Translate

Wednesday, May 31, 2017

د. عماد جاد - يعيشون بيننا!! - جريدة الوطن - 31/5/2017

خلصت عقب لقاءات مكثفة وحوارات طويلة مع ناجين من جريمة «دير الأنبا صموئيل» إلى أن الجناة لم يأتوا من خارج البلاد، بل هم من سكان نفس المنطقة، ومن القرى والمدن المجاورة لها، فالتشدد والتطرف يضرب المنطقة بالكامل بحيث تجد مدينة مثل العدوة لا توجد بها كنيسة واحدة، وكلما اشترى أقباط المدينة قطعة أرض وتقدموا بطلب بناء كنيسة عليها، يظهر على الفور مسجد على مسافة قريبة من قطعة الأرض المستهدف إنشاء كنيسة عليها، ومن ثم وجب على أقباط المدينة البحث عن قطعة أرض أخرى تبتعد مسافة كافية عن أقرب مسجد، فلا يجوز بناء كنيسة على مقربة من مسجد، والعكس غير صحيح، فما أن تبنى كنيسة بعد طول عناء ومعاناة حتى يظهر حولها أكثر من مسجد. أيضاً تعد قرية دلجا، القريبة من موقع الحادث، معقلاً للتشدد والتطرف فهى مسقط رأس عاصم عبدالماجد، ويوجد بها مئات السلفيين والدواعش، يكفى أن نقول إنه خلال حكم مرسى والجماعة قام متشددو القرية باستخراج جثة مواطن مسيحى وسحلوها فى مشهد لا يمت للإنسانية بصلة من قريب أو بعيد. فى هذه المنطقة ينتشر الدواعش بكثرة، ومن ثم فإن ارتكاب جريمة دير الأنبا صموئيل لا يحتاج عناصر غير مصرية ولا غريبة عن المنطقة ففى المنطقة ما يكفى من الدواعش لارتكاب جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
الناجون يتحدثون بكل ثقة عن أن المجرمين من المنطقة، شكلاً ولغة، وأنهم اهتموا أولاً بالاستيلاء على ممتلكات الجناة وتحديداً الذهب والموبايلات والأموال، وهو سلوك جماعات دينية مصرية من منطق الاستحلال وسبق أن مارسوه منذ سبعينات القرن الماضى.
أيضاً هناك حالة من فقدان الحس والشعور الإنسانى بحيث يطلب من السيدات والأطفال نطق الشهادة حتى ينجوا، وهو ما تم رفضه تماماً، فكان الرد وابلاً من الرصاص فى الصدور والقلوب، لم يفرقوا بين رجل وسيدة، طفل وشيخ، أطلقوا الرصاص بشكل عشوائى فى الأوتوبيس، ثم أنزلوا الرجال وقتلوهم خارج الأوتوبيس.
معلومات أهل المنطقة تقول إنه لا يمكن لغريب أن يدخل هذه المنطقة دون ترتيب وتنسيق مسبق مع العرب الموجودين فيها، وتقديرهم أن المجرمين من أهل المنطقة، يعرفون كل صغيرة وكبيرة عنها، يعلمون أن هناك عدة كيلومترات لا توجد بها تغطية من قبَل شبكات التليفون المحمول، أى تنقطع فيها إشارة البث، وهى المنطقة التى تم تنفيذ الجريمة فيها، أى إن من قام بالتنفيذ يعلم تماماً أن الضحايا لا يمكنهم استخدام هواتفهم النقالة ومن ثم لا يمكنهم الاستغاثة، لذلك تصرفوا بهدوء شديد، طالبوا الضحايا باعتناق الإسلام عبر نطق الشهادة، ثم جمعوا متعلقاتهم وأشياءهم الثمينة، وصفوّهم جسدياً ومثلوا بالجثث، ارتكبوا جريمتهم وغادروا المكان ولم يعلم أحد بالحادث إلا بعد وقوعه بأكثر من ساعتين وعن طريق أوتوبيس سياحى كان يمر بالمنطقة، شهد الكارثة وقام بالإبلاغ عنها، فتحركت أجهزتنا المعنية وباشرت التحقيق، وكان قد مر وقت كافٍ بحيث اختفى الجناة أو عادوا إلى ديارهم.
يا سادة المجرمون مننا ويعيشون بيننا، منهم من تربى على الفكر المتطرف الرافض للآخر الدينى والطائفى، ومنهم من ذهب إلى الدواعش وأجاد طرق القتل والنحر وعاد إلينا بالذبح والقتل والتمثيل بالجثث. عليكم أن تعترفوا بأن القتلة والمجرمين من بيينا ويعيشون وسطنا، انظروا إلى كم الشماتة فى الجريمة على مواقع التواصل الاجتماعى من مصريين يعيشون بيننا، انظروا إلى مبررات القتل والنحر، منهم من يقول إنهم كفار وجب قتلهم، ومنهم من يقول إنهم صليبيون، وهناك من يبرر ذلك بالرد على جرائم الهندوس بحق مسلمى بورما.
الأمر جد خطير، والمسافات تتباعد بين المواطنين المصريين، لا سيما لدى الشباب، والدعوات لأفكار انعزالية وتحصينية بدأت تطرح، وإذا كانت الحكمة تقول إن معظم النار من مستصغر الشرر، فإن الحكمة تقتضى التحرك العاجل من الدولة، مداواة الجراح، إنهاء الرخاوة فى التعامل مع الدواعش، وإلا فإن البدائل لن تحمد عقباها وربما يأتى يوم لا ينفع فيه ندم.

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (5).. ما فرطنا فى الكتاب من شىء.. - جريدة الوطن - 31/5/2017

استُخدمت هذه الآية الكريمة، أو على الأصح، هذا الجزء من الآية للمصادرة على أى فكر خارج دفتى القرآن، وللتدليل على أنه حوى كل شىء من أمور الدين والدنيا، وأنه لا مجال للعقل البشرى فى ميدان التشريع، وأن التشريعات التى كانت بنت ظروفها وبيئتها لا يمكن التفريط فيها أو الحياد عنها، وأن الحدود لا بد أن تُطبّق بحذافيرها، حتى لو تغيّرت الظروف، المهم عندهم هو التطبيقات الحرفية، وليس المقاصد الأخلاقية، حد السرقة فى ما هو فى حرز، يعنى أن النشال الذى يسرق عشرة جنيهات من جيب موظف تُقطع يده، أما الهاكر الذى يدخل على كمبيوتر بنك، فهو آمن، لأن هناك شبهة فى أحقيته فى بيت المال، وأن ما هو مكتوب فى الكمبيوتر ليس حرزاً!، المكاتبات على «الواتس آب»، أو فى الخطابات والإيميلات، التى يعترف الاثنان فيها بممارسة الزنى لا تثبت شيئاً، بل لا بد من رؤية الرشاة فى البئر بتفاصيل العملية من أربعة شهود عدول فى زمن الشقق المغلقة بأبواب حديدية لا خيام مفتوحة سداحاً مداحاً!، وعندما يُقال إن الرجم يتعارَض مع إعلان حقوق الإنسان الذى وقعنا عليه يكفرونك ويصفونك بالزنديق!، يرفعون فى وجهك تلك الآية عند محاولتك الاجتهاد أو قولك إن هذه الحادثة جديدة ومستحدثة على الواقع الإسلامى والعقل المسلم، يرفعون آية ما فرطنا فى الكتاب!، هم فى الحقيقة يرفعون فى وجهك تفسيرهم للآية، وليس الآية، يرهبونك بتفسيراتهم واشتقاقاتهم وكأنها وحى منزل!، وقد استفاد من هذا الاجتزاء المخل للآية أناس ادعوا التفسير العلمى للقرآن والإعجاز العلمى لآياته، وبأن كل النظريات والاكتشافات العلمية قد ضمّها المصحف، وأفصح عنها، وما علينا إلا انتظار الغرب حتى يكتشف، ونخرج عليهم ونُقسم بأغلظ الأيمان إنها بضاعتنا رُدت إلينا، وبهذا نضر الدين والعلم على السواء، يظل أصحاب بوتيكات الإعجاز وبازارات الأوهام يستخدمون التفكير بالتمنّى المسيطر على عقول المسلمين نتيجة الفجوة الحضارية الحالية الرهيبة، التى بدلاً من أن تستفزنا للتغيير والخروج من حفرتها العميقة، إذا بها تتحول للحفر أعمق والنزول فى قاع القاع ونحن نتوهم أننا نصعد ونتفوق!، يكتشف آينشتين النسبية فنقول إنها عندنا فى كتابنا ونرفع آية ما فرطنا فى الكتاب!، رغم أنه ليس كتاب فيزياء!، يحارب جاليليو ويسجن نتيجة قوله بدوران الأرض ويأتى بعده علماء الفلك لبيان شكلها شبه البيضاوى.. إلخ، فنصرخ ما فرطنا، ولدينا الدليل كلمة «دحاها»!، نشف ريقنا من تكرار أن القرآن ليس كتاب بيولوجى ولا فيزياء ولا كيمياء ولا بيولوجى، إنما هو كتاب هداية أخلاقى ودينى، وليس انتقاصاً منه ولا من أى كتاب دينى ألا يتحدّث عن نظرية الكم، وليس عيباً أو إهانة، ألا نجد الجدول الدورى لمندليف ضمن سوره، أو علاج الجلطة بالقسطرة ضمن آياته!!، ولنقرأ التفسير لإزالة اللبس والغموض عن هذه البديهية، يقول الدكتور عبدالمجيد مطلوب فى كتابة أصول الفقه الإسلامى ص 57 «المراد من الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ وليس القرآن، كما هو واضح من السياق قبله، إذ تقول الآية (وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء)، هذا السياق يعطى أن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ، وأظهر الأقوال فى معنى المثلية أن أحوال الدواب من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاء موجودة فى اللوح المحفوظ، مثل أحوال البشر»، فهل سيظل زغلول النجار وتلامذته يرفعون تلك الآية ويستخدمونها فى التدليل والتأكيد على أن القرآن به نظريات علمية؟!، أعتقد أنهم سيظلون يستخدمون ويتاجرون ويكسبون أرضاً طالما هناك جهل وتخلف وإحساس عميق بالدونية والكساح تجاه التقدم العلمى الغربى الذى يجرى بسرعة الضوء ونحن وراءه كالسلحفاة.

Tuesday, May 30, 2017

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (4) - جريدة الوطن - 30/5/2017

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..
أول مسمار فى نعش الاجتهاد الإسلامى كانت هذه الجملة، وكان هذا الفهم، والاجتهاد لم يغلق بابه بمتاريس صلبة إلا عندما أُهملت أسباب النزول، وأخذت ألفاظ النصوص بعموميتها متجردة من الوقائع التى أحاطت بها، والعوامل التى أفرزتها، وقد بذل القدماء جهوداً ضخمة فى دراية هذه الأسباب، وكما يقول الواحدى فى كتابه «أسباب النزول» عن غرضه من تأليف هذا الكتاب: «إبانة ما أنزل فيه من الأسباب، إذ هى أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تعرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها، وبيان نزولها»، وقد صدقت نبوءة ابن عباس، حين قال: «لقد أنزل علينا القرآن فقرأناه، علمنا فيما نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل، فيكون لهم فيه رأى، ثم يختلفون فى الآراء، ثم يقتتلون فيما اختلفوا فيه»، وها نحن نقتتل على عموم اللفظ دون أن نسأل عن خصوص السبب، ووصلنا إلى ما ردده الواحدى، وكأنه يتكلم عن حالنا الآن «وأما اليوم، فكل أحد يخترع ويختلق إفكاً وكذباً ملقياً زمامه إلى الجهالة، غير مفكر فى الوعيد للجاهل بسبب الآية، وذلك الذى حدا بى إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهى إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون فى نزول القرآن، فيعرفوا الصدق، ويستغنوا عن التمويه والكذب، وقد رأينا عند عرضنا لبديهية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) كيف تساعد أسباب النزول على فهم الغرض والحكمة والعلة من النص، ونضرب هنا مثالاً مشهوراً آخر تذكره الكتب دائماً للاستناد على أهمية دراسة أسباب النزول، عندما قرأ مروان بن الحكم قول الله سبحانه وتعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، أشكل عليه الأمر، بل وجزع قائلاً: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون!، لكن ابن عباس تداركه وأوضح له أن هذه الآية خاصة وليست عامة، وأن خصوصها محدد بسبب نزولها، فهى قد نزلت فى أهل الكتاب، حين سألهم النبى عن شىء فكتموه إياه، فأخبروه بغيره، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه».
هكذا بدراسة أسباب النزول نستطيع الابتعاد عن التأويل المغرض الذى برع فيه دعاة الدولة الدينية، وأصبح دستورهم ومرجعهم الأثير، والتشويش الحادث فى أذهانهم ناتج من الخلط فيما بين أسباب النزول ومناسبات النزول، فالسبب هو الظروف الواقعية التى تفاعلت مع النص، ليظهر على النحو الذى أصبح به حكماً، أما المناسبة فتعنى أن النص كان معداً سلفاً، وأنه كان يتحين مناسبة ليظهر ويتربص فرصة، فإذا حانت المناسبة أو ظهرت الفرصة كان النص أو تنزلت الآية، والفرق بين أن تكون الظروف الواقعية للنص أسباباً للتنزيل، أو أن تكون مناسبات له كبير جداً، ويضرب المستشار سعيد العشماوى الذى شرح لنا هذا الفرق مثلاً لحالة أدى فيها الخلط بين الأسباب والمناسبات إلى عواقب وخيمة فى الفهم، فبعد فتح مكة وحج النبى والصحابة تنزلت الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»، وقد أخذ الفكر الإسلامى هذه الآية على معنى المناسبات، فاقتطعها عن أسباب نزولها، واعتبرها نصاً عاماً، فهم منه أن الدين كمل يوم نزلت الآية فقط، والشريعة قد استوفيت بمقتضى نزول هذا النص، فلا زيادة لمستزيد، ولكن إذا فسرنا الآية بأسباب التنزيل، وضح كل غموض، وزال أى لبس، ذلك أنها تقصد إلى أن الحج أكمل شعائر الدين، أما الدين نفسه فهو كامل أبداً منذ آدم وحتى النبى، فأسباب النزول أهم إثبات لتفاعل القرآن مع الواقع، وهو أسمى مكسب عقلى حصلنا عليه نتيجة اجتهاد الفئة المستنيرة العقلانية التى اقتنصته من فئة الحرفيين المتمسكين بظاهر النص، ولكننا ضحينا به للأسف، لنغازل الأصوليين، وننافق السلفيين الوهابيين.

لماذا يصنع النظام هذه الكوارث؟ بقلم د. محمد أبوالغار ٣٠/ ٥/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

أولاً: شىء رهيب، محزن، كارثى يحدث فى وادى النيل، قلبى يملؤه الغضب والأسى وعينى تدمع مثل ملايين المصريين. مجموعة إرهابية تركب أربع سيارات دفع رباعى توقف الأتوبيس وميكروباصا وسيارة نصف نقل وتقتل الجميع بهدوء، هؤلاء المجرمون لا يمكن أن يكونوا بشراً، لقد استشهد حوالى ٢٩ مصريا، معظمهم من الأطفال. النظام الحالى مسؤول عن هذه الجريمة بدرجة كبيرة، الأجهزة الأمنية والمخابراتية المدججة بأحدث الوسائل الحديثة يتم استخدامها لمراقبة أى شاب كتب جملة على الإنترنت أو انتقد النظام، فيُقبض على الشاب. أليس من وظيفة الأجهزة التنصت واكتشاف أى إرهابى؟ أليس من واجبها البسيط أن يكون لها رجال وجواسيس فى هذه المناطق حتى تصل إليها معلومات دقيقة بصفة منتظمة؟ كيف يكون هناك أربع سيارات دفع رباعى و١٥ رجلا ولم يقم أحد بالتبليغ لأنه ليس لنا عيون فى هذه الصحراء، ومن رأى قد يخاف أن يبلغ لأنه فاقد الثقة فى الشرطة التى ربما تقبض عليه وتخترع له تهمة قد تؤدى إلى إعدامه. وقد أعلنت سفارتا أمريكا وألمانيا عن توقع عمل إرهابى وطلبتا من مواطنيهما الحذر وعدم مغادرة القاهرة. ألم يكن من الواجب أن يبحث كل جهاز مخابراتى فى محافظته فوراً عن احتمال حدوث إرهاب؟ توثيق العلاقة مع البدو فى هذه المناطق بالتفاهم والأموال أمر أساسى. الشرطة والأجهزة عموماً تحتاج إلى نقلة للأمام فى التدريب بعيداً عن الأمن السياسى، لأن هناك تقصيرا فاضحا فى الأمن الجنائى، والفوضى الموجودة فى كل مصر وانتشار البلطجية والحرامية والمسلحين راجع لأن الشعب ليس له أهمية عند النظام، المهم فقط أمن النظام وسعادته بإرسال تسريبات تافهة لإذاعتها فى التليفزيون. الأمن الجنائى فى مصر منهار تماماً ولا يستطيع مصرى واحد أن يتقدم لعمل محضر فى قسم الشرطة إلا بالواسطة. هذا تدهور غير مسبوق. النظام معرض للخطر بسبب تدهور الأمن الجنائى. أما الخطة الطويلة لحرب الإرهاب فتشمل التعليم والتعامل مع السلفيين والمساواة بين المواطنين، وهى خطة يجب أن تبدأ من الآن.
ثانياً: لقد تم القبض على حوالى عشرين شاباً من مختلف المحافظات الأسبوع الماضى لأن الأمن لاحظ أنهم نشطاء وغاضبون على الفيسبوك. انضمام هؤلاء الشباب لآلاف الشباب المسجون احتياطياً سوف يكون جيشاً من الحاقدين ووراءهم مئات الآلاف من الأقارب والأصدقاء، وربما يتحول بعضهم إلى إرهابيين يريدون الانتقام. ما يفعله النظام يمثل فشلاً ذريعاً فى حل مشكلة الشباب.
ثالثاً: ما حدث مع المحامى خالد على فضيحة بكل معانى الكلمة. شىء ما حدث بعد حكم تيران وصنافير، سواء كانت الصور مزيفة أم حقيقية، هذا أمر حدث منذ عدة شهور، ما الذى حدث فجأة للتحقيق معه بهذه الطريقة ثم إحالته للمحاكمة بعد أيام، بالرغم من أن السيدة العجوز التى خلعوا ملابسها فى المنيا منذ عام لم يحدث لها شىء حتى الآن. واضح أن الأمر متعمد، وقد سمعت أسباباً مختلفة للهجوم على خالد على:
- تخويف مرشحين محتملين أقوياء مثل أحمد شفيق وغيره.
- أن النظام ينوى التخلى عن تيران وصنافير بعد العيد ويريد تخويف الناس.
- أن النظام متلخبط ومش عارف يعمل إيه.
رابعاً: سمعنا وقرأنا وعرفنا من مصادر مختلفة أن النظام ربما يتهور ويقدم تيران وصنافير للبرلمان، وأنا أريد أن أوضح نقاطا بسيطة:
١- لقد وافق الرئيس على تسليم الجزيرتين، ووقع رئيس الوزراء بدون استشارة الشعب صاحب الجزيرتين وهو المالك الوحيد لهما، لأن الرؤساء يتغيرون والأرض ثابتة.
٢- يحدث فى كل الدول الديمقراطية أن يقرر الرئيس شيئاً ويتفق عليه ولكن البرلمان أو الكونجرس لا يوافق، وهذا أمر يحدث كل فترة، إذن ليس هنا شىء خطأ أن يقول الرئيس إننى تصورت أن هذا تصرف سليم ولكن إرادة الشعب لم توافق على ذلك، بالإضافة إلى أن الرئيس يحترم حكم المحاكم. هذه نقطة لصالح الرئيس لأنه يحكم بلدا، صحيح أنه سماه شبه دولة وأن الحقوق والحريات والدستور مهدرة بدرجات مختلفة ولكنها فى النهاية دولة وفيها ناس لهم رأى، ولها تاريخ ولها اسم وحدود عمرها آلاف السنين، مصر حتى لو سميت شبه دولة فهى بالتأكيد أحسن من لا دولة. رجاء من مواطن مصرى وصل إلى مرحلة عمرية متقدمة أن ينهى الرئيس هذا الأمر بصفة ودية مع السعودية مع الاعتذار اللائق، وكذلك شرح الأمر لإسرائيل وأمريكا، وهما الشريكتان من وراء الستار فى الاتفاق الأول.
٣- تسليم الجزيرتين سيكون كارثة على مصر تستمر مئات السنوات، ويكون المسؤول الوحيد هو السيد الرئيس. سيكون هذا الأمر قطيعة مع الشعب المصرى. وسوف يستمر الحراك حتى يتم تحرير الجزيرتين.
قررت أن أبتعد عن الكتابة فى السياسة إلى حين، وكتبت فى التاريخ وفى الفن على مدى أسبوعين، ولكن الأحداث الجسام اضطرتنى للعودة وسأعود مرة أخرى للفن والتاريخ إلا إذا استمر النظام فى تأزيم الموقف، وأرجو أن تخرج مصر من هذا المأزق.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك

Sunday, May 28, 2017

كيف سمحت بالدم... وأنت كريم! بقلم فاطمة ناعوت ٢٩/ ٥/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

فى كل عام قبل أن تطرقَ أبوابَنا بيدك، كنتُ أستقبلُكَ بقصيدة أنثرُ فيها تحت قدميك نُثارَ الفرح، وأجدّدُ الرهانَ عليك أن تُرقّق قلوبَنا فنصيرُ أجملَ. ألستَ أنت «الكريم» كما نسمّيك؟ فلماذا سمحتَ بأن تُهرَقَ الدماءُ البريئةُ عند عتبة دخولك علينا؟ كيف سمحتَ بأن يصرخ الأطفالُ تحت وابل الرصاص عشيةَ مجيئك، دون أن تذودَ عنهم وتدفع شبحَ الموت بعيدًا عن قلوبهم الصغيرة؟! أولئك الأطفالُ الذين غُدِروا برصاص البغضة، فيهم من علّق الزينةَ الملوّنة فى الشوارع، والفوانيسَ على نواصى البيوت فرحًا بك، وتحيةً لك. فكيف قبلتَ أن يصعدوا للسماء قبل أن يذوقوا تمرَك، ويوقدوا شمعَك، ويحملوا فوانيسكَ؟
قبل مجيئك بأسبوع كتبتُ على صفحتى ما يلى:
«صباح الخير على عيونكم يا أقباط مصر الرائعين. أنا عارفة إنكم هاتقولوا لولادكم ينزلوا يعملوا زينة رمضان مع إخواتهم المسلمين زى كل سنة ويملوا الشوارع بالفوانيس الملونة والزينة والفرح. أنا واثقة إنكم مش هاتسمحوا لشوية مساكين تعساء يفرقوا بيننا ويهدموا ميراث ضخم من الوحدة وتاريخ رائع من الحب بنيناه سوا من قديم الزمان عشناه مع بعض ع الحلوة والمرّة. كل سنة وإحنا أطيب وأجمل، ونعيش نتعلم منكم ومعاكم السلام والوطنية والمحبة. رمضان جميل عليكى يا مصر الحلوة».
لم أكن أعلم أن كارثةً جديدة تلوح فى الأفق على مرمى ساعاتٍ من تلك الكلمات التى كنتُ أراهن فيها على أن نسيجنا المصريَّ عصيٌّ على التمزّق. يومها، أخبرنى الأصدقاءُ المسيحيون على صفحتى أن زينة رمضان قد عُلِّقت بالفعل. علّقوها مع جيرانهم المسلمين كالعادة كل عام، وشدوّا خيوط الفوانيس فى شُرفاتهم، ككل عام، واشتروا الشموع لفوانيس أطفال الحيّ ككل عام. قالوا لى: «لا شىء يفرّق بيننا ولا الموت. فنحن جسدٌ واحد، اسمه الجسدُ المصرى، ومهما ضربت الميكروباتُ ذلك الجسد الشريف، لا تنالُ منه لأن القلبَ حيٌّ لا يموت».
لكن وابلَ الرصاص الذى ضرب نحور الأطفال عشيةَ غُرّتك، يوم الجمعة الماضى، أسالت الدماء غزيرةً، فجعلت شموع الفوانيس لا توقد. فلماذا سمحت بهذا أيها الشهرُ الكريم الذى ينتظرك فى مصر المسيحيُّ والمسلم؟!
فى مقالاتى وقصائدى أسميتُكَ: «شهرَ الفرح»، وأسميتُك «كونشرتو اسمه رمضان». قلتُ إن العارفين يقولون إن مَن لم يحضر شِطرًا من شهر رمضان فى مصر، فقد فاته الشىءُ الكثير. فهو شهرٌ لا يشبه أيَّ شهر آخر يمرُّ على مصر، ولا يشبهه أيُّ رمضان آخر يجولُ فى العالم. هذا الشهر الكريم يخرج عن كونه شهرًا دينيًّا، ليتحول إلى سيمفونية احتفال بالحياة. يتبارى فيه الأطفالُ والشيوخُ، وما بينهما من أعمار، ليجعلوا منه كونشرتو شعبيًّا يعزف الأوركسترا فيه سونتات فرح وولائم وزينات وأنوار وألوان وتزاوُر وصلات رحم وسهراتٍ لا يعرفها إلا رمضان. لا تكاد تعرف فيه المسلمَ عن غير المسلم. لأن المصريين على كافة عقائدهم وألوانهم وطبقاتهم المادية والاجتماعية والتعليمية يتسابقون فى رسم الفرح على الوجوه وعلى جدران الأبنية وسماوات الشوارع والأزقة والميادين. يتفق المسلمون، وغيرُ المسلمين، على أن لرمضانَ فى مصرَ طعمًا مميزًا، ونكهةً لا مثيلَ لها فى أى دولة أخرى. ما السبب؟ إنه سرُّ المصريين الخاص منذ آلاف السنين، قبل نزول الرسالات. تعويذةٌ تصبغُ الأشياءَ بلون مصر، وتسبغُ على الأيام طعمَ النيل. إنها فرادةُ المصريين فى صناعة الفرح، وامتلاكهم مَلَكةَ «الاحتفال». المناسباتُ الدينية لدينا هى مناسبةٌ للحياة. فتلتقى السماءُ والأرضُ فى قطعة موسيقية بديعة، ليست تشبه المقطوعاتِ السماويةَ الخالصة، ولا المعزوفات الأرضية الخالصة. مزيجٌ فريد. فقط فى مصرَ، يأتيك من السماء، صوتُ سيد النقشبندى عند الفجر يشدو: «قُلْ اِدعُ اللهَ، أو اِدعُ الرحمنَ، أيًّا ما تدعوه فله الأسماءُ الحُسنى»، ثم يأتيك عند المغرب شجوُ محمد رفعت مؤذّنًا؛ فلا تُخطئُ صوتَه بين ألف صوت عداه. تخرج، فتجد الشوارعَ غارقةً فى اللون والضوء والصَّخب. فكأنك فى عيد قوامُه ثلاثون ليلةً متّصلات، ليغدو أطولَ عيد فى التاريخ. الناسُ فى بلادى ساهرون لا يعرفون النومَ فى ليالى رمضان. يتجاوزون الفجرَ، وينتظرون حتى ينسلَّ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود. هو الشهرُ الذى لن تميّز فيه المسلمَ من المسيحيّ. فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ مصريٌّ، وليس دينيًّا وحسب. المسيحيُّ يصوم مع المسلم؛ لأنه يؤمن أنه لا يليق أن يشبعَ وأخوه جائع. وإن باغته أذانُ المغرب وهو فى الطريق، سيجد الصِّبيةَ والصبايا يستوقفونه على رؤوس الشوارع وتقاطعات الميادين مبتسمين يلوّحون له بالخير. يفتح نافذة سيارته ويتناول كأسَ العصير وحبّاتِ التمر لكى «يكسر صيامه». فإن قال لهم العابرُ: «شكرًا لكم بس أنا مسيحىّ!»، قد يُفاجأ بأغرب ردٍّ فى الوجود: «واحنا كمان مسيحيين، كل سنة وأنت طيب!» يحدث فقط فى مصر أن يقفَ شبابٌ مسيحيّون ليسقوا ظِماء الصائمين المسلمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم.
ونحن صغار، كنا نجمع قروشنا ونركض لنشترى الورقَ الملوّن والصمغ ومقصّات الورق البلاستيكية، بعدما نكون قد جمعنا عصوات الخشب طوال العام وخبأناها تحت أسرّتنا، ثم نسهر مع أطفال الحيّ لنصنع زينة رمضان والفانوس الكبير الذى سيُعلّق فى منتصف شارعنا. يتبارى أطفالُ كل شارع ليكون فانوسُهم أكبرَ، وزينتُهم أكثرَ أناقة وأكثفَ لونًا. لم ننتبه إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صانعى زينة رمضان كانوا مسيحيين. رمضانُ شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد مالكِ هذا الكون الشاسع؛ نعبده جميعًا، كلٌّ عبر رؤيته. ونحبُّ اللهَ جميعًا، كما أحبَّنا اللهُ وخلقنا وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى.
لا أعرفُ ماذا بوسعى أن أكتب لأضمّد جروح أشقائى المسيحيين هذا العام، لأن جروحى لا تجد من يضمّدها. لكننى أعرفُ أن دمَ المصريين الواحد، وعِرقنا العريقَ الواحد، ونسيجَنا الصافىَ الواحد، لن يعبثَ به العابثون. كل سنة وأنتم طيبون. كلُّ سنة ومصرُ، مصرُ.

د. عماد جاد - تحوّلات كبرى وخطيرة - جريدة الوطن - 29/5/2017

عاش المصريون حياة مشتركة حتى مطلع سبعينات القرن الماضى، كانت مساحة المشترك بين المصريين كبيرة جداً، وكانت مساحة الذاتى أو الخاص محدودة للغاية، تكاد تنحصر فى ممارسة طقوس العبادة، حتى الأعياد كان يجرى الاحتفال بها بشكل مشترك، وكان المصريون يشارك بعضهم بعضاً فى المناسبات الاجتماعية بل وبعض المناسبات الدينية، وسادت الأسماء المشتركة بين المصريين بحيث كان يصعب التمييز بين المصريين من الأسماء.
مع مجىء «السادات» إلى السلطة عام ١٩٧٠ بدأ التحول، حيث وظف «السادات» الدينَ فى خدمة السياسة، شكّل الجماعات الدينية وأمدها بالسلاح، قام بتديين المجال العام، وصف نفسه بالرئيس المؤمن، ومصر بدولة العلم والإيمان، سعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، بما فيها الحدود، لا سيما حد الردة، دخل عامداً فى صدام مع الكنيسة المصرية، وسحب غطاء الدولة من فوق رأس المسيحيين، فلجأوا إلى الكنائس للاحتماء بأسوارها والبحث عن الأمان بداخلها، ومن ثم أصبحت الكنيسة هى ممثل الأقباط أمام الدولة، وهى معادلة استقرت وباتت مفيدة لطرفَيها، فالدولة اختزلت الأقباط فى الكنيسة، والأخيرة مارست دوراً سياسياً حرصت على استمراره، وكان ضحية ذلك الدولة المدنية والنخب القبطية المدنية التى تعرضت للتضييق من قبل طرفَى المعادلة.
استمر الحال كذلك إلى أواخر عهد مبارك والبابا شنودة أيضاً، ففى أعقاب جريمة نجع حمادى فى ليلة عيد ميلاد عام ٢٠١٠، خرج الشباب القبطى إلى الشارع وبدأ فى التظاهر أمام مؤسسات الدولة طلباً لحقوق المواطنة، وفى أعقاب جريمة تفجير كنيسة القديسين ليلة رأس السنة، عبّر الشباب القبطى عن رفضه لمعادلة الدولة / الكنيسة، وبدأ يتجاوز الكنيسة، خرج خارج أسوارها وتحرك فى الشارع بقوة، وهو ما تبلور أكثر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث تجاوز دور الكنيسة بل وبدأ فى توجيه النقد لها، وللأجيال السابقة التى رأى أنها فرطت فى حقوقه كثيراً، لم يستمع إلى رجال الدين، بل لم يصغِ إلى مناشدات البابا شنودة فى أواخر أيامه، وبدأ يهاجم رجال الدين ودورهم فى ضياع حقوق الأقباط، طلب منهم العودة إلى كنائسهم وعدم ممارسة أى دور سياسى.
سعى أبناء هذا الجيل إلى ممارسة دور وطنى على أرضية المساواة وحقوق المواطنة غير المنقوصة، وشكلوا حركات وجماعات تعمل على انتزاع حقوق المواطنة الكاملة، مارسوا دوراً قوياً فى مواجهة حكم المرشد والجماعة وكان لهم دور فاعل فى تسيير المظاهرات وأعمال الاحتجاج ضد حكم المرشد والجماعة، وتحركوا بقوة من أجل التصدى لتجاوز الجماعات الدينية المسلحة، بل واجهوا سياسات المواءمة التى كانت تتبعها الكنيسة وتصدوا لها.
دعم أبناء هذا الجيل ثورة الثلاثين من يونيو وأملوا أن تنهى حالة الاغتراب التى تعرضوا لها والتهميش الذى عانوا منه وسياسات التمييز التى وقعوا ضحية لها، تحملوا آلام المرحلة الانتقالية التى شهدت حرق كنائس وقتل أقباط، مراهنين على تغير الحال مع استقرار الأوضاع فى البلاد، وعندما أدركوا عدم حدوث تغيير حقيقى، بدأ أبناء هذا الجيل فى التحرك خارج سياق المؤسسات، اتسمت ردود فعلهم على سياسات التمييز وعلى الجرائم التى تقع بحقهم والتجاوزات التى تمارسها مؤسسات الدولة، بالقوة بل ووصلت إلى مشارف استخدام العنف فى مواجهة العنف. ومع عدم تحسن الأحوال بدأ حديث هامس داخل تجمعاتهم عن سبل التعامل مع ما يجرى من جرائم واعتداءات فى ظل ما يرونه من خلل فى أداء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الداخلية، طرحوا أفكاراً كثيرة وصل بعضها إلى درجة الشطط، فإذا كان نجاح أى مجتمع يعتمد على درجة تماسكه، فالبيت المنقسم على ذاته يخرب، فإننى أحذر بوضوح من تبلوّر أفكار وتوجهات لدى الأجيال الجديدة من الأقباط باتت تتحدث عن حلول خارج سياق الإجماع الوطنى، حلول لم تكن مطروحة لدى الأجيال السابقة ولا كانت متصورة، فعدم الجدية فى التعامل مع مشكلات الأقباط وهمومهم سوف يضعف تماماً من قدرة الأجيال الأكبر على ضبط توجهات وأفكار الأجيال الأحدث، كما بدأ توجه لدى هذه الأجيال بتجاوز دور الكنيسة والبابا شخصياً، ومن ثَم يصعب ضبط توجهات هذه الأجيال التى ولدت فى أجواء طائفية ولم تعِش فى مصر وطن الجميع، اعتبروا هذا الكلام صرخة أو تحذيراً جدياً قبل فوات الأوان.

د. عماد جاد - الإرهاب بين الداخل والخارج - جريدة الوطن - 28/5/2017

حدث تحول فى الفكر الإرهابى، بحيث باتت العضوية فى الجماعات الإرهابية، والانتماء إليها افتراضياً، بمعنى أن التطور التكنولوجى، لا سيما فى الفضاء الإلكترونى، جعل الانتماء إلى الجماعات الإرهابية انتماءً فكرياً، وذلك بعد أن كانت العضوية فى هذه الجماعات تنظيمية، بمعنى أن كل جماعة تعلم بدقة عدد أعضائها، وأماكن وجودهم، وتتواصل معهم عبر تسلسل تنظيمى واضح، صحيح أن الكوادر والأعضاء ربما لا يعرفون القيادات العليا، لكن الأخيرة تعلم بدقة عدد الأعضاء وهوياتهم وأماكن وجودهم، ومن ثم عندما تريد استخدام أو توظيف أىٍّ منهم، تصدر التكليفات التى تنتقل إلى أسفل، وفق التسلسل التنظيمى. أما اليوم فقد تراجع الانتماء التنظيمى العضوى، فقط الإيمان بأفكار الجماعة أو التنظيم، ومبايعة الأمير أو الخليفة إلكترونياً، ثم القيام بأى عمل فى إطار عمليات «التنظيم».
وفق هذه الرؤية، بات الانتماء إلى الجماعات والتنظيمات الإرهابية فكرياً، والصلة إلكترونية، صحيح أن للتنظيم أو الجماعة مقرات قيادية ومصادر للتمويل، لكن الصحيح أيضاً أن الأنصار والموالين منتشرون فى مدننا وقرانا، وموجودون بيننا ويعلنون أفكارهم بكل وضوح.
مهم توجيه ضربات مباشرة إلى معاقل التنظيمات الإرهابية، لكن الأكثر أهمية هو التعامل مع الفكر الإرهابى، وفق منظومة متكاملة ترى الإرهاب وليد بناء فكرى وشبكة عضوية وأفراد يُنفّذون الأوامر والتعليمات، أو ينفّذون أعمال القتل، والتفجير والدهس، من تلقاء أنفسهم، مع إعلان الانتساب إلى «التنظيم» أو إعلان «التنظيم» مسئوليته عن هذه العمليات.
للإرهاب مكونات ثلاثة، الأول فكرى ومعرفى، والثانى انفعالى أو تحريضى، والثالث سلوكى أو القيام بالعمليات الإرهابية، وحتى تواجه الإرهاب لا بد من منظومة متكاملة تتعامل مع المكونات الثلاثة، فالمكون الأول، وهو الفكرى أو المعرفى يخص كل ما يجرى تدريسه فى البلاد فى مناهج التعليم المختلفة، كل ما يُدرس فى المعاهد الأزهرية، ومكونات العملية التعليمية المختلفة، وما يُنشر فى البلاد من أفكار ومفاهيم وما يُروج له رجال الدين. وهو مكون يحتاج إلى مراجعة شاملة من قِبَل الدولة. أما المكون الثانى، وهو الانفعالى أو التحريضى فيخص كل ما يُقال على المنابر وفى الفضائيات وجميع وسائل الإعلام، الخطاب الموجود فى المجتمع، وهو خطاب ينبثق من المكون الفكرى أو المعرفى، بمعنى حسب المكون الفكرى أو المعرفى يكون الخطاب السائد فى المجتمع، وإذا نظرنا إلى المكون الفكرى سوف نجده أحادى الوجهة من الناحية الدينية، فللدولة دين وطائفة تتبنّاها وتعمل على نشرها ومقاومة سواها من الأديان والطوائف، (انظر مادة الأزهر فى دستور البلاد الصادر عام ٢٠١٤)، الخطاب السائد تكفيرى يهاجم مباشرة الأديان والعقائد والمعتقدات الأخرى، بل يركز هجومه على المسيحية بشكل مباشر. أما المكون الثالث وهو السلوكى، ونعنى به قائمة من التصرفات والأفعال فتبدأ بالتجنّب والابتعاد عن الآخر المختلف، وتنتهى بالإبادة الجماعية عبر الاستهداف على الهوية بشكل جماعى، مثل التفجيرات الانتحارية والقتل العشوائى على الهوية.
المؤكد أن إقدام الدولة المصرية على شن غارات انتقامية على مواقع تنظيم داعش فى ليبيا أمر محمود، لكن الأكثر أهمية من كل ذلك بدء عملية شاملة لمواجهة الإرهاب فى الداخل، عملية تبدأ بالمواجهة الفكرية عبر إعادة صياغة كاملة لكل ما يجرى تدريسه، ونشره فى البلاد، لكل مناهج التعليم، ولجميع أدوات التنشئة المعروفة علمياً، وأيضاً مواجهة عمليات التحريض التى تتم ليل نهار، ومحاسبة كل المسئولين عن هذه الجرائم، وأخيراً العدالة الناجزة بسرعة صدور الأحكام على القتلة والمجرمين وتنفيذ هذه الأحكام دون إبطاء، لدينا حالة طوارئ سارية، ولدينا أيضاً حق إحالة الإرهابيين إلى المحاكم العسكرية، فلماذا إذاً الإبطاء؟

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (3) - جريدة الوطن - 28/5/2017

بدأ عنكبوت الجهل والتخلف ينسج خيوطه حول خلايا العقل ويخنقها عندما بدأت هذه الصيحة تتسرب برفق إلى أن فرضت نفسها وجثمت على أنفاسنا وأصبحت بديهية غير قابلة للنقاش، حدث هذا عندما احتفظنا بالنصوص فقط وليس بحكمة هذه النصوص، بالألفاظ فقط وليس بدلالة هذه الألفاظ، بالنتائج فقط وليس بالعلة التى أدت إلى استخلاص مثل هذه النتائج، ومثل هذه المقولة «لا اجتهاد مع وجود نص» «مقولة فضفاضة تحتاج إلى الضبط والتضييق»، الضبط يتأتى من الإجابة عن هذا السؤال، أى نص هذا الذى لا يجوز معه الاجتهاد؟، فالنصوص نوعان نص قطعى الدلالة ونص ظنى الدلالة، والاجتهاد ليس مجاله النوع الأول الذى لا يختلف الباحثون حول تحديد المراد منه مثل توحيد الله وفرضية العبادات والكود الأخلاقى العام، إلى مثل ذلك مما وردت فيه النصوص قطعية الدلالة، أما النصوص ظنية الدلالة فهذه هى التى يجب فيها الاجتهاد وبذل أقصى طاقات الجهد الفكرى وعدم الارتماء فى أحضان الشعارات البراقة حتى نخرج من أسر الكسل العقلى والترهل الفكرى الذى أُصبنا به منذ أن أُغلق باب الاجتهاد، ومن حكمة الله سبحانه وتعالى علينا أن جعل آيات الأحكام قليلة بالنسبة لآيات القرآن كله، والقطعية الدلالة قليلة جداً بالنسبة لظنية الدلالة، وكما يذكر الأستاذ أحمد أمين «هذه الآيات القانونية أو كما يسميها الفقهاء آيات الأحكام ليست كثيرة ففى القرآن نحو ستة آلاف آية ليس فيها مما يتعلق بالأحكام إلا نحو مائتين، وحتى بعض ما عده الفقهاء آيات أحكام لا يظهر أنها كذلك وليس عدها من آيات الأحكام إلا تجاوزاً»، وكما يقول الدكتور عبدالمنعم النمر عن هذه الآيات فى كتابه الاجتهاد «هذه الآيات منها آيات تفصيلية وآيات مجملة، ما هو قطعى الدلالة وما هو ظنى الدلالة، وحكمة الله سبحانه التى اقتضت أن تكون النصوص متناهية إزاء أحداث غير متناهية هى التى اقتضت أن تكون بعض الآيات مقررة لمبادئ وقواعد عامة يبنى عليها الكثير من التفصيلات وتتفرع عنها بما يصل إليه عقل الباحث وتقتضيه المصلحة، بل إن ذلك من مقتضى رحمته بخلقه، والأمثلة كثيرة على مثل هذا الاجتهاد وتملأ مجلدات وسنذكر منها النزر اليسير الذى يؤكد زيف هذه البديهية.
اجتهاد الصحابة:
1- سهم المؤلفة قلوبهم: وهو السهم الذى نص القرآن الكريم عليه فى آية توزيع الزكاة «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم» الذين كان الرسول يعطيهم وهم كفار متأرجحون حتى يكفوا عن المسلمين شرهم ويكسب ودهم وأوقف عمر بن الخطاب هذا الحكم وقال لاثنين تصدق عليهما أبوبكر بأرض اتباعاً لهذه الآية وقال لهما عندما تذمر إن رسول الله كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل وإن الله قد أغنى الإسلام فاجهدا جهدكم لا يرعى الله عليكما أن رعيتما»، وبهذا طبق الفاروق مبدأ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
2- تقسيم الغنائم: كانت الغنائم من الأعداء المحاربين تقسم حسب الآية الكريمة «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»، والباقى وهو الأربعة أخماس يوزَّع على المحاربين الفاتحين، وعندما نظر عمر فى خريطة الأرض المفتوحة ورأى أنها لو وزعت على الفاتحين لصارت ملكاً لهم ولورثتهم فكيف يكون حال أهلها وكيف يكون حال الدولة نفسها إذا احتاجت إلى مال لإدارتها؟، فقال باجتهاده وبصيرته النافذة «لا والله لا يفتح بعدى بلد كبير فيكون فيه كبير نيل (كبير النفع) بل عسى أن يكون كَلاً (عبئاً) على المسلمين، فإذا قسمت الأرض بعلوجها (أهلها) وأرض الشام بعلوجها فما يسد به ثغور؟ وما يكون للذرية بهذا البلد وبغيره من أرض الشام ومصر والعراق؟؟» وانتهى الأمر على ما رأى عمر برغم معارضة الكثير من الصحابة وصارت الأرض ملكاً للدولة بخراجها على قضاء مصالح المسلمين عامة، وهناك اجتهاد التابعين ومن أهم تجلياته توبة المحارب لله ورسوله قبل القدرة عليه، فأصل الحكم فى هذا موجود منصوص عليه فى القرآن «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، ولم يحدث طبقاً لهذه الآية فى أيام الرسول أن عاقب الحاكم جانياً محارباً تاب قبل القبض عليه وسلم نفسه معترفاً بذنبه، لكن عروة بن الزبير وهو من كبار فقهاء المدينة له رأى اجتهادى فى هذا خالف فيه ماكان مستقراً حسب نص الآية الصريحة، وقال «لو قبلت توبته وأعفى من العقاب لتجرأ المفسدون فى إفسادهم ثم سارعوا فسلموا أنفسهم وحدث من ذلك فساد كبير حتى ولو ردوا ما أخذوا من مال ولو عفا أهل المقتول فإن ترويع الآمنين باق وحق الحاكم باق».
هذه الأمثلة وغيرها أكثر لا تعنى تجاوز النص وإلغاءه وإنما تجاوز الحكم المستنبط منه والاجتهاد هنا اجتهاد فى مدى توافر الشروط اللازمة لإعمال هذا الحكم على النحو الذى يحقق حكمته وعلته والمصلحة المبتغاة منه فإذا توفرت الشروط فلا تجاوز للحكم، وإذا لم تتوافر أثمر الاجتهاد حكماً جديداً.

Saturday, May 27, 2017

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (2) - جريدة الوطن - 27/5/2017

«ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»
بما أن ما يؤرق المتأسلمين هم سياسى بالدرجة الأولى به من ألاعيب السياسة وحيلها أكثر مما به من سماحة الدين ورحمته، فإن الحكم يصبح هو الهدف والخلافة تصير هى الغاية، ولا بأس من وضع بعض الأصباغ الفقهية حتى يختفى الوجه الحقيقى خلفها ولا تظهر قبحه السياسى ودمامته الانتهازية، وليس أفضل من سلم النصوص للقفز على كراسى الحكم، ولا يوجد نص فى القرآن كله استخدم فى غير ما قدر له وما أنزل بسببه، وبكل انتهازية مثل هذا النص ولكى نفهم ما هو المقصود بهذه الآية وغيرها مما ورد فى سورة المائدة «فأولئك هم الكافرون.. فأولئك هم الظالمون.. فأولئك هم الفاسقون» لكى نفهم المراد من تلك الآيات لا بد أن نفهم أولاً كيف استخدم القرآن مصطلح الحكم، وماذا كان يقصد به؟ استخدم القرآن مصطلح الحكم بمعنى الحكمة أو القضاء.. قضاة الله أو قضاة القاضى رسولاً كان هذا القاضى أو غير رسول، ولم يستخدم بأى حال من الأحوال أو فى أى مواطن من القرآن الكريم بمعنى الحكم أو السلطة السياسية أو الخلافة أو الإمامة أو غيرها مما يستخدم فى أدبيات السياسة الحديثة، والاستخدام الأول بمعنى الحكمة يتضح من خلال آيات مثل «ففرت منكم لما خفتكم، فوهب لى ربى حكماً وجعلنى من المسلمين»، التى قالها موسى بعد أن قتل المصرى وفر من شرطة فرعون مصر، ووقتها لم يكن حاكماً على الإطلاق بل أوتى الحكمة.. ومثل الآية التى دعا بها إبراهيم «رب هب لى حكماً وألحقنى بالصالحين» أى هب لى كمالاً فى العلم والعمل، وغيرها الكثير من الآيات التى تؤدى مثل هذا الاستخدام (للاستزادة برجاء قراءة كتاب الخلافة الإسلامية لسعيد العشماوى).
الاستخدام الثانى بمعنى القضاء فهذا هو ما يهمنا، لأن البديهية الأولى التى نتكلم عنها تنتمى إليه، أما عن الاستخدام بمعنى قضاء الله فنذكر بعض الأمثلة التوضيحية على سبيل المثال لا الحصر «ثم إلىّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون»، أى القضاء فيما اختلفوا فيه من أمر الدين لا من أمور الدنيا والسياسة، «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم، إن الله يحكم ما يريد»، أى يقضى بما يريد من تحليل أو تحريم، أما عن الاستخدام بمعنى قضاء القاضى فالأمثلة كثيرة، فقضاء داود وسليمان يسميه القرآن حكماً عندما يقول فى سورة الأنبياء «داود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين»، بل إن القرآن ليحدد باللفظ الصريح أن معنى الحكم هو القضاء، وذلك عندما تتحدث آياته الكريمة فى سورة النساء فتقول «وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً»، ويتكرر هذا الاستخدام فى آيات قرآنية أخرى كثيرة وفى أحاديث نبوية شريفة وفى أبيات كثيرة من الشعر العربى القديم، أما البديهية التى نتكلم عنها والتى يعتبرها دعاة الدولة الدينية حصنهم المنيع، فإنها نزلت لسبب محدد، ولذلك فلكى يفهم معناها لا بد أن يعرف سبب نزولها، فلقد ذهب نفر من اليهود يحتكمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نزاع من نزاعاتهم، فنزلت هذه الآيات لتعالج لهم هذا الأمر الذى ذهبوا من أجله إلى الرسول يتحاكمون، فالواقعة قضائية بحتة والمقصود بها أهل الكتاب، كما يقول الطبرى فى تفسيره، ولا يصح أن نستنتج من خلالها نظرية الحاكمية الإلهية، التى يتحدث عنها المودودى المنظر الأول للجماعات الإسلامية، فيقول إنها «نزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدى البشر لأن ذلك أمر مختص به الله وحده»، إذن نحن أمام طمع سياسى يستخدم نصاً ولسنا أمام ورع إيمانى يستعطف رباً!.

د. عماد جاد - الحرب مع الإرهاب - جريدة الوطن - 27/5/2017

لم تكد تمر شهور على جريمتى كنيستى طنطا والإسكندرية، حتى وقعت جريمة «دير الأنبا صموئيل» بالجبل الغربى بمحافظة المنيا، فقد استهدف الإرهابيون أوتوبيساً يقل زواراً للدير وعربة نصف نقل تقل عمالاً تابعين للدير، المعلومات الأولية تقول باستشهاد نحو خمسة وعشرين مواطناً مصرياً قبطياً. لا مجال للحديث عن بشاعة الجريمة ونذالة الإرهابيين الذين يستهدفون الأقباط، وهم يصلون أو فى طريقهم لزيارة أماكن مقدسة، فالإرهاب يتسم بالخسة والجبن، يضرب ويهرب، ويستهدف مواطنين أبرياء من العزل.
المؤكد أن الإرهابى فاقد للحس الإنسانى تماماً، فقد زرعت فى رأسه أفكار روج لها قادة متشددون على مدار تاريخ، برروا قتل المخالف والمختلف، وروجوا بأنها مهمة مقدسة، وأن القائم بذلك سوف يكافئه الله ويدخله جنات يتمتع فيها بكافة المتع. الإرهابى نتاج منظومة فكرية جعلت همه الأساسى ليس الاجتهاد، وفعل الصواب لدخول الجنة، بل همه الرئيسى هو إثبات أن غيره سوف يذهب إلى النار، ومن ثم فإن مهمته الرئيسية هى دعوة المغاير لاعتناق ما يعتنق، وللاعتقاد فيما يعتقد، وإلا فإن الرد هو ممارسة سياسات التمييز والاضطهاد ضده وصولاً إلى قتله بشتى الطرق تقرباً للإله.
الإرهابى هو وليد نتاج فكرى جعله يكره الحياة ويقف ضد كل ما يسعد الإنسان على الأرض، نتاج فكرى يجعله يقف ضد كل منتجات المدنية الحديثة لإسعاد الإنسان، يكره الموسيقى التى هى غذاء الروح، يكره البهجة والسعادة، ينثر الكآبة ويعيش أجواء الدماء والأشلاء. نتاج فكرى يحط من قدر المخالف والمختلف، لا قيمة لحياة الإنسان لديه، لا يفرق بين شاب ناضج وشيخ عجوز أو طفل صغير، بين رجل وسيدة، هو يرى جميع المخالفين والمختلفين أعداء وجب قتلهم وقطف رؤوسهم وتفجيرهم حيثما كانوا فى بيوتهم، فى المسارح والسينمات أو فى دور عباداتهم.
الإرهابى إنسان تم غسل دماغه تماماً، فخرج خارج سياق الإنسانية تماماً، وربما خارج عالم الحيوان الذى لا يخلو من الرحمة بين أنواعه وسلالاته المختلفة، فتجد أسداً يعطف على عجل حديث الولادة ويحميه من أسود آخرين، وتجد نمراً يتولى رعاية قرد حديث الولادة بعد أن قتل القردة الأم وقبل أن يبدأ فى التهامها، فوجئ بالقرد حديث الولادة فتوقف عن التهام القردة الأم وتولى رعاية الوليدة. هناك عشرات الوقائع من عالم الحيوان التى تقول لنا إن هناك رحمة فى قلوب الحيوانات لم تتوافر لبشر باتت الدماء، والأشلاء مشاهد مفضلة لديهم، رؤية دم المخالف والمختلف، وأشلاؤه أمر يسعد الإرهابى نتاج الفكر المتطرف.
القضية أبعد كثيراً من المجال الأمنى الذى يتعامل مع السلوك الخارجى، ولا قدرة لديه للتعامل مع الأفكار المتطرفة والنوايا العدائية، ولذلك فإن دور الأمن هو التعامل مع الأعراض لا الأسباب، فالأخيرة وهى فكرية بالأساس تعود إلى أدوات التنشئة وإلى الواقع الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى البلاد وإلى دور رجال الدين بالأساس، تعود إلى ما يقرأ ويدرس الأطفال والتلاميذ وما يشهد الكبار ويسمعون، وهى مجالات تخص الحكومة ومؤسسات الدولة ككل، وإذا أمعنا النظر فى هذه المجالات والدوائر، فسوف نجد بداخلها من يحمل أفكاراً قريبة من أفكار الإرهابيين، فقد تم اختراق هذه المؤسسات والدوائر، كما أن بعض القائمين عليها هم نتاج نفس البيئة الحاضنة للفكر المتطرف الذى ينتج الإرهابيين.
إلى أن يحدث التغيير الجذرى الشامل فكرياً وثقافياً، لا بد من تفعيل قانون الطوارئ وتطبيقه على الإرهابيين من ناحية وسرعة صدور الأحكام وتنفيذها من ناحية ثانية، فالتعامل الجدى الفورى مع الإرهابيين أمر يمكن أن يساعد فى الحد من الجرائم، إلى أن تبدأ عملية التغيير والإصلاح الجذرى التى تتعامل مع الأفكار.

كويتية الجنسية.. مصرية الهوى! بتاريخ ٢٦/٥/٢٠١٧ وسيم السيسي - المصرى اليوم

 بدعوة كريمة من الشيخة عهود الصباح لإلقاء محاضرة عن «الحب والسلام» فى دولة الكويت بقاعة المؤتمرات بالزهراء. كان برنامج الدعوة زيارة مجلس الأمة صباحاً، وكم سعدت بجلسة برلمانية تألقت فيها النائبة الوحيدة: صفاء، كانت كالبحر تهدر فى بلاغة وسلاسة وقوة، يجب أن تشكل المرأة خمسين بالمائة من أى برلمان فى العالم. قابلت رئيس المجلس السيد مرزوق على الغانم، وكم كان حكيماً فى إدارته للجلسة، أخذنا صوراً تذكارية، وبعد ذلك كانت محاضرتى السابعة مساء 23/5/2017.
كانت صاحبة الدعوة تصول وتجول بين المدعوات فى رقة ورشاقة للترحيب والتنظيم، قالت لى: أفكر فى عمل صالون أدبى فكم أنا معجبة بصالون الأديبة الراحلة مى زيادة، قلت لها: ليكن اسمه «الصالون الثقافى» حتى يتسع للآداب والعلوم، قالت سوف نفكر فيما بعد. فى كلمات قليلة: هى قبضة حديدية فى قفاز حريرى، تقود من حولها بنظرة، وتصدر أوامرها بكلمة، وتحيط من حولها بدفقات من الحب والسلام.
تحدثت إلى الحضور:
لماذا تقع فى الحب «نظرية الفرد ديساييه»، وأن الحب ضرورة لأنه مادة حرمان، كاليود أو فيتامين «سى» ومادة الحرمان إذا نقصت من أجسادنا لا نحس بالحاجة إليها، ولكن حياتنا تضطرب اضطراباً شديداً، بينما الماء والغذاء والجنس ليست مواد حرمان لأننا نحس بالحاجة إليها.
حدثتهم عن التغيرات البيوكيماوية التى تحدث عند المحبين، ومنها الـP.E.A، أمفتامين، إندروفين، بيتوسين، أجسام المناعة فى لعاب المحبين، كما حدثتهم عن رائعة جان بول سارتر فى قصته: «لقد تمت اللعبة».. وخلاصتها أن الحب أعظم قيمة إنسانية فى الوجود. حدثتهم عن رأى العقاد فى الحب، وكيف أنه: عواطف الحب وليس بعاطفة الحب! لأن فيه حنان الأبوة ومودة الصديق، وضلال الحالم، وقلق الساهر، وفيه الصدق والوهم، الأثرة والإيثار، المشيئة والاضطرار، الغرور والهوان، اللذة والعذاب، البراءة والإثم... إلخ.
وخلاصة الخلاصة أن الحب قضاء وقدر! لأن الميلاد والحب والموت.. تملك الإنسان ولا يملكها الإنسان، وأن الحب مصيبة إذا كنت تحب إنسانة تريدها وهى لا تريدك، ولكنه أمنية عزيزة المنال إذا كان الروحان متجاوبين، ثق أنهما فى سهوة من سهوات العمر والأيام!.
حدثتهم عن سلام الكون القائم بين الشمس وكواكبها، وسلام المادة القائم على روابط الحب بين النواة وإلكتروناتها، ولما تدخل الإنسان فى مكونات الذرة، وخلق حالة الكراهية «الانشطار النووى» دمر هيروشيما ونجازاكى.
السلام الداخلى يأتى بحب الله وهو الإيمان، وحب الناس وهو عمل الخير، وحب الأقربين وهو الود والرحمة.
ذكرت لهم تجربة إيريك هولمز على مائة دجاجة تعيش فى سلام، حقن كل دجاجة بالهرمون الذكرى: تستوستيرون، تحولت الدجاجات إلى ديوك، وبدأ العراك المرير بعد السلام، فكان رأى هولمز أن الهرمون الذكرى هرمون حروب، ولن يهدأ العالم إلا إذا حكمته المرأة، لأن هرمون المرأة Constructive أى بنَّاء، وهرمون الرجل Destructive أى هدَّام.
وأخيراً حدثتهم عن السعادة وكيف أنها محصلة الحب والسلام، وفى أسطورة وليمة الشياطين، أراد إبليس سرقة أعظم ما عند الإنسان، لم يكن ثروته أو شهرته، بل كان سعادته! سرقوها، وكانت الحيرة أين يدفنونها؟.. فاستقر الرأى أن تكون فى أعماق قلبه، سيبحث الإنسان عنها فى المال، الجنس، الشهرة، ولن يجدها لأنها فى مكان لا يخطر على باله.. قلبه!!.
استمرت المحاضرة مع الحوار ساعتين، قالت لى واحدة أنا كويتية الجنسية مصرية الهوى، قلت لها: وأنا منذ الآن: مصرى الجنسية كويتى الهوى!!.

Thursday, May 25, 2017

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (1) - جريدة الوطن - 26/5/2017

دين أم تدين؟!، هذه هى مشكلتنا فى أى حوار حول ما يُطلق عليه تجديد الخطاب الدينى فى مصر، وهو اسم خادع للمفروض أن يُطرح، وهو تجديد الفكر الدينى، الدين هو الخطوط العامة والأحكام الأخلاقية والمانشيتات الأساسية والأفكار الكبرى والكود الضميرى والإطار الحاكم والمفاهيم الأولية، أما التدين فهو التفاصيل التى أضفاها البشر على تلك الأحكام الإلهية الأخلاقية العامة، من أضافوا وفصلوا وشرحوا وفسروا هم بشر فى النهاية، سواء ناقل حديث أو مفسر قرآن أو صاحب فقه، كلهم بشر لهم اجتهادهم فى إطار زمانهم ومكانهم وظروفهم، الله وضع إطار العدل كخط عام، كمانشيت، تأتى تفصيلة قطع اليد لتحقيق هذا العدل بنت زمانها ومكانها وظروفها القبلية وأساليبها العقابية المختلفة والتى من الممكن بل من الطبيعى والمفروض أن تختلف عندما يختلف الزمان والمكان والظروف، من المؤكد أن زمن سرقة الدابة أو الحرز مختلف عن زمن سرقة حسابات البنوك بالهاكر والباسوورد!، عندما يحتدم الجدل وتشتد حرارة المناقشة بين دعاة الدولة المدنية وبين دعاة الدولة الدينية يلجأ الطرف الثانى دائماً إلى إشهار كل أسلحته التى يدّعى أنها من البديهيات الدينية سواء كانت آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أحكاماً فقهية، وذلك لكى يفحموا الطرف الأول ويحسموا الصراع لصالحهم، وغالباً ما يؤثر دعاة الدولة المدنية السلامة إذا وصل النقاش إلى هذا الحد خوفاً من تهمة الكفر والإلحاد والازدراء، وهروباً من التراشق بالنصوص وما يليها من مآزق، ولأن دعاة الدولة الدينية أصحاب باع طويل ويد عليا فى هذا المجال فإن أى محاولة لاقتحام ملعبهم هى من قبيل الإمساك بجمر النار، ومع أننى من مؤيدى الحوار السياسى السياسى وليس الدينى الدينى؛ لأن طريقة الحوار الأولى تضيف إلى الرصيد وتمس المصالح وتكشف الغرض، أما الطريقة الثانية فتسحب من هذا الرصيد وتتلاعب بالمشاعر وتخفى الهدف، فإن هذا لا يضطرنا لأن نقف مكتوفى الأيدى أمام هؤلاء عندما يستخدمون هذه النصوص أو البديهيات لسبب بسيط جداً وهو أنها ليست ببديهيات، فالنص له عدة مستويات؛ الأول منها «النص فى حد ذاته» وهو البديهية التى نتعامل معها بكل إجلال وتبجيل، والمستوى الثانى فهم هذا النص بواسطة الفقهاء القدامى، والثالث استخدام هذا الفهم لإحراز انتصارات سياسية وإضافة قداسة دينية مطلقة على مصالح بشرية مؤقتة، وهذان المستويان الثانى والثالث من المفروض بل من الواجب مناقشتهما ونقدهما، الثانى مجاله النقاش النظرى، والثالث مجاله الساحة السياسية، إن ما يدعونه بديهيات ليس كذلك ومحاولة اكتشاف جذور البديهيات والأسباب التى قيلت فيها والملابسات التى أحاطت بها وحتى قراءة تفاسير وشروح القدماء الذين كانوا للأسف أكثر جرأة منا على تأويل النصوص والاجتهاد فيها بمعيار زمانهم، كل هذا لا يجعلنا نلجأ إلى التقية فى مناقشة هذه الأمور ولا إلى الخوف والفزع حين يلقى أحدهم فى مناقشته بمثل هذه النصوص، وهذه محاولة لمناقشة هذه البديهيات التى تمتلئ بها أدبياتهم وحواراتهم وكشف كم الخلط فى هذه البديهيات، ومقدار الزيف فى محاولة إقحامها بكل تعسف ولىّ لعنق الحقيقة انتظاراً لمكسب سياسى رخيص وزغزغة لمشاعر الملايين ممن افترسهم الجهل فأعماهم عن رؤية الحق، وعضهم الفقر فانجذبوا لحلم الآخرة الموعود، الذى سيعوضهم عن جفاف الواقع. ولنبدأ بأولى هذه البديهيات غداً إن شاء الله.

رامى جلال - مصر وعمى الألوان - جريدة الوطن - 26/5/2017

من المرجح أن هناك عدداً لا نهائياً من الألوان فى الكون.. والألوان منها ما هو أوّلى؛ وتلك لا يمكن الحصول عليها بعمليات خلط، بل توجد هى بنفسها وهى: (الأحمر، الأزرق، الأصفر).. وبخلط أى لونين مما سبق نحصل على الألوان الثانوية وهى: (الأخضر والأصفر والبرتقالى).. كما أن خلط لون أوّلى مع لون ثانوى، بنسب متساوية، ينتج لوناً ثالثاً، مثل ألوان: اللازوردى والنيلى.. ويمكن كذلك تصنيف الألوان بطرق عديدة أخرى؛ فهناك الألوان المحايدة، وهى: (الأسود، والأبيض، الرمادى).. والألوان الباردة التى تعبر عن الماء والسماء وهى: (الأخضر والأزرق والبنفسجى).. والألوان الدافئة التى تعبر عن النار والدم وهى: (الأصفر والبرتقالى والأحمر).
وكل ما سبق من خلطات هو خاص بالصبغات، أما إذا كنت تتحدث عن مزج الأضواء الملونة فإن نتائج مختلفة ستكون فى انتظارك (مثال: أضواء زرقاء وحمراء وخضراء ستُكون معاً ضوءاً أبيض، بينما صبغات التتابع اللونى السابق نفسه ستعطى خليطاً بنياً مائلاً للسواد).. هذا الثراء اللونى الفريد الذى قدمه لنا الخالق لم يكن شفيعاً للبعض ليفهم أن الحياة بُنيت على التنوع، وأن محاولة فرض لون واحد -أياً كان- هو جريمة فى حق الخالق والمخلوق.
البعض محروم من رؤية كل ما سبق وكأنه مصاب بداء «عمى الألوان»، وهو عدم القدرة على التمييز بين بعض الألوان أو كلها، وهو عادة ما يكون وراثياً، لكنه أيضاً قد يُكتسب بفعل التعرض لعدة عوامل.. وأخف أنواع عمى الألوان هو «ثنائى اللون» وفيه تُشل قدرة الإنسان على التفريق بين ألوان معينة (مثل: الأصفر والبرتقالى).. أما أخطر الأنواع فهو «أحادى اللون»، وفيه يعيش الإنسان -حرفياً- فى فيلم سينمائى قديم، لا يشاهد من حوله إلا الأبيض والأسود.. وظنى أن مصر تعانى الآن -بكل أسف- من هذا النوع الأخير.
فى مصر يُهمل البعض «دائرة الألوان» كلها، ويختارون عمى الألوان الأحادى؛ فالحياة عندهم إما بيضاء ناصعة أو سوداء حالكة، وهو تجاهل غريب لعدد لا نهائى من البدائل والاختيارات.. وحتى من يحاول الوقوف فى المنتصف، فى المنطقة الرمادية، أصبح يوصف بأنه بلا موقف، وذلك على الرغم من أن هناك تسع درجات على الأقل للون الرمادى، وكلها وسط بين بياض الثلج وسواد الليل. (ومن الناحية العلمية فإن كلاً من الأبيض والأسود والرمادى ليست ألواناً ويُطلق عليها «ألوان بلا لون»، وهذا موضوع آخر).
عمى الألوان يجعل مقاربة أى موضوع فى مصر غير منطقية؛ نُقحم الأخلاق فى السياسة والدين فى الرياضة والثقة فى الكفاءة والوطنية فى الإدارة. هذا العمى جعل اللغو يعلو فوق الفكر، والصراخ يتغلب على النقاش، وحولنا إلى كائنات هائمة سائمة لا تفكر أو تدقق أو تحقق فى أى موضوع، مما جعل الحياة ليست فقط كئيبة بلا ألوان، بل أيضاً مسطحة دون عمق.
عمى الألوان جعلنا نهتم بالعناوين دون المتون، والقشور دون البطون، بما يصاحب ذلك من إضاعة للوقت واستنزاف للجهد، وهى جرائم تعاقب عليها الإنسانية، ولا يرحم التاريخ مرتكبيها.. أوصلنا عمى الألوان إلى درجة أن أى مهاجمة لخطأ سيحولك عند مؤيدى السلطة إلى «خائن»، وأى تشجيع لصواب سيجعل منك لدى المعارضين «منافق».
لا يوجد علاج لعمى الألوان، ولكن هناك عدسات لاصقة ممكن أن تُحسن عملية التمييز، عدساتنا اللاصقة مكونة من الثقافة والاطلاع والمنطق والمعرفة والموضوعية وقبول الآخر، والتفهم أن حكمة الله فى كونه ألا نكون «عميان»، وإلا ما خلق سبحانه وتعالى كل هذه الألوان.

د. عماد جاد - ماذا تريد قطر؟ - جريدة الوطن - 26/5/2017

هى دويلة صغيرة للغاية فى الخليج العربى، شبه جزيرة، بمعنى أنها ليست جزيرة كاملة محاطة بالمياه من جميع الجوانب، فهى ملتصقة بالامتداد الأرضى لشبه الجزيرة العربية متواصلة مع المملكة العربية السعودية. تنفرد قطر من بين دول الخليج العربى بعدم استقرار السلطة من خلال الانقلاب على سلطة الأب، فعلها الأمير الأب على والده، وجرى انقلاب ناعم أو تغيير رأس النظام لمصلحة الأمير الحالى. ورغم أنها دويلة صغيرة فإنها تمردت على المساحة والمكانة وبدأت تبحث عن دور يتجاوز القدرات الشاملة وذلك عن طريق التمرد على التاريخ والجغرافيا، مستفيدة من تراكم مالى ضخم بفعل اكتشافات الغاز الهائلة. وظفت الإمارة الصغيرة إمكاناتها المالية الضخمة فى ممارسة سياسة خارجية خارج السياق الخليجى، تمردت على القيادة السعودية لمجلس التعاون الخليجى، أثارت مشاكل ترسيم الحدود، لم تغفر لمبارك دوره فى التحكيم الخاص بمنطقة حدودية، فقد أعلن سعوديتها بعد أن ارتضى الطرفان حكمه. أسست الإمارة الصغيرة منظومة إعلامية هائلة بدءاً بقناة ثم سلسلة قنوات الجزيرة باللغات المختلفة والمواقع الإلكترونية والصحف، استخدمت الرشاوى المالية المباشرة فى شراء الذمم فى كل المجالات، اتجهت إلى اقتناء اللوحات وقطع من التراث العالمى بأسعار باهظة، قامت بتجنيس لاعبين من شتى أنحاء العالم فى مجالات الألعاب المختلفة بحثاً عن ميداليات تسجل اسم الإمارة فى سجل الاتحادات العالمية، جنست أوروبيين وعرباً ولاتينيين فى شتى مجالات الألعاب. خاضت سباقاً شرساً للحصول على شرف تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، ودفعت رشاوى ضخمة حتى حصلت على ما تريد لتنظم بطولة كأس العالم لكرة لقدم الدورة بعد المقبلة أى عام ٢٠٢٢، وحصلت على ذلك بعد منافسة شرسة مع دول عريقة من أوروبية ولاتينية وآسيوية مثل الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.
رويداً رويداً كشفت الإمارة الصغيرة عن طموحاتها التى تبين أنها لانهائية وغير محددة بمجال معين، واضطرت فى سبيل ذلك إلى الدخول فى لعبة الجمع بين المتناقضات، ففى الوقت الذى وجهت فيه شبكة قنوات الجزيرة لتكون أبواقاً للحركتين القومية والإسلامية، منحت أكبر قاعدتين عسكريتين للولايات المتحدة ومنهما تم ضرب العراق واحتلاله عام ٢٠٠٣. وفى الوقت الذى استضافت فيه القاعدتين، نسجت شبكة قوية من العلاقات مع إيران وسوريا وحزب الله. وفى الوقت الذى كانت الجامعة العربية تربط التطبيع مع إسرائيل بالتسوية السياسية الشاملة، سارت الإمارة الصغيرة فى طريق التطبيع مع إسرائيل واستقبلت قيادات الدولة الإسرائيلية فى الدوحة علناً. ثم قبلت الإمارة بلعب دور «المحلل» لمخطط «الربيع العربى» وواتتها الفرصة كى تصفى حساباتها مع كيانات كبيرة فى المنطقة وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبدأت روابطها مع جماعة الإخوان المسلمين فى التبلور بوضوح، وقامت بالمشاركة فى تنفيذ المخطط الخاص بالشرق الأوسط الجديد، أو إعادة صياغة المنطقة بالكامل عن طريق تفتيت الكيانات الكبيرة، وسعت إلى استثمار الفوضى التى انتشرت فى المنطقة من أجل تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السلطة فى دول «الربيع العربى» ومن ثم حصول الإمارة على مكانة مميزة فى هذه الدول على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، لذلك وجدت قطر بقوة فى الدول التى عصف بها «الربيع العربى»، وجدت فى تونس، ومصر، وليبيا وسوريا بأشكال مختلفة وطرق متنوعة ضمن سياق إعادة تخطيط المنطقة بالكامل، وهو المخطط الذى تلقى ضربة قوية للغاية بفعل ثورة الثلاثين من يونيو فى مصر، وكان بداية تحول شامل.

د.وسيم السيسي مقالا بعنوان المعرفة الموسوعية.. «وسيم السيسى» نموذجاً - مصطفي الفقي - المصرى اليوم - 23-05-2017

لابد أن أعترف بانبهارى بكم المعلومات الوافية والتفاصيل الدقيقة التى يحوزها عقل أستاذ طب المسالك، والتى جعلته يستوعب تاريخ الأمم والممالك! ويدرك بفطنة كاملة طرفاً من معظم العلوم والفنون والآداب، إنه «وسيم السيسى»، الذى يبدو لى وكأنه دائرة معرفة متنقلة، بل يعيد إلى ذهنى نمط الشخصيات الموسوعية فى الحضارات المختلفة من نمط ابن سينا والفارابى وغيرهما فى التاريخ العربى، وقد كنت أتوهم فى البداية أن الرجل قارئ جيد لمراحل التاريخ الفرعونى وحده، ولكننى وجدت أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، بل إنه يصل إلى تذوق مماثل للحضارة الإسلامية، وهو المصرى القبطى الرائع، وقد استمعت إليه فى مناسبات مختلفة، وأدهشتنى قدراته، التى تجعل منه ذاكرة بشرية حية أحاطت من كل شىء علماً، وقد دعانى ذات مرة إلى صالونه الفكرى والثقافى متحدثاً، ووجدت لديه جمهوراً متميزاً ومريدين من طلاب المعرفة ومن المدركين لقيمة الرجل ومكانته، وهو يعلق على المحاضرة بدقة علمية وسرد فكرى يدعو إلى الإعجاب ويربط ربطاً ذكياً بين الأحداث ويتجول بين الحضارات فى رشاقة المفكر المتألق الذى يتنقل بين حدود الزمان والمكان، وهنا أستأذن فى أن أسجل نقاطاً ثلاثاً:
أولاً: إن ذلك النمط من الشخصيات الموسوعية قد بدأ يختفى من الحياة المعاصرة بدعوى المضى وراء منطق التخصص، مع الإحساس باتساع رقعة المعرفة وصعوبة السيطرة على أطرافها، وهو أمر صحيح فى ظاهره، ولكنه ينكر حقيقة أخرى مؤداها أنه لا تعارض بين أن يكون للمرء تخصصه الرأسى الذى يجيده ويتربع على عرشه وبين ثقافته الواسعة وإلمامه الأفقى بعلوم جديدة وأفكار مختلفة ورُؤىً متعارضة، فالقرار الإنسانى السليم هو ابن «جدلية المعرفة» ووليد الصراع الفكرى والعصف الذهنى، وأنا أظن هنا أن «وسيم السيسى» يجسد شيئاً كبيراً من ذلك.
ثانياً: إننى من المؤمنين بنظرية وحدة المعرفة، وأن مَن يدرك أركان المعرفة فى اتجاهات مختلفة هو أفضل بالضرورة ممن يحصر نفسه فى زاوية واحدة ويستغرق فى التفاصيل ويتوه فيها، فالمعرفة وحدة عقلية متكاملة غير قابلة للتجزئة، والذين لا يدركون هذه الحقيقة يعزلون أنفسهم عن متعة الرؤية الشاملة والنظرة المتكاملة، خصوصاً أن المعرفة هى أقوى أسلحة العصر وأشدها تأثيراً فى حياة البشر والصراعات المتعددة فيها.
ثالثاً: لقد اكتشفت من خلال قراءات امتدت بى من الطفولة حتى الآن أنه كلما زادت مساحة المعلوم فيجب ألا نتوقع أن تتراجع نسبة المجهول وفقاً لذلك، فالواقع أن الأمر يشير إلى شىء مختلف تماماً، فكلما زادت مساحة المعلوم اكتشفنا تلقائياً زيادة مساحة المجهول، وهذه ملاحظة خطيرة تُعتبر مفتاحاً أساسياً للمعارف المعاصرة والعلوم الحديثة، التى تولدت عن عملية تهجين بين بعض العلوم الأساسية، وخرجت بها إلى إطار مختلف، وأظن أن الدكتور «وسيم السيسى» قد أدرك ذلك مبكراً، فقام بعملية بناء ذاتى وحشد معرفى تمكن بهما من أن يكون هو ذلك المفكر الموسوعى الذى نراه، إن جدولة الذهن وترتيب الأولويات ووجود هيكل فكرى هى أمور تعين صاحبها على أن يترك بصمة فى زمانه ومكانه.
إننى أريد أن أسجل هنا أن عملية البناء الذاتى هى التى تجعل صاحبها متفرداً ومتميزاً ومختلفاً عن سواه، فالمفكر المصرى الكبير «عباس محمود العقاد» بنى مكانته على الجهد الذاتى فى التحصيل المعرفى، وينسحب ذات الأمر على كثير من مفكرينا وعلمائنا ممن استطاعوا فهم المتغيرات المحيطة وإدراك البيئة الثقافية والمناخ الفكرى، اللذين تتولد منهما الأفكار وتنبثق الآراء وتتكامل الرؤى، وأنا أظن أن الدكتور «السيسى» هو وريث للعبقرية المصرية التى يتطلع إليها الجميع، كما أنه سبيكة متفردة فى دراسات الحضارات وتاريخ الأديان المقارن، فضلاً عن الفهم المباشر لواقع الحياة، وأنا أظن أيضاً أن أستاذ الطب الجامعى كانت لديه نزعة وربما لاتزال، تجعله مشدوداً إلى إنجازات يسعى لتحقيقها وتفسير عدد من المواقف التى تحتاج إلى درجة عالية من الشفافية والتجرد حتى تتكون لدى المرء حصيلة ثرية من المعارف والعلوم، إننى أكتب اليوم عن «وسيم السيسى»، باعتباره- فى حد ذاته- ظاهرة تستحق الإشادة والتقدير وتقدم نموذجاً للأجيال الجديدة فى شخص مصرى متميز، لم يحجبه تخصصه العلمى الدقيق عن أن يمتلك نظرة أفقية ممتدة تربط الماضى بالحاضر وتوظفهما لخدمة المستقبل، إن هذا النموذج يطرح أمامنا وبقوة أهمية عصر المعرفة الذى نعيشه، واعتبار التاريخ الوطنى بل التراث الإنسانى مادة يمكن استخراج المواقف منها والبناء عليها.. تحية لباحث كبير تخصص فى طب المسالك، ولكنه تجاوزه للغوص فى أعماق التاريخ.. علم المهالك!.. تحية لعالِم ينقب فى التراث ويستخرج المشاهد الدالة على وحدة هذا الوطن وتماسك كيانه عبر العصور، وينسج فى عمق وبراعة من خيوطه المختلفة مسيرة للحاضر ورؤية للمستقبل، بل يزيد على ذلك متعة لقارئه وارتياحاً لمستمعه، ألم أقل منذ البداية إن «وسيم السيسى» موسوعى المعرفة يجسد حضارة المصرى القديم الذى يخاطب الأبناء والأحفاد؟.. إنه كذلك!

خالد منتصردمياط بين «أبوالمعاطى» و«أبوفاشا» - جريدة الوطن - 25/5/2017

كنت أتمنى من جميع الفضائيات المصرية عند زيارة الرئيس لدمياط أن تذيع أغنية «على دمياط»، تلك الأغنية الرائعة التى كتبها الشاعر الدمياطى الكبير طاهر أبوفاشا ولحنها سيد مكاوى، استمتاعنا بتلك الأغنية لن يكون مجرد استمتاع بأغنية عابرة، لكنه سيكون استمتاعاً بدمياط التى كانت، استعادة لدمياط التى لم تعرف الإرهاب ولا التطرف يوماً، لم تعرف إلا العمل والعرق والإنتاج، للأسف دمياط التى كانت ذات مزاج تنويرى متحرر متسامح مستوعب محتضن، صارت ذات مزاج سلفى وهابى متزمت، لاحظت هذا التغير منذ سنوات ورصدته لكنى لم أتخيل أن أرى بلد آبائى وأجدادى يوماً على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار تنمو فيها خلايا الإرهاب السلفية التكفيرية بهذا الشكل السرطانى، ومعها فى قريتى خصوصاً تجارة المخدرات!، يعنى بين شقى الرحى، مخدر دينى ومخدر تحشيشى ترامادولى، وأنا الذى شاهدتها فى السبعينات عروساً متحررة الضفائر تغنى للبحر والنيل وتحلم بالبهجة والانطلاق، لم أكن أتخيل يوماً أن البلد الذى أنجب أبوفاشا يخرج نائبه «أبوالمعاطى» ليطالب بمحاكمة نجيب محفوظ لأنه يحرض على الفسق، لذلك كنت أتمنى أن ننعش ذاكرة الدمايطة من خلال تلك الأغنية ونذكرهم بهذا العملاق الدمياطى «أبوفاشا» أستاذ فاروق شوشة الذى أثرى وجداننا بـ800 حلقة من «ألف ليلة وليلة» معظمها ليس من الكتاب الأصلى بل من نسج خياله الخصب، نذكرهم بمن كتب أغنيات فيلم رابعة العدوية التى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم وما زالت تعيش خالدة فى الذاكرة حتى هذه اللحظة، أسعدنى الحظ وقابلته عدة مرات فى أروقة الإذاعة وعرفت أنه كتب نحو 2000 عمل فنى للإذاعة التى كان يعشقها، هو نموذج لا بد أن نقدمه لشباب مصر لا لشباب الدمايطة فقط، فهو المزيج المصرى خفيف الدم اللماح الفنان الذى تعلم فى معهد الزقازيق الدينى، ولكن هذا التعليم الدينى لم يجعله متجهماً كئيباً، بل على العكس كان محباً للحياة والفن ولم يطرح يوماً أى سؤال أو مجرد شك فى أن الفن حرام!، تملك منه الحزن وانطفأت الابتسامة بعد رحيل زوجته وابنه الأكبر، فبدأ يدخل مرحلة اكتئاب حتى رحل عن دنيانا فى مثل هذا الشهر 1989، وأختتم ببعض كلمات تلك الأغنية أو الأوبريت الذى أرجو أن يصور تليفزيونياً لنراه جميعاً ونتذكر دمياط التى احتضنت «أبوفاشا» ولم تلفظ نجيب محفوظ، تقول الأغنية:
قالوا منين البلد أنا قلت دمياطى
وأبوالمعاطى نزيل أرضى ودمياطى
وأولادها عمال لهم آمال صنايعية
وأسطوات يا ولد ما يحطوهاش واطى
على دمياط هلى ها الله على دمياط هلى ها الله
على دمياط وهات لى العود أحييها بلحن جديد
د يوم دمياط هنا الموعـود ولما يعود يجيـنا العـيد
وأقول للنوتى ما تيللا م طاب الريح وقال يللا
على دمياط هلى ها الله
من الشرباصى للبركة وشى لله يا متبولى
وسوق الحسبة داله حسبة نسيتـها لما قولتو لـى
روايح الخمـس أهى هالله ونـور الفجر قام صـلى
على دمياط هلى ها الله
أنا عطشان بقى لى زمـان وهى فى الدلال سايقة
على دمياط
وترضى إزاى أبات عطشان وفيها الشيــخ على السقا
على دمياط
نظرة يا سيدى على السقا نظرة يا سيدى على السقا
على دمياط هلى هـا الله على دمياط هلى هالله


Wednesday, May 24, 2017

خالد منتصر - ليه المثقف دمه تقيل على قلب الدولة؟! - جريدة الوطن - 24/5/2017

أثناء قراءتى كتاب «الطريق إلى داعش» للكاتب الصديق «وائل لطفى» وهو كتاب مهم كتوثيق للتغيرات والتراكمات السلفية التى أدت بنا فى النهاية لهذا الوضع الداعشى الذى نعيشه، أثار أول فصل فى ذهنى علامة استفهام كبيرة، لماذا لا تثق الدولة فى المثقفين؟ لماذا مفيش استلطاف وبتعتبر دمهم تقيل على قلبها؟ لماذا هدف الدولة دائماً هو الاستخدام لهم وليس الاستعلام منهم، هو الرغبة فى التجنيد لا التجديد لتكون النتيجة التبديد؟! تبديد طاقة الدولة والمثقف على السواء، أتحدث عن المثقف زرقاء اليمامة لا المثقف تاجر الشنطة، المثقف الحقيقى المخلص وليس المشهلاتى مقاول الأنفار، فقد عرض وائل لطفى لدراسة مهمة كتبتها لجنة برئاسة الراحل د. إسماعيل صبرى عبدالله تجيب فيها عن سؤال مهم وهو: ماذا سيفعل الإخوان لو وصلوا للحكم؟ ولا بد للقارئ أن يندهش كيف كُتب هذا التقرير بتلك الدقة وكأنه كان يقرأ الغيب، لا بد أن تتعجب أن كل ما كتبه هؤلاء المثقفون قد حدث بالمللى وبتفاصيل التفاصيل فوتوكوبى!! فقيد اليسار العظيم د. إسماعيل صبرى ورفاقه فى اللجنة لم يضربوا الودع ولا حضّروا الجان ولا فتحوا المندل وقرأوا الكوتشينة، إنهم فقط مثقفون آمنوا بوطنهم وازدادوا حباً وعشقاً لترابه، هم قراء تاريخ بامتياز، ولكنها قراءة ما وراء السطور وخلف الأحداث ودلالاتها، وليست قراءة تاريخ دليل التليفونات وتسميع التواريخ وتمجيد القادة وترديد أسماء الغزوات والمواقع الحربية! لذلك كانت توقعاتهم مبنية على أساس علمى، لكن المهم ماذا فعلت الدولة بهذه الدراسة وتلك التقارير؟!! بدلاً من أن تدخل إلى مطبخ الحاكم لتبدأ خطة المواجهة على أساسها، تم فرمها فى ماكينة التجاهل ورميها فى سلة قمامة اللامبالاة ليتم التحالف السلطوى الإخوانى السلفى! إن الصفة التى أطلقها السادات على المثقفين نتيجة خلافاته مع هيكل واليسار المصرى، وهى صفة الأفندية الأراذل المشاغبين، فى مقابل ما كان يرسخه من مفاهيم للمثقف الصالح المطيع الوفى ويضعها وسط حزمة أكبر من عبارات تروج لترييف المدينة مثل أخلاق القرية وكبير العيلة والرئيس المؤمن وقانون العيب... إلخ، علاقة ملتبسة معقدة مركبة غير مفهومة ما بين الحاكم والمثقف، لو تمرد المثقف على الاستخدام الرئاسى وخرج عن قطيع الهتيفة المطبلاتية ماسحى الجوخ حاملى المباخر عبدة الأصنام، يصبح مصيره الطرد من الجنة والحرمان من دفء السلطة وفراش المناصب الوثير وحظوة القرب من مملكة الأمن والأمان والثروة والجاه والهيلمان، إسماعيل صبرى عبدالله نفسه، والذى كان رئيساً لتلك اللجنة، خرج من المعتقل هو وزميله العظيم فؤاد مرسى إلى الوزارة فى زمن السادات لأن الرئيس وقتها كان يظن أن الطريق إلى قلب روسيا يمر عبر جسر الماركسيين المصريين، وأنه من الممكن استئناسهم وإدخالهم إلى حظيرة السلطة التى يربى ويسمن فيها المثقف الداجن الأليف، ولأن إسماعيل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى ومن فى وزنهما الفكرى والثقافى كانوا يريدون العمل من أجل عيون هذا الوطن وليس من أجل عيون هذا الحاكم فقد انقلب عليهم السادات سريعاً وفض الشراكة الوهمية حين وجد عجينة هؤلاء مستعصية على التشكيل والتحويل من مثقف إلى صنايعى ومن مفكر إلى سمسار ومن صاحب رؤية لتاجر شنطة، فهل آن الأوان أن تستمع السلطة إلى المثقف ولو مرة، وتتركها من مسألة الاستلطاف والاستظراف تلك وتذهب إلى منطقة أكثر عملية وأعظم فائدة وأخلد وأبقى أثراً، وهى منطقة التفاعل مع المثقف والثقة فيه والإصغاء إلى ما يقوله وتحليله بجدية وعدم اعتباره متهماً حتى تثبت براءته أو بالأصح يثبت انسحاقه!!

د. عماد جاد - حسابات قمة الرياض - جريدة الوطن - 24/5/2017

عندما وُجهت الدعوة للرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور القمة الإسلامية العربية الأمريكية بالرياض، انتاب الباحثين والسياسيين قدر من الحيرة والقلق، فالدعوة الموجهة للرئيس تنطوى على كثير من المخاطر وقليل للغاية من الفرص، وكان السؤال: هل توافق على تلبية الرئيس الدعوة أم لا؟ وإذا شارك فى القمة ما هى الالتزامات التى ينبغى أن يبتعد عنها تماماً ولا يرتبط بها، وتلك التى يمكن قبولها والتعامل معها؟
بداية فإن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اختيار الرياض لتكون أول محطة خارجية له بعد انتخابه هو قرار جديد من نوعه، فالرئيس الأمريكى عادة ما يخصص أولى جولاته الخارجية لأهل الجوار فى كندا أو المكسيك، وعادة ما تكون وجهته بعد ذلك دولة أوروبية، أما ترامب فقد قلب الموقف تماماً وقرر البدء بالدولة التى ركز هجومه عليها إبان حملته الانتخابية مطالباً إياها بسداد ثمن الحماية الأمريكية التى لولاها -حسب قوله- ما كانت هناك مملكة عربية سعودية، وقرر أيضاً أن تكون إسرائيل وجهته الثانية، ومن الرياض مباشرة، فى أول رحلة طيران مباشر من الرياض إلى تل أبيب. ومن ثم فالقرار محسوب بدقة شديدة، وعدم مشاركة الرئيس المصرى سيكون رسالة سلبية للرئيس الأمريكى الذى كثيراً ما تحدث عنه وعن مصر إيجابياً. أيضاً فإن الرياض، وفى نشوة الانتصار الشكلى الوقتى، سوف تعتبر عدم مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى خطوة سلبية تجاهها فى وقت لا تحتاج فيه علاقات البلدين المزيد من التوتر.
إذن كانت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة الرياض ضرورية، وفى نفس الوقت كان التحدى الجوهرى هو عدم تورط مصر فى أية التزامات تعاقدية تتورط بموجبها القوات المصرية فى عمليات عسكرية خارج الحدود، كما كان التحدى أيضاً كيف تنجو مصر من تبلور نمط من التفكير يبحث عن تشكيل حلف عسكرى سنى يكون موجهاً ضد إيران وغيرها من المراكز الشيعية فى المنطقة مثل العراق وسوريا الأسد، لا سيما أنه لا توجد مصالح مصرية مباشرة فى هذه القضية، إضافة إلى إدراكنا التام أن واشنطن تنفخ فى الخطر الإيرانى حتى تهرول إليها دول الخليج وتدفع ما سماه ترامب «ثمن الحماية».
نجح ترامب فى جنى الثمار التى أرادها من رحلته إلى المنطقة بدءاً بالرياض، فقد بلغت حصيلة العقود التى أبرمها الرجل خلال الزيارة ٤٦٠ مليار دولار (أربعمائة وستون مليار دولار) ومن ثم حقق ما سبق ووعد به ناخبيه بأنه سوف يحصل على الأموال من دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وأن هذه الأموال سوف تساعد فى حل مشاكل الاقتصاد الأمريكى.
كانت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى موفقة للغاية، وألقى كلمة قوية اتسمت بالصراحة الشديدة وكشف الحقائق أمام الجميع، فقد طرح رؤية شاملة لمفهوم الإرهاب تضع الذى يقوم بالتمويل وتجنيد المقاتلين والتسويق لهم إعلامياً فى خانة الإرهابى، فالإرهابى ليس هو من يحمل السلاح فقط، وكانت الرسائل واضحة وكان كشف الدورين القطرى والتركى مهماً للغاية وعلى مسمع من الرئيس الأمريكى.
وإذا نظرنا إلى ما جرى خلال الزيارة ككل، أتصور أن تغييرات جوهرية مقبلة فى المملكة العربية السعودية بعد أن كسرت زيارة ترامب وزوجته وابنته الكثير من «المحرمات» التى عاشت عليها المملكة طويلاً، وسوف تغير من دورها كثيراً، والأهم من كل ذلك أن مشاركة الرئيس السيسى حققت الهدف منها، وهو الحد من خسائر الغياب وتكاليفه إقليمياً ودولياً.