Translate

Saturday, November 30, 2019

الشباب فى المجتمعات المعاصرة.. الاغتراب والذاتية بقلم الأنبا موسى ١/ ١٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

يتميز الإنسان بأنه كائن اجتماعى يحيا فى اتصال مع الآخرين بشكل مستمر، ومن خلال هذا الاتصال يتحقق وجوده، ويمارس إنسانيته. ولكننا الآن أصبحنا نرى بعض الشباب فى حالة من الاغتراب عما حوله، فكثير من الشباب مغترب عن المجتمع، لا يشعرون بهمومه أو قضاياه، وليست لديهم مساحات وقنوات للاتصال مع الآخرين سواء فى: الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو العمل.. أو حتى على المستوى الفردى مع الأصدقاء! لهذا أصبحنا نرى بعض الشباب مستمتعين للغاية، وهم فى حالة من الانعزال عن الآخر، الذى لا يهتمون بالتواصل معه. والبعض الآخر يعيش أنانيًا، محباً لذاته ولذاته، فيحيا الغربة، ويتغرب عن نفسه وأعماقه وربه!.
ويمكنك أن ترى هذا، حين تلاحظ ذلك الموقف المتكرر لشباب، يضع فى أذنيه سماعات (الوكمان) - فى أى مكان- منفصلاً بالكامل عن الآخرين، وذلك رغم خطورة هذه السماعات، التى غالبًا ما تتلوث بميكروبات، تدخل بها إلى الأذن الوسطى، ثم المخ، وتحدث الكثير من المشاكل. أو تجده يقضى الساعات على الموبايل، والإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعى، وينعزل بذلك عن أسرته ومجتمعه!! وقد ارتبط هذا الاغتراب بنوع من الأنانية فحين يفقد الشخص تواصله مع الآخرين، يفقد اهتمامه بهم.. ويحيا فى سجن الذات!!! ونستطيع أن نرى هذا وسط قطاعات عديدة من الشباب، الذى يحيا بمبدأ: «أنا ومن بعدى الطوفان»!! إن الروافد التى تغذى هذه الظاهرة (ظاهرة الاغتراب والتقوقع حول الذات) متعددة، ولكن من أهمها التنشئة، والتربية غير السليمة، وسوق العمل أحيانًا.
■ أولاً: التنشئة التقليدية
١- ونقصد بها الأسرة، والمدرسة، الجامعة. فالبداية هى الأسرة: فمع حالة الاضطراب التى سادت المجتمعات فى العقود الأخيرة، أصبحت الأسرة تنشئ أبناءها على الخوف من كل ما هو خارجها، وعلى الاهتمام فقط بسلامتهم ومصلحتهم الخاصة، دون النظر إلى الآخرين أو المجتمع.
٢- ثم تأتى المدرسة والجامعة، لتعزز هذه الفكرة أحيانًا، فتشعر تلاميذها بالخوف من الآخر، أو تدفعهم إلى الانطواء والتقوقع، ولا تحاول تربيتهم وتدريبهم على العمل الجماعى.
٣- وتظهر هذه المشكلة بشكل أكثر حدة بين بعض المتفوقين الذين يتم تربيتهم لا على أن يكونوا متفوقين وسط متفوقين آخرين، ولكن على أن يكونوا متفوقين وسط فاشلين (كما يتوهمون)!!
٤- والنتيجة أنهم أحيانًا يحاولون أن يجعلوا من الآخرين فاشلين ليصعدوا على فشلهم!
إن المشكلة هنا أننا لا نربى على أن نعمل معًا – كل على قدر طاقته - لتحقيق مستوى أفضل، ونتقدم كلنا معًا، سواء على المستوى الفردى، أو المجتمعى، أو على مستوى الوطن.
■ ثانيًا: سوق العمل
١- فى ظل مجتمع واقتصاديات السوق، وتحول الفرد العامل إلى جزء من التكلفة - بالنسبة إلى صاحب العمل - وفى ظل زيادة المعروض على المطلوب، أصبحت الأجور غير متناسبة مع المجهود المبذول، مما عمق فى نفوس الشباب الشعور بالظلم والإحباط، وأيضًا الخوف من المستقبل. وهذا دفع الشباب لأن يعمل طوال الوقت ليؤمن لنفسه حدًا أدنى من الحياة الكريمة.
٢- وفى ظل هذا يصبح الحديث عن الآخر أو الوطن نوعًا من الرفاهية التى لا يملكها.
٣- والنتيجة هى أن بعض الشباب أصبحوا مجموعات من الجزر المنعزلة، بداخل بحر المجتمع الاستهلاكى الجديد.
٤- وقد يوجد الشاب مع الآخرين فى نفس المكان والزمان، ولكنه فى الحقيقة هو مغترب عنهم، يحيا بداخل مشاكله الخاصة.
٥- ونظرًا لأن الإنسان كائن اجتماعى لا يستطيع أن يعيش فى جزيرة معزولة من الأنانية والعزلة الداخلية، بل يريد أن يكون محبًا ومحبوبًا.
٦- وإذا لم يحقق هذا يحدث ضغوطًا نفسية وعصبية فى حياته، وما يتبع ذلك من آثار نفسية وجسمانية فى نواحى كيانه النفسى وأعضائه الجسدية.
٧- بينما الإنسان الذى يحيى التوافق مع الآخرين إنسان سوى نفسيًا واجتماعيًا وجسديًا، ولا يحيى الاغتراب عن النفس، حيث يجد نفسه فى وظيفته ودوره، وفى إسهامه فى البناء العام والكيان المتكامل.
■ هكذا رأينا أن الشباب قد يقع فى محل «المتفرج»، «والفاعل» هنا قد يكون مؤسسات التنشئة، أو الإعلام، أو سوق العمل أو كلها مجتمعة. وهذا «الفاعل» يضغط على الشباب بشكل شديد، فيدفعه للإحباط، وأن يحيا حياة مليئة بالمظاهر الكاذبة، دون أن يشعر بسعادة داخلية حقيقية. إن هذا «الفاعل» يدعم ثقافة السوق، والنتيجة هى الحالة التى نرى عليها بعض الشباب الآن.
ختامًا: الأمل الوحيد يكمن فى الخروج من هذا المأزق، هو أن يقرر الشباب أن يعودوا لوضعهم الطبيعى، أقصد محل «الفاعل الإيجابى والمؤثر»، أى أن يقرروا أن قيمتهم الحقيقية ليست فيما يرتدون أو بما يظهرون، أو بما يملكون من مال، ولكن بما يحملونه من فكر ومشاعر، وما لديهم من مواهب ووزنات وإمكانيات معينة تختلف من شخص لآخر، قادرين أن يجعلوا حياتهم، وحياة الآخرين أفضل.
■ إن الوطن فى انتظار «أجيال الشباب» القادرين على هذا:
١- التواصل مع الآخر.
٢- والتفاعل معه
٣- والتكامل معًا.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


خالد منتصر - هل يتوب الإرهابى؟ - جريدة الوطن - 11/2019 /30

استيقظت لندن على فاجعة، فقد أكدت الشرطة البريطانية مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين فى هجوم نفذه رجل بسكين على مجموعة من المارة قرب جسر لندن يوم الجمعة، وقالت قائدة شرطة لندن، كريسيدا ديك، للصحفيين: «بقلب حزين أبلغكم أن اثنين من المصابين فى هذا الهجوم قد فقدا حياتيهما.. هذا بخلاف المشتبه به الذى قُتل برصاص الشرطة»، واتضح أن القاتل إرهابى تائب!!، وقال عمدة لندن، صادق خان: «لن نسمح للإرهاب أن يهدد مدينتنا أو وحدتنا»، مؤكداً أن «حادثة جسر لندن عمل معزول ولن نسمح للإرهابيين بتغيير مسار حياتنا اليومية».
أبشرك أيها العمدة العزيز بأنك واهم وأن هؤلاء سيهددون مدينتكم رغماً عن أنوفكم، وسيغيرون مسار حياتكم إلى زمن أهل الكهف إذا ظللتم مصرين على العيش فى وهم أن العقرب سيحمل الضفدع آمناً ويعبر به إلى شاطئ الأمان، للأسف بريطانيا تتجرع سم الثعابين التى رعتها وأغدقت عليها من الود والحنان ولم تستمع إلى تحذيرات بعض الدول التى نصحت بأمان وتجرد وللمصلحة المشتركة، ومنها مصر، بريطانيا سمحت بغزو المال القطرى لبلد الضباب وهى راعية الإخوان فى العالم كله، سمحت لهم باحتلال جميع مناحى الحياة هناك وخاصة الإعلام المكتوب والمرئى، منحت اللجوء لقتلة يطلقون من منصاتهم الإرهابية كل قذائف التكفير والتحريض تحت لافتات مراكز البحث والدراسات، أطلقت بريطانيا سراح هذا الإرهابى لأنه أجرى مراجعات وتاب!!، ودعته إلى كامبريدج للحوار، فخرج ليطعن شخصين على كوبرى لندن!!.
الإرهابى يا سادة لا يتوب، والمتطرف دينياً يظل طوال الوقت متوهماً أنه وكيل الرب على الأرض، والتيارات الليبرالية فى أوروبا كلها تعيش حالة من التعاطف مع السلفيين والإخوان تصل إلى درجة الهطل والحماقة تحت شعار الحوار والدمج وحقوق الإنسان، هم لا يدركون أن هؤلاء لا يعترفون بحوار، لأن الحوار هو بين الرأى والرأى الآخر، وليس بين الرأى ونفى الرأى، وهؤلاء ينفون الرأى ابتداء لأنهم يتحدثون باسم الرب، وآراؤهم هى وصايا إلهية، معهم فقط توكيلات السماء وتصاريح الجنة وكارنيهات حظيرة الإيمان ومفاتيح الفردوس، ولا دمج لهؤلاء لأن الدمج يحتاج إلى وطن وهم لا يعترفون بالوطن ولكن بالأمة ويسعون إلى الخلافة بلا حدود، هم يريدون الجيتوهات المرسخة للعزلة الرافضة والعدوانية مع الآخر، هؤلاء هم من رقصوا فرحاً لحرق كنيسة نوتردام وتفجير مترو بلجيكا ودهس برشلونة، وجعلوا من مفجرى مركز التجارة العالمى أيقونات جهاد!، هؤلاء لا يعترفون بحق الإنسان إنما بحق المؤمن بعقيدتهم وأفكارهم فقط، يعترفون بحق الفرقة الناجية فقط التى من حقها إقصاء الآخرين بل وقتلهم بتهم مطاطة مثل الردة والزندقة والكفر، يريدون تنفيذ قوانين صارت خارج التاريخ ومكانها يجب أن يكون متحف الفولكلور.
أوروبا تتآكل ديموغرافياً بسبب قلة الإنجاب بينما هؤلاء يتكاثرون كالأرانب ويتوالدون كالسرطان، أوروبا لا تعرف أن شعار هؤلاء المتطرفين «أعطنى صباعك، آكل ذراعك»!، يوافقون لهم على مدارس إسلامية خارج نظام التعليم فيحولونها إلى حصون تخلف متربصة بكيان الدولة، ومراكز دينية غير مراقبة فتصبح مفرخة إرهاب ومشتل تطرف، تبدأ العملية بتصريح ثم ينقلب إلى تمكين وميكروفون وخروج من الجدران إلى الشارع ثم فرقة متطوعين وكتائب أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، إن لم تستيقظ أوروبا ستنقرض وتتحول إلى «تورا بورا».

Friday, November 29, 2019

خالد منتصر - ماذا حدث للثقافة العلمية فى مصر؟ - جريدة الوطن - 11/2019 /29

الثقافة العلمية فى مصر صارت من العورات التى نخجل من نشرها مجتمعياً وإعلامياً وفنياً.. إلخ، لا يوجد محرر علمى متخصص، لا يوجد برنامج يقدم الثقافة العلمية على شاشاتنا، ميزانية البحث العلمى ما زالت متواضعة، المعنى نفسه يعبر عنه صديقى د. سامح كامل مرقس، أستاذ الأشعة التشخيصية بجامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة، فى كتاب «كلام فى العلم»، وهو كتاب جديد قيد النشر، وأتوقع صدوره فى ٢٠٢٠، وهو كتاب فى غاية الأهمية، أقتبس من مقدمته تلك العبارات الدالة، وذلك الجزء الذى يدق ناقوس الخطر من جراء ما حدث من تجريف للعقل النقدى والثقافة العلمية فى مصر، يقول د. سامح:
الفكرة الأساسية للتنوير هى تحرير العقل عن طريق المعرفة، التنوير يعادى التعصّب الفكرى ويقلل التحيّزات الشخصية المسبوقة، وأيضاً يتطلب فحص اعتقاداتنا المفضلة بالالتزام النقدى نفسه، الذى نمارسه مع الأفكار التى نعاديها.
الثقافة العلمية اهتم بها رواد التنوير فى مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، مثل شبلى شميل وسلامة موسى، للأسف هذه الثقافة اختفت فى العقود الأخيرة من تاريخ وطننا العزيز، شبلى شميل كان من أول الكتاب فى الشرق الذين قدّموا نظرية داروين للتطور بشجاعة فى مجتمع محافظ ومنغلق على أفكار العلم الحديثة، سلامة موسى اهتم أيضاً بنظرية داروين التى كان لها تأثير كبير على أفكاره، وحاول توصيل فكرة التطور من خلال كتابة مقدمة السوبرمان، لم يخشَ سلامة موسى من نقد التفكير الغيبى وعمل بنشاط على نشر العلوم الحديثة، كانت ندواته الثقافية فى جمعية الشبان المسيحيين كل مساء خميس منبعاً للتنوير، يحضرها عدد كبير من شباب الوطن المسيحيين والمسلمين واليهود والبهائيين.
فى العقود الأخيرة من القرن الماضى عبّر الفيلسوف العظيم الدكتور زكى نجيب محمود عن تغلب الوجدان على العقل فى مجتمعنا المصرى فى كتابه المهم «قصة عقل» بقوله: «إن فى تركيبتنا الثقافية نرى أن العقل وحده لا يكفى سنداً للإنسان فى حياته»، هذا الشعور بعجز العقل وقصور العلم لا يوجد له نظير فى شعوب العالم المتقدم، حتى المثقفون فى شعوبنا تميل نفوسهم نحو التشكك فى العقل الإنسانى وقدرته. هذا الاتجاه الفكرى قوامه عناصر كثيرة أهمها التمسّك بالعرف والتقاليد. للأسف نعيش فى مجتمع على عداوة حادة مع العقل، وعلى كل ما يترتب على العقل من علوم، ومن منهجية ودقة التخطيط والتدبير.
يجب التفرقة بين مجالين، مجال لا يصلح له إلا العقل، ومجال آخر من حق المشاعر أن تشتعل فيها ما شاءت لها حرارتها.
وحديثاً تعرض الكاتب المثقف نبيل عبدالفتاح فى مقاله «العالم الذى لم نعد نعرفه» بجريدة «الأهرام» ٣١ يناير ٢٠١٩، لمشكلة الابتعاد عن الثقافة العلمية فى مجتمعاتنا الشرقية فى مقاله بجريدة الأهرام المصرية:
«لم يعد ممكناً الصمت أو التواطؤ أو المجاراة أو التسامح، مع تدنى وتراجع أوضاع المعرفة والوعى النخبوى والجمعى المصرى، بما يجرى فى عالمنا من تطورات كبرى. ما الذى حدث لنا؟ تخلفنا تاريخياً وتراجعنا كثيراً عن عالمنا، لم تعد أسئلة النهوض تشاغلنا كما كانت منذ نهاية القرن التاسع عشر، واهتم بها رواد النهضة المصرية والعربية، الذين طرحوا سؤالاً: لماذا تخلفنا؟ ولماذا تقدموا؟ لم يعد السؤال مطروحاً، بل لم نعد نطرح أسئلة، لأن ثقافتنا لم تعد ثقافة الأسئلة، وإنما ثقافة البداهات، واليقينيات، والحتميات والقدريات والميتافيزيقا».

Thursday, November 28, 2019

خالد منتصر - عمر الحلفاوى وزويل.. جديد على طريق نوبل - جريدة الوطن - 11/2019 /28

مصر دائماً ولادة، وفى أحلك الظلمات والصعاب لا بد أن تجد بصيصاً من نور وشعاعاً من أمل وسط ركام الإحباطات والمعوقات، عمر الحلفاوى باحث صيدلى مصرى ذهب للدراسة فى كندا واقترب من حل واحدة من أخطر المشكلات الصحية التى حيرت العالم، ألا وهى التغلب على مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، والتى باتت كارثة تهدد العالم كله، بدأ عمر البحث والتقط الخيط وذللت له الجامعة فى كندا كل الصعاب، وهذا هو الدرس الذى لا بد أن يُستوعب، تهيئة المناخ للباحث هى الطريق للتحضر والتقدم، مهما صرفنا فنحن قد ربحنا، هذا هو ملخص لقاء وتقرير لمجلة كندية علمية مع الباحث المصرى الذى اقترب من نوبل (عمر الحلفاوى)، يقول التقرير: قد يبدو هذا وصفة لفيلم ناجح من الخيال العلمى، لكنه ليس كذلك. إنه ما يركز عليه د.عمر الحلفاوى، كل يوم فى معمله، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن حقبة ما بعد المضادات الحيوية، التى يمكن أن تكون فيها الإصابات الشائعة والإصابات الطفيفة قاتلة، بعيدة كل البعد عن أن تكون خيالاً مروعاً. بدلاً من ذلك، إنها إمكانية حقيقية للغاية للقرن الحادى والعشرين.
يهتم د.الحلفاوى بمعرفة كيف تقاوم بعض البكتيريا المضادات الحيوية واكتشاف علاجات جديدة لمعالجة هذه المشكلة العالمية.
وقال «الحلفاوى»: «يعتبر اكتشاف المضادات الحيوية، الذى تم منذ ما يقرب من 100 عام، أحد أهم الاكتشافات فى التاريخ لأنه مكّن الناس من الحصول على هذا النوع من التقدم الشامل فى مجال الطب». «يعتبر الناس هذا أمراً مسلماً به ولا نقدر ما لدينا، والآن نحن معرضون لخطر فقدانه جميعاً إذا لم نعالج المشكلة عن طريق إجراء بحث جاد».
يركز مختبر الدكتور فالفانو، حيث يكمل الحلفاوى زمالة ما بعد الدكتوراه، على بكتيريا Burkholderia cenocepacia، وهى بكتيريا مقاومة للغاية للمضادات الحيوية وتسبب مشاكل خطيرة لدى المرضى الذين يعانون من نقص المناعة، مثل المصابين بالتليف الكيسى، بحث الحلفاوى فى كيفية توصيل هذا الخلل المعين بمقاومته غير العادية للميكروبات للبكتيريا الأخرى الأقل ضرراً فى كثير من الأحيان.
خلال تدريب الدكتوراه، اكتشف الحلفاوى تفاعلاً جديداً بين البكتيريا المرتبطة بمقاومة المضادات الحيوية. ووجد أن Burkholderia cenocepacia يمكن أن يحمى البكتيريا الأخرى التى يمكن علاجها عادة بالمضادات الحيوية.
«سوف يرسل الخلل الكبير إشارات وبروتينات صغيرة ومواد كيميائية صغيرة إلى البكتيريا الأخرى وقد وصفت هذه المعلومات»، «عند القيام بذلك، وجدت آلية جديدة لمقاومة المضادات الحيوية، وهو ما واصلت عمله فى زمالة ما بعد الدكتوراه».
وأضاف الحلفاوى أن هذا الاكتشاف لا يقتصر على Burkholderia cenocepacia - فقد اختبروا بكتيريا أخرى وشاركوا جميعاً فى البروتين الذى أظهر آلية المقاومة هذه.
فى الأصل من الإسكندرية، مصر، بدأ الحلفاوى بدايته فى العلوم الصيدلانية. بعد أن عمل صيدلياً محلياً لبضعة أشهر، التحق بقسم الأحياء الدقيقة الصيدلية فى جامعة الإسكندرية كعضو هيئة تدريس، لقد جاء إلى كندا مع زوجته وابنته البالغة من العمر ست سنوات فى عام 2010، ويستكمل منصبه التدريبى ومنح الزمالة منذ ذلك الحين، وقال: «بالطبع كان المجىء إلى هنا بمثابة تحول كبير، لكننى شعرت أن المختبر وطب شوليش للطب وطب الأسنان كنت فيه موضع ترحيب كبير». «منذ البداية، شعرت وكأننى فى المنزل - كان الانتقال سلساً للغاية، وكان هناك الكثير من المتدربين الدوليين الذين يعملون حولى».
فى حين أنه يتمتع بالاستقلالية والتركيز على البحوث التى تأتى من إكمال زمالة ما بعد الدكتوراه، فإنه يتطلع إلى أن يكون قادراً على التدريس مرة أخرى.
وقال: «منذ بداية حياتى المهنية فى الأوساط الأكاديمية، أتيحت لى دائماً فرصة التدريس». «أعتقد أن التفاعل مع الطلاب مُجزٍ وممتع، وأتطلع إلى القيام بذلك مرة أخرى فى المستقبل».

خالد منتصر - تحية واجبة لعيون "أبوالريش" - جريدة الوطن - 11/2019 /27

هناك من يعمل فى صمت، ويبذل مجهودات رائعة فى سبيل إنقاذ حياة أطفالنا، وعلى رأس هؤلاء مستشفى أبوالريش، وقد لمست عن قُرب، ومن خلال الزميلة د. هالة الهلالى أستاذ الرمد وجراحة عيون الأطفال، وفريقها وزملائها منذ فترة كبيرة، كم الجهد الذى يبذلونه لإنقاذ عيون أطفالنا من الإعاقة والعمى.
وتعد وحدة طب وجراحة عيون الأطفال فى مستشفى أبوالريش اليابانى مثالاً يُحتذى به فى الإيمان بدورها فى خدمة المجتمع وقيامها بهذا الدور على أكمل وجه، ومع تقدّم طب الأطفال حديثى الولادة وتقدم الحضانات تحسّنت فرص نجاة الأطفال المبتسرين، ومن ثم زادت أعداد الأطفال المهدّدين بفقدان البصر بسبب الاعتلال الشبكى الناتج عن الولادة المبكرة، حيث إن الشبكية عند الأطفال المبتسرين تكون غير مكتملة النمو.
الأمر الذى ينذر بحدوث الانفصال الشبكى وفقدان الإبصار، ورغم فداحة المضاعفات فإن الوقاية ممكنة عن طريق إجراء فحص قاع العين لكل طفل مبتسر يعانى من عوامل خطورة تزيد من احتمال الإصابة وأهمها:
نقص الوزن عند الولادة (أقل من 2كجم)، أو الولادة المبكرة (34 أسبوع حمل أو أقل)، ثم التدخّل السريع بالعلاج فى الوقت المناسب.
فى يناير 2016، أطلقت وحدة طب وجراحة عيون الأطفال بمستشفى أبوالريش اليابانى، بالتعاون مع قسم الأطفال مبادرة: «القاهرة بدون اعتلال شبكى للمبتسرين»، وذلك بدعم ومساندة مستشفى أبوالريش اليابانى.
ونفّذت منظومة متكاملة للمسح المبكر للشبكية لدى الأطفال فى 4 وحدات لرعاية المبتسرين، بواقع 95 محضناً مع 3 عيادات متخصّصة لمتابعة الحالات: عيادة فى مستشفى أبوالريش (المنيرة)، عيادة بمستشفى النساء والتوليد بقصر العينى، وعيادة بمستشفى أبوالريش اليابانى تستقبل حالات المبتسرين المحولين من جميع أنحاء القاهرة الكبرى والجمهورية.
وامتدت المبادرة خارج أسوار جامعة القاهرة، بالتنسيق مع هيئة المستشفيات التعليمية، لتشمل كخطوة أولى فحص المبتسرين فى مستشفى الجلاء التعليمى للنساء والتوليد، الذى يحتوى على إحدى أكبر وحدات رعاية المبتسرين، وذلك باستخدام أحدث التقنيات فى الطب عن بُعد «Telemedicine».
ولقد تم فحص 1600 طفل فى وحدات رعاية المبتسرين المختلفة حتى الآن، وإجراء المتابعة والتدخّل بالعلاج لمن احتاج ذلك دون حدوث أى حالات انفصال شبكى لديهم.
المبادرة نموذج للتعاون المثمر بين الأقسام والهيئات المتعدّدة: وحدة طب وجراحة عيون الأطفال، قسم الأطفال، وحدات المبتسرين وهيئة المستشفيات التعليمية. وهى مثال للعمل الجماعى الناجح وإعلاء روح الفريق.
تحية واجبة لفريق الأطباء المخلصين العاملين فى صمت على مدى أربعة أعوام حتى الآن.

