Translate

Tuesday, January 31, 2023

رحيل نور فرحات المحامى والمناضل والإنسان - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 31/1/2023

 الدكتور نور فرحات كان نجما يسطع في سماء مصر لسنوات طويلة، حتى غادرنا يوم السبت الماضى. الدكتور نور كان يشغل منصب أستاذ القانون في كلية الحقوق جامعة الزقازيق، لكنه كان أكبر من ذلك بكثير كإنسان مستنير وفاعل في المجتمع المصرى.

عرفت الدكتور نور حين كان يكتب مقالات في المصور الأسبوعية منذ زمن بعيد، وكانت مقالاته تمس شغاف قلبى لأنها كانت مقالات مختلفة تعبر عن فكر إنسانى راق وفكر سياسى تقدمى، وشجاعة في إبداء الرأى في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى حين كان الرأى الآخر غير مرغوب فيه من النظام المصرى من ناحية ومن التيار الإسلامى المتطرف من الناحية الأخرى. وشاءت الظروف أن تقابلنا مرات قليلة في مناسبات عامة، وكان د. نور كما رأيته هو نفس الرجل الذي تخيلته حين قرأت له.

د. نور حاصل على الدكتوراة في فلسفة القانون، وهذا تخصص مهم في بلدان العالم الثالث التي يحظى فيها القانون بإهمال من الحكومات ومن الشعوب، ولذا كان فهم فلسفة القانون أمرًا مهما للجميع. وقد كرمت الدولة د. نور أكاديمياً بجائزة الدولة للتفوق في عام 2001 وجائزة الدولة التقديرية في عام 2003.

وشارك الدكتور نور بكتاباته في العديد من الصحف القومية والمستقلة، ومنها «المصرى اليوم»، وكانت كتاباته تدور حول القانون وتطبيقه، وكيف أنه يحمى الحريات ولا يقيدها، وكانت عنده نزعة اجتماعية واضحة في دأبه للدفاع عن الفقراء وتحقيق مكاسب لهم عن طريق تطبيق القانون.

وكان الدكتور نور واضحاً وصريحاً وقوياً بإعلانه أن الدين لله والوطن للجميع، وفى كتاباته الواضحة والصريحة كنت ترى عالماً مستنيراً ينظر إلى المستقبل ويعرف معنى الحداثة وأهميتها ويرفض التطرف والإرهاب والعنف بوضوح وبقوة وبدون خوف.

وطالب د. نور فرحات بعدم إثبات خانة الديانة في جميع المستندات الصادرة عن أجهزة الدولة. وطالب المحليات ومؤسسات المجتمع المدنى والنقابات والأندية وغيرها من المؤسسات بألا تثبت ديانة الشخص في مستنداتها ووثائقها وقال: سوف أثبت اعتراضى على كتابة أي مؤسسة للديانة استناداً إلى المادة 53 من الدستور.

في عصر مبارك، شارك د. نور في حركة كفاية، وكذلك شارك وأيد ثورة الشعب الوطنية في 25 يناير 2011، وتم اختياره بعد الثورة فيما كان يسمى المجلس الاستشارى، ولكنه استقال في 24 يناير 2012 بسبب عدم إصدار إعلان دستورى خاص بمعايير وإجراءات الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، لأنه كان من أبرز المدافعين عن الدولة المدنية ورفض الدولة الدينية.

وشغل الدكتور نور عدداً من الوظائف العامة، كلها لها علاقة ما بالقانون المدنى الليبرالى الاجتماعى. فكان نائباً لرئيس القومى للمرأة وهذا كان منصباً مناسباً لشخصيته، فقد كان دؤوباً في الدفاع عن المرأة وعن حقوقها، وكان عضوا في المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهذا أيضاً كان ضمن اهتمامه كمواطن مدافع عن الحريات الشخصية العامة. وكذلك اختير عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة وعضواً بالمجلس الأعلى للصحافة. وكلها مؤسسات مدنية تسعى إلى تأكيد الحريات وحقوق الإنسان وتؤيد حرية تبادل المعلومات ونشر الثقافة بين أفراد الشعب.

وبعد 25 يناير شارك الدكتور نور في عضوية الحزب الجديد (المصرى الديمقراطى الاجتماعى) وكان عضواً فاعلاً في تأسيسه ونشاطه وخاض الانتخابات على قائمة الحزب في دائرته في الزقازيق وحاز على الأصوات التي تؤهله للنجاح، ولكن نظام القائمة النسبية أعطى المقعد في قائمة الحزب للحاصل على عدد أقل منه في الأصوات. توقف الدكتور نور عن النشاط السياسى في الحزب عام 2016 وهى الفترة التي فضل الكثيرون من أعضاء الحزب الناشطين التوقف عن العمل الحزبى، ومن ضمنهم رئيس الحزب وثلاثة من نوابه.

وخارج مصر لعب نور فرحات دوراً عظيماً في تمثيل مصر، فكان كبير مستشارى الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومديراً لمراكز البحوث القانونية باتحاد المحامين العرب. وقام بالاشتراك في وضع دستور دولة مالديف، وكذلك احتجاجات السودان في مجال المساعدة الفنية في حقوق الإنسان، وشارك أيضاً في كتابة تقرير التنمية البشرية عن الحريات والمرأة في الوطن العربى. كل هذه الأدوار التي لعبها دولياً بكفاءة أعطت د. نور وضعاً مميزاً واحتراماً شعبياً كبيراً.

الدكتور نور عنده ولدان كلاهما حاصل على الدكتوراة من جامعة في أمريكا الشمالية، وكلاهما يعملان في الولايات المتحدة وكندا في وظائف مهمة، وكان د. نور ينشر بانتظام صوراً لهما ولأطفالهما عند زياراتهم المتكررة إلى مصر. والسيدة هالة البيلى، زوجته، سيدة فاضلة تحمل نفس أفكار وشجاعة زوجها.

الدكتور نور كان إنساناً حقيقياً يتطوع للدفاع عن المظلومين. وقرر د. نور من سنوات قليلة التوقف عن ممارسة مهنة المحاماة وقال إن الطريق إلى العدل أصبح ممتداً وشاقاً ومليئاً بالعوائق وغير آمن. ثم قال: وداعاً يا أنبل مهنة في التاريخ، وكان ذلك في صيف 2016.

لقد اقتربت من الدكتور نور في الفترة التي ترأست فيها الحزب المصرى الديمقراطى من 2011 إلى 2016 وكان رجلاً نزيهاً أميناً متواضعاً وشديد الإيمان بالديمقراطية والمساواة، وكافة الحريات، وبالعدالة قولاً وفعلاً.

وداعاً يا دكتور نور وإلى جنة الخلد، فقد عشت وطنياً مصرياً أميناً على بلدك مؤمناً بالديمقراطية قولاً وفعلاً.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


Sunday, January 29, 2023

أمثلة للتحديات الاجتماعية - الأنبا موسى - المصري اليوم - 29/1/2023

 ■ تحدثنا فى العدد السابق عن العلم والمعرفة، كأحد التحديات الاجتماعية، ويجب أن نتوقع تحديات كثيرة فى المجال الاجتماعى فى الفترة القادمة، وقد بدأناها فعلاً، وسوف تزداد بفعل التلقيح المستمر للثقافات المحلية بثقافات أخرى وافدة، من خلال شبكات الاتصال والمعلومات.. وهذه مجرد أمثلة:

1- مفهوم الأسرة واستقرارها: أمام طوفان المؤثرات الخارجية، سنلاحظ اختلافًا فى مفهوم الأسرة. فبعد أن كنا نتمسك بالزواج المقدس، ونرجو لهذا الزواج إثمارًا روحيًا فى حياة الزوجين، ثم فى تربية الأولاد، بدأنا نسمع عن «الزواج المدنى» (زوج وزوجة فى السجل المدنى دون شعائر دينية)، «والزواج من نفس الجنس»، «والأم غير المتزوجة»، «والزواج الجماعى».. وهى أمور ستضر بمستقبل الإنسان، خاصة الأطفال، الذين يمكن الحصول عليهم من خلال الأجنة المجمدة، أو دون معرفة بالأب، ودون رعاية أسرية حانية.

■ وأمامنا طبعًا حالات الطلاق المتزايدة، والناجمة عن عدم الالتزام الدينى، سواء فى الاختيار، أو فترة الخطبة، أو التعامل الزوجى، أو الجشع المادى، أو تدخل الأسرتين الكبيرتين، أو اختلاف المشارب، والطباع، والتطلعات، أو دخول غرباء فى الحياة الأسرية... إلخ.

■ وأمامنا احتمالات «الاستنساخ» البشرى، التى تهدد الحياة الأسرية، وتلغى ضرورة الزواج من أجل الإنجاب، وقد تنشئ أشكالاً من البشر، لا يحملون قلبًا إنسانيًا بقدر ما يحملون بنية جسدية، وربما ذكاء متزايدًا، الأمر الذى يهدد المجتمع أيضًا من جراء هؤلاء البشر «المصنوعين»!!.

2- الانفلات الجنسى: وهو ما نراه الآن فى المجتمعات الغربية، حيث تحول الإنسان إلى «شىء» أو إلى «سلعة»، وعلاقات الجنسين المقدسة فى الزواج، تتحول إلى علاقات منحرفة قبل الزواج، وخارج الزواج، بل إلى علاقات شاذة اعتمدتها بعض الحكومات، ومعروف أن الغرب الآن بحسب ما وصفته إحدى الدراسات التى قرأتها فى أمريكا: «المجتمع الموجه جنسيًا».

3- تيارات العنف: فالمعروف أن بعض برامج التليفزيون، خاصة فى الغرب، بدأت تنشر العنف من خلال الأفلام والمسلسلات، حتى إن الطفل الأمريكى يشاهد منظرًا للعنف على الشاشة كل بضع ثوان، الأمر الذى يجعله يستسيغ هذا المنهج، ويعيشه فعلاً. وخير شاهد على ذلك «عصابات المراهقين» التى تنتشر فى المدارس.

■ فإذا أضفنا إلى التأثير الإعلامى صعوبة الحياة اليومية، والتوتر العام والفردى، والتكدس، والانفجار السكانى، والحروب تكون التربة أكثر خصوبة لإفراز موجات متتالية من العنف، ليس فقط بين الناس وبعضهم فى المجتمع، بل حتى داخل الأسرة الواحدة، وأمامنا أمثلة لا حصر لها تطالعنا شبكة الأخبار يوميًا.

4- تقنين الشذوذ الجنسى: معروف أن بعض أنواع الشذوذ الجنسى قد تم تقنينها فى الغرب، حينما يتم فيها التصويت الشعبى، دون مرجعية قيادية أو كتابية أو آبائية. وقد صارت لهؤلاء الناس تجمعات ونوادٍ كثيرة، وقوة تصويت ضخمة، وهناك آيات الإنجيل الصارخة ضد هذا المسلك؟ وللأسف جاهد المنحرفون فى تفسيرها بطريقة خاطئة، بل وإنكارها ومهاجمتها، لكى يرضوا هذه الفئة المنحرفة. ونحن بالطبع لا نكره الخطاة، بل نكره الخطيئة، ونرجو لهؤلاء الأخوة والأخوات العودة إلى الحق، والتوبة الصادقة، ودخول حياة الجهاد والقداسة والملكوت.

5- تقنين المخدرات: بدأت فى أوروبا دعوة لتقنين المخدرات، بل وتم إقرارها فعلاً، خضوعًا للأمر الواقع، وإيهامًا بأن نترك الإنسان لحريته وقراره الشخصى. ومعروف أن الجسد يشتهى ضد الروح، وأن الشباب الصغير يمتلك جسمًا ناضجًا، ولكن عقله مازال فى طور النمو، وكذلك نفسه وروحه.. فكيف نتركهم هكذا يحصلون على المخدر بطريقة سهلة وقانونية، وبعد أن يدمنوا ويندموا نحاول علاجهم، وهو علاج صعب للغاية، وكثيرًا ما يكون مستحيلا. هل من المنطق أن نقنن السموم، ونترك أولادنا يتعاطونها، ونقول: هذا قرارهم، وهذه حريتهم؟ إن مجرد حب الاستطلاع أو الصداقة الشريرة قد تجعلهم يسقطون فى بئر الإدمان، التى يصعب الخروج منها.

وفى أستراليا كان خلاف حول ما يسّمونه: «مراكز التعاطى الآمن للمخدرات» حيث يأتى الشباب المدمنون ويأخذون الحقنة المعقمة، والمخدر المختار، دون اعتراض. ويتشدقون بأن هذا الأسلوب سيحميهم من الإيدز والجريمة، ولكن هيهات!!، فهم يأخذون المخدر المقنن، ويستكملون جرعاتهم فى الشارع بطريقة أخرى. وهكذا يستمر الخطر، ويستمرون فى التعاطى المدمر. وكان أحرى بالمسؤولين، فى الدولة والكنيسة، أن يحذروا الشباب من هذا الدمار الأكيد، فالمخدرات تصيب المخ بالضمور، والسلوك بالعنف، والمستقبل بالفشل الرهيب، والمجتمع بالتأخر والدمار.

6- السعى نحو الثراء السريع: مع اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ومع تسيًّد ثقافة السوق المفتوحة، والتجارة العالمية الحرة، واتفاقيات الجات والخصخصة، وارتفاع الأسعار وتفشى البطالة حتى فى الغرب المتقدم، بسبب الميكنة.. أصبح الشباب يعشق الثراء السريع، ولو على حساب المبادئ، والقيم الدينية، والمجتمعية.

7- اهتزاز القيم: وهذا واضح فى العصر الحالى، حيث تراجعت قيم المحبة والعطاء والشهامة والإيثار، لتحل محلها قيم الأنانية والعنف والتدنى الأخلاقى، وخيانة الصداقة، والزواج، والأمانة، والتنمر، والتنافس غير الشريف، والوصولية، والرشوة، والفساد الوظيفى، والسفه فى الإنفاق على حفلات الزواج... والجرائد تحفل كل يوم بهذه الأمور. الأمر الذى يستدعى منا دراسة ميدانية جيدة، عن أسباب هذا الاهتزاز القيمى، وما يمكن أن يؤذى به الفرد والأسرة والمجتمع.. وصولا للعلاج.

8- التطرف الدينى: حتى الدين - والمفترض فيه أن يكون ترياقًا لكل الأمراض - بدأ البعض يغالى فيه حتى إلى درجة التطرف الفكرى، والإيذاء البدنى، والإرهاب المخيف. وهذا التطرف الدينى نراه فى كل الأديان.. وفى كل العالم.

نحتاج إلى صحوة دينية سليمة، تنشر السلام والخير والمحبة، وتقطع الطريق على مرضى النفس والعقل، الذين يعتقلون عقول الشباب، ويغسلون أدمغتهم، نتيجة الفراغ الروحى والفكرى الذى يعيشونه.

وبعد أن استعرضنا بعض أمثلة التحدى الاجتماعى يتحدث عن كيف نواجه هذا التحدى؟.. وهذا موضوع المقال القادم إن شاء الله. (يتبع).

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, January 22, 2023

العلم والمعرفة (2) - الأنبا موسى - المصري اليوم - 22/1/2023

 في حديثنا الماضى، تحدثنا عن العلم والمعرفة، وذكرنا:

- هناك ثقافتان: 1- الثقافة المادية. 2- الثقافة الروحية.

- صور التحدى العلمى: 1- في المجال الطبى.

واستكمالًا للموضوع نتحدث عن:

2- في المجال التكنولوجى: ذلك التقدم المثير في استخدامات وإمكانيات الكمبيوتر، وشبكة المعلومات، حتى صار الحاسب الآلى قادرًا على إجراء آلاف العمليات في ثانية واحدة، وتخزين كم هائل من المعلومات في حيز صغير، مع ما يمكن أن ينتج عن ذلك من إمكان توظيف وتحليل واستخدام هذه المعلومات، في مجالات: الحياة اليومية، والبحوث، والتقدم العلمى و(Run puter) والكلمة مأخوذة من مقطعين (Run + Computer) أي الحاسب الآلى النقال، حيث اخترع العلماء حواسب آلية في حجم ساعة اليد، يلبسها الإنسان في معصم يده، ويجرى من خلالها العديد من العمليات الحسابية، واستخراج البيانات، والمعلومات، والأخبار.. بل أصبحت الحواسب ذات ألوان لتتماشى مع ملابس الإنسان!!

3- في مجال الفضاء: حين تركنا القمر إلى المريخ، حيث المسافة الشاسعة، مجهزًا بأحدث آلات الدراسة، والاستكشاف، لما يحتويه المريخ من أسرار. اجتهد العلماء، بسبب بعد المسافة، وحاجة المسافر إلى المريخ إلى كميات هائلة من الأكسجين، لقضاء شهور طويلة في الرحلة، حتى يتمكن رواد الفضاء من استخراج الأكسجين من صخور المريخ، ليستخدموه في رحلة العودة. ناهيك عن الفائدة الإعلامية، والعلمية، والعسكرية، والاقتصادية، التي تعود على دول البحوث الفضائية.

4- في مجال الهندسة الوراثية: حيث استنساخ النبات والحيوان، وهو جار بصورة مكثفة في القرن الجديد. وفى بريطانيا ثورة كبيرة على النباتات المعالجة جينيًا، حيث يعالج العلماء النباتات بجينات حيوانية، فيمزجون التفاح بالسمك مثلًا، وفول الصويا باللحم الحيوانى. والمشكلة أنه ذكر أحد العلماء أن هذه النباتات التي تنتج بوفرة هائلة نتيجة المعالجة الجينية، يمكن أن تقود إلى أنواع من السرطان. فتم فصل هذا العالم، لأنه سوف يعطل القفزة الهائلة في الإنتاج، وما يعقبها من أرباح طائلة. ولكن منظمات حماية البيئة تنادى بضرورة مواصلة البحث في مضار هذا الموضوع، حماية للإنسان.

هذه مجرد أمثلة للتحديات العلمية الماثلة، وغيرها كثير، وفى المستقبل أكثر.

دور العبادة.. والتحديات العلمية:

لا توجد لدينا أية مشكلة في موضوع الإنجازات والتحديات العلمية، فنحن نعرف أن العلم له دائرته: الحسية، والمادية، والتجريبية، وأن الإيمان له دائرته: الروحية، والإنسانية، والفكرية. والتداخل بين الدائرتين غير وارد، وكذلك التعارض أيضًا، إنما هناك تكامل بين العلم والدين، فالعلم السليم يدعم الإيمان السليم.

1- أينشتاين: قال وهو يواصل اكتشافاته وبحوثه التي غيَّرت وجه التاريخ: «كلما ازددت علمًا، ازددت إحساسًا بالجهالة». ذلك لأنه كلما درس نقطة ما، اكتشف المزيد من النقاط والموضوعات الغامضة، المحتاجة إلى دراسات وبحوث مستفيضة.

2- نيوتن: حينما سألوه: «ماذا كان إحساسك وأنت تكتشف قوانين الطبيعة المذهلة؟» قال: «كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم». العالم اكتشف الجاذبية، والبخار، والقوانين المنظمة لهذا الكون، وقد استطاعت البشرية استخدامها في تقدم علمى، مذهل ومهم.

موقف دور العبادة:

إن موقف دور العبادة يتلخص في أمور مهمة مطلوبة منها، مثل:

1- الدعوة إلى الاستزادة بالعلوم:

إذ تشجع أولادها على الدراسة والتعلم والبحث، والإسهام في مجالات، وهيئات البحوث العلمية المختلفة، سواء على مستوى الدولة أو القطاع الخاص. إن كل مصنع الآن به شعبة للبحث العلمى، وإدارة لمقياس الجودة بالمقاييس العالمية من أجل تطوير المنتج وتحسينه. ولابد من تشيجع استخدام كل الوسائل العلمية المتطورة في سبيل إسعاد الإنسان، سواء في مجالات: الطب، أو الهندسة، أو الفضاء، أو التكنولوجيا، أو الاتصال، أو المعلومات.

وفى مهرجان الكرازة المرقسية، الذي تقيمه أسقفية الشباب، مسابقة خاصة بالابتكارات الهندسية والعلمية، يقدم فيها الشباب ابتكاراتهم العلمية والهندسية، وإبداعاتهم الجميلة، والتى نحاول- قدر المستطاع- مساعدتهم في صقل موهبتهم فيها واستكمال أبحاثهم، ومنهم من وصل إلى جامعات أجنبية لذات الهدف.

وإن كان البعض يرى العلم المادى أمرًا جزئيًا ووقتيًا، ينفعنا في الزمان الحاضر، إلا أنه لا يحارب العلم

ولا العلماء، بل يرى في الكثير من إنجازاتهم ما يؤكد وجود الله اللانهائى، وعلم الفلك خير دليل على ذلك، وكذلك علم الأجنة والأنسجة... إلخ.

2- الاستعانة بالعلماء المتخصصين:

يجب أن نؤمن بحاجة رجال الدين إلى علماء أتقياء أمناء، من خلالهم ندرس كل ما يستجد على ساحة البحوث، والاكتشافات، والمحاولات العلمية، لتقدم الرأى السليم المناسب، الذي يريح ضمائر أبنائنا.

فمثلًا موضوع «الاستنساخ» الذي كان مثارًا من سنوات، وكيف أنه لا يخلق جديدًا، ولكنه يعبث بخليقة الله، مكتفيًا بالبعد الجسدى للإنسان، دون الأبعاد الروحية، والعقلية، والنفسية. وكذلك موضوع «زراعة الأعضاء»، وكيف نحتاج إلى العلم في تحديد معنى الموت، وعلامات موت المخ، التي بعدها يجوز الاستفادة من أعضاء المتوفى، وهناك (من يوصى بذلك). وأمامنا موضوع «التلقيح الخارجى» (أطفال الأنابيب)، وكيفية التأكد من أن الخليتين هما من الزوج والزوجة، وضرورة التأكد من عدم إجهاض وقتل أجنة يجرى تجهيزها ثم تترك للموت.

والأبحاث الحديثة الآن يمكنها إثبات النسب باستخدام الـDNA، كذلك يمكن أن يضع الطبيب كل الأجنة المكونة في رحم الزوجة، دون أن يجهض أحدًا منها... وغيره.

في كل يوم سنرى جديدًا من منجزات العلم، وعلينا أن ندرسها بأسلوب علمى متخصص، وأبحاث مستمرة لنتمكن من إبداء الرأى الدينى المناسب فيها.

3- الاستفادة من منجزات العلم:

لا شك أن العلم الحديث أنتج لنا الكثير من الوسائل، التي أصبح بدونها لا يمكن أن يعيش الإنسان إن جاز التعبير، يجب أن نستوعبها ونستخدمها ونستفيد منها، وبخاصة في مجال «تكنولوجيا الاتصال والمعلومات».. فأمامنا شبكة الإنترنت التي لن نستطيع الاستغناء عنها في مجالات الحياة اليومية، ولكن علينا معرفة واختيار الإيجابى منها.

إذن، فالمنجزات العلمية مفيدة، لكن بعضها أو بعض جوانبها مضر، ويوصينا الكتاب المقدس: «امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (1تسالونيكى 21:5) وهذا هو الشعار الذي يجب أن نرفعه أمام كافة التحديات العلمية، الماثلة أو المستقبلة.

والرب قادر على أن يعطينا روح التمييز، لنختار الحسن، ونرفض الضار. له كل المجد إلى الأبد آمين،

الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, January 15, 2023

العلم والمعرفة (1) - الأنبا موسى - المصري اليوم - 15/1/2023

 العلم هو التحدى الأكبر فى هذا القرن. والصراع الحالى- فى رأى الباحثين- ليس بين من يملك ومن لا يملك.. بل بين من يعرف ومن لا يعرف!!

المعرفة- إذن- هى مجال المنافسة الأكبر فى القرن الحادى والعشرين، والعلم هو من أهم أدوات المعرفة.

ثقافتان:

يتحدث العالم عن ثقافتين تتكاملان فى حياة البشر: الثقافة المادية، والثقافة الروحية.

وأن الخطر- كل الخطر- يكمن فى أن إنسان العصر الجديد يركز على الثقافة المادية- فقط- ويتجاهل الثقافة الروحية.

1- الثقافة المادية: هى علوم التجريب، والمادة، والحسيات، والطبيعة، والكيمياء، والهندسة، والطب، والفلك، والتكنولوجيا، والجغرافيا، والاقتصاد.. إلخ. وهى بلا شك علوم مهمة لإسعاد الإنسان، لكن.. على هذه الأرض، وفى حياته المادية، وصحته الجسدية.

ولعل الاقتصاد هو الأهم الآن فى ظل الظروف العالمية، بدأت بجائحة كورونا وتوابعها وتأثيرها السلبى على الاقتصاد العالمى والمحلى، ثم ازداد الأمر ضررًا من جراء حرب روسيا وأوكرانيا، والتى أضرت على مستوى العالم دولًا كثيرة، ومنها مصر.

2- الثقافة الروحية: وهى العلوم الإنسانية المتنوعة كالدين، والتربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والإعلام، والأدب، والتصوف.. إلخ. وهى بلاشك غاية فى الأهمية، فالإنسان ليس جسدًا وحسب، بل هو عقل يفكر، ونفس تحسّ، وروح تتأمل فيما وراء المادة، والطبيعة، والموت!.

من هنا كان النموذج الغربى السائد الآن، والذى تحاول شبكات البث التلفزيونى والمعلومات أن تفرضه علينا كل يوم.. هذا النموذج الغربى فيه ابتسار خطير، فهو يبهرنا بالتقدم العلمى المادى والزمنى، بينما يعوزه الكثير من الأبعاد الروحية والإنسانية والفكرية، التى تناسب هويتنا المصرية.

ولا شك أن المراقب المنصف يرى الآن إبداعات مذهلة فى العالم الغربى، مهتمة بالثقافة المادية، بينما يرى شحوبًا خطيرًا فى البعد الروحى والأخروى.

وقديمًا قال السيد المسيح: «ماذا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِى الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟» (متى 26:16).

ما أخطر أن ينبهر الإنسان بالحضارة المادية السائدة، وينسى القحط الروحى الذى يعيش فيه الإنسان الغربى، والأسرة الغربية، والمجتمع الغربى!.

إن ثقافة الغرب السائدة الآن تتمركز حول ثلاثة محاور:

1- محور الجسد: إذ تهتم بالصحة والرياضة والتغذية.. وهذا جميل ومهم ومفرح، لكن الخطر أنها تتمركز حول الجنس الذى شطح بهم نحو أبعاد غاية فى الشذوذ والانفلات، و«إدمان الجنس»، وتقنين الزواج المثلى!! أمور نرفضها لأنها ضد الوضع الطبيعى، وضد الدين، وضد التماسك الأسرى. والنماذج ماثلة أمامنا، فيما يبثه الإعلام الأمريكى، وشبكة المعلومات، حتى إنه قد صدر أخيرًا فى أمريكا كتاب يتحدث عن هذا الأمر، اسمه «مجتمع موجه جنسيًّا»، وكيف أن الجنس صار يتحكم فى شبكات الإعلام، وروح الإنسان، وسلوكيات المراهقين، وأطفال الحضانات والمدارس، بل حتى المتزوجين، بل حتى نشرات الأخبار!.

ومنذ فترة كان العالم يتحدث عن الجدّة ذات الستة والعشرين عامًا، حيث أنجبت ابنتها وهى فى سن

12 سنة، طبعًا بدون زواج!!

2- محور المادة: فالناس الآن يجرون وراء المادة، وينسون كل قيم ومبادئ دينية روحية فى سبيل الوصول إلى الثراء السريع. ومنذ فترة مضت عشنا ظاهرة الشهادات الدولارية الورقية، التى تصدرها شركة أجنبية، تبيع فيها أوراقًا مزورة، يتداولها الشباب فيما بينهم، كل شهادة بأربعين دولارًا، وهذا يكسب من جيب ذاك، دون استثمار أو تجارة، أو إنتاج سلعة، أو تعب، بل فى نوع من المقامرة، يخسر فيها الكثيرون، وتكسب الشركة باستمرار.

3- محور الذات: حيث يسمى الأمريكيون ثقافتهم، بأنها «ثقافة الأنا» (The Me Culture). فالكل يتمركزون حول ذواتهم، ولا يفكرون إلا فى أنفسهم، ليس فقط على مستوى المجتمع، بل حتى داخل الأسرة. من هنا تمزقت الأسرة إلى أفراد أنانيين، وتمزق نسيج المجتمع، وسادت روح الأخذ، بدلًا من روح العطاء، ومع الأخذ فقط تكون التعاسة، أما العطاء فقد قال عنه السيد المسيح: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 35:20).

لذلك لا بد أن نركز على الثقافتين معًا، وعلى الاهتمام بالجسد والروح معًا، ففى التدين السليم لم يعد هناك صراع بين الجسد والروح، بل ضبط وارتقاء، وشركة حب وجهاد وعبادة:

1- الروح: تحب وتتأمل وتناجى الرب.

2- والجسد: يسجد، ويصلى، ويرفع اليدين، ويصوم، ويجتهد فى عمل الخير.

صور التحدى العلمى:

إن الاهتمام بالثقافة الروحية فقط لا ينبغى أن ينتقص من قدر العلم، والإنجازات الحديثة، فى كل المجالات. وأمامنا تقدم علمى مذهل يجب أن نستفيد منه، وهذه بعض الأمثلة:

1- فى المجال الطبى: هناك تقدم مذهل فى أساليب الفحص، بأجهزة حديثة، وكذلك فى أساليب العلاج، مثل زرع الأعضاء واستخدام الليزر، ووسائل الطب الحديث التى تتطور يوميًّا.

ولا شك أن هناك صورًا عديدة للتقدم العلمى يجب أن نستفيد منها فى شتى المجالات. (يتبع)


الوصايا العشر للتنويري - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 15/1/2023

  ١-لاتدخل معركة التنوير بمنطق خناقات أنور وجدي في أفلام الأبيض والأسود والذي يريد أن يخرج من الخناقة بالبدلة نظيفة والشعر مصفف ،وتنتهي المعركة بدون نقطة دم وبخدش بسيط ظاهر جداً أنه ماكياج.

٢-لاتدخل في جدل مع داعشي متطرف فلاطائل منه ولاجدوى ،ليكن هدفك الحيارى التائهين الذين لايعرفون شطاً لهم ومن السهل سقوطهم في فخ هذا المتطرف.

٣- التنوير له فاتورة ،وفاتورة باهظة التكاليف، والتنويري الذي يتصدى لقضية تغيير الفكر لابد أن يعرف ذلك وأن يعيه، لايوجد تنوير مجاني .

٤- كما أنه لايوجد تنوير مجاني، أيضاً لايوجد تنوير دليڤري ،يصل اليك وأنت كسول مأنتخ ،لابد أن تسعى وتشتغل على نفسك وتوسع مداركك وثقافاتك .

٥- التنوير لايتم تسوله، سواء من سلطة أو من شخص ،التنوير معركة شارع ،عليك أن تخوضها حتى الثمالة .

٦- التنوير ماراثون طويل ،ومن يكسبه هو طويل النفس الذي يحتفظ بصبره وينظم نفسه ولا ييأس ، ازرع البذرة ولا تنتظر الثمرة في حياتك ،يكفي أن ترى البراعم والأزهار ،وثق بأن ثمرة التنوير ستسقط في حجر أبنائك أو حتى أحفادك.

٧- هستيريا الشتائم والتهديدات والوقاحات استقبلها بهدوء،وترجمها فورياً الى ضعف منطقهم الذي يضطرهم الى استخدام مثل هذه الوسائل الوضيعة ،والهستيريا على قدر الوجع ،واذا لم تكن مؤثراً كانوا سيهملوك ،لكن من يشتمك مفزوع ومرعوب من مدى تأثيرك وقوة حجتك وثباتك في فضح تناقضاتهم.

٨-أفضل المعارك التي تكسب بها أرضاً في معركة التنوير هي المعارك المتعلقة بالعلم وفشل الفكر الأصولي في حل تناقضه معها والعداء لها، حتماً ستنتصر فيها وتخصم من رصيدهم وتضم أنصاراً اليك ،لأن الناس مصلحتها الحقيقية مع العلم ،فهو الذي يطعمهم ويعالجهم ويمنحهم الرفاهية.

٩-  التنوير ليس حديثاً في التراث الديني فقط ومحاولة تجديده ،بالرغم من أهميته إلا أنه ليس كل التنوير ،إنه مجرد جزء، فتعليم الناس كيف يقرأون لوحة أو كونشرتو أو باليهاً أو عرضاً مسرحياً أو لقطة سينما ..كل هذا يصب في مساحة التنوير.

١٠- هناك مجتمعات تعالج الظلامية والرجعية بمجرد كبسولات وتنجح ، ولكن هناك مجتمعات الرجعية لديها تصل لدرجة الشيزوفرينيا وتتجاوز مجرد القلق أو الوسوسة ،وهذه المجتمعات لن تجدي معها الكبسولات ،ولكن لابد لها من صدمات كهربائية.


Sunday, January 8, 2023

اتركها هذه السنة أيضًا - الأنبا موسى - المصري اليوم - 8/1/2023

 أهنئكم يا إخوتى جميعًا ببدء عام جديد 2023، جعله الله عامًا مباركًا مقدسًا.. نحيا فيه حياة مقبولة من الله. وليعطنا الرب بداية حسنة، وعلاقات أسرية سعيدة تملأ الحياة فرحًا وسعادة، وعلاقات اجتماعية بالجيران والأقارب تملأ حياة الكل بهجة، ونشاطًا اجتماعيًّا مثمرًا في المجتمع، كما أهنئكم بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد، والذى جاء إلى أرضنا وهو بعد طفل على ذراعى السيدة العذراء، وتباركت بلادنا المصرية بقدومه تحقيقًا للنبوات: «مبارك شعبى مصر»، ونحن نشعر بالفخر والاعتزاز لأننا نعيش على نفس الأرض التي احتضنت كثيرًا من الأنبياء والعائلة المقدسة، التي عاشت في مصر حوالى 4 سنوات، ومرت فيها شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا.

ونرجو لبلادنا الحبيبة- في هذه المناسبة- كل خير، مصلين إلى الله أن يحل مشاكلها الاقتصادية ويمنحها الرخاء، ويسبغ عليها من جوده وكرمه سلامًا وطمأنينة، وينعم بالسلام في العالم أجمع، ولتكن بركة الرب على كل موضع.

وكما وُلد السيد المسيح في عالم مظلم، وأشرق عليه بنوره.. هكذا فليمنح الله الاستنارة للعالم الآن، ويرشده إلى سواء السبيل.

وإذ نحتفل بميلاد السيد المسيح، نتذكر تعاليمه وأمثاله، ومنها مثل الكرمة.. الذي فيه يدعونا بأن نبدأ من جديد..

ضرب السيد المسيح هذا المثل في إنجيل (لوقا 6:13- 9): «كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِى كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَرًا وَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِى أَطْلُبُ ثَمَرًا فِى هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا!. لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟، فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلًا، فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلا فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا».

في هذا المثل يتحدث السيد المسيح عن: كَرّام، وصاحب الكرم، والكرم نفسه، وفى هذا الكرم توجد شجرة تين مغروسة منذ 3 سنوات، ولا تأتى بثمر، فقال صاحب الكرم للكَرّام: لماذا تُعطل الأرض؟، اقلعها، وازرع مكانها شيئًا آخر، ولكن الكَرّام دائمًا ما يكون حنونًا على زرعه لأنه هو الذي نقّب وزرع، وترجّى صاحب الكرم، وقال له: اتركها هذه السنة أيضًا، أنقب حولها، وأضع سمادًا، فإن صنعت ثمرًا، وإلا، فبعد ذلك نقطعها.

الكرمة: ترمز إلى كل إنسان منّا.

السنوات الثلاث: ترمز إلى مراحل العمر (الطفولة، الشباب، الرجولة).

فالله يدعو الإنسان وهو طفل فلا يسمع، وهو شباب فلا يسمع، وهو رجل فأيضًا لا يسمع، ويقول اتركها هذه السنة أيضًا.

ها أنا أعطيك سنة جديدة، فماذا أنت تصنع أيها الكَرّام في حياتك؟.

يشير المثل إلى أن الله يبطئ في الدينونة على الخُطاة ليعطيهم فرصة للتوبة، ولكن هناك زمن، وإن تأخرت توبتنا تكون هناك ضربات.. إذًا علىَّ ألا أبطئ، والله يتعهد كل نفس بمواهبه ونعمته وطول أناته، ولكنه يطالب بالثمر. ولا ثمر بدون توبة.

اتركها هذه السنة أيضًا.. هي الفرصة التي يعطيها الله للخطاة ليتوبوا قبل أن ينفذ حكمه العادل فيهم.

فلابد من ثلاثة أشياء للكرمة:

أ- التنقية:

فالكَرّام ينقى التربة حول الزراعة، فإن كان هناك شوك ينزعه، أو حشائش ضارة تمتص غذاء الزراعة أيضًا ينزعه من حولها، وبذلك تتغذى الزراعة جيدًا وتثمر.

وأيضًا عندما ينقب يُعرض هذه التربة للشمس، فينزع منها الحجارة، التي تمنع الجذر من النمو.

والحشائش والأشواك هنا ترمز إلى شهوات العالم، والحجارة ترمز إلى الخطايا المحبوبة التي تعطل الحياة الروحية.

فالإنسان المؤمن يجب أن تكون حياته: فكرًا نقيًّا، حواس نقية، مشاعر نقية مع الناس، إرادة مقدسة متجهة نحو الله، أعمالًا صالحة، خطوات مستقيمة، وهكذا لا تستطيع حياة الإنسان أن تُثمر، إن لم يُنقِّب من حولها.

ب- التغذية:

أضع سمادًا، هل كنت في العام الماضى أغذى التربة؟، وإن كنت أغذيها، فلماذا لم تُثمر؟.

إذن علىَّ أن أحاسب نفسى على الأشياء التي صنعتها، وأضع خطة لسنة جديدة أجد بها طريقة التغذية لحياتى حتى تثمر.

وهكذا أيضًا تحتاج حياتى إلى تغذية ليس فقط جسديًّا عن طريق الأكل والشرب وتغذى النفس أيضًا عن طريق الترويح، ولكن لابد أن يكون هناك أيضًا غذاء روحى.. فهل لدىَّ خطة إشباع للسنة الجديدة؟.

ج- الثمار:

ونحن لا يوجد لدينا سوى ثمار الروح القدس:

1- محبة: لذلك يجب أن تكون لدينا محبة، نحب كل الناس، فهى ثمرة مهمة جدًّا.

2- فرح: وهذه علامة المؤمن.

3- سلام: أن يكون في حياتنا سلام، واتكال على الله وتسليم حياتنا له.

4- طول أناة ولطف: يجب أن يكون في داخلنا لطف، وليس عنفًا، ونتعامل أيضًا بلطف، فالعنف معناه أن هناك توترًا داخليًّا.

5- وداعة: أن يكون لدينا وداعة ولطف.

6- تعفف: أي يكون الإنسان طاهرًا عفيفًا.

7- إيمان: مؤمن، أي واثق في الله.

فهيا معًا ننظر إلى العام الماضى ونحذف منه ونشطب، وننظر إلى العام الجديد ونضع خطة. وننظر إلى الله وندعوه أن يعطينا أن نثمر في عامنا الجديد إن شاء الله.

الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية