Translate

Saturday, September 30, 2017

خالد منتصر - هل رجال الدين هم الدين؟! - جريدة الوطن - 1/10/2017

وصلتنى من الكاتبة الجزائرية المتميزة هاجر حمادى رسالة طويلة سأعرض لكم مقتطفاً منها لضيق المساحة، وهى رسالة تثير علامات استفهام كثيرة، خاصة أنها من كاتبة تنتمى إلى بلد ذاق المر من غسيل الأدمغة الذى وصل بالبعض إلى الاقتناع بأن بقر بطون الحوامل فى قرى الجزائر «جهاد»!، تقول الرسالة:
المسلمون يعتبرون الطعن فى رجال الدين هو طعن فى الدين وتطاول على المقدسات، مع أن هؤلاء الشيوخ بشر مثلنا مثلهم، ولسنا مطالبين أبداً بتقديسهم، لكنك تجد المسلم يستنفر ويتشنج لرؤيتك تنتقدهم لدرجة قتلك لو كان متطرفاً فى الدين، إنه يرى أحلامه تتحطم أمامه عندما يراك تنتقدهم خاصة إذا أحرجته بالحجة والبرهان، فيتحول شعوره بالإحباط من سقوط قداستهم إلى عدوانية تجاه من يستخدم عقله ويتحرر من أكاذيبهم، هذه العدوانية ليست نابعة من شر مطلق لدى المسلم، بل هو مجرد ضحية تعرضت لغسيل دماغ كبير، إذ تم تعطيل كل آليات المنطق والتفكير لعقله وخضع لمفاهيم أشخاص اعتبرهم فقهاء فى الدين، بعد أن أقنعوه بأن لحومهم مسمومة وأنهم ورثة الأنبياء، إذا أصابوا لهم أجران وإذا أخطأوا لهم أجر، حتى لو كان هذا الخطأ عبارة عن فتوى بقتل الناس أو تجهيلهم، وحين تعرض عليه هذه الفتاوى المدمرة واللامنطقية يصحو عقله قليلاً لدرجة أنه لا يصدقك فى بداية الأمر، لكونه يدافع عنهم دون قراءة ما كتبوا بالتفصيل، فيذهب للتأكد من كلامك، فيجده صحيحاً ويشعر بالصدمة والارتباك والحيرة، وهنا المرحلة الصعبة، منهم من يستفيق ويتغلب صوت عقله على عاطفته وجهله، ومنهم من يستمر فى الدفاع عن هؤلاء الشيوخ ويحاول محاربة صوت العقل الذى يناديه من الداخل، ويتحجج بأنه يأخذ منهم ما ينفعه فقط مع أنهم أفتوا بقتل الناس، وهذا إرهاب وليس اختلافاً فى وجهة النظر، فقط لأنه لا يريد العودة من جديد وتصحيح مفاهيمه الخاطئة، فذلك يتطلب قوة وعملاً وإرادة لا تتحلى بها أغلب شعوبنا، لهذا يمكن اعتبار هذه المرحلة التى نعيشها الآن شبيهة جداً بمرحلة توزيع صكوك الغفران فى الكنيسة إبان العصور الوسطى، لكن الفرق يكمن فى أن بعض القساوسة انشقوا عنها لكونهم فلاسفة ومفكرين، لكن نحن ليس لدينا أئمة حالياً بهذا المستوى الفكرى وبهذه الشجاعة فى الإصلاح الدينى كتلك التى قام بها باروخ سبينوزا وتوما الإكوينى، ما عدا بعض المحاولات من الدكتور عدنان إبراهيم وشحرور وإسلام البحيرى لكنها تُواجَه بالرفض عند الأغلبية، بينما ظهر عندنا مفكرون قديماً بهذا الفكر والشجاعة من أمثال ابن سينا وابن رشد والفارابى، لكنهم انهزموا أمام دعاة الظلام الدينى، وكذلك هناك فرق بين المرحلتين فى القاعدة الفكرية والحضارية والفنية والعلمية التى كانت للشعوب الأوروبية آنذاك، وهى غير متوفرة عندنا حالياً لمساعدتنا على القضاء على هذا الطاعون الدينى، أما الفرق الأهم والأخطر بين المرحلتين فيكمن فى كثرة حراس المعبد والفقهاء وشيوخ الإرهاب فى الموروث الإسلامى أكثر من أى دين آخر، وهذه الاستماتة فى الدفاع عن الأئمة والموروث الدينى ومنع الاقتراب منه ستقود شعوبنا إلى مرحلة الإلحاد مباشرة، لأن الكثيرين استفاق عقلهم ولم يعد يتماشى مع الموروث الدينى، وإجبارهم على تقديسه بنفس درجة تقديس القرآن، وعلى عدم فصله عن المقدس الأول ستدفع بهم إلى الخروج من الدين مباشرة، وهذا ما تعرض له القرآنيون مثلاً بسبب احتكامهم للقرآن مباشرة دون غيره، ووصل بشعوبنا الهوس الدينى إلى اتهامهم بالإلحاد رغم اعتمادهم على المقدس الأول وهو القرآن، ولن تسمع عند جميع الثقافات والديانات أن لديهم كتباً مقدسة أخرى غير كتابهم الأول، وأنها تُكفر من يعتمد على الكتاب الأول دون غيره وتخرجه من ملتها، ما عدا المسلمين، ببساطة لأن أغلب ما وصلنا من ممارسات وطقوس دينية هى صنيعة البشر، وشريعة «البخارى» والأئمة الأربعة و«ابن تيمية» و«بن عبدالوهاب» وغيرهم، وأصبحنا فى كارثة حقيقية الآن وورطة كبيرة وهى كيفية إقناع الشعوب بهذه الحقائق.

هل هى باسبورتات مصرية بدماء صهيونية؟! بقلم د. وسيم السيسى ٣٠/ ٩/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


الأستاذ الدكتور خيرى إبراهيم الملط، الأستاذ بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان، ومؤسس المشروع القومى لإحياء الموسيقى الفرعونية «المصرية القديمة» سنة ٢٠٠٠ بعد أن واجه هذا التراث الكثير من الإهمال، ومحاولات التهويد المتعددة، هذا التراث الذى قال عنه أفلاطون: علموا أولادكم الموسيقى المصرية فهى أرقى أنواع الموسيقى، ولا تعلموهم الموسيقى اليونانية! علموهم كيف يتذوقون الفنون ثم بعد ذلك أغلقوا السجون.
فى عام ٢٠٠٤ ساهم الاتحاد الأوروبى TEMPUS بالدعم المادى لهذا المشروع، كما ساهم البنك الدولى ٢٠٠٥ HEEPF بدعم المشروع لإنشاء أول دبلوم للدراسات العليا الأكاديمية للموسيقى الفرعونية على مستوى الجامعات الإقليمية والعالمية.
فى ٢٦ يولو ٢٠١١ تمت الموافقة من جامعة حلوان على الدرجات العلمية: دبلوم، الماجستير.
كون الدكتور خيرى فرقة من عشرة أفراد «فرقة أحفاد الفراعنة» بآلات موسيقية فرعونية «مقلدة طبق الأصل» بنفس المقاييس، والخامات كى تصدر نفس النغمات من ٥٠٠٠ سنة، وقد تم استنساخ آلات موسيقية مختلفة «وترية - نفخ - إيقاع». أنشدت هذه الفرقة ٢٠٠٧ فى أول حفل لأول دفعة لدبلوم الدراسات العليا للموسيقى الفرعونية بحضور وزير التعليم العالى أ.د. عمرو عزت سلامة، وكانت الفرقة ٨ عازفين، ٢ منشدين.
تقدم الفرقة عروض موسيقى تصويرية لأسطورة إيزيس وأوزيريس، عودة سنوحى، المناسبات الشعبية مثل عيد الحصاد - القمح - شم النسيم - عيد الأوبت.. إلخ.
قدمت هذه الفرقة القومية المصرية عروضها، فى ألمانيا - النمسا - إسبانيا - فرنسا، هذا بخلاف عروضها داخل مصر. تحملت جامعة RENMIN الصينية نفقات سفر، إقامة، عودة هذه الفرقة التى تحيى تراث مصر الموسيقى فى العالم كله.
قام أ.د. عماد أبوغازى وزير الثقافة الأسبق بإصدار تعليماته بتصميم زى فرعونى للفرقة بما يتناسب مع اسم مصر وتاريخها، وبذلك أصبحت هذه الفرقة قوة من قوى مصر الناعمة، وسفيرا لمصر حول العالم لتأكيد هويتنا الضائعة، ومحاولات التهويد المستمرة لكل شىء حتى بناء الأهرام.
تقدم الدكتور خيرى بطلب للأستاذ الدكتور حاتم ربيع أمين المجلس الأعلى للثقافة يذكر ويشرح فيه ما قلته سابقاً وأرجو أن تحتضن وزارة الثقافة هذا المشروع، وهؤلاء العشرة «عازفين ومنشدين»، ولكن دون فائدة، قلبه ينزف دما، يقول: قاربت على الثمانين، لم أعد أتحمل صحياً، أواجه حرباً مسعورة!! تكاد أن تطيح بى وبما تحقق من إنجازات فى إحياء تراثنا القومى!. حاول الدكتور خيرى لقاء وزير الثقافة فلم يتمكن!! لجأ إلى دكتور محلب رئيس الوزراء الأسبق، وكتب له، ودون فائدة!.
هل أنا فى مصر أم فى إسرائيل؟!، هل أنا وسط أناس قال عنهم أمير الشعراء:
الناس صنفان موتى فى حياتهم
وآخرون ببطن الأرض أحياء!
هل صحيح ما قاله شاعر النيل حافظ إبراهيم:
يا أمة يُهان فيها الإمام الحكيم
ويكرم فيها الجهول الغبى؟!.
الأخطاء أنواع:
١- فى حق الله وهذا خطيئة.
٢- فى حق نفسك كالتدخين وهذا عيب.
٣- فى حق غيرك وهذا ذنب.
٤- فى حق المجتمع وهذا جنحة أو جريمة.
٥- فى حق مصر وهذا إجرام.
ما يحدث الآن من مسؤولين من إهمال وقتل لهذا المشروع.. إنما هو باسبورتات مصرية بدماء صهيونية.. عيب عليكم!!.

خالد منتصر - «أبوالغار» الأستاذ والمعلم - جريدة الوطن - 30/9/2017

ألف مبروك أستاذى العظيم على تكريم الجمعية الملكية البريطانية. كنا نخطو خطواتنا الأولى المتعثرة فى كلية الطب ونتلمس أى طاقة ضوء تهدينا وسط حيرة حشود الطلبة وركام الكتب وتراب المعامل وفورمالين المشرحة وتأوهات المرضى وإذا بيد الأب والصديق د. محمد أبوالغار، ابن البلد الخواجة، المصرى الفلاح حتى النخاع، المتحرر فكراً والمتمرد عقلاً ومنهجاً، تحس أنه يرتدى الجلباب تحت البدلة البراند، وأن زرقة عينيه لم ولن تخدعك عن ملامحه الفرعونية، كنا فى امتحانات الشفوى نتقاتل كى نجلس أمامه بابتسامته وحنوه وعلمه وتشجيعه وإيمانه بأن كل شاب فينا «فيه أمل ولازم يبقى عنده أمل»، كانت كل الأسر الطلابية تتمنى أن تحمل اسمه، إنسان بسيط لا يحمل عقداً أو كلاكيع أو ذرة استعلاء أو غرور، ابتسامته كانت هى الحضن والطبطبة والطمأنينة، وتشجيعه كان الحافز والوقود ودفعة ودفقة الأمل والطموح، بعد تخرجنا وعملنا، كان كل يوم يعلمنا جديداً بدون أن يمسك بعصا وهراوة الأستاذ، حتى وهو منهك من أثر تقدم السن علّمنا ألا ننحنى وألا نستكين ووقف أمام سلطة متوحشة غاشمة بصدره العارى من أى دروع، ونادى باستقلال الجامعة ونجح وانتصر.
«أبوالغار» كل يوم كان يعلمنا درساً جديداً، إنه الأستاذ بكل معنى الكلمة، ولا أنسى رسالته الكاشفة تعليقاً على ما كتبته عن عنصرية أقسام النساء والتوليد فى جامعاتنا ضد الأقباط، سأذكّركم بنص الرسالة لتعرفوا من هو «أبوالغار» ابن الاستنارة المصرية بكل ملامحها العقلانية الجسورة، كتب لى فى رسالته: «العنصرية البغيضة ازدهرت فى العقود الماضية التى سيطر فيها تيار الإسلام السياسى على مقدرات وعقول الكثير من المصريين، وللأسف الشديد فإن العنصرية أصبحت موجودة فى كل مكان حتى فى الأوساط الأكاديمية التى من المفروض أن تكون بتفكيرها وعقلانيتها بعيدة كل البعد عن ذلك. من المعروف أن جميع أقسام أمراض النساء والولادة فى جميع الجامعات المصرية لا يوجد بها عضو تدريس مسيحى، وذلك لسببين: الأول أن هناك تمييزاً واضحاً من بعض الأساتذة فى الامتحان الشفهى ضد المسيحيين، مما يحرمهم من الحصول على مركز متقدم فى امتحان البكالوريوس، وحتى الذين يحصلون بصعوبة على مركز معقول يمكّنهم من الحصول على وظيفة نائب يخافون من سوء المعاملة واحتمال عدم النجاح فى الدراسات العليا، وربما يقوم البعض بإدخال الرعب فى قلوبهم إن هم فكروا فى ذلك. وخلال عملى منذ 1969 كمدرس فى طب قصر العينى تم تعيين نائب واحد مسيحى، وقد حاولت طمأنته ومساعدته بكل الطرق، ولكنه طفش إلى كندا. هناك حلول سريعة لهذه المشكلة والموجودة أيضاً فى أقسام أخرى، ولكن ليس بنفس الحدة، وهى إلغاء جميع امتحانات الشفهى واستبدالها بامتحانات حديثة بأرقام سرية. إذا تم ذلك سوف ينعدل حال نتيجة الامتحانات ليس فقط لصالح الأقباط وإنما أيضاً الفقراء والذين ليس لهم ظهر. وهو أمر من الصعب جداً تطبيقه، لأن عدد المستفيدين من وجود امتحان شفهى فى كل مراكز القوى خارج وداخل الجامعة كبير جداً. أما الأمر الأصعب فهو التخلص من العنصرية بكافة أشكالها عند المصريين، وهو أمر مستحيل فى ظل الأفكار القاتلة التى يبثها الإسلام السياسى فى عقول وقلوب المصريين. وبالمناسبة نجيب محفوظ باشا هو أول رئيس مصرى لقسم النساء، وأنا لم أعاصره لأنه أحيل إلى المعاش قبل أن أولد، ولكن تاريخه العلمى معروف داخلياً وعالمياً، وأبحاثه منشورة فى كبريات المجلات العلمية فى ذلك الوقت، ومتحف نجيب محفوظ فى قصر العينى ما زال مادة تعليمية متميزة للتدريس للطلبة».
هذه كانت رسالته وما زالت رسالته حتى بعد أن اعتزل العمل السياسى.

د. عماد جاد - إمارة الإرهاب - جريدة الوطن - 30/9/2017

خرجت مظاهرات فى عدد من المدن الهندية تندد بالدعم القطرى للجماعات الإرهابية التى تمارس العنف فى عدد من مدن الهند المختلفة، وقد جاءت هذه المظاهرات على أثر إعلان السلطات الهندية عن اكتشاف شبكة تمارس العنف والإرهاب فى الهند بتمويل قطرى وأن الدوحة متورطة بشكل مباشر فى تمويل عمليات إرهابية فى الهند. ويأتى الإعلان الهندى عن تورط قطر فى عمليات تمويل ودعم الجماعات الإرهابية هناك ليضيف دليلاً جديداً على دعم قطر للإرهاب بشكل عام وليس فقط فى دول الجوار مثل البحرين، الإمارات، السعودية، ومصر، بل وصل إلى شبه القارة الهندية. وعندما تعلن سلطات هندية عن أدلة تثبت تورط قطر فى دعم الإرهاب فإن ذلك يكون بمثابة رسالة للمجتمع الدولى مؤداها أن قطر تدعم الإرهاب بشكل عام ولا تستخدمه أداة لتحقيق أهداف معينة تتعلق بدورها فى المنطقة، فقد كشفت السلطات الهندية أن الجمعيات الخيرية القطرية تقوم بإمداد الجماعات الإرهابية بالأموال، ومن ثم فإن القضية أبعد من مجرد دور إقليمى وخلاف مع دول الجوار، فهذا التمدد القطرى ووصول التمويل القطرى للجماعات الإرهابية إلى الهند إنما يعنى أن الدور القطرى فى دعم وتمويل الإرهاب أكبر وأبعد مما نتصور، يعنى أن دويلة قطر هى ذراع للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وأن دورها يفوق الدور التركى فى دعم الجماعة الإرهابية، فقطر هى القاعدة المالية للتنظيم، وهى التى تستقطب كافة قيادات الجماعات الإرهابية، ومنذ فترة طويلة، استضافت رموز الإرهاب من وسط آسيا ومن جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق، ومن العالم العربى، دعمت مشروع الجماعة فى مصر والسودان وليبيا وسوريا، وبعد سقوط الجماعة فى مصر احتضنت رموزها ووظفت أموالها فى معاداة النظام المصرى وأنفقت الأموال فى تشويه صورة النظام المصرى، قدمت الأموال للمنظمات الدولية والإقليمية العاملة فى مجال حقوق الإنسان لإصدار تقارير متخمة بالأكاذيب عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، دعمت أعمال العنف والإرهاب فى مصر، ولم تتراجع بعد تكشُّف ملامح دورها وقبلت دخول مواجهة مع أربع من دول الجوار، وواصلت المغامرة حتى بلاد الهند، وهنا نقول إن قطر التى اتضح دورها تماماً فى دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية فى العالم باتت تمثل مصدراً من مصادر دعم الإرهاب وتقويض الاستقرار ليس فى المنطقة فحسب بل فى مناطق أخرى من العالم، لكل ذلك يبدو مهماً للغاية أن تتحرك الدول العربية المقاطعة لقطر وتمد يد التعاون مع دول أخرى مثل الهند وروسيا والصين لإعلان قطر دولة مارقة مثلها مثل كوريا الشمالية، فخطر قطر أكبر من خطر كوريا الشمالية، فقطر تدعم الجماعات الإرهابية التى ترتكب جرائم إرهاب وعنف وتتسبب فى سقوط ضحايا أبرياء، أما كوريا الشمالية فتطور أسلحة دمار شامل بات استخدامها ضرباً من ضروب المستحيل، ومن ثم فإن مخاطرها نظرية أو متصورة بعكس جرائم قطر التى تمارس بالفعل فتعصف بأمن واستقرار دول وتهز استقرار دول أخرى وتُسقط ضحايا أبرياء فى مناطق مختلفة من العالم وصلت إلى شبه القارة الهندية. ننتظر تحركاً مشتركاً ما بين الدول الأربع المقاطعة لقطر ودول أخرى تعانى من تمويل قطر للإرهاب ورعايتها للجماعات الإرهابية مثل الهند والصين وروسيا الاتحادية، وضرورة التحرك العاجل لإعلان قطر دولة مارقة بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات أممية.

Friday, September 29, 2017

د. عماد جاد - عقلية الإنكار - جريدة الوطن - 29/9/2017

من أخطر الأمراض المجتمعية الموجودة فى بلادنا، مرض الإنكار، حيث هناك توجه فردى وجماعى على إنكار وجود ظواهر سلبية فى مجتمعاتنا، وهو المرض الذى بات سمة مجتمعية وسياسية أيضاً، حيث هناك تفضيل عام لإنكار وجود المشاكل أو الظواهر السلبية، ويفرز الإنكار على المستوى الفردى وجود أكثر من حياة للشخص، ومن ثم أكثر من وجه، ناهيك عن انتشار ظواهر الكذب والنفاق، أما على المستوى المجتمعى العام فإن عقلية إنكار رؤية الحقائق والاعتراف بها والتعامل معها تقود إلى مجتمع تنتشر فيه كل الظواهر السلبية ويكون أكثر استعداداً لتبنى نظرية المؤامرة، فينسب كل إخفاق ذاتى وعجز وتخلف إلى آخر يتآمر عليه غيرةً وحقداً، وهو الأمر الذى يربى أجيالاً على نظرية المؤامرة والرغبة فى الرد والانتقام ومن ثم ممارسة العنف داخلياً وخارجياً. أما على مستوى النظام السياسى فإن ثقافة الإنكار لاسيما فى المجتمعات المتعددة عرقياً، ولغوياً، ودينياً عادةً ما تقف حائلاً دون بناء دولة قوية متماسكة تنهض على حكم القانون، لأن ثقافة الإنكار عادة توجد فى المجتمعات النامية التى لم تبنِ نظاماً ديمقراطياً بعد، وعادة ما تنهض على سياسات تمييزية لمصلحة أغلبية عرقية أو دينية أو طائفية (وفى أحيان نادرة لمصلحة أقلية متميزة عن باقى السكان). ومن ثم على التمييز ضد الأقلية أو الأقليات الموجودة فى البلاد. وعادة ما تقود مثل هذه السياسات إلى مشاكل وصراعات داخل المجتمع وتمهد الطريق للتدخل الإقليمى أو الدولى لمساندة الفئة التى يقع عليها الظلم أو الاضطهاد. وتزداد الخطورة عندما يترافق الانقسام العرقى/ الدينى/ الطائفى مع تركز الأقليات فى منطقة جغرافية محددة، ففى هذه الحالة فإن استمرار سياسات التمييز والظلم فى كل المجالات، ومقاومة كل مطلب للتغيير والإصلاح ووقف سياسات التمييز، يدفع الأقلية إلى الانعزال النفسى أولاً عن المجتمع وقضاياه وهمومه، ويقود هذا الانعزال إلى الانفصال وجدانياً عن المجتمع ومن ثم تحين الفرصة المناسبة للانفصال التام عن الدولة الأم، وهو ما حدث مع أكراد العراق، فقد تعرضوا لظلم تاريخى فى ظل حالة من الإنكار التام، ومن ثم كان الانفصال وجدانياً عن المجتمع وتحين الفرصة للانفصال والاستقلال وهو ما وظفه الأكراد منذ عام 1990 فى أعقاب الغزو العراقى للكويت وتدمير القدرات العسكرية العراقية فى حرب الخليج الثانية عام 1991، ثم غزو العراق واحتلاله عام 2003، فتبلور مشروع الانفصال عن الوطن الأم والاستقلال عبر إجراء استفتاء شعبى وهو ما تم فى الخامس والعشرين من سبتمبر الحالى وأسفر عن موافقة نحو 92٪ بالمائة على الانفصال.
إن إنكار وجود سياسات التمييز بين المواطنين على أسس أولية من دين وطائفة ولغة وعرق، أسوأ من السياسات التمييزية نفسها، فكل المجتمعات دون استثناء مرت بمراحل كان التمييز يجرى فيها لمصلحة فئة أو جماعة معينة، لكنها ومع التطور أنهت هذه السياسات التمييزية وبنت نظام حكم ديمقراطى وفرضت حكم القانون، أما الدول والمجتمعات التى تتبع سياسات تمييزية بين مواطنيها فهى دول تقاوم التغيير والتطور وتفقد قدرات ذاتية كثيرة، والأسوأ أن تتبع سياسة الإنكار للمشاكل والسياسات التمييزية وتنفيها ومن ثم لا علاج متوقع لها وتستمر فى دوامة التخلف وعدم الاستقرار.

خالد منتصر - نافذة الكيمياء ونافذة الروح - جريدة الوطن - 29/9/2017

من أجمل الأفلام التى أعشق مشاهدتها مرات ومرات فيلم Awakenings اليقظة أو الاستيقاظات، إنتاج 1990، وهو فضلاً عن أنه قمة مباريات الأداء التمثيلى للعملاقين روبين ويليامز، وروبرت دى نيرو، فهو فيلم به كم كبير من الشجن والإحساس والتأمل الفلسفى والمشاعر المرهفة، والأهم أنه رسالة ونداء إلى كل باحث وطبيب أن يطل من نافذة الروح والوجدان، كما يطل على نافذة الكيمياء والدواء، وكما قال روبين ويليامز فى نهاية الفيلم: «نعم، أغلقت نافذة الروح ولكن عند اليقظة فتحت نافذة الروح، وهى الأهم من أى دواء»، القصة باختصار مأخوذة عن قصة حقيقية، طبيب يتقدم لوظيفة فى مستشفى أمراض عصبية، لكنه كان قبلها باحثاً فى معمل على ديدان الأرض يدرس الغشاء المبطن للخلايا العصبية، متحفظاً فى التعامل مع البشر، يعمل مع حالات مستعصية كالتماثيل المجمدة، تعانى من التهابات فى المخ تجعلها فى غفوة تمتد إلى عشرات السنين، تأتيه فكرة أن يستخدم مركباً كيميائياً، «ال دوبا»، الذى استمع فى محاضرة عن فوائده لمرضى الباركنسون، يقرر استخدامه على المريض «ليوناردو» ليستيقظ من غفوته الطويلة، بالفعل يستيقظ «ليوناردو» ويستيقظ بعده باقى المرضى وتنجح التجربة، يحاول المريض الخروج، فتمنعه إدارة المستشفى، تظهر الأعراض الجانبية للدواء على هيئة تشنجات وتعود الغفوة ثانية، يعرف الطبيب أنه قد تعامل مع المرض لا المريض، تعامل مع ماكينة الجسم، لا نبع الروح، قاس جرعات العقار ولم يقس جرعات الحميمية والحب والتواصل، ركزت عيناه على تحسن الأعراض ولم تركز على تحسن الحياة، المريض «ليوناردو» لم تذهب تشنجاته إلا عندما احتضنته من أحبها وأحبته ورقصت معه، توقفت رعشة المرض برعشة الحب، الطبيب الذى يتعامل مع المريض على أنه مجرد ملف أو مستند أو رقم أو case، هو ليس طبيباً، وإنما ميكانيكى إصلاح موتور آدمى أو سمكرى شاسيه بشرى!، هو وكيل قطع غيار آدمية يصلح لصيانة هذه السيارة البشرية والموديل الآدمى، ولا يصلح لصيانة أوجاع الروح وألم النفس، فلنفتح مع نافذة الكيمياء كل نوافذ الروح، حتى تشرق شمس الحب والأمل والتفاؤل والحياة.

Thursday, September 28, 2017

خالد منتصر - المرأة بين الحوض المرتد والمبيض المفعوص! - جريدة الوطن - 28/9/2017

أتحرق شوقاً لسماع مشايخ الوهابية الذين كانوا يتحدثون عن الإعجاز العلمى فى منع قيادة المرأة للسيارة، أريد سماع رأيهم الآن بعد المرسوم الملكى الذى سمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة!، من المؤكد أننا سنشاهد كوميديا وهابية من المطوعين وسماسرة الفاشية الدينية وجماعات الأمر بالمعروف، وأصحاب بازارات حواء فى قاع جهنم، كل هذه الجوقة مجتمعة الآن تضرب أخماساً فى أسداس كيف ستخرج من هذا المأزق، متوقع أنهم سيخرجون بكوميديا هزلية تتفوق على هزلية فتاواهم السابقة، سأعرض عليكم مشهدين كوميديين من مسرح الفتاوى الوهابية التى كانت تقنعنا بأن منع قيادة المرأة للسيارة فيه حكمة إلهية وأسرار لدنية وإعجازات علمية لم يدركها الحائزون على جائزة نوبل، المشهد الأول كان للشيخ صالح اللحيدان الذى قال -لا فض فوه- أن قيادة السيارة تؤثر على حوض المرأة وتجعله مرتداً! ولم يخبرنا هل هذا الارتداد على البارد أم على الساخن؟ وهل من الممكن إصلاحه فى ورش سمكرة الحرفيين أم لزاماً على المرأة أن تذهب للتوكيل؟!، المهم ليس فى ارتداد الحوض ولكن الكارثة التى توصل إليها الشيخ «صالح» هى أن الحوض عندما يرتد يتزحلق متجهاً إلى المبايض فيفعصها فعصاً شديداً!، فتكون النتيجة أن تفقد المرأة خصوبتها، فكيف لامرأة ذات حوض مرتد -والعياذ بالله- ومبايض مفعصة مثل الطماطم البايتة -أغاثنا الله من هذا المصير المفعص- كيف لها أن تحمل وتلد؟!، إنه الإعجاز العلمى الوهابى، ويستمر الشيخ الجليل فى أبحاثه قائلاً إنه قد توصل إلى أن فى الأرجنتين وبيرو يمنعون المرأة من قيادة السيارة، وأن المرأة فى أمريكا نتيجة قيادة السيارة لا تلد أكثر من اثنين!!، طبعاً لأن المرأة الأمريكية امرأة مفعصة بالفطرة، والشعب الأمريكى حوضه مرتد بالطبيعة ومنبعج بالسليقة!، ثم يأتى فضيلة الشيخ «العريفى» باكتشافه المذهل الذى يستحق عليه نوبل، ليؤكد لنا دونية المرأة وقلة عقلها التى لا تسمح لها بالشهادة فى المحكمة إلا كنصف إنسان، وبالطبع لا تسمح لها بقيادة حتى توك توك، «العريفى» توصل إلى الإعجاز العلمى والسبب المستتر، أن هناك غدة نسى اسمها «العريفى» لكنه نصحنا بالبحث عنها، هذه الغدة غير موجودة فى مخ المرأة وهذا ما يجعلها لا تستطيع التفكير فى نفس الوقت مع التذكر!!، أى أنها غدة بفتحة واحدة «وان واى»!، هذه التخاريف والهرتلات التى تنتمى إلى عنبر الخطرين فى السرايا الصفرا، ما مصيرها الآن؟، أسرب لكم بعض التصريحات التى ستخرج من غرف الفتاوى الوهابية بعد المرسوم الملكى، أولاً: الحوض الذى كنت أتحدث عنه وكان يرتد ليس حوضنا والحمد لله، فالله قد أكرم أحواض نسائنا وجعلها غير قابلة للارتداد نتيجة تخشينة ودعامة إيمانية ضد الهزات والزلازل!، ومبايضنا محفوظة حفظاً ربانياً فلا تنفعص مع قيادة السيارات، بل على العكس فإن المرأة كلما قادت السيارة كلما زادت خصوبتها نتيجة رج السوائل داخل الرحم فى درجة حرارة الرادياتير، مما يؤدى إلى البسترة وخروج الجنين معقماً، تكبير، سبحان الله!، ثانياً: تذكرت اسم الغدة، وهى الغدة الفسفوسية وهى سبحان الله موجودة فى المرأة فقط وتستطيع توجيه السيارة بدون دركسيون أو فتيس، ولكن مشكلتها أنها لا تعمل إلا بزيت 95 وتلك ليست مشكلة عويصة فالآن يعمل «د. زغلول» على تدعيم تلك الغدة بحيث تستطيع العمل ببول البعير!!.
إنها الكوميديا السوداء التى وضعنا فيها بعض مشايخ الوهابية بفتاواهم اليقينية الإعجازية.. سامحهم الله على تشويههم للدين وللعقل وللروح.

Wednesday, September 27, 2017

خالد منتصر - احتفلوا بقراءة «رسول الحرية» - جريدة الوطن - 27/9/2017

بمناسبة احتفالات رأس السنة الهجرية، أنصحكم فى الإجازة بقراءة الكتاب الوحيد الذى اتفق العملاقان «العقاد وطه حسين» على الإشادة به وهو كتاب «محمد رسول الحرية» للراحل الباقى عبدالرحمن الشرقاوى، وأكثر كتاب تحدّث عن النبى وتلقى هجوماً من بعض المشايخ وقتها كان نفس الكتاب أيضاً، قادوا حملة شعواء ضده وصلت أصداؤها إلى الرئيس عبدالناصر شخصياً، الذى سأل الشيخ شلتوت وقتها عنه فأبدى إعجابه به، فصرّح «عبدالناصر» بتداوله وأفرج عنه، هذا التناقض الذى يجعلنا نسأل ونحن نسعى لما يسمى «تجديد الخطاب الدينى»، لماذا نهاجم ونغتال ونُجهض كل عمل أدبى وفنى يتحدّث عن الرسول يبدعه مسلم موهوب بأيدينا وبمنتهى الحماس وكأننا نعشق تشويه أنفسنا؟!!، نفعل ذلك رغم أن هذه الأعمال الأدبية والفنية هى الوسيلة الوحيدة لتعريف العالم ومن قبله تعريفنا نحن بمن هو الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام، وإذا كان هناك تشويه من البعض هناك فلنفعل نحن ما يجب علينا من تقديم الحقيقة، لكن بالأسلوب الذى يعرفونه هم هناك ويؤثر وينفذ إلى القلوب. أكاد أجزم بأن أفضل ما كُتب عن سيدنا محمد هو ما خطته أقلام الأدباء، وليس رجال الدين، ما كتبه «العقاد وطه حسين وهيكل وتوفيق الحكيم وأحمد أمين»، وأفضل زاوية وأهمها من وجهة نظرى تناولت نبينا الكريم هى الزاوية التى تناولها والتقطها عبدالرحمن الشرقاوى، الرسول الإنسان، محمد البشر، كان المنطلق هو «إنما أنا بشر مثلكم»، وهذا هو سر كراهية بعض رجال الدين وقتها للكتاب، هم يريدون حبس الرسول فى خانة المعجزات، ويرون أن هذا هو قمة التقديس لشخصه العظيم، وجاء «الشرقاوى» لينظر من زاوية أخرى، وهى أن معجزته تكمن فيه كإنسان، تتلخص فى بشريته وتعامله مع الناس والمتغيرات كبشر، جدال الصحابة معه وسؤالهم إياه «أهو الرأى أم الوحى؟» هى تلك البشرية والإنسانية التى يجب التأكيد عليها؟، سماح النبى بهذا الجدل الصحى واختلاف الرؤى التقدمى هو قمة الروعة والجمال، تعامله مع الفقراء بكل الحب، ورغبته فى تحرّرهم ومساواتهم بوجهاء القوم، يختار منهم من يقود الجيوش ويتقدّم الصفوف ويتولى الإمارة دون أن يفكر هل كان هذا عبداً أو ذاك فقيراً، تعامله مع المرأة والطفل بمنتهى البشرية والإنسانية بشكل استفز أحياناً المتزمتين الذين يحملون بداوة الأعراب، والذين كانوا يندهشون من تباسطه وسماحته مع المرأة ومداعبته للأطفال، قوله «أنتم أعلم بشئون دنياكم» فى حادث تأبير النخل، لم يستخدم حينها فزاعة كيف لا تستمعون إلى نصيحتى بعدم التأبير، فأنا النبى وأنتم مجرد رعايا، عليكم عدم المناقشة والتعليق!. محمد الإنسان هو الزاوية الجديدة التى يجب تقديمها للجميع شرقاً وغرباً، لذلك أنادى بترجمة كتاب «محمد رسول الحرية» إلى اللغة الإنجليزية وإعادة طباعة الكتاب الأصلى وتوفيره فى كل المكتبات المدرسية إلى جانب «عبقرية المسيح» لـ«العقاد»، وأيضاً فى المكتبات العامة وبيع طبعة شعبية بسعر زهيد، إنه كتاب عظيم نحتاجه الآن فى هذا الوقت العصيب، نحتاجه بلغته الأدبية الرفيعة وأفكاره التقدمية المستنيرة ووجهة نظره الطازجة الجديدة، نحتاج إلى أن نتعرّف على النبى محمد، وكأننا نكاد نلمسه ونجلس معه ونستمع إلى ضحكاته وننصت إلى حديثه ونتجول فى صحبته بدروب مكة وشعابها، هناك كتب كثيرة تخيلت أنها تقربه منا بحديثها عن المعجزات، وهى فى الحقيقة أبعدتنا عن حقيقته العظيمة التى تكمن فى إنسانيته وبشريته.

د. عماد جاد - قضية الأكراد - جريدة الوطن - 27/9/2017

وافقت الغالبية الساحقة من أكراد إقليم كردستان على الانفصال عن العراق فى خطوة على طريق إعلان الدولة المستقلة، وفى يوم الاستفتاء خرجت قيادات عراقية ومن دول الجوار المعنية بالملف الكردى أو التى توجد أقليات كردية على أراضيها لتهدد أكراد العراق بالحصار والعزل والمقاطعة بل واحتمال التدخل العسكرى، فقد خرج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى مؤتمر صحفى طارئ ليوجه تهديداته لأكراد العراق، معلناً أنه سوف يغلق أنبوب النفط المقبل من الإقليم صوب ميناء جيهان التركى الذى يصدّر عبره نفط الإقليم إلى أوروبا، كما لوّح باستخدام القوة العسكرية ضد الإقليم فى حال التحرك لإعلان الاستقلال. وتلاقى «أردوغان» فى موقفه مع قادة إيران الذين أعلنوا أنهم بصدد إغلاق الحدود البرية مع الإقليم وحرمانه من المنفذ البرى مع إيران، كما جرى التلويح أيضاً باستخدام القوة المسلحة فى حال إعلان الإقليم استقلاله. جاء كل ذلك فى ظل محاولات من الحكومة العراقية لاحتواء الموقف فى كردستان، حيث استخدمت الحكومة العراقية كافة السبل السلمية لدفع حكام الإقليم إلى تأجيل الاستفتاء ولكنها فشلت فى ذلك، ثم عادت الحكومة العراقية لتلوح باستخدام القوة ضد الإقليم ولكن فى حالات محددة مثل منع أصحاب الرأى الآخر من الإدلاء بأصواتهم أو إثارة الاضطرابات فى الإقليم. رغم كل ذلك مضى الاستفتاء بهدوء، وصوّت أهل كردستان العراق بالموافقة على الانفصال عن العراق تمهيداً لإعلان الإقليم دولة مستقلة.
والحقيقة أن ما جرى أمس الأول فى الإقليم إنما هو محصلة سياسات طويلة من التمييز والاضطهاد الذى عانى منه الشعب الكردى فى الدول الأربع التى يوجد فيها، وهى تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا، وإن بدرجات متفاوتة، تأتى على القمة الأقلية الكردية فى تركيا التى عانت ولا تزال تعانى من سياسات قمع وقتل واضطهاد وطمس للهوية الوطنية الكردية، لذلك تشتعل المعارك فى جنوب وجنوب شرق الأناضول، حيث معقل الأقلية الكردية، وتجرى حرب شرسة بين المقاتلين الأكراد، لا سيما من حزب العمال الكردستانى وبين الجيش التركى، ويرى «أردوغان» أن قيام دولة كردية مستقلة فى شمال العراق سوف يشجع أكراد تركيا على السير على الدرب والانفصال عن تركيا. نفس الأمر وإن بدرجات أقل حدة فى إيران، لذلك تتضامن إيران مع العراق وتركيا فى التصدى لاستقلال كردستان العراق. أما فى سوريا فالوضع مختلف إلى حد كبير، لا سيما بعد تسلم بشار الأسد السلطة، حيث منح الأكراد الكثير من حقوقهم وألغى الكثير من الإجراءات الجائرة بحق الأكراد السوريين، ولكن بعد الاضطرابات التى شهدتها سوريا وتغييب سلطة دمشق عن الكثير من الأراضى السورية تحرك الأكراد هناك للحصول على مزيد من الاستقلالية وممارسة الحكم الذاتى.
فى تقديرى أن ما جرى فى كردستان العراق أمس الأول كان محصلة طبيعية لتزاوج سياسات الظلم والتمييز بل والاضطهاد التاريخى لأقلية عرقية تتمركز فى منطقة جغرافية محددة تمثل غالبية السكان فيها، ومن هنا يمكننا القول إن تزاوج سياسات التمييز والاضطهاد لأقلية من الأقليات مع تمركز هذه الأقلية فى منطقة جغرافية محددة يدفع هذه الأقلية إلى التفكير فى الانفصال، ويتبقى استغلال الظرف الإقليمى والدولى المناسب لإعلان ذلك، وهو ما تحقق فى العراق منذ عام 1991، ويتحين الفرصة لذلك فى تركيا وإيران وسوريا.

Tuesday, September 26, 2017

د. عماد جاد - دولة القانون هى الحل - جريدة الوطن - 26/9/2017

فشلت المفاوضات بين وفد كردستان العراق وممثلى الحكومة العراقية فى التوصل إلى اتفاق لتأجيل الاستفتاء الكردى الذى بدأ أمس (25 سبتمبر) للانفصال عن العراق، وقد بُذلت جهود حكومية كثيرة من أجل إقناع حكومة كردستان العراق بتأجيل الاستفتاء والدخول فى مفاوضات من أجل الاتفاق على أسس جديدة للعلاقة بين الطرفين، وفى الوقت الذى تصر فيه حكومة كردستان العراق على إجراء الاستفتاء فى موعده المحدد ثم الحوار لاحقاً مع الحكومة العراقية، فإن الأخيرة تتمسك برفض الاستفتاء وتصر على استخدام القوة العسكرية فى حال ترتب على الاستفتاء إخلال بالقانون وأعمال شغب، وهو المتوقع فى حال مجىء نتيجة الاستفتاء بموافقة سكان كردستان العراق على الانفصال عن بغداد. ولا تتوقف آثار وتداعيات استفتاء كردستان العراق على حدود البلد فقط، بل تثير قضية الوجود الكردى فى ثلاث دول أخرى فى المنطقة هى تركيا وإيران وسوريا، فأكراد هذه الدول يعانون بدرجات متفاوتة ظلماً تاريخياً وتمييزاً حاداً يختلف من دولة إلى أخرى، فتزداد القسوة والمعاناة فى تركيا، حيث تعرّض الأكراد لظلم تاريخى وتمييز شديد طال القومية الكردية ذاتها، وتواصل صراع المصالح بين الدولة التركية وبين فصائل من أكراد تركيا تطالب بالانفصال وتشكيل دولة مستقلة تضم مستقبلاً أكراد الدول الثلاث الأخرى، كما أن الدول الأربع التى توجد فيها أقليات كردية وظفت الأكراد فى لعبة الصراع فيما بينها. ومما فاقم المشكلة تركُّز الأكراد فى مناطق جغرافية محددة داخل الدول الأربع، ومن ثم ظلت القومية الكردية حية بين أهلها وتوحدت الرؤية بين الأكراد على أن العيش فى ظل دولة كردية مستقلة هو الكفيل بإنهاء معاناة الشعب الكردى.
ولأن الأكراد عانوا من ظلم تاريخى وسياسات تمييزية تصل إلى درجة الاضطهاد، لا سيما فى تركيا وإيران والعراق وإلى حد ما سوريا، فقد سعوا مبكراً إلى الاستقلال عن الدول التى يعيشون على أراضيها ويحملون جنسيتها، وحققوا قدراً من النجاح فى العراق، لا سيما بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، فقد حصلوا على الحكم الذاتى والانفصال الواقعى بعد أن غيّبت القوات الأمريكية والبريطانية الدولة العراقية عن إقليم كردستان. ولأن القوة كانت العامل الرئيسى من جانب الدول الأربع فى التعامل مع مواطنيها من أصول كردية، فقد وظف أكراد العراق القوة أيضاً فى محاولة فرض استقلال إقليم كردستان العراق، فقد نسجوا شبكة قوية من العلاقات مع العالم الخارجى، وفكّوا الارتباط تدريجياً بالحكومة المركزية وحصلوا على صفقات سلاح من دول غربية ومن إسرائيل التى يعتبرها قادة الأكراد النموذج والمثال الذى يُحتذى، فإذا كانت الحركة الصهيونية تبنّت فكرة أن الظلم الذى يتعرض له اليهود فى العالم سيتوقف بتجمع اليهود فى دولة، فإن الحركة الكردية تبنت نفس الفكرة وترى أن قيام دولة كردية مستقلة سوف يُنهى مآسى الأكراد التاريخية، ولذلك كان هناك من رفع علم إسرائيل فى المسيرات التى كانت تدعو إلى التصويت بنعم على الاستفتاء.
إن ما يجرى فى شمال العراق اليوم هو نتيجة منطقية لغياب دولة القانون والمواطنة والعدل، فغياب المساواة يؤدى إلى نمو مشاعر ذاتية تتحين الفرصة للتعبير عنها فى مطالب الانفصال، حدث ذلك فى جنوب السودان، ويحدث اليوم فى شمال العراق، والبقية تأتى، إلا من بادر ببناء دولة القانون، العدل والمساواة ومن قبلها المواطنة.

خالد منتصر - من الذى أهان الزى الأزهرى؟ - جريدة الوطن - 26/9/2017

التحقيق مع الشيخ إيهاب يونس وإيقافه عن العمل. لماذا؟، لأنه غنى أغنية «لسه فاكر» لكوكب الشرق أم كلثوم فى برنامج تليفزيونى، والتهمة ازدراء الزى الأزهرى وإهانته!!
واحد من أجمل الأصوات التى استمعت إليها تغنى لأم كلثوم المستعصية على حناجر كل المقلدين، وبدلاً من تكريمه على لمسة الفن السحرية وإمتاع المشاهدين بلحظات شجن تغسل الروح، إذا بالقيامة تقوم على الشيخ الغلبان وتطالب بإعدامه معنوياً، صرخوا «وا إسلاماه» على جسده المثخن بجراح بوستات السباب السلفى وتويتات الفحش الإخوانى، استجابت «الأوقاف» للفاشية الدينية وحولته للتحقيق وسنت السكاكين لذبحه، ولم أكن أتوقع من وزير «الأوقاف» الذى كانت له مواقفه القوية ضد السلفيين والإخوان والمدعين أن يستجيب لابتزازهم وينكل بـ«إيهاب» هذا التنكيل.
شيخنا الجليل وزير الأوقاف.. الشيخ إيهاب لم يُهِن أو يزدرِ الزى الأزهرى، الذى ازدرى وأهان الزى ومرمط سمعة رجال الدين، بل أهان الدين نفسه، هو من شتم العقيدة المسيحية واتهمها بالفساد وهو يشغل منصباً كبيراً فى وزارتك ويحتل منبراً مؤثراً فى أحد المساجد التى تنتمى لتلك الوزارة وتحت سيطرتها، من أهان الزى هو من سمحت لهم من السلفيين باعتلاء المنابر وإفساد العقول والنفوس بعد أن خسرت الحرب وتسلل بعضهم بتصاريح وهمية إلى المساجد والزوايا ليُحرّموا تهنئة شم النسيم وتحية العلم ويبيحوا زواج الأطفال، من أهان الزى الأزهرى هو من أباح رضاع الكبير وهو الذى كان يشغل منصب رئيس قسم الحديث، من أهان الزى الأزهرى هو من تحدث عن نكاح البهائم ومضاجعة الجثث! من أهان الزى الأزهرى هو من أغرقنا فى الدم بفتاويه وأفكاره، ماذا فعل الشيخ إيهاب المحب للفن والعاشق للموسيقى؟، هل ضبطتم الرجل يعرض بورنو فى كباريه؟!، الرجل غنى بصوت سماوى ملائكى، الرجل غنى أغنية «لسه فاكر» الشجية الرائعة من ألحان السنباطى.. هذا هو كل ما فعله وتلك هى جريمته، مثل هذا الموقف الذى يعتبر الموسيقى تخلفاً والملحن شيطاناً، حدث مع الشيخ النقشبندى عندما اعترض على بليغ حمدى كملحن معتبراً إياه ملحن الرقص والهشك بشك من وجهة نظره، ووصل الأمر لتدخل الرئيس السادات شخصياً فى الأمر، وخرجت نتيجة وساطة الرئيس بأجمل أغانى النقشبندى بل أجمل الأدعية الدينية المغناة «مولاى.. إنى ببابك»، هذا الموقف الفاشى الرجعى من الموسيقى والطرب اتخذ ضد أم كلثوم شخصياً حين قرأت القرآن فى فيلم «سلّامة» وهاجت عليها الدنيا وماجت وخسرنا نتيجة لذلك أهم وأجمل وأعظم حنجرة كانت ستقرأ القرآن، خسرناها نتيجة لفكر ثابت منغلق أحادى كاره للفن.
يا وزير الأوقاف.. عرفناك أستاذاً للأدب محباً للبلاغة مؤلفاً لكتاب فى علم الأوزان والقوافى، أى إنك تعرف جيداً أن القافية الشعرية موسيقى وأن البلاغة فن، فلماذا التنكيل بهذا الشيخ؟، فلتعد إلى ملعبك الأدبى البليغ ولتترك ملعب ضغوط الوهابيين الجدد، أقترح عليك تكريم إيهاب بدلاً من التحقيق معه، وشكره على ما يملكه من حس فنى وذائقة موسيقية، اشكُره وكرّمه حتى ترسل رسالة إلى المجتمع بأن الفن هو أفضل سلاح ضد التطرف، وأننا بالموسيقى نستطيع مقاومة الإرهاب، لا أبالغ إذا قلت لك معالى وزير الأوقاف إن رفعك شعار «على صوتك بالغنا» ليس مستحيلاً أو جريمة نكراء، ثق بأن من يتذوق الموسيقى والسينما والمسرح والنحت واللوحة لن يصبح إرهابياً، سيرتقى وجدانه ولن يفخخ أو يفجر أو يذبح، سؤال لك يا وزير الأوقاف، هل عينك تدمع ووجدانك يسكنه الشجن وروحك ترفرف مع صوت المنشاوى ورفعت وعبدالباسط والطبلاوى أم مع مونوتون قراء المقابر الوهابيين الذين فُرضوا علينا فى غفلة من الزمن؟!، القراء المصريون مختلفون ومميزون بالفن وبالموسيقى وبخلطتهم المصرية السحرية التى أضفوها على قرآننا الكريم وأضافوها إليه.
أرجوك معالى وزير الأوقاف.. أوقف التحقيق مع الشيخ إيهاب يونس؛ فصوته وتذوقه ووجدانه فخر لوزارتكم وليس سبة أو عاراً، وإذا كنت تريد قائمة بالذين أهانوا الزى الأزهرى بجد، أُرسلها لك على الفور، لأنك للأسف أخطأت الهدف والتصويب، فالشيخ إيهاب ليس مرمى التنشين فهناك أوكار وثعابين ومصاصو دماء يستحقون الدخول فى ميدان رمايتك ومرمى نيرانك ليس من بينهم أبداً إيهاب يونس.

Monday, September 25, 2017

أىُّ الاحتِلالَينِ أفضل..؟! بقلم مصطفى حجازى ٢٥/ ٩/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

هل يبدو ذلك سؤالاً منطقياً؟!
هل يبدو من العقلِ أن نُنفِقَ الوقتَ والجهدَ والوطنَ ونحن نناقش جدلية من نوع: أىُّ الاحتلالين أفضل..؟! أو: أىُّ الاستبداد أرقُّ؟!
الإجابة بالقطع أن ذلك ضربُ من الجنون أو على الأقل السَّفَه.. أن يحاول البعضُ أن يُثبِت أن احتلالاً أكثرُ كفاءة من غيره أو أرفَقُ من غيره أو أعقلُ من غيره.. أو أن استبداداً أقل تَجبُّراً من غيره أو أوسعُ حيلة من غيره..؟!
ولكن ما رأيكم أن جُلَّ الفعل السياسى بل المجتمعى فى التعامل مع قضايا التغيير والإصلاح والإنهاض.. بل الأمل فى الترقى فى مصر، لا يتجاوز الثرثرة حول تلك الجدلية بلسان الحال أكثر من لسان المقال.. وبإهدار لطاقة الوعى فى المجتمع واستنزاف صارخ لموارده..!
شأنها شأنُ كلِّ أمم الأرض.. لم تَعدَم مصر المُحتَل والمُستَبد طوالَ تاريخها القديم والحديث والمعاصر.. وإن خُصَّت بِنَصيبٍ وافر.. وكذلك لم تَعدَم مصر لحظات نورانية تُذَكرها أن الاحتلال والاستبداد ليسا قَدَرها.. وأن استشراف غدٍ يَعِدُ الإنسانية والسعادة هو حقٌّ لها كما كان حقاً لأمم غيرها.
المُستَغرَب أننا- «مِصرَ الحية الواعية»- نَعرِفُ على وجهٍ أقرب لليقين ما لا نُريده.. ولكن تَعترينا غُربَةٌ موحِشَةٌ أقرب لِتِيهٍ أبدىٍّ عن معرفة ما نُريده على وجه القطع واليقين.
نحن نَعرِفُ أنَّا لا نُريد احتلالاً ولا استبداداً..
ونَعرِفُ أنَّا لا نُريد فقراً ولا قهراً..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد استغفالاً ولا تدليساً..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد تراجعاً ولا ضياعَ قيمة بين الأمم..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد إرهاباً ولا زحاماً ولا خطر جريمة..
نحن نَعرِفُ أنَّا لا نريد إهانةً ولا إذلالاً ولا إهدارَ كرامة..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد ظُلماً ولا بَخساً ولا هَضماً..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد تسلطاً ولا تجبراً من أحد..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد ضياعَ أرضنا لا بحرب ولا بسلام ولا بعقود إذعان..
ونَعرِفُ أنَّا لا نريد أن يتحكَّم بشر فى مياهنا ومصائرنا..
نحن نَعرِفُ أنَّا لا نريد أن يَمُنَّ علينا أحدٌ بأمنٍ ولا بدولةٍ ولا بوطن.. ناهينا عن كونه أمناً نحن من نَكفُلُه بطبيعة شعبٍ مسالمة حمولة صابرة على المكاره وقبل ذلك بدمائنا وأيدينا.. وناهينا عن كونها دولةً تَجبِى ولا تَرعَى، نَحمِلُها ولا تَحمِلُنا.. وناهينا عن كونه وطناً نحياه عقيدةً قبل أن نَسكُنَه أرضاً ولا نحتاج من وثنيِّى الوطنية ولا منافقيها ولا مماليكها أن يُمطِرُونا وعظاً فى عقائد هم أول كافر بها..!
كل ذلك كان عنوان كل هَبَّة شعبية وكل حراك سياسى أو عسكرى مصرى أراد التغيير على الأقل فى المائة سنة الأخيرة، وكان ذلك وقود ثوراتنا ومحركها على الأقل فى السنين العشر الأخيرة.
لم تعجز مصر عن أن تزيح بعضاً من رموز ورؤوس ما ترفض وما تكره وما لا تريد.. ولكن بقى الحِراك دائماً فى سياق إعلان السَّخَط وتفعيله، وبعض من خلعِ المرفوض وكثير من النكاية فيه، والاستمرار فى الصبر على بؤس الحال وتدنيه وانحطاطه نحو درك آخر مما لا نريد أيضاً..!
أعرف أن كُلَّ بلاء استبداد أو احتلال حلَّ أو حالٍّ بمصر.. بل كل استبداد فى المطلق.. مُستَنزِف للعقل والطاقة.. ومُستَنزِف للأمل والحُلم قبلهما.. فإن لم تخضع له الرقاب استنزف النفوس بالتدليس والكذب واحتقار العقول..!
وأعرف أن ذلك كافٍ لكى لا يرى طامحو التغيير إلا إزاحة الغُمَّة.. وألا تتجاوز إبداعاتهم سقف البحث عن بدائل إزاحة هذه الغُمَّة أو تلك.. محتلاً كان أو مستبداً.. دون أن يَعرِفُوا لماذا بَقَوا مَرتَعاً خَصباً لِشُذَّاذِ الآفاق.. ولماذا تبقى قابليتهم للاستعمار والاستغفال بادية فوق رؤوسهم.. وما الذى عرفه فيهم وعنهم كل طامع فى مقدراتهم قبل أرضهم؟.
حين غاب عنا أن نجتهد لنعرف ما يلزم أن «نُريد» لأنفسنا ولمجتمعنا ولوطننا على معيار ما يُحيِّىَ الإنسانُ إنساناً كشأن كل بشر سَوىٍّ غير طامح للتألُّه وغير قابل بمصاف الدواب.. استطاع كل شارد وفاسد أن يقايضنا على إنسانيتنا.. بل أصبحنا نحن من يُهَروِل ويُنَظِّر إلى التنازل عن إنسانيتنا باسم التَدَرُّجِ والمَرحَلِية والقَبُول بالخُصوصية عن سائر البشر..!
أصبح معنى التغيير أن يَتَغيَر وجه مستبد بآخر أو أن يختفى عَلَمُ مُحتَلٍ وتبقى قبضته.. وأصبح الترقى هو القبول بظُلمٍ أقَل أو قَهرٍ أرَقَّ أو جَهلٍ أرحَب..!
حدث ذلك مرة ومرات فى تاريخنا القريب.. فمن بين ترحيب فى المجتمع المصرى بانتصار جيوش النازى على بريطانيا والحلفاء، الذى وصل إلى صيحات «إلى الأمام يا روميل»، وإلى تمنِّى دخول جيوش النازى المنتصرة إلى مصر نكاية فى المحتل البريطانى..!
ويحدث ذلك- ولا أبالغ- كلَّ يوم حين تضيق صُدورُ عمومِ المصريين من الخَوفِ من الغَد وضبابية الأفقِ أمامهم فتدور رحى طاقة المجتمع الحى فى التمنى والصخب حول ما أسميه «بدائل الإزاحة»..!
فإذا ضاقوا بسياسات مسؤول تمنوا زوال وجهه أكثر من اقتلاع منهجه.. وإذا ضَجُّوا من تجبُّر مؤسسة دعوا الله أن يَقصِم جباريها.. وإذا عَفَّت نفوسهم احتقار هذه الجماعة أو تلك لإنسانيتهم دَعَوا الله أن يخسف الأرض بالفرعون وإن بقوا غير عابئين بِكُفرِ بدائله برب موسى..!
«بدائل الإزاحة» هى صيحات غضب عاطفية من نفوس مُستنزفة.. عمل العقل فيها قليل.. «بدائل» تضمن النكاية فيمن تكرَهه الشعوب ولكن لا تضمن استقامة الشعوب على درب ترقيها ونهضتها وإحرازها الإنسانية التى تريد وتستحق..!
أما «بدائل التغيير» فهى عمل عقول مُبدِعة واعية بإنسانيتها ليست رهينة أفق التكتيكات الضيق ودروب الكيد ودسائس القصور.. ولكنها عقول تستشرف الأفق الإنسانى الرحب.. وتحدد لمجتمعاتها ما يلزم أن يكون عليه البشر «حريةً وعدلاً وكرامة»، وفوق ذلك «سعادةً».. عقول تُبدِعُ أمناً واقتصاداً وسياسةً وتعليماً وإعلاماً وثقافة كلها من أجل مجتمع أعدَل وأكرَم وأسعَد.
فلتجتهد الصدور التى ضاقت والنفوس المستنزفة لتعرف لهذا الوطن ما «يريد» بعد أن عَرَف طويلاً ما «لا يريد»، وبعدما أزاح وسيزيح كثيراً مما لا يريد..
«أريد يوماً مُشمِساً.. لا لحظة انتصار مجنونة دموية».. قالها محمود درويش.
وكأنى بمصر تصرخ بها.
فَكِّرُوا تَصِحُّوا.


الزمن النظيف فوق الشجرة بقلم فاطمة ناعوت ٢٥/ ٩/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

 «…. الزمن النضيف يا أستاذة، مش الزمن الجميل!» هكذا قالت لى الصبيّةُ الجميلة «ميّ»، خريجة مدارس الليسيه، ونحن نشاهد معًا فيلم «أبى فوق الشجرة». وكان لهذه الجملة حكاية.
المكان: صالون بيتى العامر بالحب والجمال والرحمة حتى على عصافير السماء. الزمان: الأسبوع الماضى، فى حفل عيد ميلادى. الأشخاص: أفراد أسرتى والأصدقاء، واثنين من فريق عملى: مصطفى ناصر، ميّ السكّرى. الحكاية: كنتُ أحكى للحضور، بمناسبة عيد ميلادى السعيد، بعض الذكريات الطريفة من طفولتى. وكيف أننى كنتُ طفلةً عنيدة، ربما… متمردة، بالتأكيد... «لمضة»، دون شك... «شاطرة» فى المدرسة، صحيح… أفكارى تسبق عمرى، غالبًا. لكننى رغم كل ما سبق، كنتُ، مثل معظم أبناء جيلى، طفلة بريئة، لئلا أقول: ساذجة. يعنى من السهل جدًّا أن «يضحك علينا» أمهاتنا وآباؤنا، على عكس أطفال اليوم الذين أضحوا يفهمون كل شيء ومن العسير خداعهم. وكان من بين ما حكيتُ لهم من ذكريات، حكايتى مع فيلم «أبى فوق الشجرة»، الذى قررّ أبى وأمى مشاهدته، وبكيتُ لأمى وتوسّلتُ حتى وافقت على أن أذهب معهما إلى السينما. وما الخوف من فيلم للكبار، على طفلة فى الرابعة لا تعى شيئًا، ولابد ستنام بعد فقرة كارتون «ميكى ماوس»، التى كانت دائمًا تُعرض فى السينمات قبل الأفلام! وهذا ما حدث. استغرقتُ فى النوم بعد والت ديزنى مباشرة. لكننى كنتُ أصحو من النوم منتفضةً بين الحين والحين لأسأل لأمى: «ماما عمو طلع فوق الشجرة واللا لسه؟» تُجيب أمى: «لسه… نامى يا حبيبتى. لما يطلع فوق الشجرة هاصحيكى عشان تشوفيه». وطبعًا صدّقتُ وعد أمى بأن توقظنى حين يطلع «عمو» على الشجرة ليكلّم العصافير. لم يكن وعيى قد نضج لأفهم المجازَ الأدبيَّ الذى اختاره «إحسان عبدالقدوس» فى عنوان الفيلم. كل ما كان يعنينى هو مشهد رجل يشبه أبى، وهو يصعد فوق الشجرة ليلعب مع العصافير ويساعدها فى بناء أعشاشها، أو ربما يغنى معها ويصدح، حتى تعلّمه العصافيرُ الطيرانَ، مثلما كنتُ أحلم بتعلّم الطيران. لا أظن أن أطفال اليوم يفكرون على هذا النحو الساذج الذى كنتُ عليه وأنا فى الرابعة من عمرى. طلبت «ميّ» أن تشاهد هذا الفيلم الذى لم تره من قبل. فجلبته على الشاشة وبدأنا المشاهدة. فأبدت اندهاشها من زرقة البحر الرائق والرمال النظيفة والشماسى الملوّنة الجميلة، حيث البنات يرتدين فساتين قصيرة وأنيقة، يلعبن الراكيت والحصان والكرة ويغنين ويرقصن فى طفولة وعذوبة دون أن يضايقهن أحدٌ. فقلتُ لها: “كان زمن جميل يا ميّ.” فقالت الصبيةُ: “كان زمن نضيف يا أستاذة. مش بس الشوارع كانت نضيفة. كمان عقول الناس كانت نضيفة”. فوافقتُها تمام الموافقة. واستأذنتها أن أقتبس منها هذه العبارة «الزمن النظيف» فى مقال؛ لأنه التعبير الأدق ليصف تلك الحقبة الراقية من تاريخ مصر، قبل زمن القمامة والبلاجات المتسخّة والتحرش والمعجم المبتذل والمبانى القبيحة والملابس غير المتناسقة.
صحيح أننى لم ألحق من ذلك الزمن سوى سنوات قليلة كنتُ فيها طفلة لا تعى الكثير، وأمضيتُ صباى وشبابى فى الزمن «النصف نظيف»، لكن جيل ميّ ومصطفى وابنى مازن، لم يروا أصلا ذاك الزمان، اللهم إلا فى الأفلام «الأبيض والأسود» التى صاروا يشاهدونها كما يشاهدون الأفلام الغربية التى تنتمى لمجتمعات غريبة وأزمنة غريبة، لا تمتُّ لعصرنا ولا لبلادنا بأى صلة. فى ذلك الزمن النظيف، كانت أمى تخرج بالكعب العالى والملابس الأوروبية الأنيقة، وتضع الفرير حول كتفيها، دون أن تتفرّس العيونُ الجائعةُ فى جسدها، ودون أن ترميها الألسنُ البذيئة بخادش القول، ودون أن يخشى عليها أبوها أو زوجها أو شقيقها من تحرّش أو اغتصاب أو بذاءة. كانت كعوب الأحذية عالية ورفيعة لا تنكسرُ فى الطرقات، لأن الطرقات مستوية. وكانت الأحذية البيضاء الأنيقة لا تتلوث فى الشوارع، لأن الشوارع نظيفة. وكانت الأرواحُ لا تتصدع ولا العيونُ تشمئز ولا الآذانُ تنفرُ لأن المجتمع كان نظيف الروح والعقل والبدن.
أعرف أن معظم من يقرأون مقالى الآن، سواء كانوا من جيلى أو من جيل أحدث أو أقدم، يفرّون من لحظتنا الحالية إلى الماضى النظيف عبر تلك الأفلام القديمة. نبحث عن جمالنا المغدور فى وجوه جداتنا وأمهاتنا وأجدادنا وآبائنا. نبحث عن أناقة مصر المسروقة، فى أناقتها القديمة ونظافتها الغابرة التى قتلها الزمانُ. لا، الزمانُ لا يقتلُ جمال البلدان بل يزيدها حسنًا وعراقة إن شاء ذلك أبناءُ تلك البلدان. إنما نحن من قتل جمال مصر القديم، وأوغل فى إزهاق روح نظافتها، حتى غدونا الآن نقولها مع زفرة حسرة ووجع: «آآآآه! كان زمن جميل! كان زمن نضيف!» الزمنُ الذى طلع فوق الشجرة، ولم يعد.

Sunday, September 24, 2017

د. عماد جاد - الاستدلال الفاسد - جريدة الوطن - 24/9/2017

تناولت فى مقال أمس الأول، الذى كان بعنوان «لقاءات الرئيس فى نيويورك» قضية الأساس المصلحى لعلاقات الدول، فالعلاقات تبنى على المصالح لا المشاع، ومن ثم فالعلاقات لا تعرف الحب والكره، بل تعرف المصلحة، وحيث توجد المصالح تبنى العلاقات بين الدول، وفى هذا السياق، أشرت إلى لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ورددت على من هاجم اللقاء فى حد ذاته، بأن مصر عادت لممارسة دورها الإقليمى، وبعد أن حققت خطوة كبيرة على طريق المصالحة الفلسطينية، تبقى أن تمارس مصر دورها لاستئناف عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وفى هذا السياق أشرت إلى الأساس المصلحى للعلاقات المصرية الإسرائيلية الذى فى سياقه اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قراره بعدم الوقوف ضد ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، وأرسل وفوداً تطلب من أعضاء الكونجرس اتخاذ مواقف موضوعية تجاه الأحداث فى مصر، وهو قرار اتخذه كسياسى قارئ للأحداث والتطورات صحيح أنه كان سعيداً بحكم المرشد والجماعة، الذى أوصل مصر إلى مرحلة متدنية للغاية، ووضعها على مشارف حرب أهلية، وبعد أن كان شعار الجماعة ورفاقها «ع القدس رايحين.. شهداء بالملايين»، كان الخطاب الذى أرسله «مرسى» إلى الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، استهله بكلمة الصديق العزيز، واختتمه بكلمة صديقك المخلص. لم يرد نتنياهو أن يظهر فى صورة من يقف ضد ثورة الشعب المصرى، فقرر بعد قراءة واقعية مصلحية دعوة أعضاء الكونجرس، لتبنى مواقف موضوعية من ثورة 30 يونيو. ما كتبته دفع أحد أساتذة فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، وهو الدكتور نور فرحات، ليكتب على صفحته تعليقاً على فقرة من المقال أن الكاتب يريد أن يقول إن ثورة المصريين فى 30 يونيو هى مؤامرة صهيونية، وهو استدلال أقل ما يوصف بالفاسد، ويمكن أن تكون هناك صفات أخرى لا داعى لذكرها، ويكفيه فخراً أن تشاركه الرؤية صفحة حزب الجماعة المحظورة (الحرية والعدالة) التى علقت على ذات الفقرة بالقول: «جاد يعترف بأن إسرائيل ساندت الانقلاب العسكرى»، فالتوافق فى القراءة المتعسفة والاستدلال الفاسد يؤكد لنا على جسر الهوة مرة أخرى بين قطاعات من التيار القومى واليسارى وبين الجماعة الإرهابية مرة أخرى، ومن قراءة نعى عدد من المنتمين إلى التيارين القومى واليسارى للمرشد السابق للجماعة مهدى عاكف، يكشف لنا عن ضعف ذاكرة هذين التيارين وقصر نظر بعض المنتمين إليهما، فالخلاف مع النظام الحالى والاختلاف معه شىء، والموقف من الجماعة الإرهابية شىء آخر، فهذه جماعة كانت فى طريقها لتمزيق شمل الوطن، تآمرت على مصر، وسرّبت أسرار أمنها القومى لقطر وتركيا، كانت تقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن، ومن ثم فالخلاف معها جذرى، أما النظام القائم فى البلاد، فيمكنك أن تختلف معه، وتدخل فى خلاف سياسى اقتصادى أو أيديولوجى، ويظل خلافاً على الأرضية الوطنية، وسقفه الوطن أيضاً.

خالد منتصر - لا يا زعيم.. لم يحطموا التماثيل - جريدة الوطن - 24/9/2017

فى كلمة الفنان عادل إمام على منصة مهرجان الجونة السينمائى، قال معلومة خاطئة وحادثة مغلوطة من بنات أفكاره، ولا أعرف من أى مسلسل خيال علمى نقلها ونسخها، والكارثة أن الجمهور صفق بحماس وكأنه سمع معلومة قوية صحيحة رهيبة، وفضلاً عن أن الكلمة كان فيها استظراف وتعالٍ عندما ذكر صلعة عزت أبوعوف، وأيضاً عندما ذكر أنه لولا «ساويرس» لم يكن ليحضر، وكأن الجالسين أكياس جوافة!!، وكأن الجمهور والناس لا يستحقون أن يتنازل الزعيم من أجلهم، المهم أنه قد ذكر فى كلمته أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى تم تحطيم كل تماثيل كارل ماركس والسياسيين الشيوعيين الروس!!، أظنه لم يسمع «بوتين» وهو يصرح باعتزازه ببطاقة الحزب الشيوعى الذى انتمى إليه حتى توليه الحكم، هؤلاء قوم يا أستاذ عادل يحترمون تاريخهم ويعرفون أن توثيق أى لحظة تاريخية شىء مهم، وليسوا بتلك السطحية أن يذهبوا لتحطيم تماثيل كارل ماركس و«لينين» وحتى السفاح «ستالين»!!، عرضت فى صفحتى على الفيس بوك تماثيل كارل ماركس ولينين وحتى ستالين السفاح التى تملأ ميادين موسكو ومدن روسيا الأخرى، والتى لم تمس بخدش!!، لا أعرف من أين أتيت بهذا الكلام وتلك الخيالات، نعم هم قوم يحترمون الفن بعشق وغرام وجنون، ولكنهم لا يتنكرون لتاريخهم ولا يفعلون مثلنا حين شطبنا صورة الملك فاروق من أفلامنا ومحمد نجيب من كتبنا، وحتى حسنى مبارك الذى هتفت أنا ضده أعترض وبشدة على حذف صورته من بانوراما أكتوبر وشطب رفعه للعلم على طابا فى تسجيلات ماسبيرو!، التاريخ وثيقة ولا يصح أن نزيفها من أجل المزاج!!، فنان بحجم عادل إمام لا بد أن يدقق فى مصادر معلوماته ولا يستمع لأى عابر سبيل يدلى له بأى معلومة تائهة ولقيطة، كنت من الممكن أن تحكى وأنت فى مهرجان سينما عن مشهد فيلم عازف البيانو حين رفض الجنرال النازى قتل عازف البيانو البولندى اليهودى لأنه عزف مقطوعته المفضلة!!، هناك قصص كثيرة من الممكن أن تحكى غير هذه القصة الملفقة، لكن الاستسهال الذى من الممكن أن ينطلى على الجمهور فى مسلسل على الـ«إم بى سى» لا يمكن أن يستمر وينطلى على الجمهور فى حكايات التاريخ الموثقة، وبعيداً عن كلمة عادل إمام وتعليقاً على صورة المهرجان ككل، فللأسف ما حدث فى مهرجان الجونة وضياع تلك الفرصة الترويجية الرائعة على مصر بسبب سخافات بعض الفنانين، وعدم استيعابهم لمسئولية أنهم يمثلون صورة وطن أمام العالم، ما حدث يغضب ويحزن لكن للأسف الغضب والحزن من الفنانين أنفسهم الذين قدرنا بعضهم فتحولوا إلى بالونات غرور ودفعنا ببعضهم إلى مهرجانات عالمية ففضحونا بإسفافهم وتفاهتهم، الفن إذا لم يتسرب إلى نخاع وروح الفنان وأيقن أنه مهمة مقدسة وليس بيزنس تجميع بنكنوت، فسيصبح سلاحاً مدمراً للفنان والفن قبل المجتمع.

Friday, September 22, 2017

الغذاء داء ودواء! بقلم د. وسيم السيسى ٢٣/ ٩/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

بدعوة كريمة من مؤتمر طب الأزهر فى City Stars لإلقاء محاضرة بعنوان: الطعام داء ودواء، اخترت أن أتحدث عن بعض الأمراض ودور الطعام فيها، كان منها:
١- العمر والشيخوخة والزهايمر: العمر الطبيعى للإنسان مائة عام، وهناك عوامل كثيرة تتحكم فيه، منها قطر الوسط الذى يتناسب تناسباً عكسياً مع العمر، فإن زاد، نقص العمر، وإن نقص طالت فترة العمر، أيضاً طعامنا من أصل بحرى أو نباتى يطيل فترة العمر، أما الزهايمر.. فهناك الجينات ولكن.. مخك use it or loose it.
٢- ضغط الدم العالى: ابتعد عن المحفوظات، المخللات، حرق الدم، جهاز ضغط فى بيتك.. هيرمان شوارتز وكتابه: فن إراحة الأعصاب.
٣- السكر: الفواكه بدلاً من السكريات والنشويات، المشى والرياضة يحرق السكر ولا أحسن إنسولين، الشوفان، الخضراوات، الابتعاد عن الجاتوه والتورتة، الوزن الزائد.
٤- السرطان: أصبحت مسبباته فى الهواء الذى نستنشقه، الماء الذى نشربه، الطعام الذى نتناوله، كثير من الوظائف التى نعمل بها، الابتعاد عن الدهون والدخان، الإكثار من شرب الماء، طعامك من بيتك وليس من الخارج، الثوم، الجرجير، الخضراوات من مضادات السرطان.
٥- سرطان المثانة: الدخان.. عزلنا منه ألفا، بيتا أروماتيك، بولى سيكلك، هيدروكربون المسبب لسرطان الكلى «نوع منه» وسرطان المثانة البولية، حتى يتوب الله عليك، كل يوم: اشرب ماء كثيرا، قرص فيتامين C المضاد للشوارد الحرة من الدخان، قرص إسبرين ٨٠ ملليجرام المضاد لجلطات الدم فى المخ والقلب.
٦- سرطان البروستاتا: مرض آكلى ومحبى اللحوم، أكثِر من كل طعام به اللون الأحمر لأن به مادة الليكوبين، الطماطم- الصلصة- الرمان- الفراولة- البطيخ- الفلفل الرومى الأحمر.
٧- السمنة: هى أشد خطراً من السرطان، وإذا تفشت فى بلد، فهو الدليل على كسله وترهله، افطر جيداً، ابدأ بالفاكهة قليلة السعرات الحرارية فى غذائك، ثم السلطة، ثم الماء، ثم الخضار، واترك العيش، الرز، المكرونة، المحشى، للآخر.. حتى تأكل منه أكل الشبعان، أخيراً قدم عشاءك لعدوك، كل شىء تأكله بعد الغروب يضرنا أكثر مما يفيدنا.
٨- الجلطة: فى المخ أو القلب أو الأوعية الطرفية كالساقين: الحركة مهمة جداً، تجنب الكوليسترول الموجود فى الجمبرى، ولا تخف من الكوليسترول الطيب الموجود فى البيض، تجنب زيادة الوزن، وتذكر الثوم والبصل والليمون، هذا الثلاثى الذى كان عند أجدادنا فى كل وجبة غذائية، كذلك احتفظ فى ثلاجة بيتك بحقن Cerbro Lysin لإذابة الجلطة فى بحر ساعة من حدوثها، وقرصى إسبرين تناولهما فور إحساسك بعدم القدرة على الكلام أو تحريك طرف من الأطراف.
٩- التسمم الغذائى: ابتعد عن طعام الخارج أو غير المطهى جيداً، وفى حالة حدوثه، تذكر: B. R. A. T أى بنانا «موز»، Rice أى أرز، آبل أى تفاح، توست، كذلك العصائر المخففة، أيضاً اللبن الحليب، حتى تذهب إلى المستشفى.
١٠- التوتر النفسى: عليك بالرياضة، الشيكولاته، لأن السيروتونين هو هورمون السعادة والمرح، وطبعاً حل المشكلة التى هى سبب توترك النفسى.
١١- أخيرآً تذكر ثلاث S تقصف العمر:
Smoking - Stress - Stroke
أى الدخان - التوتر- الجلطات.
هذه نبذة مختصرة عن المحاضرة، أرجو أن تجدوا فيها بعض الفائدة، أكرر شكرى لزملائى أ. د. أحمد فاهم، أ. د. جمال سلمى، أ. د. إسماعيل خلف، فطالما حاضرت وامتحنت أطباء الأزهر فى الزمالة المصرية، وعمار يا مصر بوحدة وتوحد أبنائك.

د. عماد جاد - متطلبات التسوية - جريدة الوطن - 23/9/2017

فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى قبول الآخر وتبنِّى خيار العيش المشترك، وخاطب كل شعب من الشعبين على حدة مطالباً إياه بقبول العيش المشترك مع الآخر حتى يمكن إيجاد تسوية سياسية يعيش فى إطارها الشعبان الفلسطينى والإسرائيلى فى سلام. والحقيقة أن ما جاء على لسان الرئيس فى نيويورك يمثل جوهر شروط التسوية السياسية لتلك النوعية من الصراعات المسماة بالصراعات الاجتماعية الممتدة، وهى الصراعات المعقدة التى يدخل فيها السكان طرفاً والتى تسمى أيضاً بالصراعات الصفرية أو Zero Sum Game وهى الصراعات التى يرى كل طرف فيها نفسه صاحب الحق والآخر لا حق له على الإطلاق ومن ثم يحصل هو على كل شىء ولا يحصل الطرف الآخر على أى شىء، والذى تمت ترجمته فى أدبياتنا السياسية بوصف الصراع مع إسرائيل بأنه صراع وجود لا صراع حدود. وحتى يقبل طرفا أو أطراف الصراع بتغيير هذا الموقف لا بد أن يوقن كل منهم بأنه لا يوجد حل عسكرى للصراع وأن أياً من الطرفين ليس بمقدوره القضاء على الطرف الآخر، وأن الحل هو فى منطقة ما بين موقف الطرفين. أدركنا فى مصر ذلك مبكراً بعد هزيمة يونيو 1967، وبدلاً من الحديث عن القضاء على إسرائيل ظهر مصطلح إزالة آثار العدوان، فى وقت اتسم فيه الموقف الإسرائيلى بالغطرسة والغرور واستمرار تبنِّى فكرة أن الخيار العسكرى قادر على حسم الصراع وأن مصر والعرب على وشك الاستسلام. وجاءت حرب أكتوبر 1973 لتُحدث الصدمة فى إسرائيل ولتدفع قادتها إلى التسليم بعدم وجود حل عسكرى للصراع، وأن مصر ليست جثة هامدة بل قادرة على تحقيق الانتصار العسكرى على الجيش الذى لا يُقهر، وهى الحالة التى استغلها جيداً الرئيس السادات فكانت مبادرته بزيارة القدس فى نوفمبر 1977، ليطرق الحديد وهو ساخن وينتزع من إسرائيل كامل أرض شبه جزيرة سيناء التى تزيد مساحتها على مثلى مساحة فلسطين الجغرافية، ولم تكن إسرائيل أقامت فى سيناء سوى مستعمرة وحيدة هى «ياميت» وقد تم تدميرها قبيل انسحاب الإسرائيليين منها.
رفض العرب مبادرة السادات وقاطعوا مصر ونقلوا الجامعة العربية من القاهرة، وبعد خروج مصر من المعادلة عربدت إسرائيل فى المنطقة، ضربت المفاعل النووى العراقى، غزت لبنان، ضربت فى أكثر من مكان، والتهمت أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، وقامت بتهويد مدينة القدس التى أعلنت شطرها الشرقى المحتل فى عدوان يونيو مع نظيره الغربى عاصمتها الأبدية. ضاعت أكثر من فرصة سانحة للتسوية بعد مؤتمر مدريد للسلام الذى عُقد عقب حرب الخليج الثانية فى أكتوبر 1991، وتمزق اتفاق أوسلو بفعل ضربات المتطرفين من الجانبين، اليهود المتشددين الذين اغتالوا إسحاق رابين من جهة وحركتَى حماس والجهاد من جهة ثانية. وبعد قرابة ربع قرن والتهام إسرائيل مساحات إضافية من الأراضى الفلسطينية، عادت حركة حماس لتعلن قبولها بالحل السياسى للصراع مع إسرائيل وتسقط مقولة صراع الوجود.
فى تقديرى أن الظروف باتت مهيأة تماماً لبدء عملية تسوية سياسية حقيقية للقضية الفلسطينية، لا سيما بعد نجاح مصر فى تحقيق المصالحة بين حركتَى فتح وحماس، ولقاءات الرئيس السيسى فى نيويورك مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وربما تكون الفرصة الأخيرة لتحقيق تسوية سياسية شبه مقبولة وفقاً لطبيعة الموقف الراهن فى المنطقة.

خالد منتصر - غزوة «شوبير» وفتح نيويورك!! - جريدة الوطن - 23/9/2017

هل وصل البؤس بالإخوان إلى حد أن تكون قمة انتصاراتهم سب الكابتن أحمد شوبير بالأم والأب؟! وترويجها على قنواتهم وصفحاتهم وكأنها غزوة بدر أو فتح مكة! هل بلغت التفاهة والهيافة بهم هذا المبلغ وذلك الحضيض؟ يطلقون عليها «غزوة الجلاشة»! لماذا صارت السفالة وانحدار اللغة والسباب الفاحش سمة أساسية من سمات هذا الفصيل السياسى الذى كان يخدعنا بمعسول الكلام والنظرة خافضة الرأس وحياء العذارى والابتسامة اللزجة التى على نفس المقاس، الآن إذا وجدت سباباً فاحشاً بألفاظ متدنية لا يتلفظ بها بلطجية العشوائيات انظر على صفحة الشاتم وأنا متأكد وواثق تمام الثقة من أنه إخوانى، وبالطبع لا تخذلنى حماقتهم وغباؤهم أبداً، ما هذا الغل والسواد والحقارة التى نجدها عند كل رد فعل منهم، ضرب يوسف الحسينى أو سباب وفد الفنانين أو التفاخر بالقفا لبعض الإعلاميين والتعدى الجسدى عليهم.... إلخ؟! من أين أتوا بكل هذا الخلل النفسى وكيف وصلوا إلى ذلك القاع؟! ولا يمكن تفسير ذلك بضياع الحكم، فالحق يقال إن أبناء الحزب الوطنى، مع اختلافنا أو رفضنا لممارساتهم السياسية، بعد حل حزبهم وعزل مبارك لم يحرق أحدهم أو يفجر أو يقتل، كانت ردود فعلهم طبيعية فى إطار غاضب ولكنه غير أحمق أو مجنون، لكن بنظرة سريعة على ردود فعل الإخوان ستجد الهستيريا والمناخوليا وكأنهم قبيلة من الزومبى، إحراق أكثر من سبعين كنيسة، ضرب رصاص من مسجد الفتح، مظاهرة على كوبرى وضرب رصاص فى نوافذ البيوت وضحايا، تفجيرات هنا وهناك، قتل وتدمير وتفخيخ، كل هذا مخلوط فى عجينة قلة أدب وسفالة لم نجد لها نظيراً على مر التاريخ، من أى بلاعة صرف صحى خرج هؤلاء؟!
فى أى مدرسة ردح تعلموا؟ ومع أى جوقة فرش ملاية تدربوا؟ هل هذا هو الإيمان الإخوانى الذى يروجون له؟ هل هذا هو الضمير الذى يدّعون أنهم يملكونه ويدعوننا للانضمام إليهم حتى يزرعوه فينا؟ هل انتصاركم هو أن تسبوا «شوبير» بابن كذا؟ هل ضرب القفا والجرى بعدها أو الشلوت والهرولة إثرها هى الجهاد الأكبر؟! تذكروننى برخامة بعض التلاميذ الذين يسرقون الساندوتشات فى الحوش ويجرون أو يجذبون حقيبة المدرسة ويرمونها على الأرض وهم فى قمة النشوة وبعد خروجهم يضغطون على أجراس البيوت لمجرد إزعاج سكانها أو يلقون بالحجارة على نوافذ القطار فى نشوة ثم يفرون كالجرذان!! أليس فيكم رجل رشيد يقول لكم كفاكم تفاهة؟! أليس فيكم عاقل ينصحكم بتنظيف لسانكم لكى تستطيعوا الضحك على شعوبكم وخداعها مرة أخرى؟ ألا يوجد جرّاح إخوانى شاطر يجرى لكم جراحة كحت زفارة لسان أو غسيل قذارة روح أو استئصال قرحة ضمير وإزالة سرطان عقل وإصلاح بلاهة سلوك؟!! الحق أقول لكم: صعبانين علينا أن تصلوا لهذا المستوى المنحدر من المعارك التافهة الرخيصة، وأنتم للأسف تحملون خطأ وزوراً وبهتاناً صورة ونموذج المسلم فى الخارج ويعتبرونكم فى الغرب أيقونة الإسلام وممثليه، عالجوا أنفسكم واعرضوا عاهاتكم على أقرب طبيب نفسى إن لم يكن من أجل الوطن فليكن من أجل الإسلام الذى تدّعون أنكم تناضلون من أجله.

د. عماد جاد - لقاءات الرئيس فى نيويورك - جريدة الوطن - 22/9/2017

التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بالعديد من رؤساء الدول والحكومات، وهى لقاءات معتادة، فكل رئيس وفد، سواء كان رئيس الجمهورية أو ملكاً أو أميراً أو رئيس حكومة يحدد من سوف يلتقيهم فى هذا المحفل الدولى السنوى، ويجرى تحديد اللقاءات عبر اتصالات الجهات المعنية من قبل الحدث بأيام وربما أسابيع وشهور، يجرى تحديد اللقاء، موعده، مكانه، من سيأتى إلى من فى مقر إقامته، وبالتالى لا شىء يترك للمصادفة أو اللحظات الأخيرة إلا فيما ندر. التقى الرئيس بالعديد من الرؤساء والمسئولين، وجميعها كانت لقاءات مهمة، ولكن البعض منا لم يتوقف إلا أمام لقاء الرئيس مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وهناك من اعتبر اللقاء فى حد ذاته مصيبة وتطبيعاً ولقاءً مع العدو، إلى غير ذلك من ألفاظ ومصطلحات، وقد تجاهل هؤلاء أننا وقّعنا معاهدة سلام مع الدولة العبرية عام 1979، وأن إسرائيل انسحبت من كل الأراضى المصرية التى كانت تحتلها حتى الكيلومتر الأخير، وأن مشكلتنا مع إسرائيل كانت، ولا تزال، هى القضية الفلسطينية، أى الاحتلال الإسرائيلى للضفة الغربية وفى القلب منها مدينة القدس الشرقية وقطاع غزة، أو الأراضى التى احتلت فى عدوان يونيو 1967. وأنه طوال قرابة أربعة عقود منذ توقيع المعاهدة مع إسرائيل والعلاقات تتراوح ما بين السلام البارد والحرب الباردة بسبب التنافس الإقليمى المصرى الإسرائيلى، وبسبب استمرار الاحتلال ومصادرة الأراضى وإنشاء المستعمرات عليها. ولكن علينا فى الوقت نفسه أن نضع المصلحة الوطنية المصرية فى المقدمة ونتحلى بالموضوعية، ونعترف بأن إسرائيل لعبت دوراً مهماً فى دعم ثورة الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو، ومارست الوفود التى أرسلها بنيامين نتنياهو ضغوطاً كبيرة على أعضاء فى الكونجرس من أجل تبنى رؤى موضوعية تجاه الأحداث فى مصر. ومن ناحية ثانية بذلت مصر جهوداً جبارة لإنهاء الانقسام الفلسطينى ونجحت فى ذلك وترتب على هذه الجهود حل حماس للجنة الإدارية التى كانت تدير القطاع وقبول حماس بتسليم المسئولية عن القطاع لحكومة السلطة الوطنية، ومن قبلها أعلنت حماس قبولها بأسس عملية التسوية المتمثلة فى مبدأ الأرض مقابل السلام ودولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين، وحتى تتم التسوية السياسية لا بد من التواصل مع الطرف الآخر وهو إسرائيل، والحوار مع الطرف الوحيد الذى بمقدوره رعاية مفاوضات تسوية سياسية وممارسة الضغوط على إسرائيل وهو الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يوجد طرف غير واشنطن يمكنه رعاية مفاوضات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وفى الوقت نفسه يضغط على إسرائيل للقبول بمثل هذه التسوية، من هنا نفهم لقاء الرئيس السيسى بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، واللقاء برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، هكذا تدير الدول علاقاتها وتنسج شبكة من الروابط والعلاقات التى تخدم مصالحها ورؤاها، فعلاقات الدول تبنى على أسس مصلحية واقعية بعيداً عن الشعارات البراقة وسياسة دغدغة مشاعر الجماهير.

خالد منتصر - هل انتهى عصر المضاد الحيوى؟ - جريدة الوطن - 22/9/2017

أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً تحذيرياً مفزعاً ومرعباً عن احتمالات اقتراب زمن عدم فاعلية المضاد الحيوى، وهذه كارثة، وكنت قد تنبأت منذ فترة بهذه المصيبة، لذلك أعيد عليكم التحذير مرة أخرى لأهمية الموضوع.
أكبر هواية يمارسها المصريون ليست هواية القراءة أو الرياضة أو مشاهدة السينما أو جمع الطوابع.. إلخ، لكنها هواية كتابة المضادات الحيوية! فما إن يشكو مصرى من زكام أو عطس أو مغص أو صداع أو زغللة أو بقللة، حتى ينتفض جاره أو صديقه أو رفيق الميكروباص أو حتى أى عابر سبيل، كاتباً على ظهر ورقة كراسة قديمة، أو علبة سجاير، وأحياناً يقولها شفوياً، وهو فخور منتفخ الأوداج، ناظراً إلى الأفق اللازوردى والكون السرمدى حتى تظنه «أبوقراط» خارجاً من قبره!! خد «أوجمنتين» أنا مجرّبه، يخففك فى يومين، على ضمانتى بلبع «يوناسين أو فيبراميسين أو دوكسمايسين».. المهم يكون فيها «مايسين»، وهتشوف المعجزة!!
لو كان «فلمنج»، مكتشف البنسلين، ما زال حياً يُرزق بيننا فى مصر لانتحر ضارباً نفسه بأطباق المعمل التى نما عليها الفطر المعجزة والدواء المنقذ، فما نبلبعه من مضادات دون احتياج طبى مُلح جعلنا الآن فى كارثة، فقد ظهرت أنواع جديدة من البكتيريا مقاومة لأى مضاد حيوى، وبتنا الآن على حافة وباء قد يأكل الأخضر واليابس إذا لم تتحرك شركات الدواء الكبرى، ومعامل الأبحاث لإنقاذنا. نحن كمن يلعب مباراة ملاكمة مع تايسون، ويريد أن يصرعه بمجرد صفعة على خده، فيرد تايسون بوابل من اللكمات يطير بها الفك العلوى والسفلى دفعة واحدة. المضاد الحيوى لا بد أن يكون موصوفاً لتلك البكتيريا الحساسة له، ولا بد أيضاً أن يؤخذ مدته كاملة، هذه بديهيات لا يتبعها ولا يطبقها أى مريض فى مصر!! لذلك أصدرت منظمة الصحة العالمية عدة توصيات حديثة منها:
- على الأفراد: عدم تناول أى مضاد حيوى دون وصفة طبية، إذا ما تناولت مضاداً حيوياً، فعليك أن تنهيه بكل جرعاته الموصوفة حتى لو استشعرت بعض التحسن.
- على المزارعين وعاملى الطب البيطرى: عدم استخدام المضادات الحيوية مع الحيوانات إلا إن كانت بالفعل تعانى من عدوى بكتيرية، وتحت إشراف بيطرى كامل، إساءة استخدام المضادات الحيوية مع الماشية والمزارع السمكية والمحاصيل تؤدى إلى تطور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، كما تزيد من التلوث، حيث يتسرب للبيئة. تطعيم الحيوانات والنظافة يؤديان إلى تقليل تعرض الحيوانات للعدوى، وبالتالى استخدام المضادات الحيوية.
- الحكومات: عليها أن تضع خططاً قومية لتتبع ومنع ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، وعلى الحكومات كذلك وضع النظم ومراقبتها من أجل استخدام أمثل للمضادات الحيوية دون إساءة.
- الأطباء والعاملون بالقطاع الصحى: عليهم الالتزام بالتوصيات والخطوط الإرشادية لوصف المضادات الحيوية، ونشر الوعى الصحى بين مرضاهم، ومراقبة تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص، ومشاركة كل المعلومات فى هذا الشأن.
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية قائمة بأنواع البكتيريا التى تمثل خطورة شديدة، نختار منها تلك المجموعة، وهى المقاومة لأدوية متعددة، والتى تفرض تهديداً خاصاً فى المستشفيات ودور رعاية الأطفال والمسنين، كما تنتشر بين المرضى الذين تحتاج رعايتهم إلى أجهزة من قبيل أجهزة التنفس وقسطرة الدم. وتشمل الجراثيم عديمة الحركة Acinetobacter (الراكدة)، والزائفة Pseudomonas، ومختلف أنواع الجراثيم المعوية Enterobacteriaceae (بما فى ذلك على سبيل المثال: الكليبسيلا Klebsiella، الإشريكية القولونية E. coli، السرّاتية Serratia، المتقلبة Proteus)، وهذه الجراثيم قد تسبب عدوى شديدة، وقد تكون مميتة فى كثير من الأحيان، مثل أنواع العدوى المتعلقة بمجرى الدم والالتهاب الرئوى، ولقد أصبحت هذه الجراثيم مقاومة لعدد كبير من المضادات الحيوية، بما فى ذلك الكاربابينيمات carbapenems، والجيل الثالث من السيفالوسبورين cephalosporins، الذى يُعتبر من أفضل المضادات الحيوية المتاحة لعلاج البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة.

Thursday, September 21, 2017

الدكتور منير نعمة الله الخبير البيئى فى حوار لـ«المصري اليوم»: سيوة مهددة بالاندثار.. ويجب إخراج الـ«١.٥ مليون فدان» منها - ٢١/ ٩/ ٢٠١٧













«لا شىء يضاهى الاستثمار فى المواطن ولا عائد يوازى عوائد تنمية السكان»، هذه هى الفلسفة التى يؤمن بها الدكتور منير نعمة الله أحد أهم خبراء البيئة والتنمية المستدامة فى مصر، ففى الوقت الذى رأى فيه البعض الفقر والعزلة فى واحة سيوة، رأى منير نعمة الله ثروات وثقافة وتراثا، فبنى أول منتجع سياحى بيئى من نوعه فى المنطقة، وحفر اسمه داخل أهم واحات مصر بماء الذهب حيث صادق الصحراء وتفاعل معها فزرع أجود أنواع التمر والزيتون، ودق باب السيويين وطلب منهم إحياء تراثهم ليبنوا بأنفسهم منتجعا فريدا بنفس خامات وتصاميم بيوت أجدادهم فحول سيوة إلى مزار عالمى يقصده الملوك والرؤساء والمشاهير، وذهبت شقيقته إلى النساء لتدمجهم فى العمل فحولت بيوتهم إلى مصانع صغيرة لأجود أنواع المنسوجات والمفروشات والسجاجيد، إلا أن أكثر ما يقض مضجع نعمة الله الآن هو خطر جفاف عيون المياه الطبيعية داخل الواحة وارتفاع نسبة ملوحتها نتيجة سوء التعامل، ولهذا طالب نعمة الله فى حواره لـ«المصرى اليوم» الحكومة بإخراج مشروع المليون ونصف المليون فدان فورا من الواحة وحذر من الاستمرار فى حفر الآبار ما يهدد باندثار الواحة واختفائها، كما أكد ضرورة رفع الدولة يدها تماما عن الاستثمار المباشر حتى لا تقتل نفسها وطالبها بضرورة الاستثمار فى بناء الإنسان وليس المدن الجديدة.. وإلى نص الحوار:

■ ترتكب كل الأخطاء فى السياسة والاقتصاد وإقرار القوانين وغيرها- بعمد أو بدونه- تحت دعوى الإصلاح فهل نعلم من أى نقطة يبدأ الإصلاح الحقيقى؟

- من الإنسان.. فهو النقطة الوحيدة التى أثبتت جدارتها فى تحقيق أى نوع من الإصلاح فى كل تجارب العالم، فليس هناك دولة نهضت دون أن تستثمر فى الإنسان وتوليه الرعاية المطلوبة، حتى يعتمد المواطن على ذاته ولا ينتظر أن توفر له الحكومة فرصة عمل ومسكنا ومأكلا وملبسا. ما يحدث فى مصر غريب فكل مواطن ينتظر أن تفعل له الحكومة كل شىء والأغرب أن الحكومة ترسخ لدى المواطنين هذا الأمر بأفعالها وهو ما لا يستقيم مع فكرة النهوض بالدولة.
■ جرت العادة أن كل نظام أو حكومة جديدة فور تولى المسؤولية تهتم بالمشروعات القومية واعتبارها قاطرة الاقتصاد وبداية الإصلاح؟
- لا يوجد قاطرة فى الاقتصاد أقوى من الـ«بنى آدم» والاستثمار فى تطوير الإنسان هو قاطرة الاقتصاد والسياسة والحضارة والعلم وتقدم أى بلد يعتمد على الاستثمار فى التعليم والتدريب وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين مهما كانت صعوبتها. وهنا يجب تهنئة الحكومة على مبادرة الاستثمار المشترك مع اليابان فى مجال التعليم.
مصر لن تتقدم إلا لو حكمنا العقل والعلم وأعطينا فرصة للتفكير والإبداع وطرح الرؤى المختلفة والأفكار غير التقليدية والنمطية، فلو أن الطرق التقليدية كانت مفيدة لما وصلنا إلى هذا الحال، فلا يمكن أن يستبعد شخص لأنه قال رأيه ولا يمكن أن يعاقب شخص لأن فكره مغاير للسائد، ففى نهاية الثلاثينيات كتب إسماعيل أدهم كتابا بعنوان «لماذا أنا ملحد» وتم نشر الكتاب حينها وقرئ وكان الرد عليه بكتاب لمحمد فريد وجدى «لماذا أنا مؤمن»، فكيف يمكن تطوير المجتمع بدون الرأى والرأى الآخر، فالطفرات فى حياة الشعوب لا تأتى إلا من خلال الخروج عن المألوف والمتعارف عليه. كما لا يمكن أن نتحدث عن الإصلاح ومصر تزيد بهذه الأعداد المهولة يوميا فالزيادة السكانية خطر داهم يهدد حياتنا جميعا.
■ هل تعتقد أن هناك برامج حقيقية لدى الدولة لمجابهة الزيادة السكانية؟
- لا.. وهذا خطأ كبير.. مصر صممت أيام الرئيس الأسبق مبارك برنامجا لتنظيم وتحديد النسل وقد نجح إلى حد كبير، لذا الأولى بالحكومة أن تبحث عن أسباب توقف هذا البرنامج أو تصميم برنامج جديد يناسب الوقت الحالى وتعمل على ضخ استثمارات فى مشروع كبير لتحديد النسل حتى لو تطلب الأمر الإتيان بخبراء من الخارج للمساعدة فى تصميم البرنامج والإشراف على تطبيقه، وهذا ليس عيبا فنحن نأتى بخبراء أجانب للكورة، أفليس من الأولى أن نأتى بهم لوضع برامج تحديد النسل.
■ ربما تخشى الدولة المواجهة الصريحة مع التيارات الدينية؟
ليس لدينا رفاهية الاختلاف الأيديولوجى، ولا يجب أن نفكر إلا فى كيف ننهض بالبلد، ولا يجب أن يقول لى أحد إنه لا يستطيع المواجهة لأسباب دينية هذا غير مقبول فلا يوجد دين يقول بأن يموت شعبك منتحرا وما يحدث نوع من الانتحار. كما أن اعتبار الدين هو مصدر المعرفة الوحيد خطأ كبير، وجعل العقيدة منهج الإدارة يعد انغلاقا عن العالم، نحن أخطأنا عندما أدخلنا العقائد فى المجال العام مما عرقل الاستفادة من باقى العلوم والمعارف، لذا يجب أن يقتصر الدين على التربية الأخلاقية وغرس المبادئ والسمو بالروحانيات.
■ فى رأيك لماذا توقفت الدولة عن دعم الوحدات الصحية فى القرى والأرياف ولم تعد تهتم بقوافل التوعية ولا إعلانات رفع الوعى رغم أنها باتت تملك أغلب القنوات الخاصة؟!
- لا أعرف الأسباب..لكن فى رأيى توفير وسائل منع الحمل بالمجان فى القرى والأرياف لغير القادرين أهم من الاستثمار فى الحديد والأسمنت، كما أن عمل برامج وتخصيص ساعات مطولة فى التليفزيون لرفع الوعى بخطورة الأزمة أهم من بناء الشقق وإنشاء المصانع، لابد أن يكون لهذه القضية الأولوية فى الإنفاق والاستثمار.
فلا يوجد نمو اقتصادى فى العالم يمكن أن يحتمل هذه الزيادة غير الطبيعية سنويا، ولا يوجد مورد مياه يمكن أن يكفى هذه الأعداد.
■ بمناسبة المياه هل تعتقد أن الأمور ستزداد تعقيدا بعد اكتمال سد النهضة وأثناء مراحل تخزين المياه؟
- لدى كراهية مطلقة للسدود الضخمة من حيث المبدأ العام ولا أؤمن أنها مصدر أى خير للشعوب بل هى تجلب وابلا من الشرور.
■ (سألته مازحة ولم أكن أتوقع رده): حتى السد العالى؟
- (أجاب بحسم وبلاتردد): نعم حتى السد العالى بل على رأسها السد العالى، لأنه خطأ كبير، فالتعامل مع الأنهار يجب أن يكون بحساب عن طريق السدود الصغيرة مثل سد أسوان أو القناطر الصغيرة مثل القناطر الخيرية، وليس بتلك السدود ذات الخزانات الضخمة ولا بد أن نعترف أمام العالم أننا أخطأنا عندما بنينا السد العالى.
■ ألا تعتقد أنه من الصعب على الحكومة الخروج بهذا الاعتراف فى الوقت الذى مازال فيه السد العالى رمزا للصمود والإرادة لدى المصريين؟!
- هذه هى المشكلة الحقيقية.. ولكن إذا أردنا أن يكون لدينا مصداقية فى مسألة السدود ونحن نتفاوض مع إثيوبيا علينا أولا أن نعترف بالخطأ، وإن كان لنا عذرنا لعدم معرفتنا بالمخاطر الكبيرة لهذه السدود حينها فقد انتفى هذا العذر الآن، لذا فالاعتراف وحده كان سيسهل المأمورية كثيرا فى التفاوض لكن للأسف نحن ما زلنا نغنى «قلنا هنبنى وأدى احنا بنينا السد العالى».
ولو كنت مكان الحكومة لفعلت ذلك الآن، وأعددت ملفا كاملا عن أضرار السد وأخطاره، لنقول للعالم إن هذا هو الثمن الذى دفعناه ومازلنا ندفعه، فقد خسرنا أراضى زراعية من أجود الأراضى، بالإضافة إلى تهجير السكان، فهناك حضارة كاملة لم تكن قد اكتشفت بعد قد غرقت تحت بحيرة ناصر خلف السد، هذا بخلاف المخاطر المستقبلية التى ستزداد مع الوقت منها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتهديدها للأثار والحضارة المصرية فى وادى النيل. وللمرة الثانية أؤكد أنه ليس هناك أهم من ملفى المياه والسيطرة على الزيادة السكانية لتوليهما الدولة كل الجهود والعناية.
■ لماذا لا يشعر المواطن بجهود الحكومة رغم أنها تعمل ليل نهار بحسب ما تعلن؟ وهل الزيادة السكانية وحدها هى السبب؟
- الزيادة السكانية جزء كبير من المشكلة، لكن هذا التناقض سببه أن الحكومة تضع على نفسها عبئا كبيرا جدا لا حاجة لها به يجهدها من ناحية ولا يأتى بالنتائج المرجوة من ناحية أخرى لذا لا يشعر به المواطن، فالحكومة تريد أن تستثمر فى كل المجالات.. الأسمنت والحديد والأدوية والدواجن وتريد توفير فرص عمل وإسكان للشباب، وهذا ليس عملها ولا مهمتها، فمهمة الحكومة وفق كل أنظمة العالم تتلخص فى تهيئة المناخ العام للاستثمار ودفع السوق للحركة ليعمل وينشط بعضه البعض، فلو أنها ركزت على إخراج القوانين الخاصة بالاستثمار، وإنشاء المرافق التى إن آجلا أو عاجلا ستأتى بثمارها لتحسنت الأوضاع.
■ الحكومة تدخل فى النشاط الاقتصادى بدعوى تخفيف العبء عن المواطن فهى ترى القطاع الخاص محتكرا وجشعا ولا تثق فيه؟
- الحل يكمن فى فتح الباب للمنافسة وفق قواعد ومعايير ثابتة والمنافسة بدورها ستقلل الجشع، وهنا يظهر دور الدولة الرقابى بعدم السماح بالاحتكار، ولا بد أن تعلم الحكومة أن القطاع الخاص يخفف الأعباء الناتجة عن الإصلاح الاقتصادى، فلن نستطيع أن نبنى مصر بجهود الموظفين وحدهم وبالبيروقراطية الحكومية.
■ وماذا لو أصرت الحكومة على الاستمرار فى منافسة القطاع الخاص؟
- ستقتله وتقتل نفسها ولن يكون هناك ثقة فى السوق المصرية مرة ثانية فالثقة تأتى من الإحساس بتكافؤ الفرص.
■ كنت أول من عمل فى مشروعات تطوير العشوائيات كمكتب هندسى، وكان منطق التطوير وقتها فى منطقتى «منشية ناصر والزبالين» هو الإبقاء على الناس فى مكانهم، أما الآن فقد اختلف المنطق وأصبح نقل الناس هو السمة الغالبة فأيهما أفضل؟
- عملنا مع عدد من المكاتب فى هذا المشروع، وصحيح كانت الفكرة الأساسية أن نبقى الناس فى أماكنهم التى اعتادوها على أن نحسن ظروف هذه المعيشة بتطوير المساكن وإدخال المياه والكهرباء وباقى الخدمات، فأغلب سكان العشوائيات لا يرغبون فى ترك بيوتهم وأماكنهم، والحكومة تخطئ عندما تنقل مواطنين مختلفى الثقافة والعادات والتقاليد من أماكنهم إلى منطقة إسكان محدودى الدخل لأنها تخلق مجتمعات غير متجانسة، لذا لايجب أن تتوسع الدولة فى إسكان محدودى الدخل بهذا الشكل، فقد فشلت الفكرة فى كل الدول التى طبقت الإسكان الشعبى.
■ وماذا عن إسكان الشباب.. هل ينطبق عليه نفس الرأى؟
- نعم.. السكن ليس مهمة الحكومة، كل مواطن يسكن فى المكان الذى يروق له ويجده قريبا من محل عمله ومدارس أولاده ويوافق عاداته وتقاليده، وليس على الحكومة أن تفرض عليه السكن فى منطقة بعينها، وأنا أرى أن الحكومة مصرّة أن تحمل نفسها بمصائب لا طاقة لها بها.
وعلى الجانب الآخر، دعينى أحذر من المطالبات بهدم العقارات المخالفة التى بنيت خلال السنوات الماضية، فبدلا من هدم ثروة عقارية تقدر بالمليارات بدعوى أنها مخالفة يمكن الاستفادة بتحصيل رسوم عنها لزيادة حصيلة الدولة على أن يقتصر الهدم على المبانى الخطرة أو التى تهدد حياة المواطنين فقط مع وضع قواعد وتشديدات لعدم حدوث مخالفات جديدة.
■ باعتبارك أحد الخبراء فى مجال التنمية هل نحن بحاجة حقيقية إلى العاصمة الإدارية الجديدة الآن؟
- يجب أن تكون أولوية الإنفاق للمناطق التى يعيش بها السكان وليس المناطق الجديدة، وتوجيه الاستثمار الحكومى إلى تطوير وتحسين معيشة العشرة آلاف قرية ومدينة الآهلة بالسكان إلى جانب الاستثمار فى الصحة والتعليم لكى يشعر المواطن بتحسن أحواله، وبالتالى يتحمل نتائج الإصلاح الاقتصادى بلا ضجر.. يا سيدتى لا يوجد مدينة يمكن أن تنهى مشاكل قرى ومدن مصر كلها ولا يمكن لمشروع جديد أن يحل مشاكل اقتصاد البلد.
■ إذا اتجهنا للحديث عن مشروعك الأهم فى واحة سيوة.. لماذا اتجهت إلى هذه المنطقة النائية وكيف حولتها لمزار عالمى؟
- بكل تأكيد يأتى التميز عندما تبحث عما يغض الناس الطرف عنه، أن تجرى خلف ما هو جديد ومختلف ويحقق التفرد، فعندما وقعت عينى على واحة سيوة عام ١٩٩٥ أصبحت مسحورا بها ووجدت أن المكان مثالى ويتلاءم تماما مع منهج مشاريع التنمية المستدامة التى أؤمن أنها طريق الخلاص، ولأن المجتمع السيوى عاش على مر القرون فى عزلة نسبية سمحت له بالحفاظ على هويته وتقاليده لذا كان نموذجا مثاليا ومتفردا فى الخصائص ما جعل مشاريعنا هناك ذات خصوصية ولا شبيه لها، فواحة سيوة بقعة شديدة التميز ليس فقط فى مصر إنما على وجه الكرة الأرضية بالكامل.
■ تمتلك واحدا من أغرب المنتجعات السياحية التى حصلت على عدد من الجوائز العالمية كأحد أهم مبادرات التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة فى العالم.. فما سر المكان؟
- المنتجع يطل على بحيرة سيوة ويقع عند سفح جبل أبيض يعد هو أهم استثمار فى المنطقة، ولو كنا أتينا بأعظم معماريى العالم وأنفقنا الملايين استطعنا أن ننشئ مثل هذا الجبل، لذا قررنا استغلاله والبناء إلى جواره على ألا نسىء إلى جماله، وتم البناء بالمواد الأصلية المحلية وباستخدام تقنيات البناء التقليدية لأهل سيوة والتى لها تأثير ضئيل على البيئة، حيث تم استخدام مزيج من الملح الصخرى المجفف بالشمس مختلط مع الطين وذلك لبناء الجدار، وهذه المادة تحافظ على درجات الحرارة داخل المنازل عند مستويات معتدلة، أما السقوف فمصنوعة من عروق النخيل، فى حين تم تنفيذ الأبواب والنوافذ والتركيبات من خشب شجرة الزيتون، ولا يعمل الفندق بالكهرباء ولكنه يستخدم المصابيح والشموع للإضاءة، وفى الليالى الباردة يتم استخدام الفحم للتدفئة. ويعتمد على أنظمة التهوية الطبيعية عن طريق التوزيع المدروس لمواقع الأبواب والنوافذ، مما يلغى الحاجة لتكييف الهواء. وأيضاً الزراعة فى جميع الأراضى عضوية وخالية من المواد الكيميائية، وللعلم نحن لا نعتمد على سياحة الأفواج ولا نستهدف الأعداد الكبيرة ولك أن تعرفى أن ١٢% فقط «إشغال» يجعلنا نربح ٢٠% سنويا لأننا نستهدف السائح الذى يريد أن يعيش تجربة مختلفة ليس لها مثيل على الكرة الأرضية فالخدمة تفصل لكل سائح على حدة، والمكان مقام على ٧٠ فدانا بلا أسوار ولا أبواب.
■ الغرف بلا أقفال ولا مفاتيح ولا توجد خزائن لوضع الأشياء الثمينة للنزلاء فهل كان ذلك مقصودا.. ثم ألا تخشى على السائحين؟
- لم أدخل سيوة متسللا أو من باب خلفى إنما من أوسع أبوابها وقد تعرفنا على الجميع، وتربطنا بكل العائلات والقبائل والمشايخ علاقات قوية، الأصل فى الإنسان هو الخير وليس الشر، فلماذا يتم تخوينهم؟!
والسيويون يدركون جيدا أنهم أصحاب المكان فحوالى ٩٨% من العاملين فى المشروع من أهل سيوة و٢% فقط من القاهرة، هم يدركون أن المكان يعكس أغلى ما يملكون أى تراثهم وهويتهم متمثلين فى طرق البناء التى ورثوها عن أجدادهم لذا هم أكثر حرصا منا على المشروع. ولأن سيوة مجتمع محافظ للغاية واجهتنا مشكلة عدم السماح للنساء بالعمل والمشاركة، وهو ما اعتبرناه ضد فكرة الاستدامة التى ننشدها، وهنا استعنت بشقيقتى ليلى التى أخذت على عاتقها مهمة إدماج السيدات فى العمل مع الحفاظ على عاداتهن وتقاليدهن واليوم أصبحت كل السيدات يعملن من داخل بيوتهن.
■ قرأت أن هناك أزمة خاصة بالمياه الجوفية فى الواحة فإلى أى مدى يعد الأمر صحيحا؟
- عندما ذهبنا أول مرة إلى هناك كان الجميع ملتفا حول مصدر حياته وهى العيون الطبيعية فهى ملك للجميع، لديهم دفتر يحددون فيه مواعيد ودور كل شخص فى الرى. ولكن عندما بدأوا فى حفر الآبار الصناعية تغير كل شىء، وقد أخبرناهم أنه وبعد قليل ستتملح مصادر المياه وستقل تدريجيا حتى تجف تماما وتندثر الواحة كباقى الواحات، كما أنهم سيواجهون مشكلة كبيرة مع الصرف الصحى لأن المياه التى تخرج من باطن الأرض أصبحت بكميات أكبر من قدرة الطبيعة على استيعابها، لكن للأسف لم يستجب أحد، وأنا أعترف أن قدراتنا على الإقناع لم تكن مجدية حيث تم حفر آبار كثيرة جدا فى الواحة مما يهدد باندثارها.
■ هناك خبراء يؤكدون أن المياه فى هذه المنطقة متجددة وبناء عليه تم وضع دراسات استصلاح جزء من المليون ونصف المليون فدان فيها؟
- لا يمكن لشخص ذى علم أن يقول إن المياه فى هذه المنطقة متجددة.. فعندما ذهبنا إلى الواحة اتبعنا نهجا علميا باعتبارنا مكتب خبرة كبيرا، وكان بصحبتنا مهندسون متخصصون فى مجالى الرى والجيولوجيا وغيرهما، وجميعهم أكدوا أن هذا الكلام غير صحيح وأن مصير واحة سيوة سيكون مثل الواحات الأخرى التى اختفت نتيجة سوء التعامل، لأن المياه المتجددة الداخلة للخزان النوبى ضئيلة نسبيا بالمقارنة بالمياه المسحوبة منه.
■ إذن المياه هناك لا تكفى مائة عام كما أعلنوا كتبرير لوضع جزء من المليون ونصف المليون فدان فى هذه المنطقة؟
- وحتى لو افترضنا صحة هذا القول، مائة عام لا تعنى أن المياه متجددة، مائة عام تعنى جيلا واحدا فقط من البشر، وغير مقبول أن نحرم الأجيال القادمة من حقها فى هذا المورد.
■ أفهم من ذلك أن الاستصلاح فى سيوة خطر وبالتالى ترغب أن تُخرج الحكومة مشروع المليون ونصف المليون فدان من هذه المنطقة؟
- نعم بلا أدنى تردد. ورأيى أنه حتى ينجح مشروع المليون ونصف المليون فدان عموما فى كل المناطق يجب اتباع النظم الحديثة فى الرى ليس فقط نظام الرى بالتنقيط فهناك نظم أكثر حداثة وأكثر توفيرا للمياه من التنقيط، وذلك جنبا إلى جنب مع البحث عن بدائل أخرى لتوفير مياه الشرب، وأن يدفع مستخدمو المياه من رجال الأعمال ومستصلحى الأراضى الجديدة وأصحاب المزارع قيمتها الحقيقية فهى لا تقل أهمية عن البترول بل على العكس أنا أرى أن المياه أهم، ويجب أن تكون أغلى فى قيمتها المادية، الغريب أننا نجد الدولة دائما تهتم بالأرض وقيمتها المادية وتحرص على بيعها بالمزاد العلنى ولأعلى سعر وعدم إهدارها، ولا نجدها تولى أى اهتمام لما فى داخل الأرض من ثروات طبيعية قد تفوق فى بعض الأحيان قيمة الأرض نفسها.
■ ما آخر تطورات عملية ترميم المتحف المصرى الحديث الذى تشرف عليه شركتك؟
- نعمل على إحياء المتحف المصرى لإعادته كما كان حيث أحضرنا الرسومات الأصلية للمتحف لترميمه وإعادته كما بناه المعمارى الفرنساوى مرسيل دورنيون الذى صمم عملا إبداعيا ليكون أول متحف فى العالم شيد ليكون متحفا وليس مبنى تم تحويله إلى متحف، وها نحن قد انتهينا من ترميم جزء من جناح توت عنخ آمون والتزمنا بإنهاء المتحف بالكامل خلال ثلاث سنوات بتمويل ذاتى وجهود بعض رجال الأعمال المصريين، ونستعد للاحتفال بالمراحل الأولى فى نهاية شهر أكتوبر القادم، حيث بدأنا الاتصال بعدد من الضيوف العالميين الذين أبدوا رغبتهم فى حضور حفل الافتتاح لنجعل من المناسبة حدثا عالميا تتناقله كل وسائل الإعلام العالمية.
■ وإلى أى مرحلة وصلتم مع الحكومة فى طلب ضم أرض الحزب الوطنى للمتحف؟
- لا جديد حتى الآن.. حيث لم تسلم الأرض للمتحف وهناك رأى يتبناه البعض بشأن إقامة مشروع استثمارى على الأرض غير مدركين أن ضم الأرض للمتحف هو أكبر مشروع استثمارى يحول المنطقة كلها إلى مزار سياحى مهم، مما يؤدى إلى تشغيل كل الفنادق المجاورة، وقد أعلنا أننا لن نكلف الحكومة جنيها واحدا وسنسعى عن طريق علاقاتنا إلى الحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبى للمشروع حتى لا نلقى أى عبء على كاهل الدولة، المهم أن تتخذ الدولة القرار الصحيح ولا تلتفت لبعض الرغبات والمصالح الخاصة.