Tuesday, November 26, 2019

كيف انهار التعليم وتدهورت الثقافة وفقدنا ريادتنا؟! بقلم د. محمد أبوالغار ٢٦/ ١١/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

الثروة والنفوذ لم يعودا بحجم الإنتاج الزراعى والصناعى، وإنما بالابتكار والفكر. ابتكار التليفون المحمول أو برنامج كمبيوتر أدى إلى ثروات لبضعة أفراد تزيد على دخول عدة دول مجتمعة. السينما الأمريكية تحقق إيراداً وتأثيراً ثقافياً يفوق أجهزة إعلام العالم مجتمعة. العلم والثقافة والمعرفة أصبحت هى التى تقود العالم. دخلت مصر عصر الفكر الحديث منذ ولاية محمد على، ونظراً لأن التعليم والثقافة المرتبط بالغرب قد بدأ فى مرحلة مبكرة فى مصر مقارنة بدول الشرق الأوسط، ولأن التعليم كان متاحاً للمتفوقين الفقراء تكونت فى مصر طبقة من العلماء والمثقفين والتكنوقراط العظام أثروا فى المنطقة العربية كلها. فالمدرسون المصريون انتشروا قبل ظهور البترول وبعده فى البلاد العربية، وكذلك الأطباء والمهندسون والمكاتب الاستشارية الهندسية والقانونية وبيوت الخبرة. وكانت مصر هى دولة الثقافة بكافة جوانبها، فالأدباء الكبار الذين أثروا فى المنطقة العربية كان معظمهم من مصر، والفن التشكيلى الحديث ظهر فى مصر وانتقل منها للعالم العربى، وفنون المسرح ظهرت فى القرن التاسع عشر فى القاهرة. صحيح أن الشوام شاركوا فى البدايات فى المسرح والصحافة ولكن المصريين أبدعوا وأكملوا المشوار، والسينما كانت مصرية وكان اليهود المصريون من أوائل من بدأوا المشوار.
هذه القوة الناعمة الكبيرة والعظيمة فى كافة الفنون والمعرفة قادت مصر لتصبح أهم وأغنى دولة بالمنطقة عقوداً طويلة. هذه القوة نتجت عن تعليم حديث وتقدم فى مصر بدأ منذ أوائل القرن العشرين بإنشاء الجامعة المصرية وتطوير كافة مدارس الطب والهندسة والحقوق وغيرها إلى كليات حديثة وإنشاء كلية الفنون الجميلة، ثم كليات الفنون التطبيقية، وأدى هامش الحرية الواسع إلى تقدم الصحافة والكتابة والأدب والمسرح والسينما، والحرية لم تكن فقط حرية سياسية، وإنما كان هناك انفتاح فى مناقشة القضايا الفلسفية والدينية والتاريخية، وكانت الدولة العربية الوحيدة التى حصل أبناؤها على جوائز نوبل فى الآداب والعلوم.
وبذا أصبحت مصر الدولة الفقيرة فى مواردها، أغنى دول المنطقة، وبالرغم من ارتفاع نسبة الأمية إلا أن أعداد المتعلمين والمثقفين كانت كبيرة، وتحسن وضع المرأة فى مصر تدريجياً وأصبحت تشارك فى كل شىء منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضى.
ماذا حدث للقوة الناعمة المصرية؟ لقد تآكلت وضعفت بسبب الكارثة التى حلت بنظام التعليم المصرى، وبسبب انهيار هامش الحريات خلال عدة عقود مضت. فى هذه الأثناء تحسن وضع التعليم فى المنطقة العربية وخرج عشرات الآلاف من الشباب إلى الغرب للدراسة وتمتعوا بهامش واسع من الحرية فى الخارج فحدثت طفرة.
الدولة المصرية خلال عدة عقود لم تهتم بالقوى الناعمة، بل كانت لا تريد لها الظهور والتقدم لتصورها أن هذه القوى تنتقد الحكام والنظم السياسية، وتدخلت الدولة مراراً وتكراراً بطرق مختلفة من الرقابة والحظر والتعتيم على منتجات ثقافية عظيمة وخلال سنوات مختلفة تم سجن مفكرين وكبار المثقفين والمبدعين فأثرت هذه الضربات المتتالية على القوى الناعمة وأضعفتها وتركت العالم يتقدم ونحن محلك سر.
حين فقدت مصر الاهتمام بالتعليم والتدريب وأصبح لا يشكل أهمية عند القيادة المصرية وانخفضت ميزانية التعليم إلى حد مذهل، وفى نفس الوقت ارتفعت ميزانيات وزارات أخرى. بل اهتمت بتشجيع التعليم الخاص فى المدارس والجامعات حتى تتخلى عن مبدأ الصرف على التعليم، وبدلاً من طه حسين الذى أقنعه مصطفى النحاس بتولى وزارة المعارف واشترط مجانية التعليم الأساسى والثانوى، أصبح وزراء التعليم محدودى الكفاءة والثقافة والمعرفة، قد يكونون حاملى شهادات دكتوراه ويعملون أساتذة فى الخارج والداخل ولكن فكرهم محدود ومهمتهم الأساسية هى إرضاء الحاكم وليس تطبيق فكر يرفع التعليم فى مصر ومعظمهم غير قادرين على الاستماع لأفكار الخبراء. فضعف حال التعليم وأصبح التعليم الجيد للأغنياء فقط الذين يستطيعون أن يدفعوا تكاليف مرعبة للتعليم، وأصبح خريجو هذه المدارس نصف خواجات، والكثير منهم يسافرون إلى الخارج ليعملوا ويقيموا هناك بعيداً عن مصر التى يعتبرونها لا تحقق أحلامهم. أما الطبقة الوسطى التى بنيت مصر على أكتافها فخرجت من حيز التعليم الجيد وصعود السلم الاجتماعى عن طريق التفوق فى التعليم العام الذى أصبح مستحيلاً، ففقدنا مواهب عظيمة تم دفنها.
مشاكل مصر كبيرة ومتشعبة، بعضها خارجى وبعضها داخلى، وحلولها ليست سهلة ولكن التفكير طويل المدى لا بد أن يبدأ من التعليم العام الحديث المتقدم المتاح للجميع حتى نستطيع أن ننافس عالميًا مع تعداد مصر الكبير والذى يتزايد يومًا بعد يوم. الثقافة والفن المصرى لا بد أن يعودا إلى مكانتهما والمصريون عندهم القدرة على أن يسودوا بالتعليم والثقافة والفن هذه المنطقة كما كانوا سابقًا.
إنه لشىء محزن ومُبكٍ ألا يوجد فيلم روائى واحد يصلح للمشاركة فى مهرجان القاهرة السينمائى ولا مهرجان الجونة ولا مهرجان الإسكندرية. السينما المصرية التى كانت ثالث دولة فى العالم إنتاجاً للأفلام فى الأربعينيات من القرن الماضى لا تستطيع الحصول على جائزة فى أى من المهرجانات العربية.
دعنا نفكر شعبًا وحكومة فى حلول حقيقية، وكيف نشجع السينما والمسرح ونضع حلولًا لمشاكلهم الاقتصادية ونخفف عبء الرقابة ونترك الفنانين والكتاب والمخرجين يقدمون أعمالهم بحرية. التدخل فى الفنون يحبطها ويجهض أحلام مصر فى الريادة.
دعنا نلتفت بجدية إلى إصلاح التعليم العام الحكومى لنلحق بالدول المجاورة وليس أوروبا كما كان هدفنا فى أوائل القرن العشرين. مصر كان لها إمكانيات ضخمة وموروث ثقافى كبير يجب أن ننميه ونرفعه ونشجعه حتى نعود إلى مكانتنا الطبيعية التى تنازلنا عنها بأنفسنا، بقصر نظر شديد وبدون وعى على مخاطر ذلك.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك

خالد منتصر - مل مصر فى زراعة الأعضاء - جريدة الوطن - 11/2019 /25

ظلت مصر تعانى وتكافح وتناضل ربع قرن حتى صدر القانون المنظم لزراعة الأعضاء، وأظنها ستظل ربع قرن آخر حتى تفعّل هذا القانون!
حتى هذه اللحظة القانون فى الأدراج، يغط فى نوم عميق، وما زال البعض يريد اختراع العجلة، ويعيد الجدل العقيم المقيت السقيم حول زرع الأعضاء وتعريف معنى الموت، ونقطة ومن أول السطر وتتكرر نفس نغمات الأسطوانة المشروخة، حالة متردية من التوهان العقلى أو ما أطلق عليه يوسف إدريس «التولة الاجتماعية»، هواية اللت والعجن والحكى فى المحكى، لكن اللت والعجن والتراخى فى تلك القضية ليس طق حنك ولكنه يكلفنا كل يوم أرواحاً، هناك جرائم قتل تحدث كل يوم نتيجة حالة اللامبالاة أمام الفزاعة التى يرهبنا بها معارضو زرع الأعضاء من الموتى إكلينيكياً.
وقد وصلنى القول الفصل فى تلك القضية منذ عدة أيام، وهو مجلد من جزأين تحت عنوان «لغز الحياة والموت.. أمل مصر فى زراعة الأعضاء»، للعالم الكبير والطبيب الحكيم أستاذ التخدير د.عبدالمنعم عبيد، ذلك الرجل الذى لا يختلف عليه اثنان فى خبرته وإلمامه بقضايا الصحة فى مصر، الكتاب لم يترك ثغرة إلا وسدها، ولا حجة إلا وقدمها، ولا نقداً إلا وفنده، فى الجزء الأول قدم بانوراما للتقدم المذهل فى عالم زراعة الأعضاء، والقفزات الخيالية التى قفزها العلم فوق الأسوار والموانع وحل بها مشكلات كانت منذ سنوات قليلة من المستحيلات، أما الجزء الثانى فهو قرص الدواء الشافى لعلاج تلك المشكلة المؤرقة، والتى هى عَرض لمرض ثقافى واجتماعى وفكرى قبل أن تكون مشكلة طبية.
استعرض د.عبيد أخلاقيات المهنة ككل ثم أخلاقيات زرع الأعضاء على وجه الخصوص، ووضح أنها ليست «جهجون» أو فوضى، ولكنها بروتوكولات لا تحتمل ولا تسمح بأى فهلوة أو اختراق.
فى فصل آخر تحدث عن تجارة الرقيق التى تتم فى سوق بيع الأعضاء والناتجة عن منع زرع الأعضاء من الموتى إكلينيكياً وليس العكس كما يروج المتدروشون، ويشير إلى أننا أكبر دولة فى حوادث الطرق وأكبر دولة فى عدد من يحتاجون زرع كبد وبرغم ذلك ما زلنا نصر على أن نقف فى المنطقة المظلمة الرافضة لزرع الأعضاء وتشاركنا طالبان! بينما العالم كله يزرع الأعضاء من الموتى إكلينيكياً.
أما أزمة الفكر الدينى الذى تحنط عندنا وتكلس ووقف عند زمن الأخلاط الأربعة وحجامة الدم الفاسد ومدة حمل الأربع سنوات...إلخ، وهو المتسبب فى رعب رجل الشارع والمسئولين أيضاً من إدخال القانون غرفة الإفاقة لتفعيله وبدء كتابة قبول التبرع على رخص القيادة ونشر ثقافة التبرع، ففى الحقيقة لم أجد أروع ولا أكثر إفحاماً من تفنيدات د.عبدالمنعم عبيد لكل تلك الفتاوى الدينية المانعة لهذه المنحة الربانية والعلمية والطبية، والمفضلة لالتهام دود الأرض لجثثنا على إفادة المرضى وإنقاذهم.
شكراً لأستاذنا د.عبدالمنعم عبيد على هذا الجهد الرائع، وأتمنى أن يوضع هذا الكتاب على رفوف كل المكتبات ليعرف الجميع ويتأكد أن الحياة تستحق، وأن العلم هو يد السماء الحانية علينا.

Sunday, November 24, 2019

الشباب فى المجتمعات المعاصرة بقلم الأنبا موسى ٢٤/ ١١/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


الاستهلاك - الأمركة
١- تتحرك البشرية بسرعة كبيرة، من عصر إلى عصر، فمن الزراعة، إلى الصناعة، إلى الذرةّ، إلى الليزر، والهندسة الوراثية، وزراعة الأعضاء، إلى عصر المعلومات الذى يأتى كحصاد جبار، لكل ما أثرى به العلماء البشرية، على مدى تاريخها.
٢- ويقولون إنه إذا كان القرن العشرين هو قرن «تدفق» المعلومات، فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن «سيطرة» المعلومات. ففرق بين أربعينات الحرب العالمية، وبين خمسينات الثورة، وستينات الاشتراكية، وسبعينات الانفتاح، وثمانينات التطرف، وتسعينات الإرهاب، والألفية الثانية والفمتوثانية، وما نقابله اليوم من العولمة وتكنولوجيا العصر. العصر يختلف، وظروف الحياة تتغير، ويجب أن نستوعبها مهما تقدمت بنا الأيام.
٣- وألا نعامل الشباب بظروف وتقاليد جيلنا، بل بما يواجهونه اليوم من ملامح عصر جديد، حيث ثورة الاتصالات، والمعلومات، وأطفال الأنابيب، وحرية الاقتصاد والسياسة والاجتماع، والبث بالأقمار الصناعية، وما يتبعه من غزو ثقافى وقيمى، مختلف تمامًا عما عاشه الآباء فى شبابهم، حيث كانت القيم المصرية، والتقاليد الاجتماعية، والعائلية، تحكم تصرفات الناس، بل تحكم حتى اختيارات الشباب فى تعليمهم، وزواجهم، وأشغالهم، وعلاقاتهم.
٤- لابد إذن من أن يستوعب الكبار معالم العصر، وأن يتعاملوا مع أبنائهم، متفهمين هذه المتغيرات فى: المنزل، والمدرسة، والشارع، ووسائل الإعلام، والتيارات السائدة، فكرياً وسياسياً واجتماعياً.
٥- ومن هنا لابد من مراعاة أنه دائمًا فى فترات نهضة أى مجتمع، نجد الشباب يقوم بدور إيجابى يدفع المجتمع إلى الأمام، لكننا أحيانًا ننظر إلى مجتمعنا- مع تغيرات العصر- فنجد أن أغلبية الشباب فى دور «المتفرج»، على كل ما يحدث، حتى وإن بدا عكس ذلك، فالعديد من الظواهر استجدت بين الشباب وصارت من الكثرة والتشابك بحيث يصعب تحليلها مجتمعة.
٦- ولكننا سنحاول هنا التركيز على بعض الظواهر والتى منها: الاستهلاك، الأمركة، والاغتراب والذاتية.
أولاً: الاستهلاك:
١- منذ السبعينات، ومع بداية سياسة الانفتاح الاقتصادى، بدأ ظهور طبقة من الأثرياء المحدثين، ومعهم بدأ تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج، وأصبح الاستهلاك الترفى ظاهرة بدأت تتفاقم منذ ذلك الحين، حتى تحولت ظاهرة الاستهلاك إلى دوامة سقط فيها المجتمع المصرى بجميع قطاعاته، حتى إن الفرد المصرى تقريبًا ينفق سنويًا على الاستهلاك ما يساوى دخله السنوى، وهى ظاهرة تزداد باستمرار.
٢- وتزداد حدة ظاهرة الاستهلاك بين الشباب، الذى أصبح أحد أساسيات الحياة، ليس فقط الاستهلاك المادى بل تعداه إلى استهلاك كل شىء حتى الآخرين. وخطورة ظاهرة التسلط الاستهلاكى هذه تكمن فى فقدان الإنسان لقيمته، وأصبح الإنسان «شيئًا» يُستهلَك، وسلعة تقيم حسب مظهرها وقيمتها المادية. وأصبحنا نسمع من يقول: «فى جيبك قرش تساوى قرش»!
٣- وبهذا يقوم الاستهلاك بالقضاء على قدرتهم على التمييز بين ما هو ضرورى وما هو غير ضرورى، بين الأساسيات والكماليات، من خلال سطوة إعلانية، تحرص بطرق مدروسة على إنماء الرغبات غير المهمة أو المهدفة.. وتجاهل أى عنصر جاد فى طبيعة البشر حتى هبطت بالبعض إلى مرتبة أدنى.
٤- انتشار الألعاب الإلكترونية، بين الشباب، وما تسمى بلعبة «الحوت الأزرق» وهو فعلاً كالحوت الذى يبتلع الإنسان، وأزرق بلون البحر، وهذه لعبة الكترونية خطيرة، تهدد حياة الإنسان، وغيرها من الألعاب الإلكترونية الأخرى الضارة والمدمرة!! إنها الاستهلاكية التى تسعى فقط للحصول على كل منتج يعلن عنه على شاشة الإنترنت.
ثانيًا: الأمركة (التغريب):
١- أصبحت أمريكا هى حلم عدد كبير من الشباب، الذى صار يحيا إما بهدف السفر والحياة فى أرض الأحلام الأمريكية، أو صار يحيا النموذج الأمريكى داخل مصر. وهذا النموذج الذى اخترق حياتنا حتى النخاع بداية من المنتجات الأمريكية، والسندوتشات، مرورًا بموضات (الملابس، وتسريحات الشعر)! وليست المشكلة فى هذه المظاهر، ولكن تكمن المشكلة فى «القيم التى تكمن خلفها».. والتى نقبلها ضمنًا بقبولنا للمظاهر، والتى لابد أن نتذكر أنها ظهرت هناك فى ظروف وثقافة، تختلف كل الاختلاف عن ظروفنا وثقافتنا وتقاليدنا. وهذه القيم تتسرب إلينا، ونحن فى حالة من الانبهار الساذج، وتصبح مع الوقت جزءًا من تكويننا.
٢- وتنتج هذه القيم من نظرة مناقضة لنظرتنا للحياة والكون والآخر، من نظرة تقوم على الفردية «Individualism» التى قد تكون حققت قفزة كبيرة للبشرية على كل المستويات: علميًا وفكريًا وفلسفيًا، ولكنها أيضًا تعتبر أحد أسباب المأزق الذى وقع فيه الإنسان المعاصر، والذى يمكننا أن نسميه «التمركز حول الأنا» (The me culture)، مما أدى إلى زيادة قيم المتعة الذاتية، والاستهلاك المكلف.
٣- ولا شك أن طاحونة الإعلام الغربية الضخمة، تدور بكل قوتها، فتحدث فيه غزوًا إعلاميًا وثقافيًا منظمًا، يصور للجميع أن نمط الحياة الغربى (المختلف بالأساس عن كل أنماط الحياة فى الدول صانعة الحضارات والتاريخ مثل مصر) هو النمط الأمثل للحياة. وهذا النمط الذى يفرض بمطاعمه وأفلامه ومواقعه الالكترونية، مؤثرًا قويًا على أجيالنا الصاعدة. لذلك يحتاج شبابنا تأصيلاً ثقافياً، ليعوا الحق، ويميزوا بينه وبين الباطل، ويكون لهم القوام المتماسك، والأساس الراسخ، الذى لا يهتز أمام أعاصير التفرنج، والثقافات السطحية!. وهذا كله يحتاج إلى تدقيق وتأصيل شبابنا فى كل ما هو إيجابى، وتحذيره من كل ما هو سلبى. (وللحديث بقية).

خالد منتصر - شهريار الصياد وشهرزاد الإغواء وفتاوى الحلوى والذباب - جريدة الوطن - 11/2019 /23

سارع مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، بعد أن أحس بالخطر الداهم على المجتمع المصرى من ظاهرة خلع بعض الفنانات للحجاب، وخوفاً من أن تقلدهن بنات مصر، سارع بإصدار فتوى أن الحجاب فرض ولا يقبل الخوض فيه، وكرّر التأكيد والتهديد والوعيد لكل من ستُسول له نفسه بالتشكيك فى هذا الأمر، حتى ظننته الركن السادس الذى بُنى عليه الإسلام، وبالطبع لن أتجرأ وأناقش فرضية الحجاب بعد تلك العين الحمراء، التى ظهرت وأطلت على شخصى الضعيف من بين سطور الفتوى، وإيثاراً للسلامة، وحتى لا يوضع السيخ المحمى فى صرصور أذنى الضعيف، فإننى سأناقش النظرة التى نظر بها مركز الأزهر المحترم إلى المرأة وضبط عليها الفتوى، والمفهوم الذى يقف ويدعم هذا الإصرار الرهيب على الدفاع عن تلك الطرحة وذلك القماش والموت ذوداً عن حياضه المقدسة، أنقل لكم تلك العبارات من الفتوى، لفهم فلسفتها الكامنة، تقول الفتوى فى تبريرها للحجاب:
«الله قد أودع فى المرأة جاذبية دافعة وكافية لِلَفت نظر الرجال إليها؛ لذلك فالأليق بتكوينها الجذاب هذا أن تستر مفاتنها؛ كى لا تُعاملَ على اعتبار أنها جسدٌ أو شهوةٌ».. وتؤكد الفتوى أن «الطبيعة تدعو الأنثى أن تتمنّع على الذكر، وأن تقيم بينه وبينها أكثرَ من حجاب ساتر، حتى تظل دائماً مطلوبةً عنده، ويظل هو يبحث عنها، ويسلك السبل المشروعة للوصول إليها؛ فإذا وصل إليها بعد شوق ومعاناة عن طريق الزواج، كانت عزيزة عليه، كريمة عنده، ومما سبق يتبين أن الذى فرضه الإسلام على المرأة، من ارتداء هذا الزى الذى تستر به مفاتنها عن الرجال، لم يكن إلا ليُحافظ به على فطرتها».
انتهى الاقتباس، وبكل هدوء أقول إننى أرفض تلك النظرة الدونية إلى المرأة المنطلقة من مثال السلفيين الشهير، المرأة قطعة الحلوى التى لا بد من تغليفها حتى لا يتجمّع حولها الذباب!!، فالمرأة ليست جماداً أو قطعة حلوى والرجل ليس ذبابة، والمفروض أن ينفى عن نفسه تلك الصفة القبيحة المهينة، فهو ليس ذئباً مفترساً هائجاً فاقد الأهلية، الكلام عن الذكر الذى لا بد للمرأة أن تتمنّع عليه حتى تحلو فى عينيه وتُلهب أحاسيسه، فيُهرول للزواج منها، هو كلام مهين للمرأة والرجل على السواء، ومفهوم سقيم، المفروض أن الدول المتحضّرة قد تجاوزته، مفهوم شهريار الصياد، وشهرزاد الإغوائية!!!، نحن لا نحكى عن أنثى، لكن عن إنسانة أولاً، إنسانة لها حريتها وشخصيتها وكيانها، نحن لا نتحدث عن فتاة هوى تتفنّن فى إرضاء الزبائن!!، نحن لا نتحدث عن حياة المرأة بصفتها شريطاً مسلسلاً من محاولات اصطياد العرسان المزمنة، هى زيها زيك أيها الرجل، وطظ فى الزواج ألف مرة إذا أتى بتلك الطريقة الوضيعة من الإغواء والإغراء والتمنع والتدلع.. إلخ لإيقاع الغضنفر الفحل فى الفخ!!!
المرأة ليست المعلمة توحة، التى تدير بيتاً لتجارة المتعة وتلعب بالعين والحاجب، البنت كيان إنسانى متكامل مثل الولد، ومحاولة تكفينها حية، لأن مزاجنا الذكورى كده، محاولة اغتيال فاشلة، لا بد أن نكف كمجتمع عن تخيّل المرأة كفتاة بورنو فى عقولنا المريضة، وليس بالضرورة أن نعالج ونستأصل أورام كبتنا بمشرط ذبح المرأة.

Saturday, November 23, 2019

د. وسيم السيسى يكتب: ثلاث دعوات فى أسبوع واحد! ٢٣/ ١١/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


بدعوة كريمة من السيدة ليا بطرس بطرس غالى، والسيد ممدوح عباس للمشاركة فى الاحتفالية السنوية لمؤسسة كيمت للسلام والمعرفة بمقر النادى الدبلوماسى، تبارى الكل فى ذكر وطنية وشجاعة بطرس بطرس غالى، وكيف فقد منصبه كأمين عام للأمم المتحدة لأنه أصر على فضح إسرائيل فى مذبحة قانا، وبالرغم من تصويت ١٤ دولة فى صالحه، إلا أن أمريكا بالفيتو أسقطته، حدثنا ابن عبدالمنعم رياض كيف أن مصر لم تعطه حقه، وكان يقصد أنه لم يعين وزيراً للخارجية! وكانت كلمة عمرو موسى فى الفيلم الذى عرض عن بطرس بطرس غالى أنه تتلمذ على يديه، ولولا ما قاله بطرس غالى عنه، لم أصبح وزيراً للخارجية!. يوم الأحد الماضى كنت فى المنيا بدعوة من رئيس الجامعة أ.د. مصطفى عبدالنبى، لإلقاء محاضرة على ١٥٠٠ طالب، ما هذا الجمال والنظام والفن، عرفت أن متحف الجامعة هو الثانى على متاحف العالم الجامعية، قصصت عليهم سفرى إلى روما وباريس ولندن، مبعوثاً من قبل وزارة الثقافة لشرح قضية تمثال شامبليون واضعاً قدمه على رأس أحد ملوك مصر القديمة، وكيف أننى طلبت من أ.د. محمد زينهم أستاذ الفنون التطبيقية عمل تمثال لشامبليون وافقاً، وواضعا يده على حجر رشيد، وبأصبع اليد الأخرى يقول لبارتولدى «المثال الذى نحت تمثال شامبليون والموضوع فى مدخل الكولج دى فرانس فى السوربون فى باريس: كيف تصورنى بهذا الشكل، وأنا القائل:
يتداعى الخيال، ويسقط بلا حراك، تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة!
طلب منى رئيس جامعة المنيا وعميد كلية الفنون الجميلة أ. د. أحمد صقر إرسال هذا التمثال، ونضع بجواره صورة عملاقة لتمثال العار فى باريس، ونذكر قصة الخديو إسماعيل والمثال بارتولدى، وكيف رفض الخديو شراء تمثال الحرية «موجود الآن فى نيويورك»، فما كان من فردريك بارتولدى إلا أن نحت تمثال العار هذا نكاية فى الخديو! قريباً ستقام احتفالية كبرى فى المنيا لرد اعتبار أحد ملوك مصر فى وجود أ.د. محمد زينهم، وكل المسؤولين، وبعض السفراء الأجانب، الشكر الجزيل لرئيس جامعة المنيا وكل الأساتذة فى جامعة عروس الصعيد، خصوصاً الفنان الجميل أ.د. أحمد صقر. اكتمل هذا الأسبوع الجميل بدعوة من رئيس أكاديمية الشرطة اللواء أحمد إبراهيم، مساعد السيد وزير الداخلية لإلقاء محاضرة عن الدولة ،وأذكر فى محاضرة سابقة أنه أهدانى مفتاحا ذهبيا كبيرا عليه الخمسة أقسام فى الأكاديمية، قائلاً: هذا مفتاح الأكاديمية، تأتى وتزورنا ومعك المفتاح فى أى وقت تشاء! هنا بيتك، وهذا صحيح فدائماً أكون معهم فى محاضرات كثيرة. قلت لهم إن الدولة: إقليم+ شعب+ حكومة، وإن خصائص الدولة: السيادة+ الهيمنة+ الشرعية وإن نشأة الدولة: إلهية كالفاتيكان أو القوة أو العقد الاجتماعى، وإن صفات الإقليم: حدود أرضية+ حدود مائية+ ماء تحت الأرض وفوقها، كما شرحت لهم الفرق بين الفيدرالى والكونفدرالى «ثلاثة فروق» وأن وظيفة الدولة: أساسية+ خدمية+ حضارية.
وشرحت الفرق بين الدولة والحكومة: الدولة دائمة وليست مؤقتة، أكثر اتساعاً، حياد سياسى للدولة، حزبى للحكومة، وأن أسباب قوة الدولة المصرية: جينات واحدة+ هوية واحدة+ حضارة نهرية، كما شرحت الدولة العميقة: وقد تكون إيجابية «٣٠/٦» أو سلبية «٢٥/١»، أما مصطلح الدولة المدنية، فقد جاء من وثيقة المدينة المنورة! لأنه كان بها يهود، ومسيحون، ومسلمون: لا شأن لى بدينك، ولكن لى شأن معك إذا اعتديت على غيرك، الدولة المدنية هى دولة ليست دينية ولا عسكرية ولا حزبية، كان هذا ملخصاً لكلمتى فى أكاديمية الشرطة وكان الحضور حوالى ألف وخمسمائة، كما تحدث أيضاً رجل الدين المستنير الشيخ أسامة الأزهرى، والفنان الجميل محمد صبحى، فكانت سيمفونية رائعة، فالشكر الجزيل لرئيس الأكاديمية وكل من يعملون معه.

خالد منتصر - إيجابيات تنويرية وطاقات إيجابية - جريدة الوطن - 11/2019 /22

المفروض أن يصيب الإحباط كاتباً مثلى لا يمر يوم عليه إلا بتقديم بلاغ فيه أو برفع قضية عليه أو إرسال تهديد أو كيل سباب وشتائم وسفالات.. إلخ، لكنى أعتبر أن كل هذه الهموم هى فاتورة بسيطة أدفعها أنا وغيرى من أجل قضية تنوير لخصها الفيلسوف كانط منذ قرون بقوله «كن جريئاً فى استخدام عقلك»، واستخدام العقل بدلاً من الخرافات والأساطير هو ثمن صعب وجهد مرعب ومواجهة منهكة لكل من تعود على الكسل الفكرى والإجابات الجاهزة، لكن ما يطمئن أى كاتب اختار تلك المعركة هو أن هناك نقاط ضوء تظهر فى النفق المعتم، هناك إيجابيات تنويرية، هناك أرض يكسبها العقل، يكسبها ببطء لكنه يكسبها، الحراك قد بدأ، أعترف بأن مساحة الخرافة والتغييب أكثر، لكن عجلة التنوير قد بدأت فى الدوران، والعصا حتى ولو ضعيفة قد وضعت فى عجلة وتروس الفكر الفاشى الدينى، هناك طاقات إيجابية تبث فى هذا الجو الخانق بصراخ الفاشية الدينية، لذلك نرجو عدم اليأس، هناك بنت طالبة جميلة ترأس اتحاد كلية دار العلوم التى فى فترة معينة كنا نحسبها دائماً كلية تصدر للمجتمع فكراً متحفظاً تقليدياً متصادماً غير متسامح مع الآخر، بل اعتبرها البعض قلعة من قلاع الإخوان، ها هى بنت غير محجبة تقود اتحاد الطلبة هناك وتجد عميداً يحييها بعد الفوز ويحتفى بها ويفخر بأنها بنت استطاعت أن تترك بصمة فى مجتمع بات يعتبر تاء التأنيث عورة وخطراً ويتعامل معها بعدوانية وكراهية، وهناك تاء تأنيث أخرى تم اختيارها فى أرقى مناصب الأمم المتحدة وهى د. غادة والى، وهذه نافذة إيجابية أخرى نطل منها، هناك استجابة قناة «المحور» لنداءات تيار الاستنارة المصرى بمنع داعية متطرف من الظهور على شاشتها، هناك فنانات واجهن المزاج السلفى للمجتمع الذى أراد نشب مخالبه فى أرواحهن، خلعن الحجاب الذى يعتبره الإخوان رايتهم السياسية، واجهوا الهجوم البشع المنحط الوضيع، حقاً منهن من بكت وخافت، لكن الحصيلة النهائية هى مواجهة موجة الهجوم البشع واستكمال الطريق الذى اختاروه بإرادة وحرية، هناك معارك فكرية على الأرض مع أصنام كنا قد ظنناها راسخة رسوخ الجبال، ها قد بدأت تلك الأصنام تترنح وتتهاوى ويحدث ضدها نقد وكوميكس، يعريها الشباب الذى كان لا يدرك خطورتها، يعريها ويفضحها بضغطة زر كيبورد فى شبكة عنكبوتية لا ترحم، لم يعد هناك ما يسمى المسكوت عنه، أو ما يطلق عليه الستر الفكرى، لن نكنس تراب التخلف والجهل تحت السجادة، لن نصمت خوفاً من تلويث السمعة أو الاغتيالات المعنوية، فمعركة التنوير الأوروبية دفع فيها المفكرون هناك أرواحهم، ومصر فجر الضمير ومهد العلم تستحق ذلك وأكثر.

Friday, November 22, 2019

خالد منتصر - هذه أصنامكم وهذه فأسى - جريدة الوطن - 11/2019 /21

«إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ»، كان هذا هو سؤال الصبى النبى إبراهيم لقومه، وتلك كانت الإجابة، سؤاله يحمل ألق الدهشة، وإجابتهم تحمل كسل العادة، طعم سؤاله ببكارة وطزاجة الكشف، وطعم إجابتهم بملح وصدأ الألفة، جسارة السؤال جعلته يحمل فأسه ويحطم الأصنام «وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ»، لم يكتف بالكسر بل فتتهم إلى جذاذ، بالرغم من تشدد قوم إبراهيم وتصلبهم، وبالرغم من النار التى جعلها الله برداً وسلاماً عليه، وبالرغم من الحرب والمطاردة والاضطهاد، بالرغم من كل تلك الصعاب والمخاطر الجسيمة، فإن مهمة النبى إبراهيم فى تحطيم أصنام الأمس كانت أسهل من مهمة من يفكر فى تحطيم أصنام اليوم، فالأصنام صارت أضخم وأفخم وأرسخ، والفأس الذى كان يستطيع تحطيم الفخار والصلصال لم يعد يصلح لتحطيم الصلب والفولاذ، الأصنام صارت تصنعها مؤسسات وتحرسها مافيات وتذبح لها القرابين من البشر المليارات وتصرف عليها من الأموال التريليونات!، لذلك فمعركة تحطيم الأصنام أصبحت تحتاج بداية إلى جسارة السؤال وتغيير الأسلحة وتوسعة الجبهة، والبداية شجاعة السؤال، والاحتفاظ بخيال الطفل إبراهيم، حقاً تم إنقاذه من النار بفضل الرب، لكن من لم يبعث لهم الرب البرد والسلام وسجنوا وعذبوا مثل جاليليو أو تفحمت جثثهم فى مسيرة التنوير مثل القس «برونو» وغيره، لم يموتوا هباء، وكان رماد جسدهم المتفحم شمعة ضوء ونور كسرت ظلام النفق المعتم وفضحت جلافة وسفالة وغلظة حس الظلاميين، النور قادم لا محالة، هذا هو ما يخبرنا به التاريخ، ويطمئننا به الزمن، ويحنو علينا به العلم الذى يمدنا بالنعم من أياديه البيضاء كل يوم، لكن لكى يعبر خيط النور من ثقب الحائط علينا أولاً تحطيم الأصنام التى تحجب عنا الشمس، تحطيمها بفأس الدهشة الحارقة المتحرقة والسؤال المزمن الدائم الذى لا يهدأ عن إثارة الإزعاج والاستفزاز، ما أكتبه محاولة متواضعة لتكسير أصنام كثيرة راسخة فى أذهان المسلمين، تلك الأصنام التى جعلتهم أبرز الذين فى خصام مع العالم والحضارة والحداثة، جعلت الجميع يتشكك أول ما يتشكك عند حدوث جريمة إرهابية فى أسماء مثل محمد أو محمود أو عبدالرحمن، الأصنام التى جعلت معظم مهاجرينا لديهم رهاب الاندماج، حتى أجيالهم الثانية يكبرون بنفس الفوبيا والرفض والعزلة، ينمون بنفس جين الكراهية لمجتمعات علمتهم ومنحتهم الأمان والتأمين الصحى، واستقبلت قواربهم التى غرق نصف ركابها وهم يحلمون بالشاطئ الآخر، كيف لمن حلم بالوصول إلى هذا الشط أن يستيقظ صباحاً ليحرق عشبه وقمحه ونخيله؟ ألف سؤال وسؤال لن تبدأ رحلة الإجابة عليها ثم حل ألغازها إلا بتحطيم تلك الأصنام، هى أصنام عدم فهم نتاج جهل، أو فهم مغلوط عن حسن نية أو نتيجة غسيل أدمغة وتزييف وعى لبعض الجماهير، أو فهم مغلوط عمداً وقصداً من الدعاة ورجال الدين للاحتفاظ بالسلطة والثروة والتأثير.
من مقدمة كتاب «هذه أصنامكم وهذه فأسى».

Wednesday, November 20, 2019

خالد منتصر - النباتيون أقل تعرضاً لألزهايمر - جريدة الوطن - 11/2019 /20

وجدت دراسة جديدة أن اتباع نظام غذائى غنى بالأطعمة النباتية وقليل المنتجات الحيوانية، خلال منتصف العمر، يخفض من خطر الإصابة بتدهور الإدراك بشكل كبير فى وقت لاحق من الحياة.
وفقاً لآخر التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة، يوجد حالياً 137 مليون شخص تزيد أعمارهم على 80 عاماً فى جميع أنحاء العالم. يتوقع الخبراء أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بحلول عام 2050، ليصل إلى 425 مليوناً. وبالتالى فعدد الأشخاص الذين يعانون من مرض ألزهايمر وغيره من أشكال الخرف فى ارتفاع أيضاً.
وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فى الولايات المتحدة وحدها، هناك حالياً 5 ملايين من البالغين الموثوق بهم الذين يعيشون مع مرض ألزهايمر. من المحتمل أن يتضاعف هذا الرقم أيضاً خلال العقود القليلة القادمة، ومع استمرار تقدم السكان فى العمر، أصبح من المهم بشكل متزايد أن تكون قادراً على تحديد عوامل الخطر القابلة للتعديل لحالات مثل مرض ألزهايمر، وأيضاً على تغيير نمط الحياة.
البحث الجديد يشير إلى التغذية كأحد هذه العوامل، حيث تشير الدراسة الجديدة إلى أن تناول نظام غذائى غنى بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة وقليلة المنتجات الحيوانية مثل اللحوم والألبان يقلل من خطر التدهور المعرفى فى الحياة اللاحقة.
الباحث الرئيسى فى الدراسة هو «كوه وون بواى»، أستاذ فى كلية «ساو سوى هوك» للصحة العامة وكلية الطب فى «ديوك-إن يو إس» بجامعة سنغافورة الوطنية (NUS).، ظهرت نتائج الفريق فى مجلة American Journal of Clinical NutritionTrusted Source.
فحص البروفيسور بواى وزملاؤه البيانات المتوافرة من دراسة الصحة الصينية فى سنغافورة، وهى دراسة جماعية تضم 63257 صينياً يعيشون فى سنغافورة، كجزء من هذه الدراسة الأولية، قدم الكبار الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و74 عاماً معلومات خلال المقابلات الشخصية التى تناولوها «نظامهم الغذائى المعتاد وتدخين السجائر واستهلاك الكحول والنشاط البدنى ومدة النوم والطول والوزن والتاريخ الطبى».
حدث هذا فى المدة ما بين أبريل 1993 وديسمبر 1998، أجرى الباحثون مقابلات مع المشاركين مرة أخرى خلال ثلاث زيارات متابعة، حتى عام 2016.
بالنسبة للدراسة الجديدة، استخدم البروفيسور بواى وزملاؤه هذه البيانات لاختيار معلومات عن 16948 شخصاً، لم يكمل هؤلاء المشاركون سوى تقييم الوظائف المعرفية خلال زيارتهم الثالثة للمتابعة، فى الفترة 2014-2016.
لتقييم عادات الأكل لدى المشاركين، استخدم الباحثون خمسة أنماط غذائية تعتمد كلها على النبات، مثل: «حمية البحر الأبيض المتوسط البديلة»، والتى هى نسخة معدلة من حمية البحر الأبيض المتوسط النموذجية، وحمية غذائية لوقف ارتفاع ضغط الدم (داش)، وحمية مؤشر الأكل الصحى البديل، ومؤشر النظام الغذائى القائم على النبات، ومؤشر النظام الغذائى القائم على النباتات الصحية.. كل هذه الوجبات متشابهة فى تأكيدها على الأطعمة النباتية، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين التزموا بشدة بالأنماط الغذائية الخمسة الموضحة أعلاه خلال منتصف العمر كانوا أقل عرضة للإصابة بالإعاقة المعرفية، على وجه التحديد، فإن أولئك الذين اعتبر الباحثون أن وجباتهم الغذائية أكثر تشابهاً (فى أعلى 25٪) لتلك الأنماط الغذائية الخمسة كانوا أقل عرضة للإصابة بضعف إدراكى بنسبة 18-33٪ من أولئك الذين يعانون من حميات أقل مماثلة (أقل من 25٪).
يعلق البروفيسور بواى:
«تشير دراستنا إلى أن الحفاظ على نمط غذائى [صحى] مهم للوقاية من بداية الضعف الإدراكى وتأخيره».
ويضيف قائلاً: «مثل هذا النمط، لا يتعلق بتقييد عنصر واحد من المواد الغذائية، بل يتعلق بتكوين نمط عام يوصى بتقليص اللحوم الحمراء، خاصة إذا تمت معالجتها، والإكثار من الأطعمة النباتية (الخضراوات والفواكه والمكسرات والفاصوليا والحبوب الكاملة) والسمك».

Tuesday, November 19, 2019

تطوير ميدان التحرير ومصر الجديدة: أين رأى الناس؟ بقلم د. محمد أبوالغار ١٩/ ١١/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

أين رأى الناس؟
صرح وزير المالية بمناسبة التقدم بباقة من القوانين الضرائبية إلى مجلس النواب بأن الحوار المجتمعى أمر مهم ولن يتم الموافقة على قوانين جديدة قبل إجراء الحوار مع الشعب وأخذ رأيه، وهذا أمر جيد أرجو أن يكون حقيقة يتم تطبيقها وليس فقط «طق حنك». أقول هذا لأننى أرى أمامى مشروعين كبيرين أحدهما إعادة تخطيط ميدان التحرير، والآخر تغييرات واسعة فى حى مصر الجديدة، ويجرى العمل فيهما كما نرى على قدم وساق بدون أخذ رأى مخلوق واحد.
أولًا: لا أحد يعلم شيئًا عن هذين المشروعين، وما هو تصميم ميدان التحرير النهائى، وهل هذا التصميم سوف يحبه المصريون، الأصحاب الأصليون للميدان. لم يؤخذ رأى أحد، لم يحدث حوار على شكل المشروع فى الصحف، لم تدر حلقة حوار حول تطوير الميدان، لم نعرف ما اسم المكتب الهندسى المتميز الذى صمم التطوير. لم تقم مسابقة فنية يتقدم فيها الجميع بمشروعاتهم، ولم يتم اختيار لجنة على مستوى عال لانتقاء أفضل المشروعات.
ثانيًا: كيف يتم هذا التطوير فى أهم ميدان فى الشرق الأوسط فى غيبة عن الناس الذين يمرون فيه يوميًا والذى يعتبر الملايين أنه رمز مهم؟ كيف يتم ذلك بدون سماع رأى المعماريين المصريين الذين يساهمون فى تخطيط العواصم والميادين العربية ولا يتم أخذ رأيهم فى ذلك فى مصر؟
ثالثًا: قرأنا أن مسلة مصرية سوف تقام فى ميدان التحرير، وهى فكرة جيدة، ولكن ما هذه المسلة؟ وما شكلها ووضعها وحجمها؟ وأين هى الآن؟ هل سيتم نقل المسلة التى وضعت أمام القصر الجمهورى الجديد فى العلمين إلى ميدان التحرير؟ أم أن هناك مسلة أخرى؟
.. أعتقد أن من واجب وزارة الآثار أن تقدم للشعب صاحب المسلة وصاحب الميدان معلومات عن المسلة وتاريخها وطريقة ترميمها قبل النقل، وطريقة نقلها. شاهدنا أفلامًا ووثائق وصورًا عن نقل المسلات المصرية العظيمة إلى أوروبا وأمريكا وكيف تم الاحتفاء بها منذ أكثر من قرن، ونحن لا نعلم شيئًا عن المسلة التى سوف تنقل للتحرير.
رابعًا: حى مصر الجديدة هو حى كان جميلًا ورائعًا بنى بتخطيط بلجيكى بشركة البارون إمبان وحافظ على شكله وشوارعه ومبانيه لعشرات السنوات، حتى بدأت المهزلة الحضارية التى أصابت مصر العقود الأخيرة، فبدأ تدمير الحى بواسطة بعض المقاولين وبمساعدة أجهزة الحكم المحلى المشكوك فى ذمتها.
خامسًا: الأمر الآن لم يصبح بسبب المقاولين، وإنما الحكومة المصرية هى التى تقوم بتغييرات هائلة فى الشوارع والمترو وهدمت المبانى ونزعت الأشجار، وتم الاعتداء على كل ما هو أخضر دون خطة واضحة ورسومات دقيقة تبين الوجه الجديد لمصر الجديدة. وبعد إلغاء المترو ترك الأمر سداح مداح للميكروباصات، واضطر راكبو المترو إلى ركوب سياراتهم فازدحمت الطرق.
سادسًا: هناك مدن جديدة تم بناؤها، والبعض مازال يجرى بناؤه فى القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية. وبالرغم من المجهود المبذول فى بناء الكمباوندز فى أكتوبر وزايد والقاهرة الجديدة وغيرها فإن هذه المجتمعات المحاطة بالأسوار بالرغم من فخامة القصور والفيلات فيها وكميات الجرانيت والرخام والسيراميك، إلا أن عمارة واحدة فى القاهرة الخديوية أجمل وأرقى وأوفر وأسهل فى الصيانة من فيلا حديثة ضخمة. لا بد من عمل دراسة دقيقة لمستقبل المدن الجديدة والكمباوندز الضخمة مع تطور الحياة والاقتصاد فى مصر فى العقود القادمة ومدى إمكانية الحفاظ على مظهرها، وتكلفة صيانتها المستقبلية. هذه المدن تشبه إلى حد كبير المبانى والأحياء فى بعض دول الخليج، مصر مختلفة تاريخياً وجغرافياً، وبها آثار وفنون معمارية متراكمة عبر خبرات مئات السنوات، ولا بد أن نحتفظ بطابع مصر ونطوره. انظروا إلى مبنى الجامعة الأمريكية فى ميدان التحرير والذى كان مقرًا مؤقتًا لجامعة القاهرة بعد إنشائها. انظروا إلى التصميم الخارجى والداخلى والحدائق الداخلية وتصميم القاعات لتعرفوا كيف تدهور بنا الحال بعد أكثر من مائة عام.
سابعًا: سكان مصر الجديدة غاضبون وعندهم حزن شديد على ما حدث لحيهم الجميل. تساءلوا كثيرًا ولا من مجيب! انظروا إلى الفارق بين مصر الجديدة ومدينة نصر لتعرفوا الفرق بين التخطيط الجمالى الفنى المدروس بذوق وبحس حضارى وبين خرسانات مدينة نصر القبيحة التى بنيت فى عصر مختلف وبفكر مختلف وبذوق مختلف، وأصبحت بعد جيل واحد متهالكة. الجمال ليس فى الضخامة وليس فى صرف أموال طائلة بأشياء مكلفة ولكنها قبيحة ولن تعيش وسوف تندثر وتصير أطلالًا لصعوبة الحفاظ عليها.
ثامنًا: الحكومة المصرية عليها الآن وفورًا أن تعلن التصميم النهائى لميدان التحرير ومصر الجديدة وتشرك الشعب أصحاب المصلحة والذين يستخدمون هذه الأماكن ويعيشون فيها وتشرك كبار المعماريين المصريين فى الرأى حتى يمكن إعادة تخطيط ما يرونه خطأً أو ضد الذوق العام أو يعوق المرور والحركة. على أن تعلن التكلفة كاملة لهذه المشروعات حتى يعرف الشعب هل كان صرف هذه الاموال فى مكانه.
تاسعًا: وأخيرًا أرجو أن نقوم بعمل دراسات جدوى مستفيضة وحوار مجتمعى واسع قبل عمل أى مشروع يخص حياة الناس حتى يحدث نوع من الرضا والارتياح. الراحة النفسية أمر مهم يخرج المصريين من حالة القلق ويساعد على الاستقرار ويرفع القدرة على العمل والإنجاز ويحسن الاقتصاد. لا أعرف من المسؤول عن هذا التطوير، هل هو محافظة القاهرة ومحافظها، أم وزارة الإسكان، أم مجلس الوزراء أم جهة أخرى، حتى نتقدم إليها طالبين الحوار لمصلحة الوطن وتقدمه.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك


خالد منتصر - هل الجمال جريمة؟ - جريدة الوطن - 11/2019 /18

«اقتراف جمال مع سبق الإصرار والترصد، حيازة حسن ووسامة وجاذبية».. تلك هى جريمة الفنانة صابرين حين خلعت الحجاب أو ما يسمى حجاباً أو «تربون» أو «بونيه».... إلخ، نشرت صابرين صورة عادية جداً ليس فيها أى عرى وبدون ماكياج صارخ، صورة فى منتهى البساطة والرقى، تحمل عطر بهجتها القديمة وابتسامتها الحقيقية الساحرة التى كانت قد دفنتها فى أدراج النسيان منذ مسلسل «أم كلثوم»، كل الفرق هو أن شعرها ظاهر فى الصورة.
«ياويلتاه، واإسلاماه».. هكذا خرج السلفيون، أو بالأصح أصحاب المزاج السلفى من المصريين الذين صاروا ذوى الصوت الأعلى، خرجوا فى مظاهرات تويترية وفيسبوكية ليذبحوا صابرين، وانهالت الشتائم والسفالات المنحطة والوضيعة ممن تمتلئ وتكتظ صفحاتهم بالأدعية والأذكار وترصع بوستاتهم وتويتاتهم صور بكائهم أمام الكعبة فى الحج والعمرة، كل هذه الغزوات الإنترنتية من أجل خصلات الشعر التى ظهرت على جبين صابرين. فعلوها من قبل مع الفنانة حلا شيحة وها هى نبرة الهجوم الفاشى البشع تزداد حدتها مع صابرين، لكن لماذا ازدادت الهستيريا السلفية هذه المرة مع خلع صابرين للحجاب؟ هل بالفعل هم يقدسون قطعة القماش تلك إلى هذه الدرجة؟ أم أن صورة صابرين ضربت صنماً ظلوا يشيدونه ويحافظون عليه ويرسخونه عشرات السنين، وفى الصميم؟
السبب ببساطة أن الخدعة التى كانت تستعملها الجماعات الإسلامية طيلة تلك السنوات تحت شعار «أنت الأجمل مع الحجاب»، سقطت وتبخرت مع رؤية صورة صابرين التى ذهل الناس من سطوع جمالها ونور ملامحها وشبابها الذى استعادته بتلك الطلة أو النيولوك، لم يعد نافعاً ومجدياً أسلوبهم مع بنات الثانوى والجامعة أو حتى الإعدادى، أسلوب طرح عبارات من قبيل «شكلك يجنن فى الحجاب»، أو «وشك نور».... إلخ، الحقيقة التى ظهرت مع صابرين كانت عكس تلك المقولات تماماً، وهذا هو الخطر الذى استشعره السلفيون والإخوان ومعظم من تسلل المزاج السلفى والمود الوهابى إلى نخاع نخاعهم، فمسألة الفرضية الدينية للحجاب التى تسلل منها وبها الإخوان إلى عقول بنات الجامعة فى السبعينات والثمانينات والتى كانت على رأس أولوياتهم كما قال عصام العريان فى أحد لقاءاته التليفزيونية، تلك المسألة طالها الجدل والتشكيك لدرجة أن دار الإفتاء أصدرت فتوى عجيبة أخيرة تقول إن الحجاب ولو أنه غير مذكور صراحة فى القرآن إلا أنه فرض!
وبدأت بنات كثيرات فى طرح سؤال مؤرق على أنفسهن، هل معقول أن تهتم السماء بخصلات شعرنا إلى هذه الدرجة؟!، هل خالق مئات المليارات من المجرات سيدخلنا جهنم من أجل تلك الخصلات والشعيرات؟!
لذلك لم يكن الإقناع الدينى كافياً أمام هذا المنطق، فبدأت اللعبة البديلة وهى مداعبة غريزة الاستحسان الاجتماعى والرغبة الطبيعية الفطرية فى التجمل، بإقناعهن بأن الحجاب يزيدهن جمالاً، هبطت صورة صابرين فجأة لتضرب كرسياً فى كلوب تلك المقولة، والذى زاد من غيظ السلفيين وأجج نار غضبهم، هو أن صورة صابرين الجميلة المشرقة المبهجة ليست بالبكينى وليس فيها أى نوع من الإغراء أو الإغواء إلا للمرضى النفسيين الذين يهتاجون من خصلة شعر أو أرنبة أنف!!
هم لم يجدوا ثغرة ينفذون منها ليبدأوا الصراخ «إباحية، ديوثية... إلخ».
بدأت البنات تعرف وتتأكد أن الجمال ليس عيباً ولا عورة ولا جريمة، الجمال ليس مرادفاً أبداً للشهوة والفجور والقباحة وقلة الأدب والدعارة، الجمال مدعاة فخر ومصدر ثقة ومنحة سلام نفسى للمرأة، وكبته هو المرض وليس إعلانه، فالفراشات لا تخفى أجنحتها الملونة لأن ذكور القبيلة لديهم مرض الهياج الهستيرى و«الألوانوفوبيا».
إذا كنتم تعانون من فوبيا الجمال فلا تُخرجوا عُقدكم وكبتكم على المرأة، بل ببساطة اذهبوا لأقرب طبيب نفسى وهو الوحيد الذى لديه علاجكم.

Saturday, November 16, 2019

خالد منتصر - عدم النوم العميق يخصم من حياتك - جريدة الوطن - 11/2019 /16

توحى دراسة جديدة بأن المراحل العميقة من النوم قد تمنح الدماغ فرصة لغسل المخ وتنظيفه من المواد السامة المحتملة.
وجد الباحثون أنه خلال النوم العميق، يبدو أن نشاط «الخلايا البطيئة» للخلايا العصبية يفسح المجال لسائل العمود الفقرى الدماغى لينتقل إلى داخل وخارج المخ بطريقة إيقاعية، وهى عملية يُعتقد أنها تغسل نواتج الأيض.
وقالت الباحثة لورا لويس، أستاذة مساعدة فى الهندسة الطبية الحيوية بجامعة بوسطن، إن هذه النفايات تشمل بيتا أميلويد، وهو بروتين يتجمع بشكل غير طبيعى فى أدمغة الأشخاص المصابين بالخرف.
وشددت «لويس» على أن النتائج التى تم نشرها فى عدد 1 نوفمبر من مجلة Science، لا تثبت أن النوم العميق يساعد على درء الخرف أو الأمراض الأخرى.
وقالت إن الهدف النهائى لأبحاث من هذا القبيل هو فهم سبب ارتباط نوعية النوم الضعيفة بالمخاطر العالية لمختلف الأمراض المزمنة، من الخرف إلى أمراض القلب إلى الاكتئاب.
قام الباحثون بتوظيف 11 من البالغين الأصحاء لإجراء دراسة للنوم باستخدام تقنيات موسعة: التصوير بالرنين المغناطيسى المتقدم لمراقبة تدفق السوائل فى الدماغ، والرسم الكهربائى لقياس النشاط الكهربائى فى خلايا الدماغ.
يتميز النوم بدورات REM وغير REM. أثناء ما نسميه النوم الـREM «الريمى»، تكون معدلات التنفس والقلب أعلى نسبياً، وغالباً ما يكون للناس أحلام حية. يشمل النوم بخلاف حركة العين السريعة مراحل من النوم العميق أو البطىء. خلال تلك المراحل، هناك تباطؤ فى نشاط خلايا الدماغ ومعدل ضربات القلب وتدفق الدم، وقد وجد البحث أن النوم العميق قد يساعد على توحيد الذاكرة ويسمح للدماغ بالتعافى من الإجهاد اليومى.
عندما كان المشاركون فى الدراسة فى نوم عميق، تبعت كل نبضة فى نشاط الدماغ البطىء تذبذبات فى تدفق الدم وحجمه، مما سمح بتدفق السائل النخاعى إلى تجاويف مليئة بالسوائل فى الدماغ المركزى.
وأوضحت «لويس» أن السائل النخاعى CSF تحرك فى «موجات كبيرة ونابضة» لم تظهر إلا أثناء النوم العميق.
د.فيليس زى، اختصاصى طب النوم غير المشترك فى العمل، أكد أيضاً أهمية النوم العميق. وقال «زى»، أستاذ علم الأعصاب بكلية طب فاينبرج بجامعة نورث وسترن فى شيكاغو: «إنه يساعد على شرح كيف ولماذا النوم مهم للحفاظ على صحة الخلايا العصبية وتسهيل إزالة الجزيئات السامة».
وقال: «يمكن للمرء أن يفكر فى النوم كطريقة أولى لرعاية عقله».
أما د.رامان مالهوترا، أستاذ مشارك فى علم الأعصاب بجامعة واشنطن فى سانت لويس، فقد قال: «هناك أدلة متزايدة، مع هذه الدراسة وغيرها، على أن النوم يلعب دوراً فى إزالة السموم من الدماغ».
وأضاف «مالهوترا»، الذى يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الأمريكية لطب النوم، أن بحثاً آخر أشار إلى أن فقدان النوم يمكن أن يعزز تراكم «البروتينات غير المرغوب فيها» فى الدماغ.
وكشفت دراسة حكومية حديثة، على سبيل المثال، أن ليلة واحدة من الحرمان من النوم تسببت فى زيادة (الأميلويد بيتا) فى أدمغة البالغين الأصحاء.
وقال «مالهوترا»: «بينما نتعلم المزيد عن دور النوم هذا، فقد يساعد ذلك فى تفسير سبب تعرض الأفراد الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم، أو يعانون من اضطرابات النوم، لخطر أكبر بسبب بعض الحالات الصحية المزمنة».
وشملت الدراسة الأخيرة البالغين الأصغر سناً دون أى مشاكل صحية. وقالت «لويس» إنه سيكون من المهم معرفة ما إذا كان كبار السن الأصحاء، أو الأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية معينة، يظهرون أى اختلافات فى ديناميات السائل النخاعى أثناء النوم العميق.
وقالت إن السؤال الكبير الذى يطرحه البحث فى المستقبل سيكون «ما إذا كانت التغيرات فى تلك الديناميات تسبق تطور المرض؟».

خالد منتصر - قناة السويس.. قرن ونصف من الحلم والتحدى - جريدة الوطن - 11/2019 /15

قناة السويس ليست مجرد ممر ملاحى على خريطة، ولكنها وشم تاريخى خالد على روح ووجدان وعقل هذا الوطن، مياه قناة السويس هى خليط من عرق فلاح مصرى ظل يحفر بفأسه الفقير، ومات حتى تكتمل الملحمة، ودماء جندى مصرى حارب عبر السنين فى ملحمة نضال حتى انتصر واستعادها من براثن ومخالب العدو، ونبض وجهد مهندسين وعمال ومرشدين ظلوا يبدعون ويطورون حتى صارت منظومة هيئة قناة السويس أفضل أوركسترا متناغم على مسرح مصر المحروسة، لذلك فمناسبة الاحتفال بمرور قرن ونصف على افتتاح هذا الشريان الحيوى ليست بالمناسبة التى تمر مرور الكرام. ولذلك تعمل الهيئة، وعلى رأسها الفريق أسامة ربيع، على قدم وساق، وتسابق الزمن كى تنتهى من التجهيزات النهائية لمتحف تاريخى يجسد ماضى وحاضر قناة السويس من خلال مقتنيات تاريخية ترتبط بقناة السويس، ويساهم المتحف فى التراث الثقافى والإنسانى والسياحى.
وفى هذا الصدد تواصلت الهيئة مع جمعية أصدقاء دليسبس لتحقيق التعاون المثمر لمد المتحف، إن أمكن، بمقتنيات تاريخية بحوزتهم عن قناة السويس، وتنظم الهيئة زيارة على أعلى مستوى لأعضاء الجمعية لتطلعهم على أهم المناطق التاريخية فى مدن القناة وتوضح لهم مدى التطورات الكبيرة التى لحقت بقناة السويس على مدار 150 عاماً والإنجازات العملاقة التى تمت والشاهدة على قدرة التحدى الساكنة فى الشعب المصرى، وتمتلك الهيئة مقتنيات تاريخية وصوراً تذكارية ورسوماً قديمة، بالإضافة لمقتنيات «دليسبس» المحفوظة الآن داخل فيلا تاريخية تحتوى على بعض متعلقاته التى كان يستخدمها.
لكن هل قناة السويس تُختزل فى المجرى الذى حُفر منذ قرن ونصف؟ الإجابة لا، فمنذ أن حفر المصريون القناة فى عام 1859 وتم افتتاحها فى عام 1869 فى حفل أسطورى حضره ملوك العالم، ومع تأميم القناة، انتهجت الدولة المصرية سياسة تطوير المجرى، حيث تم تنفيذ عدد من مشروعات التطوير فى مستوى الأعماق ومسطح عرض القناة كى تستقبل كافة الأجيال الحديثة من السفن العملاقة، وتلاحقت عمليات التطوير بإنشاء عدد من التفريعات وامتلاك أسطول من الكراكات العملاقة، ومد الملاحة بأحدث الوسائل الإلكترونية لضمان العبور الآمن بالممر الملاحى التاريخى، وصولاً إلى إنشاء قناة السويس الجديدة التى قللت من زمن عبور السفن ورفعت من التصنيف الملاحى الدولى للقناة. ومنذ أن تولى الفريق أسامة ربيع رئاسة الهيئة، أصدر توجيهاته بتنفيذ مشروعات خدمية للملاحة بتدشين قاطرات كبرى للعمل فى خدمة السفن العابرة بالقناة، بالإضافة إلى وضع خطة لتعظيم الاستفادة من شركات الهيئة وتطويرها، بالإضافة للمخطط الطموح للتطوير ترسانات الهيئة، وتهدف خطة الفريق لتعظيم الاستفادة من كافة مرافق الهيئة، وفى الشهور الأولى لتولى سيادته حققت الهيئة فى شهر أكتوبر 2019 أرقاماً قياسية غير مسبوقة فى العائدات والحمولات الصافية الشهرية فى تاريخ القناة، حيث حققت أعلى إيراد شهرى بلغ 515.1 مليون دولار وأكبر حمولة صافية شهرية بإجمالى حمولات صافية 108.9 مليون طن، كما حققت الهيئة إيرادات سنوية غير مسبوقة خلال الأعوام السابقة.
لم يقتصر دور هيئة قناة السويس على المجرى الملاحى فقط، بل امتد إلى إنشاء مشروعات تنموية بالمنطقة، لتشارك الدولة فى خطة تنمية منطقة قناة السويس، حيث أنشأت الهيئة كبارى عائمة على طول المجرى الملاحى بتخطيط وتصميم وتنفيذ مصرى فى وقت قياسى، لتيسير حركة العبور بين شرق وغرب القناة، وتولى الدولة بكافة أجهزتها اهتماماً بالغاً بهذه المنطقة، حيث تم إنشاء أنفاق أسفل قناة السويس، وجار تنفيذ مشروع لتنمية منطقة قناة السويس وتطوير وإنشاء عدد من الموانئ والمناطق الصناعية.
الاحتفال بمرور ١٥٠ عاماً على افتتاح قناة السويس استطاع أن يعبر حاجز الزمان والمكان، فقد صار احتفالاً عالمياً يتجاوز الإقليم ويعبر حدود الوطن ويستكمل مساحة الحلم، حلم الوطن صاحب الحضارة القادر دوماً على التحدي.

Friday, November 15, 2019

خالد منتصر - حوار مع د. إيناس شلتوت فى اليوم العالمى للسكر - جريدة الوطن - 11/2019 /14

يحتفل العالم يوم 14 نوفمبر من كل عام بيوم السكر العالمى، وهو يوافق يوم ميلاد العالم فريدريك بانتنج، مخترع الإنسولين، الذى يعتبر معجزة القرن العشرين الطبية، وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم الاتحاد الفيدرالى للسكر، وباعتماد منظمة الصحة العالمية، ابتداء من عام 2006، وحديثاً اعتبر شهر نوفمبر كله احتفالاً بمرض السكر... بل أيضاً يستمر الاهتمام بالمصابين بالسكر على مدار العام، والجمعية العربية لدراسة أمراض السكر والميتابوليزم كونها عضواً فاعلاً من أعضاء الاتحاد الفيدرالى العالمى للسكر تقوم بمجموعة من الفعاليات فى مختلف المحافظات بهدف الاكتشاف المبكر للمرض، والتوعية وعمل التحاليل المجانية المختلفة، كما تقوم بمؤتمرات وندوات للأطباء بهدف التعرف على الجديد، وتذكر الدكتورة إيناس شلتوت، رئيسة الجمعية، أحدث الإحصائيات التى أصدرها الاتحاد الفيدرالى عن وجود 463 مليون شخص فى العالم مصابين بمرض السكر، وبالتالى فهناك شخص من كل أحد عشر شخصاً فوق سن العشرين مصاب بالمرض، ويعيش نصف الأشخاص المصابين بالسكر سنوات عديدة بدون اكتشاف المرض لديهم، وبالتالى فهم معرَّضون لحدوث المضاعفات المختلفة، ويعيش 75% من مرضى السكر فى البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل.
ويصل الإنفاق العالمى على مرض السكر إلى 10% من إجمالى الإنفاق فى مجال الصحة، ويصاب واحد من كل 13 شخصاً بالغاً فوق سن العشرين بما يسمى مرحلة ما قبل الإصابة بالسكر، أما بالنسبة لمنطقة شمال أفريقيا وشرق المتوسط، فقد زاد عدد المصابين إلى 55 مليون مصاب، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 76 مليوناً بحلول عام 2035، وتقدر الزيادة بحلول عام 2045 إلى ما يقرب 100%، ومن المنتظر أن يصل عدد المصابين عالمياً بمرض السكر عام 2045 إلى 700 مليون مصاب.

Wednesday, November 13, 2019

خالد منتصر - وزارة الصحة: لا نبحث عن إلغاء التكليف ولكن عن جودة التدريب - جريدة الوطن - 11/2019 /12

عندما كتبت عن دفعة الأطباء الجدد الذين سيطبق عليهم نظام التكليف والزمالة، أو بالأصح نظام التدريب الجديد هذا العام، كنت أنشد الحوار والتفهم حتى تكتمل وتتلاقى وجهات النظر، وبالفعل وجدت استجابة من وزيرة الصحة وقيادات الوزارة، وتلقيت رداً تفصيلياً على كل النقاط التى أثيرت فى المقال، وقبل أن أنشر توضيح وشرح وزارة الصحة الذى تلقيته لا بد من إلقاء الضوء على بعض المشكلات الثقافية والاجتماعية وليست الطبية التى تجعلنا فى مصر عموماً أسرى حوار الطرشان، واقعين فى فخ التوجس المزمن والتربص المقيت، فنحن عموماً كشعب وليس الأطباء فقط نخاف من الجديد والمختلف، دائماً مرعوبون من التغيير، نعشق سياسة «كما كنت» و«كله تمام» وتمرين الجرى فى المكان الذى لا نتقدم به خطوة، نتبنى سياسة إنكار الواقع، ففى حالة أطباء التكليف فى وزارة الصحة، السؤال الذى لا بد من طرحه ومواجهته واحتمال درجة قسوة إجابته: هل واقع ومستوى تدريب الطبيب كان يعجبكم؟!، هل كان وردياً؟، هل هو لا يحتاج إلى تغيير أو ثورة؟، هل أنتم كأطباء شباب فى الوزارة راضون بهذا التأخير فى النيابة والتخصص حتى المشيب، ومقتنعون بأن يصيب ثلاثة أرباعكم اليأس فتسقطوا فى منتصف الطريق من الإعياء والإحباط والتعب، وأنتم ترون أقرانكم وأبناء جيلكم من خريجى الكليات الأخرى قد شكلوا مستقبلهم واطمأنوا إليه؟، إذن لا بد من الاعتراف بأن هناك مشكلة، وأن الصديد المتراكم فى الخراج لم يعد مجدياً معه إلا ضربة المشرط، وأن الطناش لن يعالج تمدد وتغول الورم، إذن لا بد من التغيير، ولابد من جودة التدريب، ولابد أن يكون الطريق واضحاً منذ البداية، لكن هذه الفوبيا من التغيير والصراخ «بلاش تغيير نظام التدريب، بلاش إجراء امتحانات دورية لقياس مستوى الأطباء، خلونا زى ما احنا».. إلى آخر تلك النغمة التى تتغنى بكنس التراب تحت السجادة، ووضع اليد على العين لإخفاء الشمس!!، وعلاج المرض بالانتحار!، من الممكن أن يختلف شباب الأطباء حول التفاصيل، اجلسوا للتحاور، وجريدة «الوطن» طرحت مبادرة برعاية وتبنى هذا الحوار وسيجلس وفد من شباب الأطباء مع وزيرة الصحة لتبادل وجهات النظر، وسننشر هذا فى حينه، فالغرض هو الوصول إلى مستوى أفضل وأرقى للأطباء، فنحن لسنا فى حلبة مصارعة نهتف لمن سيطرح الآخر أرضاً بلمس أكتاف!!، نحن فى قارب واحد نمسك بنفس المجداف وتهدينا نفس البوصلة، وإلى توضيح وزارة الصحة الذى تلقيته، هو مطروح للجميع كورقة عمل وخطة مستقبل، وأى ملاحظات متاحة بل وضرورية لاستكمال نجاح المنظومة الصحية، وهذا هو رد وتوضيح وزارة الصحة على ما طرحه بعض الأطباء من مخاوف فى نقاط محددة وسريعة:
أطلقت وزارة الصحة والسكان استراتيجية للنهوض بمنظومة التعليم الطبى المهنى فى مصر، وتعد تلك الاستراتيجية بداية استدامة الإصلاح الصحى وبداية تطبيق الخطوات الجادة التى بدأتها الدولة المصرية بدعم وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، ضمن حزمة الإصلاحات فى مجال القطاع الصحى التى بدأت الدولة فى تنفيذها منذ شهر يوليو عام 2018، وتشمل النهوض بالمنظومة الصحية بداية من مقدمى الخدمة الطبية وخلق فرص لتطوير وتحسين بيئة العمل، بما يضمن حصول المريض على أفضل مستوى من الخدمة طبقاً للمعايير الدولية.
أعلنت وزارة الصحة والسكان أمس الاثنين عن قيام 341 طبيباً من خريجى الدفعة التكميلية الحالية حركة تكليف سبتمبر ٢٠١٩ بالتسجيل ببرنامج الزمالة المصرية، وذلك بنسبة تقترب من الـ50%.
نظام التكليف لم يتم تعديله ولكن ما تم تعديله هو نظام تدريب الأطباء المكلفين بالعمل بوزارة الصحة، حيث كان يتقدم كل عام حوالی ۸۰۰۰ طبيب للتكليف بالوزارة، وبعد انقضاء سنوات التكليف يتقدم جزء كبير منهم لحركة النيابات للتدريب فى مجال التخصصات الطبية المختلفة، ويلتحق ۲۰% منهم بعد 6 أشهر من تسلم النيابة ببرنامج التدريب بالزمالة المصرية، ويتقدم حوالی ۲۰% لدراسة الماجستير بالجامعات المصرية ويتبقى حوالى 50% ليس لديهم أى فرصة للتدريب والتعليم الطبى.
ومن هذا المنطلق كان التفكير فى تعديل نظام التدريب للأطباء المكلفين بوزارة الصحة حتى يتم تدريب ۱۰۰% من الأطباء المكلفين على التخصصات الطبية المختلفة منذ اليوم الأول للتكليف، مساواة بالأطباء المقيمين بالجامعات المصرية وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية التابعة لوزارة الصحة الذين يتم تدريبهم منذ اليوم الأول من تسلم النيابة.
كانت أعداد المدربين المعتمدة منذ فترة قليلة بسبب ضعف المقابل المادى للمدربين، وتم حل هذه المشكلة بتمويل إضافى يبلغ 232٫5 مليون جنيه.
وبالنسبة للمدربين يوجد عدد كافٍ الآن من المدربين لتدريب جميع الأطباء بمستشفيات الوزارة والجامعة، ووقعت وزارة الصحة والسكان مذكرة تفاهم لتدريب عدد من المدربين بجامعة هارفارد فهو تدريب على طرق التعليم لتوحيد نظام التدريب والتعليم وليصبحوا مدربين لأقرانهم.
ويتضح من ذلك أن نظام التدريب الجديد ليس حقلاً للتجارب ولا يحتاج الأمر إلى مقدمات أو مناقشات والوزارة على استعداد للرد على أى تساؤلات مشروعة تطمئن شباب الأطباء على مستقبلهم.
موضوع تعديل نظام التدريب لا يحتاج إلى قرار أو قانون فى هذا الشأن ولا يحتاج إلى تعديل تشریعی أو العرض على جهات تشريعية، كما أن مدة التكليف القانونية كما هى لم تتغير فى نظام التدريب الجديد، ويكلف الطبيب على مديرية الشئون الصحية حيث توجد درجته المالية بها ويمكنه تعديل جهة تكليفه بعد مرور عام.
ورداً على تساؤلات الأطباء فى النواحى القانونية بأنه لا يوجد فى قانون التكليف ربط للتكليف مع التخصص فإنه لن يتم أى تعديل فى قانون التكليف ولكن الموضوع مرتبط بتدريب الأطباء فى مجال التخصص مساواة بأطباء الجامعة والمستشفيات والمعاهد التعليمية.
لا يوجد فى قانون التكليف تحديد مدة 5 سنوات فإنه لم يتم الخروج عن القانون، حيث إن التكليف مدة عامين ولكن تم تعديل نظام التدريب ليصبح من 4 إلى 7 سنوات حسب التخصص طبقاً لبرنامج الزمالة المصرية منذ اليوم الأول لتسلمه العمل ويرقى الطبيب بعد اجتياز الامتحان النهائى وبذلك تمت معاملتهم كأطباء مقيمين منذ اليوم الأول للتكليف مثل الحركة الجزئية التى حدثت عام ۲۰۱5.
تمت دعوة السيد الدكتور حسين خيرى، نقيب الأطباء، ومعه وفد من النقابة للقاء مساعد الوزير لشئون المستشفيات، للرد على جميع الاستفسارات والتساؤلات، ولكن لم يلبوا حتى الآن.
ومن الناحية الفنية هذا المشروع يعتمد على تعديل نظام تدريب الأطباء المطبق بوزارة الصحة منذ سنوات.. وتم تطبيقه على الدفعة الحالية لإيقاف عدم تدريب الأطباء طوال السنوات الماضية، حيث إنه أحد مشروعات الإصلاح الصحى وبدونه لا يوجد إصلاح صحی.
مع العلم بأن مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية تستوعب جميع الخريجين، وكون أن الزمالة المصرية كانت تستوعب ۲۰۰۰ طبيب لا يعنى ذلك أن تلك هى القدرة الاستيعابية للمستشفيات، وكان ذلك مرتبطاً ببعض التحديات تم التغلب عليها.. وعلى ذلك تمت توسعة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات لاستيعاب تلك الأعداد بالتنسيق مع الزمالة المصرية.
بالنسبة لرفع كفاءة المستشفيات فإن الوزارة لا تدخر جهداً فى رفع كفاءة مستشفياتها، ويوجد أكثر من ۱۰۰ مشروع لرفع كفاءة مستشفيات وزارة الصحة بتكلفة تبلغ ۲۰ مليار جنيه تقريباً.
ومما سبق سرده يتضح حرص وزارة الصحة على رفع المستوى العلمى والمهنى للأطباء كأحد مشروعات الإصلاح الصحى، وبدونه لن يكتمل أى إصلاح صحى ولا يوجد به أى ضرر مادى أو معنوى للأطباء المكلفين به.