Translate

Thursday, December 28, 2023

الفن والأخلاقيات والإيحاءات - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 27/10/2023

 أكتب هذا المقال بمناسبة الضجة المثارة حول إحدى الأغنيات المتهمة بأن فيها إيحاءات خارجة، أولاً أجدها أغنية بسيطة ولم أجد فيها إيحاءات كما يقول أصحاب الضجة، وقضية الإيحاءات هذه من الممكن أن تتسع مساحتها لتصبح وسواساً مرضياً، لأنه من الممكن أن تفسر أي شيء على وجه الكوكب على أنه إيحاءات، وأي أغنية غناها كبار المطربين من قبل على أنها رموز غير أخلاقية..إلخ، خذ عندك تلك الأمثلة واسرح بخيالك ستجد أنك لو فكرت مثل من أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ستعتبرها أغاني إيحائية وتتهمها بعدم الأخلاقية، مثال ذكرته لي إحدى الصديقات المهتمات بتاريخ الغناء المصري، خليني جنبك خليني في حضن قلبك .. وسيبني أحلم سيبني ..

يا ريت زماني يا ريت زماني .. ميصحنيش ..من أغنية أمل حياتي .. أم كلثوم . تأليف أحمد شفيق كامل .

هناك أغنية عبد الحليم لسه شفايفي شايلة سلامك شايلة أمارة حبك ليا، هل رأي الحب سكارى مثلنا.. إلخ وكثير من الأغنيات الرومانسية الراسخة في وجداننا من الممكن أن نتهمها بالإيحاءات والخروج إذا مددنا خط التربص على آخره، هذا نوع من الفراغ في وقت يحتاج إلى مناقشة القضايا الهامة، والفن وجهات نظر تحتمل مساحة رحبة من التذوق المتعدد واختلاف الرؤى، وأعتقد أن وسواس الإيحاءات قد تلبس البعض لدرجة تذكرني برشدي أباظة وهو يصفع شادية قائلاً لها وهو يتلكك وكمان بتقولي صباح الخير!!


Tuesday, December 5, 2023

هل تريد استعادة حلمك؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 4/12/2023

 ما زالت اليابان مصرة على إبهارنا بكل ما هو جديد وغير متوقع بل ومستحيل، طيَّرت وكالات الأنباء أخباراً عن أنك تستطيع أن تستعيد تفاصيل حلمك بعد الاستيقاظ!!،

ماذا قال الخبر: طبقاً لموقع yourtango، طور العلماء فى اليابان جهازاً قادراً على تسجيل الأحلام واستعادتها، مما يُتيح للأفراد مشاهدة أحلامهم كما لو أنهم يشاهدون فيلماً، وهذه التكنولوجيا التى طورها علماء فى كيوتو فى اليابان مُصممة لالتقاط أحلام الشخص، وإعادتها مثل الفيلم، وبدأ الباحثون هذه الفكرة من فرضية أن الدماغ البشرى يُظهر أنماطاً يمكن التنبؤ بها رداً على محفزات بصرية مختلفة.

ولاختبار هذا الجهاز استخدم العلماء مزيجاً من جهاز المسح بالرنين المغناطيسى المعدل، وجهاز فحص كهربية الدماغ، واُختير 3 مشاركين للدراسة كل منهم نام فى جهاز المسح بالرنين المغناطيسى فى فترات تبلغ 3 ساعات على مدى 10 أيام، استطاع جهاز فحص كهربية الدماغ استشعار إشارات كهربائية دقيقة أثناء النوم، وضبط العلماء جهاز المسح بالرنين المغناطيسى لالتقاط الصور فى مراحل مختلفة من نوم المشاركين، مع التركيز على المراحل المبكرة من النوم.

انتهى الخبر الذى أكد أن نسبة نجاح استعادة الحلم هى ٦٠٪؜ وهى بداية رائعة لهذا الفتح العلمى، لكن أعتقد أنهم سيواجهون مشكلة وهى اختراق الخصوصية، فهل ستوافق عزيزى القارئ على الاشتراك فى التجربة؟!.


Sunday, November 12, 2023

سمات التفكير السليم - الأنبا موسى - المصري اليوم - 12/11/2023

 مع الأحداث الجارية في فلسطين الغالية، نحتاج أن نراجع أنفسنا حول أهمية التفكير السليم، الذي يوصلنا إلى القرار السليم!.

قال باسكال: «إن مجد الإنسان في عقله، وشقاء الإنسان أيضًا في عقله».

ويقول أحد الفلاسفة: «إن ما يجعل عقول الناس تضطرب ليس الأحداث، وإنما حكمهم على الأحداث».

وهناك مقولة: «أنا أفكر.. إذن أنا موجود».

1- السيد المسيح يدعونا إلى التفكير بصورة منظمة:

ذكر لنا السيد المسيح مَثل «حساب النفقة»، عن أهمية التفكير بصورة جيدة، حيث ورد فيه ما يلى: «مَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِىَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، قَائِلِينَ: هَذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِى وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ؟». (لوقا 28:14- 30).

بهذا النص يدعونا السيد المسيح إلى ضرورة الأخذ بالتفكير السليم بهذا التسلسل المنطقى (يريد- يبنى- يجلس..)، ونحن نرى كيف طبق هذا المنهج عمليًّا، من خلال المثال الذي طرحه السيد المسيح بعد ذلك، والذى جاء فيه: «وَأَىُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِى حَرْبٍ لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِىَ بِعَشَرَةِ آلافٍ الَّذِى يَأْتِى عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟، وَإِلَّا فَمَادَامَ ذَلِكَ بَعِيدًا يُرْسِلُ سَفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ» (لوقا 31:14- 32).

ويوضح هذا المثال التطبيقى أهمية عقلنة الأمور، والتفكير فيها تفكيرًا سليمًا قبل تنفيذها، تفكيرًا يعتمد على النظام والمبادئ.. فما أحوجنا إلى اكتساب مهارة التفكير السليم.

2- ما سمات التفكير السليم؟.

أولًا: التراكمية:

تشكيل البناء المعرفى للإنسان:

- إن نقطة البداية للتفكير السليم تعتمد على قدر المعرفة التي يتحصل عليها الإنسان عبر حياته اليومية، فهى أشبه بالزاد الذي يغترف منه الإنسان عند الحاجة. لابد وأن تكون المعرفة الجديدة في النهاية إضافة إلى المعرفة القديمة.

- إن المعرفة بهذه الصورة تصير أقرب إلى البناء الذي يشيد طابقًا فوق طابق، بحيث ينتقل سكان البناء المعرفى دومًا إلى الطابق الأعلى، وتصبح الطوابق السفلى أساسًا يرتكز عليه البناء، وهذا ما يسمى «البناء المعرفى للإنسان»، وهو في النهاية مجموع ما يتحصل عليه من معارف تشكّل فكره ووجدانه.

المعرفة متطورة:

بالمنطق السابق، فإن المعرفة لا حدود لها، فهى متطورة دومًا، ومهما بدا أن العلم قد وصل في موضوع معين إلى رأى نهائى مستقر، فإن التطور سرعان ما يتجاوز هذا الرأى ويستعيض عنه برأى جديد.

التراكمية المعرفية نوعان:

1- التراكمية الرأسية: التي يسعى فيها الإنسان إلى المعرفة بعمق في جزئية ما أو موضوع ما، بحيث يعطيه حقه، أي أن يعرف الإنسان «كل شىء عن شىء». (التخصص).

2- التراكمية الأفقية: وهو الاتجاه إلى التوسع والامتداد إلى ميادين جديدة، فالمعرفة متنوعة ومتعددة، أي أن يعرف الإنسان «شيئًا عن كل شىء».

