Translate

Tuesday, April 30, 2019

الديون المصرية: هل وصلت إلى مرحلة الخطر؟ بقلم د. محمد أبوالغار ٣٠/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


فى الفترة الأخيرة صدر عن البنك المركزى ووزارة المالية بيانات دقيقة عن وضع الاقتصاد المصرى بما فيها حجم الديون المصرية الأجنبية والمحلية، وهو شىء جيد أن تتوفر هذه الشفافية، وقد اهتم عدد من الخبراء المهتمين بالموازنة المصرية ومستقبل الاستثمار بهذا الأمر. وفى هذا المقال أقدم أرقام الدولة وآراء ثلاثة من الخبراء المحترمين من مختلف الاتجاهات.
أولًا: تقول الأرقام الرسمية إن ديون مصر الخارجية فى يونيو ٢٠١٨ كانت ٩٣.١٣ مليار دولار مقارنة بـ ٤٧.٧ مليار دولار عام ٢٠١٦ أى أن الديون تضاعفت فى عامين. أما الديون الداخلية فى ٢٠١٨ فكانت ٣٠٧ تريليونات جنيه أى ما يعادل ٢٠٧ بلايين دولار.
ثانيًا: الأرقام ضخمة وخاصة أن المصريين يتذكرون جيدًا ما حدث فى عصر الخديو إسماعيل من تضخم الديون والذى انتهى باحتلال بريطانى استمر ٧٢ عامًا. عدم قدرتنا على السداد كانت حجة استخدمها الإنجليز لغزو مصر. نعلم أن الدنيا تغيرت ولا مجال للاحتلال العسكرى الآن ولكننا نعرف أن بلدًا صغيرًا هو اليونان أصابته ضائقة مالية بسبب القروض المبالغ فيها انتهت إلى شبه إعلان إفلاسه ووضع الاقتصاد اليونانى تحت إدارة خبراء أجانب بقيادة ألمانيا الدائن الأكبر، وتم تخفيض مرتبات الجميع وتعيش البلاد فى ظروف صعبة بالرغم من أنها جزء من الاتحاد الأوروبى وهناك تعاطف شديد معها وعدد السكان قليل وتوجد بنية تحتية جيدة وعندها دخل ممتاز من السياحة ولكن كل ذلك لم يرحم اليونان.
مصر تعدادها ضخم وإيراداتها وثرواتها الطبيعية محدودة ولذا فإن تراكم الديون وزيادتها يعرضان مصر لمخاطر كبيرة قد تضطرها لتقديم تنازلات تعرض مستقبلها للخطر، وقد يكون ذلك مبررا لتدخل خارجى ليس عسكريًا ولكن أن تتحكم فينا قوى أجنبية لا تهمها مصلحتنا ولا مستقبلنا.
ثالثًا: النائب سعد بدراوى من الحركة الوطنية وهو مؤيد للنظام قال فى البرلمان إن فوائد الدين ارتفعت من ٢٠٠ مليار جنية إلى ٥٤٠ مليارا فى ثلاث سنوات وأن الدولة طلبت ٧٠ مليارا كاعتماد إضافى لتكلفة سداد فوائد الديون، ويعتبر أن زيادة الضرائب لن تحل المشكلة. ويقول إن مؤشرات الهيئات العالمية بتحسن الاقتصاد الهيكلى تسمح بإقراض الدولة المصرية ولكنها لا تعنى تحسنا حقيقيا فى الاقتصاد يشعر به الناس.
رابعًا: يعتقد الدكتور إبراهيم نوار وهو معارض أن الفوائد المستحقة على الديون حسب بيانات وزارة المالية تبلغ ٥٩٦ مليار جنيه وقيمة الأقساط ٥٥٥ مليار جنيه بإجمالى قدره ١١٥٠ مليار جنيه وهو ما يزيد على الحصيلة الضرائبية وستة أمثال ما يصرف على الصحة والتعليم مجتمعين، وهو أمر يشكل مخاطر على الاقتصاد الوطنى. ولكنه يشير إلى مؤشرات مبشرة فى تحول ميزان المعاملات البترولية إلى الفائض وزيادة الاستثمار المباشر فى قطاع البترول ولكن الصادرات السلعية ضئيلة للغاية، حوالى ١٤ مليار دولار منها ٦ مليارات صادرات بترولية.
خامسًا: فى محاضرة متميزة عن الاستثمار ألقيت فى الجامعة الأمريكية قال الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء الأسبق إن حجم الديون ليس مهمًا إنما المهم هو نسبته إلى حجم الاقتصاد الكلى، ويعتقد أننا لم نتعد مرحلة الخطر، وقال إن الديون إذا استخدمت فى مشروعات إنتاجية توظف عمالة وتنتج ما يسدد القروض فهى ليست ضارة. ويؤكد أن تعويم الجنيه كان خطوة لا بد منها ولكنه يؤكد أن هناك خطوات اقتصادية لم تتم أطلق عليها اسم الموجة الثانية من الإصلاح يجب أن تتبع الإصلاح الهيكلى الأول.
سادسًا: فى السنوات الأخيرة وبعد أن تم تعويم الجنيه انخفضت القدرة الشرائية للجنيه وأصبحت المعاناة الاقتصادية عامة من ارتفاع الأسعار، وانخفض مستوى المعيشة بشدة للطبقة المتوسطة وهى ظهير الأمان للمجتمع المصرى، وأصبح حوالى ٢٥% من المصريين تحت خط الفقر. ارتفاع الفجوة بين طبقات المجتمع بدرجة كبيرة وخطرة على المجتمع ومستقبله يمكن أن يسبب قلاقل مجتمعية. ويجمع الخبراء على أن الاستدانة لسداد فوائد القروض هى تأجيل للمشكلة مع تضخيمها وأنها ليست حلًا. ويعتمد تصنيف الدول ومقياس تقدمها على عدد من المؤشرات، وتعتبر المؤشرات الاقتصادية من أهمها وجودة وثبات هذه المؤشرات تنعكس على حياة المواطنين اليومية وتشير إلى توقعات باستقرار سياسى وأمنى.
الجميع يعترف أن هناك مشاكل اقتصادية ضخمة ومن ضمنها مشكلة القروض الرهيبة ووزير المالية اعترف بذلك وكان صريحًا فى توضيح المشكلة للشعب فى التليفزيون. ولكن ما العمل؟. الحلول صعبة ومعقدة فى ظل غياب القدرة على عمل خطة اقتصادية واضحة تعتمد على القطاع الخاص مع الدولة، مع وضع سياسة مبنية على دراسات جدوى اقتصادية يشترك فيها الخبراء من جميع الاتجاهات، وتلتزم الدولة بتنفيذ الخطط العلمية وتتوقف عن المبادرات غير المدروسة.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.

خالد منتصر - اللافيسبوكيون انتصروا فى غزوة شم النسيم - جريدة الوطن - 4/2019 /30

 عندما شاهدت حدائق الإسماعيلية أمس فى شم النسيم مليئة ومزدحمة بشكل أكبر من كل سنة زاد اطمئنانى على مصر المحروسة، وزاد إيمانى بأن أهلها سينتصرون حتماً على كل مظاهر الفاشية الدينية. نواة مصر الجميلة الأصيلة كانت قد تكلست بعض الشىء وغلفتها أفكار سلفية متشددة ومتزمتة، لكن ظلت النواة المصرية محتفظة بجينات البهجة والحب والود والتسامح، لم تكن تحتاج إلا زفرة هواء لكنس تراب التجهم عنها. كان قد داهمنى الإحباط وأنا أقرأ تعليقات البعض فى وسائل التواصل على تهنئة دار الإفتاء ونقابة المهندسين للأقباط بعيد القيامة وشم النسيم، تعليقات فى منتهى الغل والسواد والسفالة والحقد والبربرية، جهة دينية تبعث تهنئة فيدخل آلاف الضباع على الفيس بوك بالشتائم والسخرية والتطاول، نقابة المهندسين التى تضم خيرة العقول العلمية التى تفكر بالخطط والتصميمات والإحصاءات، يدخل البعض عندما يقرأون التهنئة بسكاكين وخناجر الكلمات الجارحة رافضين تهنئة إخوتهم المسيحيين!!
أصابنى الاكتئاب وقلت: إذا كان هذا هو حال رواد الفيس بوك، فماذا سيكون حال البسطاء؟ جاءنى الرد من حدائق الإسماعيلية المبهجة وهى تحتضن الجميع، مسلمين ومسيحيين، بسطاء غير مهمومين بالفيس بوك وتويتر، لا تشغلهم اللايكات ولا يبحثون عن الشير، يعيشون بفطرة المصرى الذى يقول: «موسى نبى وعيسى نبى ومحمد نبى وكل من له نبى يصلى عليه»، نفض عن ملابسه، ونفضت عن ملابسها، غبار الفكر الإخوانى المتشدد الذى كان يبحث عن المكسب السياسى على جثة هوية الوطن. هذا العام حاول البعض اختلاق صراع وهمى بين رمضان كمناسبة دينية إسلامية، وشم النسيم كمناسبة دينية مسيحية، وطرحوا التحدى قائلين: «حنشوف مين اللى حتحتفلوا بيه بحماس»!! وكأننا فى مباراة أهلى وزمالك. هتف المصريون ولاد البلد: «حنحتفل بالاتنين ونفرح بالاتنين، شم النسيم عيد مصرى، ورمضان نحن مصّرناه وأكسبناه طعمنا حتى صار كل المسلمين يقولون اللى ماشافش رمضان فى مصر ولم يعشه فى الحسين لم يذق طعم رمضان الحقيقى». عرفت وقتها أننا قد حوّلنا الفيس بوك إلى مورستان وعنبر خطر، وأن مصر أكبر من قبيلة الفيسبوكيين والتويتريين والإنستجراميين، من هم خارج تلك القبيلة قالوا كلمتهم وتحدوا تلك القبيلة ذات الصوت العالى الذى اتضح أنه ليس الصوت الوحيد وليس الصوت الحقيقى والصادق على الدوام.

Monday, April 29, 2019

أخرجوا المسلمين من بلاد الحضارة!!! رسالة ناريّة رداً على التطرّف الإسلامي ومن ينتقد المسيحية والمسيحيين - نادين البدير – الحقيقة - 28 أبريل 2019

تخيلوا أن شابا من الطرف الغربي من العالم سافر إلى هنا، ونفذ مهمة تفجير نفسه، باسم الصليب، في أحد ساحاتنا العامة.
تخيلوا أن مركزين شاهقين أُسقطا بأحد العواصم العربية، وظهرت جماعة مسيحية متطرفة يرتدي أفرادها أزياء عمرها الألف عام، لتعلن مسئوليتها عن الحادث، وتؤكد تصميمها على إحياء علوم المسيح وإرجاع عهده وعهد تلاميذه..
وتخيلوا أصواتاُ لرهبان وقساوسة تصل مسامعنا من كنائس ومعابد داخل العالم العربي وخارجه، وهي تصرخ أمام مكبرات الصوت داعية على المسلمين الكَفَرة (اللهم دمر المسلمين واهزمهم أجمعين)..
تصوروا أننا مَنحنا مجموعات أجنبية لا حصر لعددها إقاماتِ وهويات وجنسيات ووظائف ملائمة ومقاعد دراسية مجانية. علاج متقدم مجاني. تأمين وغيره. ثم يخرج مارد الكره من بين المهاجرين كالهمجي المتعطش للدم فيقتل ويسفك أرواح أبنائنا في شوارعنا وداخل مبانينا وصحفنا ومساجدنا ومدارسنا.
نزور أراضيهم كسيّاح فيرشقوننا بالرصاص ويفجّرون بنا وسائل النقل معلنين رفضهم لوجودنا (أخرجوا المسلمين من بلاد الحضارة).
هذه الصور مستبعدة من مخيلة الإرهابي العربي أو المسلم لأنه يثق، أو كان واثقا بانسانية الغرب
، سرنا في أراضيهم على مدى سنوات بلا أدنى خوف أو قلق. ملايين من السياح المسلمين والمهاجرين والطلاب والباحثين عن فرص عمل ورزق، والأبواب مفتوحة والشوارع مطمئنة.
لكن إلى متى؟
اليوم اختلف الأمر. وظهر الغضب. نشروا تصريحات مخيفة بطل آخرها كان دونالد ترامب يطالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
غريب اعتقادنا بامتلاك حق استنكار تلك التصريحات. بدلاً من أن ندس رؤوسنا خجلاً وخزياً من العار الذي جنته مناهج تعليمنا وتربيتنا وتنشئتنا وأنظمتنا التي استهترت بواجب بناء الإنسان. بدلا من الالتفات لداخلنا وطرق عبادتنا المتطرفة وأساليب تعاملنا الرجعي مع بعضنا ومع العالم. بدلاً من الاعتذار للعالم.
شُنت الحملات ضد تطرف ترامب وماري لوبين اليمينية.
ولو أننا بقينا صامتين. فمَن ردَّ عليهم كان العالم الغربي نفسه. البيت الأبيض أعلن أن تصريحات ترامب لا تعكس القيم الأمريكية. والأوروبيين يؤكدون أن قوى التشدد لا تمثل مبادئ حريتهم واستيعابهم للآخر.
ماذا ستكون ردة فعلك لو أن أوروبياً فجر مسرح مدينتك أو المقهى الذي يرتاده ابنك؟ وماذا ستفعل لو سمعتَ اللعنات على دينك ومعتقدك أيام الآحاد.
تخيل نفسك في أمستردام أو لندن أو نيويورك. ووجدت من يشكّك في أصل كتابك القرآن، أو في خلق رسولك الكريم، وعرفت أن الطلبة هناك يدرسون بمناهجهم أنك كافر وأن أمر قتلك جهاد يوصل للحور العين.
هل كنت لتمضي بقية الصيف أو تبتعد أو تفجر نفسك أو تفعل أدنى الأمرين فتنفس عن غضبك وتطالب بمنع دخول المسيحيين بلاد العرب.
ماذا كنت ستفعل؟
وأي حرب ستندلع لو تخلى الغربي عن قيمه أمام جرائم الدم الدخيلة وظهر تطرف غربي أو مسيحي مضاد في مدننا العربية؟
بعد كل هذه المهازل يخرج عليك محلل عربي مهزوز بخطاب هش يردد صاحبه عبارة مكررة ملايين المرات: هؤلاء لا يمثلون الإسلام.
هذا فقط ما تحويه جعبتنا. مجرد تبرئة.

Sunday, April 28, 2019

القيامة والحياة الأبدية بقلم الأنبا موسى ٢٨/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

لا شك أن الإيمان بالقيامة يشرح لنا معنى وجودنا فى هذه الحياة الأرضية الممتلئة بالآلالم، وكيف أننا سنذهب بعد الموت إلى الحياة الأبدية، ونحيا مع إلهنا إلى الأبد فى الملكوت.
لو كان الإنسان يولد، ثم يحيا فى عالم متعب وظروف صعبة، ثم يشيخ، ثم يموت. وينتهى كل شىء، فما معنى هذا الوجود؟
لكن إيماننا بالحياة الأبدية والقيامة من الموت يعطى حياتنا معنى وهدفًا.
- قال سارتر: «هذا الوجود زائد عن الحاجة، ولا داعى له».
- وقيل: «الإنسان يولد باكيًا، ويعيش شاكيا، ويموت يائسا».
هذه طبعًا نظرة سوداوية، بسبب عدم الإيمان بالله، الذى سيقيمنا فى اليوم الأخير، إلى حياة أبدية سعيدة فى ملكوته.
١- القيامة.. تعطى معنى للحياة:
فبالفعل، ما قيمة هذه الحياة والإنسان يشيخ ثم يموت؟! أو يسقط صريع الحرب، أو الفقر، أو المرض، أو الكوارث؟! القيامة فقط هى التى تعطى معنى لحياتنا.. فالله حينما خلقنا أراد أن نسعد معه فى ملكوته المقيم، ولكنه أراد أن يكون ذلك بحرية إرادتنا، وهذه الحرية تحتاج إلى «اختيارات» و«اختبارات».
- اختيارات: أى أن يختار الإنسان بمحض إرادته بين أمرين: أن يحيا مع الله، أو ضد الله.
- اختبارات: أى أن يختبر الإنسان فى حياته الأرضية، الحياة اليومية مع الله؛ تميهدًا للحياة الأبدية بعد الموت.
إذن فلماذا الموت؟
الموت يعطينا أن نخلع هذا الجسد الضعيف؛ إذ نقوم بجسد آخر نورانى يصعد إلى السماء، ويستقر فى الملكوت الأبدى.
القيامة- إذن- تعطى معنى لوجودنا وحياتنا الأرضية، مهما كانت متعبة، لأننا سنتركها إلى حياة أبدية سعيدة مع الله وملائكته وقدّيسيه.

الله يعرف مسبقًا بكل ما سوف يحدث لنا، لكنه لم يحتم على آدم أن يختاره، أو أن يختار الشيطان، تاركًا له فرصة حرية الإرادة والاختيار، واتخاذ القرار، حتى يبقى مع الله بكامل حريته وإرادته! والشيطان أغوى آدم، فسقط بعصيان الله، لكن الله وعده بالخلاص، إذا آمن به وعمل الصالحات.

وهكذا صار أمام الإنسان نفس الاختيارين إما الحياة مع الله أو ضده، وعاد الإنسان مرة أخرى صاحب القرار. لهذا يقول الكتاب المقدس للإنسان: «جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ.. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لكَىْ تَحْيَا» (تث ١٩:٣٠).
إننا خلقنا لنعيش مع الله، ولن نستريح إلا حينما نحيا له، كما قال القديس أغسطينوس: «يا رب لقد خلقتنا لك، ولن نستريح إلا فيك».
وهذه حقيقة.. الإيمان بالله غير المحدود وبعمله فينا ينقلنا إلى الأبدية غير المحدودة.
- وهنا نرفض مقولة أن «هذا الوجود زائد عن الحاجة»، ونؤمن بالعكس تمامًا، وهو أن هذا الوجود مفرح وهو مقدمة للأبدية السعيدة، ونحن مدعوون لأن نحيا حياتنا الأرضية مع الله، متطلعين فى شوق إلى حياتنا الأبدية السعيدة معه.
٢- القيامة.. تعطى رجاء للإنسان:
- أخطأ من قال «إن الإنسان يولد باكيًا، ويعيش شاكيًا، ويموت يائسًا»؛ إن الإنسان المؤمن الذى يحيا مع الله، ويؤمن بالخلود، يولد باكيًا.. ولكنه يرى فى بكاء الطفل انفتاحًا للشعب الهوائية، لا حياة بدونها.. وهو لا يعيش شاكيًا، بل حرىٌّ به يعيش شاكرًا، واثقًا بأنه «إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟» (رو ٣١:٨). وأن إلهنا المحب يرعانا من «أَوَّلِ السَّنَةِ إِلى آخِرِهَا» (تث ١٢:١١)، ومن الطفولة إلى الشيخوخة.
لذلك فالإنسان المؤمن لا يموت يائسًا، بل بالحرى يموت واثقًا من القيامة والخلود.. ولذلك لا يتسلل اليأس إلى حياته أبدًا، بل شعاره هو: «لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رو ٨:١٤).
- وهو يرى أنه يحيا فى غربة، ويشتاق أن يستوطن عند الرب، لأننا: «بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ» (٢ كو ٦:٥-٨). ولهذا فهو يجتهد فى أن يحيا حياة مقدسة ترضى الله، لينال حياة أبدية يرضاها!
وهكذا يملأ الرجاء قلب الإنسان المؤمن.. والرجاء باليونانية «هلبيس»، أى «المرساة» أى «الهلب» الذى يغرسه قائد السفينة فى صخور الشاطئ، ثم يجذب المركب إلى الشاطئ، لتستقر هناك.
٣- القيامة.. تنير الذهن:
قال أحد الملحدين: «إن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم إلى ظلمة الأرض، وينتهى إلى ظلمة القبر».
وهو فى ظلمة الإلحاد يفقد القدرة على الرؤيا والتمييز. بينما الإنسان المؤمن يستنير بعمل الله فيه، فهو الذى «فَتَحَ ذِهْنَهُمْ (تلاميذه) لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ» (لو ٤٥:٢٤). لهذا يقول الرسول بولس: «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عب ٣:١١). الإيمان يكمل عجز العقل فى المعرفة.
إنه بمثابة التلسكوب الذى يضعه الشخص على عينيه، ويحدق فى السماء، فيرى النجوم البعيدة. العين المجردة محدودة، والتلسكوب يساعده. كذلك العقل الإنسانى محدود، والإيمان هو الذى يساعده لرؤية السماويات والخلود الأبدى.
ليتنا نحيا على رجاء الحياة الأبدية الخالدة، بالقداسة، والبر، والحياة الصالحة، فنقضى أبدية سعيدة مع الله.
الأنبا موسى أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


خالد منتصر - أساتذة جامعة القاهرة يستغيثون بالرئيس - جريدة الوطن - 4/2019 /28

القيامة والحياة الأبدية

  بقلم   الأنبا موسى    ٢٨/ ٤/ ٢٠١٩
لا شك أن الإيمان بالقيامة يشرح لنا معنى وجودنا فى هذه الحياة الأرضية الممتلئة بالآلالم، وكيف أننا سنذهب بعد الموت إلى الحياة الأبدية، ونحيا مع إلهنا إلى الأبد فى الملكوت.
لو كان الإنسان يولد، ثم يحيا فى عالم متعب وظروف صعبة، ثم يشيخ، ثم يموت. وينتهى كل شىء، فما معنى هذا الوجود؟
لكن إيماننا بالحياة الأبدية والقيامة من الموت يعطى حياتنا معنى وهدفًا.
- قال سارتر: «هذا الوجود زائد عن الحاجة، ولا داعى له».
- وقيل: «الإنسان يولد باكيًا، ويعيش شاكيا، ويموت يائسا».
هذه طبعًا نظرة سوداوية، بسبب عدم الإيمان بالله، الذى سيقيمنا فى اليوم الأخير، إلى حياة أبدية سعيدة فى ملكوته.
١- القيامة.. تعطى معنى للحياة:
فبالفعل، ما قيمة هذه الحياة والإنسان يشيخ ثم يموت؟! أو يسقط صريع الحرب، أو الفقر، أو المرض، أو الكوارث؟! القيامة فقط هى التى تعطى معنى لحياتنا.. فالله حينما خلقنا أراد أن نسعد معه فى ملكوته المقيم، ولكنه أراد أن يكون ذلك بحرية إرادتنا، وهذه الحرية تحتاج إلى «اختيارات» و«اختبارات».
- اختيارات: أى أن يختار الإنسان بمحض إرادته بين أمرين: أن يحيا مع الله، أو ضد الله.
- اختبارات: أى أن يختبر الإنسان فى حياته الأرضية، الحياة اليومية مع الله؛ تميهدًا للحياة الأبدية بعد الموت.
إذن فلماذا الموت؟
الموت يعطينا أن نخلع هذا الجسد الضعيف؛ إذ نقوم بجسد آخر نورانى يصعد إلى السماء، ويستقر فى الملكوت الأبدى.
القيامة- إذن- تعطى معنى لوجودنا وحياتنا الأرضية، مهما كانت متعبة، لأننا سنتركها إلى حياة أبدية سعيدة مع الله وملائكته وقدّيسيه.

الله يعرف مسبقًا بكل ما سوف يحدث لنا، لكنه لم يحتم على آدم أن يختاره، أو أن يختار الشيطان، تاركًا له فرصة حرية الإرادة والاختيار، واتخاذ القرار، حتى يبقى مع الله بكامل حريته وإرادته! والشيطان أغوى آدم، فسقط بعصيان الله، لكن الله وعده بالخلاص، إذا آمن به وعمل الصالحات.

وهكذا صار أمام الإنسان نفس الاختيارين إما الحياة مع الله أو ضده، وعاد الإنسان مرة أخرى صاحب القرار. لهذا يقول الكتاب المقدس للإنسان: «جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ.. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لكَىْ تَحْيَا» (تث ١٩:٣٠).
إننا خلقنا لنعيش مع الله، ولن نستريح إلا حينما نحيا له، كما قال القديس أغسطينوس: «يا رب لقد خلقتنا لك، ولن نستريح إلا فيك».
وهذه حقيقة.. الإيمان بالله غير المحدود وبعمله فينا ينقلنا إلى الأبدية غير المحدودة.
- وهنا نرفض مقولة أن «هذا الوجود زائد عن الحاجة»، ونؤمن بالعكس تمامًا، وهو أن هذا الوجود مفرح وهو مقدمة للأبدية السعيدة، ونحن مدعوون لأن نحيا حياتنا الأرضية مع الله، متطلعين فى شوق إلى حياتنا الأبدية السعيدة معه.
٢- القيامة.. تعطى رجاء للإنسان:
- أخطأ من قال «إن الإنسان يولد باكيًا، ويعيش شاكيًا، ويموت يائسًا»؛ إن الإنسان المؤمن الذى يحيا مع الله، ويؤمن بالخلود، يولد باكيًا.. ولكنه يرى فى بكاء الطفل انفتاحًا للشعب الهوائية، لا حياة بدونها.. وهو لا يعيش شاكيًا، بل حرىٌّ به يعيش شاكرًا، واثقًا بأنه «إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟» (رو ٣١:٨). وأن إلهنا المحب يرعانا من «أَوَّلِ السَّنَةِ إِلى آخِرِهَا» (تث ١٢:١١)، ومن الطفولة إلى الشيخوخة.
لذلك فالإنسان المؤمن لا يموت يائسًا، بل بالحرى يموت واثقًا من القيامة والخلود.. ولذلك لا يتسلل اليأس إلى حياته أبدًا، بل شعاره هو: «لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رو ٨:١٤).
- وهو يرى أنه يحيا فى غربة، ويشتاق أن يستوطن عند الرب، لأننا: «بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ» (٢ كو ٦:٥-٨). ولهذا فهو يجتهد فى أن يحيا حياة مقدسة ترضى الله، لينال حياة أبدية يرضاها!
وهكذا يملأ الرجاء قلب الإنسان المؤمن.. والرجاء باليونانية «هلبيس»، أى «المرساة» أى «الهلب» الذى يغرسه قائد السفينة فى صخور الشاطئ، ثم يجذب المركب إلى الشاطئ، لتستقر هناك.
٣- القيامة.. تنير الذهن:
قال أحد الملحدين: «إن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم إلى ظلمة الأرض، وينتهى إلى ظلمة القبر».
وهو فى ظلمة الإلحاد يفقد القدرة على الرؤيا والتمييز. بينما الإنسان المؤمن يستنير بعمل الله فيه، فهو الذى «فَتَحَ ذِهْنَهُمْ (تلاميذه) لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ» (لو ٤٥:٢٤). لهذا يقول الرسول بولس: «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عب ٣:١١). الإيمان يكمل عجز العقل فى المعرفة.
إنه بمثابة التلسكوب الذى يضعه الشخص على عينيه، ويحدق فى السماء، فيرى النجوم البعيدة. العين المجردة محدودة، والتلسكوب يساعده. كذلك العقل الإنسانى محدود، والإيمان هو الذى يساعده لرؤية السماويات والخلود الأبدى.
ليتنا نحيا على رجاء الحياة الأبدية الخالدة، بالقداسة، والبر، والحياة الصالحة، فنقضى أبدية سعيدة مع الله.
الأنبا موسى أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Saturday, April 27, 2019

خالد منتصر - رسالة من فيلسوف إلى وزير الأوقاف - جريدة الوطن - 4/2019 /27

اتّخذ وزير الأوقاف د. مختار جمعة من قبل قرارات جريئة ضد الهوى السلفى الوهابى وشكرناه على ذلك، لذلك انتظرنا منه استمراراً وتأكيداً لخبر منع ميكروفونات صلوات التراويح التى تعلق خارج المساجد، لكننا فوجئنا بالتراجع عن القرار، والاكتفاء بقرار مستحيل التطبيق، وهو منع تداخل الأصوات!، سأكتفى اليوم بجزء من مقال قديم كانت «الوطن» قد نشرته منذ فترة لأستاذ الفلسفة فؤاد زكريا يحلل فيه ظاهرة الميكروفون، فيقول:
التناقض الأكبر هو ذلك الذى تكشف عنه النتائج المترتبة على استخدامنا لهذا الاختراع الحديث فى أداء أهم شعائر العبادة فى عقيدتنا. ذلك لأن الغرب الذى ابتدع هذه الاختراعات، كان منذ بدء اتباعه لمبدأ المعرفة من أجل القدرة، يستهدف توسيع نطاق القدرة الإنسانية، وتوفير طاقة الإنسان ووقته، فى كل اختراع يتوصّل إليه. وهذه النتائج لها، بطبيعة الحال، تأثير تراكمى. فإذا أمكن مثلاً توفير الوقت والجهد الذى يبذله الباحث فى جمع المعلومات والمراجع والمواد العلمية، عن طريق الحاسب الآلى، فإن هذا الباحث سيجد مزيداً من الوقت والطاقة للجانب الابتكارى فى بحثه، مما يؤدى إلى ارتفاع مستوى هذا البحث، فينعكس ذلك إيجابياً على مستوى الكشوف النظرية أو التطبيقات العلمية التى يقوم بها هو وأمثاله، ويؤدى ذلك إلى توفير مزيد من الوقت والجهد على الآخرين، وهلم جرا. ومن هنا فإن الاستخدام السليم للعلم والتكنولوجيا يـؤدى إلى حركة تصاعدية لا تنقطع، فى المجتمعات التى تمر بتجربة الكشف والاختراع.
أما فى مجتمعاتنا، التى تتلقى ثمار هذه التجربة جاهزة ولا تعرف الخبرة والمعاناة المرتبطة بالكشف العلمى والاختراع التكنولوجى، فإن هذه الإنجازات يمكن، فى أحيان غير قليلة، أن تسفر عن نتائج عكسية، ولا جدال فى أن ميكروفون الجامع من أبرز الأمثلة على ما نقول، فهذا الميكروفون، الذى هو من وجهة النظر الدينية الخالصة بدعة لم يعرفها الأوائل ولا معظم الأواخر، يستخدم من أجل إقلاق راحة الإنسان وحرمانه من النوم، ومن الهدوء النفسى والعصبى، الذى هو شرط ضرورى لاستمرار قدرته الإنتاجية، ولو تأملنا تلك الأصوات المتداخلة والمتنافرة، التى تقضى على جلال فكرة الأذان ذاتها، والتى تنبعث من عشرات الميكروفونات وتحاصر الإنسان بضجيج يصعب تمييز كلماته، لو تأملنا تفنّن بعض المساجد فى رفع أصوات ميكروفوناتها وإطالة فترة أذان الفجر، وما يليها من مدائح وتسابيح، دون رحمة لمريض فى مستشفى قريب، لا شفاء له إلا مع النوم المريح، أو لعامل يود أن ينال قسطاً كافياً من الراحة حتى يستطيع أن يبدأ يومه الجديد بعمل مثمر يعود على أبناء مجتمعه وعقيدته بالخير، ويسهم فى تقدم أمته، لو تأملنا ذلك لأدركنا مدى تشويهنا لنتائج التكنولوجيا التى نقتبسها دون فهم لأغراضها الحقيقية، ولتبين لنا أننا يمكن أن نستخدم المخترعات الحديثة، لا من أجل القضاء على التخلف، بل من أجل تأكيده ومضاعفته. إن ميكروفون الجامع رمز مصغر للطريقة التى تتلاقى بها الثقافة الغربية العلمية والتكنولوجية مع ثقافتنا التراثية، ومن أسف أنه، فى الوقت ذاته، مظهر واضح من مظاهر إخفاقنا فى الانتفاع من نواتج العبقرية البشرية، من أجل دفع عجلة تقدمنا إلى الأمام. إنه فى كلمة واحدة، تلخيص بسيط، واضح، مكثف، لأزمتنا الحضارية.

Thursday, April 25, 2019

خالد منتصر - مَن هو أبو الانتحاريين الحقيقى؟ - جريدة الوطن - 4/2019 /26

اثنان من انتحاريى كنائس سريلانكا فى الحوادث التى أودت بحياة 359 شخصاً، وإصابة أكثر من 500 آخرين هما شقيقان، وأبوهما يونس إبراهيم أكبر وأغنى تاجر توابل هناك، وإلى جانب تجارته فى التوابل، كان «يونس» يدير أحد المساجد المحلية فى كولومبو، وكشفت التحقيقات أن الأخوين كانا شريكين فى التجارة المربحة لوالدهما، ونقلت «ذا صن» أن الشرطة داهمت مسكن الأب، لتقابل امرأة حاملاً اتضح أنها زوجة أحد الشقيقين الانتحاريين، التى باغتتهم بتفجير نفسها، ما أدى إلى مقتلها ومصرع ثلاثة من أبنائها وثلاثة شرطيين!!، لماذا أحكى تفاصيل هذه القصة المرعبة اللا إنسانية، أحكيها ببساطة لأقول إن القصة ليست فى أن الفقر هو سبب الإرهاب ولا الاضطهاد، فالأب أغنى تاجر فى سريلانكا بالرغم من أنه من الأقلية المسلمة، إذاً هو الفكر، البذرة فى الفكرة الإقصائية التى تتشرّبها من تفسيرك الدينى الضيق، ثم تنقلها إلى أولادك وأحفادك ميراثاً للدم، لكن السؤال: هل يونس إبراهيم هو الأب، أم أن الأب الشرعى لهذين الإرهابيين شخص آخر، أو بالأصح كيان آخر؟!، الأب هو التراث، الأب هو تلك الكتب التى تعلم الكراهية، الأب هو الفتاوى التى تشرعن للقتل والذبح والتفجير، سأذكر للقرّاء فقط بعض الفتاوى التراثية من كتب تحتفى بها المؤسسة الدينية الإسلامية وتضعها على أهم رفوفها، أذكرها فقط لتعرفوا مَن الأب الحقيقى، يقول ابن تيمية: «الإمام لو هدَم كل كنيسة بأرض العنوة كأرض مصر والسَّواد بالعراق وبر الشام ونحو ذلك مجتهداً فى ذلك، ومتبعاً فى ذلك لمَن يرى ذلك؛ لم يكن ذلك ظلماً منه، بل تجب طاعتُه فى ذلك ومساعدته فى ذلك ممَّن يرى ذلك، وإن امتَنعوا عن حُكم المسلمين لهم كانوا ناقِضين للعهد وحلَّت بذلك دماؤُهم وأموالُهم»!!، وقال الإمام الشافعى: «ولا يُحدِثوا فى أمصار المسلمين كنيسةً، ولا مجتمعاً لصلواتهم..»، وقال أبوالحسن الأشعرى: «إرادة الكُفر كفرٌ، وبناء كنيسة يُكفَر فيها بالله كُفر، لأنَّه إرادة الكفر»، حتى وصلنا إلى مفتى جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية محمد عبدالله الخطيب، الذى كان قد أفتى بأن المدن التى فُتحت عنوة مثل الإسكندرية، يجب هدم الكنائس الموجودة بها، أما الكنائس الموجودة فى مدن لم تفتح عنوة مثل القاهرة، فتُترك دون ترميم حتى تهدم. وأما المدن الجديدة فلا يمكن أن تبنى فيها كنائس أبداً، وأفتى الخطيب الإخوانى فى فتوى أخرى بأنه يجب ألا يتم دفن المسيحى بجوار المسلم، وإذا كانت امرأة مسيحية متزوجة من رجل مسلم، وماتت وهى حامل منه، يجب أن يشقّ بطنها ويتم إخراج الطفل ودفنه فى مدافن المسلمين حتى لا يتعذب بعذاب أمه!!!.
هل عرفتم الآن مَن الأب الحقيقى؟!، وهل تأكدتم الآن أننا نحتاج بالفعل وبمنتهى السرعة إلى تجديد فكر دينى حقيقى؟

فاطمة ناعوت تكتب: مصرُ التى... على صفحة العائم ٢٥/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

إذا كان النيلُ شريانَ مصرَ الذى يضخُّ الحياةَ فى قلبها، فإن «الفنَّ الرفيعَ» هو روحُ مصرَ وصوتُها الغِرِّيدُ الذى يصدح، عندما يأتى المساء. ثروةُ مصرَ ليست فى أنابيب نفطٍ ولا مناجم ذهب. ثروتُها فى قلبها الذى ينبضُ فنًّا ويتنفسُ دفئًا ويخفقُ دهشةً تسُرُّ الناظرين. لهذا هى «مصرُ» التى لا أرضَ تُشبهُها. سُرَّ مَن رآكِ يا مصرُ.
وكان مساءً غنيًّا فى حياتى. دخلتُ مغارةَ الكنوز، على ضفاف النيل، واختلستُ جوهرتين ثمينتين من ليلِها المشرقِ بالفنّ والجمال. فيهما معًا، تغريدةُ مصرَ المترامية التى بدأت منذ عشرة آلاف عامٍ، ولم تتوقف عن الصدح حتى اليوم.
الجوهرة الأولى:
«ترنيمة الفلاح الفصيح». أوبرا فرعونية طقسية ملحمية، تُجسّدُ محنةَ الإنسان فوق الأرض إذْ يقفُ فى مواجهة نفسه أمام ميزان العدالة معصوب العينين. تنتزعُ التجاربُ «عقلَه»؛ فيصير غيبيًّا ظلاميًّا نقليًّا مُنبطحًا أمام التقليد والعشوائية. تنتزعُ المحكَّاتُ والأهوالُ «قلبَه»؛ فيغدو عنيفًا قاسيًا حوشيًّا يظلِمُ ويقتلُ وينحرُ ويغتصب. يبدأ رحلتَه الشاقّة فوق الأرض وحيدًا وغريبًا وحزينًا، ويكافح حتى يستردَّ عقلَه وقلبَه وريشةَ ضميره، فيصيرُ من جديد إنسانًا متحضّرًا يخرج من قوقعة الجمود والموات، نحو شساعة الحرية والحياة. شبابٌ واعدٌ يكسرُ المألوف ويُبدعُ فوق خشبة «مسرح الشباب» بالمسرح العائم. يكتبون الورق، ويضعون الموسيقى، ويعزفون، ويرقصون، ويطلقون أصواتهم بالغناء، ويمثّلون. مدهشٌ أن تشاهد تلك التجربة الفريدة، حين يكون الممثّلُ عازفًا ومغنيًّا وراقصًا فى آن. أما الترنيمةُ الغنائية، فكانت جديلة شجيةً غنيّة من اللحن الفرعونى، الممزوجة بالترانيم الكنسية، المجدولة بالتواشيح الإسلامية، حتى تكادَ تلمس بين جواباتِها وقراراتها طميَ مصرَ الخصيب. منذ دهور لم أشهد عرضًا بهذا الإتقان والتناغم تقدّمه، من ألِفِه إلى يائه، مجموعةٌ من الشباب الذى يخطو خُطاه الأولى فى عالم الفنّ الرفيع. الأوبرا تأليف وأشعار: محمد حمد، موسيقى وألحان: د. هانى عبدالناصر، ديكور وأزياء فرعونية: رامه فاروق، وإخراج مخرج الأعمال الصعبة: سعيد سليمان. تمثيل وغناء ورقص تسعة عشر شابّةً وشابًّا من أبناء مصر الطيبة.
***
الجوهرة الأولى:
«الحالة توهان». بانوراما مسرحية تضعُ «العقل» فى مواجهة «النقل». يَمثُلُ «الفاهمُ» فى مواجهة «الحافظِ» أمام محكمة التاريخ الإنسانية. يُقدِّم كلٌّ منهما دفوعَه وأسانيدَه وعريضة دعواه أمام قاضٍ وهيئة مُحلّفين تُمثِّلها فئةٌ عشوائية من أبناء المجتمع. تمتدُّ المحاكمةُ منذ ابن رشد الذى نادى بإعمال العقل وتأويل النصّ بما يتفقُ مع صالح الإنسان فوق الأرض، فى مواجهة الغزالى الذى رفضَ إعمال العقل ونادى بحَرفية المعنى. ورغم الهزيمة الظاهرية لقيمة «العقل» المتمثّلة فى ابن رشد، وحرق كتبه ونفيه من قرطبة الإسبانية إلى مراكش المغربية، إلا أن أفكارَه التى نادت بالتحاجج بالحقّ الذى لا يُضادُّ الحقَّ، وشروحَه العظيمة لأفكار أرسطو؛ طارت عبر الزمان والمكان حتى أنهضت أوروبا من ظلامِها، وأسّست منهجًا عقليًّا مستنيرًا، لو أخذت به مجتمعاتُنا لنهضت من كبوتها. وتمتدُّ المحاكمة عبر الزمان حتى تصلَ إلى شيخ المبصرين د. طه حسين ومحنته مع بحثه «فى الشعر الجاهلى»، وانتصاره على الجمود فى عصرٍ كان يلمعُ بتيارات مستنيره نسبيًّا، سوى أن أفكاره اللامعة لم تَطِر بأجنحتها، إذْ أجهضتها رياحُ الرجعية التى اجتاحت مجتمعاتنا العربية مع نهاية السبعينيات الماضية، فأسلم طه حسين محنتَه مع الظلام إلى د. نصر حامد أبوزيد، ثم انتقلت إلى فرج فودة، ثم نجيب محفوظ، فهاجر الأول، وقُتل الثانى، وطُعِن الثالثُ. وتوغّل الظلامُ حتى وصلنا إلى مداه الأقصى مع داعش الآثمة. ولا تزالُ المحكمة قائمةً لم تُحسَم، وما زالت مصرُ تُطحَن تحت نير صراعها، لكن الوعدَ بالنور يُخاتِل مع وهج مشاعلَ شابّةٍ يحملها مثقفو المجتمع المستنيرون. هذا العمل البديع أخرجه د. «سيد خاطر»، وشارك فى كتابته مع «السيد إبراهيم». ويقول المخرج إن حالة التوهان التى تجتاحُ الأمّة العربية، لابدّ أن تُجابه بنوبة من صحوة الضمير ويقظة العقل حتى نستفيقَ من غفوتنا ونجد الحلول لمشكلات عصرنا الممتدّة على طول الزمان، علّنا لا نظلُّ أوهنَ الأمم. جسّدَ الفنانُ القدير جمال عبدالناصر أدوارَ «العقول» عبر التاريخ، منذ ابن رشد وحتى نجيب محفوظ، فبرع فى تقديم لسانَ التنوير والفكر. وفى المقابل، برع الفنانُ المبدع أشرف مصيلحى فى تجسيد لسان التقليد والرجعية، منذ القرن الثانى عشر حتى وصل به الإظلامُ إلى ُمنتهاه ليغدو أميرًا لخلية داعشية تنشرُ الويلَ والدماءَ فى أرجاء الأرض. العرض المدهش يُقدَّم على خشبة «المسرح الكوميدى» بالمسرح العائم العريق. وكلا العرضين من إنتاج البيت الفنّى للمسرح.
تحية احترام للدولة على إحياء المسرح الرفيع ودعمه. فالمسرح مشعلُ تنوير وسيفٌ ماضٍ فى وجه الظلام والطائفية. و«الدينُ لله، والوطنُ لَمن يحبُّ الوطن».

خالد منتصر - رسالة إلى وزيرة السياحة - جريدة الوطن - 4/2019 /25

وصلتنى من الإعلامية أمينة ثروت أباظة رسالة تناشد فيها وزيرة السياحة الرفق بتلك الحيوانات التى تستخدم للترفيه عن السياح فى مصر، هذا بالطبع المفروض، لكن ما يحدث هو أن تلك الحيوانات يتم التعامل معها بكل قسوة وجلافة، الرسالة مرفقة بتقرير مخجل وفاضح فى جريدة «ذا صن»، تقول رسالة أمينة أباظة: كشف تحقيق جديد من قبل منظمة «بيتا» فى أهم الوجهات السياحية فى مصر، شمل الهرم الأكبر فى الجيزة وسقارة والأقصر، عن إساءة مروّعة للخيول والجمال التى تم إجبارها على نقل السياح على ظهورها أو فى عربات الجر تحت الحر دون ظل أو طعام أو ماء، كما وثّق شهود العيان أن الجمال تعرضت للضرب فى سوق برقاش قبل بيعها لقطاع السياحة، رداً على ذلك، تدعو منظمة «بيتا» إلى فرض حظر على استخدام الحيوانات العاملة فى المواقع السياحية فى البلاد.
تُظهر لقطات الفيديو المصورة سائسين فى الجيزة يضربون بعنف فرساً كانت قد انهارت على جانبها، بينما كانت تُجبر على سحب عربة. أُصيبت هذه الفرس بجروح بالغة جرّاء سقوطها، لكنهم استمروا فى ضربها حتى تقف مجدداً. كان لدى العديد من الخيول التى استُخدمت للنقل فى الجيزة والأقصر جروح مؤلمة دموية، واضطرت هذه الحيوانات إلى الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة للسائح التالى، دون طعام أو ماء أو إمكانية الاحتماء تحت الظل. الخيول الهزيلة التى تبرز أضلاعها تعرضت للجلد مراراً وتكراراً. وفى سوق برقاش للجمال الشهير، شوهد رجال وأطفال يضربون بشراسة الجمال بالعصى، بينما كانت هذه الحيوانات تصرخ. كان العديد من وجوه الحيوانات ملطخة بالدماء، وأحد الجمال أَزْبَدَ فمه.

Tuesday, April 23, 2019

خالد منتصر - نحن نتنفس البلاستيك - جريدة الوطن - 4/2019 /24

أرقام خطيرة وإحصائيات مرعبة عن تأثيرات البلاستيك على أجسادنا التى صار يخترقها عبر الهواء وبمجرد النفس!! أبحاث ترجمتها وقدمتها جريدة العرب فى تقرير شديد الأهمية يعكس كمّ التخريب والدمار الذى أحدثناه، نحن سكان الأرض، بها وبهوائها ومائها. أهم الأبحاث جاءت من النمسا، حيث اكتشف العلماء هناك جسيمات بلاستيكية داخل جسم الإنسان، وباتت جزيئات البلاستيك الصغرى منتشرة فى السلسلة الغذائية البشرية، كما أكدت الدراسة التى رصدت وجود هذه الجسيمات فى براز أشخاص فى أوروبا وروسيا واليابان. والمقصود بالجسيمات البلاستيكية هى الحبيبات التى يقل حجمها عن خمسة ملليمترات، وهى تضم بذلك الأجسام البلاستيكية الناتجة عن الاحتكاك فى عالم أدوات التجميل، وعند الغسيل، والألياف الصناعية التى تنطلق فى الهواء، بالإضافة إلى الجسيمات البلاستيكية الناتجة عن احتكاك إطارات السيارات بالأسفلت.
أصبحنا نتنفس البلاستيك مع ملوثات أخرى، لذلك يجب ألا نندهش أو نتساءل عن أسباب وهن أجسادنا، فأغلب سكان المدن خاصة يحسون اليوم بالتعب رغم أنهم لم يبذلوا جهداً يستحق. ويؤكد التقرير أن هذه الحبيبات صارت قابلة للاستنشاق، ومن غير المستبعد أن تصل إلى الدم، ومن ثم إلى القلب، فقد تمكّن العلماء -من خلال تجارب استخدموا فيها جسيمات من الذهب فائقة الدقة وغير ضارة- من تتبع كيفية استنشاق هذه الجسيمات وانتقالها إلى الرئتين، ومن ثم إلى الدم. وقال هؤلاء إن أكثر ما يثير القلق أن هذه الجسيمات والملوثات تميل إلى التجمع فى الأوعية الدموية التالفة للأشخاص الذين يعانون بالفعل من أمراض الشريان التاجى المسببة للنوبات القلبية، وتزيد مخاطر تلك الأمراض.
وفى تجربة أخرى أجراها باحثون نمساويون على ثمانية متطوعين تتراوح أعمارهم بين 33 و65 عاماً ويعيشون فى قارات مختلفة، وتناولوا خلال فترة التجربة مأكولات معلبة ومشروبات فى زجاجات بلاستيكية، وتناولوا أيضاً سمكاً وفواكه بحر، بالإضافة إلى أطعمة نباتية، كانت النتيجة أنه تم العثور على جسيمات البلاستيك فى براز كل المتطوعين. وشرحت بيتينا ليبمان، خبيرة تحليلات جسيمات البلاستيك فى الهيئة النمساوية للبيئة، أن الباحثين عثروا فى المختبر على تسعة أنواع مختلفة من البلاستيك بحجم 50 إلى 500 مايكرومتر، وكانت جسيمات متعدد البولى بروبين والبولى إيثلين الأكثر ظهوراً فى عينات البراز التى تم تحليلها، ويحمل هذا الاكتشاف آثاراً بعيدة المدى على صحة الإنسان، حيث أكدت الدراسات التى أُجريت على الحيوانات أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة قد تتسلل إلى الجهاز الليمفاوى والكبد، وقد تكون سبباً فى حدوث تلف معوى.
وقال المشرف على فريق البحث فيليب شوبل، من جامعة فيينا: «لأول مرة قدمنا دليلاً على إثبات وجود البلاستيك الصغير فى جسم الإنسان. كان الأمر -ولمدة طويلة- عبارة عن تخمينات، وقد قدمنا التحليل الذى يؤكد الأمر. من الممكن أن تأتى هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة من الأغذية البحرية، وقد تأتى أيضاً من الطعام المغلف بالمواد البلاستيكية».
ألا تكفينا الأمراض والفيروسات والميكروبات لتقتلنا البلاستيكات؟!

ما حدث فى جامعة القاهرة أمر مؤسف بقلم د. محمد أبوالغار ٢٣/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


منذ ستين عامًا عبرت باب جامعة القاهرة طالبًا فى كلية العلوم فى السنة التحضيرية لدراسة الطب، ولم أتخيل ولو للحظة واحدة أن أرى المشهد الذى رأيته على اليوتيوب لرئيس جامعة القاهرة خلال هذه العقود الستة التى قضيتها تلميذًا وأستاذًا. وأصابنى الأسى عندما وصلتنى رسائل بالفيديو من الزملاء فى مختلف جامعات العالم تبين دهشتهم وانزعاجهم وحزنهم على ما أصاب جامعة القاهرة.
المشهد كارثى ولا يمكن تبريره بأى حال من الأحوال، فالجامعة ليست صالة مزادات وليست قاعة للأفراح. جامعة القاهرة هى الجامعة الأم، ولنذكّر بأن ساحتها تسمى الحرم الجامعى، وهى الجامعة التى تبرع المصريون من أموالهم وجهودهم وعرقهم لبنائها بدءًا من المواطن الفقير الذى دفع بضعة قروش إلى الأميرة فاطمة إسماعيل التى تبرعت بأراض ضخمة ومصاغ هائل. كل هذا لرفعة مصر وتقدمها. نعلم جميعًا أن الجامعة هى القاطرة التى تجذب الوطن إلى الأمام بالعلم والبحث العلمى، وتقوم بتعليم وتدريب أجيال مختلفة من الطلاب. جامعة القاهرة قدمت العلماء بداية من مصطفى مشرفة فى الذرة إلى مئات من العلماء الذين انتشروا، وحصلوا على الجوائز العلمية فى العالم كله. هى الجامعة التى أفرزت أجيالًا من أعضاء هيئة التدريس ليكونوا النواة فى جامعتى عين شمس والإسكندرية ثم الجامعات الإقليمية الأخرى. هى الجامعة الوحيدة فى مصر التى صنفت مرات كثيرة من ضمن أحسن ٥٠٠ جامعة فى العالم فى التصنيف الأهم وهو تصنيف شنغهاى.
أعلم جيدًا أن النشاط الترفيهى والثقافى والرياضى أمر مهم فى الجامعة. وأذكر ونحن طلبة أن مسرح الجامعة كان عامرًا بالمسرحيات العالمية وكانت الحفلات الموسيقية والغنائية تقام بانتظام وكذلك المعارض الفنية والمسابقات الرياضية، وقد تشرفت بالإشراف على النشاط الرياضى والثقافى فى الجامعة كأستاذ فى نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات. أهلًا بكل ذلك فى الجامعة ليحتفل الطلاب مع الأساتذة، ولكن اتخاذ قرارات علمية وإدارية فى حفل غنائى يقدم له بطريقة الملاهى الليلية فهذا هو العبث بعينه.
الجامعة هى مكان للبحث العلمى فى جميع المجالات العلمية بما فيها العلوم الإنسانية، والتقييم للجامعات يتم أساسًا على مقدرة الجامعة على إنتاج معرفة جديدة ومبتكرة؛ وذلك لن يتم إلا بالجدية فى هذا المجال.
يجب أن نفرق تمامًا بين واجب الجامعة فى التعليم والبحث والابتكار وبين واجبها فى الترفيه عن الطلبة والمشاركة فى الرياضة والفن والموسيقى وهما أمران منفصلان، فلا يمكن أن نغير قواعد النجاح بمناسبة مباراة لكرة القدم أو نعيد تقييم البحث العلمى فى حفل غنائى ساهر.
لقد تولت قيادة الجامعة مجموعة مختلفة من الأساتذة بعضهم أساتذة عظام يذكرهم التاريخ بكل فخر واعتزاز كرؤساء للجامعة أو عمداء للكليات، أو أساتذة قياديين بدون مناصب رسمية، وأحيانًا أخرى فى ظروف مختلفة تولت القيادة شخصيات غير متميزة فى العلم أو القيادة، ولكنها جميعًا احترمت الجامعة وتقاليدها وكانت تعاملاتها تتميز بالاحترام للزملاء فى كل مكان وحتى الذين كانت لهم مناصب سياسية أو حزبية حينما تولوا هذه المناصب حاولوا قدر ما استطاعوا أن يتركوا التأثيرات السياسية والحزبية بعيدًا، فكيف يمكن أن نقول للطلاب لا للعمل السياسى داخل الجامعة والبعض فى الجامعة يقوم بهذا العمل بطريقة بائسة ربما تكون أدت إلى نتائج عكسية لما أراده بعد أن استفز الحاضرين والغائبين.
هذه الجامعة العريقة رأسها منذ فترة طويلة أحمد لطفى السيد، وكان نجمًا فى تشجيع الروح الأكاديمية والحرية فى البحث العلمى. كان من رجالها طه حسين عميد الآداب الأشهر والذى نقله وزير المعارف إلى ديوان الوزارة بعد أن رفض تدخل الوزير فى العملية الأكاديمية، فاستقال واستقال معه رئيس الجامعة لطفى السيد وعاد الاثنان للجامعة تحت ضغط شعبى بعد أن غيرت الحكومة القانون وأصبح ليس من حق الوزير نقل أستاذ خارج الجامعة وتحقق استقلال الجامعة.
فعلينا الآن أن نعيد التفكير مرة أخرى فى طريقة اختيار المناصب القيادية فى الجامعة، ويجب أن تكون من المعايير المهمة أن تكون القيادة شخصية لها وزن أكاديمى وثقافى وتتمتع بمصداقية وليس فى تاريخها ما يشير إلى اتجاهات فيها تطرف أو خروج عن الروح الأكاديمية الرصينة. وأخيرًا الجامعة المحترمة لها تقاليد، ونصت جميع دساتير مصر والعالم على أن الجامعة مستقلة، وهذا يعنى البعد عن أى تهريج سياسى ومهاترات غير مجدية تزلفًا للسلطة واستجداءً للترقية لمنصب أعلى.
فأهلًا بالنشاط الفكرى والثقافى والترفيهى فى الجامعة، وأهلًا بالحرية الأكاديمية حتى تكون المناقشة جادة للتعلم والاستفادة.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك

خالد منتصر - «الأهرام» ترد: صلاح سالم موقوف لأسباب مهنية وليست سياسية - جريدة الوطن - 4/2019 /23

تساءلت فى مقالى الأخير عن أسباب إيقاف الكاتب الكبير صلاح سالم عن الكتابة فى جريدة «الأهرام» العريقة، وكنت قد عاتبت فيه الجريدة التى أرسل رئيس تحريرها الأستاذ المحترم علاء ثابت رداً مدعماً بالأوراق والمستندات على عتابى، وبما أن حق الرد مكفول فسأنشر هذا الرد ومن حق الكاتب صلاح سالم الرد أيضاً، وإن كنت أتمنى عدم السجال، وعقد جلسة صلح وإجراء حوار تفاهم لإيجاد مساحة مشتركة، فالحوار الإيجابى هو من أجل الصالح العام، ومن أجل صالح المهنة أيضاً، وأتمنى فى النهاية تقريب وجهات النظر، هذه رسالة رئيس تحرير «الأهرام» إلى الكاتب صلاح سالم، التى أرسل الأستاذ علاء صورة منها إلى جريدة «الوطن»:
الزميل الأستاذ/صلاح سالم
تحية طيبة وبعد
ظلت الأهرام تعتز بكم واحداً من أبنائها المتميزين فخصصت لكم مقالاً أسبوعياً، وكنت شخصياً من المقدرين والمتابعين لمقالاتكم والداعمين لكم، ولكن أن يصل الأمر بكم لمقابلة ذلك التقدير بتوريط الأهرام فى نشر مقال لكم سبق نشره كاملاً فى صحف عربية (البيان والحياة) بل وفى الأهرام نفسها فى سبتمبر 2015 دونما أى تغيير سوى العنوان، فإن ذلك لا يعنى لدينا سوى عدم تقديركم للمسئولية ولأهمية المساحة المخصصة لكم واستهانة بقراء الأهرام، علاوة على أنه يمثل تجاوزاً غير مقبول فى حق الأهرام، خاصة أننا كنا قد ألغينا لكم فى نفس اليوم مقالاً كان قد سبق لكم نشر ما لا يقل عن نصفه فى صحيفة عربية أخرى، وحرصاً عليكم انتظرنا لترسلوا مقالاً جديداً، فإذا بنا نفاجأ بأن المقال سبق نشره كاملاً على النحو السالف الإشارة إليه، وهو الأمر الذى يضطرنا آسفين للاكتفاء بوقف التعامل معكم والاعتذار عن عدم نشر مقالاتكم كما هو معتاد.
وتفضلوا بقبول فائق الشكر والتقدير
رئيس التحرير
علاء ثابت

Monday, April 22, 2019

تشويه رجال الأعمال.. جريمة يوليو بقلم عباس الطرابيلى ٢٢/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


رغم أن «بعض» أعضاء مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو كانوا من ملاك الأراضى والعمد ورجال الأعمال.. إلا أن سيطرة أفكار عبدالناصر كانت هى الغالبة.. ولذلك كانت عملية تشويه صورة ملاك الأراضى، وأيضاً صورة رجال الأعمال، هى أهم «إنجازات» ثورة يوليو.. وكانت كلمات «الإقطاع» و«سطوة رجال الأعمال» تحتل المكانة الأولى والأعظم فى خطب عبدالناصر منذ بدأ إلى أن غيّبه الموت المفاجئ.
وبالطبع كانت هذه الأفكار وراء اندفاع كبار الصحفيين للترويج لها.. وما أكثر الذين «طبلوا لها وصفقوا.. وروّجوا» وامتدت هذه الموجات إلى كتاب الدراما والسينما.. وما أمامنا إلا أفلام مثل «رد قلبى» و«الأيدى الناعمة». وكل الدراما التليفزيونية التى قدمت لنا أن رجال المال والأعمال هم مصاصو دماء.. وكذلك أصحاب الأرض الزراعية.. إذ «كلهم» كانوا يستعبدون الفلاح.. ولا أعرف من أين عرف عبدالناصر اسم وحكاية فلاحى «كفر البطيخ» إحدى قرى دمياط!!.
الإعلاميون- زمان- والدراميون أيضاً، هم الذين انطلقوا يصفقون ويطبلون لأفكار رجل ٢٣ يوليو القوى.. واستمر هذا الفكر زمنًا، ولم نكتشف أننا فقدنا الأرض الزراعية بتحديد الملكية التى كان جوهرها تخفيض الإنتاج.. وفقدنا المصانع «الوطنية» التى أقامها رجال الأعمال، وكانت هذه المصانع وهؤلاء رجال الأعمال أعظم إنجازات ثورة ١٩.
وللأسف استيقظنا مؤخراً على محاولة لتصحيح هذه المفاهيم الخطيرة.. من خلال برنامج «المواجهة» الذى يقدمه الإعلامى أحمد سالم على قناة «القاهرة والناس».. الذى حاول «بجد» معرفة أسباب تشويه صورة رجال الأعمال بهذه الطريقة.. وكيف كانت هذه من أكبر جرائم ثورة يوليو، التى حولت مصر من دولة مصدرة لكل شىء إلى دولة مستوردة، وأيضاً لكل شىء، فالأرض الزراعية لم تعد تعطى كما كانت- بعد تفتيتها- والمصانع انهار إنتاجها بعد تأميمها.. وظهرت أزمة الإسكان، إذ لم يعد أحد من رجال الأعمال يبنى، بعد قوانين تخفيض الإيجارات المتتالية!!، وأتعجب: كيف نؤمم شركات ومصانع بنك مصر.. وتلك التى أقامها رجال الأعمال؟!!.
كل ذلك «تحقق» للأسف بعد أن نجحنا تماماً فى قتل رجال الأعمال الوطنيين.. وتشويه صورتهم حتى كانت كلمة رجال أعمال تعنى «اللصوص».. ولن أعلق هنا على ما سمعت من رجال الأعمال الذين قدمهم لنا الإعلامى المستنير أحمد سالم.. وياليت القناة تعيد تقديم هذه الحلقة من «المواجهة» حتى نفيق من غيبوبة يوليو ١٩٥٢ التى دمرت كل شىء.
** مطلوب هنا تصحيح تلك الصورة التى التصقت برجال الأعمال من زمان، وأن نعرف أن هؤلاء فى الخارج هم الذين صنعوا الدول الكبرى فى القرون السابقة.. وهم - هم- الذين صنعوا معجزة النمور الآسيوية، وما دمنا «نعيد» بناء مصر الآن.. مطلوب أولاً تصحيح صورة رجال الأعمال.. فالدولة- أى دولة- لا تستطيع وحدها تنفيذ كل شىء.. ووالنبى كفاية جرائم ثورة ٢٣ يوليو.

فاطمة ناعوت تكتب: حوار مع متطرّف: نعم أنا متطرّفة! ٢٢/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


أوجّه كلامى لرجالات الأزهر الشريف الذين من أولى مهامهم حفظُ الدين والدعوة إليه عن تنقية صورته من كل ما يشوبه من دنس وتشويه.
فور وقوع كارثة سريلانكا وتفجير كنائسها وقتل المسيحيين المصليّن نهار عيد الفصح يوم أمس الأحد، دخل أحدهم على صفحتى كأنه يبحث عن تبرير لتلك المذبحة الحرام، وكتب ما يلى: «التطرف ليس فقط فى الإرهابيين. فأنتى متطرفة أيضا فكريا. أنتم على طرفى نقيض. فعلا الإرهاب لا دين له».
وبعيدًا عن أخطاء الإملاء التى وقع فيها السيد «محمد سند»، ولا يقع فيها مُلتحٍ يزعم «التدين» ويقرأ القرآن الكريم الذى من بين ما يُعلّمنا: البيانَ والبلاغة والفصاحة وحُسنَ الصوغ واستحالة الوقوع فى أخطاء الإملاء، فقد أكّدتُ على كلامه قائلة: «بالفعل. أنا متطرفةٌ فى بُغض الشرِّ والقتل والتمييز والظلم والجهل والدناءة. متطرفةٌ فى محاربة أعداء الحياة وخصوم السلام وقتلة التسامح. متطرفة فى عدم الصمت على كل ما يفعله الدواعشُ من ترويع الآمنين وقتل الأبرياء بذقونهم المُغبَّرة بالبُغض والتنمّر والإقصاء والتمييز والغلّ، على عكس ما أمرنا الُله فى جميع العقائد، بأن نتعارفَ ونتحابَّ ونتعاون على البرّ والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وأن أكرمنا عند الله أتقانا. بالفعل أنا متطرفةٌ فى مواجهة كل تخلّف عقلى يفرزه الإرهابيون من ثقوبهم السوداء. «فردّ على بأعجب ردٍّ يمكن تصوّره فى موقف كهذا وبعد جريمة شنعاء كالتى وقعت فى سريلانكا. كتب يقول: «أنتى حاقدة على كل إنسان مسلم متمسك بدينه». وهالنى ما قال لأنه لم يدرك أنه بهذا يُدين الإسلام ذاته. فرددتُ عليه بقولى: «هل تدرى ما تقول؟! كلامُك هذا إقرارٌ صريح منك بأن الإسلام يدعونا لتفجير الكنائس وقتل المسيحيين! فهل تدرك خطورة ما تهذى به من غُثاء؟! ألا ترى أنك بهذا الهذى تزدرى الإسلامَ وتتهمه بالإرهاب؟! هل تُقرُّ بتعليقك غير المسؤول هذا بأن (التمسّك بالدين) يعنى تفجير الكنائس؟ الآن، وعلى الملأ، أرفعُ عليك دعوى إهانة معتقدى الإسلام ورميه بالقتل وهدر الدماء. أرأيت كمَّ ضحالة عقلك ومحدودية ثقافتك؟! من الأفضل أن تصمتَ لأنك تهذى وتفضح سريرتك التى تحملُ تصوّرًا وضيعًا عن الإسلام، وتُدينُ نفسك». ثم جاء من بين المُعلّقين مسلمٌ عاقل اسمه «محمد أبوعيشة»، كتب يقول: «شوهوا الإسلام. يارب انتقم من كل من حرّضهم وزرع فى عقولهم هذه الأفكار البعيدة عن الإسلام. يجب أن يتكتل جميع المستنيرين للحثّ على مواجهة هؤلاء الجهلة. نرجو من حضرتك الاستمرار دون يأس فنحن نستلهم من كتاباتك الرد المقنع لمدعى العلم هؤلاء. فمعرفتهم بعلوم الدين الصحيحة للأسف سطحية للغاية». فأمّنتُ على كلامه قائلة: «هذا ما نقوله منذ مليون دهر ودهر. أولئك هم مشوهو الإسلام وأعداؤه».
والآن، أوجّه كلامى لرجالات الأزهر الشريف الذين من أولى مهامهم حفظُ الدين والدعوة إليه عن تنقية صورته من كل ما يشوبه من دنس وتشويه. لا يكفى أن يخرج شيخُ الأزهر ليشجب ما حدث فى سريلانكا ضد فقراء المسيحيين هناك، أو ضد ما يحدث لأقباط مصر فى أعيادهم. لا يكفى أن يظهر رجالُ الدين الأجلاء من شيوخ المسلمين على الفضائيات وفى التصريحات الصحفية يدينون الإرهابيين، ثم ينامون ليلهم قريرى العين وقد أدّوا دورهم وأراحوا ضمائرهم ونفضوا أياديهم من دم الضحايا الشهداء. فالإدانةُ والشجبُ دورنا نحن المسلمين والكتّاب التنويريين، لأننا فقط «مسلمون» ولسنا «صُنّاع قرار» ولا نملك من أمرنا شيئًا، اللهم إلا قولة الحقّ التى سنُساءل عنها يوم القيامة بين يدى الله، فنقول له: «اشهدْ يا ربُّ أننى حاربتُ الإرهاب وواجهت تشويه اسمك بقلمى ولسانى وقلبى وكل هذا أضعفُ الإيمان، لكنه كلُّ ما نملك!». لكن شيخ الأزهر ورجالات الإسلام من المتنفذين صًناع القرار لا يملكون هذا، بل يملكون ما هو أقوى من هذا. ولهذا سوف تكون مُساءلتُهم أمام الله أعظمُ وأخطرُ وأعسر. هم يملكون تصحيحَ مناهج التعليم الأزهرى، ونبذ كل الأحاديث الدخيلة التى تحثّ على العنف والإقصاء والترويع. هم يملكون أن يوقفوا مشوهى الدين عند حدّهم بأن يمنعوهم من الحديث باسم الإسلام فى كل مكان فى هذا العالم. هم يملكون أن يعيدوا للإسلام صورته المسالمة الدافئة التى تحضُّ على السلام والتراحم والحُنوّ، على غير المسلم قبلما تكون على المسلم. هم يملكون أن يضخّوا فى عقول البشر أن الدين فى القلب وفقط، بينما حقوق المواطَنة الكاملة للجميع دون أدنى تمييز، مثلما ينصُّ دستورُنا وجميعُ دساتير العالم المتحضر. هم يملكون أن يرفعوا رؤوسنا المُنكّسة بالخجل نحن المسلمين حين ينظر إلينا العالمُ بوصفنا إرهابيين أو مشاريع إرهابيين حين تسنح الفرصُ، بكل أسف. أفيقوا وأنقذوا العالم. «الدينُ لله، والأوطانُ لَمن يحبُّ الوطن».

Sunday, April 21, 2019

الأنبا موسى يكتب: سبعة شواهد على وجود الخالق (١) ٢١/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

١- يحاول البعض- هذه الأيام- تجديد فكرة الإلحاد، الذى ينكر وجود الله أو يرفض وجود الله.
٢- فهناك من أنكر وجود الله مثل سارتر، ومن رفض وجود الله مثل ألبير كامى. ومعروف أن الإيمان بالله إيمان فطرى منذ الطفولة، فى داخل قلوبنا، إذ يقول سليمان الحكيم منذ القديم: «جَعَلَ (الله) الأَبَدِيَّةَ فى قَلْبِهِمِ، الَّتى بِدونهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِى يَعْمَلُهُ اللَّهُ، مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ» (جا١١:٣). أى أن الإيمان بالأبدية والخلود، موجود فى قلب الإنسان منذ ولادته، كبذرة إلهية من الخالق، والإنسان ينميها أو يدمرها!
وهذه فكرة بسيطة عن بعض الشواهد على وجود إلهنا العظيم، الذى خلقنا من العدم!
أولاً: عقيدتنا فى وجود الله
نحن نؤمن بوجود الخالق العظيم، الذى يشهد له: العقل، والطبيعة، والضمير، والوجدان، والروح الإنسانية، والتاريخ.. لذلك
فحين ندرس تاريخ الجنس البشرى، نلمس وجود الله! ليس هذا فحسب، بل أدعوك عزيزى القارئ، لتعرف المزيد عن هذا الموضوع، فى الكلمات التالية، التى نذكر فيها ٧ شواهد على وجود إلهنا العظيم، بحسب معطيات علمية وعقلية، وليست فقط إيمانية!
ثانيًا: عقيدة الشعوب فى وجود الله
الاعتقاد بوجود الله موجود عند جميع الشعوب، حتى عند الوثنيين فهم يؤمنون بالألوهية، ولكنهم يخطئون فى فهمهم: من هو الله...؟ بل وصل بهم الأمر إلى الإيمان بوجود آلهة كثيرين! وبعضهم آمن بوجود إله لكل صفة يعرفها من صفات الألوهية! وعرفوا أيضًا الصلاة التى يقدمونها لله، وما يقدمونه من ذبائح وقرابين.. لكن تعدد الآلهة يثبت أنها ليست آلهة، لأنها ستكون محدودة- وضعيفة وزائلة! فكل «إله» ينفى الآخر!.
ثالثًا: الإيمان بوجود الله إيمان فطرى
فالإيمان بالله مغروس حتى فى نفوس الأطفال. فإن حدثت الطفل عن الله، لا يقول لك: من هو؟ وإن قلت له: «لا تفعل هذا الأمر، أو افعل ذلك ليفرح بك الله» لا يجادلك فى هذا. إنه بفطرته يؤمن بوجود الله، ولا يهتز هذا الإيمان فى قلبه أو فى فكره، إلا بشكوك تأتى إليه من الخارج: إما كمحاربات من الشيطان، أو من أفكار الناس. وذلك حينما يكبر ويدخل فى سن الجدال والتمرد!
رابعًا: أسباب الإلحاد
للإلحاد أسباب كثيرة:
١- أسباب دينية: وذلك بسبب:
أ- الهجوم الشرس من الملحدين ضد الكتب المقدسة: ولذلك فمن لا يعرف إيمانه بعمق، قد يتأثر بهذه الأفكار.
ب- الأصدقاء وتأثيرهم: إذا كانوا ملحدين أو منحرفين، فالمنحرف لا يريد الله الذى يدين انحرافه لكى يستمر فى سلوكياته المنحرفة، التى ستؤذية، وتؤذى آخرين!
ج- الأحوال الاقتصادية: فالفقر الشديد يجعل الإنسان يتساءل: أين الله؟ والغنى والترف، يجعلان الإنسان يكتفى بالمادة والماديات!
د- نوع من «الموضة» والبحث عن كل ما هو غريب ومثير وملفت للنظر.
٢- أسباب سياسية: ففى البلاد الشيوعية، كان سبب الإلحاد هو التربية السياسية الخاطئة، مع الضغط من جانب الحكومة، والخوف من جانب الشعب. فلما زال عامل الخوف، بزوال الضغط السياسى، دخل فى الإيمان عشرات الملايين فى روسيا ورومانيا وبولندا وغيرها. وأعلنوا إيمانهم الذى لم يكونوا يصرحون به، خوفًا من بطش حكوماتهم الملحدة.
خامسًا: أنواع الإلحاد
شاع فى العصر الحديث نوعان من الإلحاد هما:
١- الإلحاد الماركسى: وقد وصفه بعض الكتاب بأنه كان رفضًا لله، وليس إنكارًا لوجود الله. وذلك نتيجة لمشاكل اقتصادية، وبسبب الفقر الذى كان يرزح تحته كثيرون، بينما كان الأغنياء يعيشون فى حياة الرفاهية والبذخ،
لذلك أعتقد هؤلاء الملحدون أن الله يعيش فى برج عالٍ، لا يهتم بآلام الفقراء من الطبقة الكادحة! فنادوا بأن الدين هو أفيون للشعوب، يخدرهم حتى لا يشعروا بتعاسة حياتهم، وبضرورة تغييرها، وقد ثبت خطأ ذلك، حينما انتعش المؤمنون، ورفضوا الإلحاد، وأسقطوا الشيوعية.
٢- إلحاد الوجوديين: الذين يريدون أن يتمتعوا بشهواتهم الخاطئة التى يمنعهم عنها التدين. حتى إن بعضهم قال:
«من الخير أن يكون الله غير موجود، لكى نوجد نحن»! أى لكى نشعر بوجودنا فى تحقيق شهواتنا!.
وهكذا سخروا من الصلاة الربانية بقولهم: «يا أبانا الذى فى السموات.. ابق فيها»!. وذلك ليبقى هو فى السماء، ويترك لهم الأرض! إذن ليس هذا اعتقادًا مبنيًا على أسس سليمة، إنما هو سعى وراء شهوات يريدون تحقيقها، ولا يوجد أدنى شك فى أنها شهوات تضر الإنسان، لخصها القديس يوحنا بقوله: كل ما فى العالم: ١- شهوة الجسد.. ٢- شهوة العيون.. ٣- تعظم المعيشة.
سادسًا: كيف نستوعب وجود الله؟ هناك حقائق أساسية...
١- نحن لا نستطيع أن ندرس أمرًا إلا بما يناسبه من وسائل، فالفكرة تحتاج إلى عقل يستوعبها، والمادة تحتاج إلى حواس تدرسها، لكن إلهنا العظيم هو روح خالد، لذلك لن نستطيع أن نستوعبه إلا بالروح. يلزمنا قلب مفتوح للخبرة الروحية، ونفس متضعة متعطشة للحق والقداسة، لندرك الله.
والسؤال هنا:
- هل يعقل أن ندرس الجغرافيا بحقائق علم الكيمياء؟! وهل يعقل أن نفحص الرياضيات بالميكرسكوب؟! والميكروبات بعلم الميكانيكا؟! إننا نخطئ كثيرًا إذ نتصور إمكانيه استيعاب أمور الخالق بالعقل والحواس، ليس الله فكرة لنستوعبه بالعقل، ولا مادة لنستوعبه بالحواس، بل هو روح نستوعبه بالروح.
٢- غير أنه ليس هناك أدنى تعارض بين العقل والإيمان، ولكن بالإيمان يستنير العقل، فكلنا يعرف كلمة «أغسطينوس» الشهيرة: «أنا أؤمن لكى أتعقل» وبالأحرى تعبير القديس بولس الرسول: «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عب ١١: ٢). أى أن الإيمان يجعلنا «نفهم» حقائق هامة مثل: وجود الخالق، وعمله فى الكون، وحفظه للخليقة والبشر..
- كل ما فى الأمر أن الإيمان هو المجهر، الذى تستخدمه عين العقل، لإدراك ما يفوق حدودها، وهو التليسكوب الذى يقرب للعين المجردة، ما لا تراه مع إنه موجود.
- ليس الإيمان كبتًا للعقل، ولا تحايلاً عليه، ولكن العقل المستنير بعمل الله، يستريح تمامًا لحقائق الإيمان،
كما تستريح العين المحدودة لحقائق علم البكتريولوجى، بعد أن تتعرف وتستعين بالميكروسكوب.
لذلك، فهل من شواهد علمية وعقلية تشهد لوجود إلهنا الخالق العظيم؟!! نعم..     


خالد منتصر - أرفض تشبيه نجيب محفوظ بالسلحفاة الذابلة! - جريدة الوطن - 4/2019 /21

نشرت «الأهرام» فى الملحق الأدبى يوم الجمعة مقالاً مترجماً عن السويدية بدون ذكر اسم كاتب المقال، المقال عن العظيم العبقرى نجيب محفوظ، لكن مقدمة المقال كانت بها عبارة لا أستطيع أن أصفها إلا بالجلافة والجليطة وانعدام الحس وقسوة التعبير فى وصف كاتب شيخ مسن، والعجيب أنها صادرة من ناقد سويدى، وهم هناك يحترمون كبار السن بطريقة تقترب من التقديس، وكان يجب على الملحق أن يحذفها أو على الأقل ينوه عن رفضها فى ذيل المقال، خاصة أن هناك مقالات كثيرة تختصر فى «الأهرام» لظروف المساحة، بل إن هناك كاتباً مرموقاً وقلماً عظيماً مثل صلاح سالم اختصرت مساحته حتى وصلت إلى صفر مكعب!!، يعنى الالتزام المبالغ فيه فى نقل كل حرف ليس فرضاً مهنياً صحفياً على طول الخط، لكن ما هى تلك العبارة التى وردت فى المقال؟، فى مقدمة المقال يتحدث الكاتب السويدى عن لقائه بمحفوظ من خلال الكاتب الكبير جمال الغيطانى فيقول: «كان محفوظ آنذاك فى الرابعة والتسعين، يلتف فى معطف كبير عليه للغاية فيبدو أقرب إلى سلحفاة صغيرة ذابلة مثيرة للرثاء. كان قد شارف على العمى والصمم الكاملين، فكان من مرافقيه من يجلس بجواره ليزعق فى أذنه. وكانت يمناه قد تقلَّصت إلى مخلب من أثر الهجمة التى تعرَّض لها قبل اثنى عشر عاماً إذ اقترب منه شاب وهو جالس فى سيارة فمدَّ يده إليه وطعنه فى حلقه. وبسبب جلسة محفوظ منحنياً إلى الأمام وقد كان فى ذلك الوقت أيضاً شيخاً كبيراً فقد أخطأ الطاعن شريانه السباتى».
أسجل اعتراضى على التعبير مع كامل دفاعى عن حرية كل فرد فى التعبير عن رأيه، لكن هذا الوصف لا يليق نشره فى جريدة مصرية عن أديب نوبل الذى طارده «هيكل» شخصياً لإقناعه بالكتابة فى «الأهرام» بالراتب الذى يحدده، وقد أعطى «الأهرام» ومنحها الكثير وكان دوماً يعتز بها.

Saturday, April 20, 2019

د. وسيم السيسى يكتب: دكتور حسام عاكوم «لبنانى الجنسية.. مصرى يهودى»! ٢٠/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

الأفكار وحدات هدم أو بناء، والحكمة هى أن تجعل من الأفكار الإيجابية بناء جميلاً، والمؤسف أننا أحياناً نعكس حياتنا بل وندمرها بأفكارنا السلبية.
الأفكار مثل الطيور التى تحلق فوق رؤوسنا، منها الجارح، ومنها الجميل، لا نستطيع أن نمنع الاثنين من التحليق فوق رؤوسنا، ولكننا نستطيع أن نمنع الجارح منها أن يبنى أعشاشاً، داخل رؤوسنا! ولكن كيف؟!.. بالإحلال!.. كيف؟! فى فيلم صوت الموسيقى أغنية تقول: حين يعضنى الكلب أو تقرصنى النحلة وأحس بحزن شديد أفكر فى أشيائى المفضلة، حينئذ لا أحس بالألم أبداً. هذا ما يطلق عليه علماء النفس REFLACMENT THERAPY أو العلاج بالإحلال.
مستر X ضاقت به الحياة، ذهب لأحد الأطباء كتب له أربع روشتات، وقال له فى الروشتة الأولى: فى السادسة صباحاً تذهب وتجلس على شاطئ البحر وحدك، ثم الثانية ٨ صباحاً، والروشتة الثالثة العاشرة صباحا ثم الأخيرة الثانية عشرة ظهراً! كانت الأولى: أنصت جيداً ساعتين. ينصت إلى لا شىء منه! ظن الرجل بالطبيب الظنون ولكنه امتثل لما طلبه منه فإذا به يسمع صوت الريح، هدير الأمواج، زقزقة العصافير، صوت النورس، منذ كم ألف سنة هذه الأصوات؟! بل منذ كم ألف مليون سنة؟ ما العمر إلا ومضة فى هذا الكون العجيب! فيم القلق والعناء والكل إلى عالم النسيان والفناء! جاءت الثامنة صباحاً، فتح ظرف الروشتة الثانية: فكر فى مصائب غيرك!! ها هو جارى يعانى من سرطان الكبد، وها هى جارتى تذهب للغسيل الكلوى ثلاث مرات فى الأسبوع، وها هو زميلى عشر عمليات جراحية إثر حادث سيارة، وها هى طفلة أحد معارفى خمس عمليات تجميل بسبب حريق فى وجهها! وأنا لا أعانى من شىء.. صحيح البدن، موفور الرزق، سعيد الأسرة، لماذا أنا مكتئب!
جاءت العاشرة صباحاً، فتح الروشتة الثالثة: فكر فى كل ما هو جميل فى حياتك!! فكر الرجل فى الطفولة السعيدة، الحب الجميل، الأبناء الأوفياء، السمعة الطيبة، حب الناس واحترامهم، شهادات التقدير، ثقة من يعرفهم به، كلمات الحب والثناء! أخذ يفكر لماذا تختفى هذه اللآلئ ويطفو على سطح نفسى كل ما هو تافه، وسخيف، ومؤلم! تذكر صاحبنا قول أحد الشعراء:
أما ترى البحر تعلو فوقه جيفٌ «جميع جيفة» وتستقر بأقصى قاعه الدرر؟!
جاءت الثانية عشرة ظهراً: اقترب من الشاطئ، اكتب.. على الرمال ما يضايقك! كتب الرجل، وإذا بموجة كبيرة مسحت ما كتب على الرمل ومن قلبه!! عاد الرجل وكأنه ولد من جديد!
أنا شخصياً لى دفتر عنوانه: دفتر السعادة، أسجل فيه كل ما هو إيجابى وجميل، وكان آخر ما سجلته فيه، تلك الزيارة المفاجئة لى فى عيادتى بالمعادى:
الدكتور حسام عاكوم أستاذ الجراحة العامة فى سلطنة عمان، والدكتور إبراهيم زميلى وتلميذى فى مستشفى الساحل التعليمى.
قال الدكتور حسام لى: كلما فكرت فى زيارة القاهرة، تهب على نسمة من نسمات وسيم السيسى! كلمات توضع فى دفتر السعادة، قال: أنا آمونى المذهب، لن يعود العالم إلى رقيه وحضارته إلا إذا عاد للحضارة المصرية القديمة! أنا لبنانى.. لا تصدق أن هناك حضارة فينيقية أو أشورية أو بابلية أو خرافة اسمها «قانون حمورابى»! إن كان بها شىء جيد فكلها من مصر، هذه الصهيونية العالمية التى تدمر العالم، بأدواتها الغبية الممولة المغيبة. كيف كان من الممكن أن يكون شكل العالم اليوم لو لم تكن الحضارة المصرية القديمة.. ما أعظمك يا دكتور حسام عاكوم.


Friday, April 19, 2019

خالد منتصر - هل تسمعون صرخات أساتذة الجامعة؟! - جريدة الوطن - 4/2019 /19

ما زالت صرخات هيئة تدريس الجامعات المصرية حرّاس العلم ترتفع، لعل أحداً يستجيب، وما زال صندوق رسائلى يئن من ضخامة ومأساوية المحتوى.. اخترت بعض تلك الصرخات.
يا دكتور خالد، والله طول ما الهرم مقلوب بلدنا ما هتنهض ولا هتقوم، أنا جارى معاه إعدادية والله بيقبض 8 آلاف جنيه، وبياخد حوافز 4 آلاف جنيه فى الشهر، يعنى 12 ألف جنيه، وأنا مدرس مساعد، يعنى الأول على الكلية ودراسات عليا وماجستير ومسجل دكتوراه، وباخد فى إيدى 3500، ومطلوب منى مظهر معين ومصاريف على شغلى وبحثى فى الوقت اللى هو مش مطلوب منه أى حاجة، حرااااااام، ومش عارف أشتغل أى حاجة تانية، الجامعة مانعة، يقول لك شرف وكرامة المهنة واحنا بناكل طوب!
د. أحمد
أنا دكتور مهندس فى هندسة عين شمس، وعشان أحسّن دخلى أصبحت أعمل فى ٣ أماكن وتوقفت عن البحث العلمى بسبب ذلك.
د. وليد
هذه هى مرتباتنا:
المعيد يتراوح من ٢٨٠٠ إلى ٣٠٠٠.
مدرس مساعد من ٣٨٠٠ إلى ٤٠٠٠.
مدرس من ٥٢٠٠ إلى ٥٨٠٠، على حسب الأقدمية.
أنا على درجة مدرس، مرتبى ٥٤٠٠ جنيه، أقل من مرتب عامل النظافة الذى يسكن فى نفس الشارع.
د. أسامة - هندسة جامعة إقليمية
أنا حالياً على درجة أستاذ، وأعمل فى هذا المجال منذ ما يزيد على 25 عاماً، فهل تصدق أن مرتبى 6560 جنيهاً بعد ٢٥ سنة فى التعليم العالى، حينما أناقش رسالة ماجستير أو دكتوراه أقرأ الرسالة وأنقحها وأراجعها فى حوالى من 20 يوماً إلى شهر، وبعد ذلك تتم المناقشة وأتقاضى عليها 79 جنيهاً، وحينما أكون مشرفاً على رسالة ماجستير أو دكتوراه لمدة تتراوح من 3 سنوات إلى خمس سنوات وتتم مناقشتها أتقاضى عليها 260 جنيهاً كمشرف... حسبى الله ونعم الوكيل.
د. أيمن
هل يعلم السادة وزراء المالية والتعليم والتعليم العالى أن أعضاء هيئة التدريس بجامعات مصر هم الفئة الوحيدة على مستوى الدولة التى تترقى إلى الدرجات الأعلى بمجهودها وعلى حسابها الخاص، أى من قوت أولادهم؟ إخراج رسالة ماجستير أو دكتوراه للمناقشة (على الأقل بحثان منشوران فى مجلة علمية متخصصة ذات مكانة)، أبحاث الترقية لأستاذ مساعد أو أستاذ، يحتاج كل بحث إلى العديد من التحاليل سواء كيميائية أو فيزيائية أو بيولوجية. وقد يقول أحدهم إن هذه التحاليل على حساب الجامعة، فكم تدفع الجامعة؟ ارجع إلى قانون الجامعات لسنة 1972، اتصل بى أحد الزملاء (درجة أستاذ) لأعتذر لطلاب إحدى الفرق التى يدرّس لها عن حضوره لإلقاء محاضرته لظروف طارئة، وعند مقابلته، ولأنى أعلم مدى حبه لعمله وطلابه، سألته عن سبب عدم حضوره، والله لم أصدق عندما رأيت الدموع فى عينيه، وأنا أصر على معرفة الحقيقة، فقال: لم تكن معى أجرة السفر. وغادر مكتبى من فوره، وظل يتحاشى مقابلتى لأكثر من شهر، هل وصل حال أستاذ الجامعة إلى أن يتسول حتى يذهب لإلقاء محاضراته؟
نظرة إلى حال أساتذة الجامعة... حرام.
د. ياسين
إجمالى مرتبى ٣٧٦٠ جنيهاً، وأنا من إحدى محافظات الأقاليم، أسكن مع أسرتى الصغيرة فى شقة إيجار، كما أسكن مع خمسة من زملائى فى جامعة القاهرة فى شقة إيجار فى شارع العشرين (حاجة كده ما شاء الله ٥٠ قول ٦٠ متر) يعنى كل ٣ من أعضاء هيئة التدريس الموقرين فى أوضة، بدون مبالغة والله 70% من المرتب مصروف على الإيجارات والمواصلات، ونقضى حياتنا بفتات ما تبقى (قول 1000 أو 1200 جنيه)، مع بداية كل أسبوع، وحين يأتى وقت السفر تتشبث ابنتى الصغيرة بساقى وتقول ما تسافرش والنبى يا بابا، لأعود إليها بعد أربعة أيام، وعلى الحال ده كل أسبوع، أوهمها بأنى ذاهب إلى العمل فى الجامعة التى توفر لها الأموال التى أشترى بها الحلوى، لكن مع الوقت اكتشفت أنها الحقيقة: الحلوى وفقط، فأنا لا أستطيع أن أوفر لها مكاناً فى حضانة لأنه باختصار أقل حضانة بحوالى ٧٠٠ جنيه، ده غير اللبس ومصاريف العلاج اللى بنستلفها. وبصراحة أقولها: كنت أنتظر الوقت الذى أرد فيه جزءاً مما فعله أبى وأمى من أجلى وأجل إخوتى، لكنى حتى الآن أبى يعطينى المال وقت كل زيارة أذهب فيها لأراه، وكانت صدمتى من أيام قليلة عندما وُفقت فى أن أحصل على منحة السفر للندن لجمع مادة علمية لموضوع الدكتوراه، منحة ممولة بشكل جزئى من جهة بحثية فى المملكة المتحدة، ولك أن تتخيل سيدى أن طلبى للحصول على التأشيرة قد رُفض، لماذا؟ لأنهم رأوا أن ظروفى الشخصية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر لا تجعلهم مطمئنين بأننى سوف أعود مرة أخرى، وأنهم على قناعة بأننى سوف أبحث عن فرصة أفضل للعيش على الرغم من أننى أعمل فى الجامعة الأم. وكتبوا مرتبى، وبين قوسين ١٦٠ جنيهاً استرلينياً.
وما زلنا نعانى..
د. محمود
طمّن سيادة الوزير بأن الأمور ليست على ما يرام، ولكن ما زلنا أحياء تحت قسوة التهميش.

Wednesday, April 17, 2019

مَن يقرعُ الأجراسَ فى باريس؟ بقلم فاطمة ناعوت ١٨/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


كتبتُ عنها بقدر ما كتبتُ على مدار عشرين عامًا، وما دار بخَلدى أبدًا أن أكتبَ عنها يومًا راثيةً بمداد الحَزَن. فهى فى خيالى مقرونةٌ بالفرح والحبّ والقداسة والطفولة ونسائم العصور السحيقة. حين تدخلُها، تنسلخُ من زمانِكَ ومكانك؛ وتخلعُ راهنَك عند عتباتِها، ثم تتأهب لرحلة السفر إلى الماضى قرونًا ثمانيةً، بكل ما يحمل ذلك التاريخُ من سمات أسطورية فى الدروب والأزياء واللغات وسمات المجتمع القديم. قطعةٌ أنيقةٌ من الفن الرفيع لا مثيل لها فى كل العام. أقفُ أمام واجهتها الشمالية أتأملُ دقائقَ نقوشها وطرازها الدانتيليّ الفريد الخاطف للأبصار، وأندهشُ من عبقرية الإنسان حين يمتلك ناصية الفنّ. الغادةُ ابنة القرن الرابع عشر التى أُهرقت على عتباتها مائتا عام من فكر وجهد مهندسين وعمال، حتى انتصبت عملًا معماريًّا فاتنًا. ألهمت أدباء العالم وشعراءه ليكتبوا أجمل إبداعات الخيال وأخلدها. الأنيقة الرشيقةُ التى تقفُ فى قلب باريس تطلُّ بوجهها الجنوبى على صفحة نهر السين، فيشخصُ النهر مأخوذًا بفتنتها، لا يحوّل بصرَه عنها.
حين زرتُها للمرة الأولى، صافحتُ كلَّ حجر فى جدرانها، وأنصتُّ إلى حكاياتِ أيقوناتها وأغمضتُ عينىّ على رنين أجراسها الصادحة. حاورتُ كلَّ تمثال من تماثيلها لأستنطقه بكل ما رأى وسمع من أسرار التاريخ. طابقتُ زواياها وأعمدتها وكمراتها وأسقفها وأبراجها وزخارفها ونوافذها مع الأوراق المخبأة فى ذاكرتى من أيام الدراسة، حين رسمتُ بيدى قطاعاتها ومساقطها وواجهاتها على مقاعد الجامعة، ونحن نتعلّم فى درس «تاريخ العمارة» أجمل نماذج المعمار الذى شُيِّد على الطراز القوطى Gothic.
ولكن ذكرياتى مع (نوتردام دو باغى)، لم تبدأ فى أيام الجامعة، بل قبل ذلك بكثير. فمن الصعب على المرء نسيان «أولَ» مرة من كل شىء. أول يوم فى المدرسة، أول صديق، أول معلّمة، أول كلمة قرأها، أول لعبة امتلكها، أول حب ضرب القلب، وطبعًا أول كتاب قرأه. بالنسبة لى، وبعد تجاوُز مجلات الأطفال: ميكى وسمير وتان تان، وألغاز «المغامرون الخمسة» لمحمود سالم، وقصص «المكتبة الخضراء» الفاتنة التى كانت تصدر عن دار المعارف بمصر، بعد تجاوز تلك الأقاصيص التمهيدية الأولى، لا أنسى أن أول عمل أدبى قرأته كان: «أحدب نوتردام» للفرنسى الرائع «فيكتور هيجو». وجدت الكتابَ مُلقًى على الأرض أمام مصعد العمارة وأنا عائدة من مدرستى فى الصف الثالث الابتدائى. ولم أعِ وقتها ما هى: «نوتردام»؟ كلمة طلسمية! فتحتُ الكتابَ وشرعتُ فورًا بالقراءة فى المصعد، ولم أترك الرواية إلا بعدما أجهزتُ عليها! ودخل فى عالمى الصغير صديقان جديدان: كوازيمودو وأزميرالدا. الأول رمزٌ للتشوّه الجسدى، والثانيةُ رمزٌ للجمال والفتنة. على أن كليهما يجتمعان فى جمال الإنسان وطيبة القلب. أحدبُ بعين واحدة أصمُّ لا يجيد الكلام إلا بلعثمة، يحمل فوق ظهره نتوءًا شاذًا يجعل منه أضحوكة باريس القروسطية المتأنقة، يقع فى حب تلك الصبية الغجرية الجميلة التى لفظها المجتمع؛ لأنها الوحيدة التى رحمت ضعفه وروت ظمأه وسط سخرية الناس وضحكاتهم على عذاباته. كان هذا درسى الأول عن الرحمة والحنوّ ونُصرة المظلوم. شكرًا هيجو. مستحيلٌ أن ننسى أول رواية قرأناها ولو بعد مائة عام. عرفت تفاصيل الكاتدرائية غرفةً غرفة وبرجًا برجًا وجرسًا جرسًا. وحين أدخل كلية الهندسة قسم العمارة بعد عقد كامل سأدرس تفاصيل الكنيسة فى مساقطها الأفقية والرأسية كأحد أجمل القطع الفنية التى أفرزتها المدرسة القوطية Gothic Architecture فى القرن الثانى عشر. شىء يشبه الحلم وأنا أتتبع بقلمى الرصاص كل خطوط الكنيسة. النوافذ الدائرية بزجاجها الملون المعشق، الأبراج، المنمنمات، الحفائر، المنحوتات، الأجنحة الطائرة، تماثيل الملائكة التى تعد الخطّاءين بالغفران. حتى الأرشيدوق «فرولو» وقارع الأجراس «كوازيمودو» رأيتهما فى المساقط داخل بعض أروقة الكنيسة وعند المذبح. كأننى أسير داخلها فى صحبة الأحدب الذى لم أره إلا وسيمًا ساحرًا. وحين أزور باريس لأول مرة يسألنى الرفاق: أين تريدين أن تذهبى؟ فأقول فورًا: «كاتدرائية نوتردام». أقف على ضفة نهر السين وأتأمل البناية الشاهقة، وألمح كوازيمودو يلوح لى من أحد أبراجها هاتفا: تعالى يا عزيزتى، فأنا أحبك أيضا!. وفى كتابى الجديد الذى صدر قبل أيام عن الهيئة المصرية العامة للكتاب: «الكتابة بالطباشير الملوّن»، فصلٌ تحليلىٌّ من الوجهة المعمارية بالصور عن تلك الكاتدرائية الجميلة. تلك هى الجميلة التى احترقت بالأمس وفقدتها البشريةُ ولا شىء يعوّضها. أحد أهرامات هذا العالم الذى لم يتعلم بعد كيف يحافظ على فرائده وألماساته النادرة. خسارة عالمية وتاريخية وإنسانية ومعمارية وفنية وأدبية هائلة لكل العالم. صمدت فى وجه الزمان قرونًا طوالًا، ولابد من استعادتها حتى يقرعَ الحالمون أجراسَها من جديد، ونُسلّمها لأحفادنا أثرًا عظيمًا شاهدًا على عبقرية الإنسان. «الدينُ لله، والأوطانُ لَمن يحافظ على الأوطان».

مصطفى محرم يكتب: لماذا هذه الاستهانة بالإعلام والدراما التليفزيونية؟ ١٨/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


أذكر عندما قرر جمال عبدالناصر فى عام ١٩٦١ تأميم الإنتاج السينمائى وإنشاء أول شركة قطاع عام أوكل هذا الأمر إلى ثروت عكاشة الذى قرر هو الآخر أن تكون الدولة مهيمنة على الإعلام والفن السينمائى.
فأنشأ ثروت عكاشة «المؤسسة المصرية العامة للسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون» حيث تبعها شركات تقوم بتنفيذ سياسة هذه المؤسسة المنبثقة من سياسة الدولة فى ذلك الوقت.
وكان من بين هذه الشركات، وأبرزها «الشركة العربية العامة للإنتاج السينمائى» واختصارها «فيلم إنتاج»، وقام ثروت عكاشة من أجل العثور على رئيس مجلس إدارة لهذه الشركة ومدير عام للشؤون الفنية بفحص أعمال السينمائيين والتحرى عنهم.
فاختار المخرج صلاح أبوسيف لرئاسة الشركة وهو أفضل مخرجى السينما، واختار حلمى رفلة بصفته أفضل منتجى السينما، وهو مخرج فى نفس الوقت، وعندما قررت الدولة إنشاء شركة أخرى للإنتاج السينمائى حتى يستوعب الإنتاج كل العاملين فى السينما من المخرج حتى عامل الكلاكيت.
قاموا بالبحث عمن يتولى رئاسة تلك الشركة، وبعد فترة من الاختيار الدقيق كانت رئاسة «شركة القاهرة للإنتاج السينمائى» من نصيب المنتج جمال الليثى.
فأصبح هناك شركتان متنافستان على رأس كل منهما واحد من أبرز السينمائيين فى مصر يحظى اسم كل منهما بالعرفان والتقدير.
فإن اختيار الأشخاص لوضعهم فى أماكن قيادية يتطلب حرصا شديدًا، وأن يكون هؤلاء الأشخاص على دراية كبيرة وثقافة عالية ورؤية فنية وسياسية، وهذا ما يجعلنا نتساءل فى أسف ومرارة، لماذا تتهاون الدولة وتستهين بالإعلام عامة وبالدراما التليفزيونية خاصة، وتستهين أيضا بآراء كبار الكتاب والمفكرين والمثقفين فى هذا الوطن الذى نحلم برقيه، وإليكم الآتى:
جاءتنى رسالة إلكترونية من الصديق العزيز الكاتب الكبير وحيد حامد يستنجد بى فيها مما يحدث فيقول:
أستاذ مصطفى،
تحياتى لك وللأسرة
«أنت أقدر من ينبه إلى خطورة ورش الكتابة التى أتلفت الدراما تمامًا».
فقمت يومها بالاتصال به لأطمئن أولا على صحته، فأبدى كل غضبه واستنكاره الشديد لما وصلت إليه الدراما التليفزيونية من تدهور وانحطاط، وأنه لا بد من عمل شىء لإنقاذ هذا الفن الذى أفنينا حياتنا فى سبيله.
وقدمنا أرقى الأعمال، فأخبرته بأن الحل هو أن يرفع المهيمنون على الإعلام وإنتاج الدراما التليفزيونية من غير المدنيين وأتباعهم من المدنيين أيديهم وتأتى الدولة بغيرهم ممن يعرفون ويفهمون.
وعليه فقد قمت بكتابة عدة مقالات لإنقاذ الإعلام فى مصر ومناشدة السيد رئيس الجمهورية بأن يوليه اهتمامًا، فالحال لا يقبل المجاملة والعمل بشعار أهل الثقة، ولكن الأمر فى أمس الحاجة والضرورة لأهل الخبرة إذا كنا نريد لهذا الوطن الرفعة حتى تكتمل الصورة التى يبغيها كل المصريين، وتقف سدا منيعا بيننا وبين الإرهاب الذى يحاربنا أيضا فى هذا المجال.