Translate

Saturday, April 29, 2017

الطبيعة خرساء والموسيقى تنطقها! بقلم د. وسيم السيسى ٢٩/ ٤/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

إن كان للأوتار أن تنحنى احتراماً فهى لمصر! وإن كان لأصابع البيانو أن ترقص فرحاً فهى لمصر! الحكيم المصرى حوتب قال: الطبيعة خرساء، والموسيقى تنطقها! جاء هيرودوت إلى مصر، فإذ به يسمع نفس الألحان التى كان يسمعها فى اليونان! جاء أفلاطون فقال لليونان: علموا أولادكم الموسيقى المصرية فهى أرقى أنواع الموسيقى، علموهم كيف يتذوقون من مصر الفنون، ثم بعد ذلك أغلقوا السجون!
عرفت مصر السلم الثلاثى ثم الخماسى ثم السباعى فى الدولة الحديثة، كما عرفت أن لغة الملائكة هى الموسيقى، والتواصل معها يكون بالسلم الموسيقى.
اخترعوا الآلات الوترية كالهارب، العود، القيثارة، كما اخترعوا آلات الإيقاع كالصاجات، الصلاصل «الستروم»، الطبول، كما اخترعوا آلات النفخ كالناى، والبوق، والمزمار المزدوج «الأولوس». كانت الأوتار تصنع من ألياف نباتية أو جلود الحيوانات أو أمعاء القطط بعد موتها Cat Gut.
كانت الفرقة الموسيقية مكونة من ثلاثة: المغنى، عازف الهارب، عازف الناى، كما كان الملحن يسمى: ابن الأبدية، الموزع: رب النظام والتوافق.
يذكر لنا الفرنسيان FETIS، فيكتور لورى: عرفت مصر القديمة الربع، النصف، والكامل من الطنين وهو الـTONE، كما عرفوا البريتون، الباز، التينور، وأطلقوا عليها: الفيضان، الزراعة، الحصاد وهى الصادح الآن.
كانت الأغانى جميلة.. إليكم واحدة منها:
املأ قلبك بالحب
لا تنم على كراهية أو غيظ
افرح مادمت حياً
احتفل بيومك السعيد
فلن يأخذ أحد من متاع الدنيا شيئاً.
اتصلت الموسيقى بالرقص فى كل فرع من فروع الحياة، لدينا جدارية لصبى فى العاشرة، مصاب بشلل فى ساقه اليمنى، وكعلاج طبيعى لعضلات الساق يرقص على أنغام الموسيقى.
كانت الموسيقى أثناء الصلاة، وعند تقديم القرابين، وأثناء الولادة، وختان الذكور، وفى حفلات الأفراح، والصيد، والمرض، والحروب، ورمى البذور فى العاشر من ديسمبر «عاشوراء»، وحتى الحصاد وأخيراً الموسيقى الجنائزية.
كان لكل آلة موسيقية أسطورة جميلة، أقص عليكم قصة العاشق الأخرس، وكان اسمه «آى نا».
أحب «آى نا» أميرة تسكن على شاطئ النهر، كانت تطل من شرفة قصرها، ولا يستطيع «آى نا» أن يعبر لها عن حبه، فكان يبكى، فظهرت له ربة السماء نوت، وأعطته بوصة من على النهر، وقالت له:
إذا ظهرت الأميرة، اذهب إليها تحت شرفتها، وانفخ فى هذه البوصة، وضع فيها كل مشاعرك!
انتظر «آى نا» حتى ظهرت الأميرة، جرى إليها، وضع كل مشاعره فى الهواء الخارج منه إلى هذه البوصة، سالت دموعه مدراراً على البوصة فكانت ثقوباً خرجت منها أول ألحان الحب للوجود!
سعدت الأميرة بهذه الألحان الشجية، وابتسمت له، ظهرت ربة السماء نوت وقالت له:
لقد خرجت أول ألحان للحب من هذه البوصة يا «آى نا» لذا سأجعل اسم هذه الآلة الموسيقية على اسمك، وتكون اسمها ناى!
تذكرت بيتهوفن القائل: إذا عجزت الكلمات عن التعبير عن الحب، نابت عنها الموسيقى فى التعبير للمحبوب.

خالد منتصر - وآدى شعرك اللى انتى فرحانة بيه!! - جريدة الوطن - 29/4/2017

بهذه الجملة المليئة بالغل والكبت والحقد والحرمان، أنهت السيدة المحجبة مهمتها الإيمانية الجهادية بقص شعر البنت غير المحجبة بـ«الكتر» فى عربة السيدات فى مترو الأنفاق، تلك العربة التى لا توجد إلا لدينا نحن الشعب المصرى المتدين بطبعه وصاحب أعلى نسبة تحرش فى العالم!، وآدى شعرك اللى إنتى فرحانة بيه، وضعت النقط على الحروف وأكملت المشهد وأسدلت الستار على سبب سيكولوجى دفين من أسباب الصراع فى قضية الحجاب، هذا الصراع الذى يتخذ غطاء دينياً يستر أسباباً اجتماعية دفينة تفسر شراسة الدفاع عنه، ذلك الدفاع الذى يخرج فى هذا الشكل العدوانى أحياناً، ولكنه غالباً يتخذ شكل الكراهية والاستعلاء من المحجبة تجاه غير المحجبة، فالأولى ضمنت الجنة والثانية سافرة مكانها فى قاع جهنم عقاباً على خصلة الشعر التى فتنت الذكر السائل لعابه الهشة إرادته الهائجة غريزته بشكل مزمن مدمن مستمر!!، بدأت سيدات وبنات كثيرات فى مراجعة مسألة الحجاب بعد أن ارتدينه لسنوات طويلة نتيجة إما العادة وإما قهر الأهل وإما الخوف من صور العذاب المرعبة التى تنتظر البنت السافرة والمكتوبة فى الكتب التى توزع مجاناً فى المدارس والجامعات، هذه الظاهرة أزعجت التيار الإسلامى الذى اعتمد، كما اعترف عصام العريان نفسه بأن خطوة تحجيب بنات الجامعة كانت أهم خطوة اعتمد عليها الإخوان فى السيطرة على مفاصل المجتمع، فصار رمزاً سهل التمييز وراية إعلان قوة فى الشارع، وصارت بعض السيدات اللاتى لا يستطعن إعلان أنهن خدعن كل تلك الفترة يعشن فى صراع، وبدلاً من أن يظل الصراع فكرياً أسير المناقشة والتحليل الهادئ، تحول إلى طاقة غضب وشحنة عنف، ولأن المرأة، بل الإنسان عموماً، لديها غريزة الاستحسان الاجتماعى، وهى تعرف جيداً أن الشعر يكمل جمالها ويتمم حسنها، وأنه ليس مصدر فتنة أو إغواء، وأنها لا تحمل بيت دعارة فوق رأسها، وأن الرجل الذى يثار من خصلات شعر امرأة، فمكانه عيادة الأمراض النفسية، لأنها مقتنعة بكل هذا أو على الأقل فى شك من أن الحجاب بكل هذه القداسة التى جعلت المجتمع يتحدث عنه على أنه فريضة سادسة!، ولأنها رافضة أن تعلن أنها قد انضحك عليها وظلت نصف عمرها مقتنعة بأن تلك الطرحة هى صك الغفران وكارنيه الفردوس، ولأنها لا تستطيع اعتبار أمها أو جدتها التى عاشت 90% من حياتها دون حجاب كافرة، ولأنها أيضاً قد ملت من سماع صديقاتها وهن يجاملنها «ده إنتى بالحجاب أجمل» أو «ده حياكل منك حته» أو «ده وشك نور وبقيتى ملاك».... الى آخر تلك الكلمات التى هى متأكدة أنها للاستهلاك المحلى ولتحلية البضاعة ولاستكمال صمودها فى تلك المهمة الجهادية التى لا يستسيغ عقلها أن الله جل جلاله وعظمت قدرته وتقدس اسمه يأمر عباده من الرجال فى كل زمان ومكان أن يفرضوه على النساء كفريضة سادسة، بل وفى بعض البلاد يلاحقهن بالعصى لضربهن لو كشفن خصلة منه!!، لم نصل إلى موقعة «مترو الأنفاق» وسلاح الكتر إلا بعد مشوار طويل من تغول واستئساد السلفيين وجبن وطناش الدولة، السلفى تديه صباعك ياكل دراعك، تمنحه متر مربع سيطرة يطلب فداناً بوضع اليد أو بالأصح بوضع الدقن!، هكذا بدأت تلك اللعبة الجهنمية التى تتحمل مسئولية تحولها إلى جريمة فى المترو الدولة نفسها، البداية جدار مكتوب عليه الحجاب قبل الحساب، والنهاية عملية جز شعر بكتر فى وسيلة مواصلات!، مروراً بفرض حجاب على بنات المدارس بالعافية، ثم ضرب طالبة وصفعها بالقلم، ثم قص شعرها فى الفصل، ثم كوافير محجبات وكافيهات محجبات ومانيكير محجبات وبيوت أزياء ومحلات ملابس محجبات.. إلخ، المحجبة حرة فى ارتداء ما تريد على شعرها، ولك مطلق الحرية فى ذلك كطريقة زى تفضلينها، وليست كطريقة عبادة تفرضينها!، لكنها ليست حرة فى أن تكون تلك القطعة من القماش أداة استعلاء دينى وكارنيه فرقة ناجية وأسلوب تمييز عنصرى، وراية تيار سياسى يدعى أنه صاحب التوكيل الإلهى والاحتكار الحصرى للسماء.

خالد منتصر - مصر السلفية تحارب الأعمال السفلية - جريدة الوطن - 29/4/2017

ما حدث فى كفر الشيخ وأسيوط من حرائق يعتبر كارثة، ومحاولة تفسير هذه الحرائق بأنها مؤامرة من الجن كارثة أكبر!!، التفاصيل المكتوبة فى التحقيق الصحفى، الذى أجرته جريدة «الفجر» يشير إلى أن عقل مصر فى خطر، وأن مجتمعنا يعيش حالة دروشة دينية وهرتلة فكرية وسيطرة سلفية تجاوزت مرحلة الهلاوس والضلالات ومسامرات عنبر الخطرين بمراحل!!، إنها ملحمة عته ودراما غيبوبة ساهم فيها ورسخها الإعلام ببرامج ريهام سعيد ود.عمرو الليثى، التى كانا يستضيفان فيها الجن وضحاياه على الهواء مباشرة!!، ملحمة فيها الفلاح الغلبان وعضو البرلمان المنتخب وضابط الشرطة المحتاس وشيخ الأوقاف الضعيف والمحافظ المقتنع والسلفى المستفيد، جدارية تضم كل ألوان الرداءة الثقافية وظلال العفن الفكرى وملامح السرطان الذى ينخر فى فصوص مخ مصر ونخاعها الشوكى الذى افترسه فيروس الوهابية السحائى!!، التفاصيل كوميديا سوداء ومسخرة كحلى تصل إلى حد الرعب، أصابع الاتهام فى البداية أشارت إلى وزة اصطدمت بباب أول بيت احترق!، أما العمدة فى كفر الشيخ فأكد أن شاباً حضّر جناً ولكنه لم يستطع صرفه، وأن الجن غاضب من التنقيب عن الآثار فى القرية، وكأنه جن ماركة زاهى حواس، أو عفريت موظف فى هيئة الآثار!!، أما المعالج الروحانى الذى يسيطر على القرية ومستشارها فى عموم ديوان الحرايق ورئيس قلم الولعة، فقد أبلغ الأمن بأن السبب هو أعمال سفلية تمت عن طريق أشخاص نجسة، المهم أن الأمن قد تعامل بجدية مع هذا البلاغ الروحانى والآن يمشط المنطقة بحثاً عن الأعمال السفلية مصحوباً بأسلحة الليف الموجه ومفرقعات الصابون لتطهير وحموم الشخصيات النجسة!، أما أخطر مشاهد العبث الكوميدية فقد كان مشهد مطاردة السكان للكلاب التى يتلبسها الجن وتنفيذ الأوامر السلفية لدرء الأعمال السفلية برش الملح على جسد الكلب فيحترق!!، مجرد حرق لعلاج حرق أكبر من باب: «داونى بالتى كانت هى الداء»!!، ، أما فى أسيوط فقد كانت المواجهة حاسمة وقوية والتخطيط كان عظيماً ويدعو للفخر، فقد استدعى عضو مجلس النواب أشهر «فكّاك أعمال سفلية» من المنيا خصيصاً لإطفاء الحرائق، ووزع عشرات من مشايخ السلفيين هناك كتيبات لمكافحة الجن بالقرآن!!، برغم كل تلك التحركات الرهيبة التى شملت توزيع الرقية الشرعية ورش الملح على كلاب البلد وتشغيل شرائط السديسى والحذيفى أثناء سرقة الآثار، برغم كل هذا الجهد الرهيب، فإن المسئولين فى المحافظتين لم يبحثوا قضية هامشية تافهة وهى أن أقرب وحدة مطافى على بعد عشرة كيلومترات، ولو وصلت عربية المطافى أصلاً لن تستطيع الدخول إلى تلك القرى من ضيق شوارعها وعشوائية أزقتها، وبدلاً من البحث العلمى عن أسباب تلك الحرائق، اخترنا الحل السهل المريح وعلقناها على شماعة الجن، نحن ما زلنا لم نبرح مقاعد زمن الحملة الفرنسية بعد حين كانت القنابل تنهمر على القاهرة والمشايخ يهرولون فى الشوارع صارخين بدعاء: «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف».

عبقريتان جديدتان: شم النسيم فى الجونة بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٩/ ٤/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

فى كل مرة أقضى عطلة فى مُنتجع الجونة، على البحر الأحمر، أجد ما هو جديد. فقد اتسع المُنتجع، وتمدّد فى كل الاتجاهات. حتى تحوّل إلى مدينة مُتكاملة، نما عدد سُكانها من عدة مئات فى أول مرة زُرتها منذ رُبع قرن إلى حوالى مائة ألف فى الوقت الحاضر (٢٠١٧). وفى المرة الأولى كان بالجونة فندق واحد (براديسيو)، ذو أربعة نجوم. أما الآن فيوجد ما لا يقل عن عشرين فُندقاً، من مُختلف المستويات، بما فيها فروع لكُبريات الفنادق العالمية ـ مثل الهيلتون، والشيراتون، والماريوت، وهوليداى إن.
وقد أصبحت الجونة مقصداً سياحياً للمصريين والأوروبيين على السواء. وقد لاحظت هذه المرة العديد من الشباب الآسيوى، وخاصة اليابانى والصينى، وهو ما يبدو أنه عوّض عزوف السُيّاح الروس عن مواصلة المجىء إلى هذا المُنتجع، منذ حادث الطائرة الروسية قبل ثلاث سنوات.
ولدىّ، شخصياً، اهتمام بالغ بالنمو العمرانى على ساحل البحر الأحمر والساحل الشمالى، وشبه جزيرة سيناء. فقبل أربعين عاماً، طلبت منى إحدى منظمات الأمم المتحدة أن أقوم بدراسة لإعادة توزيع السُكان فى مصر. فقد كان ٩٦ فى المائة من سُكان مصر يتكدّسون فى الوادى والدلتا ـ أى فى خمسة فى المائة من مساحة مصر.
وبعد دراسة مورفلوجية لمصر فى ذلك الوقت هدانى تفكيرى إلى اقتراح المحاور الثلاثة المذكورة أعلاه. وكان أسرعها إلى حيز التنفيذ هو الساحل الشمالى ـ لقُربه من الإسكندرية وليبيا. وتلاه فى هذا الصدد ساحل البحر الأحمر، الذى بدأ تعميره بواسطة عائلتين رأسماليتين عِصاميتين، هما أسرة أونسى ساويرس السوهاجية، وأسرة حويدق الدقهلاوية.
واقتصر دور الدولة المصرية فى كلتا الحالتين على توفير البنية الأساسية من طُرق ومرافق. ولكن التخطيط الداخلى لكل قرية سياحية أخرى، مثل الجونة كان مسؤولية المُخططين والمُهندسين المعماريين المصريين. ولم يتردد أصحاب تلك القُرى عن الاستعانة ببيوت الخبرة الدولية، وخاصة الإيطالية والسويسرية والإسبانية. فجاء المُنتج النهائى لتلك القُرى، على أعلى مستوى عالمى، دون أن يفقد أو يتجاهل الطابع المصرى. من ذلك أن عدداً من عباقرة العمارة المصريين ـ مثل حسن فتحى، وسيد كريم، وعبدالباقى إبراهيم، وعبدالحليم عبدالحليم، وصلاح حجاب، هم وتلاميذهم قد أسهموا فى تصميم الجيل الأول من تلك القُرى السياحية، واحتفظت لها بالطابع المصرى المتنوع.
وحتى أسماء القُرى السياحية على الشريط المُمتد من الزعفرانة عند خليج السويس، إلى مرسى مطروح، قُرب حدود مصر مع السودان الشقيق، هى ترجمة لهذه النهضة العمرانية السياحية.
واللافت للنظر أنه رغم الكساد المؤقت للسياحة الأوروبية فى أعقاب حادث إسقاط الطائرة الروسية، فإن سياحة داخلية، من طلبة المدارس الثانوية والجامعات، وكذلك تشجيع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، أبقيا على حد أدنى من الدماء فى شرايين صناعة السياحة بمُنتجعات البحر الأحمر وسيناء.
وكانت عطلة أعياد الربيع وشم النسيم بمثابة قُبلة حياة لتلك المُنتجعات السياحية. وأظن أن عشرات الآلاف الذين زاروها لأول مرة، سيكونون خير دعاية وترويج لتلك المُنتجعات. فهى تتمتع جميعاً بجمال التخطيط، وسهولة الوصول ـ براً وبحراً وجواً. فالأغلبية التى تأتى إلى هذه المُنتجعات من أبناء الوطن، يأتون بسياراتهم الخاصة، أو بالحافلات. ولكن اللافت للنظر أيضاً أن مطار الغردقة الجديد، هو ذو مستوى دولى رفيع، ويستقبل كلا من رحلات الطيران الداخلية، والطيران العارض (Charter)، وكذلك خطوط الطيران الأوروبية والخليجية الرئيسية.
بل إن رحلات الطيران الداخلية من القاهرة والإسكندرية فاقت الثلاثين رحلة يومياً. وهو أمر غير مسبوق. وقد فهمت من المسؤولين فى مطار الغردقة الذى تم توسيعه وتجديده منذ عامين، أنه أصبح لا يستطيع أن يواكب زيادة الطلب على خدماته، سواء من الطيران المحلى (مصر للطيران)، أو من شركات الطيران العالمية.
ولذلك بدأت الدولة فى إنشاء مطار جديد ذى كفاءة تصل إلى أكثر من خمس مرات لكفاءة المطار الحالى.
كذلك لاحظنا مواكبة حركة بناء الفنادق، فبعد فندق واحد، قبل ثلاثين عاماً، وهو فندق براديسيو، أصبحت الغردقة وحدها تضم ما يزيد على عشرين فندقاً، من مختلف المستويات، بدءاً من الفنادق الشبابية ذات النجمة الواحدة، إلى أفخم فنادق الخمسة نجوم.
هذا، غير المواقع التى خصصتها مُحافظة البحر الأحمر ومدينة الغردقة للمُخيمات الشبابية، والتى يتردد عليها من الشباب الأوروبى بقدر ما يتردد عليها من الشباب المصرى، أو حتى أكثر كثيراً.
أما العبقرية المصرية الثانية فهى تتجلى فى عيد شم النسيم نفسه. فهذا، هو العيد المدنى المصرى الفريد، لأنه غير عيدى الفطر والأضحى عند المسلمين، وغير عيدى الميلاد، والقيامة عند الأقباط، فهو عيد مشترك للمسلمين والأقباط. وهو بذلك يُعتبر عيداً حقيقياً للوحدة الوطنية. وفى الجونة كان الاحتفال بعيد شم النسيم حافلاً وبهيجاً، رغم مُحاولات الإرهاب والإرهابيين إطفاء وتدمير تلك البهجة.
فلتحى مصر، ولتعش وتتعمق وتزدهر وحدتها الوطنية إلى أبد الآبدين.
وعلى الله قصد السبيل.

Thursday, April 27, 2017

خالد منتصرهل احتفلنا بيوم الـ«دى إن إيه»؟! - جريدة الوطن - 27/4/2017

اكتشاف الجينوم البشرى واكتمال مشروعه فى ٢٥ أبريل 2003 أهم من هبوط الإنسان على القمر!!، لذلك يحتفل العالم كله فى ٢٥ أبريل باليوم العالمى للـ«دى إن إيه»، احتفالاتنا بتحرير سيناء ذكرى وطنية فى منتهى الأهمية، ولكن لا بد أن تفسح شاشات فضائياتنا ولو نصف ساعة ليوم الـ«دى إن إيه» أيضاً، ليوم اكتشاف الشريط الوراثى للإنسان، فخريطة البشر التى فكت شفرتها حدث إنسانى وعلمى جبار ما زال يهز العالم حتى هذه اللحظة، ٢٥ أبريل بالنسبة للـ«دى إن إيه» ليس يوم اكتشاف الجينوم فقط، ولكنه أيضاً يوم نشر «واطسون» و«كريك» ورقتهما البحثية حول اللولب المزدوج الذى يتركب منه شريطنا الوراثى المدهش، أما عن مشروع الجينوم البشرى (Human Genome Project) فهو مشروع علمى بحثى دولى هدفَ بالأساس إلى تحليل القواعد النيتروجينية الكيميائية (Chemical base pairs) التى تكوّن جزىء الـDNA، وتحديد هويّة ومكان ما بين 20 و25 ألف جين فى جينوم الإنسان، المشروع ابتدأ فى أكتوبر 1990، تحت إشراف مكتب الأبحاث البيولوجية والبيئية التابع لمكتب العلم فى وزارة الطاقة الأمريكية، بالاشتراك مع المعهد الوطنى الأمريكى للصحة (NIH)، والمعهد الوطنى لأبحاث الجينوم البشرى (NHGRI)، أُعلِنَ عن النسخة الأولى من الجينوم فى سنة 2000، وعن النسخة الكاملة فى سنة 2003، كما أن هنالك تفاصيل وتحاليل أدق ما زالت تُنشَر حتى هذه اللحظة، معظم الأبحاث التى ساهمت فى تحليل الجينوم تمت فى مختبرات الجامعات والمراكز البحثية الأمريكية، بالإضافة إلى مشاركة دول مثل بريطانيا، اليابان، فرنسا، ألمانيا، وإسبانيا، قال فرانسيس كولينز-Francis Collins مدير NHGRI فور إصدار مسودة الجينوم إنه لو تمت طباعة المنتج النهائى على شكل كتاب ستكون له استخدامات عديدة، ويقول: «إنه كتاب تاريخ يروى رحلة نوعنا عبر الزمن. هو كدليل متجر يصف مخططاً بتفصيل مذهل لبنية كل خلية بشرية. هو مرجع ثورى سيغير من الطب بمنح مقدمى الرعاية الصحية قدرات هائلة جديدة للتعامل مع ومنع وعلاج المرض»، فى عام 2007، رُسمت أول خريطة جينية مؤلفة من ستة مليارات من الرموز للعالم الأمريكى «كرايغ فينتر»، وبعدها توالت الخرائط المكتملة، حتى إن مؤسس شركة «آبل»، «ستيف جوبز» كان بين أول عشرين شخصاً حاولوا فعل ذلك، بتكلفة مائة ألف دولار حينها، محاولاً الحصول على علاج لسرطان البنكرياس الذى أصابه. مع الأيام، انخفضت التكلفة بشكل كبير، ففى الشهر الأول من عام 2014، أعلنت شركة Illumina أنها أصبحت جاهزة لتقدم التسلسل الجينى للشخص بتكلفة ألف دولار فقط، وما زالت تنخفض كل سنة عن الأخرى، ورسمتها الممثلة أنجلينا جولى واكتشفت جين سرطان الثدى، وأجرت جراحة للثديين والمبيض بناء على نتائج تلك الخريطة الجينية، وكذلك فعل أحد مؤسسى جوجل «سيرجى برين»، متقصياً احتمال إصابته بمرض «الباركينسون».. إلخ، لكن سيظل السؤال الذى طرحه هذا الاكتشاف المذهل خاصة عن التنبؤ وهو: هل معرفة أننى سأموت بألزهايمر -وهو مرض لا علاج له- سيجعلنى أعيش حياتى سعيداً؟! العلم يطرح الأسئلة ويحل الشفرات لكن تبقى الإجابات تختلف من شخص لآخر، لذلك أترك لكل قارئ حرية الإجابة.

Wednesday, April 26, 2017

خالد منتصرما بين «شوبان» و«شومان» - جيدة الوطن - 26/4/2017

بعد مداخلتى التى تساءلت فيها عن سر الاحتفاظ بعباس شومان والإصرار عليه كوكيل للأزهر وهو الذى كان مناصراً لمرسى والإخوان!!، سافرت بعدها مباشرة إلى بولندا وهبطت فى مطار فريدريك شوبان بوارسو، وقد حفزنى السجع اللغوى وأجبرنى التقارب الزمنى على المقارنة بين «شومان» و«شوبان»، وقلت هذا هو الفرق بيننا وبينهم، هنا يتحدون بـ«شومان» وهناك يتحدون بـ«شوبان»!!، بولندا التى صارت سابع أقوى اقتصاد فى أوروبا تصعد بقوة الصاروخ برغم إصرارها على عملتها المحلية وعدم التعامل باليورو الذى كان من الممكن أن يجعلها مسنودة ومدعومة من دول الاتحاد الأوروبى، عندما تهبط المطار فترى اسم «شوبان» يظللك ويتبعك ويترك بصمته على عينيك، ستعرف وتتأكد أن الفن هو رافد مهم وصانع نهضة جبار ومشارك فعال فى نهضة هذا البلد الجميل المتحدى، اعتزازهم بـ«شوبان» جعلهم يبنون له متحفاً فى أهم شوارع وارسو، كل تفصيلة فى حياة «شوبان» من خطاباته إلى نوتاته الموسيقية إلى البايب والملابس، آخر بيانو عزف عليه موجود، بالطبع كل أعماله الموسيقية تسمعها إما فى أسطوانة زجاجية معزولة تسمع منها الموسيقى وكأنها تتغلغل فى وجدانك وتخترق مسامك، وإما فى حجرة بها عدة بيانوهات وأنت تختار بالضغط على الأزرار، قبلها كنت قد استمعت إلى مقطوعة باسم فالس الربيع على اليوتيوب منسوبة إلى «شوبان» وعندما طلبت من الشابة المسئولة عن حجرة سماع الموسيقى وهى لا تزيد على عشرين سنة، أخبرتنى بأن تلك معلومة منتشرة بطريقة رهيبة ولكنها للأسف خاطئة، أعطتنى محاضرة عن أسلوب وطريقة «شوبان» فى التأليف الموسيقى والعزف المختلف تماماً عن أسلوب تلك المقطوعة، شرحت بكل حماس وانفعال ودراية واهتمام، وكأننى تلميذ فى الكونسرفتوار ولست مجرد زائر لمتحف وغير متخصص فى الموسيقى!، شكرتها واتجهت إلى متحف آخر وهو متحف انتفاضة وارسو، حيث تمجيد كفاح الشعب والجيش البولندى ضد النازية الألمانية، ثم ضد الشيوعية السوفيتية، ستشاهد كيف سويت وارسو بالأرض، لم يعد عليها مبنى له شكل أو ملامح، خراب ومقابر، أشلاء ودماء، شعب لا يجد ما يأكله، يهرب فى المجارى من النازيين، يهود بولنديون يُحرقون ويُعدمون ويُعزلون فى جيتوهات ويضعون على أذرعهم علامة لتمييزهم حتى يسهل معرفتهم والقبض عليهم، الأطفال البولنديون يحضرون يوم الأحد مجاناً إلى المتحف ليعرفوا تاريخ نضال بلادهم التى تحررت بدماء الملايين من أجدادهم، سألت موظفاً بولندياً فى متحف الانتفاضة، فقلت له ما هو إحساسك بجارتك ألمانيا التى غدرت بكم ودمرتكم وعذبتكم كل هذا العذاب، أليس لديك إحساس بالثأر؟!، قال: أبداً نحن نسعى لكى نصبح مثل ألمانيا بل أفضل منها، فهى النموذج بالنسبة إلينا فى النهضة العلمية والتكنولوجية، الثأر لدينا نحن البولنديين هو الثأر بالعلم وبالتفوق العلمى وليس الثأر بالحرب والقتال، نحن نستفيد من الماضى ولا نتحنط فيه.

Monday, April 24, 2017

«تيران وصنافير» تفجر الحزن والغضب - د. محمد أبو الغار - المصرى اليوم - 25/4/2017

المصريون حزانى، والشعب يملؤه الغضب المكتوم، وربما تكون هذه الأيام هى الأسوأ بعد نكسة 1967. الاكتئاب يتزايد والأرق يسيطر على الجميع. ربما يكون موضوع جزيرتى تيران وصنافير هو أكثر المواضيع حساسية. الألم يعتصر قلوب المصريين. كيف يقوم رئيس الوزراء بتحويل الملف إلى البرلمان بينما أمامه حكم نهائى بات واضح بالأسانيد الكاملة التى تؤكد حق مصر فى الجزيرتين، وبالتالى أصبحت الاتفاقية غير موجودة، فهل ينظر البرلمان ويقرر شيئاً غير موجود؟ هل وصلنا لهذه الدرجة من الاستهتار بأحكام نهائية تخص أرضاً غالية علينا جميعاً؟ ويحدث تلاعب برفع قضية أمام الأمور المستعجلة، ويعلم الجميع بوضوح أن الإحالة غير قانونية وهناك أحكام واضحة من المحكمة الدستورية العليا بأن الإحالة وأحكام هذه المحاكمة المستعجلة لا قيمة لها ولا اختصاص لها.
نحن حقاً فى غاية القلق، وأنا شخصياً أصبح نومى متقطعاً لأنى أفكر فى وطنى الذى يتخلى عن أرضه. ما يزيد حزنى هو أننى أرى تأثير السعودية على بعض المصريين- ومنهم قامات كبيرة- الذين يعتقدون أن فى إمكانهم المساعدة فى تسليم الجزيرتين ولكن بطريقة شيك وعلى مهل. العلاقة بين الشعبين المصرى والسعودى ودية واستمرت حتى حين كانت العلاقات سيئة بين حكام البلدين فى فترات مختلفة من تاريخ مصر الحديث. على الحكام أن يعرفوا أن إعطاء الجزيرتين للسعودية، مخالفةً للحق والقانون ولحكم نهائى بات، هو تدمير للعلاقات الودية بين البلدين والتى هى أهم من الحكام فى البلدين لأن الشعوب أقوى وهى الباقية، وإفساد هذا الود ستكون له آثار مستقبلية خطيرة على البلدين ومستقبلهما.
المصريون عندهم مشاكل اقتصادية ضخمة، والجميع يعرف أن هذه المشاكل هى السبب الرئيسى فى التنازل عن الجزيرتين. نحن نعلم أن إسرائيل تسعى إلى تسليم الجزيرتين لأن ذلك يعنى إدخال السعودية فى اتفاقية كامب ديفيد، وبالطبع السعودية لها الحق فى تقرير مصالحها ولكن دون أن يكون ذلك على حساب دولة شقيقة لها معها تاريخ طويل. العداوة مع الشعب المصرى خسارة ضخمة لن يعوضها شىء، وسوف تظل شوكة تُغرز فى ظهر الوطن تعكنن عليه أبد الآبدين. الأوضاع السياسية تتغير، والصداقات والعلاقات تتحول، ولكن فى النهاية الموضوع كارثى للمصريين وسوف يؤدى إلى نتائج مستقبلية بعيدة المدى على الجميع. اللجنة التشريعية بالبرلمان المصرى سوف تنظر فى أمر اتفاقية قد تم إلغاؤها بالقانون وحكم المحكمة والرأى العام والتاريخ والجغرافيا. أعتقد أن هناك كثيرين فى هذه اللجنة عندهم ولاء لمصر ولتاريخهم ومستقبلهم، وماذا سوف يقال عنهم وماذا سيقولون لأولادهم وأصدقائهم. أذكركم بالهلباوى القاضى أيام الإنجليز الذى تخلى عن الوطن وتحالف معهم ضد الشعب، حتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من مائة عام مازال حتى هذه اللحظة يُكتب عنه ويُشتم بأقذع الألفاظ، وتبرأ منه الكثيرون من عائلته، ومن الأمثلة الشعبية فى وصف الأنذال «أصلك هلباوى خالص».
أرجوكم فكروا قليلاً قبل أن تقتلوا أحكام القضاء. الشعب لن يرحم، والتاريخ أقوى من الجميع.
أعضاء البرلمان المصرى، إذا تخليتم عن أرض مصر وضربتم عُرض الحائط بأحكام القضاء النهائية فأنتم تُدخلون مصر فى دوامة لن تنتهى، وسوف ينهى ذلك أى استقرار نرجوه. المصرى الفقير تحمل كثيراً وسوف يتحمل أكثر بعد القرارات الاقتصادية، وسوف يقف وراء مصر والنظام بشرط أن تحافظوا على كرامته وتصونوا أرضه وحدوده التى لم يغيرها أحد منذ خمسة آلاف عام. التخلى عن الجزيرتين سيكون يوماً فارقاً فى تاريخ مصر. يعلم الجميع أنه لا يوجد تصويت حقيقى فى البرلمان، وأن التصويت الإلكترونى معطل بفعل فاعل وهو أمر يشكك فى كل الموافقات، والتاريخ والعقاب سوف يقول كلمته بعد هذا العك. وأرجو أن تنقل أجهزة الأمن للرئيس مشاعر الشعب المصرى الحقيقية وتأثير تسليم الجزيرتين ظلماً على استقرار ومستقبل مصر. وعلى المخابرات السعودية أن تنقل الشعور الشعبى العام فى مصر تجاه الجزيرتين حتى تعرف أن إهانة المصريين سوف تدمر علاقة وثيقة بين الشعبين، ويجب أن تعلموا أن المتغطى بأمريكا وإسرائيل عريان، وسوف يأتى الدور على السعودية وعلى مصر، والعلاقة الجيدة بين الشعبين هى التى سوف تحمينا سوياً.
نحن فى أضعف أحوالنا، ولكننا مررنا بظروف أصعب وتغلب عليها المصريون بوحدة الشعب والحكام. تسليم الجزيرتين سوف يقسم مصر ويضعف الهمم. مصر الضعيفة المهزومة الفقيرة المنهكة فى ظرف ست سنوات عبر جيش الشعب قناة السويس عام 1973 وغيّر تاريخ المنطقة، ورفضت مصر التخلى عن بوصة واحدة من أرضها. الأموال التى سوف تأخذها سوف تُصرف وسوف يتم اختلاق مناسبات لإذلال مصر وحكامها. الأمر لن ينتهى بذلك، هناك سلسلة من الضغوط سوف تتوالى فيها التنازلات، ولا ضمان لتنفيذ الوعود، وسيكون هذا خروجاً لمصر من التاريخ الحديث.
مصر فيها إرهاب ضخم فى سيناء وداخل الوادى الآن. علينا أن نركز جميعاً حتى نقضى على الإرهاب وتعود سيناء آمنة سالمة إلى حضن الوطن.
إن موافقة البرلمان على تسليم الجزيرتين سوف تسقط مصداقيات كثيرة فى مصر، وأخشى أن يكون التنازل عنهما هو بمثابة طلاق بائن بين السلطة والشعب.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك

من أراد التجديد.. فَلْيَتَفَضَّل! بقلم د. مصطفى حجازى ٢٤/ ٤/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

لا ينقطع الحديث عن تجديد الخطاب الدينى.. وإن كان الحديث عنه قد فاض مؤخراً ولأسباب مفهومة!!.
تجديد الخطاب الدينى أمرٌ مَحمُودٌ ولا شك.. هذا إذا جاء - كما أفهَمُه - فى سياق معنى حديث النبى (ص) «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.. بأن يصقل المجددون جوهر الدين ويَردُّوا ممارساته إلى مكنون الفطرة الإنسانية السليمة التى فَطَرَ الله الناس عليها.. ولكن ليس أبداً فى سياق توظيف سياسى أو استعمارى للدين!!.
أما الحديث الذى فاض أكثر هذه الأيام - دولياً ومحلياً - فى شأن تجديد خطاب «الدين الإسلامى»، وبصيغة تأثيم الإسلام فى المُطلق.. وتحديداً ممن أرادُوه رأسَ حربة فى صراع الهيمنة الدولى والاستبداد المحلى - فى الخمسين سنة الأخيرة على الأقل - فارتد سهمه فى نحورهم.. فهذا أمر آخر!!.
فما بين دول قامت على أعرافِ بداوةٍ تدثرت برداء الدين ليكتسى به المُلكُ العَضُوض.. وما بين دول كبرى استخدمت الدين وسيلة لتفريق الشعوب والتَّسيُد عليهم.. من بريطانيا فى الهند قديماً إلى الولايات المتحدة فى أفغانستان والشرق الأوسط برمته وبين العرب وإيران حديثاً.. أعتقد أنه آن لنا أن نكون على وعى بما نُرَددُ كالببغاوات ما يُعَدُّ قرائن إدانة لأنفسنا بما لم نقترف، وإدانة للإسلام بما ليس فيه.. أو على الأقل أن نكون عاقلين فيما نقول نقداً للذات أو حتى جَلْداً لها.. وأن نَكُف عن الهذيان!!.
أمّا إذا زاد الكِبرُ وثقافة الإنكار وقال قائلهم «نعم نحن جادون فى التجديد».. فلنُجَدد..!
ولكن لنعرف »من« و»ما« الذى سيطوله التجديد «الواجب والمطلوب» و«المتأخر» فى الحقيقة.. وليعرف كل منا مسؤوليته، وليكن قبل ذلك أهلاً لها!!.
نعم.. تجديد الخطاب «واجب».. وتجديد «الفكر» المنشئ لهذا الخطاب «أوجب».. ولكن «تحرير العقول» التى ستحمل هذا الفكر «أولى وأوجب» ولا بداية بغيره!!.
للمتنادين على التجديد وأنا منهم.. لنسأل أنفسنا بداءة:
هل نحن جادون فى تحرير عقول أبنائنا فى المدارس؟!.
هل نحن قادرون على السماح لهم بطرح أفكارهم وتنميتها «إبداعاً واختلافاً وتَمرُّداً»، وفى سياق نظام عام لا يقمع التفكير الحر ولا يطارده؟!.
هل نحن جادون فى قبول الحرية فى الإبداع فناً وعلماً؟!.
هل نستطيع أن نتحمل أفكاراً مختلفة - ولكنها بناءة تحمل ملامح الجدية - حتى وإن جاءت نقداً ونقضاً لبعض من موروث أعراف ألِفناها وندعى كونها ديناً أو أخلاقاً من باب المماحكة؟!.
هل نحن - جميعاً - جادون فى أن تُراجع مؤسساتُنا كلُّها عقائدها وأسُسَ مُمَارساتِها.. وأولُّها مؤسساتُنا الفوقية والسيادية والأمنية.. هل نحن جادّون فى أن نُنَقِّى «عقدَنا الاجتماعى» من اعوجاج الطرح وفساد الممارسة؟!.
هل نحن جادون فى تجديد الفكر هناك أيضاً.. أم أن «أعراف الفوقية والسيادة والأمن» أقدس من «الدين» الذى نريد أن نجدده ونجدد فيه؟!.
هل نحن جادون فى أن تراجع البيروقراطية المصرية العليا فى كل المؤسسات منهج تفكيرها، الذى يؤكد لها فى كل وقت أنها طبقة كهنة المعبد للفرعون المقدس.. فوق الرعية وفوق البشر وفوق المحاسبة؟!.
هل نحن جادون أن نُقِرَّ جميعاً بأنه لا «هنوت فى الوطن»، كما أنه «لا كهنوت فى الدين» أو على الأقل هذا ما نملأُ الدنيا ضجيجاً به باسم التجديد؟!.
هل نحن جادون أن نقيم اتزان المجتمع على «المسؤولية مقابل الصلاحية».. وأن يتحمل كل طرف مسؤوليته..؟! فتجديد «الفكر والخطاب الدينى»، وإن بدا ظاهره أنه مسؤولية المؤسسات الدينية، مسلمة كانت أو مسيحية.. فلا تستطيع أىٌّ من الأطراف الأخرى أن تنفض يديها أو أن تتوارى عن مسؤولياتها وتبقى حقيقته أنه مسؤولية الجميع بلا استثناء؟!.
«فالعقل المؤهل للأفكار المُعوَجَّة هو العقل الذى رُبىَ على التلقين والخوف من التفكير والاستقالة منه».. و«الوجدان السقيم الذى قبل بالانخراط فى التطرف هو وجدان لم يربّ على الجمال ولم ير إلا القبح».. «والنفس الفقيرة التى باعت نفسها أو رضيت هى بطن جاعت، وحتى بعد أن شبعت (الشُحُ باقٍ فيها إلى يوم القيامة) كقول الإمام على بن أبى طالب»!!.
نعم.. فلنحاسب مؤسساتنا الدينية قاطبة «مسلمة ومسيحية» على تنقية المغلوط من الأفكار الذى تسلل إليها.. هذا واجبها، وتلك هى مسؤوليتها ولكن..
فلنحاسب معها كذلك مؤسساتنا المسؤولة عن «الاقتصاد» عن نفوس قَتَلها الفقر، فاستباحها التطرف..

ولنحاسب مؤسساتنا «العمرانية والثقافية» عن قبح أصبح قَدَرَ كل الناس إلا كهنة المعبد، وحتى هؤلاء لم يُبِقِ لهم فقر الفكر معياراً لجمال، فصارت الأثرة والاكتناز والكثرة هو معيارهم ليس غيره!!.
ولنحاسب مؤسساتنا «الحاكمة» عن أفقٍ مُغلَق أمام أحلام بشر فى الحرية والعدل والكرامة..
ولنحاسب مؤسساتنا الأمنية على أمن المواطن قبل أمن صاحب السلطة، وعلى كرامة الناس وصون حرماتهم..
ولنحاسب كل جماعة أو مؤسسة افترضت لنفسها دوراً أكبر من دورها، ونصيباً فى حكم الوطن وثرواته أكثر من حق الشعب ذاته.. عن استباحة ما ليس لها!!.
ولنحاسب تعليمنا وثقافتنا وبيوتنا وأنفسنا عن جهل مُرَكَّب ليس بجهل الأبجدية ولا بجهل بقشور قراءة أو كتابة.. ولكن عن استقالة من عصر برمته نريد أن نربى به أبناءنا!!.
هذا هو بعض من حديث فى التجديد.. وإن بقى حديثُه أوسع وشجونه أكثر.. ولكنه تجديد «فكرنا وخطابنا الوطنى» و«فكرنا وخطابنا الإنسانى» قبله.. بهما وفيهما نجدد «خطابنا الدينى».. فمن أراد التجديد على هذا النحو فليتفضل!!.
أما من يريدون «التجديد» أداة للتنابز السياسى وتصفية الخصوم وتدجين المؤسسات وتقديم أدلة إدانة الإسلام والعرب والمسلمين - على مذابح الدول الكبرى - فى تُهَمٍ هم منها براء.. فليرفع هؤلاء أيديهم عن أوطان يهدرونها وهم يتباكون باسمها.. وليرحموا شعوباً يحرقون مقدراتها ويُذِلونهَا باسم الحفاظ على بقائها..
والأهَم.. ليكفُّوا أذاهم عن «الخطاب والدين والفكر» الذى يملأون الدنيا ضجيجاً باسمه وهم ليسوا بأهله!!.
فَكِّرُوا تَصحُّوا..

لايڤ من الدوبلكس الموسم الخامس | أغنية الواد آسر ياسين | الحلقة الثالثة

https://www.youtube.com/watch?v=v0qvylrR_sU&feature=share

إبراءُ ذِمّة... وشهادة بقلم فاطمة ناعوت ٢٤/ ٤/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


لستُ أدرى إن كانت ميزةً أم عيبًا فى تركيبتى الذهنية والنفسية. أرفضُ التسليم بأمر أراه ناتئًا عن منظومة المنطق والعقل والتحضُّر، مهما شاعَ ذلك الأمرُ، وانتشر وتكرر كلَّ يومٍ، حتى أصبح من طبائع الأمور التى لا تُدهشُ الناس. تظلُّ تُدهشُنى. وأقاوم الاعتياد عليها، وأستغربُها كأنها تحدث للمرة الأولى. إن أنت اعتدتَ على مشهد رجل يضرب طفلا، أو يهين امرأةً، أو يعذّب حيوانًا، أو يقطع شجرة، أو يُلوّث الطريق بالنفايات، اعلمْ أنك فى خطر. مرّنْ نفسَك على الدهشة من كل قبحٍ تراه، مهما صار شائعًا، كأنك تراه للمرة الأولى. لماذا؟ حتى تقاومه. لأنك لو اعتدت على القبح، صار بالنسبة لك عاديًّا. والإنسانُ لا يقاوم العادات المتكررة. تلك حيلتى الذهنية التى مرّنتُ نفسى عليها منذ طفولتى، لأعصم نفسى من فعل ما يرفضه عقلى، لمجرد أن «كل الناس بتعمل كده».
لهذا لا تبرحنى الدهشةُ كلّما اصطدمتُ بمحنة طائفية أو تمييز عَقَدى. أندهش كأنما أرى ذلك القبح للمرة الأولى. فكلما فُجّرت كنيسة، أو قُتل مسيحيٌّ على يد تكفيرى، أُصدَم وأغضب وأرفض أن أُسلّم بحدوث ما يحدث ويتكرر منذ أربعين عامًا.
لكن يبدو أن عقلى الذى أُجبره على أن يرى كلَّ مأساة كأنها الأولى، يُسجّل الكوارثَ، فى غفلة منى، على عدّادٍ خفيّ يعمل فى المنطقة المظلمة من عقلى: اللاوعى.
وقت تفجير كنيسة البطرسية بالعباسية مع نهاية العام الماضى، تأزمتُ كثيرًا ولم أخرج من تلك المحنة إلا حين أقنعتُ نفسى بأن تلك ستكون آخر المحن الطائفية التى تمرُّ بها مصر. على أى أساس قلتُ لنفسى هذا؟ لا أدرى. مجرد أمنية حوّلها عقلى إلى عهد ويقين بأن مصر لن تسمح، بعد اليوم، أن يُهدم فيها دارُ عبادة أو يُقتل فيها مسالمون عُزّل يُصلّون. هكذا واسيتُ نفسى لأخرج من المحنة وأكمل حياتى. لهذا حين وقع تفجير كنيسة طنطا ثم الأسكندرية فى يوم واحد الأحد قبل الماضى فى «عيد السعف»، انهرتُ تمامًا، وأدركتُ أننى كنت أضحكُ على نفسى، وتيقنتُ أن الأمرَ أكبرُ من قدرتى على التحمّل. وكان لابد من شيء أفعله لأصمد وأقاوم وأكمل حياتى. وكان القلمُ طبيبى.
كتبتُ ما أطلقتُ عليه «إبراء ذمّة»، لأصالحَ نفسى على نفسى، وأُشهِدَ نفسى على أننى بريئةٌ من دم الأبرياء. وكانت القطعة التالية التى أوثّقها اليومَ فى مقالى هذا:
أقباطَ مصر المسيحيين، أنتم أكثر سموًّا وشرفًا وغفرانًا مما نستحقّ. أقباط مصر المسيحيين أنتم أكثر وطنيةً من كل أدعياء الوطنية والتديّن. أقباط مصر المسيحيين، لن أطلب منكم أن تسامحونا على ما يفعل السفهاءُ منّا كل يوم فى حقكّم. لأننى أعلمُ أنكم مجبولون على السماحة والغفران، وتلاقون إساءاتنا المتكررة بالغفران. أقرُّ أننا مدينون لكم بالكثير وأننا غير قادرين على سداد ديوننا نحوكم مهما فعلنا.
الآن لم يعد بوسعى حتى تقديم واجبات العزاء لكم لأننى غارقةٌ فى الشعور بالخجل والخزى مما نفعله بكم منذ عقود طوال، وإلى أمد لا يعلمه إلا الله. كلما فعلنا بكم سخافةً أو تفجيرًا أو مجزرة، أعزّى نفسى بأنها الأخيرة، لكنها لا تكون الأخيرة، وتتبعها سخافةٌ وسخافاتٌ وتفجيرٌ وتفجيرات، ومذبحةٌ ومذابحُ، فتظلُّ رأسى تنخفضُ أمامكم يومًا بعد يوم حتى بِتُّ أتمنى أن تنشقَّ الأرضُ وتبتلعنى قبل أن ألتقى مسيحيًّا لأقول له: أُعزيّك، البقاء لله، سامحني! منذ تفجيرى طنطا والأسكندرية، لم أستطع أن أنام وارتفع ضغطى ولم أسع حتى لعلاج لأننى أرجو أن أرتاح من هذه الدنيا الظالمة المدنسة بكل سوءات العالم.
 لحسن الحظ أننى كنت يومها خارج الوطن حتى لا يرى أطفالى دموعى فيجزعون ويشعرون بالخجل من النفس كما شعرت أنا. لن أقول: أعتذر لكم! ليس فقط لأنكم لا تنتظرون اعتذارى، بل لأن الاعتذار فقد معناه وبات لونًا من البلاهة والاستعباط الذى لا يليق بى، لأننى حتى لا أملكُ يقينًا أنه سيكون اعتذارى الأخير. تعبتُ من كثرة أخطائنا، وتعبتُ من كثرة غفرانكم، وتعبتُ من الرجاء بأن ينتهى كل هذا دون أن ينتهى، وتعبتُ من عدم القدرة على فهم ما يحدث حولى.
عقلى لا يستوعب أن يقتل أحدٌ أحدًا حتى مع وجود سبب للقتل مثل الثأر أو القصاص أو غيره. فكيف أستوعبُ أن يقتل إنسانٌ إنسانًا أعزلَ لا يعرفه وهو يصلي! وهو يصلي! وهو يصلى فى عيده! أشهدُ أننى لم أسمع فى كنيسة كلمةً تسيء لى كمسلمة، ولا لدينى ولا لإنسان. أشهدُ أننى أسمعكم فى كنائسكم تدعون لمصر ونيل مصر ورئيس مصر وللمصريين مسلمين قبل مسيحيين. أشهدُ أنكم ترعون فى طقوسكم الخدمية أبناءنا المسلمين الفقراء كما ترعون أطفالكم المسيحيين.
أشهد أن راهبةً مسيحية لم ألتق بها إلا مرة واحدة فى حياتى تُصلّى منذ سنوات لابنى المريض «عمر نبيل» فى كل صلواتها حتى يشفيه الله. أشهد أن مسيحيين قد ساندونى فى محنتى بما لا مجال لأن أنساه ما حييت. أشهدُ أن صلوات كثيرة رُفعت باسمى على مذابحكم فى محنتى طوال عامين؛ أنا المسلمة التى لم تقدم لكم أى شيء.أشهدُ أنكم لا تعرفون إلا الحب لكل الناس دون قيد أو شرط. ومَن يفعل غير هذا منكم تتبرأون منه ولا تقبلونه بينكم لأنه لا يسير على خطى السيد المسيح، رسول السلام. أشهدُ أننى تعلمت من أساتذتى المسيحيين فى مراحل التعليم المختلفة ألا أكره حتى من آذاني؛ لأن الكراهية دنسٌ للنفس.
وألا أقابل الإساءة بالإساءة. أشهدُ أن مفاتيح بيتى وسيارتى وكافة شؤون حياتى تكون فى أسفارى فى حوزة أسرة مسيحية شريفة ترعى مصالحى وتخاف علىّ أكثر مما أفعلُ أنا لنفسى وأكثر مما يفعل أقربائى وشقيقى الوحيد. وأشهدُ أننى لم يعد فى جعبتى كلماتٌ تعبر عما فى نفسى من حزن وخجل وفقدان أمل فى هذا العالم.
هذا العالم لم يعد صالحًا للحياة. هذا العالم صار أبشع من قدرتى على الاحتمال. هذا العالم تعسٌ ودنسٌ وغير جميل. سامحنى يا ربُّ فأنا لا ألعنُ الدهرَ؛ بل ألعن الفحشاء والوحشية والغدر وانعدام الإنسانية فى بنى الإنسان. وفى بنى جَلدتى. وفى بنى دينى الذى يحثنا على الرحمة والتراحم. أقباطَ مصر، أقدِّم لكم احترامى، وأضع بين أيادكم خجلى وشعورى بالعار. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

د. عماد جاد - أين الدولة؟ (٤) - جريدة الوطن - 24/4/2017

تكاد تختفى الدولة تماماً ومعها الدستور والقانون فى كل المشاكل المتعلقة بالأقباط، تترك مكانها لرموز التشدد والتطرف، تضع يديها على عينيها (مقلدة القرد الصينى) حتى لا ترى ما يحدث ويجرى، أو تبدو فى صورة غير العالم بما يجرى. تتدخل فقط عندما يعجز رجالها عن تنفيذ ما هو مطلوب، تتدخل عندما تقع جرائم قتل وتمثيل بالجثث، ويكون تدخلها لمساندة الجانى ومساعدته على الهروب من تطبيق القانون، فعندما يتم القبض على قتلة ومجرمين، يجرى التدخل سريعاً والترويج منذ البداية لمقولة الخلل النفسى والعقلى للجانى، ومن ثم لا تجوز المحاكمة، بل يتم إيداعه مستشفى الأمراض النفسية والعصبية إلى حين، ثم يجرى الإفراج عنه بعد ذلك، وهو ما جرى أكثر من مرة، ولعل أبرزها الشرطى قاتل الأسرة القبطية فى قطار الصعيد عند مدينة سمالوط، فرغم أن الشرطى فى مهمة رسمية ومزود بسلاح «ميرى»، فإن تعليق الداخلية الأول على الجريمة أن الشرطى يعانى من خلل نفسى!! ولا مانع من توظيف القانون هنا عبر استخدام بعض المواد التى تتحدث عن محاسبة القاتل وفق أدلة وقرائن مادية ومن ثم يجرى استخدام مبدأ شيوع الاتهام لتبرئة القتلة، كما حدث فى جريمتى «الكشح». وإذا ما ثبتت الجريمة بالأدلة والبراهين بحق متهمين، هنا تدفع أجهزة الدولة بمن يروج لجلسات الصلح العرفية التى تنتهى بتهريب المجرم من جريمته وعادة ما تضع قدراً من التعويض على المجنى عليه، وكثيراً ما كانت تحكم الجلسات العرفية على الضحايا من أقباط بمغادرة ديارهم (الترحيل القسرى المخالف للدستور) تحت ذريعة حقن الدماء وتهدئة غضب المواطنين.
نعود ونذكّر بقصة قرية «كوم اللوفى»، التى تضم نحو اثنى عشر ألفاً من المواطنين المصريين الأقباط، الذين يريدون فقط ممارسة حق العبادة للخالق، وبناء كنيسة يصلون فيها إلى الله، ولم يتمكنوا من ذلك بسبب رفض المتشددين فى القرية لبناء كنيسة، قالوا تسلمنا القرية دون كنيسة وسوف نسلمها لأولادنا دون كنيسة، وأضاف ممثل الأزهر الوسطى فى القرية فى حديث مع جريدة الأهرام أن «كوم اللوفى» أرض إسلام، ومن ثم لا تجوز بناء الكنائس فيها. حاول أقباط القرية استخدام أحد بيوتهم للصلاة فيها، فكانوا يتعرضون للقذف بالحجارة وحرق منازلهم. حاولوا ذلك فى أكثر أسابيع السنة قداسة بالنسبة للأقباط وللمسيحيين فى العالم وهو أسبوع الآلام، فكان الرد قذف بالحجارة وحرق منزلين من منازل أقباط القرية.
غابت الدولة بصفة عامة عن المشهد، فالسيد اللواء الوزير المحافظ والسيد مدير الأمن كانا يتفاوضان مع المتشددين فى محاولة لإقناعهم بشىء ما لا نعرفه، المهم أن السيد اللواء الوزير المحافظ، والأجهزة الأمنية فوضوا ثلاثة من كبار رجال القرية أطلقوا عليهم «حكماء القرية» من أجل حل المشكلة عرفياً، فطرحت لجنة الحكماء حلولاً مهينة على أقباط القرية، وعندما انتشر الخبر وتناولته وسائل الإعلام، سارع السيد اللواء الوزير المحافظ بنفى صلته باللجنة، بل ونفى وجود لجنة أصلاً، وهو نفى كاذب فقد تواصلت مع الكنيسة الأم هناك، وأكدوا لى صحة الواقعة، وأن الحكماء الثلاثة قد زاروا رجل الدين المسيحى وعرضوا عليه حلولهم التى تحدد ثلاثة مواقع خارج القرية لبناء مبنى على واحد منها دون أى ملامح دينية: لا صليب، لا جرس ولا منارة، ولا يوضع على المبنى ما يشير إلى صلته بقرية كوم اللوفى ولا يستخدم إلا فى العبادة فقط، أى لا يستخدم فى تقديم خدمات اجتماعية أو خيرية.
تتصور مؤسسات الدولة أن تغيّبها العمدى عن معالجة مشاكل للأقباط يمكن أن يعفيها من المسئولية، وهو محض وهم، فالجميع يعلم أن مؤسسات الدولة عندما تغيب، فهى تفعل ذلك إرادياً، حتى تتهرب من تطبيق الدستور والقانون بكل ما يترتب على ذلك من تجريد الأقباط من حقوق أساسية من حقوق المواطنة. فى تقديرى أن استمرار مثل هذه السياسات ستكون له تداعيات خطيرة على أمن واستقرار بلدنا.

د. عماد جاد - أين الدولة؟ (٣) - جريدة الوطن - 23/4/2017

مصر فى طريقها لأن تصبح «أمصار» بمعنى عدة دول داخل الدولة، كل دولة لها مواطنوها وقانونها الخاص بعيداً عن دستور البلاد، لم تصل مصر إلى هذه المرحلة من التدهور الشامل من قبل، حتى فى أكثر سنوات الرئيس المؤمن ظلماً وتشدداً، كانت قبضة الدولة قوية، أما الضعف الذى كان يبدو على مؤسسات الدولة فى التعامل مع المتشددين والمتطرفين فقد كان ضعفاً إرادياً، بمعنى أن مشهد الضعف كان قراراً سياسياً لتحقيق أهداف محددة بدقة من قمة هرم النظام. أما اليوم فالوضع مختلف، فقد انتشرت الأفكار السلفية والوهابية فى غالبية مؤسسات الدولة، اذهب إلى مكتب أى مسئول كبير سياسياً كان أو أمنياً، ستجد مظاهر الدروشة بادية بوضوح، ستجد هيمنة للمظاهر الدينية وتجد تليفزيوناً مضبوطاً على قناة دينية سعودية. إذا تدخلت فى مشكلة من المشاكل ستجد المسئول متفهماً تماماً لتجاوزات الجماعات السلفية، كثيراً ما يبرر لها الخروج على القانون، وعندما تطلب منه تطبيق نصوص القانون تجده يحدثك عن الواقع المعقد الذى يقتضى التوافق مع «الكبار» وهم ممثلو التيار السلفى والأصولى، ينحى القانون جانباً ويحدثك عن حلول عرفية تراعى مواقف ومطالب المتشددين.
خذ على سبيل المثال واقعة قرية «كوم اللوفى» التابعة لمدينة سمالوط بالمنيا، يريد أقباط القرية ممارسة شعائرهم الدينية التى نص الدستور على أنها حق أصيل للمواطن المصرى من أتباع الديانات السماوية، ورغم أن قصر حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وبناء دور العبادة على الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) فيه ظلم للإنسان الذى من حقه أن يعتقد فيما يشاء ويعتنق ما شاء من أديان ومعتقدات، لكن نخبتنا المؤمنة قررت صرف ثلاث ديانات فقط للمواطن عليه أن يختار واحدة منها، يختار أقرب إليه، وإلا فسوف توضع له (-) فى خانة الديانة ببطاقة الرقم القومى وغيرها من الأوراق الرسمية التى تحتوى على ديانة المواطن. رغم النص فى دستور البلاد على الديانات الثلاث فقط، إلا أن السياسات والممارسات تكشف بشكل واضح عن رعاية الدولة وانحيازها لديانة واحدة هى الإسلام، وتحديداً «المذهب السنى»، فما تشهده بلادنا هو تبنى الدولة رسمياً لمبدأ نشر الإسلام من خلال «الأزهر»، فقد اندثر يهود مصر أو باتوا على شفا الاندثار، ويجاهد المسيحيون منذ عقود فى مواجهة سياسات الأسلمة التى وضع أسسها الرئيس المؤمن، الذى قام بتديين المجال العام، أنشأ الجماعات الإسلامية المسلحة وأطلق يدها فى العمل، وأعطى إشارة البدء فى التضييق على الأقباط، تحرش بالكنيسة واصطدم بها، سار فى طريق تطبيق الشريعة على الجميع. دفع حياته ثمناً لهذه اللعبة المقيتة، رحل واستمرت سياساته التمييزية بعد أن عششت فى قلب مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية.
تعانى مصر اليوم من ثمار «السادات» المرة، ثمار أشجار التعصب والتطرف، التى تطرح تعصباً وتطرفاً وسياسات تمييزية بحق المواطنين المصريين المسيحيين، ومن تواصل التمييز والتضييق، تراكم الضيق والغضب، عدم سماع أصوات الأنين، حولها إلى صراخ ربما يسمع من بيدهم الأمر أن هناك غلياناً داخل صفوف الأقباط، وأن هناك أحاديث هامسة عن الخيارات المتاحة أمامهم لمواجهة سياسات التمييز والتعصب التى تمارسها أجهزة الدولة ومؤسساتها بحقهم، ما هى البدائل الممكنة والمتاحة للحفاظ على هويتهم؟ ما هى سبل إنهاء مآسى التمييز والتعصب التى تخطف منهم بناتهم فى سن صغيرة، وتحرمهم من بناء دور عبادة للصلاة إلى الخالق، التى تسد فى وجوههم أبواب الالتحاق بمؤسسات وأجهزة فى بلدهم، والتى تغلق أمامهم فرص الترقى فى العمل؟ يا سادة، يا من بيدكم الأمر، لا تتعاملوا مع المشاكل على طريقة «القرود الصينية» أى: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم، تخلصوا من هذه الآفة واسمعوا أنين جزء أصيل من الشعب المصرى قبل فوات الأوان!

Saturday, April 22, 2017

أسلمت سارة! لا المسلمين كسبوا! ولا خسروا النصارى! بقلم د. وسيم السيسى ٢٢/ ٤/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

تغريد محمد يوسف، مقررة لجنة الثقافة والفنون بحزب الوفد، زارت مستشفى معهد ناصر لمواساة جرحى تفجير كنيسة طنطا، وجدت سيدة فقدت عينيها، وشاباً ساقه على وشك البتر.. إلخ، يكاد عقلها ينفجر لأن جميعهم يملؤهم الحزن على الانتحارى ويتمنون له المغفرة!
اتصل بى أ. د. أحمد أبوالوفا مهنئاً ضاحكاً: بالرغم من أنى سأدخل النار لأنى أهنئكم بعيد القيامة المجيد، إلا أن محبتكم فى قلبى تدفعنى لهذه التضحية الجسيمة!
الدكتور أحمد أبوالوفا هو أستاذ علم المحاسبة فى كلية التجارة جامعة القاهرة يقول: أدرس طلبتى ما نسمية التكلفة والعائد cost and revenue، ما هو العائد على هؤلاء من تفجير الكنائس وقتل الأبرياء غير تشويه صورة المسلمين؟! قلت: يا دكتور أحمد: الناس فى أوهامهم سجناء! رد الدكتور أحمد:
«هناك مثل لبنانى يقول:
أسلمت سارة!
لا المسلمين كسبوا!
ولا خسروا النصارى!»
تذكرت: هاتوا لى أختى كاميليا!!
فى مقالتى السابقة «المصرى اليوم» ذكرت ما قصّه الأستاذ ثروت الخرباوى بخصوص أوراق التوراة والإنجيل، غضب منى بعض القراء ولم يصدقوا ما كتبته، فعدت للأستاذ ثروت فأرسل لى: كتاب الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع تأليف شمس الدين الشربينى الخطيب الشافعى.. يتم تدريسه للصف الثالث الثانوى الأزهرى، وهو يشرح الفقه على مذهب الإمام الشافعى، والمؤلف من علماء القرن العاشر الهجرى، وفى الصفحتين ١٥٤، ١٥٥ يتحدث عن شروط الطهارة ومنها الاستنجاء، أى تطهير الدبر بعد قضاء الحاجة، والأصل فيه أن يكون بالحجر بشرط طهارته، وكذلك ورق الشجر، وفى ص ١٥٥ يتحدث عن جواز الاستنجاء بورق التوراة والإنجيل بشرط أن تستخدم الأوراق التى ليس فيها اسم الله.. إلى آخره من الكلمات المؤلمة.
أؤكد احترامى الكامل لعلماء الأزهر الشريف، وكل ما أهدف إليه أن نكون أبناء شعب واحد، يحترم كل منا عقيدة الآخر، حتى نتصدى للهجمة الصهيونية الأمريكية البريطانية التركية القطرية التى مزقت العراق وسوريا وليبيا واليمن، ولم يعد باقياً أمامها إلا مصر «الجائزة الكبرى» حسب تعبير كونداليزا رايس ٢٠٠٦، وأنا أثق أن الأزهر الشريف يعمل جاهداً على تنقية التراث من الإسرائيليات التى شوهت جوهر الأديان جميعاً بما فيها اليهودية!
لتكن هذه الكلمات آخر الكلمات فى هذا الموضوع، أردت فقط أن أؤكد أن المصادر التى أنقل عنها صحيحة، ولما طالبنى البعض بالإتيان بالمصدر، كان لزاما أن أعود لمن أخذت عنه هذه المعلومات.
أرسل لى صديقى الدكتور زاهى حواس رسالة مؤداها أنه لا دخل للدين بما يفعله المنتمون إليه، وأن معركة قامت بين المسيحيين والوثنيين فى عصر البابا ثاوفيلس، فلجأ الوثنيون إلى السرابيوم، فأخذ البابا إذنا من الإمبراطور بتدمير السرابيوم بعد إطلاق سراح الوثنيين، ولكن المسيحيين حافظوا على كثير من الآثار الفرعونية بتحويلها إلى كنائس، أو وضع طبقة من الجبس ثم الرسم أو الحفر عليها، ويؤكد الدكتور زاهى أن المتعصبين فى كل دين مثل صائم الدهر الذى حطم أنف أبى الهول، انتهت كلمات الدكتور زاهى، وهى أهم ما فى رسالته، ولعل هذا الرد يكون كافياً للأستاذ على ياسين، ولنتفق جميعاً أن نغلق الحوار حول هذا الموضوع.
سألت الدكتور زاهى يوماً: لماذا لا نضع إلى جانب كل أثر مهم تسجيلا يقص علينا حكاية هذا الأثر؟!.
١- تمثال فى كل ميدان من ميادين القاهرة والمحافظات، إذا كنا حقاً نريد تنمية الولاء والانتماء لهويتنا المصرية. ٢- لكل سائح كارت به خمسة أرقام تليفونات للاتصال إذا تعرض لأى مضايقة فى بلادنا. ٣- إقامة معرض ضخم باسم المعرض الأهلى للآثار المصرية، كل من يجد أثراً يوضع باسمه فى هذا المعرض مع مكافأة لمن عثر على هذا الأثر، مكافأة رمزية.
وأخيراً: لأعداء الحضارة المصرية والبابلية والفينيقية أن يقولوا:
هزمناهم ليس حين دمرناهم، بل حين نهبنا متاحفهم فى العراق، وسوريا «تدمر»، وبكل أسف لم ننجح فى مصر!.

د. عماد جاد - أين الدولة؟ (٢) - جريدة الوطن - 22/4/2017

فى الوقت الذى يكثر فيه الحديث عن الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة والمساواة، وندافع عن هذه الفكرة فى مواجهة من يتّهمون مؤسسات الدولة المصرية بممارسة سياسات تمييزية بحق المواطنين المصريين المسيحيين، ونتولى الدفاع عن صورة مصر «المصرية»، الدولة المركزية التى أصابها بعض العطب والخلل نتيجة زحف الفكر الوهابى لاعتبارات تتعلق بضعف الموارد وسفر ملايين المصريين إلى الخليج وتحديداً السعودية، سعياً وراء الرزق وعودتهم بفكر متشدّد منغلق على حساب الفكر المصرى الوسطى، فإن الواقع يقول لنا إن الحال فى مصر يتدهور بشدة على مستوى فكرة ومبدأ «العيش المشترك»، فما زرعه الفكر السلفى، وما رعاه الرئيس المؤمن وأجهزته الأمنية من سياسات تديين المجال العام، والتضييق على المسيحيين المصريين ودفعهم دفعاً إلى الانعزال داخل أسوار الكنائس، بحثاً عن الأمان المفقود. الحقيقة أن كل ذلك لا يزال يضرب مؤسسات الدولة المصرية وسياساتها بصفة عامة، فما يحدث من اختفاء قاصرات والتراخى فى تطبيق القانون، وأحياناً رعاية الخاطف ومساعدته، وما يحدث من تصدى مواطنين بسطاء لمنع شركاء الوطن من مجرد الصلاة إلى خالق الجميع، وما يحدث من تفهم بعض رجال الأمن والمسئولين التنفيذيين لمثل هذه الجرائم، والإصرار على محاكمة أطفال بموجب قانون ازدراء الأديان والحكم عليهم بالعقوبة القصوى بالسجن خمس سنوات، وتدمير مستقبلهم، وهروبهم دون أن يعلم أحد أين هم، وترحيل مواطنين من موطنهم بقرارات عرفية بمباركة ورعاية أمنية.. كل ذلك يضع الإنسان أمام مأزق حقيقى، فماذا تريد أجهزة ومؤسسات الدولة؟ تلك الأجهزة والمؤسسات التى تتغنّى بوطنية الأقباط، وتُقدّر صبرهم ومساندتهم للدولة فى الأوقات العصيبة، تلك الأجهزة والمؤسسات التى تحتفى بوطنية الأقباط وتُهلل لقول البابا تواضروس «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، فى حين تتجبّر وتتكبّر عند التعامل مع أزمات الأقباط ومشكلاتهم، وتواجه أنينهم بصم الآذان حيناً، والمراوغة أحياناً كثيرة. ماذا فعلت الأجهزة والمؤسسات تجاه صراخ وأنين أسر اختفت بناتها؟ ماذا فعلت وهى ترى الأقباط يُمنعون من أداء شعائرهم الدينية، وتقول إن الموضوع معقد، لأن المتشدّدين يسيطرون على الموقف فى موقع الجريمة؟ لقد أدى كل ذلك إلى حالة من الغضب الشديد داخل صفوف الأقباط، حالة يبذل البابا تواضروس جهوداً هائلة لضبطها والسيطرة عليها، إلى متى يستطيع ذلك؟ لا أعرف.
السؤال هنا: ماذا تريد مؤسسات الدولة بالضبط؟ على ماذا تراهن مؤسسات الدولة المصرية؟ هل تراهن على صبر وطول أناة الأقباط؟ ممكن، لكن إلى متى يصبرون؟ ماذا تريد مؤسسات الدولة المصرية من وراء استمرار هذه السياسات الضاغطة بقوة على الأقباط؟
لقد جرّبنا كل الطرق والوسائل القانونية والشرعية فى التعامل مع مؤسسات الدولة المصرية، نقول لهم ماذا يضركم من إعادة بنت قاصر، هربت مع شاب مسلم واختفت، والإعادة هنا واجب على هذه المؤسسات، لأنها مسئولة عن تطبيق القانون، والقانون صريح تماماً فى نصوصه التى تقول إن الطفلة أو الفتاة دون الثامنة عشرة قاصر، لا يجوز تزويجها، ولا تغيير ديانتها، وأى شخص يفعل ذلك هو مجرم أمام القانون، وتصل العقوبة فى حال مواقعتها جنسياً إلى الإعدام؟ ماذا نقول لأهالى أولئك الفتيات؟ بماذا نرد على الأقباط الذين يستغيثون بنا كنواب فى البرلمان المصرى، أن وفروا لنا الحماية والأمن، نريد فقط ممارسة شعائرنا الدينية!! الحقيقة لا إجابة لدينا وباتت صورتنا سيئة للغاية لدى عامة المصريين المؤيدين للدولة المدنية، دولة المواطنة والقانون.
كنت مؤمناً ولا يزال لدى القليل من هذا الإيمان بأن مصر ستنتصر على داء الطائفية والتعصب، وأن مؤسسات الدولة المصرية سوف تتعافى بعد «٣٠ يونيو» من أمراض التعصّب والتمييز، وأن مؤسسات الدولة سوف تسعى إلى تغيير جذرى فى أدوات التنشئة من مناهج دراسية، خطاب دينى، وسائل الإعلام من أجل بناء دولة مدنية حديثة تنهض على الحرية، العدل، المساواة، وعدم التمييز، لكن ما جرى ويجرى قضى على الكثير من هذه الآمال.
أنا شخصياً وصلت إلى شفا اليأس، وأكاد أصل إلى استنتاج مؤداه أن ما يجرى من سياسات تمييز وتضييق على المصريين الأقباط سوف يستمر، وأننا نسير بالفعل نحو الهاوية.
أتمنى ألا يُؤخذ ذلك على أنه تهديد، فلا أحد يُهدّد الدولة المصرية، بل هى صرخة من الأعماق لمن صدمه الواقع المؤلم، ومن تصدٍّ طويل على مدار سنوات طويلة للعمل العام، سعياً إلى مواطنة غير منقوصة، وحياة للإنسان بكرامة على أرض أجداده.

Friday, April 21, 2017

قال لى محمود عمارة: «قد نأكل ورق الشجر والكلاب» بقلم د. عمار على حسن ٢١/ ٤/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

الرجل الذى خرج من مصر وخلفه ثمانية عشر عاما، ومعه ستة عشر جنيها إسترلينيا فقط، وكافح فى فرنسا وأمريكا وصار رجل أعمال، ومن أكثر العارفين بالزراعة قال لى غاضبا: «لو استمرت بلادنا تدار بهذه الطريقة الارتجالية، حيث لا خطة، ولا يُسند الأمر إلى المخلصين الفاهمين فإن المجاعة آتية لا ريب فيها». أفزعنى كلامه، وكنت أهاتفه لأسأله عن مصير ما دار بينه وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى حين التقاه قبل شهور، وعما إذا كان قد رفض منصب وزير الزراعة أم لم يعرض عليه أصلا؟ تحدثت معه لأنى تابعت ما قاله فى برامج تليفزيونية، وقرأت ما كتبه من مقالات، حول الاقتصاد عموما، والزراعة خصوصا، وطالعت بعض الكتب التى ألفها عن تجربته أو انطباعاته وحكاياته مع بعض كبار الساسة والكتاب والفنانين الذين كانوا يترددون عليه فى باريس، وظننت أن لديه إجابات على أسئلة لا يجيب عنها علماء فى النظريات الاقتصادية أو بعض الخبراء الذين تجلس أوامر السلطة على أطراف ألسنتهم فيتحدثون بما يُملى عليهم ليخدروا الناس.
قال لى: أنا لا أمزح، وليس بوسعى أن أُجمِّل القبيح، إن وضعنا غاية فى الصعوبة، والبلد فى حاجة إلى استراتيجية حقيقية، وليست هذه الأوراق التى تم إعدادها على عجل ليصنعوا منها دعاية مكشوفة، وإن لم يحدث هذا، وتتغير طريقة الإدارة، سنجد أنفسنا بعد سنوات عاجزين عن توفير السلع الضرورية للناس، فنحن نستورد جزءا كبيرا من حاجتنا من القمح وأغلب ما نأكله من الفول والعدس، وتعداد السكان يزيد بطريقة مفزعة، وإذا لم ننتج ونصدر أو يأتى إلينا السياح بغزارة، أو تنتعش التجارة العالمية فتزيد مداخيل قناة السويس، سيتعذر علينا توفير العملة الصعبة التى نستورد بها هذه السلع، ووقتها، سيقع شىء أشبه بما قرأناه فى التاريخ، عن تلك المجاعة التى جرت فى زمن سيدنا يوسف أو فى عهد المستنصر الفاطمى. لن يجد الفقراء سوى ورق الشجر والكلاب والقطط الضالة، وقد يبقرون بطون الحوامل ليأكلوا الأجنة.
حين قابلته كان حزينا على الأوضاع فى بلادنا، وحدثنى عن العقاب الذى يتعرض له الآن نتيجة وصفه مشروع زراعة ١.٥ مليون فدان فى الصحراء الغربية الذى افتتحه السيسى بأنه «فنكوش»، وأفهمنى أن العقاب هو سعى الدولة لتأميم الأرض التى أنفق على استصلاحها حسب تقديره، ستة ملايين يورو، ومعه أرض مزارعين صغار بذلوا جهدا مضنيا، وأنفقوا أموالا طائلة، من أجل إحياء أرض ميتة، فلما صارت زرعا ذا ثمر، تطالبهم «لجنة محلب»، أو بمعنى أدق من وراء هذه اللجنة، بسداد ١٢٠ ألف جنيه عن الفدان الواحد للدولة، بينما تطالب من حولوا أرضا مخصصة للزراعة إلى فيلات وقصور بمائة ألف فقط عن الفدان. قال لى: يمكننى أن أسلمهم الأرض كاملة بعد أن يدفعوا لى ما أنفقته عليها. أنا لا أريدها.
سألته: لماذا لم تشارك فى إدارة ملف الزراعة إن كان الرئيس قد عرض عليك هذا؟ ابتسم وقال: أنا لم أتأخر عن إفادة بلدى بما أعرفه، لكنى قلت لمن جلسوا معى لاستطلاع رأيى حول قبول منصب حكومى من عدمه أن يغيروا بعض القوانين المقيدة للانطلاق، والتى تكبل المسؤولين، وأن تُترك لى حرية التصرف وممارسة صلاحياتى كاملة، وأن أحاسب فيما بعد أمام الشعب إن لم أنجز على الأرض ما يطمئن الناس إلى أنه إنجاز حقيقى، وليس شكليا مثلما يُحدثنا البعض عنه الآن. أما أن أشارك فى الخديعة، فهذا ما لا أقبله. كما أننى عرضت أن أقدم استشارات فى كل المجالات التى لدى فيها تجربة مفيدة، لكنهم رفضوا.
قلت له: سمعت أنه قد جمعوا عنك معلومات جعلتهم يحجمون عن إسناد أى مسؤولية لك؟ قهقه وقال: إن ما يشغلهم هو ما إذا كان سيتم ترويضك بسرعة من عدمه، وما إذا كنت ستقبل ما هو موجود وتدافع عنه أم تنتقده ولو للمصلحة العامة. وذكرنى كلامه بفكرة مقال تلح على دوما، ولم أكتبها إلى الآن، بعنوان «باب الخدم» والذى على كل من يريد أن يكون له موقع فى الإدارة، أو بالقرب منها، أن يمر به فى بلادنا، فالسلطة المفرطة فى التسلط والعنجهية والشعور الزائف بالاكتفاء الذاتى تكره المعتدين بأنفسهم، المتكئين على كفاءتهم، والذين يريدون أن تجرى الأمور لصالح الناس بلا مواربة، لأنهم أصحاب الشرعية والمال والسيادة، وليس لصالح شريحة أو فئة أو مؤسسة أو جهة، كما رأينا، ونرى.
وبينما أنا ذاهب وراء ما أفكر فيه، كان هو شاردا فى شىء آخر، نطق به: «إنهم يخلطون بين العام والخاص، ولا تعنيهم الكفاءة بقدر ما تعنيهم الطاعة». وهنا فتح أمامى باب الحديث من جديد عن لقائه بالرئيس، لكنه اكتفى بإجابة محددة: «قلت له كل شىء حسب ما أراه، بلا تزويق ولا تزييف.. قلت إن مشروع زراعة الصحراء على هذا النحو سيفشل، والشباب الذين تسلموا الأرض سيعجزون عن سداد القروض التى حصلوا عليها من البنوك، وسيسجنون». وسألته: ألم تقدم له البديل؟ ابتسم وقال: قدمت ما أعرف. وهنا حدثته عن مقترحات بمشاريع قرأتها فى كتاب الدكتور ممدوح حمزة «الانفتاح على مصر.. تنمية الصحراء الغربية» أعدتها مجموعة من خيرة علماء مصر بعد دراسة عميقة، وكان قد قدمها إلى السلطات المتعاقبة لكنهم صموا عنها الآذان، وأغلقوا العيون. ضحك وقال: «هناك من يتذرع فى رفضه لهذه المشاريع المهمة بأن حمزة له توجهات سياسية مقلقة، وها أنا أمامك ليس لدى ما يُقلق، ولكن ما أقوله لا يسمعه أحد.. إنهم يتوهمون فهم كل شىء، وهذا آفة لا سبيل للخروج منها إلا بمعجزة».
هززت رأسى وقلت له: المعجزة يجب أن يصنعها الناس. اتسعت حدقتاه وقال: أكيد، لكن ما هو السبيل. وهنا تطرق الحديث بيننا إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة وفرصة التغيير بطريقة سلمية وآمنة، حتى يكون بوسعنا تفادى السيناريو الكارثى الذى باغتنى به حين قال: «سنأكل ورق الشجر والكلاب»، واستعاد جملة مرعبة قالها له رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور رفعت المحجوب حين قدم له كتابا عام ١٩٨٩ يحوى تجربته فى الغربة، أراد من تأليفه وإصداره، أن يستفيد الشباب منه: «يا بنى لا تتعب نفسك، هذا البلد ميئوس منه»، وبعدها بشهور قليلة اغتيل الرجل.
لكن محمود عمارة لم يفقد الأمل كل هذه السنوات، ووجدته يقول لى بوضوح: رغم هذه الصورة القاتمة فإننا لا يجب أن نفقد الأمل، مصر تحتاج إلى إدارة جيدة تحترم الكفاءة والتخصص، وتفتح الباب واسعا أمام المدنيين ليكونوا فى قلب العملية السياسية والاقتصادية وليس على هامشها. وهنا حدثته عن «قلائد الزينة» التى تحتاجها السلطة، عبر مجالس ومستشارين لا يستشيرهم أحد. ووجدته يقول لى هنا: جلست مع أحد هؤلاء المستشارين الكبار ساعات فلم يرن هاتفه، لا أحد يسأله عن شىء، وكل ما يعده من أوراق تحمل رؤى ومقترحات، بعضها هو نتيجة نقاشه الدائم مع أصحاب عقول نيرة، لا يجد طريقه إلى التطبيق، ومكانه الطبيعى هو درج مكتبه، الذى يئن من تراكم وتزاحم الأوراق.
كان عمارة شاهدا على طريقة تفكير بعض صناع السياسة فى بلادنا، حين كانوا يحلون ضيوفا عليه فى باريس وقت أن كان رئيس الجالية المصرية هناك، وكانت العاصمة الفرنسية مكانا، ليس لنقاش قضايا مصر، بل أيضا اختيار الوزراء وكبار المسؤولين، كما ظهر فى حالة رئيس الوزراء الراحل عاطف صدقى وحكومته، وحكومات أخرى جاءت بعدها. خلاصة تجربته هذه، وكذلك ما كابده منذ أن عاد إلى مصر واحتك بدوائر الحكم، أن ما يمنع مصر من التغير إلى الأفضل هو منظومة القوانين المعوقة، والفساد الإدارى والمالى، وتدخل أجهزة الأمن فى اختيار الوزراء ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء مجالس إدارات الشركات والهيئات والمصالح والمؤسسات الحكومية، والتعامل مع الحريات العامة وكأنها جريمة. وبذا يبقى الأمل لديه متاحا إن راجعنا هذه الطريقة فى الاختيار والإدارة، وغيّرنا القوانين، وحاربنا الفساد، وتركنا الباب مفتوحا على مصراعيه أمام العقول المدنية الواعية لتشارك باقتدار وتمكين فى إدارة دفة الأمور بلا استثناء، ولا حدود.

خالد منتصر - رسالة من مريضة «فيبروميالجيا»: افهمونا وارحمونا - جريدة الوطن - 21/4/2017

وصلتنى رسالة حزينة غاضبة من مريضة بأحدث مرض اكتشفه الأطباء «الفيبروميالجيا» أو الإعياء المزمن، الرسالة أبلغ وأقوى من أى تعليق، أنشرها كما هى وبأخطائها النحوية وبدون تعديل، تقول المريضة:
ذاك الشخص متقد الذهن.. الذى كان قادراً على تسجيل دليل الهاتف وقاموس الكلمات فى ذاكرته بسرعة البرق..
ذاك الشخص المرح.. الاجتماعى.. المسئول.. النشيط..
فجأه!
وجد نفسه قد سُرق..
سُلبت منه كل هباته وصفاته المميزة..
وجد نفسه وكأنه لا يعرفها..
حطام شخص.. يصارع آلام تجلد جسده من كل اتجاه..
كل خلية فى جسده قد أصابها الشطط..
لم يعد شىء فيه يعمل كما عهده..
أصبح جسده خصماً عنيداً له..
ألم ووهن فى عضلاته..
آلام فى المعدة وارتجاع بالمرىء ومتلازمة القولون العصبى.. مثانة متوترة عصبية..
قلب يرتجف أو يفزع بلا سبب..
جسده مغلف بجلد هو أشبه بمعطف من الشوك.. يؤلمه كل شىء.. حقاً كل شىء..
يزعجه الصوت والضوء والرائحة واللون والملمس.. لماذا تأبى أعصاب يديه أن تطيعه لتنقبض أو تنبسط! لماذا كل تلك البرودة فى أطرافه.. وسخونة فى مواضع الألم..
لم يعد جسده حتى قادراً على تنظيم حرارته..
أيا وجع الرأس.. أليس لديك وطن تشتاق إليه سوى هذا الرأس المسكين.. كم مرة استشعر الحرج حين صرخ صرخة مدوية بعد طعنة تلاقها من حيث لا يدرى.. ثم تحسسها.. فلم يجد سوى الألم والحيرة والخذلان..
يال الشطط.. يال الجنون.
أخبره الطبيب أن عيناه لا عطب فيهما.. فلماذا لا يرى بوضوح! يؤلمانه.. فيظل يفركهما كطفل أنهك البكاء مقلتيه.. أصبح منتهى أمله أن يحصل على راحة مؤقتة من أوجاعه وعذاباته بالنوم.. والنوم يجافيه.. أرق مزمن.. ومتلازمة من مشاكل النوم المضطرب تجعله لا يستكين أبداً..
والأدهى..
عقل بات فى ضباب.. وذاكرة خائنة.. ناكرة لكل ما حمَّلها من أمانات..
غير قادر على المشاركة فى المناسبات الاجتماعية.. أو الاختلاط بالناس.. ود لو أنه قادر على الهرب.. الاختباء.. ينقر باب المساعدة.. تراه حاملاً كومة من الأشعات والتحاليل حائراً بها بين الأطباء بتخصصاتهم الشتى... وعلى وجهه مسحة من الحزن ممزوجة بمرارة اليأس.. كيف لا.. والإجابة واحدة! «انت معندكش حاجة»
نعم هذا مشهد أحفظه عن ظهر قلب
وأخيراً.. يتم تشخيصه بعد سنوات من التخبط بـ«الفيبروميالجيا» يظل المريض فى حالة من الذهول وعدم الفهم.. ما هى هذه «الفيبروميالجيا»..
ويبدأ فى دوامة جديدة من تناول العقاقير المدمرة.. التى ربما كانت آثارها الجانبية أكثر خطورة من المرض ذاته.. والمضحك المبكى.. أنها لا تخفف الألم.. لا تساعد البتة! يحاول أن يبحث عن يد العون.. يد تنقذه من آلامه وسقوطه فى بئر من اليأس والاكتئاب يوماً بعد يوم.. فإذا به بدلاً منها يجد يد تدفعه بقسوة.. متهمة إياه بالادعاء أو «الدلع» أو الإيحاء..
وبعضهم يقرر أن الفيبروميالجيا ما هى إلا مرض نفسى وأعراضه غير حقيقية..
يا الله! هل كوّن بعض من المخابيل جمعية سرية واتفقوا على مجموعة من الأعراض المتماثلة حفظوها عن ظهر قلب لتساعدهم فى حبك دراما ادعاؤهم وتظاهرهم بالمرض!! وماذا عن نقاط الألم الثابتة فى أجساد مرضى الفيبروميالجيا.. هل لدى من ينكرونه تفسير لها! سوى أنه مرض حقيقى.. وبدلاً من البحث عن علاج له.. ينكرونه ويزيدون جحيم معاناة المرضى جحيماً آخر من الإنكار والتكذيب! الفايبروميالجيا تلقى سهامها فى سن مبكرة.. فيُسلب المريض شبابه.. نجاحه.. علاقاته.. كل مظاهر بقاؤه حياً. كم من مريض فكر فى إنهاء حياته أو تمنى أن يصاب بمرض مما يعترف به الناس ليصدقوه ويتعاطفون مع أوجاعه.. لولا الوازع الدينى.. لتساقطنا كأوراق الشجر فى الخريف يوماً بعد يوم..
قد يلجأ لحميات قاسية.. أو تجربة عقاقير فى أغلبها محاولات للنصب والمتاجرة بأوجاعه.. بل قد يلجأ للدجل والخزعبلات فى بعض الأحيان.. فقط ليستعيد حياته.. ليوقف دوامة الألم والاتهام والضياع التى تسحبه يوماً بعد يوم بلا هوادة.. مريض الفايبروميالجيا لا يتنصل من واجباته أو يتهرب منها..
بل..
هو يتهرب مما قد يسعده أيضاً.. فقد أصبح محدود الطاقة.. ربما مجرد تحريك يديه لكتابة ملاحظة يستهلكها بالكامل.. أصبح كل حلم مريض الفيبروميالجيا أن يُعترف به.. أن يتم الإقرار بأن أوجاعه حقيقة.. ألا يُكلف بما لا طاقة له به.. وإن كنتم عاجزون عن إيجاد ما يخفف أوجاعه.. فلا تزيدوها.. فقط بعض من الرحمة.. قد يساعده فى معركته التى فُرضت عليه بلا أمل فى بعض من الراحة.. أو أى نهاية.

د. عماد جاد - أين الدولة ؟ - جريدة الوطن - 21/4/2017

منذ سنوات طويلة يريد أقباط كوم اللوفى بناء كنيسة يؤدون بها الصلوات ويمارسون الطقوس الخاصة بالزواج والصلاة على الموتى، وباءت محاولاتهم المتكررة بالفشل، فكروا فى الصلاة فى بيوت أحد أقباط القرية، فتصدى لهم أهل القرية رافضين السماح لهم بالصلاة مؤكدين أن المكان ليس بكنيسة ومن ثم لا يمكنهم الصلاة فيه. جربوا أداء الصلوات فى البيوت فكانوا يتعرضون للاعتداء عليهم من قبل أهل القرية لاسيما الأطفال والشباب الذين يتوجهون إلى البيت الذى جرت فيه الصلوات ويرجمونه بالحجارة. كان الخط الهمايونى حائلاً دون الحصول على ترخيص لبناء كنيسة يصلون فيها ويؤدون الطقوس والعبادات المسيحية، تفاءلوا خيراً بقانون بناء الكنائس الجديد الذى أصدره مجلس النواب قبل شهور قليلة، وأمّلوا خيراً وصدقوا الأقوال التى انتشرت عن حرية ممارسة العقيدة وغيرها من تلك العبارات التى تم تسطيرها فى دستور البلاد الصادر عام ٢٠١٤، وأن طريقة البابا الهادئة فى التعامل مع الأحداث وتقديمه للوطنى على الدينى سوف تحقق لهم آمالهم فى بناء كنيسة يعبدون ربهم فيها.
باءت جميع محاولاتهم بالفشل، فكثير من أهل القرية قرروا عدم السماح ببناء كنيسة داخل قريتهم، وخرج ممثل الأزهر الوسطى هناك وقال إن القرية تعد من ضمن أرض الإسلام التى لن تبنى فيها كنيسة، وأنهم عاشوا فى هذه القرية دون أن تكون فيها كنيسة ومن ثم فلن يسمحوا ببناء كنيسة فى القرية.
أراد أقباط القرية أداء صلوات وطقوس وعبادات أسبوع الآلام فى أحد البيوت المملوكة لأحد أقباط القرية فكان رد أهل القرية رجمهم بالطوب والحجارة والخروج فى مسيرات هادرة تهدد وتتوعد أهل القرية فى حال الصلاة مرة ثانية فى أحد بيوت القرية.
الجديد فى الأمر هو ما جرى أمس الأول حيث اجتمع ثلاثة رجال من حكماء القرية (هكذا أطلقوا عليهم) بهدف رائع هو «توطيد المحبة وإرساء قواعد السلام والحفاظ على نسيج الوطن الواحد» وشدد بيان حكماء القرية الثلاثة على أن عملهم يجرى بعلم السيد اللواء الوزير المحافظ والجهات الأمنية.
وجاء فى بيان لجنة حكماء القرية أن اللجنة اقترحت حلولاً حسب المبدأ الشرعى «لا ضرر ولا ضرار» بطرح ثلاثة مواقع مملوكة لمسيحيين محددة جغرافياً وعلى أطراف القرية ليختار أقباط القرية واحداً منها لإقامة «دار عبادة» ووضعوا عدة شروط، هى:
١- أن يكون للعبادة فقط، أى لا تمارس فيه أى أنشطة أخرى.
٢- لا يوضع اسم كوم اللوفى على الدار.
٣- لا تبنى منارة، ولا يوضع عليه جرس.
٤- لا يرفع فوق الدار صليب.
٥- يتكون المبنى من دور واحد فقط.
وجاء فى البيان أن اللجنة اتفقت مع أهل القرية المسلمين عن تراضٍ كامل ولا يوجد فى نفوسهم أى ضغينة من ذلك مع مراعاة الالتزام بالأماكن الثلاثة المحددة فى الاتفاق. وفى حال تغيير أى شرط من الشروط أو الأماكن المتفق عليها يكون كل ما ورد بهذا الاتفاق ملغى.
هذا ما ورد فى بيان لجنة حكماء القرية الثلاثة الذين تولوا مهمة تسوية مشكلة صلاة أهل كوم اللوفى بالاتفاق والتنسيق مع السيد اللواء الوزير المحافظ والأجهزة الأمنية فى المحافظة.
السؤال هنا: «فى أى دولة أو إمارة يحدث مثل ذلك؟».
لا يحدث مثل ذلك فى أى دولة، لن نتحدث عن الدستور والقانون، نتحدث عن أعمال هدم لدولة القانون بإشراف السيد اللواء الوزير المحافظ والأجهزة الأمنية فى محافظة المنيا. فى أى مكان فى دولة مدنية أو دولة قانون يتصدى مواطنون ليفرضوا شروطاً مهينة على مواطنين آخرين فيما يتعلق بعباداتهم وصلواتهم؟
هل يعلم السيد الرئيس بما يجرى فى قرية كوم اللوفى ومحافظة المنيا عموماً؟ وإذا كان يعلم فما موقفه مما يجرى هناك من إذلال لمواطنين مسيحيين ومنعهم من إقامة الصلوات وفرض شروط مهينة على شكل دار عبادتهم بحيث يجرده من رموزه المسيحية تماماً ويخرجه عن طابعه الخدمى الاجتماعى كغيره من الكنائس؟
أتصور أن ما يجرى للأقباط فاق الحد والقدرة على الاحتمال وعلى الدولة أن تتدخل سريعاً لوقف مثل هذه الانتهاكات وتطبق القانون على الجميع وتوقف عملية الارتداد إلى حالة ومرحلة ما قبل الدولة.