ثانيًا: التنظيم:

التنظيم هو إحدى أهم السمات التي يجب اتباعها عند التفكير، والذى يلى التراكمية، فالتنظيم من شأنه:

1- ألا يترك الأفكار تسير حرة طليقة، وإنما يرتبها بطريقة محددة.

2- إخضاع تفكيرنا لإرادتنا الواعية، بحيث يتم التركيز في الموضوع محل البحث.

الأمران السابقان يحتاجان إلى تمرين وتدريب، وممارسة مستمرة من خلال ما يلى:

1- المنهج: وهو طريقة تفكير تتبع وفقًا لخطة واعية تمر بالمراحل التالية:

أ- الملاحظة: ملاحظة الظواهر المختلفة، ورصد ما يدور حولنا في الحياة العامة.

ب- الاستعانة بكل المعلومات المتاحة حول الظاهرة: يبدأ الشخص المهتم بالظاهرة في جمع كل المعلومات والمعطيات حولها، وذلك من خلال:

- اللقاء الشخصى

- استمارات البحث

- قراءة أي مادة مكتوبة ترتبط بالظاهرة.

ج- اختبار ما تَكَوَّن لديك من معلومات: يقوم الشخص المهتم بدراسة ظاهرة معينة بتكوين أفكار أولية حولها، ثم يبدأ بعد ذلك باختبار مصداقيتها، وسلبيات وإيجابيات كل منها، والبدء في تكوين بدائل للحل،
واختيار أنسبها.

د- البدء في التنفيذ في إطار خطة متكاملة: يبدأ في وضع إطار عام لخطة متكاملة لمواجهة الظاهرة.

2- الترابط: من المهم التعامل بصورة كلية ومتكاملة، بمعنى أنه إذا تصدى أحد منّا لمشكلة معينة، إنما يتصدى لها في إطار رؤية عامة، ومن ثَمَّ فإنه توجد ضرورة لترابط الأمور بعضها البعض.

الرب يمنح فلسطين السلام المنشود، والنماء المعهود.. له كل مجد إلى الأبد.. آمين.

* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Saturday, October 28, 2023

نعم.. لكن بشرط!! - الأنبا موسى - المصري اليوم - 8/10/2023

 أولاً: لا للانغلاق!! نعم للانفتاح!!

- المسيحية لم تناد أبدًا بالانغلاق!!

- وقد نادت دائمًا بالانفتاح!!

- لكن هناك ضوابط!!

لا.. للانغلاق!!

- فنحن ندعو السيد المسيح.. «مسيح العالم كله»!!، وهو الذى قال فى خطابه الوداعى عن تلاميذه: «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ» (يوحنا 16:17،15).

... نعم للانفتاح!!

فالمسيحى الحقيقى يسعى بين الناس بالحب، وينشر الخير، ويصنع السلام، إذ...

- قال السيد المسيح:

1- «طُوبَى لِصَانِعِى السَّلامِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (متى 9:5).

2- وقال عن تلاميذه: «أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا 18:17).. بمعنى، أنهم لن يتخلوا عن تقديم صورة

جيدة عن الله، لكل من يتعامل معهم: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَىْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ» (متى 16:5).

3- حتى مع من يريدون معاداتنا، طلب منا السيد المسيح قائلًا: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متى44:5). ذلك لأن محبة العدو هى أقصر طريق لجعله صديقًا!!

- وقال القديس الرسول بولس:

1- «لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ» (رومية 17:12).

2- «إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس» (رومية 18:12).

3- ثم وضع لنا المبدأ الذهبى: «لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 21:12).

هل من ضوابط؟!

- ننفتح على الجميع بشرط الحفاظ على: إيمانى- عقيدتى- وأحافظ على روحياتى وأخلاقياتى. فأرفض كل دعوة للانحراف أو الخطيئة!! هذا هو المثلث الذهبى، الذى تتحرك داخله:

وهكذا:

1- أتفاعل بالمحبة مع كل من حولى.

2- وأشارك فى بناء وطنى فى اتحادات الطلاب والأحزاب والنقابات، والانتخابات.

3- وأقدم الروح الإيجابية والخدمة المثمرة لجميع الناس، قدر طاقتى.

وهكذا أكون بالحقيقة، «نورًا للعالم» و«ملحًا للأرض» بنعمة الله، والذى ينادينا: انشروا الحب، والخير، والثمار، وامتنعوا عن الرذيلة، والانحراف، والهدم، ففى النهاية «الله محبة».

ثانيًا: لا للتشدد!! ونعم للمرونة:

دائمًا يقولون لنا: «لا تكن يابسًا فتنكسر، ولا تكن لينًا فتُعصر!!». فحين يكون الإنسان «يابسًا»، متصلبًا متحجرًا، ويواجه ضعفات الحياة، سينكسر حتمًا!!. وحين يكون «لينًا»، متساهلًا، متهاونًا، يعصره الناس، وتطحنه الأحداث!!.

ويتحدث علماء النفس عن نوعين من المرونة:

1- المرونة الضعيفة: (Weak Flexibility)

ومعناها «معاهم معاهم» «عليهم عليهم» أو التلون مثل «الحرباء»!! فهى تأخذ اللون الأخصر حينما تسير فى أرض مزروعة، واللون الأصفر حينما تسير فى أرض صحراوية، وذلك كنوع من الاختفاء حتى لا يؤذيها أحد!! يجوز ذلك فى «الحرباء» الضعيفة، التى أعطاها الله هذه القدرة، حماية لها.. ولكن لا يجوز ذلك على الإنسان المخلوق الذى أعطاه الله عقلًا قادرًا على التفكير والتحليل والاستنتاج، بالإضافة إلى الجسد الذى يتحرك والنفس التى تحتوى على المشاعر والغرائز والعواطف.

المرونة الضعيفة تناسب «السمكة الميتة» أو حتى «الحوت الضخم الميت»، الذى يسير مسرعًا مع التيار باستمرار، إلى أن يطرحه التيار على الشاطئ، وينتهى تمامًا.

أما المرونة القوية فهى كالسمكة الحية التى تسبح مع التيار حين تريد، وضد التيار حين تشاء!

2- المرونة القوية (Strong Flexibility)

والمقصود بها أن يكون الإنسان قويًّا، وحيًّا، قادرًا على التفكير والفرز والاختيار. وهكذا يختار أن يسير «مع» أو «ضد»!!. «مع» حينما يكون الأمر بنّاء و«ضد» حين يكون هدامًا.

والأمر هنا قد يكون:

1- القرار: الذى تختار به شيئًا من عدة أشياء، قرار العمل أو الكلية أو غير ذلك.

2- الأشخاص: حين نختار شريك الحياة، أو زميلًا للصداقة، ونرفض آخر.. دون أن نقاطعه أو نخسره، ولكن نبقيه فى حدود الزميل وليس الصديق.

3- البرنامج: على الإنترنت أو التليفزيون أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى.. هذا يبنى ويفيد، وذاك يضر ويؤذى!!

4- خطوط الحياة: أى التوجهات التى نراها نافعة، وتلك التى نراها هدامة!

هناك شاب يقضى وقته على «الفيسبوك»، أو أى وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى، أو برامج الأفلام الإباحية، أو مواقع لقاءات معثرة ومتعبة.. نعم هو حر فى ذلك، ولكنه سيقع فريسة إدمان رهيب وخطير، يدمر روحياته، ونفسيته، واجتماعياته، وحتى صحته الجسدية.

... لذلك فالإنسان المرن مرونة قوية:

أولًا: يملك روحًا شبعانة بنعمة الله:

«النَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ» (أم 7:27).. فلأنه شبعان بعمل روح الله داخله، من خلال الكتب المقدسة، والصلاة المرفوعة، والنشاط البنّاء، والثقافة السليمة، يكون قادرًا على ملء الفراغ الإنسانى الداخلى غير المحدود، الذى لا تشبعه مادة، ولا خطيئة، ولا العالم كله، ولا يشبعه إلا الله غير المحدود!

