Translate

Thursday, June 29, 2017

أعارض السلطة وأتجاهل ذيولها بقلم د. عمار على حسن ٣٠/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

آليت على نفسى ألا أريق مداد قلمى فى معارك صغيرة ضد «خدم» السلطة ما دمت قادرا على أن أشهره فى وجه أسيادهم. وأكظم غيظى، وأمسك زمام أمرى، بقدر ما وسعنى، كلما حاول أى من كُتَّاب «العسس» و«الاسترزاق» و«النميمة» و«الرذيلة» أن يستدرجنى إلى منزلق جانبى، فينال شرفا لا يستحقه، ويحظى بالتفات لا يجب أن يذهب إليه، وهو من يسترخص قيمة «الكلمة» وقامتها، ويتاجر بالحروف والمعانى، ولا ينتمى إلى شىء سوى أنانيته المفرطة، ومصلحته العارضة، ويضع رأسه على الوسادة كل ليلة، وهو يعرف تماما أن ما يكتبه باطل، وما يقوله زور وبهتان، فإن نظر إلى المرآة بصق، ثم سقط على قفاه.
إن كل واحد من هؤلاء يرغى ويزبد، ويطلق الأكاذيب، ويرد على الصواب بالتدليس والنفاق، ويبحث عن توافه الأمور وصغائرها ليجرح اليقين، ويجهد نفسه فى وضع غربال ممزق أو سروال مهترئ ليحجب به شمس الحقيقة، التى تسطع فى سطور قاطعة كالسيف الباتر، كاشفة كالنور الغامر، فتفضح العصبة المستهترة التى يخدمها هذا أو ذاك بقلم مرتعش، وعجز ظاهر عن صناعة جملة متماسكة، أو عبارة متناسقة، أو سطر ليس به عوار، فحتى الإفك له أصول لا يجيدها هؤلاء.
وأريد أن أطمئن كلا من هؤلاء المساكين، الذين تاجروا بأقلامهم فسقطوا سقوطا مروعا، تاركين خلفهم وقائع مخزية يعرفها القاصى والدانى، أننى لن أنجر إلى المستنقع الذى يجذبنى إليه أى كاتب سلطة، يُملى عليه ما يكتبه، أو أدخل الجُبَّ المظلم الذى يريد أن يدخلنى فيه، فأقع مثله فى خطيئة الردح والقدح، التى يجيدها، أو النفاق الرخيص الذى يألفه، أو الجور على حق القراء الأعزاء فى مطالعة كتابة تعبر عن أشواقهم إلى الحرية والكفاية والعدالة، وحق الناس علينا فى أن نساعدهم كى يعرفوا ما يدور حولهم، وما يتعلق بهم، وما يشغلهم، ويمس حاضرهم ومستقبلهم، فهم أصحاب المال والسيادة والشرعية والإرادة.
إن أياً من هؤلاء لم ولن يفهم أن هناك من لا يسخّر قلمه لخدمة سلطان أو جاه أو مال أو منفعة ذاتية أو يسوّد الصفحات من أجل إرضاء رجال العسس وزوار الفجر، ولن يكون بمكنته أن يعى وجود من لا يقايض على حريته وشرفه، ولن يدرك أن هناك من ينحاز إلى الناس والحقيقة، ولا يريد من أحد جزاء ولا شكورا، وأن مبدأه فى الكتابة هو للناس الذين هم الأساس، ممتثلا لقول الرسول الكريم: «من كتم علما يُنتفع به أُلجم بلجام من نار»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «مثل الذى يعلم العلم ولا يحدّث به كمثل رجل رزقه الله مالاً فلم ينفق منه»، ولا يخرج مسلكه عن نص الدستور الذى يكفل حرية التعبير، وأيضا قول الشاعر:
«ومــا مــن كاتب إلا ويبـلى.. ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شىء.. يسرك فى القيامة أن تراه».
إن كل واحد من هؤلاء الكتبة، المملى عليهم، لا يضع هذا أمام عينيه حين يجلس إلى مكتبه المتضجر من انتهازيته، ويسكب المتناثر فى رأسه، وهو عابر خفيف، على ورق أكثر بياضا من عقله، بل تحل أمامه بين السطور صورة «سيده الصغير»، الذى ليس سوى خادم مطيع لسيد أكبر، فيتحرى الدقة فى ترجمة غضبه الماكر إلى شرر متطاير، وترجمة فرحه الساذج إلى رغاء أجوف، فينال تصفيقاً عابراً من شخص أو اثنين، أو رضاء لن يدوم، وينتظر ملهوفا، كعبد فى سوق النخاسة، ما سيدفع فيه، بينما يلعنه الناس فى كل مكان.
ويعتقد مثل هؤلاء الكتاب المأجورين أن زلات سيدهم، التى يجب كشفها وفضحها، ستكون فرصة سانحة لهك ليثبتوا له ولاء وانتماء وغيرة مصطنعة على الوطن، وأنها ستعطيهم فسحة من وقت لتستر فشلهم فى أداء المهمة الأساسية التى وضعوهم فى أماكنهم من أجلها، ويذهب بهم زهو مريض وخيلاء متهالك إلى توهم أن بوسعهم أن يرقصوا على آلام غيرهم، ويبنوا على أنقاض من سواهم، فيبذلوا جهدا جهيدا ليشحذوا هممهم الفاترة، ويستنهضوا أقلامهك الناضبة، ليرصوا سطورا ركيكة، ثم يقفوا بعد أن يفرغوا منها، منتفخى الأوداج والبطون، وهم يظنون أن الدنيا ستنشغل بما خطته أصابعهم المرتجفة، وأن شعرة واحدة فى رأس خصومهم ستهتز، وأن أفكاك أصدقائهم فى جهاز السلطة ستنفرج عن أسنانهم فرحا ومرحا، وأن الرجال مهيضى الأجنحة الذين ينتظرونهم خارج مكاتبهم، لم يحلموا بالجلوس فيها أبدا، سيصفقون لهم.
فإلى كل كاتب من أصدقاء السلطان: لتكتب ما تريد، وتملأ جريدتك بردود فارغة لا أصل لها ولا قرار، أو لتقص مقالك وتلصقه على قارعة الطريق، أو لتخلع ملابسك وتقف تهذى بـ«الحكاية المفضوحة» فى الميادين والشوارع والأزقة والحوارى، وحتى لو جئت متضرعا باكيا طالبا ردا ولو بحرف واحد، فلن يعيرك صاحب أى قلم شريف اهتماما، ولن يهتم بأن يذكر اسمك، أو يشغل الناس بما تكتب أو يكتب لك. فاهنأ بالظلام الذى تعيش فيه، واجمع قراءك القليلين، واطلب منهم أن يوقعوا على بيان للتضامن معك فى تسولك الرد والإجابة والنزال.
ولتعلم يا كاتب السلطة المسكين أن كل من تراه خصما لا يفكر فيك أصلا، لأن من العبث أن يتخذ منك قضية أو حتى أمرا يسيرا، وهو من يمتثل دوما لقول الله تعالى: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، واعلم يا هذا أن طريقك أنت و«أسيادك الصغار» و«أسيادهم الكبار» مسدود مع من تقصده، ويؤمن بالحرية ولا يقايضها بشىء، خاصة إن كان لا يريد ذهب المعز ولا يخشى سيفه.

شعور الصدمة والإهانة بقلم د. نادين عبدالله ٣٠/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

هو شعور صعب وقاسٍ يحس به من عبر عن تصوره فلم يعبأ به٬ ومن أفصح عن موقفه فتم تجاهله٬ وكأنه لم يكن. الأمر لا يتعلق بوثائق تاريخية ولا بحجج قانونية٬ ولا حتى بانتقال السيادة على الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية٬ وإن كانت عملية الانتقال أسرع بكثير عن المعتاد أو من المتعارف عليه دوليا. إنما تكمن الكارثة هنا فى تجاهل مشاعر وتصورات ومواقف وطلبات المصريين٬ والضرب بها عرض الحائط٬ وكأن لا اعتبار لها.
فالقضاء المصرى أقر بوضوح لا يقبل التأويل أن الجزيرتين مصريتان٬ وفقاً لما قدم له من وثائق وبراهين من قبل كل من المؤيدين والمعارضين لعملية انتقال السيادة. أما مجلس النواب فقد أقر الاتفاقية فقط صوريا فى شكل سريالى غريب يشبه التزكية عنه التصويت٬ وبعد محاولات مستميتة لإسكات المعارضين والضغط على كل من يتجرأ فيعرض وجهة نظر مخالفة. أما الشعب بجميع فئاته- مثقفيه، أحزابه٬ موظفيه٬ عامليه- فقد عبر أغلبه بوسائل شتى عن عدم الارتياح لهذا المسار٬ وعدم تقبل إدارة الأمر بهذه الطريقة المعيبة، ومن ثم كانت هذه القضية حديثا لمقالات لا تعد ولا تحصى٬ ولحوارات طويلة فى البرامج التليفزيونية٬ ومحركا لتظاهرات كثيرة ومتتالية فى الشوارع٬ وموضوعا لنقاشات لا تنتهى فى المقاهى والنوادى وفى القعدات الخاصة. بالقطع٬ اتجاه الرأى العام فى مصر كان واضحا لكل ذى بصر، فهو غير مؤيد لنقل الجزيرتين٬ على الأقل ليس بهذا الشكل، وبهذه السهولة وبتلك السرعة.
وبالرغم من كل ذلك٬ أصرت السلطة أن تسير فى مسار عكسى غير عابئة بأحكام القضاء فى سابقة خطيرة تطيح بدولة القانون فى مصر٬ وهو الدرب الذى سار عليه أيضا مجلس نواب يبدو وكأنه ينوب عن الحكومة وليس الشعب٬ لأن الأخير قد تم ببساطة استبعاده. وعلى نفس المنوال وبلا تراجع٬ تجاهلت السلطة كل المسارات القانونية والدستورية، سواء على المستوى الدولى أو المحلى بشكل مدهش٬ إن لم يكن مريب.
مؤلم أن تتناسى الدولة رأياً عاماً قوياً لم يتوحد بهذا الشكل وبهذه الطريقة حول قضية كتوحده حولها٬ وشعب لم يشعر بأن أحداً يمس ثوابته الوطنية٬ وحسه القومى مثلما أحس فى هذه القضية. شعور عام بالصدمة وإحساس مكتوم بالإهانة يظهر لمن يريد أن يراه٬ وينتشر بشكل عابر للطبقات فقط لمن يعترف به. أن يعبر أحدهم عن رأيه مراراً وتكراراً ويطالبك بالاعتداد به باعتبارك من تنوب عنه٬ لأن السلطة تنوب عن الشعب٬ فتخذله٬ فهى قمة الصدمة. أما أن يؤكد أحدهم تصوره بشكل قاطع ويسألك أخذه بمحمل الجد٬ باعتبار أن السلطة تخدم المجتمع٬ فتتجاهله٬ فهى قمة الإهانة. عادة ما تشعر السلطوية الإنسان بالقهر٬ وهو أمر ينتهى ويعبر بتغيير الأمور وتبديل الأحوال٬ أما الاستهانة فتحفر فى القلب جروحاً غائرة يسحب تراكمها تلقائياً من شرعية من تسبب فيها.
لذا وأخيراً٬ نتساءل: لماذا هذا الحجر الصارخ على الرأى؟ ولماذا كل هذا الاستعلاء على المجتمع؟ ولمصلحة من تراكم مشاعر المرار والغضب؟.. بالقطع٬ انتهاء قضية تيران وصنافير بهذا الشكل المؤسف سيظل كالغصة فى الحلق، تلك التى تقتل الروح لو لم تقتلع بمهارة أو تستوعب بذكاء.. فهل من يعى؟

رامى جلال - هل يفعلها السيسى؟ - جريدة الوطن - 30/6/2017

«الإرهاب والكباب» هو أفضل وصف لمذبحة المماليك بالقلعة عام 1811، عشاء فاخر تحول إلى مقتلة.. دعا «محمد على» قادة المماليك إلى قلعته، يوم الجمعة الأول من مارس (قبل عيد ميلاده ببضعة أيام)، ثم أعمل فيهم الرصاص فى حدود الساعة الثانية ظهراً (وكأنها الضربة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر 73).. قُتل فى القلعة نحو 470 من قادة المماليك، مع كل من صحبهم، حتى الخدم، وكذلك العامة ممن كانوا يلتحقون بالركاب افتخاراً.. بعدها ذهب الجنود لبيوت المماليك لسلبها ونهبها لأيام.
وقائع المذبحة نفسها مؤلمة، فمثلاً: «شاهين بك» قطعوا رأسه وذهبوا به مسرعين للوالى لأخذ البقشيش، أما «سليمان بك» فجرى لباب الحريم وصرخ: «أنا فى عرض الحريم»، وكان العرف يُحتم تركه، إلا أن الأعراف والتقاليد لم تزر القلعة فى هذا اليوم.. ووصل ثمانية من المماليك إلى «طوسون باشا» (ابن محمد على)، ونادوا عليه لينجدهم، فلم يستجب بالطبع (وهو بالمناسبة لم يكن يعلم بما خطط له أبوه).
فور النهاية قال الإيطالى «ماندريتشى»، طبيب «محمد على» لسيده: «اليوم يوم سعد لسموكم».. فشرب «محمد على» كوب ماء، ربما لبلع الموضوع، أو لإغراق ضميره.. وعلى طريقة الثانوية العامة الشهيرة «لم ينجح أحد»، كادت المذبحة تحذف حرف الحاء فحسب لترفع شعار «لم ينج أحد»، إلا أن «أمين بك»، أفسد هذا التناص اللغوى؛ فقد تأخر لدقائق بفعل محاولات زوجته «جميلة» إثناءه عن الذهاب لملاقاة «محمد على»، وحين سمع صوت الغدر والرصاص قفز بحصانه من مسافة عشرين متراً، فمات الحصان المسكين، وهرب صاحبه بعد إغماءة بسيطة.. ذهب الرجل إلى سوريا وسمى نفسه «سليمان»، وهربت زوجته إلى لبنان وسمت نفسها «سلمى»، وبعد قصة درامية طويلة اجتمع شملهما مع ابنهما «غريب» الذى وُلد بعد الهروب.. (ألهمت تلك القصة الأدباء مثل: اللبنانى «جورجى زيدان» مؤلف رواية «المملوك الشارد»، والفرنسى «ألكسندر ديماس» مبدع قصة «خمسة عشر يوماً فى سيناء»). رتب «محمد على» لمذبحته العزيزة بدقة؛ فقبلها أغرى المماليك ليتمركزوا بالقاهرة، وجعل حياتهم مترفة بعيداً عن ميادين القتال.. وفى أثناء المذبحة كان الترتيب أكثر دقة؛ وقت دخول القلعة وُضعت فى المقدمة فرقة الأدلة بقيادة «أوزون على» ثم «محمد على» نفسه، ثم رئيس فرقة الانكشارية العسكرية (وكان يدعى الأغا)، ثم وزير المالية (وكان يسمى المحتسب)، ثم مجموعة من الكبراء بترتيب الأهمية، ثم الألبانيون بقيادة «صالح فوج» وبعدهم المماليك، يتقدمهم «سليمان بك البواب»، وخلفهم المشاة والفرسان وأصحاب المناصب (لاحظ الكماشة).. وفجأة أُغلق الباب الرئيسى واتخذ الألبان مراكزهم وأطلقوا الرصاص من كل اتجاه، وأنجزوا أضخم عملية اغتيال سياسى فى العالم، كل هذا و«محمد على» جالس يدخن النرجيلة فى مكان يمكن منه رؤية الجميع، فيما يتوارى هو عن كل العيون.
مذبحة القلعة عمل لا أخلاقى، أرق ضمير «محمد على» لسنوات، وجعل زوجته «أمينة» تهجره إلى الأبد، لكنه على الجانب الآخر أزال عقبة كانت تقف أمام تقدم الدولة.. وأى حاكم الآن لن يتمكن من تحقيق أى تقدم حقيقى لمصر إلا بمذبحة تقضى على الجهل والمرض والفقر (بهذا الترتيب)، ولدينا بالفعل رؤية جيدة مكتوبة وهى «رؤية مصر 2030»، وهى تحتاج لآليات واضحة وإطار زمنى دقيق، وقبل كل ذلك إرادة سياسية حقيقية.. فهل يفعلها السيسى أم ننتظر آخر؟

خالد منتصر - قضاتنا لا يقطعون يد السارق فهل سيطبق عليهم قانون الكراهية؟! - جريدة الوطن - 30/6/2017

ما زلنا مع مقدمة قانون الكراهية الكريه الفاشى الذى قدمه الأزهر إلى الرئيس، وما زلنا مندهشين من تعبيراته المطاطة ومصطلحاته الـ«أول سايز»، كلماته مثل الأستك تنكمش وتمتد حسب الطلب، ولذلك يحتاج هذا الأستك القانونى إلى أستيكة شعبية لمسحه ورفضه، طبقوا مواد قانوننا الحالى ففيه النجاة، واقتنعوا كدولة وشعب بمبدأ المواطنة فى الدولة المدنية التى هى دولة القانون وليست دولة الفتوى ولا الملالى، وللأسف شعار «قدم لى صباعك حاكل دراعك» هو المبدأ الذى يتسلل من خلاله رجال الدين إلى السيطرة على حياتنا من خلال فزاعة لماذا لا تريدون حكم الله؟!، والحقيقة أنه ليس حكم الله ولكنه حكمهم هم، يبدأون بطلبات بسيطة كجس نبض ثم عندما يجدون هرولة وانسحاقاً من الدولة يطلبون المزيد ثم المزيد إلى أن نتحول، ودون أن نشعر، إلى دولة دينية بصورة رسمية، لنصبح الشعب الذى عزل جماعة الإخوان لتحكم جماعة رجال الدين!!، سأحكى لكم سيناريو بسيطاً متوقعاً وسأطرح أسئلة شرعية بديهية؛ ينص قانون الكراهية على أنه سيطبق على التأويلات المغرضة والتفسيرات المنحرفة، وبالطبع أصحاب القانون أو بالأصح محتكرو تفسيره وقطع غياره مقتنعون بتطبيق الحدود، وبأن تطبيق الشريعة فى مصر ما زالت تنقصه تلك الثغرة الخطيرة، ولنأخذ كمثال مداخلة الراحل د. محمد رأفت عثمان على قناة «دريم» فى مارس 2012 وتعمدت اختيار هذه الفترة بالذات لأن الكثيرين من رجال الدين الرسميين حينذاك عبروا عن المكنون المسكوت عنه من رغباتهم الحقيقية التى كانت سرية وخرجت إلى العلن مع حكم الإخوان، قال د. عثمان: لا بديل عن تطبيق الحدود تطبيقاً لشرع الله، وأكثرهم استنارة الآن يقول الحدود ستطبق لكن عندما يحين الوقت الملائم، وطبعاً لو قالت هيئة كبار العلماء، التى تملك الـ«ستوب واتش» الإيمانى، إن الوقت مناسب الآن سنقول آمين وإلا طُبق علينا قانون الكراهية!، السؤال الآن هل رئيس الدولة والحكومة التى لا تنفذ الحدود طبقاً لتأويل ما أو تفسير مختلف لمقاصد الشريعة سيطبق عليهم قانون الكراهية، وسيتهمون بأن تفسيراتهم منحرفة وتأويلاتهم مغرضة؟!!، هل قضاتنا الذين لا يحكمون بقطع يد السارق أو رجم الزانية أو جلد شارب الخمر.. إلخ، هؤلاء ستطبق عليهم نصوص قانون الكراهية نظراً لأفكارهم الشاذة؟!!، هل الدولة لديها الشجاعة ومستعدة أمام العالم الآن أن تعلن أنها ستطبق تلك العقوبات البدنية التى تجاوزتها مواثيق حقوق الإنسان وأعلن المجتهدون المستنيرون بأن تغير الظروف يؤدى إلى تغير أحكامها؟!، وإذا كان الشيخ الطيب كشخص مقتنع بأن قانوننا المصرى مطابق لمقاصد الشرع فماذا يضمن لنا إذا تغير الشخص وغلب التيار السلفى؟، ولا يرد شخص بكلمة مستحيل، فلنا فى حكم الإخوان الذى كان على بعد خطوة من الإتيان بالإرهابى عبدالرحمن البر شيخاً للأزهر وهو الذى كان عميداً ولديه كل مؤهلات المشيخة على الورق وقتها!!، والحمد لله جاءت 30 يونيو لتنقذنا من عبدالرحمن البر وجماعته، ولكنها أنقذتنا من الأشخاص لنقع فى براثن الأفكار والقوانين التى ستوقعنا ثانية فى فخ تلك الجماعة وهؤلاء الأشخاص، والسقوط هذه المرة سقوط بلا قيام.

د. عماد جادن - حن والديمقراطية - جريدة الوطن - 30/6/2017

كثيرة هى النظريات التى نشأت فى الغرب كى تفسر غياب الديمقراطية فى دول الشرق، وعندما نقول دول الشرق فإن المقصود بها التى تسود فيها الثقافة الشرقية، ومن ثم فهى تشمل روسيا الاتحادية، الصين وجوارها، إضافة إلى العالم العربى، اتسمت هذه الدول بمقاومة الديمقراطية وفق المفاهيم الغربية، فقد قاومت الثقافة السائدة فى الشرق مكونات الديمقراطية وفق المعايير الغربية، وابتدعت لنفسها أطراً خاصة بها، تارة يتحدثون عن المستبد العادل، وأخرى يتحدثون عن ظل الإله على الأرض، خليفة الله الذى يحكم باسمه، ويرى فى المقدسات مصدراً للسيادة وليس الشعب، ومن ثم فمن يقاوم الحاكم إنما يعصى الخالق، سادت هذه المجتمعات أفكار وليدة نظرية «الاستبداد الشرقى» وقيل إن الشرق شرق والغرب غرب، بمعنى أن لكل منهما طابعه الخاص وسمات شعبه تجعله متميزاً عن الآخر.
تحايلت نخب الشرق فى بحثها عن بدائل الديمقراطية الغربية وابتدعت أشكالاً للحكم مختلفة ومتنوعة، كان هناك الحكم الإمبراطورى (الصين) والقيصرى (روسيا) والخليفة (تركيا والعالم العربى) ومع اتساع موجة انتشار الديمقراطية وفق المعايير الغربية، هناك من قاوم هذه الظاهرة وحافظ على أسس نظام الحكم دون تغيير (الصين) أو مع قدر من التغيير الشكلى (روسيا الاتحادية) أو عمل على استيراد بعض الأشكال المؤسسية دون الجوهر (مثل عدد من الدول العربية الشرق أوسطية) ومنها من ظل يتخندق وراء الخصوصية والهوية ليرفض التكيف (دول الخليج العربى وفى مقدمتها السعودية). وفيما يخص علاقتنا بالديمقراطية، نقول بوضوح إن الديمقراطية هى ثقافة ومجموعة من القيم مثل الحرية، المساواة، قبول التنوع والتعدد والاختلاف، المواطنة، حرية الرأى والاعتقاد، حرية التعبير... وغيرها من تلك القيم الإنسانية المصاحبة للديمقراطية والمؤسسة لها، هذه القيم تتطلب مجتمعاً له مواصفات خاصة تتعلق بالإنجاز المادى والمعنوى، إذ لا بد من تحقيق إنجازات كبرى فى التعليم والقضاء على الأمية والجهل، فلا ديمقراطية فى مجتمعات ترتفع بها معدلات الأمية، كما لا بد من تحقيق معدلات مرتفعة لمتوسط الدخل السنوى للأفراد، فلا ديمقراطية فى مجتمعات فقيرة ترتفع فيها معدلات الفقر بالمعايير العالمية، فالفقر والجهل يؤديان إلى انتشار الخرافات، وسهولة سيطرة رجال الدين على العقل الجمعى، وتجهيز الشعب للرضوخ للحاكم وفق المقولة الخالدة «الدين أفيون الشعوب». طبعاً هناك نظريات ورؤى تقول بإمكانية انتشار الديمقراطية فى مجتمعات ترتفع فيها معدلات الفقر والجهل، ويتخذون من الهند نموذجاً لذلك، لكن علينا أن نلاحظ أن النموذج الهندى فقد باكستان على أساس دينى، ومن الأخيرة خرجت بنجلاديش، ولا تزال المشاكل المتراكمة تعوق عمل النموذج الهندى، مقابل نموذج كوريا الجنوبية الذى أغلق ملف الديمقراطية لتحقيق معدلات تنموية مرتفعة، ارتفعت معها معدلات التعليم، فولدا لاحقاً الطلب على الديمقراطية وقد كان فتحولت كوريا الجنوبية بعد حكم غير ديمقراطى إلى دولة ديمقراطية غادرت العالم الثالث التى كانت تشاركنا فيه وقفزت من العالم الثانى لتتصدر دول العالم الأول وتصبح نموذجاً فى التطور الاقتصادى والسياسى. ما نريد التأكيد عليه هنا هو أن طريق الديمقراطية طويل للغاية بالنسبة لنا، ولن يتحقق فى ليلة وضحاها، فهناك معوقات ثقافية وفى التراث الشعبى، وهناك ارتفاع معدلات الفقر والجهل، وهما من أكبر معوقات التحول الديمقراطى، ومن ثم فإن النضال من أجل الديمقراطية ينبغى أن يوجه إلى تحقيق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة أولاً، ورفع معدلات وتحسين محتوى التعليم، وبها سوف يتزايد الطلب على الديمقراطية تلقائياً.

خالد منتصر - هل سنطبق على محمد عبده والغزالى قانون الكراهية؟! - جريدة الوطن - 29/6/2017

فى تصريح للمستشار القانونى لشيخ الأزهر لجريدة «اليوم السابع» قال إن وراء إصدار قانون الكراهية الذى تقدم به الأزهر إلى الرئيس السيسى محاربة الأفكار الشاذة، وفى مقدمة وديباجة القانون كتب أن المقصد هو محاربة التفسيرات المنحرفة والتأويلات المغرضة.. الخ، بهذا الكلام الفضفاض الـ «أول سايز» القابل لأى تفسير والمفتقد لأى صياغة قانونية دقيقة تم عرض هذا القانون الذى لو تم تطبيقه لعدنا إلى عصر الكهف ومحاكم التفتيش وخطايا وفاشية الدولة الدينية، فالمعيار مع الشيوخ والترمومتر مع هيئة كبار العلماء والرادار حكر على رجال الدين، والاجتهاد حسب المزاج وطبقاً للاستظراف والقرب والحظوة، حتى الشيخ المجتهد لكنه ليس على المزاج أو خارج دائرة الشلة فهو مطرود من جنة توزيع صكوك الغفران ومن الممكن جداً تطبيق قانون الكراهية عليه.
وقت أن كتب الشيخ محمد عبده أفكاره وأعلن فتاواه اتُهم وقتها بأنه يعرض أفكاراً شاذة وتأويلات مغرضة وتفاسير منحرفة، ووقت أن كتب الشيخ محمد الغزالى كتابه الشهير عن السُنّة انقلبت الدنيا فى السعودية ومصر وتم الرد عليه بأكثر من 14 كتاباً؛ كلها تتهمه بالتفسير المغرض والفكر الشاذ والتأويل المنحرف الفاسد، بل كفّروه!!، السؤال: هل سيطبق الأزهر قانون الكراهية المزعوم -المفصّل خصيصاً للحصول على مكاسب لهم- على الشيخ محمد عبده والشيخ الغزالى وسعد هلالى وغيرهم من أصحاب الأفكار التى قيل عنها شاذة والتى من الممكن بتركيبة مختلفة من المشايخ الذين يحتكرون التقييم أن يصفوها بـ «الشاذة» مرة أخرى، وهذه بعض الأفكار الشاذة المغرضة المنحرفة لإنعاش الذاكرة:
أولاً: رفض الشيخ الغزالى حديث فقء سيدنا موسى عين ملك الموت، كتب فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، الذى هوجم عليه أقسى هجوم وأُلِّف ضده 14 كتاباً، قال الشيخ الجليل: «إن الحديث صحيح السند، لكن متنه يثير الريبة، إذ يفيد بأن موسى يكره الموت، ولا يحب لقاء الله بعد ما انتهى أجله، وهذا المعنى مرفوض.. ثم هل الملائكة تعرض لهم العاهات التى تعرض للبشر من عمى أو عور؟!!.. لما رجعت إلى الحديث فى أحد مصادره ساءنى أن الشارح جعل رد الحديث إلحاداً!»، ويستنكر «الغزالى» أى دفاع عن الحديث ويقول: «إنه دفاع تافه لا يساغ، ومن وصم منكر الحديث بالإلحاد فهو يستطيل فى أعراض المسلمين، والحق أن فى متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة»، انتهى نقد الشيخ الغزالى للحديث الموجود فى الصحيح، فهل هو ملحد ومزدرٍ كونه رفض هذا الحديث؟! وهل ستطلقون عليه قانون الكراهية؟.
ثانياً: رفض الشيخ الإمام محمد عبده حديث سحر الرسول، وقال: «لا يخفى أن تأثير السحر فى نفسه يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئاً، وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض فى الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان فى بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا} وليس المسحور عندهم إلا من خولط فى عقله، وخُيّل له أن شيئاً يقع وهو ما لا يقع، فيُخيل إليه أنه يوحَى إليه ولا يوحَى إليه»، ثم يواصل الإمام محمد عبده وجهة نظره قائلاً: «وأما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها فى باب العقائد، وعصمة النبى من تأثير السحر فى عقله، عقيدة من العقائد، لا يؤخذ فيها بالظن المظنون»، هل تعرفون حكم الشيخ محمد عبده الرافض لحديث السحر عند الشيخ «ابن باز» حسب الفتوى رقم 6280 (راجع موقع نداء الإيمان)، هذا هو حكم الشيخ «ابن باز» عندما سُئل عن منكرى حديث السحر: «يجب اعتزالهم وعدم مخالطتهم؛ اتقاءً لشرهم، إلا إذا كان الاتصال بهم من أجل النصح لهم وإرشادهم، أما الصلاة وراءهم فحكمها حكم الصلاة وراء الفاسق، والأحوط: عدم الصلاة خلفهم؛ لأن بعض أهل العلم كفّرهم»، يعنى: الشيخ محمد عبده كافر ولا يصلَّى وراءه من وجهة نظركم وعلينا أن نسجنه طبقاً لقانون الكراهية ونشر الأفكار الشاذة!!

Tuesday, June 27, 2017

خالد منتصر - المتحرش والإخصاء الكيميائى! - جريدة الوطن - 28/6/2017

مشروع قانون إخصاء المتحرش الذى تحاول تقديمه نائبة مجلس النواب المحترمة كل فترة، ليس مجرد ورقة أو دراسة أو طلب أو اقتراح، ولكنه أكبر وأعمق وأخطر من ذلك، إنه إشارة لحالة هزال فكرى وكساح عقلى تمر بها مصر منذ فترة طويلة، فالنائبة قد أجهدت ذهنها فى اختراع وسيلة عقاب تقضى بها على ظاهرة التحرش الجنسى، بدأت بالإخصاء الجراحى وانتهت بناء على انتقادات أعضاء المجلس بحل مخفف وهو الإخصاء الكيميائى عن طريق أدوية تسبب الضعف الجنسى وفقدان الرجولة!!، والحمد لله أنها لم تطالب بصب ماء النار على الأعضاء التناسلية للمتحرشين تحت قبة البرلمان وبإشراف من لجنة الصحة فى المجلس كطريقة من الطرق الكيميائية للنائبة البرلمانية!، نحن مبدئياً نتفق على بشاعة وسفالة جريمة التحرش، لكن لا يعنى هذا أن نطبق القانون القبلى البدائى البدنى الذى صار فى متحف التاريخ وتجاوزته الحضارة، الوعى الجمعى فى مصر ما زال واقعاً تحت تأثير تلك القبلية الهمجية، مثل ما نسمعه من مطالبات الإعدام فى ميدان عام أو قطع رأس القاتل أمام ابن القتيل.... الخ، إنه انتقام لحظى يرضى غريزة التشفى لكنه يخلق ألفة مزمنة مع مشاهد أشلاء مبتورة وعنف معلن، تنتقم من مجرم لتخلق نسخاً من ملايين المجرمين بإماتة قلوبهم وتخدير أرواحهم وتنويم تأففهم من مشاهد العنف الفاشية. الخلل الفكرى الذى يعبر عنه الإلحاح على إخصاء المتحرش وغيرها من مثل تلك المطالبات التى تطلب المثلة البدنية للانتقام، تتلخص فى أننا مجتمع شكلى لا يتعمق فى دراسة الظاهرة وجذورها بل ينشغل وينخدع بثمارها، مجتمع الجرى وراء البعوض بدلاً من تجفيف المستنقعات، مجتمع منافق يجعل من المرأة وسواساً قهرياً ومن النصف الأسفل انشغالاً مزمناً وإدماناً يومياً، مجتمع مكبوت جنسياً، مزيف الوعى، الرجل فيه يتحرش ليس لاقتناص اللذة وإنما لإثبات التفوق الذى دشنه له المجتمع وأعطاه جواز مرور لممارسته وشيكاً على بياض لصرفه فى أى ميدان أو شارع من خلال ماكينة الـ «إيه تى إم» لجسد المرأة المشتهاة!، مجتمع يخرج فيه شيخ كبير يصفونه بالمستنير ليقول إن المرأة التى لا ترتدى الحجاب فى الشارع أسقطت رخصة حمايتها من غض البصر!!، يعنى حلال فيها التحرش!، هل الإخصاء سيكون الحل أيتها النائبة المحترمة لكل تلك الظاهرة المركبة المعقدة؟!، ولماذا حلولنا دائماً «one way»؟، قطار فى اتجاه واحد لا يخرج عن قضبان المألوف!، هى مصرّة على حل الإخصاء فقط وعندما انتقدت خرجت من حجرة الإخصاء الجراحى لحجرة الإخصاء الكيميائى!، مما ذكّرنى بالرجل الذى غيّر اسمه من شفتورة الجحش إلى حسونة الجحش!، مجرد تغيير لافتة ظاهرية، إنما المضمون كما هو، نحن أمهر أمة فى التاريخ تدهن الحوائط المخوخة التى بلا أسمنت وتزين الدواليب المسوسة التى بلا خشب ونغلق جروحنا على صديد وقيح!.

د. عماد جاد - إجرام يفوق الخيال - جريدة الوطن - 28/6/2017

كشفت التحقيقات مع الخلية الإرهابية التى أوقفتها الأجهزة الأمنية المصرية قبيل عيد الفطر، وهى مكونة من شخصيات مصرية تربت على أرض مصر، وعاشت وتعيش بيننا، عن حالة متقدمة للغاية من الإجرام والرغبة فى القتل والتدمير لا تحدها حدود، فقد كشفت التحقيقات عن الإعداد لثلاث موجات من التفجيرات الانتحارية، الموجة الأولى جرى التخطيط لها بحيث تكون داخل كنيسة بمدينة الإسكندرية، أو أمامها مباشرة، بحيث توقع أكبر عدد من الضحايا من المواطنين المصريين المسيحيين، والموجة الثانية ستحدث بعد مجىء قوات الأمن وعربات الإسعاف التى ستتولى نقل الضحايا والمصابين، بحيث يسقط أكبر عدد من الضحايا من بين المصابين ورجال الأمن والإسعاف، وكل من يتجمع لمتابعة الجريمة، وهنا سيكون الضحايا مزيجاً من المسيحيين والمسلمين، أما الموجة الثالثة فقد خططت الخلية الإرهابية لها لتكون أثناء تشييع جثامين الضحايا، أو أثناء العزاء الذى سيقام للضحايا، بحيث يتم إيقاع أكبر عدد من المعزين.
تكشف هذه العملية المركبة عن عقلية إجرامية تفوق الخيال بالفعل، فالعملية تستهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا المصريين من مسيحيين ومسلمين، والهدف الحقيقى هنا هو إحداث حالة من الفوضى فى البلاد وإشاعة أجواء الخوف، ومن ثم ضرب الشعور بالأمن والاستقرار الذى بدأ المصريون يشعرون به لأول مرة منذ سنوات. هذا الإجرام لا يمكن أن يكون وليد فكر محلى، بمعنى أن هذا التفكير ينتمى إلى فكر إقليمى تكرر فى العراق بالأساس، فتفجير النفس فى التجمعات وتفجير سرادقات العزاء هو فكر داعشى ظهر فى العراق بالأساس، ومن ثم فالتخطيط والترتيب لكل هذه الجرائم وراءه فكر داعشى مجرم لا ينتمى للإنسانية بصلة، فكر متوحش ينتمى إلى مراحل ما قبل التحضر. لكن ما علينا إدراكه والتعامل معه أن أدوات التنفيذ مصرية بالكامل، فالذين كانوا سيفجرون أنفسهم، مصريون تربوا بيننا ويعيشون على الأراضى المصرية، صحيح بعضهم قد يكون تلقى تدريبات على أيدى دواعش فى سوريا والعراق، إلا أن الصحيح أيضاً أنهم مصريون ماتت قلوبهم وتحجرت عقولهم بفعل غرس فكر داعشى متطرف من قبل عناصر سلفية تعيش بيننا أيضاً، وقد شهدنا وجوههم خلال عام حكم المرشد والجماعة، فقد ملأوا الشاشات حضوراً، وكانوا يعبرون عن قناعاتهم الفكرية ومعتقداتهم الأيديولوجية المعادية لكل ما ينتمى للإنسانية والحضارة الحديثة، فهذه النوعية من البشر تحمل فكراً معاكساً لكل ما هو إنسانى. لديها شهوة غير طبيعية لرؤية الدماء والأشلاء، ونزعة دموية تفوق ما لدى الحيوانات المتوحشة فى البرارى، ففى عالم الحيوان رحمة لا تتوافر لدى هؤلاء، فقد نقلت القنوات التى تغطى الحياة البرية مشاهد متنوعة لحيوانات مفترسة، مثل الأسود والنمور تحجم عن التهام فريسة لصغر عمرها، كم من مرة أحجم أسد ونمر عن التهام غزال وعجل لمجرد أنهما حديثا الولادة، وتحول الحيوان الكاسر فى لحظة إلى أليف يداعب ويلاطف الفريسة الصغيرة، بل ويحميها من هجمات أقرانه الذين أرادوا التهام الضحية الصغيرة. هذه المشاعر التى توافرت فى قلوب حيوانات متوحشة كاسرة، لم تتوافر فى قلوب الدواعش وأمثالهم من المتطرفين الدمويين الذين يفجرون أنفسهم وسط بشر دون التوقف أمام نوع وعمر الضحايا، بل منهم من قام بأكل أكباد الضحايا فى سوريا.
نحن أمام ظاهرة إجرام غير طبيعى يتجاوز حالة التطرف والتشدد، ومن ثم لا بد من مواجهة هذه الظاهرة بتفعيل القانون، واختزال الإجراءات وتطبيق الأحكام فوراً لتحقيق أهداف القانون، ومن بينها الزجر والردع، أو الحد من هذه الظاهرة المخيفة، التى بدأت تنتشر فى مجتمعنا.

مشروع قانون الأزهر نكسة للحريات والمساواة والدراسات الإسلامية بقلم د. محمد أبوالغار ٢٧/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

حين قدم الأزهر إلى الرئيس مشروع قانون عنوانه «مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين» توقفت أمام مخاطر ضخمة.
أولاً: هل بنود هذا القانون غير موجودة فى القوانين الحالية؟، والإجابة كانت واضحة، كل نقطة فى هذا القانون موجودة فى قوانين قائمة. أليس قانون العقوبات المصرى مليئا بكل هذه المخالفات؟.
ثانياً: يوجد قانون سيئ اسمه ازدراء الأديان ومع ذلك يتم إهانة الديانة المسيحية علنا من ميكروفونات الزوايا جهارا نهارا ولا شىء يحدث، السادة قيادة الحزب السلفى يدلون بأحاديث كلها موجودة فى التليفزيون وعلى وسائل الإعلام تشتم المسيحيين ودينهم وتحض على عدم مصافحتهم أو صحبتهم، هل حدث شىء لهم؟ طبعا لا، لأنهم حبايب النظام ولهم وضع خاص. الشيخ الأزهرى الذى أعلن فى التليفزيون أن صحيح الإسلام يقر بأن المسيحيين كفار (لنا أن نتصور معنى هذه الكلمة عند العقل الجمعى لعامة الشعب). لكن تم عقاب الروائى أحمد ناجى لكتابته رواية أو شاعر كتب قصيدة أو مفكر قال رأيا أو كاهن مسيحى رد على الشيخ الذى قال إن المسيحيين كفار. القوانين موجودة وتطبيقها معوج فى نظام غير عادل.
ثالثاً: فى المقدمة يطالب المشرع بعقاب من يقدم تأويلات محرفة لبعض نصوص الكتب السماوية وعبرت عن اجتهادات خاطئة لبعض المفسرين للدين. هذه المقدمة مستفزة وتعبر عن فكر تآمرى، هل كل مفكر أو مجدد يحاول حل أزمة الدين الإسلامى فى العصر الحديث التى لم تحل بالطريقة التقليدية فى التفكير يعتبر من الخوارج، وأيام كان الأزهر منفتحا على كافة المذاهب والتفسيرات من كافة الاتجاهات وهى أمور موثقة ومعروفة داخل الأزهر، كان يجد حلولا لمتناقضات الأشياء ولم يكن الفكر الوهابى يسيطر. ولكن سيطرة الفكر الوهابى على مصر والأزهر جعلت التفكير أحادياً والأزهر منارة الفكر الإسلامى المتعدد الأفكار والتوجهات يريد قانوناً يمنع التفكير والتجديد، كل ذلك أدى إلى المأزق الذى نعيشه، والتأويل علم هام، ودراسات شخصيات هامة مثل نصر أبوزيد ومحمد أركون كانت هى الأمل فى خروج الفكر الإسلامى من المأزق الذى نعيشه. حين تأتى بقانون يمنع التأويل أو يقول إن هذا تأويل جيد أو غير خاطئ فأنت تمنع حرية الدراسات الإسلامية وهذا مخالف للدين والقانون والمستقبل.
رابعاً: يقول رجال القانون وأساتذة التشريع إن كلمات القانون يجب أن تكون منضبطة وواضحة ومحددة بدقة. القوانين التى يتم سلقها فى البلاد الديكتاتورية متخصصة فى الموافقة على قوانين ذات ألفاظ مطاطة غير محددة المعنى.
خامساً: لا أتخيل أن يتقدم الأزهر بمشروع قانون يحض صراحة على مخالفة إحدى المواد العامة فى الدستور، تنص المادة ٦٥ من الدستور على أن حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان الحق فى التعبير عن رأيه… إلخ.
ويريد المشرع أن يلغى الدستور قائلا فى المادة الرابعة من المشروع: لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأى والتعبير والنشر والإبداع للأديان بنقد أو عمل ينطوى على ما يخالف أحكام القانون. بالعربى الفصيح واضح أن هذا المشروع يقول أنا ربكم الأعلى فوق جميع القوانين والدساتير وأنا الذى أقول وتخرسوا كلكم.
هذه المادة وجودها كفيل بإرجاع مصر لعصر المماليك ونسيان ثلاثمائة عام من التقدم.
سادساً: العالم كله يقوم بدراسة الإسلام وكتبه وتاريخه ودراسة علوم القرآن والحديث ويقدم أفكارا ومفكرين عالميين، الحجر على العلماء المصريين يجرنا إلى التخلف والتأخر، العلم ليس له سقف فكروا فى ريادة مصر وليس تخلفها.
سابعاً: هذا القانون لن يصلح التمييز الواضح من النظام تجاه المسيحيين وهو أمر مستمر منذ عدة عقود، هل سوف يسمح هذا القانون بتعيين المسيحيين فى وظائف معينة، هل سوف يمنع رؤساء الجامعات والعمداء من رفض تعيين بعض الأقباط، هل سوف يؤدى إلى تعيين محافظ مسيحى، هل سوف يمنع إعطاء الطالب المسيحى درجة أقل مما يستحق، هل سوف يمنع الاعتداء على الأقباط ومنعهم من الصلاة فى الصعيد. لن يصلح القانون شيئاً من ذلك ولكن سوف يؤثر على تقدم الفن والثقافة والمسرح والإبداع بتدخل فى كل عمل لا يروق للنظام، سوف يمنع التجديد الدينى والتطور وكان الأزهر دائماً هو مصدر المدارس المتعددة فى كل الدراسات الإسلامية. الآن الأمر أصبح مختلفاً، التجديد غير مرغوب فيه والمذهب الوهابى يأخذ المكان الأعلى مع الفكر السلفى. سوف يفقد الأزهر مكانته فى التطوير والتجديد وسوف تتخلف مصر.
إذا تمت الموافقة على هذا القانون فسوف تفقد مصر القوة الناعمة فى الثقافة والفن والفكر، وهو الأمر الوحيد المتبقى لنا ويبدو أن هذا الأمر فى مصر أيضاً لم يصبح مرغوباً فيه.
ثامناً: ينص الدستور فى المادة ٥٣ على أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة. لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس… إلخ.
التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
الحل الحقيقى هو أن يقوم مجلس الشعب بإصدار قانون ينظم عمل مفوضية مستقلة تكون مدنية تنظم وتراقب وتمنع أى تمييز أو كراهية، وحسب نص الدستور، هذا هو الحل الحقيقى. ولا تنسوا أن مصر دولة مدنية.
قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك.

د. عماد جاد - أجواء مكارثية - جريدة الوطن - 27/6/2017

كنت ضمن وفد من مجلس النواب المصرى فى زيارة للكونجرس الأمريكى، وهى الأولى من نوعها منذ عام ٢٠٠٨، وعلمنا ونحن فى واشنطن أن مجلس النواب سوف يبدأ فى مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وهى الاتفاقية المعروفة إعلامياً باتفاقية «تيران وصنافير»، وعلى الفور قرأنا اتهامات من جانب شخصيات مصرية عامة للوفد المسافر بأنه تعمد الهرب أو تم تهريبه إلى الولايات المتحدة حتى لا يشارك فى مناقشة الاتفاقية، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن السلطة التنفيذية تعمدت رشوة النواب بزيارة إلى واشنطن حتى لا يشاركوا فى مناقشة الاتفاقية، ثم بدأ التشكيك وبدأت الاتهامات المتبادلة بين من قال (نعم) ومن قال (لا).. اتهامات وتخوين، تهجم وإهانات، وكان هناك انقسام مشابه فى رأى العام والنخبة المصرية مع كيل الاتهامات المتبادلة والتخوين.
هنا وجدت نفسى فى أزمة شديدة، ماذا يمكن للمرء أن يكتب فى مثل هذه الأجواء الهائجة والمكارثية (التى سادت فى الولايات المتحدة فى خمسينات القرن الماضى ضد الشيوعية، فقد كان يكفى لمكارثى وأنصاره أن يوجهوا الاتهام لشخصية عامة بالانتماء للشيوعية كى يتم اغتياله معنوياً)، فإذا كتب المرء فى قضايا جوهرية تتعلق بجولة الوفد البرلمانى فلن يكون ذلك مقبولاً منه وسوف يُسأل عن رأيه فى تيران وصنافير، وإذا كتب رأيه حول الاتفاقية فسوف تنهال عليه الشتائم من الطرف الذى يتبنى وجهة النظر الأخرى، كان الحل العملى هو التوقف أياماً عن الكتابة حتى تهدأ الأنواء والعواصف، ويزول غبار المعركة التى دخل فيها الرأى العام المصرى، وتتنفس السلطة الصعداء بعد أن تمرر الاتفاقية فتصبح أكثر تسامحاً فى التعامل مع الرؤى المخالفة.
هدأت العاصفة، ودفع البرلمان ثمن سوء إدارة السلطة التنفيذية لملف من ملفات السياسة الخارجية، لو كانت هناك حِرفية أو خبرة سياسية لتمت إدارة الملف بحنكة ومهارة سياسية من خلال الاستعانة بقواعد التفاوض وحل المنازعات أو الخلافات، التى تتضمن طرقاً عديدة من بينها الوساطة والتوفيق والتحكيم، وهى علوم قائمة بذاتها، الدراية بها تكسب المرء مهارات متنوعة فى إدارة وحل مثل هذه الملفات، وفى تقديرى أن مصر لديها رجال على درجة عالية من المهارة والكفاءة فى علوم التفاوض، بل إن المفاوض المصرى هو الأمهر فى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى، وتكشف تجربة التفاوض مع إسرائيل من مفاوضات فض الاشتباك إلى كامب ديفيد ومعاهدة السلام وصولاً إلى استرداد طابا بالتحكيم الدولى، عن مهارات متقدمة، أصابت المفاوض الإسرائيلى بالاكتئاب الشديد مثلما حدث مع رئيس الوزراء الذى وقع الاتفاقية مناحم بيجن.
ما حدث عملياً هو أن الحكومة الحالية فاقدة للرؤية ومجردة من المهارة السياسية اللازمة لإدارة ملفات داخلية وخارجية، طريقتها الهوجاء فى الإدارة تدفع فئات المجتمع المصرى إلى الصدام مع بعضها البعض، وتخلق طريقتها فى التعامل مع ملفات حيوية أجواء مكارثية فى البلاد فى وقت تحتاج فيه مصر إلى تكاتف أبنائها من كل الأطياف والألوان، وتحديداً مكونات «تحالف ٣٠ يونيو».

Monday, June 26, 2017

دستور ماعت.. وقانون الأزهر بقلم فاطمة ناعوت ٢٦/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

انتهى أمس الأول الشهرُ الكريم، الذى تُصفَّدُ فيه الشياطينُ، كما تخبرنا أدبياتُ الحسنات والآثام فى رمضان. لكن عشية غُرّة هذا الشهر الكريم، قبل بدايته بليلة، لم تكن، فيما يبدو، أغلالُ الشياطين وأصفادُها قد أُحكَمت على النحو الأكمل، فجرَتْ مذبحةٌ داميةٌ راح فيها أطفالٌ ونساءُ من أبناء مصر الطيبين، على يد إرهابيين أنذال أمطروا أبرياء عزلًا كانوا فى طريقهم للصلاة بأحد الأديرة. فكتبتُ مقالا هنا بزاويتى بجريدة «المصرى اليوم» عنوانه: «كيف سمحتَ بالدم وأنت كريم؟»، عاتبتُ فيه هذا الشهر الذى تُصفّدُ فيه الشياطين، وتتنزل الملائكةُ من عليائها إلى أرضنا التعسة. سوى أن تلك المذبحة الآثمة، كانت سبقتها بشهورٍ قليلة مذابحُ أخرى فى كنائس أخرى، دفع فيها أقباطُ مصر دمهم المسالمَ قربانًا للوطن مصر، دون ذنبٍ أو جريرة، وما زالوا يغفرون ويسامحون الخطاة ويدعون لهم ويباركونهم. وكان لا بد من وقفة حاسمة ضد الإرهاب الفكرى الذى هو أبٌ شرعى للإرهاب المسلّح الذى استفحل وتوغّل فى جنبات مصر. ويا طول ما تأخرت تلك الوقفة! ربما كسلاً وربما إهمالا وربما تغافلاً وربما لسبب آخر لا أعلمه. وأخيرًا قرّر الأزهرُ الشريف أن يتحرّك ويُلقى حجرًا فى المياه الراكدة على ما بها من ظلام ووحل دام ركودُها عقودًا طوالا. وأنْ تتحرّك لمواجهة الشرّ متأخرًا جدًّا وجدًّا، خيرٌ، على كل حال، من ألا تتحرك على الإطلاق. فكان أن تقدّم الأزهرُ الشريفُ لرئاسة الجمهورية بمشروع قانون منحه اسم: «قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين» صاغه الدكتور «محمد عبدالسلام»، المستشار التشريعى والقانونى لشيخ الأزهر، وأقرّه فضيلة شيخ الأزهر، دكتور أحمد الطيب.
مشروع القانون منشورٌ فى الصحف لمن يودّ الاطلاع عليه. وبعيدًا عن أننى أراه محض امتدادٍ، أشدّ ظلمة وظلامًا وظُلمًا، للمادة (٩٨و) من قانون العقوبات، المعروفة شعبيًّا بقانون ازدراء الأديان، الذى استخدم تعسفيًّا وكيديًّا ضد أدباء ومفكرين وكتّاب، حتى تُكسر أقلامُهم وتُقصُّ ألسنُهم، وتُسجن أرواحُهم وأجسادُهم فى أقفاص حديدية، بعيدًا عن رأيى هذا، دعونى أطرح عليكم مشروع قانون آخر كتبه سلفُنا الصالح، أجدادُنا المصريون، قبل سبعة آلاف عامٍ، لمواجهة الظلام والظلم والإرهاب والتطرف والخمول والكسل والبلادة والرخاوة وانعدام الضمير والأدب. اسمه: «دستور ماعت». وأما ماعت، فهى «ربّةُ العدل» فى الميثولوجيا المصرية القديمة التى تعلو رأسَها ريشةٌ، هى رمزٌ للضمير والحق والعدل والأخلاق. ماعت ترونها محفورة على جداريات المحاكم فى جميع أنحاء العالم، معصوبة العينين (دلالة العدل المطلق)، تحمل فى يدها ميزانًا ذهبيًّا. فى لحظة المحاكمة، تنزعُ ماعتُ ريشةَ العدل من فوق هامتها، وتضعها فى إحدى كفّتى الميزان، وفى الكفّة الأخرى تضعُ قلبَ الشخص الذى يُراد محاكمته بعد موته. وهنا يُعرف وزن خطايا المُحاسَبُ وحسناته بكل دقّة، ليُحدّد إن كان سيدخل الفردوس لأنه خيّرٌ نيّرٌ صالحٌ وطيبٌ، أو يُلقى به فى غياهب العدم، لأنه شريرٌ أشِرٌ ظالمٌ مظلمٌ طالح، وفاسد.
يتكون دستور ماعت من اثنين وأربعين مبدأً تحفظ النظام والتحضر والسمو والرقى والرغد والأخلاق فى وطننا القديم، الأبدى. اثنان وأربعون مبدأ، بعدد محافظات مصر آنذاك فى عهودها السحيقة المشرقة، كانت هى النبراس والطريق للعيش الكريم فى مجتمع كريم يسكنه كرماء. وكانت تلك المبادئ ساريةً على الفرعون الملك، مثلما هى ساريةٌ على رجالات البلاط، ورجال الكهنوت، مثلما هى سارية على عامة الشعب. وتُسمى فى الأدبيات المصرية القديمة: «الاعترافات السلبية»، لأن المرء ينفى فيها عن نفسه كل الخطايا البشرية المعروفة، سأذكر لكم بعضها:
أنا لم أقتل، ولم أُحرّض أى أحدٍ على القتل. أنا لم أنتقم لنفسى، ولم أتسبب فى الإرهاب ولم أعتدِ على إنسان، ولا كنتُ سببًا فى ألم إنسان. أنا لم أكن سببًا فى ذرف الدموع ولم أظلم ولم أضمر نيةً فى أى شر. أنا لم أسرق ولم آخذ من بلادى أكثر من حصتى العادلة ولم أُتلِف المحاصيل والحقول ولم أحرم إنسانًا من حقّ له. أنا لم أستدعِ شاهد زور، ولم أكذب، ولم أجرح شعور أحد ولم أتحدث بمكر، ولا خداع. أنا لم أزدرِ أحدًا ولم أتنصّت على أحد. أنا لم أتجاهل الحقيقة ولم أجاوز الصواب فى كلامى. أنا لم أحكم على إنسان فى تعجّل أو قسوة ولم أغضب دون سبب وجيه للغضب. أنا لم أعرقل تدفق المياه الجارية فى النهر ولم أهدرها، ولم ألوّث المياه أو الأرض. أنا لم أتخذ اسم الله هزوًا. أنا لم أسرق من الله، ولم أُمنح عطايا أكثر ولا أقل مما هو مُستحق لى. أنا لم أطمع فى ممتلكات جارى ولم أسرق من الموتى ولم أمنع القرابين المقدمة إلى الآلهة ولم أذبح بقصد الشر ولم أعذّب أى حيوان. أنا لم أتصرف بمكر أو وقاحة. أنا لم أكن فخورًا أو مغرورًا ولا تصرفت بغطرسة ولم أُضخّم حالى ولا تجاوزت ما هو مناسب. أنا لم أعمل أقلَّ مما تتطلب التزاماتى اليومية. أنا أطعتُ القانون ولم أرتكب خيانة وطنى.
قارنوا بين دستور ماعت الذى كتبته ريشةٌ مصريةٌ قبل آلاف السنين، وبين قانون الأزهر الشريف الذى كتبته يدُ البارحة. ثم اهتفوا: طوبى لسلفنا الصالح.

Saturday, June 24, 2017

خالد منتصر - حتماً سيعود «السبت» متعطراً بك يا «سناء» - جريدة الوطن - 24/6/2017

أعرف ومتأكد أن الكاتب الصحفى العزيز ورئيس تحرير الأهرام دمث الخلق الأستاذ علاء ثابت رجل يعرف قيمة وقدر ومكانة الكاتب الحقيقى، لذلك أثق فى أنه يتفق مع رأيى فى أن سناء البيسى قيمة كبيرة وكاتبة تنتمى إلى فئة الألماظ الحر واللؤلؤ الأصلى، وأعرف أنه سيستجيب ويتفهّم طلبى وطلب قراء «الأهرام» جميعاً بعودتها لتشرق علينا كل سبت، كنت قد ناشدت مسئولى «الأهرام» قبل تعيين «ثابت»، لكن لا حياة لمن تنادى، وسأكرر ما كتبته، وما لم يستجب إليه بسبب معارك الصغار فى الكواليس وقتها.
أن تطلع عليك شمس يوم السبت دون أن تقرأ سناء البيسى، فهذا معناه أن يومك ناقص، وأن أسبوعك صار ستة أيام. كما أفتقد نسمة العصارى فى هجير صحراء أغسطس، أفتقد قديسة الحكى المصرى وعازفة الكتابة باللون والرسم بالكلمات. عندما تقع عيناك على مقال «سناء» فى زحمة وركام وسخام ما نقرأه الآن، كأنك شاهدت متحف اللوفر وسط عشوائيات سكان المقابر، كيف يتم حرماننا من كتابة بمذاق المانجو العويسى لنتجرّع عصير «الجعضيض»، وكوكتيل «الجميز» والصبار؟ مهما كانت الخلافات المهنية، فلا يمكن أن تكون نتيجتها غياب شمس «سناء» عن حديقة «الأهرام»، مهما كان رأى المسئول الذى تعامل معها بجفاء وغلظة فى أن نوعية تعامله طبيعية ونمط تصرفه عادى، فإنه لا يصح مع قامة وقيمة مثل سناء البيسى، ألا أتنازل، وألحّ عليها، وأطاردها، بل أتظاهر لعودتها، مهما كانت درجة مسئوليتى ووظيفتى وموقعى فى الجريدة!! لم نعد نملك إلا فتات قوتنا الناعمة من مثقفين ومفكرين وفنانين ومبدعين، أرجوكم حافظوا عليهم، لا تجبروهم على دخول شرنقة الإحباط وكهف الاكتئاب، سناء البيسى تاريخ صحفى وإبداعى وفنى ومهنى لا يمكن لأى قارئ عادى، ولا أقول «مثقف كبير»، إغفاله، ولا يمكن لرهافة الإحساس أن تعامل بـ«جليطة» التقريع، ولا يمكن لعصفور الإبداع أن يُسجن فى قفص الروتين والشطب والاختزال. من يريد أن يضغط على زر لتحويل سناء البيسى إلى مجرد موظف أرشيف فهو كمن يريد تحويل الإلياذة إلى ألفية ابن مالك، أو سيمفونية موتسارت إلى «إييييه شعبان عبدالرحيم»!!، إخلاص سناء البيسى المتبتل لـ«الأهرام»، الذى جعلها، وأنا شاهد على ذلك، ترفض أموالاً مغرية يسيل لها اللعاب فى صحف خاصة أخرى، هذا الإخلاص الذى ما زالت «سناء» مصرة عليه، حتى لو لن تكتب ثانية كان لا بد أن يقابل بأفضل من هذا التجاهل والطمس والإهمال والجلافة، سناء البيسى فنانة قبل أن تكون صحفية، لوّنت بريشتها أحلامها التى بلا سقف قبل أن تخط حروف مقالاتها التى بلا شبيه. ظلت أحلام «سناء» تعدو كجواد عربى منتشٍ جسور بلا لجام، حتى وصل إلى تخوم قوس قزح الملون وأنجب أجمل وأروع وأبدع بنات المجلات الصحفية فى تاريخ مؤسسة «الأهرام»، وربما فى تاريخ الصحافة. «نصف الدنيا» لم تكن مجلة نسائية فحسب، بل كانت نافذة ثقافية وكنزاً إبداعياً ومنجماً فنياً، كان ملحق «نصف الدنيا» مرجعاً فى الفن والموسيقى والسينما وجميع أنواع الفنون الرفيعة، ظلت «نصف الدنيا» مثار الغيرة ومكمن الحسد فى الشكل والمضمون. من يستقبل مقال سناء البيسى قبل النشر كان لا بد أن يغمض عينيه قليلاً ويتذكر ويرجع بعجلة الزمن ويصعد سلالم خياله، إن كان ما زال يملك خيالاً، حيث الدور السادس لـ«الأهرام»، ليجد سناء البيسى تشرب قهوة الصباح مع «إحسان»، وتتبادل النكت مع يوسف إدريس، ثم تشخبط على أوراق توفيق الحكيم، لترسمه بورتريهاً، لتنتقل إلى غرفة زكى نجيب محمود، لتتناقش معه فى فلسفته الوضعية، ليدخل عليهما لويس عوض ويحكى عن آخر رحلاته إلى أوروبا، فيطالبه السندباد حسين فوزى بالصمت قليلاً حتى يضع الإبرة على أسطوانة «باخ»، لتعود إلى بيتها فتجد العبقرى الفنان كنعان حائراً كيف يقتنص اللحظة بريشته المشتعلة ويحولها خطاً أو لوناً أو ظلاً!!، هذا هو الأكسجين الذى تنفسته يا من لا تعرف قدر سناء البيسى، هذا هو الفرن الذى صهر وعجن موهبتها الفياضة البركانية المتدفّقة يا من تجهل من هى قديسة الكتابة، التى ما زالت حتى هذه اللحظة تقبض على جمر المهنية والموهبة فى زمن سماسرة الأقلام، وبوتيكات الحبر المسكوب على الورق الذابل.

يموتون بسبب الشيخوخة ولكنهم يموتون شباباً! بقلم د. وسيم السيسى ٢٤/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

كانت مسز جروتريان مريضتى فى كمبردج تقول لى: لقد بلغت العشرين أربع مرات وفوقها أربع سنوات! كانت تبلغ من العمر ٨٤ سنة!
كانت رئيسة جمعية التسلح الخلقى M.R.A، وكانت حزينة على إنجلترا، وتقول: هذه ليست إنجلترا التى نشأت فيها! أنا واثقة أنى سأشهد انهيار هذا البلد بعد عشرين سنة! أى أنها ستعيش حتى مائة وأربع سنوات!
وعند خروجها من المستشفى قالت: أنا ذاهبة للهند حتى أصلح ما بين رئيس وزراء الهند وصاحب إحدى الشركات، وسوف أدعوك لحفل فى منزلى بعد عودتى من الخارج!
أقارن مسز جروتريان بمشهد فى نقابة الأطباء المصرية قبل ثورة ٢٥ يناير، حضرت متأخراً، كانت بجوارى الأستاذة سكينة السادات، كان وزير الصحة، ومحافظ القاهرة موجودين، هرج ومرج وصياح من شباب الأطباء، سألت مدام مسكينة، قالت: شباب الأطباء لهم طلبات، قلت لها: لهم حق، ليس لنا مستشفى خاص بنا، ليس لنا أندية باسمنا، قالت مدام سكينة السادات: لا، دول عاوزين قطعة أرض يبنوا عليها مدافن!
شباب ومدافن! أين الحياة عند هؤلاء؟!
صحيح أن العمر أنواع:
١- العمر الزمنى المسجل فى شهادة الميلاد.
٢- العمر البيولوجى، ماذا فعلت السنون بك.
٣- العمر السيكولوجى، إحساسك بعمرك.
٤- العمر العقلى، ومعامل الذكاء هو قسمة العمر الزمنى على العقلى I.Q.
٥- العمر العاطفى.
وجدنا أن العمر الزمنى فى الثدييات هو خمسة أضعاف السنوات التى تتحول الغضاريف فيها إلى عظام، فالحصان ٤X٥= ٢٠ سنة.
وهذا هو عمره الافتراضى، والكلب ٣X٥ = ١٥ سنة. والفيل ١٢X٥= ٦٠ سنة، والإنسان ٢٠X٥= مائة سنة، وهذا هو عمرنا المفروض أن نعيشه، ولكن هناك عوامل كثيرة تؤثر على أعمارنا! كل دمعة حزن تمسح من أعمارنا يوما، وكل ضحكة من القلب تضيف إلى أعمارنا أسبوعا.
هناك مجموعة من الدول المعمرة كالقوقاز والقوقاز الجديد، أكوادور، كلورادو، هيمالايا، وجدنا أن كل مائة ألف إنسان، هناك خمسون ألفا يصلون إلى المائة، ومن يموت قبل ذلك يبقى اتخطف بدرى! بينما فى الولايات المتحدة الأمريكية واحد فقط يصل للمائة من مائة ألف نسمة! بلد مقصوفة الأعمار! أما الأسباب فشرحها يطول، ولكن أهمها من الناحية الغذائية، البروتين من أصل حيوانى بدلاً من أصل بحرى أو نباتى، ومن الناحية النفسية الصراعات، الاستعلاء، الحروب، غياب الحب، الحب لله وهو الإيمان، وللناس هو الخير، لذا قالوا: أولئك الذين يحبون الناس من أعماق قلوبهم لا يتقدم بهم العمر أبداً! قد يموتون بسبب الشيخوخة ولكنهم يموتون شباباً.
فى كتاب لجورج برناردشو: عودة إلى متوشالح، هذا الرجل تذكر لنا التوراه أنه قارب على الألف عام عمراً!
ويبدو أن الهندسة الوراثية تحلم بمتوشالح من جديد! فقد ضاعفت عمر ذبابة الفاكهة إلى ٤٥ يوماً بدلاً من ١٥ يوماً بالتدخل فى عمل الأنزيم Telomeraze الذى يحرق فتيلة اشتعال العمر.
قال والدى يوماً: إذا أردت السعادة وطول العمر احفظ وطبق هذه الأبيات:
إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى، ورزقك موصول وعرضك صيّن «مصان».
لسانك لا تنطق به عورة امرئ، فكلك عورات وللناس ألسن.
وعينك إن أبدت إليك معايبا فصنها وقل يا نفس للناس أعين.
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتى هى أحسن.

ممدوح حمزة.. فارس بلا جواد فى الصحراء بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٤/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

المهندس دكتور ممدوح حمزة هو أستاذ ميكانيكا التُربة والأساسات بكُلية الهندسة بجامعة قناة السويس. وقد تعرّفت بممدوح حمزة من خلال الصديق أسامة الغزالى حرب، عقب عودته من بريطانيا، بعد حصوله على الدكتوراه، فى أواخر سبعينيات القرن الماضى.
وكان اللافت للنظر منذ البداية أن ممدوح حمزة ليس مُجرد مُهندس مُتميز فى مجاله، كما شهدت بذلك درجاته العِلمية والمشاريع الضخمة التى شارك فى تصميمها فى العديد من البُلدان، فى قارات أوروبا والأمريكتين وأفريقيا وآسيا، ولكن أكثر من ذلك فهو مُثقف موسوعى، مهموم بالشأن العام، ويحرص على التواصل مع النُشطاء من أبناء الوطن من كل الأجيال. وربما عرفه شباب مصر من ثوار ٢٥ يناير ٢٠١١، كصائل وجائل، معهم فى ميدان التحرير طوال الأسابيع الثلاثة المجيدة، التى شهدت أعظم ثورات مصر فى كل العصور. وكان رغم اقترابه من الستين أكثر حيوية وحركة من شباب الثورة، وكأنه نموذج لعودة الشيخ إلى صباه.
ولأن ممدوح حمزة كان قد رزقه الله مع تفوقه المهنى باليُسر الوفير، فإنه والعاملين فى مكتبه الهندسى قد توّلوا توفير الوجبات الشعبية من الفول والطعمية والكُشرى لآلاف المُتظاهرين الذين كانوا فى الميدان. كما وفّر لهم العشرات من دورات المياه لقضاء الحاجة والاغتسال، طوال أسابيع الثورة الثلاثة، والتى تحوّل فيها ميدان التحرير إلى ما يُشبه الجمهورية الفاضلة، التى تعامل فيها مئات الآلاف من الشباب، من الجنسين، مع بعضهم البعض باحترام واحتشام، حيث لم يقع حادث سرقة أو اعتداء أو تحرش جنسى واحد. لقد كان المليون مُتظاهر قد ذابوا فى شخصية جماعية واحدة، ذات هدف واحد، تبلور خلال الأيام الخمسة الأولى- من نداء بالتغيير المحدود- إقالة وزير الداخلية وإعادة الانتخابات البرلمانية المشكوك فى نزاهتها، إلى تغيير النظام، وإسقاط الرئيس مُبارك الذى كان قد مضى عليه فى السُلطة ثلاثون عاماً، وقيل وقتها إنه وحاشيته كانوا يُعدّون ابنه جمال لوراثة المنصب الرئاسى خلفاً لأبيه!.
المهم، وعودة إلى ممدوح حمزة، موضوع هذا المقال، إن الرجل مثل الآلاف ممن زاملهم فى ميدان التحرير، رأى ثورتهم المجيدة تُختطف منهم ثلاث مرات، خلال السنوات الثلاث التالية.
ورغم خيبات الأمل المُتتالية، فإن ممدوح حمزة لم يكلّ ولم يملّ، وحوّل جُهده وطاقته وإبداعه لاستكشاف آفاق جديدة لتنمية الوطن الذى يعشق ترابه، أو تحديداً يعشق رماله. وقد لخّص اجتهاداته ودراساته وآراءه فى هذا المجال فى كتاب بعنوان: «الانفتاح على مصر: تنمية الصحراء». وفيه يتحدث عن الإمكانيات الهائلة لتنمية تلك الصحراء الكُبرى التى طالما أشعلت خيال الرحّالة والمُغامرين، المصريين والعرب، والأوروبيين. وطالما سمعنا أيضاً عن أفكار لمشروع كبير فى مُنخفض القطارة، يتم بمُقتضاه حفر قنوات أو أنفاق تصل البحر الأبيض المتوسط بذلك الجرف الهائل، ويتم توليد الكهرباء من التدفق الهائل والسريع للمياه إلى المُنخفض. كذلك سمعنا منذ عدة عقود عن إمكانيات مُماثلة فى توليد الطاقة الشمسية، حيث تتمتع الصحراء الغربية بأطول عدد من أيام السنة بشمس مُشرقة، أو تكاد حتى أن تكون مُحرقة!.
كل هذه الإمكانيات وغيرها يتناولها د. ممدوح حمزة بالتدقيق والتقييم والاقتراحات القابلة للتنفيذ. وأظن أن ما ورد فى هذا الكتاب الذى نشرته الدار اللبنانية عام ٢٠١٦، هو خير ما يمكن لنظام الرئيس السيسى أن يستعين به لاستكمال المشروعات العملاقة التى بشّرنا بها.
ربما كانت مأساة د. ممدوح حمزة هى طول اللسان. وقديماً قالوا لسانك حُصانك إن صُنته صانك. وربما ذلك هو الذى يجعل ممدوح حمزة بلا حُصان يجوب به فى الصحارى الموغلة. والله أعلم.
وعلى الله قصد السبيل.

خالد منتصر - من لم يُسجن بالازدراء.. أُعدم بالكراهية! - جريدة الوطن - 24/6/2017

نحن نخسر كل يوم أرضاً من مساحة الدولة المدنية المحدودة المحددة، كل فترة نخرج قانوناً ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، برّاق الصورة، مظلم المضمون، عذب الخارج، مسمم الداخل. قوانين هى رد فعل تستغل لإحداث فعل، وإسباغ حماية، والحصول على مكاسب ذاتية لشخص أو مؤسسة. قانون العيب من الرئيس المؤمن، كما أطلق على نفسه، أنور السادات فى كوكتيل لا يقدم إلا فى كافيهات الدولة الدينية. العيب!! حد يقدر يرفض إننا نحارب العيب، ده حتى يبقى عيب!!، تم استخدام هذا القانون للتلويح والتهديد والسجن والتنكيل، ثم قانون الازدراء، الذى صدر بعد أحداث الزاوية الحمراء لمنع الفتنة الطائفية، والمدهش أنه استخدم لسجن أطفال مسيحيين هم ضحايا تلك الفتنة ولوحق به مفكر إسلامى وضعته المؤسسة الدينية كخصم مزمن إلى أن تم سجنه، ثم ملاحقته بعد الإفراج لمنع برامجه تليفزيونياً، وعندما فشلوا فى منعه وشطب برامجه من على اليوتيوب، لأنهم لم يدركوا أننا فى زمن السماوات المفتوحة، اضطروا إلى اختراع قانون اسمه قانون الكراهية!!، يقال للتمويه فى الكواليس إن هذا القانون تمت صياغته وتقديمه بعد حادث الشيخ سالم عبدالجليل، الذى تعرض فيه للعقيدة المسيحية بكراهية، ونحن طبعاً ضد أى كراهية ولكن ما يحافظ على المجتمع بدون كراهية دينية هو المزيد من العلمانية، وليس المزيد من تحكم قبضة الدولة الدينية!!، فبنظرة بسيطة على المكتبة الكبيرة القابعة فى جامعة الأزهر، التى تضم كتب التراث الإسلامى كله، سيجد من قدم القانون آلاف النصوص، التى تحض على الكراهية!!، ماذا فعلوا بها وماذا قدموا من تفنيد يساير الزمن؟ إنهم ما زالوا يسجنون المفكرين الذين ينتقدون البخارى أو أى فقيه، قدم نصوصاً تبرر القتل أو كراهية المسيحيين واليهود أو تحض على قتل المرتد.. إلخ، الكراهية يا مشايخنا الأفاضل، ويا مستشارى فضيلة الإمام على بعد أمتار قليلة من بيوتكم، على منابر المساجد التى تدعو فى الميكروفونات ليل نهار على أحفاد القردة والخنازير، وعلى الضالين وعلى الشيعة.. إلخ، وبمناسبة الشيعة والبهائيين، هل هؤلاء من ضمن المبشرين بجنة هذا القانون وستفردون مظلتكم عليهم، أم ستتركونهم نهباً للضباع وعابرى السبيل بحجة أنكم الفرقة الناجية؟؟!، هل الملحد واللاأدرى والبوذى والهندوسى الذى لم يكوّن ميليشيا عسكرية ليفجر بيوتكم ويقتل رجال الشرطة هل ستحمونه من الكراهية؟؟!، هل ستحتكرون ترمومتر ومعيار ومقياس الكراهية فى مكاتبكم المكيفة فى المؤسسة الدينية؟!، وكيف تكتبون فى مادتكم الرابعة من هذا القانون العجيب الغريب بما معناه وبالعربى الصريح وبدون ماكياج ولا تزويق، وبمبدأ «ادبح القطة»، «محدش يتعلل بحرية التعبير، فلتذهب إلى الجحيم»، ظهرت الرؤية، كلما ضعفت الحجة وازدادت الأفكار هشاشة يلجأ أصحاب تلك الرؤى والأفكار إلى ترسانة قوانين وحزمة كرابيج للحصار والقمع!!، قانون الازدراء صار ازدراء البخارى وقانون الكراهية سيصير كراهية الاختلاف مع رجال الدين حتى الدعاة الكاجوال منهم، الذين يظهرون بالبراندات والسينيهات!!، محظور الاقتراب والتصوير والنقد، باختصار قانون منع الاحتكار على الجميع لكنه ليس علينا نحن رجال الدين، هل نسينا أن من أصدر ملحقاً لمجلة الأزهر به حض على كراهية المسيحيين هو عالم دين كان رئيس تحرير المجلة وكان مناصراً لرابعة!!، فمن إذن كان يحض على الكراهية ولماذا لم تصدروا قانوناً حينها؟ ولماذا تعطلت وثيقة وورقة التنوير التى قدمها د. صلاح فضل وماتت فى الأدراج وعلى العكس وبسرعة الفيمتوثانية تقدمتم بهذا القانون؟؟!، هل لأن ورقة التنوير ستضطركم إلى التجديد وقانون الكراهية سيحميكم من الأراذل الأفندية المفكرين المثقفين الذين لم يبيعوا أدمغتهم بعد؟؟!، قانون الكراهية تحسبونه حبل إنقاذ، وهو فى الحقيقة حبل مشنقة.

Friday, June 23, 2017

خالد منتصر - ومن شر حاسد إذا حسد - جريدة الوطن - 23/6/2017

كلما راجعت شخصاً فى إمكانية تأثير العين والحسد على شخص وإيقاع الضرر به، يرد عليك بكل ثقة واستنكار صارخاً فى وجهك: «يا راجل انت حتكفر، ده الحسد مذكور فى القرآن!»، ويردد على مسامعك سورة الفلق، ويرفع من صوته مفحماً إياك حين يصل إلى «ومن شر حاسد إذا حسد». لم أقتنع يوماً بأن «العين فلقت الحجر» كما يقولون، وأنه من الممكن بمجرد نظرة حسد أن تخرب سيارتك الزيرو، أو تحترق شقتك الجديدة، أو يرسب ابنك المتفوق فى الامتحان، أو تطلق زوجتك ليلة الدخلة... إلى آخر تلك الترهات المنتشرة فى مجتمعاتنا المتفننة فى خلق شماعات لتعلق عليها فشلها وتبرر إخفاقاتها. لو كان هذا صحيحاً لجمعنا الحاسدين دفعة واحدة فى سيناء وأعطيناهم فرماناً عسكرياً بتسليط أشعة ليزر عيونهم الحسادة تجاه إسرائيل المتقدمة لتحترق! الحسد كشعور قلبى معنوى بالطبع موجود، ومن المستحيل أن يختفى من الحياة، لكنه لن يتحول أبداً إلى خانة فعل أو أداة ضرر، والآية الكريمة التى يشهرها دوماً أصحاب نظرية الحسد ومعتنقو تأثير العين، هل هى تتحدث عن شر الحسد أم شر الحاسد؟ إنه شر الحاسد الفاعل الذى يستطيع إحداث الضرر وإيقاع الأذى بك، ليس من خلال الحسد القلبى ولكن من خلال الفعل والتنفيذ البدنى والتخطيط العقلى، يعنى إذا ظل ينظر الحاسد إلى سيارتك الجديدة قرناً من الزمان لن يحدث لها أى مكروه إلا إذا جاء بمسمار وحكّ الباب أو أفرغ الإطار أو فكّ الفرامل... إلخ، وإذا حدث المكروه بدون تلك الأفعال فهو من باب الصدفة أو من باب إهمالك عوامل الأمان، لأن المنطق العلمى يقول إن الارتباط يتم بين تكرار الحدث وتكرار نفس الفعل كل مرة، وبالطبع هذا لا يحدث، وهذا هو المعنى الذى يقوله القرطبى فى تفسيره: «قلت: قال العلماء: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه، ويطلب عثراته»، وكما فهمه أيضاً الكاتب المغربى ياسين ديناربوس عندما كتب: «أفهم من اﻵية الكريمة أن الحاسد لا سلطان له إلا إذا حسد، أى إن رغبة وتمنى زوال النعمة هى شعور يحتاج لتطبيق على أرض الواقع بدلالة وجود (إذا) فى اﻵية، وهى أداة شرط تشترط الفعل العينى لوقوع شر الحاسد، وإلا لكانت تستقيم اﻵية بقوله تعالى (من شر حسد الحاسد)، أو (من شر عين الحاسد)، هنا يكمن شر الحاسد، شر الحاسد عمل فعلى ملموس خاضع لقوانين الفيزياء وسنن الكون التى سنّها الخالق عز وجل والتى لا تبديل لها إلا بإذنه! إن تدخُّل الإنسان فى مجريات الأحداث لا يخرج عن قوانين الطبيعة التى يسيّر بها الخالق هذا الكون! و كل ما يشاع عن شر حاسد بمجرد النظر بالعين فهو محض هراء وتخريف!». فنّد الكاتب محاولة البعض الاستدلال بالقرآن الكريم لإثبات صحة الاعتقاد بالعين من خلال تفسير اﻵيتين التاليتين:
الأولى قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام فى وصيته لأبنائه: «وَقَالَ يَا بَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِى عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَىْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إلاَّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ»، فقد فُسِّرت دعوة يعقوب لأولاده بالتفرُّق بأنها حماية لهم من العين، لأنهم كانوا ذوى جمال وهيئة وكمال، لكن التفسير المذكور غير تام، إذ من الممكن أن يكون السبب وراء أمرهم بالتفرق هو حمايتهم من الأذى والملاحقة فى حال دخولهم مجتمعين من باب واحد، ثم إنه لا يوجد أى شىء يدل على العين فى اﻵية لا من قريب ولا من بعيد.
الثانية قوله تعالى: «وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ»، وهنا حمل قوله «ليزلقونك بأبصارهم» على معنى: يهلكونك ويصيبونك بأعينهم، ويلاحظ على ذلك: بأنّ دلالة الآية على الإصابة بالعين غير واضحة، وغاية ما تدل عليه أن الذين كفروا لشدة غيظهم ينظرون إلى رسول الله نظرات ملؤها الحقد والغضب تكاد تصرعه، وهذا التعبير متعارف عليه ومألوف ويراد به بيان حدة النظرة ولؤم صاحبها، دون أن يكون لها تأثير سلبى واقعاً، ونظيره ما يتردد على الألسنة فى التعبير عن النظرة الحانقة: «يكاد يأكلك بعينيه».

Wednesday, June 21, 2017

خالد منتصر - الجفرى وهلاوس التنصير وجزاء سنمار - جريدة الوطن - 22/6/2017

الداعية اليمنى الحبيب الجفرى قدم نفسه للمجتمع المصرى ولأوساط الشباب على أنه ممثل الوسطية والتسامح والاعتدال، وتم التسويق له حتى وصل إلى أعلى الجهات الرسمية كسفير للحوار الهادئ ومبعوث لنبذ العنصرية والكراهية، لكن للأسف كلما راهنت على وسطية داعية خسرت الرهان، وكلما داعبنى الأمل من خلال ابتسامة وداعة وحنان سرعان ما يسقط القناع ويظهر الوجه العنصرى الصادم لمعظمهم، فى الحلقة رقم 23 من البرنامج الرمضانى لفضيلة الشيخ الجفرى وعنوانها العطاء
https://www.youtube.com/watch?v=aGRiF88kqso&feature=youtu.be
يحكى الحبيب حكايات لطيفة عن العطاء، ولكنه وإذ فجأة وفى الدقيقة 13 من الحلقة يبدأ فى سرد حكايات عن تنصير اللاجئين فى أوروبا أقل ما توصف بها أنها من قبيل الهلاوس والأوهام وتنم عن المكنون الذى كان مختفياً تحت الجلد ومتوارياً خلف الابتسامة الناعمة والصوت الهادئ الرخيم، يقول الشيخ الجفرى لا فض فوه إنهم فى ألمانيا واليونان وبعض الدول العربية!! يقدمون للاجئين أوراقاً لتنصيرهم ويجبرونهم على التوقيع!!، بداية الحكاية مفتعلة وليست لها أى علاقة بالحلقة وظاهر جداً أنها شىء محشور فى الزور ومخبوء فى القلب وعايز يطلع إن شالله كان بيتكلم عن أزمة المرور فى شبرا!، ولن أتكلم عن اليونان ولا طبعاً الدول العربية ولكنى سأتحدث عن ألمانيا لأننى رأيت عندما سافرت إلى هناك كيف يتعاملون مع اللاجئين ولمست كم المزايا التى يتمتعون بها وأيضاً كم الانتقادات والصعاب بل الشتائم والتهديدات التى واجهتها المستشارة ميركل، والحمد لله أنها لم تسمع الشيخ الجفرى وهو يلقنها جزاء سنمار ويدعى أنها تفعل كل ذلك هى وحكومتها من أجل السبب الخفى الذى طبعاً لا يعلمه إلا هو عن طريق مخابراته اللدنية الفضائية الصوفية، وهو رغبة الألمان ووسواسهم القهرى فى تنصير اللاجئين المسلمين!، طبعاً الجفرى لا يستطيع الحديث عن إجراءات تحدث علانية وليست فى الخفاء من هيئات دينية رسمية لإجبار أبناء الأب الذى يشهر إسلامه على الدخول فى الدين الأفضل وإجبار الشهر العقارى على تغيير الاسم من جورج إلى أحمد!، لكنه يؤلف وينسج من خياله فى برنامج تليفزيونى على الهواء أن بلداً فتحت أبوابها أمام اللاجئين وقت أن أغلقتها بلاد إسلامية مجاورة لسوريا والعراق، ليقول إنها تجبرهم على التنصر!، إذا كان يوجد من يعتنق المسيحية هناك فهو يمارس حقاً طبيعياً من الممكن أن تكون لحظة يأس أو انتهازية أو اقتناع، وكل هذا لا دخل للألمان به، ألمانيا يا شيخنا الجليل دستورها علمانى لا ينص على أن لها ديناً ولديها حساسية رهيبة من التمييز على أساس الدين وهى تقف على مسافة واحدة من كل الأديان وثقافتهم هناك من يريد أن يكون بوذياً أو هندوسياً أو مسلماً فله مطلق الحرية، ألمانيا يا شيخنا قد استقبلت من 2015 حتى 2016 مليوناً و100 ألف لاجئ منهم 40% سوريون، فى الوقت الذى تعانى فيه أقليات هى من دينك نفسه فى دول تستقبلك بالأحضان من أن جوازات سفرهم مكتوب فيها «بدون»!، فضيلة الحبيب ألمانيا هى الدولة الوحيدة التى فتحت حدودها فى 2015 بقرار شخصى من ميركل التى شاهدت طفلة عربية بلا بيت تبكى وتأثرت وواجهت أوروبا كلها وتحملت المسئولية التى كانت ستكلفها ضياع تاريخها السياسى كله، هل تعرف كم يتقاضى اللاجئ السورى هناك فى ألمانيا؟، 600 يورو إعانة سكن ولو الزوجة متضايقة من زوجها تأخذ هى إعانة مستقلة بنفس الرقم وبالطبع تستغل هذه الثغرة من العرب!، هذا فى الوقت الذى يخسر فيه الثرى العربى المسلم الورع التقى مليون يورو على مائدة القمار يا من تحدثنا عن العطاء وقيمة العطاء!، يتمتع اللاجئ بدون أى تنصير ببرامج تعليم مجانية للغة الألمانية ومدارس مجانية وتأمين صحى وصيغ قانونية للحماية الداخلية والخارجية... إلخ، هل تعرف يا من تتهمهم بالتنصير كم تكلفت ورصدت الحكومة الفيدرالية هناك للاجئين؟، رصدت 15 مليار يورو لدرجة أن الولايات الألمانية اشتكت، أكثر من ذلك الشركات الألمانية صارت عليها مسئولية اجتماعية للتوظيف والرعاية!، ألم تنظر يا فضيلة الشيخ ناحية الشرق الإسلامى لترى كيف يتعامل الماليزيون والبنجلاديش المسلمون مع الروهنجة المسلمين اللاجئين إليهم بمنتهى العنف والقسوة؟!، يا شيخنا الجليل هذه بلاد واثقة من نفسها، وواثقة من قوتها وعلمها وإمكانية تفوقها، وليست مهمومة بسفاسف وتفاهات إجبار شخص على الدخول فى ديانة معينة، تلك هى اهتمامات المهمشين الهامشيين من أمثالنا الذين يشعرون بهشاشتهم الثقافية والفكرية والذين يقيمون الأفراح والليالى الملاح لإسلام مسيحى أو يهودى لإحساسهم العميق بالدونية وعمق الفجوة الحضارية، أرجوك شيخنا الفاضل الجليل قبل أن تتهم ألمانيا بتنصير اللاجئين المسلمين أقنع المملكة جارتك ببناء كنيسة أو اذهب إلى اللاجئين هناك فى ألمانيا وأنقذهم وأنقذ الإسلام وانقلهم إلى دول الخليج أو حتى الصومال!

Tuesday, June 20, 2017

مصر حزينة ومهمومة وغاضبة بقلم د. محمد أبوالغار ٢٠/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


مصر غاضبة من فوضى إدارة التنازل عن تيران وصنافير.
أولاً: لا يعرف أحد عدد النواب ولا أسماءهم الذين حضروا التنازل عن تيران وصنافير والشعب كله يشعر بالمهانة لأن النواب كانوا مرعوبين وخائفين من مواجهة أهلهم وأهل دائرتهم إذا قالوا نعم.
- أبوشقة رئيس اللجنة التشريعية تنصل بيبان دمه خفيف يقول إن اللجنة حولته فقط ولم توافق عليه ولم يحضر الجلسة العامة هرباً.
- تقدم ١٠١ عضو بطلب التصويت بالاسم بالرغم أن اللائحة تنص على أن ذلك حتمى إذا طلب ٣٠ عضوا فقط، لم يحدث ذلك من الرعب وحماية لنواب حب مصر من الشعب الغاضب، مجرد النداء بالاسم كان سوف يلغى تماماً ضغط الأمن والجهات السيادية لأن الشعب أقوى.
- قال عبدالعال التصويت وقوفاً ولم يقم بعد الحضور والموافقين بل خرج قائلاً موافقة.
- لا أحد يعرف كم عضواً صوت، من قال نعم ومن قال لا، هل هذا دستورى أو قانونى إنها فضيحة القرن الدستورية.
طبعاً ليس عند الشعب ثقة فى أى أرقام ملفقة قد تخرج الآن عن عدد الحضور، كم الواقفين والجالسين والذين يصرخون. إنها فوضى مقصودة من النظام لتفادى التصويت بالاسم والفيديو موجود وهو يثبت أنه لم يحدث تصويت.
هل يوقع الرئيس قرارا كتبه عبدالعال على مزاجه بدون موافقة من البرلمان، التوقيع على موافقة باطلة سوف يكون توقيعاً باطلاً.
ثانياُ: الشعب المصرى باستثناء قلة بسيطة رافضة لهذه الاتفاقية المجحفة بمصر والمهينة لها والتى تلاها القبض على أعداد من الشباب والتى صدرت بشأنها أحكام نهائية من المحاكم فى مصر بأنها مصرية بحيثيات سطرت من صفحات من نور الحقيقة، وتأيد الحكم بحكم نهائى بات.
يطلب وزير الخارجية دراسة عن وضع الجزر من الدبلوماسيين المتخصصين استمرت شهورا وعندما صدرت الدراسة تؤكد أن الجزر مصرية ألقاها فى صندوق الزبالة! آه يا بلد.
الأغلبيه العظمى من المصريين يعرفون ومتأكدون أن الجزر مصرية ولم يقتصر الأمر على المثقفين والمهتمين بالشأن العام ولكنه انتقل أيضاً إلى حزب الكنبة الذى ساهم فى إسقاط مرسى ووصل إلى دائرة الاهتمام للفقراء والمهمشين.
إن ما حدث إهانة بالغة من النظام لشعبه لم تحدث من قبل على أرض الوطن وضد رغبة الشعب.
نعلم جيداً أن هناك قرضاً بفائدة ضئيلة وأن هناك وعودا باستثمارات سعودية وأن هناك رضاء أمريكى وإسرائيلى عن النظام لهذه الخطوة.
ولكننا نعلم أيضاً أن حق مصر فى البحر الأحمر قد ضاع وأن مياهنا الإقليمية قد تقلصت من ١٠ كم إلى ٢ كم ونعلن أن هناك احتمالات لوجود غاز وبترول فى المنطقة التى تنازلنا عنها وهى ٨ كم شرق جزيرة تيران حسب القانون الدولى للبحار.
نعلم أيضاً أن هناك مشروعات عظيمة سوف تقام بين إسرائيل والسعودية فى الأغلب سوف تهمش أو تضعف قناة السويس.
ثالثاً: نعلم أيضاً أن مصر همشت وأصبحنا تحت رحمة وإدارة دول خارجية سوف تتحكم فى قراراتنا وسوف نسمع الكلام صاغرين وأن إرادتنا لم تعد كاملة فى يدنا.
نعلم أن النظام المصرى أصبح أقوى فى قهر الشعب بمساندة أمريكا وإسرائيل والسعودية ولكن ما فائدة نظام لا يحميه أهله ولا طريقته فى إدارة الدولة.
رابعاً: أن داعش سيناء سوف تهدأ الآن وتكبر على الأرض وتنظم نفسها وتتلقى مساعدات خارجية والنظام سعيد بالهدوء وفى يوم وليلة سوف نفقد سيناء وذلك بعد سنوات لن تكون طويلة بنفس طريقة تيران وصنافير وعندما يقول خبير استراتيجى فى التليفزيون المصرى إن سيناء جزء من مصر من ٢٠٠ عام فقط، ويعنى أن مصر تغيرت بسبب النفوذ السعودى الذى أصبح الممول الأساسى للأزهر والسلفيين مصر دولة مدنية يسكنها مسلمون وأقباط يحترمون دينهم ولكن لا يستخدمونه فى السيطرة والسياسة هم يريدون مصر مثل السعوديه أحادية الديانة والتى أصبحت المثل الأعلى عند نسبة من المصريين. تدويل سيناء قادم ومقبلون على كابوس كبير يوصل إسرائيل إلى نهر النيل.
خامساً: تأكدت خلال الأسابيع الماضية أن النظام القمعى والذى يسجن عشرات الآلاف ضعيف هش لدرجة لم أتصورها وهذا ما أذهلنى. النظام يمتلك تليفزيونات وإذاعات الدولة ورجال الأعمال والأجهزة المخابراتية التى اشترت وأنشأت فضائيات، ويملك جميع الصحف القومية وأجهزة الشرطة والحكم المحلى وكلها تغرد وتغنى وتطبل للنظام ومع ذلك خافت من بضعة صحف إلكترونية مرخصة وأغلقتها، لم تذع قناة واحدة جلسة للتصويت خوفاً من الفضيحة.
سادساً: أحد الأسباب العامة للرضوخ إلى السعودية وتسليم الجزر هو تدنى الأحوال الاقتصادية بسب مشروعات غاية فى الضخامة غير مدروسة وليس لها جدوى غير المنظرة، كما سبق التصريح بأن تفريعة قناة السويس ليس لها فائدة اقتصادية ولكنها رفعت الروح المعنوية.
السياسة الاقتصادية الكارثية هى أحد أسباب المصيبة وأرجو ألا يتم استخدام غاز شمال الدلتا فى إكمال العاصمة الإدارية التى ربما تصبح مقبرة الاقتصاد المصرى، الغاز يجب أن يخدم الصناعة المصرية ويفتح المصانع المغلقة.
أخيراً: كنت معارضاً للنظام المصرى لأسباب أهمها سوء الإدارة الاقتصادية وبسبب السياسة القمعية غير المبررة ضد الشباب، الآن أنا يائس من أى إصلاح من هذا النظام الذى يقمع الجميع ويزيد الفقراء فقراً ولا يستمع لخبير ولا لرأى ويفكر ويقرر وحده ويبدأ مشروع قناة تكلف عشرات المليارات فى مكالمة تليفونية ويقرر وحده إعطاء جزء عزيز وغالى من الوطن ويطلب من أصحاب الجزر ألا يتكلموا فى هذا الموضوع.
أدعو الرئيس لعدم التوقيع على الاتفاقية وإعادة التفاوض حتى تصبح السيادة على الجزر مصرية لأن غير ذلك سوف يؤدى إلى التهلكة. تيران وصنافير مصرية بالتاريخ والجغرافيا وحكم المحكمة، والبرلمان لم يصوت.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

خالد منتصر - لجنة شئون الأحزاب نسيت النظارة فلم ترَ حزب النور! - جريدة الوطن - 20/6/2017

أخيراً، وبعد أن اقترب الرئيس من إنهاء فترة رئاسته، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ثورة 30 يونيو، التى قامت أساساً على رفض تجارة الأديان واستخدامها فى السياسة، أخيراً انتبهت الدولة وأحالت لجنة شئون الأحزاب أوراق خمسة أحزاب دينية إلى النائب العام!، وكأن اللجنة لم تكن تعرف طوال هذا الوقت أن تلك الأحزاب هى أحزاب دينية، وأعتقد أنها كانت منذ ذلك الوقت مخدوعة بأنها مدارس لتعليم الباليه، أو أندية لتنسيق الزهور!، لكن هل هذه الخطوة استراتيجية أم تكتيكية؟، بصراحة ووضوح أكثر نطرح السؤال: هل اتخذت الدولة تلك الخطوة، لأن طارق الزمر، زعيم أحد تلك الأحزاب وهو «البناء والتنمية»، قد جاء اسمه فى قائمة الإرهاب التى صدرت بعد الاجتماع المصرى - السعودى - البحرينى، وأنه للخروج من ذلك المأزق خرجت تلك التوصية؟!، رأيى المتواضع أنها خطوة تكتيكية لا تعبّر عن شعور الدولة واقتناعها بأن هناك خطراً حقيقياً من تلك الأحزاب، ولا أعرف سر هذه الطمأنينة الزائفة التى يعيش فيها المسئولون عن مقدرات هذا الوطن، وسر البطيخة الصيفى التى تحتل بطونهم تجاه تلك الأحزاب التى يعتبرونها «كيوت» ووسطية ومدنية، ويمارسون معها لعبة الاستغماية، والصفقات التى تُمرر من أسفل الترابيزات الأمنية، تيمناً وتطبيقاً لسياسة «مبارك» مع السلفيين، التى ظهرت ثمارها فى الإطاحة به، لكننا للأسف لا نتعلم، والتاريخ لدينا مجرد نتيجة حائط، وليس دروس زمن!، أنا لا أستنتج، ولا أحلل من فراغ، ولم أصل إلى تلك النتيجة إلا بناءً على قراءة الواقع، الدولة تلعب لعبة الموت مع السلفيين، تداعب الحية وتحتضنها وتظن أنها نزعت أنيابها، بينما السم يسرى فى مسام الجلد، منذ سنتين يوجد حكم فى الأدراج من القضاء الإدارى بإلزام لجنة الأحزاب بمراجعة موقف 11 حزباً دينياً، أين هذا الحكم؟، تم طناشه والتعتيم عليه، الأحزاب التى أُحيلت أوراقها إلى النائب العام بجانب «البناء والتنمية» هى: «الوسط والاستقلال وغد الثورة والوطن»!، والسؤال الذى يفرض نفسه: أين حزب النور؟، هل اعتبرته لجنة شئون الأحزاب من ضمن الأحزاب الماركسية؟!، وإذا كان الرد الجاهز هو أنهم كانوا حاضرين خطاب الرئيس بعد 30 يونيو، هل تتذكرون «البرادعى»، ولكم فيه أسوة حسنة؟، كان حاضراً هو الآخر، بل كان هو الرجل الثانى فى الدولة!!، أين هو الآن؟، إذاً لا حصانة لأى شخص أو حزب أو مؤسسة لمجرد الحضور والوقوف خلف وزير الدفاع السيسى حينذاك، أما الكارت الثانى الذى يرفعه حزب النور فى وجوهنا منذراً إيانا بأنه حزب لا يُشجّع الإرهاب ولا يكفّر أحداً وأنه حزب مدنى، فأطمئنهم بأنه كارت مضروب ليس له رصيد، فالحزب الذى لا يقف للسلام الجمهورى، ولا يعترف بعلم الدولة، هو مشتل إرهاب منظم وتكفير مزمن، وسأسوق لكم بعض القصص عن كيف أفرز وأنتج هذا المشتل إرهابيين بامتياز، كان كل ما يجمعهم هو أنهم أعضاء فى حزب النور!!، فى 3 مايو 2015 كشفت هيئة محكمة جنايات القاهرة عن انتساب المتهم أحمد محمود الملاح، أحد متهمى تنظيم أنصار بيت المقدس، والمتهم بارتكاب أعمال إرهابية كثيرة، إلى حزب النور السلفى، وكان من ضمن الأحراز كارنيه حزب النور!!، وأسندت النيابة العامة إلى المتهم وجماعته ارتكابهم جرائم تأسيس وتولى قيادة والانضمام إلى جماعة إرهابية، تهدف إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على حقوق وحريات المواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، والتخابر مع منظمة أجنبية، المتمثلة فى حركة حماس، وتخريب منشآت الدولة، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصُّد والشروع فيه، وإحراز الأسلحة الآلية والذخائر والمتفجرات، فى شهر 7 من العام نفسه، أعلن تنظيم داعش عن مقتل لاعب الكونغ فو هشام عبدالحميد، الذى كان عضواً بحزب النور واستقال منه قبل سفره إلى سوريا للجهاد، وقال بيان «داعش» إن هشام عبدالحميد كان جندياً من جنود دولة الخلافة الإسلامية، استُشهد قبل الإفطار فى معركة مع جنود «بشار» فى الشام، وكان هذا اللاعب قد رفع شعار «رابعة» فى بطولة العالم بماليزيا، أما ثالثة الأثافى التى أهداها لنا حزب النور، فقد كانت أحمد جلال، أو عز الدين المصرى، زعيم تنظيم أجناد مصر، الذى تم قتله فى معركة شقة الرحاب الشهيرة، والذى وجدوا فى أحد أوكار اختبائه خمسمائة قنبلة مجهّزة للتفجير وإحراق القاهرة!، هذا الزعيم الإرهابى كان عضواً عاملاً فى حزب النور وحركة حازمون!!، أما خاتمة مشتل حزب النور الذى صدّر لنا ثمار صباره المر وأقربها فقد كانت قصة الإرهابى «محسن مصطفى السيد قاسم»، أحد المتهمين فى قضية تفجير الكنيسة البطرسية، الذى راح ضحيته نحو 25 شهيداً، وكان يعمل رئيس نوبة فى برج المراقبة الجوية بمطار القاهرة ومسئولاً عن السلامة الجوية، هذا الإرهابى كان عضواً فى «الدعوة السلفية» التى هى مشتل المشتل وصانعة البذور الرئيسية لفدادين حزب النور ومقراته، ومفاجأة التحقيقات أنه كان عضواً فى حملة مرشح حزب النور بالزيتون، وأن عضواً مهماً فى الحزب هو الذى توسّط لعودته إلى عمله فى المراقبة الجوية بعد استبعاده من هذا المكان الحساس، والذى كان لا يعلم إلا الله ماذا كان ينتظرنا من كوارث لو استمر هذا الإرهابى فى هذه الوظيفة؟!!

Monday, June 19, 2017

القَضِية الأصلْ.. بقلم د. مصطفى حجازى ١٩/ ٦/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

قضايا البقاء والمصير- وعلى رأسها قضية الأرض- لا يستقيم أن تكون دروباً للنكاية السياسية ولا أن تتدنى إلى شبهة المكايدة أو أداة لِدَحرِ الخصوم.. فـ«الوطن» عقيدة قبل أن يكون جغرافيا.. واليقين بمُقَدراته والذود عنها نُسُك لتلك العقيدة.
والبشر بشر فى كل مكان فى الدنيا.. مجبول على حُب المِلكية.. والحرص على ما يملك.. والأهم أنه مجبول على الانتماء لوطن.. يدفعه إلى أن يقدم روحه طائعاً من أجل أن يبقى ذلك الشىء الأثيرى، الذى لا يستطيع أن يَلمَس منه إلا حِفنةَ من رمال هنا أو حِفنَة من ماء هناك.. وقد يَلمَس منه فى كل وقت العَنَت والإهانة وضيق الأفق ولكن يبقى الوطن وطناً.. لمَن ارتضاه واستطاع قبل ذلك وبعده أن يبقى بشراً إنساناً.. لا دابة من دواب الأرض وكفى..
ولهذا تبقى قضية الأرض هى المكافئ الموضوعى للشرف لدى المصريين على وجه الخصوص.. كالدين فى الوجدان.. العبث به جنون، واستدعاؤه على موائد القمار السياسى انتحار..!
على هذه الأسس وبعقلانية وهدوء يليقان بجَلالِ المُصَاب.. وفى محاولة واجبة تَستَلهِم أبجديات الأمن القومى العربى ولا تُخَاطِب عاطفة.. يلزم أن نناقش ما يُعرَف باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والشقيقة المملكة السعودية.
الاتفاقية بالأساس- وبدون محاولات للالتفاف حول الحقائق أو تزيين لواقعها- اتفاقية تنازل مِصرية عن أرض مِصرية، وهى جزيرتا تيران وصنافير المصريتان..!
وإن لم تكن كذلك فما الحاجة إلى كل تلك الطنطنة حول الماراثون الدبلوماسى والخطابات المتبادلة وغيرها.. والحديث عن الولاية والسيادة والإدارة..؟!
يُراد للأمر فى ظاهره- الأخف وَطأة- أن يكون انتقال ولاية أرض مصرية إلى الشقيقة السعودية أو قُل تدويلها بالوكالة.. وهو ظاهر ثقيل مُر.. غيرُ مقبول مهما خُفف..!
أما جَوهَر حقيقته لأى مبصر فهو ولاية إسرائيلية مباشرة على مضيق تيران وعلى المياه الإقليمية المصرية.. تُصبِحُ فيه صاحبة شرعية فرض السيادة سِلماً وحَرباً..!!
وهو ذات المضيق وذات المياه التى كانت سببا يَعرِفُه كلُ واعٍ بالتاريخ لاندلاع حرب ١٩٦٧.. حين مارست مصر حق سيادتها على مياهها الإقليمية وأغلقت مضيق تيران.. وما جَرَّته من هزيمة عسكرية لم تكن لآثار عدوانها أن تُمحَى لولا «أولياء الأرض».. لولا شعب مصرى واعٍ بقدُسِيتها.. احتضن «جيشه المصرى الوطنى» ليصنعا معا لحظة كبرياء.. هى من لحظات تُصنَعُ بها الأمم.. فكان نصرا عسكريا مؤزرا فى أكتوبر ١٩٧٣.
وبذلك الحدث فى التاريخ- الذى يُرادُ لنا أن نتعامى عن مَنطقِه الآن- تدفع مصر حتى يومنا هذا ضريبة ممارستها سيادتها على أرضها «مسخاً» لمجتمعها وتشوهاً لكل أحلام ومشروعات التنمية فيها.. وكأنه كان نذير استقالتها من التاريخ.
تنتقل السيادة والولاية- ولو بالشراكة- لإسرائيل.. وبشكل أوقع على مفتاح سيادة على أرض سيناء «مطمع إسرائيل وحلمها».. لتُبادِل إسرائيل ما اكتسبته من موطئ سيادة جيواستراتيجى بعناوين السلام الدافئ والسلام الاقتصادى.. والهيمنة على المنطقة العربية بأسرِها، فى ظل عملية استئصال للوجدان العربى وزراعة عقيدة استراتيجية جديدة تقول إن إيران هى العدو وليست إسرائيل..!
ويأتى كل ذلك فى إطار مشروع أمريكى ليس بجديد- يَصخَبُ به معتنقو المؤامرة والمُرَوِّجِون لحديثها ليل نهار وهم يسيرون فى ركابه داعمين- لا يَرمِى إلى تغيير الخرائط السياسية للمنطقة فحسب.. بل لتغيير العقائد السياسية للمنطقة، بما فيها تغيير «مرتكز القيادة» و«طبيعة الصراع» و«خط المواجهة»..!
فالرياض لا القاهرة يُرادُ أن تقود.. وعلى القاهرة أن تظل مُستَودع القوة العسكرية والبشرية والثقافية التابع لا القائد..!
والصراع هو صراع «سُنى شِيعى» أو قُل «مَحرَقة» إسلامية/ إسلامية وعربية/ عربية لا صراع عربى إسرائيلى..!
ودُوَل المواجهة والقلب ليست مِصر والشام ولكن دُوَل الخليج العربى.. لِتضحى- ولأول مرة فى التاريخ المعلوم- «دول القلب العربى» وتراكمه الحضارى منذ فجر الإسلام، وهى حواضر مصر والعراق والشام، «دول أطراف»..!!
وفى ذلك تبديد للأمن القومى العربى.. لا يحتاج تأويلا أو مجاملة..!
بالقطع إيران دولة نَكِدة سياسياً لها مشروعها التَوَسُّعى.. والمُنبَنِى على تهويمات ثأرات تاريخية تُعطى غِطاءً عقائدياً لرغبتها فى الهيمنة وبناء إمبراطورية فارسية على مقدرات دول جوارها العربى بالأساس.. هذا منطلق مؤسس لا يمكن إغفاله فى التعامل معها..
ولكن إن صارت إيران الآن عدواً وبحق.. فتبقى إسرائيل هى «العدو» من قبل ومن بعد..!
قد يبدو الأمر فى طَورِ تَحَقُقِه- ولِمَ لا- والاحتفاليات والأحلاف تُقحِمُه على الواقع.. ولكن ما يغيب عن محركى الدُّمَى على مسرح السياسة وعن بعض الدُُّمَى.. أن القيادة قَدَر وليست اختيارا أو حُلم تَمَلُّك أو وَجاهةَ مُلك..
والقيادة قَدَرُ مصر.. الذى لا تملك أن تذهل عنه.. وهو قَدَر الكبار.. حتى وإن أراد البعض لها أن تَصغُرَ عنه..!
الكِبارُ يَعرفون أنه فى لعبة السياسة والهيمنة الدولية.. يملك الكبار مرتكزات استراتيجية على خريطة العالم السياسية.. وإن لم يملِكوها إرثاً.. تملَّكوها قَسراً بالتَوَسع والاحتلال أو الحيلة.. ولولا ذلك ما استبقت بريطانيا جبل طارق، وهو جزء من الأراضى الإسبانية، ليبقى لها قول فى حركة ملاحة المضيق.. وما حاربت من أجل استرداد سيادتها على جزر الفوكلاند الأرجنتينية التى تبعد عن بريطانيا ٩٠٠٠ ميل.. وما أبقت إسبانيا على مدينتى سبتة ومليلية فى الأراضى العربية المغربية من أجل أن تصبح حركة الملاحة بين جزر البليار الإسبانية والسواحل الأفريقية مياها إقليمية إسبانية غير متنازع عليها.. وما ضمَّت روسيا القرم بدعوى الحقوق التاريخية..!
ولن ينتهى السَردُ لمِنطِق حاضر- لن يغيب- ما بقيت دُوَل تعى معنى الأمن القومى وأدواته.. والحَكَم فى شؤون الأمن القومى هو الجيواستراتيجيا وعقائد الأوطان.. ولم يُقحَمُ عليها ذلك البِدعُ الجديد من العِلم الذى جَعل من «الجيولوجيا» قَيِّماً على شؤون «السياسة».. حتى إن أراد بعضُ متنطعينا أن يَبتَدِع من العُلوم ما يسمى علم «الجِيو لياسة» كهجين للجيولوجيا والسياسة الدولية..!!
ولم نَعرِف عن كِبار يساومون على مُرتَكزات استراتيجية ذات قيمة حتى وإن لم يَملِكوها.. فما بالنا بِمُرتَكزات الحُجيّة التاريخية قائمة لها.. حتى ولو فى إطار الحوار..!
كان ذلك بعض مَنطِق التاريخ ومَنطِق السياسة ومَنطِق الفطرة، والذى ينتصر لقضية الأرض.. وقد سِيق من المنطق القانونى ما يكفى.. وكفى بحُكم المَحكَمة الإدارية العليا قولاً فصلاً لمَن أرادوا أن يحشروا القضية فى دهليز الإجراءات القانونية.. وكأننا نتحدث عن تعويض فى حادث سيارة وليس عن أرض مقدسة لوطن..!
أعرف أنه فى وقت أصبح فيه «قتل المَنطق وتَغييِب العقول» من أوهام ضمان الاستقرار.. وفى وقت صارت فيه مجافاة اللياقة السياسية منهجاً.. بل يُراد بالخشونة السياسية التى تصل إلى حد البلطجة أن تكون أداة معتمدة فوق القانون.. وفى وقت أصبح فيه تعريف النصر السياسى هو قهر الخصوم وإذلالهم لا الوصول إلى المكتسب الذى يتمناه هذا الطرف أو ذاك.. يكون «المنطقُ» هو صِنو «الكفر»..!
وإن كان هذا السلوك السياسى ليس جديداً على بلادنا.. يَظل اعتماد الفجَاجَة سِمَةً له هو المثير للأسى.. فما رأيناه فى «غَزوةِ الصناديق» يعود فى «غَزوةِ الجزيرتين».. وإن اختلفت وجوه «دواعش السياسة» الذين قاموا بالغزوتين.. وبقيت انتماءاتهم واحدة.. لا وطن فيها.!!
وأخيراً.. ورغم ثقل النفوس ورغم الممارسات النَكِدة والصغيرة..
ستبقى حقيقة واحدة.. الأرض باقية.. ما بقى للأرض ولىّ..
والأهم ما بقى الوجدان متعلقاً بـ«القَضيّة الأصل»، وهى استرداد القَدْر ومعنى الوطن..!
ويقينى أنه رغم عَجز يُرادُ بِنَا.. القَدْرُ هو ما سيُسترَدّ.. ومعنى الوطن هو ما سيُسترَدّ.. وفيهما لن يكون تضييع ولا شبهة تضييع.. لأرض ولا لمستقبل قبلها..!
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..