًا فى مصر حتى يشبعوا، أين الظلم إذن؟! كانت الثورات ضد الرومان قبل المسيحية، فأصبح الاستشهاد بعدها!! أين المقاومة الشعبية؟! ضاعت مصر! ولو تأملتم حياة السيد المسيح لعرفتم أنه كان الثائر الأول الذى قلب موائد الصيارفة كما هاجم اليهود ووصفهم بالأفاعى، بالكذبة، المنافقين، كالقبور البيضاء من الخارج ومن الداخل عظام ينخر فيها السوس.
كان مطران خليل مطران مثلك يا أنبا إرميا، قال ما قلته، ورد عليه أمير الشعراء:
زعموا أنها دعائم شيدت
بيد البغى ملؤها ظلماء «ظلم».
أين كان القضاء والعدل
والحكمة والرأى والنهى والذكاء؟
إذا كان غير ما أتوه فخار
فأنا منك يا فخار براء!
لا تردد يا أبانا ادعاءات الصهيونية العالمية، وتذكر كلمات المفكر اليونانى حين هزمت اليونان أسبرطة «هزمناهم ليس حين غزوناهم. بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم!» فلا تجعلنا ننسى ونحتقر تاريخنا وحضارتنا.
كيف تتفق الوثنية مع هذا الإعجاز العلمى الفلكى، المعمارى، الذى احتارت فيه البشرية حتى الآن، والتى لم تعرف أن هناك بعثا «حياة بعد هذه الحياة» إلا من مصر!!
تعلم فليس المرء يولد عالمًا
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفت عليه المحافل.