ثانيًا: ويملك ذهنًا مستنيرًا:

... وهذا ما يسمه المفكرون «العقل النقدى» (Critical Mind)، أى الذهن القادر على أن يفرز الغث من السمين! حينما..

1- يقرأ كتابًا. 2- أو يشاهد برنامجًا. 3- أو يستمع إلى صديق. 4- أو تعرض عليه فكرة.

فحين يميز شيئًا ويرى أنه هدام «يستطيع» أن يرفضه ولا يسقط فيه، وحين يرى أمرًا آخر أنه «بنّاء» يستطيع أن يمارسه ويلتزم به: مثل حياة الطهارة أو ضبط النفس والحواس، أو ممارسة وسائط النعمة المختلفة.

فى النهاية: بالإنسان طاقة هائلة، إما أن تبنيه أو تدمره، حسب قراره هو، لأن الله أعطانا حرية الإرادة. وعلينا أن نختار ما يبنينا، لا ما يهدمنا.. وذلك بنعمة الهنا المحب، وبصدق إرادتنا الإنسانية... ولربنا كل المجد، إلى الأبد آمين.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


صيحة شباب: لماذا لا يفهموننى؟!.. ماذا أفعل؟! - الأنبا موسى - المصري اليوم - 21/10/2023

 هذه صيحة الكثير من الشباب والشابات، وهم معذورون، ولكن الأهل أيضًا معذورون.. ولابد من التفاهم حول:

أولًا: ماذا حدث بين الأجيال؟

لا شك أن ما يسمى «فجوة الأجيال» (Generation Gap) هو أمر واقعى حقيقى.. فهناك فجوة بين الأجيال فعلًا:

1- فجوة عمر.. فالوالدان كبيران، والشباب صغير السن، وبين الجيلين الآن فجوة عمرية كبيرة، وخاصة بعد أن تأخر سن الزواج بسبب الظروف الاقتصادية، فالشاب يأخذ وقتًا كبيرًا للاستعداد لهذه الحياة المقدسة.

2- فجوة عصر.. فالستينيات غير 2023، حيث «ثورة التكنولوجيا» و«التواصل المستمر بين الناس»، معلوماتيًّا، ومن خلال المواقع الإلكترونية المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعى المتعددة.

3- فجوة تربية.. فالأجيال القديمة تربت على الطاعة، والاهتمام برأى الكبار، ونصائحهم، وتوجيهاتهم.. بينما تتربى الأجيال المعاصرة، من خلال العالم الافتراضى «World Vertual» على الإنترنت، حيث «الفيس بوك» و«وسائل التواصل الاجتماعى المتعددة» وغيرها. وهكذا يتفاعل الشباب معًا، فتتشكل ثقافتهم ورؤيتهم للحياة من خلال ما يشاهدونه على الفضائيات والإنترنت والمواقع المختلفة.

4- فجوة تكوين.. فقد تكونت الأجيال القديمة على أساس احترام الكبير، سلطة الكبير على الصغير.. أما الأجيال المعاصرة فهى تحيا «عصر الحريات والديمقراطية والقرار الذاتى»، حتى من الطفل الصغير، حيث يعلمونه (be yourself).

5- فجوة جسمية وذهنية.. ينمو الشباب فى سنة واحدة جسميًّا، فقد تصل قامته إلى قامة والديه، وربما أكثر، فيتصور أن هذا النمو يجعله شبيهًا لهما فى كل شىء!، لكن النمو الجسمى الفجائى السريع لا يصاحبه نمو ذهنى فجائى أو سريع، بل نمو ذهنى تدريجى، ومعه نمو نفسى ونمو روحى، وكلاهما يكون بالتدريج،

فهناك إذن فجوة بين النمو الذهنى والنفسى والروحى من جهة، وبين النمو الجسمى من جهة أخرى.

ثانيًا: ما هو «الصح»؟!

1- أن هناك نموًّا جسديًّا سريعًا للشباب ما بين الطفولة والمراهقة.. لكن النمو العقلى والمعرفى يسير ببطء من سنة إلى أخرى.

2- أن الشباب هم قوة حيوية دافقة، والكبار هم «الدريكسيون Direction» المطلوب لضبط المسار، فيستحيل أن تكتفى السيارة «بالموتور» ولا تهتم «بالدريكسيون»..

وكلمة «Direction»، أى إدارة أو قيادة أو اتجاه، فما قيمة «الموتور» بدون «دريكسيون»، وما قيمة «الدريكسيون» بدون «موتور»..؟!. الاثنان يكمل أحدهما الآخر: حيوية الشباب وحكمة الكبار!!.

3- ولا شك أن الأجيال تختلف، وما قابله الآباء فى شبابهم يختلف جذريًّا عما يقابله الأبناء.. ولكن، إن كان الشباب هو التجديد، فالكبار هم الخبرة.. ولا ينبغى أن تقف الخبرة عائقًا أمام التجديد، ولا ينبغى أن يهمل التجديد دور الخبرة.

4- أن مدرسة الحياة تعطى خبرات يومًا بعد يوم، والإنسان فى السن الكبيرة يكون مخزنًا لخبرات كثيرة يحتاج إليها الشباب فعلًا.

5- أنه لابد من «حوار الأجيال» و«تواصل الأجيال» و« تكامل الأجيال»، وليس «صراع الأجيال»!!.

ثالثًا: فما المطلوب.. إذن؟

1- المطلوب أن يتفهم الكبار ظروف الشباب المعاصرة، واحتياجاتهم، وطبيعة عمرهم وعصرهم والأوساط المحيطة بهم من أصدقاء وإعلام وإنترنت، وأن يترفقوا بهم، فلا يُحبطوا تطلعاتهم، وأن يحسنوا توجيه طاقاتهم.

2- وأن يتفهم الشباب حاجتهم للكبار، فالشباب يجب أن يقدروا هذه الفجوة حق قدرها، فيشعروا بالحاجة إلى فكر وخبرة الوالدين بسبب الخبرات المتراكمة لديهما، والتى اكتسباها من معارك الحياة اليومية فى الأسرة والمجتمع والعالم.

.. إذن، فحينما تختلف أيها الشاب الحبيب أو الشابة المباركة مع الأب أو الأم، فلا يكون هذا الاختلاف فى الرأى خلافًا، بل فرصة تفاعل وحوار.. حتى نصل جميعًا إلى الاقتناع بالرأى الصحيح.. الذى يريح ويبنى الجميع، وكما يقول الحكيم سليمان النبى: «بالحكمة يُبنى البيت وبالفهم يثبت» (أمثال3:24).

رابعًا: المنظومة المقترحة:

1- المحبة.. وهى حقيقة أكيدة بين الآباء وأبنائهم.

2- الحوار.. فى هدوء وروح تفاهم صادق من الجيلين.

3- الحزم.. حينما يتحول الحوار إلى «مقاوحة غير منطقية» من الأبناء نحو آبائهم.

4- الشرح.. لو اختلف الأب مع ابنه، يشرح مع الأم سبب الاختلاف ليأتى إلى تفاهم مع أبيه، واحترام لسنه وخبراته، وأبوته، وكما يقول سليمان الحكيم: «حكمة المرأة تبنى بيتها» (أمثال1:14).

5- الشفافية.. بوصولنا إلى وضع فيه يصارح الابن أباه والبنت أمها بأى أخطاء أو تساؤلات من أجل الوصول إلى طريق السلامة.

من هنا كان لابد من التكامل بين الجيلين، «وبالمحبة والحكمة يُبنى البيت»، والمجد لله دائمًا.

* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الوطن.. لؤلؤة ثمينة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 28/10/2023

 الوطن هو الأرض أو المكان الذى ينشأ عليه الأشخاص: فى ترابط وتناسق وانسجام ومصالح واهتمامات مشتركة.

وهو بمثابة الأم التى تعطى من دمها لأبنائها بلا حدود، وهو الملجأ الأمين لأبنائه، ولا يشعر بقيمته إلا مَن حُرم منه، وتغرب بعيدًا عنه، فالوطن يُعتبر لأبنائه: الأمن والأمان والدفء والحنان، ومهما تغرب الإنسان عنه لسنوات، إلا أنه يشعر فى أعماقه بالحنين والانتماء، وتكون فرحته وأمله فى الرجوع إليه.

ومن أشهر كلمات قداسة البابا شنودة «مصر وطن يعيش فينا»، ومن هذا المنطلق نقول:

1- لا للتهجير ولا للعنف ولا لقتل العُزل:

أى وطن غالٍ جدًّا فى عيون أبنائه، كارتباط الابن بأمه، فهو ارتباط وثيق، يشعر الإنسان بالفخر لانتمائه لهذا الوطن، وبدون الوطن يشعر الإنسان بأنه لا قيمة له. ونحن فى كل جيل نتفاجأ بمَن لهم مطامع فى مصر العظيمة، التى حباها الله بموقع جغرافى ممتاز، بين قارات العالم. ولكننا أمام كل هذا بالمرصاد، فوطننا العزيز غالٍ علينا، ويستحيل التفريط فى أى شبر من أرضه.

من كلمات المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ومبادئه تجاه القضية الفلسطينية: «لا للاحتلال، لا للتهويد، لا للتدويل». وكان يقول قداسته: «تدويل القدس معناه التنازل عن عروبتها، ونحن نؤمن بعروبة القدس». وقد شهدت أيامه الكاتدرائية المرقسية بالعباسية المؤتمر الوطنى الشعبى من أجل تأييد الشعب الفلسطينى، وكان ذلك مساء يوم الخميس 11 إبريل 2002م بحضور قداسته، وبدافع وطنى قوى وبإدراك عميق للمسؤولية الوطنية، لم يصرح قداسة البابا للأقباط بزيارة الأماكن المقدسة فى القدس وفلسطين، وعبّر عن ذلك: «لن ندخل القدس إلا وأيدينا فى أيدى إخوتنا المسلمين» مجلة أكتوبر 4 يناير 1987، لذلك لقبه الإخوة المسلمون بلقب «بابا العرب».

2- الاعتزاز والمشاركة الدائمة فى المناسبات الوطنية:

قداسة البابا شنودة كان لا تفوته أى مناسبة وطنية، بإدراك عميق للمسؤولية الوطنية، فلا ينسى مشاركته فى الاحتفال برفع العَلَم المصرى على طابا يوم 19 مارس 1979م، ورفع العَلَم المصرى على العريش يوم 26 مايو 1979، وقام قداسته بتقبيل عَلَم مصر مع كبار رجال الدولة، فى مشهد يفيض بالوطنية. وفى إطار المناسبات الوطنية أيضًا، فإن قداسته لا يتأخر أبدًا عن المشاركة فى جلسات مجلسى الشعب والشورى، وفى كل مرة يكون فيها لقاء لرئيس الجمهورية مع ممثلى الشعب، وكذلك كان يحرص على الحضور فى المناسبات الوطنية والقومية الأخرى، ومنها: الاحتفالات بانتصارات أكتوبر، عيد تحرير سيناء، عيد العمال، يوم الطبيب، وكثيرًا ما يُدعى إلى ندوة ثقافية فى معرض الكتاب، وسائر المناسبات الوطنية.. إلخ.

3- مصرنا خط أحمر:

كما قالها الرئيس السيسى، لا تدخل لأى بلد فى الشؤون الداخلية لبلادنا. وهنا نجد كثيرًا من بطاركة الكنيسة القبطية كانوا ومازالوا يتمتعون بحس وطنى عالٍ دون رياء أو نفاق أو تملق، ومنهم البطريرك ١٠٩، المُلقب بالبابا «بطرس الجاولى» (١٨٠٩- ١٨٥٢م)، الذى اتصف بالتقوى والورع والتقشف والزهد، قليل الكلام مع هيبة ووقار، يقضى يومه منكبًّا على المطالعة، أو مواظبًا على الصلاة من أجل سلام الكنيسة ومصر والعالم.

كان لا يتعرض إلى أمر من أمور السياسة، ولا يخرج من دار البطريركية إلا إذا دعته الحاجة.

أضاف هذا البابا إلى صفاته هذه صفة الحلم فى الرئاسة، والحكمة فى التصرف، والقدوة فى الكلام، فأصبح موضع احترام لدى الكل، كما شغل الأقباط فى عهده العديد من المناصب الإدارية الرفيعة، وإقامة شعائرهم الدينية وباشروا عبادتهم فى حرية.

لما كان «محمد على» موفقًا فى الفتوحات، شرقًا وغربًا، خشيت الدول الأجنبية من هذا، ومنها روسيا، التى قدّرت سوء الموقف لو استمر فى فتوحاته، ففكرت أن تستعين بالأقباط فى الوصول إلى أهدافها ضد محمد على، فأرسلت أميرًا روسيًّا يعرض على البطريرك قبول حماية قيصر الروس للأقباط، فذهب هذا المندوب الروسى إلى الدار البطريركية.

ظنًّا منه أنه سيرى رئيس أكبر طائفة مسيحية فى إفريقيا بحالة تدل على عظمته، ولما وصل رأى إنسانًا بسيطًا يحمل الكتاب المقدس بين يديه، يقرأ فيه وهو يرتدى جلبابًا خشنًا جالسًا على دكة خشبية، ولم يُبالِ به، فسأله فى شك: «هل أنت البطريرك؟!»، فلما عرف منه طلب إليه أن يجلس بجواره، فأخذ المندوب يتفرس فيه، وهو لا يصدق أنه يجالس البطريرك، وبدأ المندوب يسأله: لماذا تعيش بهذه البساطة، ولا تهتم بمركزك فى العالم المسيحى؟!.

فأجابه البابا: أنا عبد السيد المسيح الذى عاش مع الفقراء ولأجلهم، ولم يكن له أين يسند رأسه.. وبعد تعجُب من المندوب، بدأ يعرض على البابا فى بساطة طلب الحماية الذى جاء لأجله، فسأله البابا الحكيم: «وهل ملككم يحيا إلى الأبد؟»، قال له المندوب: «لا يا سيدى البابا، بل هو إنسان يموت كما يموت سائر البشر»، فأجابه البابا: «إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، وأما نحن فتحت رعاية ملك لا يموت، وهو الله»، وهنا لم يطلب البابا الحكيم أى حماية تأتى الأقباط سواء من محمد على أو من أى شخص بشرى آخر.

حينئذ لم يسع المندوب الروسى إلا أن ترك البابا وهو يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط، وقال: «لم تدهشنى عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات، ولم يهزنى كل ما فى هذا القطر من العجائب، بقدر ما هزنى ما رأيته فى هذا البطريرك القبطى». ولما وصل نبأ هذه المقابلة إلى مسامع محمد على سُرَّ جدًّا، وذهب إليه ليهنئه على موقفه وما أبداه من الوطنية الحقة، فقال له البابا الوقور: «لا تشكر مَن قام بواجب عليه نحو بلاده»، فقال له محمد على: «لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك».

حفظ الله مصر من كل سوء، ولربنا المجد إلى الأبد آمين.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية