Translate

Tuesday, April 28, 2015

د. بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة لـ«المصري اليوم»: الصراع فى اليمن لن ينتهى قريباً.. ومن مصلحة مصر عدم إعلان دورها حوار مى عزام ٢٨/ ٤/ ٢٠١٥

رغم انشغاله الشديد، واعتذاره عن عدم المشاركة فى منتدى استعادة الثقة فى النظام العالمى الجديد (المقام فى أذربيجان ٢٨-٢٩ إبريل الحالى)، بسبب ظروفه الصحية، أعطانا د. بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، من وقته لنجرى معه هذا الحوار على الهاتف، فى مقر إقامته حالياً بباريس.
وكانت «المصرى اليوم» قد علمت أن الرئيس الأذربيجانى الهام علييف عرض على د. بطرس إرسال طائرة خاصة مع طاقم طبى رفيع المستوى لنقله من باريس لحضور المؤتمر، إلا أن أوضاع د. بطرس منعته من المشاركة. وفى الحوار، أجاب د. بطرس غالى، أحد أبرز الخبراء الدبلوماسيين فى مصر، والشاهد على محطات التحولات السياسية والدبلوماسية فى المنطقة والعالم، على كل الأسئلة، مطالباً مصر بالتوجه نحو أفريقيا، ومرجحاً استمرار الصراع فى اليمن، وشدد الأمين العام الأسبق على أهمية أن يكون الدور المصرى فى اليمن «غير معلن». وفى الشأن المحلى، تحدث د. بطرس عن مشروع العاصمة الجديدة، والمشكلة السكانية، وأزمة المصريين العاملين فى الخارج، وإلى نص الحوار:
■ لنبدأ بالشأن الإقليمى، ما رأيكم فيما يحدث فى اليمن، فمن انطلاق عملية عاصفة الحزم ثم التوقف لإعطاء فرصة للحوار والتفاوض، كيف ترى الأمر؟
- لقد شاهدت أحداثا كثيرة شبيهة بتلك الأوضاع فى أمريكا اللاتينية والوسطى، تمرد وثورات ضد الحكومات تصاحبها حروب عصابات وحروب أهلية، على سبيل المثال ما حدث فى السلفادور، الثوار كانوا على بعد ٧٠ كم من العاصمة، وقمت على مدى عام كامل بالتشاور مع الرئيس الفريدو كريستانى وشفيق حنضل أحد قادة الثوار وكان من أصول فلسطينية، مثل هذه الحروب والنزاعات الأهلية تأخذ وقتاً طويلا حتى تصل لنهايتها، فالحرب الأهلية فى السلفادور استمرت من (١٩٧٩-١٩٩٢)، ويجب أن ندرك أن العبرة ليست بالوصول للاتفاقات، لكن يجب أن نحتاط حتى لا تعود الخلافات مرة ثانية، هنا يأتى دور الدبلوماسية الوقائية، وهى مسألة مهمة، تبدأ قبل الخلافات، وأيضا تعد مسألة مهمة عند نهاية الخلافات، فأهمية الدبلوماسية الوقائية هنا ألا تظهر الخلافات من جديد.
■ كيف تفسر صمت الجامعة العربية وعدم تقديمها مبادرة لحل الخلافات اليمنية - اليمنية فى حين قدمت إيران مبادرة؟
- قد تكون الجامعة قدمت مبادرة غير رسمية، فالمبادرات غير المعلنة قد تكون الأكثر أهمية، وربما سبب عدم إعلانها هو الحرص على عدم استفادة أطراف لها مصلحة فى استمرار الصراع فى اليمن، فعلى سبيل المثال، لدينا الحرب الأهلية فى سوريا، هناك أكثر من دولة لها مصلحة فى استمرار الخلاف وعدم الوصول للحلول، وفى هذه الحالات يمكن للأدوار الدبلوماسية السرية أن تكون أكثر فاعلية.
■ كيف ترون الدور المصرى فى هذه المرحلة؟
- ليست لدى معلومات كافية عن التحركات الدبلوماسية المصرية، لكننى واثق من أن مصر تتدخل ولكن بأسلوب هادئ، ومن الأفضل أن يظل الدور المصرى غير معلن، فمن المصلحة أن تتم الأمور فى هدوء ودون علم أطراف لها مصالح فى استمرار الصراعات، وليس من مصلحة مصر أن تعلن عن دورها، ومن الأفضل أن تترك لغيرها أن يعلن ذلك.
■ مصر تواجه العديد من الصعوبات وأهمها الحرب على الإرهاب، كيف تقيم الوضع؟
- الحرب على الإرهاب طويلة الأمد والمهم أن النشاط الاقتصادى والسياسى فى البلد يستمر، ولكن سأكرر ما سبق أن قلته من قبل عشرات المرات فى وسائل الإعلام، الانفجار السكانى أخطر على مصر من الإرهاب، مع نهاية العام الحالى سيزيد تعداد سكان مصر ٢ مليون نسمة، كيف سيتم التعامل مع هذه الزيادة؟ أنا لا أطالب بتحديد النسل مثل الصين، ولكن لابد أن تكون هناك مزايا للطفل الأول والثانى يحرم منها الطفل الثالث، وأبحث عن طرق أخرى لتنظيم النسل، وعلى الخبراء أن يفكروا فى وسائل غير تقليدية لتشجيع البسطاء والفقراء على تحديد النسل بإعطاء امتيازات للأسر التى تحدد نسلها، إلى جانب الاهتمام بوجود وزارة للهجرة والعاملين بالخارج، وأتصور أنها يمكن أن تكون أهم وزارة فى هذه الظروف، المصريون العاملون بالخارج مصدر إيراد مهم للبلد، يجب أن تشجع المصريين المهاجرين على قضاء إجازتهم فى مصر، ويتم تأسيس برلمان للمصريين بالخارج يضم ٥٠-٦٠ عضوا يجتمع مرة سنويا فى فترة أعياد الميلاد، ليكون أعضاؤه فى إجازات ويتكفل البلد بتذاكرهم وإقامتهم، ليظلوا دائما على صلة بالوطن الأم، كما يجب أن يكون لهذه الوزارة دور فى إبرام اتفاقات مع الدول التى تحتاج لعمالة خارجية لمعرفة نوعية هذه العمالة ليتم تدريب المصريين على هذه الأعمال فى دورات مكثفة تنظمها الوزارة بالتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية، انظرى الفلبين تؤهل معظم الفتيات فيها للعمل بالتمريض لأنها وجدت أن مهنة التمريض مطلوبة فى عدد كبير من دول العالم، وتجدين الآن فى أوروبا عددا كبيرا من الممرضات فى المستشفيات الأوروبية من الفلبين، يجب على مصر أن تشجع أبناءها على الهجرة والعمل بالخارج، الأفكار القديمة عن أن الانتماء يعنى البقاء فى البلد تحت أى ظروف يجب أن تتغير، علينا أن نتعامل مع المهاجرين والعاملين بالخارج باعتبارهم مواطنين درجة أولى، ونشركهم فى الحياة السياسية، فنضم عددا منهم لمجلس الشعب القادم.
■ دكتور بطرس لقد تحدثتم عن الانفجار السكانى كأهم مشكلة تواجه مصر ـ فهل ترى فى العاصمة الجديدة الحل للتخفيف عن القاهرة التى ضاقت بأهلها؟
- أنا لست ضد إنشاء عاصمة جديدة للبلاد، فهناك تجارب لدول أخرى سبقتنا لذلك، ولكن الفرق بيننا أننا حين فكرنا فى موقع العاصمة الجديدة اخترنا مكانا لا يبعد أكثر من ٦٠ كيلو عن قلب القاهرة، فى حين اختارت البرازيل عاصمة تبعد عن ريو دى جنيرو (العاصمة القديمة ) ألف كيلو متر، فبرازيليا (العاصمة الجديدة) تبعد مسافة ساعة ونصف بالطائرة، والمسافة بين ياموسوكرو العاصمة الجديدة لساحل العاج وأبيدجان العاصمة القديمة حوالى ٤٠٠ كم، ولكن مسافة ٦٠ كم لا تعد نقلة ولكن مجرد امتداد للقاهرة.
■ كتبت وتحدثت كثيرا عن تعرض علاقتنا مع دول أفريقيا لانتكاسات نتيجة عدم المبالاة والإهمال من جانب الرئيس مبارك ونظامه وكتبت فى مذكراتك أنك التقيت أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس وأفصحت له عن مخاوفك من السياسة المصرية فى أفريقيا، وقلت له بوضوح: إنكم تهملون ملف السودان ومشكلة مياه النيل، ولكنك أضفت أن حديثك لم يكن له النتائج المرجوة أو المتوقعة. فكيف ترى السياسة المصرية تجاه أفريقيا حاليا؟ هل ما يحدث كافٍ؟
- بالتأكيد هناك تغير ملحوظ ولعل مشكلة المياه كانت أحد الأسباب، ولكن نحتاج لجهود إضافية وزيارات مستمرة للدول الأفريقية، وهناك أفكار لن تكلفنا الكثير ولكن سيكون لها أثر كبيرة على استعادة الود المفقود مع الدول الأفريقية، مثل حرص مصر على حضور الأعياد القومية للدول الأفريقية فى العواصم الأفريقية بمشاركة وزير، ودعوة رئيس دولة أفريقية لزيارة مصر على أن تكون زيارة سياحية، ليقيم ضيفا عزيزا، وأيضا إرسال أطباء مصريين فى حالة مرض رئيس أفريقى لمعاونة فريقه الطبى فى علاجه، وإرسال بعثات بصفة دورية للدول الأفريقية لمعرفة المزيد عن أحوال البلد وتقييم احتياجاته وما يمكن أن نساهم فيه، لقد أهملنا أفريقيا طويلا، وآن الأوان أن نغير من تفكيرنا، فبدلا من النظر دوما إلى دول الشمال من أوروبا وأمريكا، علينا أن ننظر لدول الجنوب التى نتشارك معها فى الهموم والآمال.
■ هل قدمت استشارات للرئيس السيسى بالنسبة للملف الأفريقى؟
- لقد قابلت الرئيس السيسى قبل وبعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية، والرئيس كان دائما كريماً معى كلما طلبت مقابلته كنت أجد منه ترحيبا، وأنا أدعمه تماما فهو رجل وطنى مخلص لبلده، لكن موضوع الاستشارات لم يحدث، لقد أتممت عامى الـ٩٣، والاستشارات بحاجة لمجهودات ودراسات وأنا لم أعد قادراً عليها صحيا، حتى حضور المؤتمرات والمشاركة فيها أصبح مجهدا.
■ هل ننتظر عودتك قريبا للقاهرة؟
- ليس قبل نهاية العام، أمامى عدة اجتماعات يجب أن أحضرها الشهر القادم، هناك اجتماع مجلس إدارة مجمع القانون الدولى الذى أشرف برئاسته، (أكبر مجمع فقهى للقانون الدولى المعاصر)، وبعده اجتماع لليونسكو، وأقوم بالتحضير لمؤتمر كبير سيقام فى القاهرة مع نهاية العام الحالى عن حماية المرأة أثناء الحروب بالتعاون مع اليونسكو.
■ هل تطمئننا على حالتك الصحية؟
-أشكر لكم فى «المصرى اليوم» سؤالكم، وأطمئن الجميع أننى فى أفضل حال والحمد لله.

أمريكا شيكا بيكا بقلم د. محمد أبوالغار ٢٨/ ٤/ ٢٠١٥

تلقيت دعوة لزيارة الولايات المتحدة لإلقاء محاضرة فى تخصصى الدقيق فى مؤتمر طبى كبير، وتصادف أن حضرت قبل السفر اجتماع لجنة الانتخابات مع رئيس الوزراء والأحزاب والشخصيات العامة، وأعلن رئيسها صراحة أنها لن تغير شيئًا (واضربوا دماغكم فى الحيط)، وبعدها قررت أن أمد الرحلة لمدة أسبوعين للقاء أصدقائى المصريين الذين هاجروا فى فترات مختلفة إلى أمريكا، وشملت الزيارة ولايات نيويورك وماريلاند وألاباما وتكساس. وخرجت من هذه الرحلة بتصور عن الوضع السياسى داخل أمريكا وعلاقته بمصر والشرق الأوسط.
أولاً: كل شىء فى أمريكا يستعد للمعركة الانتخابية الرئاسية فى خريف ٢٠١٦ ويبدو أن التغيير الديموجرافى الكبير فى تعداد اللاتينو المهاجرين من أمريكا الجنوبية والاهتمام الأكبر للسود بالمشاركة فى العملية الانتخابية قد أصبح أكثر تأثيراً فى انتخابات الرئاسة لصالح الحزب الديمقراطى، ولكن الأمر ليس كذلك فى الكونجرس بمجلسيه.
ثانياً: تحسن الموقف الاقتصادى الداخلى بالرغم من ارتفاع سعر الدولار الذى أثر على صادرات أمريكا سلبياً، وكذلك انخفضت نسبة البطالة.
ثالثاً: تفكير الشعب الأمريكى، كما هو حين عايشته منذ سبعينيات القرن الماضى، ٩٥% منه لا يهتمون، ولا علاقة لهم بالعالم الخارجى واهتمامهم الأساسى هو باقتصادهم الشخصى، ومعظمهم لم يغادروا الولاية التى ولدوا فيها، واهتمامهم السياسى منصب على الانتخابات المحلية و٥% فقط يقررون سياسة أمريكا واقتصادها.
رابعاً: تتجه أمريكا بكل قوة إلى آسيا، وتعتبرها المستقبل. أما الشرق الأوسط، فلم يعد له الأهمية السابقة والبترول لم يعد بذات الأهمية ومصادر أخرى للطاقة فى الطريق وما يهمها فقط هو إسرائيل. والواضح أن علاقة متميزة مع إسرائيل قد بدأت تتبلور بصفة سرية مع معظم دول المنطقة بما فى ذلك كل الخليج.
خامساً: الارتباط الشديد بين أمريكا ودول الخليج بدأ يتفكك تدريجياً وساعد على ذلك أن السعودية تريد أن تكون صاحبة قرار مستقل، وتتزعم المنطقة.
سادساً: الحرب فى اليمن ليس لها أهمية عند أمريكا، وهم يساعدون السعودية أساساً بالمعلومات، ولكنهم لم يسمحوا لهم بدخول برى، ولن يكون هناك غالب أو مغلوب وسوف تدفع السعودية ثمن إعادة بناء اليمن.
سابعاً: مصر لم تعد لها الأهمية الكبرى عند أمريكا، ولكن جميع مراكز الأبحاث والعقول المفكرة فى الرئاسة والبنتاجون والخارجية والكونجرس ما زالت تعتقد أن الإخوان هم المفروض أن يحكموا مصر، وهذا تفكير قديم بدأ منذ عدة عقود، وقد ذهلوا من أحداث ٣٠ يونيو ووقوف الشعب ضد الإخوان، ولكن تفكيرهم ما زال كما هو برغم قبولهم بالأمر الواقع.
ثامناً: سوف تعترف أمريكا بالأمر الواقع فى العراق وتقسيمها إلى ثلاث دول، وسوف يستعيد الأسد نفوذه بعد تقديم تعهدات للجميع.
وأخيراً: إن مستقبل مصر يعتمد على نفسها وقدراتها وسواعد أبنائها والعمل الشاق والشفافية والحرية والديمقراطية الكاملة وإلا فلا أمل، وسوف ننقرض فى هذه الغابة الكبيرة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Monday, April 27, 2015

والله وبكّيت فاطنة يا عبدُ الرُحمن بقلم فاطمة ناعوت ٢٧/ ٤/ ٢٠١٥

مشيت يا خال؟ مين بعدك يتغزّل فى مصر؟ مين بعدك هايقولى: والله وبكّيت فاطنة يا عبدالرحمن!
فى الثمانينيات الماضية دعت اللجنةُ الثقافية بكلية الهندسة جامعة عين شمس عبدالرحمن الأبنودى استجابةً للطلاب. كنتُ فى أولى عمارة، ولا أنسى ابتسامته الرائقة ونحن نقاطعه ليعيد ونردد معه «جوابات حراجى القط» التى نحفظها عن ظهر قلب. كان ذلك فى مدرج «فلسطين» المهيب الذى يحتلُّ مكانًا بارزًا فى واجهة المبنى العريق.
بعد برهة طلب سماع «المواهب الشابة» من طلاب الكلية. وشى بى زملاء أشرار ممن يعرفون محاولاتى الشعرية ودفعونى دفعًا لألقى قصيدة فى حضرة الأبنودى. وكان أعسر الامتحانات. بعد بعض تردد ألقيتُ ما ألقيت. وحين تقدمتُ لمصافحته أتعثّرُ فى خجلى، احتضننى قائلاً بلكنته الجنوبية الحلوة: «انتى شاعرة يا بِتّ، اوعاكى تسيبى الشِّعر!». وكانت شهادةً كبرى أمام ألف طالب، أخذتُها على محمل التشجيع من شاعر كبير لصبية تجرّبُ الشعر، ولم أنشر حرفًا إلا بعد هذه الواقعة بعقدين كاملين. لكنّ كلمته ظلّت تميمتى السرية. أُخرجها فى خُلوتى لأتقوّى كلما انهزمت، وأستحضرُها فوق طاولتى كلما راودنى الشعرُ وحاولت الفرار منه؛ كعادة الشعراء.
قبل سنوات، كان الأبنودى يُلقى قصيدة «يامنة»، وحرصتُ على اقتناص مقعد فى الصف الأول، فى مواجهة الشاعر، وكان إلقاؤه كالعادة ساحرًا، وملامحه تقول الشعرَ مع صوته، وكانت القصيدة ماسّة حارقةً، فبكيتُ حين قال: «ولسه يامنة هاتعيش وهاتلبس/ لمّا جايب لى قطيفة وكستور؟/ كنت اديتهومنى فلوس/ اشترى للركبة دهان/ آ..با..ى ما مجلّع قوى يا عبد الرحمان/ طب ده أنا ليّا ستّ سنين مزروعة فى ظهر الباب/ لم طلّوا علينا أحبة ولا أغراب./ خليهم/ ينفعوا/ أعملهم أكفان.!/ كرمش وشى؟/ فاكر يامنة وفاكر الوش؟/ إوعى تصدقها الدنيا../ غش ف غش!/ مش كنت جميلة يا واد؟/ مش كنت وكنت/ وجَدَعَة تخاف منى الرجال؟/ لكن فين شفتونى؟/ كنتوا عيال!/ هاتيجى العيد الجاى؟/ واذا جيت/ هاتجينى لجاى؟/ وهاتشرب مع يامنة الشاى؟/ هاجى يا عمة وجيت/ لا لقيت يامنة ولا البيت!». بكيتُ. فما كان إلا وانتزع منديلاً ورقيًّا وابتسم قائلاً: (والله يا عبدُ الرُحمان بكّيت «فاطنة» الحلوة!). وها أنت اليوم تُبكينى مجددًا يا عبدالرحمن!
عقدانِ بين هذين الحدثين الفاعلين فى حياتى. وبين العقدين مئاتٌ من قراءة الأبنودى وكثير من دموع تغسل الروح كما التطهّر الأرسطى. أيها الجميل يا مخبى فى عينيك السحراوى تملى حاجات، ارقدْ فى سلام؛ ولا تنسنا!

مائة عام على جريمة إبادة الأرمن: لماذا غابت مصر الرسمية؟ بقلم د. عماد جاد ٢٧/ ٤/ ٢٠١٥

أحيت أرمينيا الذكرى المئوية لجريمة الإبادة التى ارتكبتها القوات العثمانية فى مستهل الحرب العالمية الأولى، وتحديداً اعتباراً من عام ١٩١٥، وأسفرت عن إبادة مليون ونصف مليون أرمنى، أو ما يوازى نصف الأمة الأرمينية فى ذلك الوقت، وسيطرت على معظم أرض أرمينيا التى كانت تبلغ مساحتها حولى ٢٥٠ ألف كيلو متر مربع، ولم يتبق للأرمن سوى ٢٩ ألف كيلو متر مربع أقاموا عليها دولة أرمينيا الحديثة التى كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق الخمس عشرة، وأصبحت دولة مستقلة مع تفكك الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، ويبلغ عدد سكانها اليوم حوالى ٣.٢ مليون نسمة، ويتواجد مثلهم اليوم فى الشتات فى كافة أنحاء العالم.
والحقيقة أن جريمة الإبادة التى ارتكبتها القوات العثمانية اعتباراً من عام ١٩٠٩، وصلت إلى الذروة عام ١٩١٥، عندما دخلت القوات العثمانية مدن الأرمن وقراهم وبدأت فى عمليات قتل على الهوية لكل مكونات المجتمع الأرمنى.
أقامت أرمينيا احتفالات ضخمة بمناسبة مرور مائة عام على جريمة الإبادة، ووصلت الاحتفالات الذروة يومى ٢٤ و٢٥ إبريل الجارى، بدأت الاحتفالات بمؤتمر دولى عن الإبادة ناقش قضية الجرائم التى تقع بحق الإنسانية، وتحديداً جرائم الإبادة، ومنها إبادة الأرمن على يد الأتراك عام ١٩١٥، ولم يكن المؤتمر مقصوراً على قضية الأرمن، بل جرى تناول الموضوع من منظور عالمى إنسانى، وقالوا إن الهدف ليس مجرد إدانة تركيا، ولكن هو العمل على منع وقوع مثل هذه الجرائم مستقبلاً، قالوا إن عدم إثارة جريمة إبادة الأرمن شجع هتلر على ارتكاب جريمة إبادة اليهود، فقد رد هتلر فى ٢٢ أغسطس ١٩٣٩ على من تحفظوا على مخطط إبادة اليهود خشية التعرض للحساب الدولى، قائلاً: «بعد كل ما جرى من يتحدث اليوم عن إبادة الأرمن؟». إذن الهدف الرئيسى الذى وضعه الأرمن للمؤتمر الدولى الذى عقدوه حول الإبادة هو حماية البشرية من تكرار مثل هذه الجرائم، وهو أمر لا يتحقق إلا بالاعتراف والتعويض. وناقش المؤتمر جرائم الإبادة الأخرى التى وقعت فى كمبوديا ورواندا. كان الحضور متنوعاً وغنياً. حضر البابا تواضروس الثانى على رأس وفد مميز وكان الاحتفاء به كبيراً وجلس فى الصف الأول إلى جوار بطريرك روسيا، وكان الوفد الشعبى المصرى ثانى أكبر الوفود المشاركة، فقد ضم ٥٥ شخصية مصرية ما بين سياسية وإعلامية، أكاديمية وثقافية وفنية، وكان للوفد تمثيل فى المؤتمر والاحتفال العالمى الذى جرى صباح الجمعة الماضى، الذى شارك فيه رؤساء روسيا وفرنسا وصربيا وغابت عنه مصر الرسمية أيضاً، فقد حضر ممثلون عن مختلف دول العالم يتقدمهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لم يحضر ممثل للدولة المصرية ولم يشارك السفير المصرى فى يريفان ولا أى شخص من السفارة فى الاحتفال الذى شارك فيه وزراء عرب وممثلون للدول (من الإمارات، الكويت، سوريا، لبنان، العراق).
المحزن حقاً أن التساؤلات كانت كثيرة ومتنوعة عن سبب غياب مصر الرسمية، قالوا لنا إننا كنا نتمنى مشاركة رسمية من مصر على أى مستوى، وإذا كانت مصر الرسمية لا تريد الاعتراف بالإبادة الأرمينية فإن المشاركة فى حد ذاتها لا تعنى الاعتراف بجريمة الإبادة بدليل مشاركة إسرائيل والإمارات والكويت وسوريا وبريطانيا، وأى منها لم يعترف بجريمة الإبادة الأرمينية، فقط كانوا يودون رؤية مصر الرسمية. السؤال الذى يحتاج إلى إجابة واضحة من الحكومة المصرية ومن وزارة الخارجية تحديداً هو: لماذا غابوا؟ هل السبب خشية الغضب التركى؟ أم أن السبب يعود إلى اعتبارات أخرى لا يرغبون فى ذكرها؟ نريد أن نعرف من هو صاحب قرار مقاطعة احتفالات أرمينيا بالذكرى المئوية للإبادة، وعلى أى أسس واعتبارات بنى هذا القرار؟
فى جميع الأحوال خسرت مصر كثيراً من وراء الغياب عن مناسبة كهذه، ولاسيما أن المصريين الأرمن لعبوا دوراً نشطاً فى نقل صورة حقيقية لما جرى فى مصر فى الثلاثين من يونيو، وطلبوا من أشقائهم فى مختلف دول العالم نقل هذه الصورة، كما لعبوا دوراً كبيراً فى إقناع الحكومة الأرمينية بالمشاركة فى مؤتمر شرم الشيخ، فشاركت بوفد مكون من ٢٥ شخصاً برئاسة رئيس الوزراء.

اغنية تايتنك مترجمة عربى لكل عشاق الرومانسية.mp4

المرأة المصرية والحجاب.. حرب حق الانتفاع .... أميرة علي

يتعجب البعض من أصدقائي أنني لم أخض "عاركة" الحجاب. فمن يعرفني جيدًا يعلم أن قصتي مع الحجاب أكثر درامية من العديد من  القصص المتداولة. ارتديته قبل هوجة لبسه وخلعته قبل هوجة خلعه وعانيت من الهجوم والغضب والمقاطعة في الحالتين.

ارتديت الحجاب وقمت بفريضة الحج وأنا في الثانية عشر من عمري- بعد بلوغي الحيض بأيام قليلة- في وقت كان الحجاب فيه "بيئة" وغير مقبول في وسطي الاجتماعي. لم يكن في عائلتنا محجبات تقريبًا ومنعتني جدتي- رحمها الله- من دخول نادي "الجزيرة" معها لأن شكلي وأنا "رابطة منديل"- الكلام ده كان في أوائل التسعينيات ولم تكن كلمة "حجاب" مألوفة لجدتي- يوحي بأني "دادة" أو "شغالة". بكت أمي عندما "تحجبت" وأبدت قلقها من أن فرصي في الزواج من عريس "ابن ناس" ستتضاءل. هاجمني أغلب أفراد العائلة ورأوا في قراري غلوًا في الدين و"دهولة" شكلية.

كنسوية صغيرة زادتني الاعتراضات إصرارًا. كان حجابي في البداية خوفًا من الذنوب "المتلتلة" التي سأحصدها كلما نظر إليّ رجل- كما سمعت من شيخ الكاسيت-، ولكنه أضحى دليلًا على حريتي وتمردي على طبقية عائلتي. مشكلاتي مع الحجاب بدأت حينما لاحظت انجذاب الأمهات و"الأخوات" الزائد لي فى المسجد- يتكلمن معي على أنني ساصبح يومًا "عروسة لُقطة"، ويبحثن عن من هن من أمثالي لأبنائهن. كنت أتساءل: لماذا؟.. وكانت الردود دائمًا تدور في فلك "البنت الكويسة"؛ "مش زي بنات اليومين دول"؛ "مش زي بنات هنا- حيث إننا كنا هاجرنا إلى كندا فى هذا الوقت".  فطنت لأن الحجاب هو- بالنسبة لهن- رمز للانصياع للذكورية، في حين كان المايوه البكيني بالنسبة لي هو قمة تشيؤ وتسليع المرأة وعلامة انصياعها لمجتمع ذكوري متعفن يريد الاستمتاع بجسدها حينما يحلو له. كان تحت وسادتي كتاب ناوومي وولف: "أسطورة الجمال: كيف يستعمل "الجمال" للتنكيل بالمرأة؟"، وكنت أقرأ مقتطفات منه كل ليلة بعد ما أصلي العشاء فرضًا وسنة. كان حجابي ليس مجرد منديل. كان الحجاب ثورتي ضد مجتمع يقهرني ويريد تشكيلي على كيف كيفه. كان حجابي ليس مجرد فرض، بل كان حجابي جزءًا مني- كان حجابي هو أنا! وكنت أتحدث كثيرًا مع نسويات مسلمات وكن يشاركنني الاحتفاء بانتصارنا على مجتمع لا يرى فينا إلا زينة وديكورًا ومادة للإغراء والدعاية.

خلعت الحجاب في ٢٠٠٨، بعد ستة عشر عامًا من ارتدائه، ووقتها كانت كل نساء العائلة تحجبن وأصبح نادي "الجزيرة" يعج بالمحجبات وذوات الجلابيب- جمع جلباب وليس جلابية. وكانت قد تحجبت جدتي قبل وفاتها بسنوات قليلة انصياعًا لرغبة أحد أبنائها. نظر إليّ الجميع وقتها كأنني جُننت. وهاجمتني الكثيرات- أغلبهم خلعن الحجاب بعد الثورة. لم يكن مفهومًا لأحد سر قراري.

إننى لم أخلع الحجاب لأني خرجت عن  الإسلام، ولا لأني توصلت لرأي فقهي لولبي يطمئنني أن الحجاب ليس فرضًا. ولكني خلعته- وأرحب وأشجع على خلعه-؛ لأني أرى عدم ارتدائه أقرب للحرية والمساواة بين الرجل والمرأة. خلعته لرفضي أن أشارك فى تنميط وتصنيف المرأة إلى "محترمة" و"غير محترمة". خلعته لأني أردت أن أعلن عن عدم قناعتي ولا تقبلي فكرة أني مسؤولة عن ذنوب الرجل الناظر إليّ.

إن كانت الذنوب المشكلة فلماذا لا ينفق السلفيون ملايين الدولارات في حملات للحث على مكارم الأخلاق التي لا خلاف عليها؟ لماذا لا نراهم يلعنون رمي القاذورات في الشوارع وأخذ الرشاوى على المنابر؟ أليست هذه ذنوب نكراء في ديننا الحنيف؟ الحكاية إذًا ليست خوفًا علينا- يا حرام- من النار، بل هي حرب علي "حقوق الانتفاع" بأجسادنا.

تأكدت أن المسألة ليست ذنوب. فالكثير ممن يحجبون بناتهم وزوجاتهم يتصفحون المواقع الإباحية للتسرية عن أنفسهم. تحاورت مع أحدهم مرة وكان صوامًا قوامًا، وسألته: "إزاي يهون عليك تاخد ذنوب بالزوفة في حاجة تافهة كده؟"؛ فأوضح لي أن الموضوع ليس بالبشاعة ديه ولكنه مجرد تسرية تعويضية. وتفضل- شاكرًا- بتذكيري أنه زمان كان فيه جواري ماشيين بأثدائهن عارية وكان لكل رجل كذا جارية تسري عنه. "أما إحنا رجالة اليومين دول فغلابة.. كام ويبسايت وفيديو كليبات ودمتم، منعتوا عنا اللي ربنا محلله ومستخسرين فينا دول كمان؟". ذكرني هذا بأن الحجاب لا يمكن أن يكون ثورة- لا طبقية ولا يحزنون-؛ حيث إنه يقال إنه فرض على "الحرة" وليس "العبدة"! كيف إذن لا يكون الحجاب طبقيًا وتمييزيًا ومناصروه لا يجدون غضاضة أن يتحدثوا عن الأحرار والعبيد؟ الحجاب إذن ليس هدفه المساواة.. بل هو رداء تمييزي ذكوري.

لن يغير مجتمعنا سوى الدعوة لحرية شخصية حقيقة وفصل حقيقي بين العقيدة والإيمان عن السياسة والدولة. أما ما دون ذلك غالبيته تكون مجرد حديث عن حرية المرأة من أبو أجندة- يريدها المتأسلم حرة أن ترتدي المهرهر والمجرجر ليخلص من إغوائها، وحتي "يكوش" عليها، ويريدها المتلبرن "حرة" أن ترتدي البكيني لتمتعه "هذا إن كانت كتوكتة كيوت ورشيقة وعلى مزاجه طبعًا، لإما سينهال عليها تريقة وتهزيقًا". كلاهما ذكوري وكلاهما يتشاجر على "حق الانتفاع" بجسد المرأة.

لن تغيروا الإسلاميين والإسلاميات بأن تقولوا لهم بأن آراءهم "كخة". فهم يرون أن آراءكم "كخة" كذلك. بحكم تخصصي كخبيرة صحة نفسية وتغيير سلوكيات؛ فإنى أعلم أن أفضل طريقة لجعل الإنسان يتشبث بآرائه- التي عادة يعتبرها جزءًا من كينونته- هو أن نهاجمها. إنك إن هاجمت أي إنسان تحول إلى طفل عنيد يدبدب فى الأرض ويتفتف يمينًا ويسارًا ويتشبث بلعبته "المحظورة".

لم يكن من الممكن أن تقنعوا "أميرة" موديل ١٩٩٢، أن تسليع وتشيئ المرأة ليس في المايوه ذاته، ولكن في فرض المجتمع لقالب شكلي معين. لم تكن الدعوة لمليونية "خلع الحجاب" لتؤثر في أميرة ٩٢- كانت غالبًا هتزود من تشبثها به. احتاجت أميرة أن تخوض حياتها كما أرادت وأن تقرأ أكثر وأن تخوض تجارب كثيرة حتى تفهم أن حريتها في أن تحتفي بكل ما فيها… جمالها؛ شعرها؛ جسدها كما هو بحسناته وعيوبه، وليس أن تحاول أن تطلقه بالتلاتة إرضاء لشيخ الجامع الذي يطلب منها أيضًا أن تتحول إلى امرأة ماهرة في فنون الحب بعد الزواج إرضاءً لبعلها.

التغيير يبدأ من الداخل.. والتغيير الأهم يبدأ بحب وتقبل الذات..

خلعت الحجاب لأني قررت أن أشطب من حياتي شعوري بالخزي والخجل من جسدي.. ذلك الشيء الذي يمكن أن يجذب الرجال إليه. قررت أن أتناسى الرجال وآراءهم ووعظهم تمامًا. قررت أن أعطي جسدي إجازة من كونه ساحة معاركي مع الذكورية بشكليها في مجتمعي: الأخ الذي يراني "مصاصة" يريد تغطيتي حتى لا يأكلني الذباب، والأخ الذي يراني "وردة" يتعايق بيها في عروة الجاكيتة. قررت أن أستمع لما يريد جلدي أنا.. شعري أنا.. جسمي أنا. وكانوا جميعًا مشتاقين لرذاذ البحر ودفء الشمس ونسيم الصباح وقطرات المطر. كان جسدي مشتاقًا للحرية والحركة والرقص- فأعطيته ما يريد.

خلقنا بأجساد متصلة بأرواحنا. وضع الله بأجسادنا ميكانيزمات تعلمنا بما نحتاجه حتى نحيا سعداء ومنتجين. تعلمنا عندما نحتاج للجنس أو الحنان أو الحركة، كما تُعلمنا بحاجتنا للأكل والشرب والنوم. علينا فقط أن نتعلم أن نستمع لها جيدًا… وهذا هو ما أعلمه لمرضاي ومريضاتي فهو أساس للصحة النفسية.

ولذلك خناقة نتظاهر ولا ما نتظاهرشي لخلع الحجاب ليست معركتي.

أنا رسالتي لكل فتاة وامرأة وأم:

كوني أنت كما تريدين..
كوني متسقة مع نفسك.. سعيدة.. متألقة

إلبسي ما تريدين: طنجرًا كان فوق أمة رأسك أو "بادي" كارينا فوسفوري.
ولكن كوني سعيدة.. أبية.. بهية.


Saturday, April 25, 2015

رئاسة كاسحة ووزارات كسيحة بقلم د. وسيم السيسى ٢٥/ ٤/ ٢٠١٥

كانت أول صدمة حضارية أخذتها فى إنجلترا حين ذهبت لدرجة الدكتوراه فى جراحات الكلى والمسالك البولية، من جون سونى John Swinny فى «نيوكاسل»، اتصلت بالمستشفى، رد علىَّ مساعده Yates، قال: ثانية واحدة، وفعلاً بعد ثانية كان جون سونى معى على التليفون، رحب بى، وقال: بروفيسور محمود بدر حدثنى عنك، أراك غداً ١١ صباحاً.. باى.. ووضع السماعة وأنا فى ذهول! لم تأخذ المكالمة نصف دقيقة!!
كانت الصدمة الحضارية الثانية عند لقائى بآلان روز، أحد علماء إنجلترا، وذلك لترتيب إجراء تجارب خاصة بحصوات المسالك البولية على خنازير غينيا «فى حجم الأرانب الصغيرة»، والـGold-Hamsters، فسألنى: هل أخذت موافقة جمعية الرفق بالحيوان؟ قلت لا، قال لابد من هذه الموافقة! تصورت أنها ستأخذ أسابيع، وإذ به يتصل تليفونياً بالجمعية، ويخبرهم بموضوع البحث، ويأخذ الموافقة، ويقول لى: الآن تعمل وأنت مطمئن!!
قلت له: أنا أعمل فى كمبردج، وأريد موافقة المعامل بالمستشفى، كما أريد بيتاً للحيوان لحفظ حيوانات التجارب فيه!
قال: سأتحدث إلى Scott، رئيس المعامل، وإلى مس English لبناء بيت للحيوان! وثانى يوم قابلت سكوت.. أعطانى مفتاحاً للمعامل وهى مدينة كاملة، كما قابلت مس English، وقالت: أخبرنى بروفيسور Rose بكل شىء، شكرتها وقلت لها أرجو أن يتم البناء سريعاً! سألتنى: متى تريد؟! قلت أسبوعاً! ابتسمت، ولم أفهم مغزى الابتسامة إلا بعد أربع ساعات! كان هذا الحديث ٩ صباحاً، تم البناء الواحدة ظهراً! فكانت صدمة حضارية ثالثة!!
طلبت دواء لأحد مرضاى الإنجليز، قالت لى الصيدلانية: غير موجود بإنجلترا، ولكنه موجود فى ألمانيا، هل هو ضرورى؟ قلت نعم! بعد ٨ ساعات كان الدواء بين يدى قادماً من ألمانيا لإنجلترا!!
ما نفعله فى سنة يفعلونه فى يوم! إنها البيروقراطية، وهى كلمة جاءت من بيرو أى مكتب بالفرنسية، فالبيروقراطية معناها الالتزام باللوائح والتعليمات المكتبية دون إهمال العقل فيما يعرض للموظف من طلبات وقضايا الناس!
كل واحد منا يحمل فى قلبه الكثير من المعاناة، أياماً مهدرة، أموالاً ضائعة، وكله بسبب الروتين الذى سمعنا قرب نسفه بلا أمل! لعلكم تذكرون هذا المسكين الذى ذهب لقبض معاش سنتين، فصرف معاش سنة واحدة «الأخيرة» لأن بها إقراراً أنه حى يرزق، أما السنة التى قبلها، فقد رفض البيروقراطى الروتينى صرف معاشه، وعبثاً حاول الرجل إقناعه أنه لم يمت فى هذه السنة، وعادت إليه الحياة فى السنة التى تليها! دون فائدة!
اسأل عن المعاناة فى قلم المرور، أو السجل المدنى، أو حظك العاثر إذا طلعت شهادة ميلادك مثلاً «نسيم» بدلاً من «وسيم»، ستدوخ السبع دوخات من أجل هذا الحرف رغم وجود أوراق وباسبورتات تحمل ألف دليل ودليل، ولكن تقول لمين؟! تقول لهم: يا عالم ده تور! يقولوا: احلبوه.
إن رئاستنا نشطة قوية كاسحة، ولكن بكل أسف جهازنا الإدارى - ومعه بعض الوزارات - كسيحة! فى عدد إبريل ٢٠١٥ Scientifi American أن البريد بالنسبة للـE.Mail، هو نفس ما سيكون عليه الـE.Mail بالنسبة لما هو قادم!! أين نحن من هذا كله؟!

Wednesday, April 22, 2015

عن التخن والتخان بقلم على سالم ٢٢/ ٤/ ٢٠١٥

أنا عاتب على زملائى الذين تناولوا بغضب وببعض السخرية تعليق وزير الثقافة لإحدى موظفات الوزارة بأن لديه «مشكلة» مع أصحاب الأوزان الزائدة. واجب الموضوعية والمهنية كان يحتم عليهم التعرف على أبعاد هذه المشكلة وهل هى تتعلق بمزاجه الشخصى أم أن الوزن الزائد لموظف ما فى وزارته يهدد مستقبل الثقافة فى مصر؟
الواقع أن مشكلة التخن والتخان لها صلة قوية للغاية بالتنمية فى مصر بل هى تعكس بدقة أفكار المصريين الأساسية على الأقل فى نصف القرن الأخير. هى ليست مشكلة شخصية، بل هى مشكلة اجتماعية. فحتى نص قرن مضى كانت مشكلة المرأة فى مصر هى أن تتمكن من زيادة وزنها عدة كيلوجرامات. وكانت المرأة التخينة هى العنصر الساحر فى أعين الرجال. وكان المستفيد الأول من هذه الرغبة النسائية القومية هم تجار العطارة. والعجائز أمثالى مازالوا يذكرون بالخير آلاف الإعلانات فى أنحاء مصر كلها التى كانت تروج لمربة خرز البقر التى يبيعها خضر العطار والتى تضمن للأنثى التخن المنشود. أما مقياس الجمال الغربى بوجه عام وهو الأنثى النحيلة، فقد كان مرفوضا بل ومستهجنا وتوصف صاحبته بأنها «مسلوعة» والعياذ بالله. أنا شخصيا ليس لدى مشكلة مع الأنثى البدينة أو الممتلئة أو حتى التخينة ويبدو أن هذا هو السبب فى عدم تعيينى وزيرا للثقافة.
أتصور أن المصريين لم يعرفوا الوزن الزائد إلا بعد ظهور القطاع العام. التخن إذا هو عرض من أعراض الاشتراكية. أما عندما يجهد الناس أنفسهم فى العمل فمن المؤكد أنهم سيفقدون وزنهم الزائد وتختفى مشكلة وزير الثقافة وتبدأ مشكلتى أنا بغياب الأنثى التخينة الجميلة.
عندما كان المصريون يعملون كان من الصعب أن ترى رجلا أو أنثى تخينة، وفى كتابه عن مصر قال ليو أفريكانوس الذى زار مصر فى بداية القرن السادس عشر، إنه لم يشاهد مصريا بدينا. وفى الرسومات الفرعونية وخاصة لوحة «الراقصات» الشهيرة ستجد نساء جميلات ذوات مواصفات مثالية، لا يوجد فى أجسامهن شحم زائد ولا حتى عشرة جرامات.
لقد كتب فولتير حوالى ألف عمل ولكنه كتب روايتين فقط، «كانديد» والثانية «صادق» أحداث الروايتين تقع قبل ظهور الأديان السماوية ومسرح الأحداث فيهما هو الشرق الأوسط. وفى الروايتين ذكر وقائع غريبة لها صلة بالتخن فى أعلى درجاته عند الأنثى. عندما كان يحدث حصار لإحدى القلاع، ويجوع المدافعون المحاصرون وبعد مرحلة التهام القطط والكلاب والفئران، يبدأون فى ممارسة طقس غريب. يقطعون قطعة دهن من مؤخرة السيدة التخينة ــ التخينة جدا ــ ثم يأكلونها مشوية بعد إضافة قليل من الفلفل والبهارات عليها. ثم يكررون العملية بعد عدة أيام. هى جراحة مؤلمة بالطبع غير أنها لا تسبب الوفاة. المؤلم فى هذه الحالة أن الضحية تعجز عن الجلوس.
 الغريب أن الأخ فولتير ذكر هذه الوقائع فى كلتا الروايتين. وكأنه ينبهنا إلى ضرورة احترام التخن والتخان والاعتراف بفضلهما فى إنقاذ البشر من الموت جوعا فى حالات الحصار. وأخيرا وليس آخرا، لابد من الوصول لإجابة شافية عن السؤال، لماذا كان التخن يمثل مشكلة عند السيد وزير الثقافة. وهل يوجد فى الحكومة وزراء آخرون لديهم مشكلة مع التخن والتخان؟

Monday, April 20, 2015

Sherine - Masha3er / شيرين - مشاعر

مصر أصل التقويم (١) بقلم د. ممدوح الدماطى ١٩/ ٤/ ٢٠١٥

فى العدد السابق تحدثت عن الأعياد فى مصر القديمة وبالتالى أشرت إلى التقويم المصرى القديم، لذا رأيت أن أتناول اليوم الحديث عن التقويم المصرى القديم، إذ إن مصر هى مبتكرة التقويم وصاحبته، وعرفت تنوع التقويم واستخداماته كلها دون تعارض، فكيف كان هذا؟
كان التأريخ فى العصر العتيق أى منذ ٣٠٠٠ ق.م. يتم حسب بعض الأحداث الهامة، وكان العام الأول من حكم كل ملك حتى الأسرة الثامنة حوالى ٢١٠٠ ق.م يعرف بـ «عام توحيد الأرضين» أى أن شطرى مصر يتوحدان من جديد مع بداية حكم كل ملك، ثم يلى ذلك التأريخ بحدث معين متكرر، وكان أهم حدث هو تعداد الماشية والذى كان يتم كل عامين حسب ما جاء على حجر بالرمو. وكان نص التأريخ كما يلى: «العام س لتعداد البقر وكل الماشية الصغيرة فى مصر العليا والسفلى تحت حكم الملك فلان».
واعتباراً من عصر شبسسكاف من نهاية عصر الأسرة الرابعة حوالى ٢٤٧٠ ق.م. أصبح هناك أسلوبان للتأريخ مرتبطين بالتعداد بالتناوب وهما: «العام س للتعداد» «العام بعد س للتعداد» وهو ما استمر حتى الأسرة الثامنة حوالى ٢١٠٠ ق.م. ومع العام الأول لحكم كل ملك يبدأ العد من جديد بالعام الأول لتعداد الماشية.
واعتباراً من الأسرة ١١ حوالى ٢٠٥٠ ق.م. أصبح التأريخ بسنين حكم الملك «العام س لحكم ملك مصر العليا والسفلى». ثم استمر هذا التأريخ مع إعطاء التفاصيل باليوم والشهر والفصل أحياناً اعتباراً من الدولة الحديثة حتى العصر اليونانى الرومانى.
وعرف المصرى القديم التقويم النيلى مرتبطا بدورة النيل والتى تبدأ من وصول فيضان النيل عند رأس الدلتا لتغمر الأراضى الزراعية وما يتبعها من مراحل الزراعة بذر وإنبات وحصاد، ثم انحسار النيل ثم فيضان من جديد، لذلك سميت فصول السنة مرتبطة بالدورة النيلية، الفيضان والإنبات والحصاد. والذى يتفق فى بدايته مع التقويم الشمسى المرتبط بظاهرة الشروق الاحتراقى لنجم الشعرى اليمنية. وقد سجلت بعض النصوص المصرية هذا الحدث مثل: بردية من اللاهون من العام السابع من حكم سنوسرت الثالث وتحدد بعام ١٨٧٢ ق.م. وبردية إيبرس فى العام التاسع من حكم أمنحوتب الأول فيما بين ١٥٣٤-١٥٢٥ ق.م. ومرسوم كانوب من عصر بطليموس الثالث فى ١٩ يوليو ٢٣٧ ق.م.
كما عرف المصرى القديم التقويم القمرى وهو أول تقويم عرفه المصرى القديم من عصور ما قبل التاريخ وارتبط بدورة القمر الشهرية والتى كان المصرى يتتبعها بسهولة فى ميلاد القمر ثم نموه التدريجى حتى يكتمل ثم انحصاره مرة أخرى، ليكون طول الشهر القمرى ٢٩.٥ يوم × ١٢ شهرا = متوسط ٣٥٤ يوما بفارق ١١ يوما عن التقويم الشمسى.
وفى حساب عبقرى تفرد به المصرى القديم جمع بين التقويمين القمرى والنيلى، والقمرى والشمسى فى قياس الزمن والاحتفال بالأعياد، إذ إن الأعياد الدينية المصرية ارتبطت بالقمر فى فصل معين وشهر معين نيلى/شمسى، فمثلاً كانت أعياد إحياء أوزيريس تقام فى الشهر الرابع من فصل آخت، أى شهر كيهك وكان يوم اكتمال القمر فى هذا الشهر هو يوم إحياء أوزيريس. وهو نفس الأسلوب المتبع حتى الآن فى حساب شم النسيم وهو يوم الإثنين الأول بعد أول اكتمال قمر يأتى بعد الاعتدال الربيعى ٢١ مارس، مرتبطاً بأعياد الحصاد عند المصرى القديم فى الشهر الرابع من فصل برت، أى شهر برمودة.
أما عن التقويم الشمسى فكانت مدينة أون القديمة، وهى تشمل مناطق المطرية، وعين شمس، والمرج الحالية هى مدينة عبادة الشمس وعرفت ببراعتها فى علم الفلك، وكان من أنبغ علمائها فى هذا المجال إيمحوتب أشهر مهندسى العمارة المصريين والذى أشرف على بناء هرم الملك زوسر المدرج فى سقارة من حوالى ٤٧٧٠ سنة، وكان يشغل أيضاً منصب كبير كهنة الشمس فى أون وكان يلقب بـكبير الرائين، أى كبير الناظرين للسماء، وهى وظيفة دعت صاحبها إلى التطلع إلى السماء والتدبر فى شؤونها وهو لقب يربط كبير كهنتها بعلم الفلك وعلوم السماء، وغالباً ما كان له دور هام هو وعلماء أون القديمة فى ابتكار التقويم الشمسى الذى تميزت به الحضارة المصرية عما سواها من الحضارات القديمة، وقد ابتكر كهان عين شمس هذا التقويم عندما رصدوا ظاهرة فلكية هامة هى اتفاق ظهور نجم الشعرى اليمانية والذى عرفه المصرى القديم باسم سوبدت، وعرفه اليونان باسم سوتيس، ويعرف شروق هذا النجم بالشروق الاحتراقى أو الحلزونى وهو رؤية هذا النجم قبيل شروق الشمس كل ٣٦٥ يوما وربع، وهى ظاهرة كانت تتفق مع بداية الفيضان ووصول مائه إلى رأس الدلتا عند مدينة عين شمس كل ١٤٦٠ سنة، وقد رصد كهان عين شمس هذا الاتفاق ثلاث مرات هى:
١- عام ٢٧٧٣ ق. م. فى عصر زوسر (٢٧٨٠- ٢٧٦٠ ق.م.)
٢- عام ١٣١٧ ق.م. عصر حورمحب (١٣١٩-١٢٩١ ق.م.)
٣- عام ١٣٩ م. عصر أنطونينوس بيوس (١٣٨-١٦١ م.)
نستكمل فى العدد القادم.
* وزير الآثار

مائة عام على جرائم تركيا بحق الأرمن بقلم د. عماد جاد ٢٠/ ٤/ ٢٠١٥

فى مثل هذه الأيام، قبل قرن من الزمان، وتحديدا فى إبريل ١٩١٥ بدأت القوات التركية فى ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق سكان الولايات الأرمنية الشرقية والغربية، وتحديدا التى كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وعلى مدار شهور قليلة تمكنت القوات العثمانية من إبادة مليون ونصف المليون من الأرمن المدنيين الأبرياء، ساقت مئات الآلاف إلى طرق الهلاك والموت جوعا وعطشا، وتعرض مئات الآلاف للقتل، ونهبت ممتلكاتهم، أوغل الجنود الأتراك قتلا فى المدنيين الأبرياء العزل، أرادوا السيطرة على مدنهم، قراهم، ومن قبل ذلك ممتلكاتهم وثرواتهم، وارتكبت القوات العثمانية أبشع جرائم الإبادة، سبقت جرائم هتلر والنازية بنحو ثلاثة عقود، ومن وقائع وفظائع الجنود الأتراك بحق الأرمن جرى استحداث مفهوم جديد من مفاهيم الجرائم التى ترتكب بحق شعوب كاملة، وهو مصطلح الإبادة الجماعية أو GENOCIDE المكون من شقين هما GENOS وهو مصطلح يونانى، ويعنى «جنس» وCIDE وهو مصطلح لاتينى ويعنى قتل، ومن المقطعين معا جاء مصطلح الإبادة الجماعية أى قتل مجموعة أو جماعة بشرية لها سمات خاصة، والقتل هنا يأتى على الهوية.
ولا تتوقف جرائم تركيا (الإمبراطورية العثمانية) عند جريمة الإبادة الجماعية للأرمن، فأينما وطئت الأقدام التركية حلت المذابح، وسالت الدماء، وساد التخلف والجهل والتعصب، حدث ذلك فى اليونان، بلد الحضارة وأصل الفلسفة، عندما احتلت تركيا اليونان وقعت جرائم القتل الجماعى والتى لم تستثن لا مرأة ولا طفلا ولا شيخا طاعنا فى السن. يكفى أن تزور الموانئ اليونانية المواجهة للأراضى التركية اليوم لتشاهد صورا مرسومة لعمليات القتل الجماعى التى مارسها الجنود الأتراك فى أهل اليونان. ويكفى أن تقرأ رواية «الحرية أو الموت» للرائع كازانتزاكس، لتعرف قدرا من جرائم الأتراك بحق اليونانيين فى «جزيرة كريت».
يكفى أيضاً أن تقرأ تاريخ منطقة البلقان لتعرف جرائم الأتراك بحق الإنسانية، ففى تلك المنطقة اضطهدوا، وعذبوا أهل البلاد من صرب وكروات، ومزقوا هذه البلاد حتى صارت مضرب المثل فى التمزق والصراع، فبات مصطلح «البلقنة» مستقرا فى الكتابات السياسية، ويشير إلى الاختلاف، التمزق والصراع، وهو من بين منتجات الإمبراطورية العثمانية، وهى الصراعات الموجودة حتى يومنا هذا فى منطقة البلقان وتحديدا فى دولها المختلفة، فلا تكاد تخلو دولة بلقانية واحدة من الصراعات العرقية والدينية الموروثة من الإمبراطورية العثمانية، فالصراع يجتاح ألبانيا، بلغاريا، رومانيا، وجمهوريات يوغوسلافيا السابقة، وتحديدا البوسنة، صربيا، مقدونيا، كرواتيا، وأخيرا كوسوفو.
بذلت تركيا جهودا ضخمة لطمس ملامح جرائمها فى أوروبا، آسيا وأفريقيا، واستغلت حاجة الغرب لها فى مواجهة الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية فى الحرب الباردة، ودخلت حلف شمال الأطلنطى، وقبلت بلعب دور الأداة الخادمة للسياسة الخارجية الأمريكية، سواء فى مواجهة المعسكر الشرقى أو فكرة القومية العربية والتعاون الاستراتيجى مع إسرائيل فى مواجهة العالم العربى، وتحديدا سوريا والعراق، استغلت كل ذلك لطمس جرائمها بحق الإنسانية والتى تتضمن أيضا جرائم الإبادة الجماعية ومنها جريمة قتل مليون ونصف المليون أرمنى، وأيضاً ارتكاب جرائم جديدة بحق قوميات وعرقيات داخل أراضيها مثل الأكراد، وتمكنت من مواجهة كل دعاوى الاعتراف بالجرائم عبر العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة والدور الذى تلعبه فى خدمة السياسة الأمريكية.
ورغم ذلك لم تنجح تركيا فى استغلال علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة فى دخول الاتحاد الأوروبى، فتركيا دولة آسيوية (أكثر من ٩٥٪ من أراضيها تقع فى آسيا) ورغم ذلك تتمرد على الجغرافيا، وترغب فى عضوية المؤسسات الأوروبية، استغلت حاجة الغرب لها زمن الحرب الباردة، ودخلت بعض المؤسسات الأوروبية، مثل منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا والاتحاد الأوروبى لكرة القدم، ولكنها لم تتمكن من تحقيق حلمها الأكبر فى دخول الاتحاد الأوروبى.
ومع تراجع حاجة الغرب لتركيا، والفشل التركى الراهن فى تطبيع العلاقات مع دول عربية (مصر نموذجا) وأوروبية (اليونان مثلا) باتت تركيا تمثل عبئا ثقيلا على السياسة الأمريكية، ولا سيما مع النشاط الضخم الذى تبذله جاليات من ضحايا زمن العثمانيين (الأرمن، اليونان، الصرب، وغيرهم) لدفع البرلمانات الغربية للاعتراف بجرائم الإمبراطورية العثمانية، وهو النشاط الذى أسفر عن اعتراف البرلمان الفرنسى بأن ما وقع من الأتراك بحق الأرمن عام ١٩١٥ هو جريمة إبادة، وسار الكونجرس الأمريكى خطوات على هذا الطريق، وأقر بابا روما بذلك، مؤكدا أن ما جرى هو جريمة إبادة.
وجاءت اللطمة الكبرى من البرلمان الأوروبى الذى اعترف قبل أيام بأن ما وقع ضد الأرمن كان جريمة إبادة، وقد أدت هذه التطورات المتسارعة إلى فقدان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان كل حنكة فى مخاطبة قادة سياسيين ودينيين موزعا تهديداته على الجميع، فى خطوة سوف تجلب على تركيا المزيد من المتاعب، فلم تعد أنقرة قادرة على وقف الاعترافات الدولية المتتالية بجريمة الإبادة بحق الأرمن، ولا باتت لديها أوراق مساومة مع العواصم الغربية، بعد أن تبدل الحال، وتغيرت منظومة العلاقات الدولية.
كما أن انتماء أردوغان للإخوان واحتضاته للتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية أفقداه حاضنة إقليمية مهمة جعلته يقف بمفرده محاولا تغييب وطمس حقائق تاريخية. إقرارا بهذه الحقائق وتعاطفا مع شعب أرمنيا يشارك وفد مصرى رفيع المستوى فى الاحتفالات التى تقيمها أرمنيا لذكرى الضحايا على مدار قرن كامل، ونأمل أن تحذو الحكومة المصرية حذو عواصم دولية عديدة فى الاعتراف بجريمة تركيا بحق الأرمن، فلا يوجد مبرر لعدم الاعتراف أو للتأخر فى إعلان ذلك.

Sunday, April 19, 2015

كيف تهدم الإسلام فى نصف قرن؟ بقلم رامى جلال ١٩/ ٤/ ٢٠١٥

بعدما انتصر القائد القرطاجى «هانيبال» عدة مرات على الإمبراطورية الرومانية، ابتدع الرومانى «فابيوس ماكسيموس» (استراتيجية فابيان الحربية) وهى عبارة عن حرب استنزاف طويلة تُضعف العدو القوى وتسقطه على مراحل دون مواجهات مباشرة.
فى العصر الحديث طبقت «الجمعية الفابية» فى بريطانيا تلك الفكرة (عبر برناردشو ورفاقه)، لبناء الاشتراكية دون المرور بفكرة الصراع الطبقى والانتفاضات العمالية، لكن بالكتب والمقالات والاجتماعات والندوات لكى تتسرب الفكرة للمجتمع الذى سيؤمن بها تدريجياً (مثلما فعل الخومينى فى إيران بشرائط الكاسيت). وبالفعل تكلل نجاح «الجمعية الفابية» فى إنجلترا بفوز حزب العمال بالأغلبية على حساب حزب المحافظين وزعيمه التاريخى، القائد المنتصر «ونستون تشرشل». وتسبب هذا الحدث فى تطوير الرأسمالية عبر الاستفادة من ميزات الاشتراكية، لكن هذا موضوع آخر.
ما يحدث الآن من نقد حاد وغير مسؤول للخطاب الدينى سيتحول إلى نقض للدين نفسه عبر الطريقة الفابية. والدائرة تبدأ من الخارج إلى الداخل باتجاه المركز. جزء كبير من أزمة الدين الحالية هو التوحيد بين ما هو دينى وما هو تاريخى، والمرحلة الأولى لحل المشكلة هى نفسها أولى خطوات الهدم؛ فبعد قرون من التوحد سوف تكون إعادة تقييم النص «التاريخى» لدى الناس بشكل أو بآخر هدماً للدين ذاته. لكنه، شئنا أم أبينا، أمر سيحدث بعد أن تتطور التكنولوجيا أكثر خلال عقد واحد من الآن بحيث تكون عملية استدعاء المعلومة أسهل من أخذ حلوى من يد طفل. علينا تهذيب الأمر وليس محاولة منعه.
ستبدأ الطريقة الفابية فى العمل بداية عبر إسقاط هالة القداسة عن كتب التراث، وهذا ليس سيئاً فى ذاته، لكنها ستحفر أعمق من اللازم حتى تسقط تلك الكتب نفسها (فتظهر جماعة «الصحيحيون» وهى لا تعترف إلا بما جاء فى القرآن والسُنة فحسب). تبدأ الفابية بعد ذلك فى مهاجمة السُنة، إلى أن تسقطها بعد معركة طويلة (فتظهر مجموعة «القرآنيون»، وهم يؤمنون بالقرآن فحسب). نصل بعدها إلى الضرب فى التفاسير (فتظهر مجموعة «الطبريون»، وهم من يؤمنون بتفسير الطبرى فحسب، باعتبار أنه إمام المفسرين). بعدها يسقط «الطبرى» أيضاً (وتظهر مجموعة «عراة ونفتخر» وهى تُعلى من العقل فحسب تتبع أفكار «أبوالعلاء المعرى» وفرقة المعتزلة). بعدها يبدأ الحديث عن مجموعة الآيات القرآنية الناسخة والمنسوخة، فيتم إسقاط جزء من القرآن، وجعله أقل أهمية (فتظهر جماعة المختزلون). ثم يصبح كل شىء بلا أهمية ومطعوناً عليه ومشكوكاً فيه (فتظهر جماعتا «الإنسانيون» و«الأخلاقيون»). بعد كل هذا التشرذم ستبقى هناك فرق مثل الموجودة الآن بالضبط، وسيُطلق عليها إجماعاً «الفرق الناجية». الأمر يشبه تطور الإنسان وأنواع القردة من كائنات تشبه كليهما!

Friday, April 17, 2015

الوطن يرجع إلى الخلف بقلم رامى جلال ١٧/ ٤/ ٢٠١٥

نحن الأمة التى تبدأ الآلاف من قصائدها بالبكاء على الأطلال، بينما المنطق يقول إن الانشغال بالماضى يبقيك فى الحاضر ويمنعك عن المستقبل. وقد حدث فى القرن الماضى أن ترك المؤلف الأمريكى «لويد لويس» حياته ومستقبله وعائلته وكل ما له وتفرغ بتعمق شديد لكتابة أبحاث كثيرة متتالية عن الرئيس الأمريكى الراحل «إبراهام لينكولن»، الذى توفى فى القرن التاسع عشر. تخصص «لويد» فى «لينكولن»، فما كان من زوجته- زوحة لويد- وهى الصحفية «كاترين دورثى»، إلا أن كتبت مقالاً قالت فيه إنها فقدت زوجها فى الحرب الأهليه الأمريكية!
إن كان من المرجح علمياً أنه يمكن السفر للمستقبل، فإنه لا دليل حتى الآن على إمكانية العودة للماضى. ولكن هذا الطرح تم تعديله فى وطننا العربى عبر محاولات البعض استنساخ الماضى. لدينا فصيل يريد أن يعود بنا إلى الوراء زمنياً، رافعاً الراية السوداء للدولة العباسية، ويطالبنا نحن برفع الراية البيضاء وتركه يعيث فساداً بعقولنا. وهناك فصيل آخر أراد أن يرجع به إلى الخلف جغرافيا ليقتدى بالسودان، ولكن الله ستر.
العودة للماضى لن تلحقنا بركب «الحضارة»، لكنها فقط ستضعنا بصف «الحضانة»، لنعود أطفالاً مرة أخرى فيتم تربيتنا وتثقيفنا من جديد علنا نتعلم ما غاب عنا ونفلح فى تحقيق أحلامنا عبر العمل وليس بتقليد عمل آخرين عاشوا فى أزمنة أخرى.
كتب الفرنسى «موليير» مسرحية «مريض الوهم»، وتحدث النمساوى «فرويد» عن «النوستالجيا» أو الحنين للماضى، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، تجعل الشخص لا يشترى من الماضى إلا جيده، بينما ينسى أنه ملطخ بردىء الأفعال! فأنت إن عدت لعصر النهضة مثلاً لن تشغلك فقط عظمة «دافنشى» أو روعة «رامبرانت» أو جمال «مايكل أنجلو»، لكن سيؤرقك للغاية عدم وجود «دورة مياه» لائقة تقضى فيها حاجتك!! والواهم فقط هو من يحاول تصوير الماضى على أنه جنة ليعيش أسير أسطورة «الزمن الجميل».
يتحول الزمن عندنا إلى جميل بمجرد أن يمر ويموت كل من عاصروه، فتأتى مجموعة كائنات تتباكى عليه لتقول ما معناه «الله يرحم الجميل». يحدث هذا لأننا نذكر محاسن موتانا وننسى دوماً كل ما هو مسىء. الزمن الجميل لم يأت بعد وأظن أنه لن يأتى. هو مثل الشبح الذى لا يظهر إلا فى الظلام ولا يراه أبداً إلا شخص واحد فقط (ليحكى ما حدث براحته).

Tuesday, April 14, 2015

حيرة الرئيس فى حرب اليمن بقلم د. محمد أبوالغار ١٤/ ٤/ ٢٠١٥

تتردد الأقاويل بأن هناك احتمالاً لتلبية نداء السعودية بالاشتراك فى حرب برية استكمالاً للحرب الجوية التى شنتها السعودية بالمشاركة مع حلفائها على اليمن. وبالطبع هناك قلق شديد بين جموع المصريين على المشاركة البرية، وما العمل ونحن قد تعهدنا بحماية الخليج؟
أولاً: الحرب التى شنتها السعودية هى حرب هجومية أساساً على دولة مجاورة، صحيح أن البعض يقول إنها حرب وقائية وهذا قابل للسجال، وقد يكون منطقياً أن نتحرك للدفاع عن أى دولة عربية إذا هوجمت أما إذا كانت هى البادئة بالهجوم فالأمر مختلف.
ثانياً: المصريون عندهم هلع تاريخى من الحرب فى اليمن. لقد ذهب الجيش المصرى فى الستينيات بأعداد قليلة بدعوى حماية الثورة اليمنية، ولكن صعوبة الحرب أجبرت مصر على إرسال آلاف المحاربين، بالإضافة إلى المعدات الحربية، وكانت هذه مقدمة لهزيمة ٦٧ ولن ننسى أبداً شهداءنا والجرحى.
ثالثاً: نحن نعلم أن التحركات العسكرية لابد أن تحيطها السرية، ولكننا كنا نود أن نعلم بعد التنفيذ كم قطعة بحرية شاركت مع بحرية الدول الكبرى المشاركة فى حماية الملاحة فى باب المندب، وكم طائرة شاركت مع السعودية لأن تصريحات كبار المسؤولين السعوديين فى الصحف العالمية تتحدث عن حملة سعودية أمريكية بمساندة الدول الكبرى الأوروبية ولا ذكر لأى بلد عربى.
رابعاً: نحن نعلم أنه لا يمكن تحديد نهاية الحرب، وكيف تسير الأمور، ومدى المخاطر التى قد يتعرض لها الضباط والجنود المصريون، وأننا قد نسقط فى مستنقع لا نستطيع الخروج منه. ولذا يجب أن نعرف هل مشاركتنا فى حرب برية سوف تكون مع قوى أخرى ضمن تحالف، ومن هم أعضاؤه أم سوف نترك وحدنا لنلاقى مصيرنا؟
خامساً: الحرب هى طريقة لتحسين موقفك الاستراتيجى عند التفاوض. هل سيكون لنا مقعد واضح ولنا كلمة على مائدة المفاوضات أم ستكون الكراسى للسعودية وأمريكا ونحن فقط نحارب؟
سادساً: فى غيبة البرلمان هناك صعوبة وحرج شديد عند أى رئيس فى اتخاذ قرار الحرب. صحيح أن مجلس الدفاع الوطنى ومجلس الوزراء يكفون من الناحية القانونية ولكن الأمر صعب.
سابعاً: بالرغم من كل هذه المصاعب إلا أن ظروف مصر الاقتصادية والدعم الخليجى ارتبط بتعهدات على الأقل شفهية بأننا قادمون (مسافة السكة)، والتخلى عن الخليج سوف يضعف موقف مصر السياسى والاقتصادى بشدة ولذا فالأمر شائك.
ثامناً: الأمر شديد الصعوبة عسكرياً وسياسياً، ويجب على مصر أن تلعب دوراً محورياً فى المنطقة، وتمتنع عن الاستقطاب السياسى وتعرف أن أعداء الأمس ممكن أن يكونوا أصدقاء الغد، ونمتنع عن الشخصنة فى الخلاف السياسى، ولا يجب أن تكون المعونات العربية عائقاً عن دور مصر المستقل لاحقاً.
الشعب المصرى يبدو أنه لا يريد التورط فى اليمن، وإذا قررت القيادة غير ذلك فيجب أن يقف الشعب كله وراء جيشه طوال المعركة، وحتى يعود سالماً، وبعد ذلك تأتى المراجعة.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Monday, April 13, 2015

Elissar Queen of Dance

عن احترام المعتقدات والمقدسات بقلم د. عماد جاد ١٣/ ٤/ ٢٠١٥

من بين سمات الدولة الديمقراطية أن تكون دولة «علمانية» بمعنى أنها تفصل ما بين الدين والسياسة، تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد والمعتقدات، لا تميز بين مواطنيها بسبب الدين، العقيدة أو الطائفة، وظيفتها الأساسية حماية المواطن وتوفير احتياجاته قدر الإمكان، لا نص على دين للدولة، فالدولة ومؤسساتها تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان.
بعد تجارب مريرة وحروب طاحنة بعضها دام سبعة عقود كاملة (حرب السبعين عاما فى أواخر القرن السادس عشر وحتى العقد الخامس من القرن السابع عشر) قررت أوروبا الفصل بين الدين والسياسة، فبدأت تعرف طريق الديمقراطية والتطور.
الحال لدينا فى مصر مغاير تماماً، فبعد الحقبة شبه الليبرالية التى انتهت بثورة ١٩٥٢، جرى خلط الدين بالسياسة، وعمل نظام يوليو على توظيف الدين فى خدمة السياسة، بدأ التدهور فى مصر بمجىء الرئيس الراحل أنور السادات الذى كان قدره أن يخلف رئيسا يتمتع بكاريزما، بحث الرجل عن سند للحكم أو أساس فلم يجد، فى وقت نشطت ضده الجماعات القومية واليسارية فى الجامعات المصرية ومن ثم قرر ارتداء عباءة الدين، وتشكيل مجموعات إسلامية مسلحة فى الجامعات المصرية لضرب التيارين الناصرى واليسارى، زاد من جرعة التدين الشكلى وحرص على أن يبدو كذلك أمام بسطاء المصريين. نجح السادات فى أسلمة المجال العام فى مصر، وتمكن خلال سنوات قليلة من شق صف المصريين، عرف نفسه بالرئيس المؤمن ومصر بدولة العلم والإيمان ووصف نفسه بأنه رئيس مسلم لدولة إسلامية، فنشطت جماعات العنف وواصلت عمليات القتل بحق الأقباط لاسيما فى صعيد مصر، ومع نهاية عقد السبعينيات كانت مصر على وشك الانفجار الدينى، فجاء اغتيال السادات على يد الجماعات التى شكلها ليحول دون انفجار مصر أو وقوع حرب أهلية أو اشتباكات دموية واسعة النطاق. جاء مبارك وحافظ على معادلة السادات، لم يغذّ التشدد الدينى ولم يواجهه إلا فيما يخص إبعاد قوى الإسلام السياسى عن دائرة الحكم، حدد أبعاد المواجهة مع هذه الجماعات فى دائرة الحكم فقط، ترك لهم المجتمع ملعبا، وسلم لهم بالهيمنة على العملية التعليمية وعلى قطاع كبير من العمل الأهلى، كل ذلك كان لهم ولم يكن يتحرك ضدهم إلا عندما كانوا يقتربون من السلطة فى محاولة للانقضاض عليها. مارس لعبة تقسيم الأدوار مع جماعة الإخوان، حرص على وجودها فى الساحة السياسية وإبرام الصفقات معها، وتقديمها باعتبارها القوة الطاغية التى تمثل البديل الوحيد له ولحكمه، وبما أنها قوة متطرفة تكره إسرائيل والغرب، فإن حكمه ومهما كانت درجة السلطوية والديكتاتورية يعد مصلحة للغرب لأن البديل هو حكم المرشد والجماعة.
خلال هذه الفترة عملت كافة أدوات التنشئة فى البلاد على تغذية التشدد والتطرف وصولا إلى مرحلة بات فيها المجتمع على شفا الانفجار الطائفى، جرى تديين المجال العام فى البلاد، وطال التديين كافة مناحى الحياة بما فيها مناهج التعليم. انعكس ذلك كله فى حالة من التدين الشكلى المبالغ فيه والذى ترافقت معه حالة من الهوس الدينى تجسدت فى التطاول على الأديان والطوائف المغايرة، النظر إلى القضايا المختلفة من منظور دينى - طائفى، ذاتى، أى تقييم الأديان والمعتقدات من منطلق ذاتى، فنظرتى للأديان الأخرى نابعة فقط من قناعاتى الدينية، وجرى إسقاط الرؤى الذاتية على الأديان والمعتقدات الأخرى، ولم تكن هناك فرصة لمحاولة معرفة الأديان والعقائد الأخرى من مصادرها الأصلية. لكل ذلك ساد التشدد وانتشر التطرف فى مجتمعاتنا، وضاق الصدر بالمخالف والمغاير وقد بدا كل ذلك واضحا فى الحملة التى تعرضت لها ثلاث فنانات لبنانيات كتبن خواطر حول عيد القيامة على صفحاتهن الشخصية على فيسبوك وهن مايا دياب، نانسى عجرم ونيكول سابا، فتعرضن لوابل من الشتائم والإهانات الشخصية وللعقيدة المسيحية وكان العدد الأكبر من المتداخلين للأسف الشديد من مصر. السؤال هنا لماذا هذا الكم من التطاول على العقيدة المسيحية ومقدساتها؟
فى الحقيقة ما جرى هو محصلة طبيعية لعملية التنشئة التى غرست التطرف والتشدد والغلو فى نفوس المصريين وجعلتهم ينظرون للأديان والعقائد من أرضية إسلامية فقط، لا حساسية لديهم فى تناول عقائد ومعتقدات ومقدسات المغايرين، وهى التى تشكل اللبنة الأولى للعنف والإرهاب باعتبارها تمثل المكون الأول من بين ثلاثة مكونات للعنصرية وهى المكون المعرفى: ويتمثل فى المعتقدات والأفكار والتصورات التى توجد لدى أفراد عن أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية Stereo Types والتى تعنى تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة يتم فى ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات التى تتعرض للقولبة النمطية لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحا وأكثرها مقاومة للتغيير.
الثانى هو المكون الانفعالى: وهو بمثابة البطانة الوجدانية التى تغلف المكون المعرفى، فإذا افتقد الاتجاه مكونه الانفعالى يصعب وصفه بالتعصب. الثالث هو المكون السلوكى: وهو المظهر الخارجى للتعبير عما يحمل الفرد من مشاعر وقوالب نمطية ويتدرج هذا المكون إلى خمس درجات:
أ- الامتناع عن التعبير اللفظى خارج إطار الجماعة على نحو يعكس سلوك كراهية دفينة.
ب- التجنب: أى الانسحاب من التعامل مع المجموعة أو المجموعات الأخرى رفضا لها.
ج- التمييز: ويمثل بداية أشكال تطبيق التعصب الفعال، أى السعى إلى منع أعضاء الجماعات الأخرى من الحصول على مزايا أو تسهيلات أو مكاسب سواء على نحو رسمى أو واقعى.
د- الهجوم الجسمانى: أى الاعتداء البدنى على أعضاء الجماعة أو الجماعات الأخرى.
هـ- الإبادة: وتمثل المرحلة النهائية للعداوة والكراهية وتجسد قمة الفعل العنصرى وتعبر عن نفسها فى شكل مذابح جماعية بناء على أساس الانقسام أو التمييز.
من هنا يبدو المكون المعرفى، أى الأفكار والمعتقدات، هو الأهم والأخطر فى منظومة التطرف والتشدد، فهو الذى يوفر اللبنة الأولى على طريق التشدد والتطرف والتعصب الذى يتدرج على خمسة مقاييس تصل فى نهايتها إلى جرائم الإبادة للمغاير. لكل ذلك لابد من إعادة النظر فى مجمل أدوات التنشئة فى بلادنا وتحديدا مناهج التعليم فى القطاعين المدنى والدينى (الأزهرى) والخطاب الدينى ودور وسائل الإعلام من أجل نشر قيم التسامح، قبول التنوع والتعدد والاختلاف، وتربية النشء على قاعدة احترام المعتقدات والمقدسات كما يراها المؤمنون بها، أى أصحابها، ومن ثم احترام كل ما هو مقدس للآخر وفق ما يراه ويحدده هو لا كما تقول لى قناعاتى الدينية الذاتية.

Saturday, April 11, 2015

كانت النجوم والنسور تتلألأ كالذهب أو اللؤلؤ المنثور! بقلم د. وسيم السيسى ١١/ ٤/ ٢٠١٥

بدعوة كريمة من سيادة الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوى لإلقاء محاضرة بعنوان: «مصر التى علّمت العالم» بتاريخ ٨/٤/٢٠١٥، كان هذا اليوم من أسعد أيام حياتى.
إن المؤسسة العسكرية هى المؤسسة الوحيدة المنضبطة فى مصر، تمنيت لو استطعنا أن نجنّد الشعب كله! بالتأكيد حال مصر سوف يتغير.
ما هذه الروعة والجمال والجلال فى قاعة المحاضرات؟! مئات الضباط بالزى العسكرى، كانت النجوم والنسور تتلألأ كالذهب أو اللؤلؤ المنثور! تمنيت لو عاد بى الزمن حتى أعمل فى القوات المسلحة.
هؤلاء هم النبلاء حقاً، وهل هناك أنبل من إنسان على استعداد أن يهب حياته وعن طيب خاطر من أجل وطنه وبنى وطنه؟!
عرفت أن القوات المسلحة تبحث عن العباقرة المبدعين، وقد ضمت إليها شاباً صغيراً، بعد أن تأكدت من صدق موهبته التى جعلت عمره العقلى يسبق عمره الزمنى بعشرات الأعوام، تحدثت إلى العميد أركان حرب رأفت الدرس عن طبيب موهوب بالمعامل المركزية للقوات المسلحة اسمه دكتور طارق طه، له بحث رائع عن الجينات المصرية ويريد استكماله بأخذ ملليمترات من أحد المومياوات المصرية حتى يثبت أننا أحفاد هؤلاء العظماء، وهذا أمر هين ويسير، فقط نريد التصريح.
بدأت محاضرتى بأن مصر علمت العالم الإبداع، وتعريف الإبداع أنه الاستجابة المغايرة للأحداث! هو ذا تحوتمس الثالث، مؤسس الإمبراطورية المصرية، وكيف أشار لورنس العرب على اللورد اللنبى بدراسة خطط تحوتمس الثالث العبقرية «طريق عرونا»، وانتصر اللنبى بعبقرية تحوتمس الثالث وإبداعه، ولأن جينات تحوتمس تسرى فينا، ظهرت فى ١٩٧٣، قالوا: لابد من قنبلة نووية لهدم خط بارليف، ظهر الإبداع المصرى.. قنبلة مائية لإسقاط خط بارليف، وأصحاب خط بارليف!
مصر علمت العالم قانون الأخلاق الذى قال عنه جيمس هنرى برستد إنه أسمى بكثير من الوصايا العشر «برستد - فجر الضمير - ص١٠» كما قال عنه والاس بادج: نحن فى حاجة إلى قرن أو اثنين من الزمان حتى نصل لهذا المستوى الرفيع من الحضارة الإنسانية!
وأخيراً، تأتى كارين شوبارت، عمدة برلين، لتقول: كيف كان سيكون شكل العالم الآن، لو لم تكن الحضارة المصرية القديمة؟!
مصر علمت العالم احترام القانون وسيادته، يقول أ. د. محمود السقا: كان القانون المصرى القديم دهشة للمؤرخين لأنه بنى على أن العدل أساس الملك. ب- الكل أمام القانون سواء بسواء، لذا عاشت حضارة مصر آلاف السنين.
مصر علمت العالم أن هناك حياة بعد هذه الحياة، وأن هناك ثواباً وعقاباً، جنة وناراً، وأن هناك صلاة وصياماً وحجاً، وزكاة «قدماء المصريين أول الموحدين - دكتور نديم عبدالشافى السيار».
مصر علمت العالم الفلسفة، الموسيقى، الرسم، النحت، وسائر الفنون، تعلم أفلاطون الفلسفة فى مصر وكتب فى كتابه القوانين: علموا أولادكم الموسيقى المصرية وسائر الفنون، ثم بعد ذلك.. أغلقوا السجون. علمت مصر العالم.. العلوم جميعاً خاصة الطب منذ أكثر من خمسين قرناً من الزمان «وارن داوسن Legacy Of Egypt».
الشكر كل الشكر لقوات الدفاع الجوى وللفريق عبدالمنعم التراس للدرع الثمين والهدية الجميلة.

Friday, April 10, 2015

ماذا تريد أمريكا من مصر؟ بقلم داليا زيادة ١٠/ ٤/ ٢٠١٥

قبل كل شىء، أود أن أبدى سعادتى الغامرة بالدعوة الكريمة لإتاحة هذه المساحة لشخصى المتواضع من قبل جريدة ذات تاريخ مشرف مثل «المصرى اليوم» لطرح آراء وتحليلات أتمنى أن تساهم بشكل أو بآخر فى كشف بواطن الأمور، خصوصاً فيما يرتبط بالعلاقات الدولية والمجتمع المدنى المحلى والدولى، وهما مجالان تخصصت فيهما منذ ما يزيد على عقد كامل.
وقد اخترت أن تكون باكورة هذه المقالات عن العلاقات المصرية الأمريكية، لاسيما فى ظل كل العبث الذى تمر به منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام.
كانت العلاقات المصرية الأمريكية تسير فى خط واضح كنور الشمس على طوال تاريخها، فمصر دائماً كانت بالنسبة لأمريكا إما فى المنطقة السوداء المغضوب عليها كما كان الحال فى عهد جمال عبدالناصر، أو فى القائمة البيضاء التى تضم الحلفاء والمقربين كما كان الحال فى عهد أنور السادات وخلفه حسنى مبارك. أما تلك المنطقة الرمادية التى سقطت فيها العلاقات المصرية الأمريكية منذ ثورة يناير ٢٠١١ فهى أمر جديد تماماً فى تاريخنا وتاريخهم.
إن المؤكد نفيه فى محاولات الإجابة على هذا السؤال هو أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تهتم كثيراً بالشأن الداخلى المصرى، فكل حسابات أمريكا مع مصر تقوم فقط على الدور الإقليمى الذى يمكن لمصر أن تلعبه بما يحقق مصالح أمريكا فى النهاية. ولعلكم ستندهشون لو علمتم أن الإدارة الأمريكية الحالية التى قدمت نفسها للعالم من خلال الخطاب الشهير للرئيس أوباما فى جامعة القاهرة عام ٢٠٠٩، بوصفها الراعى الرسمى للديمقراطية وحقوق الإنسان والمحفز الرئيسى على تحقيقهما فى العالم، لا تهتم كثيراً بالتطور الديمقراطى ولا بتطور ملف الحقوق والحريات فى مصر على عكس ما تدعى طوال الوقت، وأن ما تدعيه الإدارة الأمريكية من اهتمام بهذا الشأن ما هو إلا ورقة ذات وجهين، تستخدم أحياناً كوسيلة للضغط بشكل غير مباشر على الحكومة المصرية لتحقيق مكاسب إقليمية تصب فقط فى مصلحة أمريكا.
إن أهمية مصر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، نابعة فقط من دور مصر الإقليمى على المستويين العسكرى والدبلوماسى، وقد لمست بنفسى خلال زيارتى الأخيرة قبل أسبوعين للولايات المتحدة الأمريكية والتى التقيت فيها بدوائر مهمة فى عملية صناعة القرار أن هناك افتقاداً شديداً لدور مصر كحليف إقليمى للولايات المتحدة الأمريكية، حليف تستطيع أمريكا الاعتماد عليه فى إدارة الأزمات التى لا تنتهى بدءاً من التوتر التاريخى فى العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ومروراً بالحرب على الإرهاب ومصادره المتشعبة، وانتهاء بالحرب الدائرة الآن فى اليمن، وربما هذا ما يفسر لنا محاولات الإدارة الأمريكية الآن استعادة علاقاتها مع مصر.
وإن كانت أهمية مصر لأمريكا تكمن فى كونها الأخت الكبرى فى الشرق الأوسط، فهنا يجب أن نطرح السؤال الأهم: ماذا تريد مصر بنظام حكمها الحالى وسياستها وظروفها الحالية من الولايات المتحدة الأمريكية بالضبط؟ وهل يجب علينا أصلاً بذل جهد لاستعادة هذه العلاقات الاستراتيجية والتاريخية وإخراجها من الفجوة الرمادية إلى المربع الأبيض مرة أخرى، أم أننا لن نخسر كثيراً لو تركناها لتسقط حيث تشاء؟ وهو ما سنحاول الإجابة عليه وتحليله فى المقال القادم إن شاء الله.

Tuesday, April 7, 2015

الكرة الآن فى ملعب الدولة بقلم د. محمد أبوالغار ٧/ ٤/ ٢٠١٥

اجتمع رئيس الوزراء، بحضور وزير العدالة الانتقالية، مع مجموعة من رؤساء الأحزاب وأعضائها وشخصيات عامة، بالإضافة إلى لجنة قانون الانتخابات. كان رئيس الوزراء واضحاً أنه يريد توافقاً سياسياً حتى تكمل مصر عملية الانتخابات البرلمانية بقانون انتخابات متوافق عليه، ولكن وزير العدالة الانتقالية قال ما معناه: إنه يريد فقط أن يصلح العوار الدستورى فى حكمى المحكمة الدستورية، وهو ما يعنى ضمنياً أن الاجتماع الذى دعا إليه رئيس الوزراء «مالوش لازمة».
الجميع بلا استثناء يريدون الانتهاء من القانون مع مراجعة سريعة لقانون الحقوق السياسية للتأكد من عدم وجود عوار دستورى، وخاصة بعدما أوضح المستشار المحترم على عوض، عضو المحكمة الدستورية السابق، عضو لجنة العشرة التى صاغت مبادئ الدستور بأن الرقابة المسبقة ممكنة، ولكنها صعبة، ولأنها تستدعى تغيير قانون المحكمة الدستورية التى لا بد أن توافق على تغيير قانونها، ثم توافق على الرقابة المسبقة، وهو لا يلغى حقها فى الرقابة اللاحقة.
كانت هناك قلة تريد أن يستمر القانون كما هو، مع تعديل المواد حسب حكم المحكمة، وأغلبية واضحة من الأحزاب المدعوة، وهى الوفد والمصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى والمؤتمر والتجمع والحركة الوطنية ومصر بلدى والمحافظون والإصلاح والتنمية والصرح- قدموا مذكرة موقعة منهم جميعا لرئيس الوزراء ووزير العدالة الانتقالية تحتوى على ما يلى:
أولاً: تحويل القوائم الأربع إلى ثمانى قوائم، بحد أقصى ١٥ مقعدا لكل قائمة حتى يكون هناك فرصة معقولة للناخب فى الاختيار.
ثانياً: قصر القوائم الثمانى على الفئات التى قرر الدستور أنها تستحق التمييز الإيجابى، لأنه لا معنى، وربما يكون هناك عوار دستورى، فى إعطاء تمييز إيجابى لفئة لم يعطها الدستور هذا الحق.
هذان التعديلان سوف يتسببان فى تحسين الموقف وقصر القائمة المطلقة على مجموعة يبدو أن المشرّع مضطر لإعطائها تمييزاً خاصاً.
الآن الكرة فى ملعب الدولة ممثلة فى اللجنة ورئيس الوزراء، وبالطبع مؤسسة الرئاسة والرئيس، ولى هنا تعليقان:
الأول: إقرار قانون عليه شبه توافق كامل يحقق الاستقرار. والاستقرار تحققه الإنجازات الناجحة، فالاستقرار الذى حققه الرئيس إلى حد كبير كان بسبب إنجازات حقيقية فى السياسة الخارجية، ثم فى المؤتمر الاقتصادى، ولم يكن ذلك بسبب قانون التظاهر، بل على العكس. ونحن نريد استقراراً يحققه التوافق، ولن يستلزم هذا التعديل أى مجهود أو وقت إضافى، ويبدو من تصريحات أعضاء اللجنة أنهم متعنتون، ولا يريدون تغيير شىء.
الثانى: هو أن الرئيس قال أكثر من مرة مخاطباً الأحزاب توافقوا وأنا معكم، وهنا معظم الأحزاب قد توافقت على حل جزئى لا يرضيها تماماً، ولكنه أحسن المتاح حتى لا يضيع وقتاً.
نجاح اللجنة يدعم الاستقرار. والحل التوافقى الدستورى يسير فى هذا الطريق. مصر فى مفترق الطرق الآن. والكرة فى ملعب الدولة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Monday, April 6, 2015

هل أخطأ الدكتور نبيل العربى؟ بقلم د. عماد جاد ٦/ ٤/ ٢٠١٥

يعد الدكتور نبيل العربى الذى يشغل حالياً منصب أمين عام جامعة الدول العربية، من أبرز خبراء القانون الدولى، فهو شخصية متميزة فى مجاله، وسبق له أن شغل منصب عضو فى محكمة العدل الدولية، وكان أحد القضاة الذين فصلوا فى قضية جدار الفصل العنصرى. يعرف عن الرجل الجدية والصرامة والحسم، ويدرج ضمن شريحة محدودة من خبراء القانون الدولى. لم يطرح الرجل نفسه فى يوم من الأيام ضمن أى حلقة من حلقات السجال الداخلى فى مصر، بل آثر الابتعاد عن الجدل فى الشأن الداخلى. قبل نحو أربع سنوات حقق نوعاً من التوافق على منصب الأمين العام للجامعة العربية خلفاً للسيد عمرو موسى، وتقلد منصبه دون صخب أو ضجيج. طوال السنوات الأربع الماضية لم يصدر عن الرجل ما يضعه فى أتون المعارك أو الصراعات من سياسية أو ثقافية، ثم فجأة ودون مقدمات ودون ضرورة أيضاً وربما دون مناسبة، انتزع الكلمة من وزير الخارجية المصرى سامح شكرى طالباً التعقيب على حديث الصراع ما بين السنة والشيعة، وقال ما معناه إنه لم يشعر طوال سنواته الأربع بأى مشكلة تخص السنة والشيعة فى الجامعة العربية، وهو أمر مخالف تماماً للحقائق فالجامعة لم تعرف على مدار السنوات الماضية سوى إدارة الصراعات السياسية والمسلحة على خلفية الانقسام الطائفى السنى الشيعى فى العالم العربى، فأحداث لبنان، سوريا، العراق، البحرين، اليمن محركاتها طائفية بالكامل، وعموماً الرجل حر فى قول ما يراه حتى لو كان مخالفا للوقائع على الأرض فربما أراد ترطيب الأجواء فى مواجهة لهيب «عاصفة الحزم» التى تمثل نموذجاً لحرب إقليمية يكمن البعد الطائفى فى قلبها، وإلا فالسؤال هنا هو لماذا تتحمس تركيا وتشارك باكستان فى حرب لا علاقة لهما بها من قريب أو بعيد سوى المكون الطائفى؟
وأثناء حديث السيد نبيل العربى عن الود بين السنة والشيعة قال إننا لسنا مثل الكاثوليك والبروتستانت لدينا أكثر من كتاب، فنحن لدينا كتاب واحد ونبى واحد وإله واحد! هذا الكلام يعنى أن الرجل يقول إن المسيحيين لديهم أكثر من كتاب وأكثر من إله، وهو قول ينم عن كارثة حقيقية لا تخص نبيل العربى وحده، ولكنها تطول شريحة ضخمة من الدارسين المصريين والعرب، هؤلاء الذين يحصلون على أعلى تعليم ويصلون إلى أعلى المراتب فى مجال التخصص سواء كان علميا تطبيقيا أو فى مجال العلوم الاجتماعية، ولكن لا ينطبق عليه وصف المثقف الذى يعنى المتنوع المعرفة والقارئ فى مجالات غير مجال التخصص، وهذه سمة عامة فى شريحة ضخمة من المتعلمين المصريين والعرب، فقد درسوا مواد التخصص وخصص الوقت للتعمق فى مجالهم، ومن ثم يتميزون فى مجال التخصص وفقط، لا يقرأون خارج مجال التخصص، لا ثقافة حقيقية لديهم، حتى من تتاح لهم فرص السفر والترحال والعيش فى المجتمعات الغربية، عادة ما يغلق على نفسه دائرته الدينية والثقافية، مثل هذه الشخصيات عادة ما يكون رأيها فى الآخر سواء كان فكرة، ثقافة، حضارة أو عقيدة من خلال مرجعيته الذاتية، ويعتبر أن ما تقوله له مرجعيته الذاتية هو الحقيقة المجردة ومن خلالها يشكل معرفته عن الآخر دون أن يكلف نفسه التعرف على الآخر أو القراءة عنه. وللأسف الشديد فإن أمثال السيد نبيل العربى كثر فى بلادنا، ثقافتهم فى الغالب سمعية، ومعلوماتهم الدينية لا تزيد على ثقافة خطباء الزوايا والتكايا، معلوماتهم فى المجال الدينى والعقدى لا تختلف عن معلومات العامة السمعية والقصصية المتوارثة. ما قاله السيد نبيل العربى يقوله يوميا عشرات الآلاف من بسطاء المصريين وعامتهم، وهو أمر نعرفه جميعاً وندرك أنه حصيلة جهل وتخلف ثقافى، وأننا شعوب غير محبة للقراءة والاطلاع، شعوب مغرقة فى الغيبيات والشكليات، لا تعمل العقل أو الفكر، وبهذا المعنى فإن السيد نبيل العربى لم يخطئ فيما قال من أكاذيب وردد من ترهات، فهو ابن بيئة معادية للثقافة والتحضر، مقاومة لاستيعاب القيم الإنسانية، تفرض إطارها القيمى على غيرها وتراه الحق المطلق، وتردد كلاماً محفوظاً دون إعمال للعقل، فالرجل بالفعل لم يكن يقصد الإساءة للمسيحية ولا المسيحيين، فما قال هو ما يعتقده ويؤمن به، الإساءة جاءت من كونه يشغل منصباً رفيعاً هو أمين عام الجامعة العربية، حيث ولدت فكرة القومية على يد مسيحيى الشام، الإساءة جاءت من شخص جلس يوماً ما على كرسى فى محكمة العدل الدولية، الإساءة جاءت من رجل يظنه البعض مثقفاً، فما كان منه إلا أن برهن على أنه جزء من عامة درست وتخصصت لكنها لم تثقف نفسها على النحو الذى يناسب المنصب الذى يشغله. ويكفى أن نعرف أن السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية لا يعرف أن المذاهب الثلاثة الكبرى فى المسيحية (الكاثوليكية، البروتستانتية والأرثوذكسية) وما يتفرع عنها يؤمنون بكتاب واحد هو الأناجيل الأربعة، ويقولون «إله واحد آمين». إنها ليست مشكلة نبيل العربى وحده ولكنها مشكلة عامة تخص القطاع الأكبر من المتعلمين المصريين والعرب.

Saturday, April 4, 2015

مين السبب فى اضطهاد المرأة؟! (٢-٢) بقلم د. وسيم السيسى ٤/ ٤/ ٢٠١٥

من المؤكد أن عادات الشعوب تغلب على المبادئ السامية للأديان السماوية!
كنت فى مؤتمر فى زيمبابوى، وتعرفت على أحد المحامين، عرفت أن وثيقة الزواج بها تسع خانات لتسع زوجات، بالرغم من أنه زواج كاثوليكى مسيحى!!
جاء السيد المسيح بتعاليم تجعل المرأة فى أعلى عليين، وبالرغم من هذا يأتى فلاسفة مسيحيون تغلب عليهم ثقافة شعوبهم فينزلون بها إلى دونية لا مثيل لها!!
هوذا كلمنت، السكندرى الذى ولد فى أثينا وتعلم هناك، وارتحل للإسكندرية، واعتنق المسيحية.. يقول: عقل الرجل سبب مجده، لكن المسألة ليست على هذا النحو بالنسبة للمرأة التى تجلب الخزى والعار عندما تفكر فى طبيعتها «IBID» «دونالدسون النساء ص ١٨٣». أما ترتوليان فهو يخاطب النساء جميعاً: أنتن الباب المفضى إلى الشيطان! ودخول الموت إلى العالم، وجب عليكن لبس أسمال بالية (ثياب قديمة)، وكان يحتم على النساء لبس الحجاب أو إخفاء الوجه وراء نقاب!! «دونالدسون».
أما القديس جيروم فيقول: جسد الأنثى ليس شيئاً جذاباً، بل هو موضوع قذر، وإنجاب الأطفال ليس مدعاة للبهجة والفرح، بل هو علامة على الانهيار والتدهور «الفيلسوف المسيحى والمرأة أ. د. إمام عبدالفتاح إمام، أستاذ ورئيس قسم الفلسفة جامعة الكويت ص ٦١».
فإذا جئنا للإسلام نجد هذا الحديث النبوى الشريف: إنما النساء شقائق الرجال، لهن مثل الذى عليهن بالمعروف. كما نجد حديثاً نبوياً آخر عن عائشة: إذا أردتم أن تعرفوا نصف دينكم، خذوه عن هذه الحميراء!
كذلك فى حوار الخليفة عمر بن الخطاب مع امرأة عن المهور، وكيف أقنعته بحجتها القوية، ينحنى عمر أمامها قائلاً: أصابت امرأة وأخطأ عمر. ليس هذا فقط.. بل فى حادثة الحديبية، وكيف أشارت أم سلمى على الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن يعتمر فيقلدوه بعد أن عصوا أمره، فيمتثل الرسول لرأى أم سلمى، وتنجح مشورتها، فيعود الرسول إليها متهللاً ويقول: لله أنت يا أم سلمى، لقد نجا المسلمون على يديك اليوم من عذاب أليم!. بعد هذه الروائع يأتى إليك من يقول: ناقصات عقل ودين! أو من يقول لك: لقد خلقن من ضلع أعوج!
ويضع أ. جمال البنا يده على سر شعوب إسلامية لا تعرف العربية، تقدمت لأنها تعرف من الإسلام جوهره، وابتعدت عن الكتب الصفراء، وشعوب إسلامية تخلفت لأنها تعرف العربية وبالتالى نفذت إلى هذه الكتب الصفراء، ومن هنا وجب غربلة المناهج، وتحديث الخطاب الدينى كما يطالب السيد الرئيس.
كلنا فى الهم شرق وغرب، هو ذا قانون يصدر فى إنجلترا ١٩٨٤: ضاربو الزوجات داخل المنزل أو خارجه يلقى القبض عليهم ويحاكمون! هل تصدق أن مليون التماس للحكومة البريطانية من نساء يطلبن الالتجاء والاختباء بعيداً عن أزواجهن.. فى سنة واحدة! «حين يتحول الحب إلى عنف - مارجريت هيدفيلد».
لماذا لا ندرس لأولادنا كتب قاسم أمين، الطاهر الحداد، وفرج فودة؟! هو ذا قاسم أمين يكتب: لقد طلب القرآن الكريم من الرجل والمرأة أن يغضا من أبصارهما إذا خافا من الفتنة، فالآية الكريمة موجهة للطرفين! ثم لماذا تحجبت المرأة دون الرجل، ومن الرجال من يتمتعون بوسامة ليست معهودة فى أغلب الرجال!
هل لأن المرأة أقوى من الرجل فى كبح جماح نفسها؟! وفى هذه الحالة، لماذا توضع تحت رقة «عبوديته» وهى أقوى منه؟! خير للرجل أن يهذب من شهوانيته بدلاً من أن يحكم على النساء جميعاً بحجاب العقل، فالرجال ليسوا ذئاباً، والنساء لسن لعباً جنسية فى أيدى الرجال.