Translate

Friday, February 28, 2020

كورونا والحج ودفع الضرر - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /27






جاء قرار المملكة السعودية بتعليق العمرة فى وقته تماماً، قرار يتسم بالحكمة وفهم المقاصد وتطبيق دفع الضرر بأعلى درجات المرونة، فقد أعلنت الخارجية السعودية، مساء الأربعاء، تعليق الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوى الشريف مؤقتاً، لتوفير أقصى درجات الحماية من فيروس كورونا المستجد لسلامة المواطنين والمقيمين وكل من ينوى أن يفد إلى أراضى المملكة، كما قررت السعودية تعليق الدخول إلى المملكة بالتأشيرات السياحية للقادمين من الدول التى يشكل انتشار فيروس كورونا منها خطراً، وفق المعايير التى تحددها الجهات الصحية المختصة بالمملكة، وجاء فى بيان الخارجية السعودية: «تعليق استخدام المواطنين السعوديين ومواطنى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بطاقة الهوية الوطنية للتنقل من وإلى المملكة». هذا هو ملخص القرار، وقد تبعه فى إيران إلغاء صلاة الجمعة اليوم لنفس الأسباب، ويمثل هذا تقدماً فى الفهم، وتعاملاً حداثياً مع النصوص، وجسارة فى مواجهة الآراء السلفية المتدروشة التى تصر على الحرفية وإلقاء البشر فى التهلكة بأيديهم وعن طيب خاطر، ويؤكد على ذلك انتشار مقولة «حد طايل يموت فى الحرم»!!، وكأننا فى حالة انتحار جماعى، أما ما يقال عن أنه لا يمكن لمن هم فى ضيافة الرحمن أن يمسهم سوء، فمردود عليه بأن من ماتوا فى حادث سقوط الرافعة فى الحرم وحادث الدهس والنفق وحريق الخيام.. إلخ، كل هذا وغيره حدث أثناء الحج والضيافة؟!!
الله جل جلاله هو الذى طالبنا بألا نلقى بأنفسنا إلى التهلكة، والكورونا إذا انتشر فى بيئة سلوكيات مواطنيها الصحية أصلاً بعافية وفيها خلل مثل منطقتنا العربية، سيكون هو قمة التهلكة، لكن السؤال إذا استمر هذا الوباء حتى موسم الحج، ماذا نحن فاعلون؟ والكلام الذى يقال عن أن الفيروس لن يتحمل حرارة مكة والمدينة كلام غير مؤكد، لأننا ببساطة ما زلنا فى مرحلة الغموض بالنسبة لفهم الفيروس والتعامل معه، وهى مغامرة أن نعتمد فقط على مقامرة درجة الحرارة التى ستحمى الحجاج، وأعتقد وقتها أن أفضل قرار سيكون وقف رحلات الحج لهذا العام إذا لم يحاصر الكورونا. ولا بد أن نضع فى الاعتبار أن كورونا صار وباء كونياً لدرجة أن إيطاليا البعيدة عن الصين بآلاف الأميال أعلنت حالة الطوارئ مثلها مثل الصين، والأخطر أن هناك تغيراً دراماتيكياً قد حدث فى جغرافية الفيروس، فقد صارت الموجة الثانية من كورونا مركزها إيران، وصارت إيران المتاخمة لمنطقتنا أرض ميعاد جديدة وبكر للفيروس لكى يتحور ويتغول ويتمدد. صار الخليج مهدداً بشدة، ونحن لسنا فى معزل رغم أننا والحمد لله ما زلنا بعيدين عن منطقة الخطر، لكن هذا الفيروس لا أمان له، وحالة الطوارئ لا بد أن تستمر، وكل الاحتمالات قائمة وواردة ومفتوحة، لا بد أن نتعلم أن الدين خُلق لسعادة البشر وليس لهلاك البشر، وأن طقوس الدين ليس من بينها الانتحار.

Thursday, February 27, 2020

لا إصلاح بدون حرية بقلم زياد بهاء الدين ٢٧/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم

بهذا العنوان كتب الأستاذ/ «محمد سعد عبدالحفيظ» مقالًا، الأسبوع الماضى، فى جريدة «الشروق»، مؤكدًا أن إصلاح الإعلام المصرى والخروج به من أزمته لن يكون ممكنًا فى غياب مناخ داعم لحرية الرأى. ومعه كل الحق.
وأقتبس هنا ذات العنوان لما يتجاوز الإعلام إلى مختلف مجالات الإصلاح التى يجرى الحديث عنها هذه الأيام سواء فى الاقتصاد أم السياسة أم الثقافة لأن القضية لا تتعلق بواحد فقط منها، بل بالتوازن المطلوب والغائب بين منهجى الحرية والسيطرة فى إدارتها جميعًا.
تجديد الخطاب الدينى الذى تطالب به الدولة وتحث عليه المؤسسات الدينية لن يتحقق بأوامر يلتزم بها الأئمة والشيوخ والقساوسة لأنه لن يكون تجديدًا حقيقيًا، بل مجرد التزام بتوجيهات سياسية عليا مختلفة عما سبقها. التجديد هو ما ينمو نموًا طبيعيًا فى ظل مناخ حر يشجع الجدل والصراع الفكرى ويدفع الناس إلى التفكير والاختيار بين الرؤى المتنافسة وتفضيل ما يناسب العصر دون إجبار من أحد.
وتفعيل الحياة الحزبية لن يتحقق بمجرد إعطاء الضوء الأخضر لبضعة أحزاب مُختارة ودعوتها إلى الحوار وعقد مؤتمرات صحفية مادام المناخ العام معاديًا للنشاط السياسى، والمعارضة مقيَّدة، والقانون الانتخابى لا يترك أى مساحة لأحزاب الأقلية. كل ما يمكن أن ينتج عن هذا التجديد الحزبى المقيَّد هو إعادة إنتاج تجارب السبعين عامًا الماضية، حيث حزب الحكومة امتداد للجهاز البيروقراطى، وأجهزة الدولة مع وجود حزب أو اثنين يمثلان المعارضة المستأنسة، بينما الشعب غير مكترث بهم جميعًا.
وفى المجال الاقتصادى فإن إنشاء الطرق والكبارى وتعديل القوانين وعقد المؤتمرات لم يأتِ بالاستثمار المنشود لأنه لا توجد حرية اقتصادية، بل صراع مستمر مع قيود ورسوم وتدخلات وغرامات ومحظورات، وإصرار على توجيه المستثمرين نحو ما تختاره لهم الدولة لا ما يختارونه لأنفسهم، بينما كل ما يحتاجه القطاع الخاص لكى يغامر بماله ويفتح مجالات جديدة للإنتاج والتشغيل هو مجرد تحديد للخطوط العامة والقوانين التى يلزم احترامها والضرائب التى يدفعها، ثم يُترك بعد ذلك لحاله ويتحمل مسؤولية قراراته.
ونسعى لمقاومة الفن الهابط والتراجع المخيف فى الذوق العام، ونبحث عن استعادة قوة مصر الناعمة، ولكن عن طريق فرض المزيد من السيطرة والتقييد والرقابة والعودة إلى ملكية الدولة للأدوات الإعلامية والثقافية، بينما لا يطرد العملة الرديئة سوى العملة الجيدة، والفن الجيد الذى ننشده لن ينمو إلا فى مناخ مشجع للحرية والإبداع وفى ظل سياسة تحمى الكُتّاب والفنانين والمبدعين بدلًا من تركهم مُهدَّدين بكل أنواع التدخل والوصاية.
ونريد للمجتمع المدنى أن يسهم أكثر فى دعم الفقراء وفى تقديم الخدمات وفى التوعية وفى حشد الجهود والمدخرات، ولكن نحاصر منظماته وجمعياته بغابة من القيود والضوابط والإجراءات، التى تتعارض مع مفهوم العمل التطوعى الذى لا يحتاج إلا لقانون متوازن وحرية فى العمل ولا بأس ببعض التقدير والاحترام لمن يقدمون جهدًا ومالًا دون انتظار مقابل.
الحقيقة التى تستحق أن نتوقف عندها أن الأصل عندنا صار المنع وليس الإباحة، وأن هناك قناعة سائدة فى الدولة والمجتمع بأن أسلوب السيطرة والتحكم هو الأمثل لتحقيق أى هدف اقتصادى أو سياسى أو اجتماعى دون اعتبار لما يترتب عليه من ضياع للجهد والموارد والفرص ومن عزوف الشباب عن المشاركة.
للسيطرة مجالها وللتحكم مقتضياته. ولكن الاعتدال وعدم الإفراط فيهما لا يعنى الفوضى والتسيب لأنه فى النهاية، وكما قال الصديق «محمد عبدالحفيظ»، لا إصلاح بدون حرية.

لماذا تأخر تطعيم "كورونا"؟ - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /26






فى مقال نُشر مؤخراً فى صحيفة نيويورك تايمز، صرح د. توماس فريدن، المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تصريحاً متشائماً، قال فيه «من غير المحتمل احتواء الفيروس»، وفى المقال نفسه، قال الدكتور أنتونى فوسى، مدير المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية «إنه شديد العدوى للغاية، ومن المؤكد أنه سيكون وباءً»، من ناحية أخرى، لا تزال منظمة الصحة العالمية متفائلة، فقد قال رئيس فريق الاستجابة للطوارئ، الدكتور مايكل ريان: إن «هناك أدلة كافية تشير إلى أنه لا يزال من الممكن احتواء هذا الفيروس». ما بين التشاؤم والتفاؤل يظل العلماء فى معاملهم يعملون فى اتجاهين، اختراع دواء للعلاج أو تطوير تطعيم ولقاح للوقاية، ولحسن الحظ فإن الدروس المستفادة خلال وباء فيروس إيبولا فى غرب أفريقيا 2013 تُمكن العلماء الآن من تطوير تلك اللقاحات.
«CEPI» التحالف من أجل ابتكارات التأهب للوباء، وهى منظمة دولية لا تهدف للربح وتتمتع بمهمة الإسراع فى تطوير لقاحات ضد الأمراض المعدية الناشئة، أعلنت تلك المنظمة فى 23 يناير عن دعم مالى لثلاث مؤسسات، لتطوير لقاح ضد الفيروس، الذى تم تحديده حديثاً، وهى: Inovio Pharmaceuticals Inc، وجامعة كوينزلاند وModerna Inc شراكة مع NIAID، وفى 31 يناير، أعلنت CEPI أيضاً عن شراكة مطولة مع CureVac، وهى شركة للتكنولوجيا الحيوية، لتكييف نظام لقاح RNA الخاص به، وبعد أربعة أيام، أطلقت CEPI دعوة لتقديم مقترحات لتطوير لقاحات جديدة ضد فيروس كورونا الجديد، مفتوحة لجميع المنظمات، التى تفى بمعاييرها وفى حوزتها منصة متاحة بسهولة، وأعلنت شركة جونسون آند جونسون أيضاً عن مشاركتها فى تطوير اللقاحات، ثم أعلنت شركة GlaxoSmithKline مؤخراً عن شراكة مع CEPI، وكان أحدث من انضم إلى الطابور هو جامعة هونج كونج، التى أعلنت عن وجود لقاح تم تصميمه من لقاح فيروس الإنفلونزا المعدّل.
كل هذه الأبحاث تتم عبر ما يُسمى بـ«منصات اللقاحات»، وهى أدوات يمكن للعلماء استخدامها لتطوير لقاح جديد، باستخدام نظام مشابه للأنظمة الناجحة سابقاً، على سبيل المثال، أحد الأساليب المعروفة والمباشرة، وهو «المنصة المعطلة»، حيث يتم نسخ الممرض بأمان فى المختبرات، ويتم تعطيله، ثم إعطاؤه كلقاح، ورغم أن هذه المنصات تستخدم طرقاً مختلفة، إلا أنها تتمتع جميعها بالهدف العام نفسه المتمثل فى تدريب الجهاز المناعى للفرد، الذى تم تطعيمه على التعرّف بسرعة على العامل الممرض داخل الجسم، لكن لماذا هناك الكثير من المنصات المختلفة؟ حسناً، كل منصة لها مزاياها وعيوبها. بعضها أسهل فى الإنتاج الضخم، وبعضها يُحدث تأثيرات جانبية أقل، والبعض الآخر أفضل فى تدريب جوانب معينة من الجهاز المناعى.
حتى هذه اللحظة ما زال العلماء غير متأكدين من النظام الأساسى الذى سينتج اللقاح الأكثر نجاحاً، وهم معذورون، فتصميم اللقاحات يبدو بسيطاً على الورق، لكن خروجه إلى النور واستخدامه للبشر قصة طويلة ومعقّدة، فالعلماء يعملون حالياً على تحديد أجزاء من SARS-CoV-2، التى يمكنهم استخدامها فى لقاحاتهم، يجب اختيار هذه الأجزاء بعناية، لأنها تحتاج إلى محاكاة شكل العدوى الحقيقية لأجسامنا، يجب أن يتم ذلك بالتزامن مع اختيار طريقة مناسبة لإيصال اللقاح، المنصة التى سيتم استخدامها، وبمجرد توافر لقاح مرشح، فإنه يحتاج إلى الخضوع لاختبار السلامة والفاعلية فى الحيوانات، وليست كل حيوانات المختبر عرضة للإصابة بطريقة إصابة البشر نفسها، لهذا السبب يعمل العلماء أيضاً على تحديد النموذج الحيوانى المناسب لتقييم اللقاحات، بمجرد أن تكون التجارب على الحيوانات مرضية، يمكن إعطاء اللقاح للبشر فى تجربة سريرية لتقييم سلامة اللقاح وفاعليته. وهذا يعنى شهوراً وسنوات إضافية (إن لم يكن لعقود)، وأيضاً ملايين الدولارات، وبعدها يجب أن يتم تسجيل اللقاح والحصول على موافقة الجهات التنظيمية، ويتم إنتاجه على نطاق واسع وتوزيعه، وهذا من الممكن أن يستغرق سنوات، لكن خبراء الصحة يقولون إذا كنا محظوظين، وكل شىء على ما يرام، فقد يكون لدينا لقاح آمن وفعّال فى غضون عام تقريباً، أى فى أوائل عام 2021، ويقولون إذا كانت الصين قد تمكنت من بناء مستشفى يتسع لـ1000 سرير فى 10 أيام لمواجهة انتشار الوباء، فمن الممكن جداً أن يتوافر اللقاح خلال عام.

Tuesday, February 25, 2020

تمثال الشعب ومسلة الحكومة بقلم د. محمد أبوالغار ٢٥/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم

منذ مائة عام ومع ثورة ١٩١٩ ضد الاحتلال الإنجليزى والحماية البريطانية سقط عدد كبير من الشهداء، وقدم الشعب فى كل أنحاء مصر تضحيات ضخمة بدءًا من الفلاحين فى القرى، ونهاية بسعد زغلول زعيم الثورة الذى تم نفيه مرتين خلال سنوات قليلة. وأسفرت الثورة عن إلغاء الحماية وعن دستور متميز وبرلمان انتخب بديمقراطية وصحافة حرة، والإفراج عن الذين صدرت ضدهم أحكام بسبب الاشتراك فى مقاومة الاحتلال، ظهرت نهضة فنية وثقافية ضخمة تزعمها سيد درويش بالموسيقى الحديثة، وبدأ محمد عبد الوهاب وأم كلثوم فى الظهور بغناء متميز. وفى الثقافة كتب مصطفى عبد الرازق رسالته عن الفلسفة الإسلامية فى فرنسا، وتلا ذلك على عبد الرازق بكتابه الإسلام وأصول الحكم، وكتب محمد حسين هيكل روايته زينب، ثم أبدع توفيق الحكيم بروايته عودة الروح. وظهر طه حسين يناقش الفلسفة الاجتماعية لابن خلدون، ثم كتابه فى الشعر الجاهلى. هذه الثورة الثقافية الضخمة والهامة أثرت فى قطاع المتعلمين والمثقفين المصريين، ولكنها لم تصل إلى الفلاح الأمى أو المواطن البسيط. حدث فنى هام اجتذب جموع الشعب المصرى كله والتف حوله وهو نحت تمثال نهضة مصر للمثال والوطنى العظيم محمود مختار.
يؤرخ وزير الثقافة الأسبق بدر الدين أبوغازى فى كتابين وعدة مقالات لتاريخ الفنان مختار ويحكى قصة تمثال نهضة مصر. الإلهام جاء إلى مختار وهو فى باريس ينحت تمثالًا يجمع بين أبى الهول والفلاحة المصرية، فهو رمز لعودة روح مصر القديمة بحضارتها الخالدة مع الفلاحة أم الأجيال التى أقامت ومازالت تقيم الحضارة وتحافظ على الوطن جيلًا بعد جيل. دخلت الفكرة فى مرحلة التنفيذ فى باريس مع الاشتراك بالتمثال فى معرض باريس العالمى الهام. ولم يكن مع مختار الطالب الفقير ما يكفى لتمويل التمثال، فاجتمع الطلبة المصريون وجمعوا من المال ما يكفى لعمل تمثال من الرخام. فى هذا الوقت كان سعد زغلول والوفد المصرى فى باريس فى محاولات لجذب الرأى العام لصالح المسألة المصرية، فالتقى بهم مختار وأدركوا أهميته وأنه أصبح نجمًا صاعدًا فى النحت. قدم مختار فى معرض باريس نموذجًا لتمثال نهضة مصر وعاد من باريس، ابن القرية الفلاح الصغير الذى ذهب إلى القاهرة وعمره ١٥ عامًا ودخل كلية الفنون الجميلة بالموهبة وبدون شهادة ثانوية، وأقيمت له احتفالات بنجاحه فى باريس بإعلاء اسم مصر، وانطلق الكتاب والشعراء فى مدح فنه فى القاهرة والإسكندرية. وظهر مشروع تمثال نهضة مصر كفكرة لأن أبو الهول هو الذى ناجاه الشعراء واستنهضوه، ولاقت الدعوة ترحيبًا بالفكرة فى نفوس المصريين. وبدأ الاكتتاب للمشروع فانهالت القروش من الفلاحين والفلاحات وفقراء المدن، وأخذت الأقاليم تتنافس على التبرع، وفجأة دبت الروح فى الشعب المصرى الذى اعتبر أن تنفيذ التمثال سوف يحقق صحوة للشعب، وتشكلت لجنة من رئيس الوزراء. قرر مختار أن ينحت التمثال من الجرانيت ليعيد أمجاد الفراعنة. ونفد مبلغ الاكتتاب الشعبى ٦٥٠٠ جنيه، واشتركت الحكومة بمبلغ ٣٠٠٠ جنيه. فى هذه الفترة تحقق كتابة دستور ١٩٢٣، وافتتح بنك مصر، وقال مختار إن مصر النهضة قادمة.
ووقع مختار فى براثن البيروقراطية، ونادت بعض الأصوات النشاز بأن المشروع مكلف، ولكن ويصا واصف وقف يخطب فى البرلمان محفزًا الأمة لاستكمال مشروع النهضة. كان عدلى رئيسًا للوزراء وسعد زغلول رئيسًا للبرلمان، فاعتمدا المبلغ المطلوب لإتمام التمثال فى ١٣ شهرا. وأخذت ساحة التمثال تحظى بزيارات من كبار الشخصيات، وشجع ذلك الملك على إصدار مرسوم ملكى بإنشاء لجنة استشارية للفنون الجميلة، التى بدأت تشجيع الفنانين، ونظمت بعثات لشباب الفنانين، ثم قررت إنشاء متحف الفن الحديث، وتقدم وزير المعارف بمشروع بتغيير مناهج الدراسة الفنية وإنشاء مدرسة للفنون، وأدخل علم الجمال وفلسفة الفنون فى مناهج الدراسة. تم تنفيذ التمثال الذى شارك فيه الشعب والبرلمان والحكومة وحتى الملك فؤاد الذى كان لا يحب مختار اضطر أن يشارك، وأصبح هذا التمثال رمزًا لمصر ليس فقط لعظمته الفنية وعظمة الفنان الذى صنعه، ولكن لأن الشعب كله شارك بروحه وتشجيعه وماله فى الدفاع عن الفكرة والاحتفال بها. يتم الآن تنفيذ مشروع لتجميل ميدان التحرير، وهو أهم ميادين القاهرة، ويتم وضع مسلة فرعونية كانت مهشمة وتم تجميعها لوضعها فى الميدان، وبالتأكيد الفكرة عظيمة، فالقاهرة عاصمة مصر يجب أن ترفع فيها مسلة مثلها مثل كل المدن الكبرى فى العالم التى تتزين بالمسلات. ولكن لماذا لم يلتف الشعب المصرى بحماس وحب وعشق لوضع مسلة عظيمة فى الميدان بينما التفت الجماهير لسنوات طويلة مستمرة حول تمثال نهضة مصر؟.. السبب ببساطة أن الشعب المصرى شارك الحكومة فى مشروع تمثال نهضة مصر وكل فلاح فقير دفع قرشًا كتبرع شعر أن هذا التمثال له، وشاهد الشعب الرسوم التفصيلية قبل تنفيذ المشروع، وكانت الزيارات تتم والصور التاريخية موجودة لزيارات الجميع لمتابعة المشروع، ومازال نهضة مصر فى قلوبنا حتى هذه اللحظة. أما المسلة فلم يعرف أحد التفاصيل ولا شكل التخطيط النهائى، ولم تناقش الصحف ولا التليفزيونات ولا عرفنا كيف تم جمع أجزاء المسلة المهشمة ولا طولها ولا تاريخها، ولذا لم يشعر الشعب أنها جزء منه، وإنما هى من صنع الحكومة التى تجاهلته وقررت تجميل الميدان كما تريد بدون مشاركة أصحاب الميدان. ميدان التحرير قطعة من قلب مصر، والمسلة المصرية القديمة أثر فنى رائع يجب أن يشعر الناس، وبالذات البسطاء منهم، أنها مسلتهم، والميدان يتم تجميله لهم، وأقل شىء هو أن يعرفوا ماذا يحدث، ليتعاطفوا معه.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك..

مكتب تنسيق الجنة - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /24






تذكرت مكتب التنسيق وأنا أشاهد السلفيين يقررون إخراج د. مجدى يعقوب من الجنة وجرجرته إلى النار، الثقة التى يتحدثون بها جعلتنى أتشكك فى أن لديهم مكتب تنسيق خاصاً ونتيجة معتمدة يعرفونها من الكونترول قبل باقى البشر، حيث يحتكرون توكيل قطع غيار الفردوس حصرياً!، تذكرت قبل عصر الكمبيوتر حين كنا نقف فى هجير الشمس على أبواب مكتب التنسيق نلصق طوابع الكليات وكوبونات الجامعات، ونظل أسبوعاً نضرب أخماساً فى أسداس منتظرين خطاب التنسيق الذى سيخبرنا أين ذهبنا، وأى الكليات قد قبلت أوراقنا، أظن أن المشايخ والدعاة قد افتتحوا مكتب تنسيقهم الاسبشيال الحصرى الذى يوزع البشر على الجنة والنار، لكن الفرق أن مكتب تنسيقنا الأرضى من الممكن الطعن فيه والتحويل من كلية إلى كلية طبقاً للتوزيع الجغرافى، لكن مكتب التنسيق السماوى الذى يمتلكه مشايخ السلفية لا طعن فيه ولا احترام فيه للتوزيع الجغرافى أو التنوع المذهبى!، شيخ وداعية شهير بعضلاته المفتولة وبأنه الفتى المدلل للمؤسسة التى تصرف ١٦ ملياراً لتخرج لنا استنساخات هذا الشيخ من محتكرى الجنة ومالكى مفاتيح وكوالين الفردوس، ومعه ابن داعية سلفى شهير اشتُهر بأنه أعلم أهل الأرض بعلم الحديث وشارك فى افتتاح ماسورة الاعتذارات الشهيرة التى فُتحت علينا منذ عدة أسابيع، وداعية هارب فى تركيا، وآخر شارك فى قتل ضباط وجنود مديرية أمن أسيوط فى أعقاب حادث اغتيال السادات، كل هؤلاء أعلنوا بعد تكريم قديس الطب د. مجدى يعقوب فى دبى أنه برغم كل هذا لن يدخل الجنة، وشكك البعض منهم فى قدراته الطبية واتهموه بأن اليهود هم الذين يجرون لمرضاه الجراحة، وبأنه يزرع صمامات الخنازير فى قلوبهم المؤمنة، وقد اعتمدوا جميعاً فى عملية طرده من الجنة على تفسير الشيخ الشعراوى فى إحدى حلقاته الشهيرة بأن من أسدوا إلى البشرية عطاءات واكتشافات واختراعات علمية عظيمة قد أخذوا حظهم من التكريم فى الدنيا وأقيمت لهم التماثيل، لكن لأنهم غير مسلمين فلن يأخذوا هذا الحظ فى الآخرة لأنهم كانوا يعملون من أجل الدنيا، ونيتهم وغرضهم كان الأرض لا السماء، بورصة البزنس الدينى تعتمد فى حركة صعودها وهبوطها على مدى نجاح سماسرة الدين فى ترويج أسهم الجنة والنار، لذلك يقاتلون بشراسة فى هذه الحلبة، لكن لماذا تفجرت أزمة الجنة والنار مع د. مجدى يعقوب بالذات؟، الإجابة بسيطة، لأن «يعقوب» وضعهم فى مأزق إنسانى ووجودى ودينى، وضع كل العواطلية ومدمنى البطالة فى ركن الحلبة الضيق، عرّاهم وفضحهم، فهو السير مجدى يعقوب الذى يعيش فى أجمل بقاع الدنيا، والذى ربح كل شىء؛ المال والشهرة والمكانة والسمعة، والعادى والطبيعى والمتوقع أن يقضى الباقى من حياته يتمتع بهذا النعيم، لكن هذا القديس وذلك الملاك جاء إلى أقصى الصعيد فى وطنه الذى هاجر منه منذ ستين عاماً وفى ظروف قهرية كلنا نعلمها وكان من المفروض أن تجعله تلك الظروف ناقماً منتقماً، جاء ليعالج ويطبطب على قلوب الغلابة، دون أن يسأل عن ديانة مريض أو جنسه أو عرقه أو سلطته، هبط بقوة وثبات ولخبط كل غزل شبكة السماسرة الجهنمية الذين يبيعون مخدر الوهم والخداع للبسطاء باللحية والجلباب وشقشقات البلاغة والسجع والجناس، أقصى ما يفعلونه هو اللعب فى أصابع أقدامهم أثناء نومهم فى الظل قتلاً للوقت، بينما مجدى يعقوب فى غرفة الجراحة يزرع شريان حياة أو يرتق صمام قلب منهك أو يزرع نبضاً كان قد فتر وغاب، بينما صاحبه على شفا الموت يقاتل من أجل شهيق يمنحه الأمل، بدأ البسطاء يتساءلون: «معقول هذا الملاك يدخل جهنم؟»، بدأوا يطرحون أسئلة وجودية وفلسفية أكثر جذرية عن معنى العدل الإلهى الذى يحسونه بالفطرة رغم حواجز وركام الفتاوى والعنعنات، باختصار مجدى يعقوب كان مبعوث العناية الإلهية لإغلاق بوتيكات التجارة الدينية السلفية، وهذا هو سبب الكراهية له والحقد عليه، شكراً لمجدى يعقوب أن سمح لنا بأن نشاركه جنته على الأرض.

Sunday, February 23, 2020

الشباب.. والمشاركة الوطنية بقلم الأنبا موسى ٢٣/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم


لاشك أن المشاركة فى بناء الوطن، أمر هام جدًا، وحين نتحدث عن المشاركة ودورنا فى المجتمع، نتذكر تشبيهات الكتاب المقدس للإنسان المؤمن، إنه يشبه: بـالملح، والنور، والسفير لبلاده، والخميرة، والرائحة الزكية، والرسالة،
ذلك لأن المشاركة الوطنية، والتفاعل الاجتماعى، وروح الحب والخدمة، وروح البذل والعطاء، أمور أساسية وجوهرية فى الفكر الإنسانى.
أولًا: تشبيهات عديدة نذكر منها:
١- الملح: الذى يحفظ من الفساد.. كقول الكتاب المقدس: «أنتم ملح الأرض».. بمعنى أن المؤمن يشيع جوًا من الأمانة، التى تكون قدوة للآخرين.
٢- النور: فينشر الفضيلة والإيمان الحى.. «أنتم نور العالم».. بمعنى أنه يضىء لكل من حوله طريق الأمانة فى علاقاتهم مع الله والناس.
٣- السفير: حين يصالح الناس مع الله.. «نسعى كسفراء..» (١ كورنثوس ٢٠:٥) فكما أن السفير يمثل دولته فى المفاوضات، والاتفاقات، والمصالحات، هكذا الإنسان المؤمن يصالح الناس مع الله، ومع بعضهم البعض بمعنى يدعوهم للتوبة والحياة الأمينة.
٤- الخميرة: التى تعطى الحياة لموات العالم.. كـ«خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (متى ٣٣:١٣)، فالخميرة تحوى بكتيريا حية، وهكذا تنشر الحياة فى العجين الميت، وهى رائحة محبة وخير وقداسة ينشرها المؤمن لمن حوله.
٥- الرائحة الزكية: تنشر أريجها فى كل مكان.. فرحًا وراحة للآخرين. إذ يحسون بأثر التدين فى حياتنا من خلال تعاملهم معنا.. فبمجرد فتح زجاجة معطر تنتشر الريحة فى كل مكان.
٦- الرسالة: المعروفة والمقروءة من جميع الناس.. كقول الكتاب المقدس: «أنتم رسالتنا.. معروفة ومقروءة من جميع الناس» (٢ كورنثوس ٢:٣). بمعنى أن الإنسان المتدين يرسل رسالة مقدسة لمن حوله باستمرار.. ولكل الناس.
ثانيًا: من هذه التشبيهات ندرك دور المؤمن فى المجتمع:
ولذلك أوصى السيد المسيح من يعيشون فى العالم: يجب أن يحفظوا أنفسهم من الشر (يوحنا ١٥:١٧).
١- فالإنسان المؤمن يحيا فى العالم، ولا ينعزل عنه ليتم فيه القول: «هؤلاء هم فى العالم» (يوحنا ١١:١٧).
٢- والمؤمن له طبيعة مختلفة عن أهل العالم «ليسوا من العالم كما أنى أنا لست من العالم» (يوحنا ١٦:١٧).
٣- والمؤمن له رسالة محبة، يجب أن يقوم بها تجاه كل البشر.
ثالثًا: العالم «كأشياء» فيه سلبيات كثيرة، ولكن العالم «كبشر» كلهم يجب أن يكونوا محبوبين ومحبين.
- «لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التى فى العالم» (١يوحنا ١٥:٢).. العالم بمعنى المادة..
- «هكذا أحب الله العالم، لكى لا يهلك كل من يؤمن به» (يوحنا ١٦:٣).. العالم بمعنى البشر..
رابعًا: مبادئ هامة للسلوك فى العالم:
ويضع لنا الكتاب المقدس مبادئ هامة للسلوك وسط المجتمع، وهذه بعضها:
١- المرونة القوية: التى تجعل المؤمن قادرًا على الاختلاط والتعامل والإسهام فى نشاطات الحياة اليومية، دون انغماس فى الخطأ، هذا ما يعرف فى علم النفس بالمرونة القوية، وهى غير المرونة الضعيفة التى تشبه السمكة الميتة التى لا تستطيع أن تسير ضد التيار، بل هى دائمًا مع التيار، إلى أن يقذفها التيار إلى الشاطئ، فتموت..
٢- عدم التقوقع: على بعضنا البعض، إذ ينبغى أن نتعامل مع إخوتنا فى الوطن فى حب، وتعاون، وروح اجتماعية حسنة، وتواصل فى الأعياد، والمناسبات، والزواج، والمرض، والآلام.
٣- المحبة السخية: التى نستمدها من الله، المحبة التى تعطى، ولا تنتظر العوض، ويقتحم بالمحبة قلوب الآخرين، فيخلق منهم أصدقاء ومحبين.
٤- ثقافة احتمال الألم: فهى المحبة الباذلة الخادمة، التى تحتمل كل شىء بصبر وحب، إلى أن تجعل من العدو صديقًا، ومن الألم مجدًا، ومن الموت قوة وعزاء..
٥- عدم الانتقام.. بل بالحرى روح المسامحة: فالله أوصانا بألا ننتقم لأنفسنا، بل نعطى مكانًا للغضب، «لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يعقوب ٢٠:١)، «لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير» (رومية ٢١:١٢)، «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب. لى النقمة أنا أجازى يقول الرب» (رومية ١٩:١٢).
٦- دخول قلوب الآخرين بالحب: «المحبة لا تسقط أبدًا» (١ كورنثوس ٨:١٣)، وحتى إذا رفض الآخر قبولى، فلأحتفظ بمحبتى. فالمحبة دائمًا تبنى، والكراهية دائمًا تدمر.
٧- الإسهام الوطنى: فالتدين الحقيقى لا يرضى بعدم الانتماء، لكن بالمواطنة الصالحة، بأن يجعلنا نساهم فى بناء الوطن.. فإن علينا جميعًا دورًا فى بناء مصر، وفى حفظ وحدتها الوطنية، فلا مجال للتخاذل أو عدم الانتماء.. فهذه سلبيات ترفضها الأديان، كما ترفض الطائفية المريضة المتعصبة، فهذه ضد الدين، فالقلب الواسع. يتسع للجميع.
- هكذا عاش آباؤنا: متفاعلين مع المجتمع، مستوعبين عصرهم، مساهمين فى كل ما يبنى، ناشرين الحب والخير، بين جميع الناس، عازفين عن كل خطيئة وشر، وكل كراهية وحقد.. ممتحنين كل شىء، ومتمسكين بالحسن.. كما قال الكتاب المقدس: «امتحنوا كل شىء. تمسكوا بالحسن» (١ تسالونيكى ٢١:٥).
وهذه بعض أقوال القدماء التى تشرح سلوك الإنسان المتدين فى المجتمع..
الأخلاق المتوقعة من المؤمنين:
- المؤمنون بالله لا يتميزون عن غيرهم بالوطن، فى اللغة، أو الملابس، أو بعادات يحفظونها، فهم لا يسكنون مدنًا خاصة بهم، ولا يستخدمون لهجة خاصة فى الكلام، ولا يحيون حياة تتسم بأى ميزة، والتعليم الذى يتبعونه هو تعليم الكتب المقدسة، التى يحبون أن يسلك الجميع فيها.
وهكذا نرى أن التفاعل مع المجتمع، والمشاركة فى بناء الوطن، ونشر الحب والخير فيما حولنا، وفى من حولنا، أمور دينية بالدرجة الأولى، علينا أن نمارسها فى حياتنا اليومية، شهادة لإلهنا المحب، وحبًا فى الإنسان فى كل مكان وزمان.
* أسقف الشباب العام
لاشك أن المشاركة فى بناء الوطن، أمر هام جدًا، وحين نتحدث عن المشاركة ودورنا فى المجتمع، نتذكر تشبيهات الكتاب المقدس للإنسان المؤمن، إنه يشبه: بـالملح، والنور، والسفير لبلاده، والخميرة، والرائحة الزكية، والرسالة،
ذلك لأن المشاركة الوطنية، والتفاعل الاجتماعى، وروح الحب والخدمة، وروح البذل والعطاء، أمور أساسية وجوهرية فى الفكر الإنسانى.
أولًا: تشبيهات عديدة نذكر منها:
١- الملح: الذى يحفظ من الفساد.. كقول الكتاب المقدس: «أنتم ملح الأرض».. بمعنى أن المؤمن يشيع جوًا من الأمانة، التى تكون قدوة للآخرين.
٢- النور: فينشر الفضيلة والإيمان الحى.. «أنتم نور العالم».. بمعنى أنه يضىء لكل من حوله طريق الأمانة فى علاقاتهم مع الله والناس.
٣- السفير: حين يصالح الناس مع الله.. «نسعى كسفراء..» (١ كورنثوس ٢٠:٥) فكما أن السفير يمثل دولته فى المفاوضات، والاتفاقات، والمصالحات، هكذا الإنسان المؤمن يصالح الناس مع الله، ومع بعضهم البعض بمعنى يدعوهم للتوبة والحياة الأمينة.
٤- الخميرة: التى تعطى الحياة لموات العالم.. كـ«خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (متى ٣٣:١٣)، فالخميرة تحوى بكتيريا حية، وهكذا تنشر الحياة فى العجين الميت، وهى رائحة محبة وخير وقداسة ينشرها المؤمن لمن حوله.
٥- الرائحة الزكية: تنشر أريجها فى كل مكان.. فرحًا وراحة للآخرين. إذ يحسون بأثر التدين فى حياتنا من خلال تعاملهم معنا.. فبمجرد فتح زجاجة معطر تنتشر الريحة فى كل مكان.
٦- الرسالة: المعروفة والمقروءة من جميع الناس.. كقول الكتاب المقدس: «أنتم رسالتنا.. معروفة ومقروءة من جميع الناس» (٢ كورنثوس ٢:٣). بمعنى أن الإنسان المتدين يرسل رسالة مقدسة لمن حوله باستمرار.. ولكل الناس.
ثانيًا: من هذه التشبيهات ندرك دور المؤمن فى المجتمع:
ولذلك أوصى السيد المسيح من يعيشون فى العالم: يجب أن يحفظوا أنفسهم من الشر (يوحنا ١٥:١٧).
١- فالإنسان المؤمن يحيا فى العالم، ولا ينعزل عنه ليتم فيه القول: «هؤلاء هم فى العالم» (يوحنا ١١:١٧).
٢- والمؤمن له طبيعة مختلفة عن أهل العالم «ليسوا من العالم كما أنى أنا لست من العالم» (يوحنا ١٦:١٧).
٣- والمؤمن له رسالة محبة، يجب أن يقوم بها تجاه كل البشر.
ثالثًا: العالم «كأشياء» فيه سلبيات كثيرة، ولكن العالم «كبشر» كلهم يجب أن يكونوا محبوبين ومحبين.
- «لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التى فى العالم» (١يوحنا ١٥:٢).. العالم بمعنى المادة..
- «هكذا أحب الله العالم، لكى لا يهلك كل من يؤمن به» (يوحنا ١٦:٣).. العالم بمعنى البشر..
رابعًا: مبادئ هامة للسلوك فى العالم:
ويضع لنا الكتاب المقدس مبادئ هامة للسلوك وسط المجتمع، وهذه بعضها:
١- المرونة القوية: التى تجعل المؤمن قادرًا على الاختلاط والتعامل والإسهام فى نشاطات الحياة اليومية، دون انغماس فى الخطأ، هذا ما يعرف فى علم النفس بالمرونة القوية، وهى غير المرونة الضعيفة التى تشبه السمكة الميتة التى لا تستطيع أن تسير ضد التيار، بل هى دائمًا مع التيار، إلى أن يقذفها التيار إلى الشاطئ، فتموت..
٢- عدم التقوقع: على بعضنا البعض، إذ ينبغى أن نتعامل مع إخوتنا فى الوطن فى حب، وتعاون، وروح اجتماعية حسنة، وتواصل فى الأعياد، والمناسبات، والزواج، والمرض، والآلام.
٣- المحبة السخية: التى نستمدها من الله، المحبة التى تعطى، ولا تنتظر العوض، ويقتحم بالمحبة قلوب الآخرين، فيخلق منهم أصدقاء ومحبين.
٤- ثقافة احتمال الألم: فهى المحبة الباذلة الخادمة، التى تحتمل كل شىء بصبر وحب، إلى أن تجعل من العدو صديقًا، ومن الألم مجدًا، ومن الموت قوة وعزاء..
٥- عدم الانتقام.. بل بالحرى روح المسامحة: فالله أوصانا بألا ننتقم لأنفسنا، بل نعطى مكانًا للغضب، «لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يعقوب ٢٠:١)، «لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير» (رومية ٢١:١٢)، «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب. لى النقمة أنا أجازى يقول الرب» (رومية ١٩:١٢).
٦- دخول قلوب الآخرين بالحب: «المحبة لا تسقط أبدًا» (١ كورنثوس ٨:١٣)، وحتى إذا رفض الآخر قبولى، فلأحتفظ بمحبتى. فالمحبة دائمًا تبنى، والكراهية دائمًا تدمر.
٧- الإسهام الوطنى: فالتدين الحقيقى لا يرضى بعدم الانتماء، لكن بالمواطنة الصالحة، بأن يجعلنا نساهم فى بناء الوطن.. فإن علينا جميعًا دورًا فى بناء مصر، وفى حفظ وحدتها الوطنية، فلا مجال للتخاذل أو عدم الانتماء.. فهذه سلبيات ترفضها الأديان، كما ترفض الطائفية المريضة المتعصبة، فهذه ضد الدين، فالقلب الواسع. يتسع للجميع.
- هكذا عاش آباؤنا: متفاعلين مع المجتمع، مستوعبين عصرهم، مساهمين فى كل ما يبنى، ناشرين الحب والخير، بين جميع الناس، عازفين عن كل خطيئة وشر، وكل كراهية وحقد.. ممتحنين كل شىء، ومتمسكين بالحسن.. كما قال الكتاب المقدس: «امتحنوا كل شىء. تمسكوا بالحسن» (١ تسالونيكى ٢١:٥).
وهذه بعض أقوال القدماء التى تشرح سلوك الإنسان المتدين فى المجتمع..
الأخلاق المتوقعة من المؤمنين:
- المؤمنون بالله لا يتميزون عن غيرهم بالوطن، فى اللغة، أو الملابس، أو بعادات يحفظونها، فهم لا يسكنون مدنًا خاصة بهم، ولا يستخدمون لهجة خاصة فى الكلام، ولا يحيون حياة تتسم بأى ميزة، والتعليم الذى يتبعونه هو تعليم الكتب المقدسة، التى يحبون أن يسلك الجميع فيها.
وهكذا نرى أن التفاعل مع المجتمع، والمشاركة فى بناء الوطن، ونشر الحب والخير فيما حولنا، وفى من حولنا، أمور دينية بالدرجة الأولى، علينا أن نمارسها فى حياتنا اليومية، شهادة لإلهنا المحب، وحبًا فى الإنسان فى كل مكان وزمان.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Saturday, February 22, 2020

ماذا حدث للمصريين فى السوبر؟ - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /21









حدثان مصريان فى نفس اليوم على أرض الإمارات، مباراة السوبر بين الأهلى والزمالك، وتكريم د. مجدى يعقوب فى مبادرة صناع الأمل، فى الحدث الأول مصريون يلعبون الكرة ومنهم فريق وهو الزمالك يتوَّج بالكأس، وفى الحدث الثانى فريق مصرى، بقيادة سير مجدى يعقوب نجم جراحة القلب فى العالم، يبنى مستشفى قلب جديداً ويتوَّج بتبرعات ٨٨ مليون درهم لاستكمال هذا المشروع العظيم، ما حدث فى مباراة السوبر من الجماهير واللاعبين أخجلنى وجعلنى بعد المباراة حائراً أتساءل فى دهشة وغضب نفس السؤال الذى طرحه د. جلال أمين «ماذا حدث للمصريين؟» لماذا وصلوا إلى تلك الفجاجة فى اللغة والسلوكيات؟ وهذا الاحتقان فى التنافس والمباريات؟ على أرض دولة أخرى من المفروض أن نتحلى بروح الرياضة الأخلاقية لا البلطجية، ولكن ما حدث بعد المباراة من حركات خارجة وألفاظ قبيحة وإلقاء زجاجات مياه وأثناءها من هتافات قذرة وتطاولات سخيفة، كل هذا جعلنى أشعر بالحرج أن تلك هى صورتنا فى الخارج، وتساءلت إذا كانت قد أقيمت تلك المباراة السوبر على استاد القاهرة وبحكم مصرى هل كانت ستمر مرور الكرام أم كانت ستتحول إلى مجزرة؟! هل ما زال من يبكى على خلو مدرجات ملاعب الكرة فى مصر من الجمهور، مقتنعاً بأن القرار خاطئ؟! ما شاهدته يجعلنى أقول إن هناك انحداراً أخلاقياً واستعداداً عدوانياً للتدمير مستعداً أن يطفو على السطح فى أى لحظة، ومن الخطر أن نقيم سوبر مصرياً بجمهور على أرض مصر، وهذا محزن ومخجل، لكنه حقيقى، عار أن يحدث هذا على استاد أبوظبى فى نفس اللحظة التى يفخر بها حاكم دبى بالجراح مجدى يعقوب وبمشواره العلمى والمهنى الرائع، ويشكر فيه أحد المتبرعين الإماراتيين د. يعقوب على أنه قد أنقذ والدته من الموت، ويبادر ابن حاكم دبى من فرط حبه واحترامه وتقديره للضيف العظيم مجدى يعقوب بالتبرع منفرداً بـ٤٤ مليون درهم، هؤلاء مصريون فى فريق رياضى، وهؤلاء مصريون فى فريق علمى، لكن شتان الفرق، والجماهير الشتامة هى نفسها الجماهير التى سألت فى أكشاك الفتاوى هل سيدخل مجدى يعقوب الجنة؟! وإذا كنا غاضبين من أغانى المهرجانات القبيحة، فلنسأل أنفسنا ألم تكن تلك المشاهد المخزية فى المباراة مهرجانات قبيحة ومزرية ومخزية هى الأخرى؟

Thursday, February 20, 2020

قبل أن تصبح فرنساستان - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /20



أن تأتى متأخراً، أفضل من ألا تأتى أبداً، لذلك ما فعله الرئيس الفرنسى ماكرون هو تصرف جيد، عندما أعلن أنه سيتخذ إجراءات احترازية وقيوداً على نظام إيفاد أئمة وشيوخ من دول أجنبية إلى فرنسا. وأضاف أن إنهاء هذا النظام «فى غاية الأهمية لكبح النفوذ الأجنبى والتأكد من احترام الجميع لقوانين الجمهورية»، وقال إن هذا يأتى لمنع الشقاق وللحد من التأثيرات الخارجية على مسلمى فرنسا، فقد وصل زحف الإسلاميين المتطرفين إلى مفاصل الدولة الفرنسية حداً خطيراً ينذر بالشلل وتحول بلد النور إلى «فرنساستان»، فعلى سبيل المثال: حذرت مجلة «ماريان» الفرنسية من أن هناك مخاوف شديدة من تقدم أحزاب تمولها قطر وتسيطر عليها جماعة الإخوان فى الانتخابات البلدية، مثل حزب الاتحاد الديمقراطى لمسلمى فرنسا، وأشارت «ماريان» إلى أن «قطر الخيرية» التى تمول حزب الاتحاد الديمقراطى لمسلمى فرنسا، مقرّبة من حكام الدوحة وتعمل كغطاء إنسانى للتمويل فى أوروبا، ووفقاً للمجلة، فإن «قطر الخيرية»، فرع فرنسا، لم تسلم من الشبهات التى جعلت إنجلترا تضعها تحت المراقبة، حيث قُتل موظف سابق فى جمعية تدعمها قطر الخيرية على يد قوات مكافحة الإرهاب فى فرنسا، بعد أن كان شريكاً فى هجوم إرهابى فى «كوندى - سور - سارث»، ومن جهة أخرى، كشف معهد الدراسات والآفاق حول الحركات الإسلامية، «La Référence» حسب تقرير نشرته «اليوم السابع» فى ٢٠١٩ «أن فرنسا أصبحت تحت تأثير جماعة الإخوان الذين سيطروا على المدارس والجامعات، أولاً من خلال منظمتهم «مسلمى فرنسا» المعروفة بـUOIF، التى تتحكم فى التعليم الإسلامى، وتسيطر على المدارس الرئيسية بموجب عقد مع الدولة، ولكن أيضاً، بشكل غير مباشر، على نحو أربعين مدرسة خارج العقد، ومعظمها فى المرحلة الابتدائية، وفى وقت سابق، قالت الكاتبة الفرنسية سيلين بينا، فى مقال بصحيفة «لوفيجارو» إن فرنسا «تشهد محاولة غير مسبوقة لترويج مجتمع إسلامى معادٍ للمبادئ الديمقراطية، والتحرر والعلمانية، خاصة أن سذاجة حكوماتنا أعطت الإسلاميين الراديكاليين، قوة سياسية هائلة»، وأضافت الكاتبة الفرنسية: «الإسلاموية أصبحت مهيمنة وتسيطر على العديد من المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات، وأن منظمة قطر الخيرية لديها 22 مشروعاً فى فرنسا من أصل 140 مليون مشروع فى أوروبا بأكملها، ويعمل على مشاريع قطر الـ22 فى فرنسا بشكل مباشر مؤسسة «مسلمو فرنسا»، أو ما يسمى «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» سابقاً، وهى منظمة تتبنى أيديولوجيا الإخوان، وقد حذرت من قبل فى مقال تحت عنوان: «جمهورية فرنسا القطرية» من توغل الإسلاميين هناك، وذكرت أرقاماً تعبر عن هذا التوغل، وسأذكّركم ببعض تلك الأرقام:
استحوذ «صندوق الثروة السيادية القطرى» على 2% من شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال»، بقيمة تجاوزت المليارى يورو، لتصبح قطر من أكبر 5 مساهمين فى الشركة.
اشترت «شركة قطر للاستثمار» النادى الفرنسى «باريس سان جيرمان» لكرة القدم، فى صفقة بلغت قيمتها أكثر من 100 مليون يورو.
قطر صرفت تقريباً 400 مليون يورو على ضم لاعبَى كرة قدم فقط، هما نيمار ومبابى!!
استحوذت قطر على المبنى الذى يضم مقر صحيفة «لوفيغارو» ومكاتب السفارة الأمريكية وسط العاصمة الفرنسية باريس، ضمن صفقة بلغت قيمتها أكثر من 300 مليون يورو.
اشترت مجموعة قطرية 4 فنادق فرنسية، من بينها «مارتينيز» فى «كان»، و«كونكورد لافاييت» فى باريس الشهيران، و«أوتيل دو لوفر» فى باريس و«باليه دو لا ميديتيرانيه» فى نيس.
أتمنى أن تنتبه أوروبا إلى هذا الخطر الإخوانى الزاحف الذى سيلتهم أوروبا، إن لم تستيقظ.

Wednesday, February 19, 2020

راعى مصر - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /18






الآن فهمت عندما شاهدت الجالية المصرية فى أستراليا، لماذا أطلق المستشار أمير رمزى على مؤسسته التى تقدم يد الخير والعون للغلابة والمعدمين اسم راعى مصر، ففضلاً عن أن الراعى هو الله، فهناك حب المصريين لبلدهم هو الراعى والحارس، الذى حتماً سينهض به للأمام، فقد شاهدت كم يعشق المصريون المهاجرون إلى تلك القارة البعيدة تراب مصر، يحملونها معهم كالوشم على جدران القلب وفى ثنايا الروح والوجدان، جالية مشرفة، تضم ألمع الأطباء والصيادلة والمهندسين والقانونيين، عندما سافر ابن عائلة رمزى البار، رئيس مجلس أمناء مؤسسة راعى مصر، إليهم يطلب منهم مساعدة الغلابة، لم يتأخر منهم أحد، منهم مَن ساهم فى بناء البيوت التى بلا سقف، ومنهم مَن تولى إعالة الأسر الفقيرة، أو ساعد فى نفقات تعليمهم، ومنهم من تحمل تكلفة الموبايل كلينيك، وهى السيارة التى تعمل كمستشفى متنقل تذهب إلى أقصى قرى الصعيد لتعالج من لا يملك ثمن أجرة السفر فضلاً عن الدواء، كل الدعم والعطاء قدموه وبكل حب، وهناك شاهدت شباباً مصرياً، وُلدوا فى أستراليا، وصاروا من كبار رجال الأعمال هناك، ونزلوا لخدمة الغلابة فى سوهاج والمنيا، ليمسحوا الدموع ويخففوا آلام مَن هم فى العراء، مَن هم بلا سند، وأحسوا أن تلك المؤسسة هى سندهم وظهرهم، هؤلاء الشباب هم ملح الأرض فعلاً، وتعلمت منهم الكثير، عندما شاهدت آلاف البيوت التى بُنيت وأدخل لها الصرف والمياه والحمامات، والبنات اللاتى أكملن تعليمهن نتيجة توفير الدعم المالى، والعائلات التى تعيش على المشاريع الصغيرة، أحسست أن بداخلى طاقة إيجابية كبيرة، التكاتف الذى شاهدته هناك فى الجالية، وجهد وزارة الخارجية الرائع، من خلال قنصلنا فى سيدنى السفير ياسر عابد، أو قنصلنا فى ملبورن السفير محمد فخرى، كل هذا جعلنى أقول إن المصريين فى الخارج أكبر ثروة لا بد من استغلالها، إنهم آبار النفط الحقيقية التى لا تنضب، وقد أشادت الجالية أيضاً بجهد الوزيرة نبيلة مكرم، التى تتواصل معهم ومع شبابهم دوماً، وهى حلقة الوصل بينهم وبين مصر، والدينامو الذى لا يهدأ، باقة حب إلى كل هؤلاء، وجزيل الشكر وعميق الاحترام لراعى مصر.

Tuesday, February 18, 2020

هل يمكن أن يلحق المصريون بمستوى تعليم اليهود؟ بقلم د. محمد أبوالغار ١٨/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم


اليهود المصريون فى القرن التاسع عشر كان يسكن معظمهم فى حارة اليهود، وهو حى صغير يتكون من عدة أزقة فى المنطقة الواقعة بين الموسكى والجمالية فى القاهرة القديمة. وكان معظمهم أميين، والقلة تعرف القراءة والكتابة، مثلهم مثل بقية المصريين من مسلمين ومسيحيين. وبعد افتتاح قناة السويس حدثت هجرة شملت جنسيات أوروبية من المتعلمين تعليمًا أوروبيًا متقدمًا مقارنة بالتعليم المصرى التقليدى. فى منتصف القرن التاسع عشر تكونت جمعية يهودية غير صهيونية فى فرنسا اسمها الأليانس، غرضها توفير التعليم المتقدم ليهود جنوب البحر المتوسط، واستطاعت إنشاء ثلاث مدارس كبرى فى القاهرة والإسكندرية وطنطا، وأرسلت مدرسين فرنسيين، وقامت هذه المدارس بطفرة تعليمية بين اليهود.
فى هذه الآونة قام أغنياء الطائفة اليهودية فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بإنشاء عدد من المدارس اليهودية فى القاهرة والإسكندرية، وكانت مدارس متقدمة ومختلفة عن نظام الكُتّاب السائد فى مصر فى هذا الوقت. وفى أوائل القرن العشرين قامت جمعية فرنسية أخرى بإنشاء مدارس الليسيه فرانسيه المدنية لتعليم أبناء الشرق الأوسط، ومنها مصر، وكانت اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية والعلوم الحديثة هى الأساس، وكانت متاحة لجميع المصريين، ولكن أغلبية الطلاب كانوا من اليهود. وفى ذلك الوقت كان نظام التجنيد الإجبارى الفرنسى يعفى من التجنيد من يتطوع كمدرس فى مدارس الليسيه فرانسيه، وكان الشباب الشيوعيون الفرنسيون معترضين على التجنيد الإجبارى، ولذا تطوعوا للعمل كمدرسين فى مدارس الليسيه، وتسبب ذلك فى نشر الأفكار الشيوعية بين كثير من طلبة مدارس الليسيه، ومعظمهم كان من اليهود. وقامت الطائفة اليهودية بفتح مدارس للبنات فى القرن التاسع عشر فى الإسكندرية ثم فى القاهرة، وبذا حدث تطور كبير فى حياة البنات من اليهود أدخلهن سوق العمل وغير نظرتهن للحياة مقارنة ببقية البنات من المصريات.
التعليم الأوروبى المتقدم المبنى على التفكير والمناقشة والنقد وحرية التعبير أدى إلى طفرة كبيرة فى المنهج العلمى، وبدأت مقاومة الطريقة الأبوية التقليدية التى كان يقودها قطاوى باشا رئيس الطائفة، وبدأت محاولات كثيرة من الشباب لتحديث قيادة الطائفة وجعلها أكثر ديمقراطية ونجحوا فى ذلك إلى حد ما. لم تكن لهذه المدارس أى علاقة بالصهيونية، بل كانت تحاربها. المدارس الفرنسية بأنواعها لم تكن مهتمة بتعليم الدين اليهودى أو اللغة العربية أو العبرية، وكانت مهتمة بتعليم الأخلاق واللغات والعلوم الحديثة.
فى هذه الفترة كان تعليم أغنياء المصريين من المسلمين والأقباط فى المدارس الكاثوليكية والبروتستانتية ومدارس الليسيه، وكلها أنشأتها هيئات أوروبية أو أمريكية فى مصر، والقلة من كبار الأغنياء كانوا يعلمون أبناءهم فى المدارس الإنجليزية باهظة التكاليف مثل كلية فيكتوريا. الطبقة الوسطى كان أولادها يذهبون إلى المدارس الحكومية التى كانت تقبل أعدادًا محدودة حسب طاقتها، وكان مستوى التعليم جيدًا ولكنه كان تقليديًا لا يسمح بالنقاش والابتكار والنقد. الجمعيات الأهلية المصرية مثل المساعى المشكورة فى محافظة المنوفية وجمعية التوفيق القبطية أدت خدمات جليلة تعليمية ولكنه كان أيضًا تعليمًا تقليديًا. أما الغالبية العظمى من الفقراء المصريين فتعلموا فى الكتّاب وبعض المدارس البدائية، ولم تسمح لهم ظروفهم بدفع حتى المصاريف البسيطة نسبيًا فى المدارس الحكومية. وبعد فترة وبسبب الفروق الضخمة فى التعليم، ظهرت فجوة كبيرة بين اليهود وقلة من المسلمين والأقباط من جانب وباقى المصريين من الجانب الآخر، فأصبح تعليم اليهود وهذه الفئة أوروبيًا مبنيًا على التفكير والنقد، مع معرفة اللغات، وأصبح هؤلاء فى المقدمة وعندهم أكبر فرصة فى الحصول على الوظائف القيادية أو التفكير فى مشروعات خاصة وقادت الطائفة اليهودية والأوروبيون مع مجموعة محدودة من المسلمين والأقباط المصريين الأعمال الحديثة كرجال الأعمال أو فى البنوك والشركات والبورصة وأنواع الصناعات المختلفة وتحديث وتصنيع المنتجات الزراعية وأصبحوا من كبار الأغنياء.
الطبقة الوسطى المصرية التى تلقت تعليمًا تقليديًا فى المدارس الحكومية لم يؤهلها ذلك إلى الابتكار وأصبحت العمود الفقرى للتكنوقراط المصريين الذى قادوا البيروقراطية الحكومية.
بعد تغيير نظام الحكم فى مصر والدعوة إلى سيطرة المصريين على الاقتصاد المصرى، هاجر اليهود المصريون، وترك مصر بعد ذلك فى نهاية الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مجموعة من المسلمين والمسيحيين من كبار رجال الأعمال والمثقفين والمفكرين. ومع الانفجار السكانى أصبح من المستحيل تقديم تعليم متقدم فى مصر، فما زالت الأمية تمثل نسبة من المصريين، والكثير من الذين تلقوا التعليم الإلزامى لا يعرفون القراءة والكتابة، وأنشئت المدارس الخاصة التى انتشرت وارتفعت تكاليفها وانتهى الأمر إلى كما كنا عليه منذ قرن من الزمان، قلة تملك المعرفة والثقافة والمال، وأغلبية ضعيفة التعليم والثقافة ولا أمل لديها فى صعود السلم الاجتماعى.
يشكل اليهود من الأصول الشرقية أكثر من ٥٠% من سكان إسرائيل، واندمجوا فى نظام التعليم شديد التقدم فى كل من العلوم التكنولوجية والعلمية، وكذلك فى العلوم الإنسانية، وأدى ذلك إلى فروق علمية وثقافية ضخمة بيننا وبينهم.
المستقبل فى المنطقة وفى العالم للشعوب التى تملك تعليمًا متميزًا منفتحًا مصحوبًا بفتح باب الابتكار والخروج عن المعتاد. هل يمكن أن نحدث تطويرا حقيقيا حديثا فى نظام التعليم المصرى يخرج المصريين من قمقم الجهل والخوف وعدم القدرة على التفكير والابتكار؟. نبغى نظامًا يتفق عليه الخبراء المختلفون ويلقى موافقة مجتمعية حتى ينتقل أغلبية المصريين إلى الحداثة كما حدث لليهود المصريين من قبل. وإذا كان ذلك غير ممكنٍ فهل هناك فرصة لشباب النابغين المصريين بغض النظر عن وضعهم الاجتماعى والاقتصادى المتدنى؟.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك..

Saturday, February 15, 2020

هل الحب أمنية أم مصيبة؟! بقلم د. وسيم السيسى ١٥/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم

هل الحب أمنية تتمناها أم مصيبة واجبة الاتقاء؟ هو مصيبة واجبة الاتقاء إذا كنت تريد هذا الحب من إنسانة وهى لا تريدك! ولكنه أمنية وعزيزة المنال إذا كانت الروحان متجاوبتين، تأكد أنكما فى سهوة من سهوات العمر والأيام! هذا هو رأى العقاد، أما الدكتور محمد حسين كامل فقد كان يرى أن الحب ضرورة للحياة، وبدونه تضطرب حياتنا اضطراباً شديداً، ولا فائدة من تعويض هذا الحب الضائع بالشهرة أو الثروة أو السلطة أو الجنس الآخر.
وجدنا أن إصابة المحبين بالبرد والإنفلونزا واحد إلى سبعة عند غير المحبين، ذلك لوجود أجسام مناعة فى لعاب المحبين سبعة أضعاف عند غير المحبين: Salivary immuno Globulins، كما وجدنا مادة تشبه المورفين تسمى إندورفين، تفرزها خلايا المخ عند المحبين، تجعل إدمان المحب للمحبوب «عودت عينى على رؤياك.. وإن مر يوم من غير رؤياك.. إلخ» هذ المادة تجعل المحب يتحمل النار من أجل من يحب «عشانك أنت أدخل النار وألقح جتتى» الريحانى لليلى مراد، كما وجدنا مادة تلغى الجاذبية الأرضية عند المحبين، وتجعلهم يسيرون فوق السحاب! هذه المادة اسمها P.E.A وهى الحروف الأولى من Phenl- Ethyl- Amine، ها هو عبدالحليم حافظ يصعد سلالم المحبوبة طائراً مغنياً H أسبقنى يا قلبى H سبقنى على الجنة الحلوة اسبقنى.. إلخ.
ها هو بول إلوار يمتنع عن الطعام والشراب ثلاثة أيام بعد أن قبل حبيبته باتريشا، حتى لا يضيع أثر قبلة المحبوب.
اقرأ للعقاد ما يشبه ذلك:
شفاه أذوق منها طعم الحياة
وهل طعمها غير طعم القبل؟
تسمونها قبلة! وأسميها
رحيق الحياة ورىَّ الأمل.
كان الحب فى مصر القديمة فى منتهى الرقى شعراً ونثراً، هوذا أحد العشاق يرسل لحبيبته: سوف أتظاهر بالمرض حتى تزورينى! سوف أعبر النيل متحدياً التماسيح حتى أراك! سوف أطلب من النجار أن يجعل مزلاج بيتك «القفل» من البوص حتى يسهل فتحه!
وها هى عاشقة ترسل لحبيبها:
ليتك مثل أخى حتى أقبلك أمام الناس
فلا يلومونى! ليتنى كنت خاتماً فى أصبعك أو زهرة فى بيتك! ليت الأيام تجرى سريعاً حتى أتزوجك وأحمل قطعة من قلبك! أى تحمل منه طفلاً.
لا ينجح حاكم مع شعبه أو زوج مع زوجته، أو أب مع أولاده، أو طبيب مع مرضاه، أو مدرس مع تلاميذه إلا بهذه الكلمة التى حوت الكون كله، ألا وهى الحب.
أولئك الذين يحبون لا يتقدم بهم العمر أبداً! قد يموتون بسبب الشيخوخة ولكنهم يموتون شباباً.

يوم «داروين» - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /15









صار يوم ١٢ فبراير من كل عام هو يوم عيد ميلاد داروين، واليوم العالمى للاحتفاء بأعظم عالم بيولوجى على مر التاريخ وصاحب أكبر ثورة علمية فكرية أثرت فى كل مناحى واتجاهات الفكر الإنسانى، وسر تميّز داروين ببساطة هو عقله الجبار وخياله الجسور، الذى جعله يكتشف نظريته بمجرد الملاحظات والمقارنات بجهد يحتاج إلى مؤسسات وجامعات يعمل فيها مئات الباحثين، والمدهش أنه كلما تقدمت التكنولوجيا صارت تثبت صحة نظريته وترسخها وتعضدها أكثر.
وصلتنى تلك الرسالة من كندا بتلك المناسبة من طبيب الأسنان والكاتب الجميل د. خالد طلعت، لم أجد أفضل منها للتعبير عن تلك المناسبة، كتب خالد طلعت:
يحتفل العالم فى هذا اليوم من كل عام بميلاد أحد أكبر عباقرته وأخلدهم، وهو العالم الإنجليزى تشارلز داروين، صاحب السبق فى الكشف عن عملية تطور الكائنات الحية وأصل الأنواع.
يعتبر داروين من أكبر وأهم الأمثلة على خرافة أنك يمكنك أن تستدل على صحة شىء ما من إجماع الناس عليه، فلقد وقف وحيداً أمام العالم أجمع، بل وأمام جل علماء عصره، ليخبرهم بما قلب كل أفكارهم وقناعاتهم السابقة رأساً على عقب!
وقتها تمّت محاربته حرباً شرسة واتّهم بالكفر والإلحاد، وما إلى ذلك من التهم التى يلجأ إليها الخرافيون من كل دين لإرهاب من يجرؤ على الاختلاف، وعلى إعمال العقل فى ما يعتبرونه من المسلمات.
ومع ذلك، فلم تمضِ ثلاثون عاماً على وفاته فى ١٨٨٢ حتى قام ٤٠٠ من أبرز العلماء والمفكرين من جميع دول العالم بإقامة مؤتمر عظيم فى كامبريدج بإنجلترا فى عام ١٩٠٩ لمناقشة ما تم اكتشافه وقتها من أدلة علمية تدعم نظرية داروين وتؤكد صحتها، وهو ما دفع بهؤلاء العلماء -وكثير منهم كان يعارض داروين بشدة من قبل- للاحتفال بذكراه، رغبة منهم فى الاعتذار عما لقيه من حرب شرسة، ومن تسخيف لأفكاره الثورية!
وفى الخمسينات من القرن الماضى، وبعد الاكتشافات الحديثة فى علوم الوراثة، تم تأكيد معظم ما قاله داروين وإثباته معملياً، مما دفع بالمجتمع العلمى للاحتفاء به فى مؤتمر آخر أقيم فى جامعة شيكاغو عام ١٩٥٨، ثم بدأت الجامعات والهيئات العلمية فى الولايات المتحدة وكندا وباقى دول العالم المتحضّر تحتفل تدريجياً بيوم داروين كل عام، حتى أعلن فى عام ١٩٩٧ عن اعتبار يوم ميلاد داروين من كل عام يوماً لتخليد ذكرى هذا العالم العظيم!
اليوم اختلفت نظرية النشوء والارتقاء وتشعّبت كثيراً عما أتى به داروين، وتم سد الثغرات وتصحيح بعض الملتبسات بالنسبة لبعض التفاصيل، لكن الإطار العام الذى أتى به داروين ما زال سليماً، بل وتم تأكيده بما لا يدع مجالاً للشك بعد فك الشفرات الوراثية للكائنات الحية بالكامل وإدراكنا أننا جميعاً من بشر وحيوان ونبات وبكتيريا، بل وفيروس نتشارك فى الشفرات الوراثية نفسها، التى بنت الحياة، وأدت إلى تطورها وتعقّدها، وبعدما أصبح تطور جين ما أو صفة وراثية ما إلى جين آخر أو صفة وراثية أخرى ليس فقط عملية معروفة بدقة، بل أيضاً قابلة للتحكم صناعياً من قبل البشر، مما يجعل من إنكار التطور ليس أكثر من إعلان عن الجهل والإفراط فى البلاهة!

Friday, February 14, 2020

السلفيون يعتذرون أم ينتظرون؟ - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /13






عندما تغلق منفذ بيع الترامادول الدينى لكن المصنع ما زال يعمل بكفاءة وحماس ويدرب عمالاً جدداً ويحسّن جودة الصنف، فهذا ليس بالاعتذار ولكنه انتظار حتى تغفل أعين العسس فيبدأ توزيع المهام وجمع الغنائم وزيادة المنافذ.. احتفى الكثيرون باعتذار مشايخ السلفية عن بعض فتاواهم التى برروها تبريراً هشاً بأنهم قبلوا بعض الأحاديث الضعيفة طلباً للشهرة!! وهذا اعتذار مائع لم يصل إلى الصميم بعد، ففضلاً عن أن أحد المعتذرين كانوا يطلقون عليه «أعلم أهل الأرض بعلم الحديث»، وهذا يعنى أنه مرجع السلفية فى هذا الأمر، إلا أنه ما زال يرى الخطيئة مجرد خطأ، يعتذرون عن فتاوى الدم والخرافة والتغييب وتزييف الوعى بعد أن خربت مالطة وضاعت عقول ملايين الشباب بسببهم، هذا الذى جاء يعلن اعتذاره دعا إلى السبى والجهاد وذهب الآلاف بسبب فتاواه هو ورفيق رحلته السلفية إلى سوريا والعراق وداعش وطالبان. أحدهم أعلنها فى الجامع، والآخر أعلنها فى الاستاد أمام مرسى.
من يستعيد دم حسن شحاتة الشيعى الذى تم سحله وقتله بسبب فتاواهم؟ من ينقذ صورتنا أمام العالم وأحدهم يُفتى بأن رضاع الكبير بالتقام حلمة الثدى وأن حدّ الرجم طُبِّق على القرود!، والثانى يُفتى بأن الحديث يشطب على آيات من القرآن وينسخها؟! كل هذا ليروّجوا لبضاعتهم الراكدة، ويزيدوا من أرصدتهم البنكية. اعتذروا بعد أن امتلأت الكروش وبُنيت القصور ودارت موتورات الـ«فور باي فور» وصاروا نجوم رحلات العمرة والحج بقناطيرها المقنطرة، بعد أن توقف الدعم السلفى الوهابى جاءوا ليعلنوا التوبة والندم، المنهج الحرفى لم يعتذروا عنه، كل المشكلة لديهم فى الحديث الضعيف، وماذا عما تظنونه حديثاً صحيحاً لم يعد يناسب الزمن الآن، ألم تقسموا بأغلظ الأيمان وكفّرتم حتى بعض شيوخ الأزهر كالغزالى حين أعلن أنه لا يعترف بأحاديث موجودة فى البخارى وقال: كيف أصدق أن النبى موسى قد لطم ملك الموت!!
ماذا نفعل فى رضاع الكبير الموجود فى الصحاح وبول الإبل وجناح الذبابة ورجم القردة الزانية وقتل المرتد وسحر الرسول ومحاولة انتحاره والمرأة التى تقطع الصلاة كالكلب والحمار والنامصة والمتنمصة الملعونة والمتعطرة الزانية وجهاد الطلب والولاء والبراء وجهنم التى نُدخل فيها الديانات الأخرى وتقول هل من مزيد، والشمس التى تغرب فى عين حمئة والحجامة التى تشفى كل الأمراض والسبع تمرات التى تنقذ من التسمم وحبة البركة التى تغنينا عن كل الصيدليات... إلخ، كله فى الصحاح، ماذا نفعل إذا لم تغيروا المنهج نفسه؟؟!! كأنكم تقولون: سنخفف جرعة الترامادول الدينى ولكننا نبشركم بالكوكايين والهيروين!! عاصم عبدالماجد وأعضاء الجماعة الإسلامية الإرهابية وتنظيم الجهاد أعلنوا من قبل توبتهم فى السجون، وفوجئنا بعدها بأنها «تقية»، وما إن استتب لهم الأمر استباحوا دماءنا وقتلوا وحرقوا الأخضر واليابس، وهربوا إلى تركيا وقطر ومارسوا الخيانة والعمالة علناً. أغلقوا المصنع وبيعوا ماكيناته فى سوق الخردة، ولا تخدعوا الناس بمنح منافذ التوزيع إجازة مؤقتة، جففوا المنابع ولا تغطوا المستنقع بمفرش كانفاه.

Thursday, February 13, 2020

الطفيل ورائحة الفقر المزمنة - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /12

  شاهدت الفيلم الكورى «طفيلى» الحائز على أوسكار أفضل فيلم، كوميديا سوداء عن أنياب الرأسمالية حين تخترق لحم وأحشاء الفقراء وتشوه المجتمع بكل أطيافه لا تستثنى أحداً حتى الأثرياء، يبدأ الفيلم بقبو أو بالأصح مسكن كالقبو لا يرى الشارع إلا من خلال نافذة علوية تطل دائماً على السكارى وهم يتبولون، وينتهى بقبو فى قصر اختبأ فيه من قبل فقير هارب من الديون، ويختبئ فيه الآن فقير آخر هارب من ملاحقة الشرطة على جريمة قتل قد اقترفها، الفقر يورث التحايل على الحياة، العائلة الفقيرة لديها ذكاء فطرى يجعلها تتآلف مع تلك الحياة القاسية الضنينة البخيلة، كما تتآلف الحرباء مع أوراق الشجر ورمال الصحراء، سقف أحلامهم سرقة إشارة الواى فاى من الجيران، تبدأ خيوط السلسلة الجهنمية بالابن الذى يرشحه صديق لتعليم ابنة عائلة ثرية اللغة الإنجليزية، وتبدأ حلقات الخداع بتفاصيل ذكية لتوظيف كل العائلة، الأخت مُدرسة رسم للطفل الصغير، الأب سائق لرب العائلة، الأم مديرة المنزل، ذكاء الفقر الفطرى ينتصر على سذاجة أصحاب الحظوة من الأثرياء، العائلتان يضمهما عالم واحد، لكن الأولى لا ترى الشمس والثانية حديقتها بلا سقف يغمرها ضوء الشمس، الأولى تغرقها الأمطار الممتزجة بالصرف الصحى، والثانية تغسل الأمطار أشجار حديقتها وسقف قصرها، العائلة الفقيرة تستطيع أن تتخلص من كل مظاهر فقرها أمام العائلة الثرية، تتخلص من الملابس الرثة واللغة الخشنة، لكنها لم تستطع أن تتخلص من رائحة الفقر المزمنة التى لا تخطئها أنوف المليارديرات، يأتى الانقلاب حين يطمع الفقراء فى اختلاس لحظات نشوة فى القصر أثناء إجازة العائلة الغنية، لينكشف الستار عن قبو فى هذا القصر الذى صممه مهندس معمارى عبقرى ليسكن فيه قبل أن يبيعه، هذا القبو يختبئ فيه ضحية فقيرة أخرى وهو زوج مديرة المنزل السابقة، يتعرى الفقراء أمام بعضهم البعض ويحدث صراع شرس للاستحواذ على هذا الفتات الذى يسمح لهم بمجرد العيشة، وتأتى النهاية فى حفل القصر الذى كانت خاتمته مجزرة بشرية لا تستطيع وأنت تتابع إيقاعها الدموى إلا أن ترتعش من مصير هذا العالم إذا استمرت فيه تلك الفجوات المرعبة بين الأغنياء والفقراء، بين المنعمين والمعدمين، كانت مشاهد غرق القبو الذى تسكنه العائلة الفقيرة من أكثر المشاهد تعبيراً عن هذا الضياع الإنسانى فى مجتمع رأسمالى لا يرحم، هؤلاء الفقراء الذين يعتبرهم المجتمع طفيليات تمتص دمه النقى الأزرق وتلوث ياقته البيضاء، تساءل الابن وهو يطل على مشهد الحفل الفخم فى القصر المنيف: هل أنا أنتمى إلى هذا العالم؟، حلمه كان أن يستلقى على خضرة الحديقة ويستقبل الضوء بلا حواجز، انتهى الحلم بالدم وبالسكين، لكن رائحة الفقر لم تنته بعد، لم يتخلص من رائحة القبو التى تثبتها الرطوبة اللزجة بصمغ الحاجة والعوز.


الفيلم صرخة مكتوبة على شريط سينما بلغة عذبة وبسيطة وصورة مستفزة صادمة، فيلم ينتصر للإنسانية ويحذر: أنقذوا الإنسان قبل أن يتوحش.

Tuesday, February 11, 2020

د. محمد أبوالغار يكتب: متحف لعبقرية مصر فى العلم والفن ١١/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم

خلال عدة عقود، تدهورت أحوال مصر فى نواح مختلفة، وبعد أن كانت مصر فى النصف الأول من القرن العشرين هى القائد والرائد فى المنطقة لكافة أنواع الفنون والآداب والعلم الحديث بكافة فروعه والتعليم الراقى، للأسف تخلفت مصر كثيرًا عبر عدة عقود. تحول التفكير كله إلى سيطرة الغيبيات على الفكر والديماجوجية على المنطق وأصبحت أجيال من المصريين لا تعرف شيئًا عن رواد النهضة المصرية الحديثة فى العلم والثقافة وكافة فروع المعرفة.
فى أحد المتاحف فى فيينا يوجد دور كامل يعرف الناس بالرواد فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والذين أنقذوا النمسا بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية وصعدوا بها إلى دولة حديثة متقدمة تقوم على العقل والفكر.
أدعو أحد رجال الأعمال الوطنيين الفاهمين والذين عندهم حس مستقبلى حديث بالبدء فى إنشاء متحف مصرى جديد يقوم على نفس الفكرة. مصر معروفة فى العالم كله بتاريخها الفرعونى العظيم ولكن مصر لها تاريخ حديث هام جدًا. مصر كانت الدولة الوحيدة فى المنطقة التى كان فيها علماء على مستوى العالم المتقدم. مصر كان بها مفكرون وفلاسفة كبار، مصر أنجبت طه حسين الفتى الضرير الذى غيرت أفكاره أجيالًا كاملة وكان فكره ملء السمع والبصر فى المنطقة كلها. مصر هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى فاز أديبها نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب والذى أثر أدبه فى كل من يقرأ العربية وأثر فى الإنسانية جمعاء عن طريق كتبه المترجمة.
مصر قدمت الدكتور مشرفة عالم الطبيعة المبهر وأحمد زويل الذى حصل على جائزة نوبل. وأنجبت عالمًا فى الطب فى أول القرن العشرين كان معروفًا فى بريطانيا وله إنجازات موثقة فى كبرى المجلات العالمية وله متحف باسمه فى قصر العينى وهو الدكتور نجيب محفوظ باشا، وألقت رئيسة قسم التاريخ بجامعة نيويورك محاضرة كاملة عنه منذ شهرين فى جامعتها.
هناك عالم الجغرافيا العظيم جمال حمدان الذى كتب عبقرية مصر. وفى التاريخ هناك الكثيرون بدءا من الرافعى الذى قام بتوثيق ثورة ١٩١٩ إلى رؤوف عباس المؤرخ العتيد ومرورًا بالكثير من الفطاحل.
وهناك من حاول فى مصر الدخول فى عالم الفلسفة وقدم شيئًا جديدًا مثل عبد الرحمن بدوى وزكى نجيب محمود. وهناك كتاب فى مختلف فروع المعرفة أثروا فى أجيال مثل لطفى السيد وسلامة موسى وغيرهم الكثيرون.
أما فى الموسيقى والغناء فعندنا سيد درويش وعبد الوهاب وأم كلثوم والقصبجى والسنباطى وبليغ حمدى وعبد الحليم وليلى مراد وشادية وكثيرون آخرون، وعندنا فى الموسيقى الكلاسيكية أبو بكر خيرت وغيره وعندنا نجوم فى الأوبرا والباليه.
وفى الفنون التشكيلية عندنا مختار ومحمود سعيد وراغب عياد وأحمد صبرى وبيكار، وبعد ذلك أجيال الجزار وحامد ندا ونجوم أخرى كثيرة.
وعندنا فى الشعر أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وإبراهم ناجى وعلى محمود طه، وفى الشعر الحديث صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازى وعندنا فى شعر العامية فؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وأمين حداد وغيرهم. وفى السينما والمسرح كانت لنا الريادة بمخرجين وفنانين مبهرين، على رأسهم صلاح أبو سيف ويوسف شاهين. وعندنا نجوم مبهرون فى السينما والمسرح. نحن بدأنا المسرح فى المنطقة فى القرن التاسع عشر بيعقوب صنوع وبدأنا السينما بمحمد بيومى وتوجو مزراحى.
هذا متحف لمشروع الحضارة المصرية الحديثة فى العلم والفن ولذا يجب أن لا يشمل رجال السياسة ورؤساء الجمهوريات أو الملوك أو قادة الجيوش والشرطة، وكذلك لا يشمل رجال الدين ولا أى شخصيات دينية لأنه متحف لعبقرية مصر فى العلم والفن.
مصر التى تخلفت كثيرًا فى مجالات مختلفة خلال العقود الماضية محتاجة لدفعة معنوية لأهلها وشبابها وأطفالها ليعرفوا أن آباءهم وأجدادهم فى العصر الحديث، قدموا إنجازات كبيرة فى ظروف صعبة وإمكانيات ضعيفة وصعدت مصر على أكتافهم لتكون فى مقدمة المنطقة ولولا ظروف سياسية محلية وإقليمية وعالمية تكالبت على مصر وأضعفت روح شعبها وقدرته على الإبداع والانفتاح لاستمرت مصر فى مقدمة المنطقة. هذا المتحف يجب أن يكون مزارًا لكل المصريين وكل المدارس وطلبة الجامعات والشباب ليعرفوا أن مصر قادرة على أن تحقق شيئًا عظيمًا بأقل الإمكانيات.
المتحف يجب أن يحوى مكانًا لعرض إنتاج كل مبدع كبير من كتب أو كلمات، وكل موسيقى أو فنان مسرحى أو سينمائى يمكن سماع بعض أعماله من سماعات فى المتحف. كل فنان تشكيلى يوضع بعض من أعماله، والمفكرون وعلماء التاريخ والجغرافيا والاجتماع توضع لوحات مبسطة لإنتاجهم مع صور وشرح قصير. ويجب أن يكون فى هذا المتحف قاعة لعرض أعمال المبدعين دوريًا سواء كان فنانًا تشكيليًا أو كتابًا فى ندوة لأعماله أو أمسية شعرية أو عرض فيلم بحيث يكون هناك نشاط فنى دائم فى المركز. ويجب تنظيم رحلات صباحية للمدارس ليتعرف التلاميذ على عظمة مصر الحقيقية فى مبدعيها. ويتم فتحه يوم الجمعة للجميع برسم دخول بسيط ورحلات المدارس تكون مجانية.
أعلم أن الدولة المصرية مهتمة فقط بمتاحف الحضارة المصرية القديمة، ربما لأنها الأهم بالنسبة للعالم كله، ولأنها مصدر دخل هام من السياحة. ولكن بناء الحضارة المصرية الحديثة وتوسيع مدارك الأجيال الجديدة هو الذى سوف يقوم بتحديث مصر ويدفعها للأمام، ولا أعتقد أن هناك اهتماما حقيقيا فى ذهن المسؤولين عن الثقافة فى مصر لتشجيع وإبراز الفنون والحضارة المصرية الحديثة.
مصر تحتاج إلى دفعة معنوية حقيقية حتى يعرف الشعب الأمل فى المستقبل ويسعى إلى تحقيقه برعاية العلم والفن.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك..

الخيال سر النهضة الكورية - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /10






حصول الفيلم الكورى parasite «طفيلى» على أربع جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل فيلم رئيسى وليس أفضل فيلم أجنبى كالعادة والمتوقع، وهى الجائزة المحتفى بها التى تخطف الأضواء من كل الجوائز، ليس حدثاً عادياً ولا مألوفاً ولا يمر مرور الكرام، ولابد أن تفتح وتوسع الكادر بلغة التصوير السينمائى لكى ترى المشهد أفضل وتتعرف على دلالته أكثر، لأنها ليست مجرد جائزة لفيلم ولكنها جائزة لبلد ولدولة ولوطن استطاع أن يضع نفسه بقوة على خريطة الحضارة والمنافسة كتفاً بكتف اقتصادياً ورياضياً وعلمياً مع ديناصورات العالم المتقدم.
استطاعت كوريا بالخيال وإطلاق حرية الإبداع أن تحتل تلك المكانة وتبهر العالم كل يوم بقفزة جديدة ومتفردة، حطمت كوريا كل التوقعات والتخمينات التى وضعها عتاة صناعة السينما الهوليودية، فيلم يتحدث أبطاله لغة صعبة وغريبة، الأعجب أنه فيلم كوميدى نوعاً ما ودائماً الكوميديا درجة ثانية ولا تحتل مراكز متقدمة فى الترشيحات، والفيلم ليس فيلم أكشن ولا مغامرات ولا مطاردات ولا استعراض عضلات تكنولوجية، إنما هو قصة إنسانية لصراع عائلة كورية فقيرة وعائلة كورية ثرية، لكنه الخيال الذى قال أينشتين إنه ينقص العالم، وأشار إلى أنه شفرة التقدم وليس المعرفة كما هو متداول، الخيال أهم من المعرفة، عندما شاهدت فيلماً وثائقياً عن شركة سامسونج، اندهشت عندما عرفت أن هناك قسماً خاصاً داخل الشركة للخيال، الموظف فيه يتخيل ويبدع ما لا يمكن أن تصنعه الشركة الآن، ولكنهم يثقون أن بإمكانهم صناعته غداً، يفكر فى شكل تليفزيون جديد أو إمكانية موبايل غريبة لا تخطر على بال.. إلخ، كل وظيفته أن يتأمل ويتخيل ويرسم أفكاره الجنونية على الورق، وعلى المسئولين أن يحولوا ذلك الجنون إلى حقيقة ملموسة، من الممكن أن يظل أسبوعاً لا ينجز أى فكرة، لكنه بالنسبة لهم بنك أفكار وكنز إبداع يستحق أعلى المرتبات.
باختصار من يستطيع إبداع أفضل الموبايلات والسيارات والسفن وحتى مستحضرات التجميل.. إلخ، يستطيع ببساطة كنمر آسيوى صاعد أن يبدع فيلماً يخطف الأوسكار من فم أسد متروجولدين ماير، كما ابتلعت سامسونج الكورية نوكيا الفنلندية العريقة، شعب دمرته الحرب الكورية فى بداية الخمسينات، ربع البنية التحتية دُمرت و40% من المبانى السكنية خربت، وشمل الدمار حوالى 80% من محطات توليد الكهرباء فى البلاد، 68% من المصانع و46% من شبكة السكة الحديد، حتى أصبحت كوريا الجنوبية تتسول وتعيش على المعونات الخارجية، أصبحت الآن سادس أكبر مصدر للسلع والمنتجات على مستوى العالم، كما ينتظر أن يقفز اقتصادها من المركز الحادى عشر على مستوى العالم حالياً (١.٤ تريليون دولار) إلى أن يصبح من العشرة الأوائل على العالم، صار التعليم هناك من أفضل مستويات التعليم فى العالم، ويُرصد له حوالى ربع الميزانية.
لا أخفى انبهارى بالتجربة الكورية التى أثبتت أن النهضة الاقتصادية لا يمكن أن تحدث إلا بنهضة ثقافية أولاً.

Sunday, February 9, 2020

تكريم «لينين» بإنتاج أعماله - خالد منتصر - جريدة الوطن - 2/2020 /8









رحل لينين الرملى، أكبر كاتب كوميدى فى مصر منذ الثمانينات بلا منافس، ولكن من هم مثل «لينين» يظل عطاؤهم ممتداً لا يموت ولا يصمت، ليس لإبداعهم تاريخ صلاحية، كتبت عنه من قبل أن هناك عملاً كاملاً فى الأدراج لا بد أن يظهر إلى النور، نتمنى أن نراه فى الموسم القادم، بدلاً من ذرف الدموع فلنكرم «لينين» بإنتاج أعماله التى كتبها قبل رحلته إلى كهوف الذاكرة المفقودة، لينين الرملى ليس «مضحكاتى» من إياهم، ولا يكتب الكوميديا بغرض الزغزغة، دائماً هناك قضية تغلفها الكوميديا، من الممكن أن تكون قضية سياسية خطيرة مثل الديكتاتورية أو الاستعمار أو التناحر العربى، وممكن أن تكون قضية اجتماعية بسيطة مثل المظهرية والكذب الاجتماعى أو التشاؤم والتفاؤل، لكن كل القضايا خلفها قلم ذكى لماح رشيق ينسج الدراما بمهارة نحات إيطالى عظيم شرب الفن من منابعه وامتلك قبس سحره المراوغ، كنت أشاهد أيقونته «هند والدكتور نعمان» على قناة «دى إم سى دراما» قبل رحيله بمدة قليلة، هذا المسلسل درس فى فن كتابة الدراما الاجتماعية البسيطة الموزونة بميزان الذهب، حطم فيها كل ما هو متعارف عليه إعلانياً كشرط لنجاح مسلسل مصرى، أولاً عدد الحلقات قليل لا يتجاوز نصف عدد الحلقات التى تُعرض الآن، منتهى التكثيف، البطل فى سن الكهولة ولا يحمل سمات أبطال المسلسلات التى تبيع، تشاركه البطولة طفلة تحمل مسئولية الدراما كتفاً بكتف مع البطل، مسلسل ليس فيه أكشن أو ضرب أو مطاردات سيارات.. إلخ، ولكن فيه مواقف إنسانية هادئة تنتقل بين عدة بيوت بمنتهى السلاسة والروعة، أما الكوميديا فتنبع من الموقف ونسيجه وحبكته، ليس فيها الحزق ولا التطاول ولا الصراخ ولا التلاعب بالألفاظ، تبتسم بمنتهى الرقى والبهجة دون أن تفقد إنسانيتك أو تخجل من جرحك لإنسان أو تنمر عليه، لو بحثت فى تاريخ واحد من أجمل كوميديانات مصر فى الدراما التليفزيونية لن تجد أجمل من «ميزو»، وكذلك محمد عوض لن تجد أجمل من شراره النحس، أما محمد صبحى فلا بد أن تبحث عن عدم دقة البوصلة وانخفاض حرارة الكوميديا بعد انفصاله عن «لينين»، وهذا شىء واضح لكل المتابعين برغم تميز أداء وانضباط «صبحى»، فيلم «البداية» عادت فيه لياقة صلاح أبوسيف إلى قمتها فأخرج لنا، اعتماداً على نص «لينين»، واحداً من أجمل الأفلام فى تاريخ السينما فيلم «الإرهابى» الذى كان سلاحاً فكرياً وفنياً ساند السلاح العسكرى فى مواجهة الإرهاب، «سك على بناتك» مسرحية استعادت لنا فؤاد المهندس بعد غياب العملاق بهجت قمر، صاحب كيمياء «المهندس» و«مدبولى» الخاصة، لينين الرملى يحتاج إلى نظرة من شركات الإنتاج إلى أعماله التى لم تظهر إلى النور، وأتمنى فى ٢٠٢١ أن يتحقق الحلم.

الشباب.. وضبط الدوافع (الغرائز) بقلم الأنبا موسى ٩/ ٢/ ٢٠٢٠ - المصرى اليوم

تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن: أولاً: قوة الغرائز، ثانيًا: موقع الغريزة فى الكيان الإنسانى، ثم ثالثًا: موقع الغريزة فى الكيان الإنسانى.. ونستكمل موضوعنا..
رابعًا: أمثلة للدوافع (الغرائز):
أصبح العلماء يفضلون الآن كلمة «الدوافع» (Motives) بدلاً من الغرائز (Instincts)، فالغريزة موجودة فى الحيوان للأكل، والشرب، والتناسل، والهروب من الأخطار... إلخ.
يولد الإنسان وفى أعماقه غرائز (دوافع) كثيرة، وهى- بلاشك- مقدسة أصلاً وأساسية للحياة، ولحفظ الوجود الإنسانى. لكن الخطيئة بعد السقوط جعلت الغرائز تنحرف أو تضغط أو تخطئ.. ولكنها أساسًا كانت مقدسة حين خلقنا الله، ومازالت أساسية للحياة، فمثلاً:
- بدون غريزة «الجنس» لا زواج ولا نسل!!    - وبدون غريزة الأمومة لا حياة ولا نمو للأطفال.
وهذه بعض الأمثلة للغرائز (الدوافع):
١- غريزة الطعام والشراب: التى تجعل الطفل والفتى والشاب، الكبير والصغير، يهتم بأن يجد طعامًا ليأكل، ولو ضاعت هذه الغريزة لهلك الإنسان جوعًا.. وكذلك دافع «الشراب»، فالماء أساسى للحياة أيضًا!
٢- غريزة حب الحياة: فالإنسان فى أعماقه التطلع إلى الخلود، ولا يحب أن يموت، ولذلك يحافظ على حياته بكل ثمن، سواء من جهة السكن فى مكان مأمون من الحشرات أو الهجمات.. أو من جهة مراعاة الصحة الجسدية والعلاج.. أو الهرب من أى مخاطر تهدد الحياة.
٣- غريزة الجسد: التى بدونها ينقرض النوع الإنسانى، فهى أساسية ليس فقط للترابط والتعاون فى الحياة، ولكن فى النسل والإنجاب لاستمرار البشرية. ومن هنا ترفض الأديان أى خروج عن الجنس السليم المقدس، حيث يضيع هدف الحب النقى والتناسل، وتبقى فقط الشهوة الحسية الزائلة. كذلك ترفض الأديان الممارسات الشاذة، حيث تعتبرها انحرافًا بالطبيعة البشرية، وخروجًا على هدف الجنس السامى، ونوعًا من النجاسة الأكيدة، مهما حاول البعض الترويج «للجنسية المثلية» أو «الزواج المثلى» أو الادعاء أنها فى التكوين الجينى للإنسان، فهذه كلها ترهات، وقد أثبت ذلك العلم الحديث. وأيضًا أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من قبل، وكان على رأسها قداسة البابا شنودة الثالث، فى مجلس الكنائس العالمى، رفض وإدانة المثلية، استنادًا إلى تعاليم السيد المسيح، ونصوص الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد، والتعاليم المسيحية، وتعتبرها خطيئة تخالف الفطرة التى خلق الله البشر عليها.. ولهذا السبب أهلك الله فى العهد القديم أهل سدوم وعامورة وقت لوط.
٤- غريزة حب الاستطلاع: وهى جوهرية فى الوصول إلى الاكتشافات العلمية والجغرافية الأساسية للحياة الإنسانية، وكمجرد مثال أن حب الاستطلاع هو السبب فى اكتشاف القارة الأمريكية شاسعة الاتساع، بشمالها وجنوبها، وبما فيها من خيرات فى الزراعة والمواد الخام والبترول والغاز الطبيعى والفحم الحجرى والأنهار والأمطار.. وها هى تحوى مئات الملايين من البشر، القادمين من دول أخرى، ليعيشوا فيها مع أجيالهم.. بعد أن كانت تسكنها أقلية ضئيلة من السكان الأصليين. ونفس الكلام ينطبق على أستراليا.. وعلى كل منجزات العلم الحديث.. وهذا كله لخير الإنسان وإسعاده، مادامت الغريزة تسير فى الخط السليم.
٥- غريزة حب التملك: التى تجعل الإنسان يحب أن يقتنى وأن يغتنى.. ومادام هذا فى حدود ضبط القلب فى مخافة ومحبة الله، وعدم الاستعباد لرذيلة حب القنية، يكون الامتلاك مشروعًا، ويمكن أن يستثمره الإنسان لخيره الشخصى، وخير أسرته ومجتمعه.. وها نحن نسمع عن أغنياء أسخياء فى العطاء وكرماء فى التوزيع، مثال لذلك بيل جيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت» الذى كُتب عنه: «أغنى رجل فى العالم يتصدر قائمة المتبرعين لدعم الفقراء».. كذلك مارك زكوربيرج مؤسس «فيسبوك»، ولدينا فى تاريخ الكنيسة المعلم إبراهيم الجوهرى والأنبا أبرام، أسقف الفيوم، وكثيرون... إلخ.
٦- غريزة الخوف: وهى التى تجعل الإنسان حريصًا أن يبتعد عن كل ما يضر بحياته الجسدية، سواء من جهة الكوارث أو الأمراض، وتجعله يهرب أيضًا من كل خطر يمكن أن يهدد حياته، سواء من جهة البشر أو الطبيعة أو الحيوانات والآفات الضارة.. أو الإشعاعات الصادرة من أجهزة ونفايات.. أو من الأوبئة والأمراض، فها هو فيروس كورونا، الذى يهدد الصين وعددا من البلاد، وتتخذ دول العالم حاليًا احتياطات لمقاومة وصوله إليها.. أو من تلوث البيئة: الماء والهواء والغذاء.. هذه كلها أمور مشروعة وطيبة، وكذلك أساسية لحفظ الحياة، أما الحياة فهى عطية الله: «أَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَد» (أع ٢٨:١٧). وهى فرصة لتمجيد الله، كما قال القديس بولس: «مَجِّدُوا اللهَ فِى أَجْسَادِكُمْ وَفِى أَرْوَاحِكُمُ الَّتِى هِيِ للهِ» (١ كورنثوس ٢٠:٦).
إن كل مكونات الإنسان مقدسة، لتجعله سعيدًا فى الدنيا، تمهيدًا للسعادة فى الآخرة.
أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية