Translate

Tuesday, August 28, 2018

فاطمة سعيد تغنى فى افتتاح مقر رئيس ألمانيا بقلم د. محمد أبوالغار ٢٨/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

يقام حفل افتتاح الفيلا الأثرية لرئيس جمهورية ألمانيا فى مدينة بون يوم الخميس القادم ٣٠ أغسطس ويبدأ الافتتاح بحفل غنائى تقدمه مغنية الأوبرا المصرية السوبرانو فاطمة سعيد بالاشتراك مع المغنى الألمانى الباريتون رومان تريكل. تحضر الاحتفال ميركل مستشارة ألمانيا والحفل يدعم العلاقة الألمانية الفرنسية، ويحضر فيه ماكرون رئيس فرنسا مع رئيس الوزراء الفرنسى ووفد فرنسى كبير.
اختيار فاطمة سعيد جاء لأنها النجمة الصاعدة فى الأوبرا العالمية والذى يتوقع أن تصبح السوبرانو الأولى فى العالم خلال سنوات قليلة. بالطبع أكون سعيداً وفخوراً بفتاة مصرية رائعة ترفع رأس مصر فى العالم كله. صحيح أن الغناء الأوبرالى والموسيقى الكلاسيكية ليست لها شعبية فى مصر ولكنها جزء من تراث مصر الكوزموبوليتان ولها جمهورها وبعد قرن ونصف من انفراد مصر بهذه الثقافة الموسيقية أصبحت بيوت الأوبرا فى مسقط ودبى وقطر تنافس مصر وها هم العازفون الموهوبون فى الأوركسترا السيمفونى المصرى الذين تعلموا وتدربوا فى مصر يغادرون إلى الخليج ونحن لا نفعل شيئاً لرعايتهم والحفاظ عليهم.
فاطمة سعيد سوبرانو مصرية صاعدة فى الدنيا كلها، تقف الآن شامخة على أكبر مسارح العالم لتغنى وهى المرة الأولى فى تاريخ مصر التى يصل فيها أحد من مصر إلى هذه المرتبة العالمية.
السوبرانو فاطمة كانت تلميذة فى المدرسة الألمانية بالقاهرة واكتشفت المدرسة الموهبة الدفينة فى فاطمة وصوتها وطبقاتها فى حصة الموسيقى ونبهت الأسرة إلى هذه الموهبة فتلقفتها أستاذتها مغنية الأوبرا المصرية نيفين علوبة ذات الباع الطويل على خشبة الأوبرا المصرية وعلى سفح الهرم وفى الأقصر حيث غنت عايدة وغيرها. بدأت فاطمة التدريب المستمر حين كان عمرها ١٤ عاماً، وبعد أن أنهت فاطمة دراستها الثانوية فى القاهرة سافرت إلى ألمانيا لتدخل معهد هانز ايلز الشهير ذا السمعة العالمية فى برلين وتدربت على الغناء تحت إشراف أستاذها الكبير رينات فالتين ونبغت وحصلت على البكالوريوس فى الغناء الأوبرالى بتفوق، وقد حصلت حديثاً على درجة الماجستير، وبعد تخرجها حصلت على منحة دراسية فى أوبرا لا سكالا فى ميلانو وهى الأوبرا التاريخية القديمة الشهيرة التى غنى على خشبة المسرح بها مشاهير من غنى الأوبرا من رجال ونساء فى العالم كله.
وأبدعت فاطمة فى لاسكالا ولفتت أنظار العالم، وقال النقاد إن صوتها دافئ وناضج وشديد العمق وقالت عنها صحيفة فراكفورت الكبرى إن صوتها يشع روعة مستمرة. وفازت فاطمة بمسابقة فيرونيكا للغناء الأوبرالى فى أيرلاندا وفازت عدة مرات فى ألمانيا بجائزة الغناء للشباب وجوائز عالمية أخرى كثيرة. لقد شاهدت فاطمة تغنى فى أوبرا لاسكالا فى ميلانو وكانت الدموع فى عينى وأنا أشاهد التصفيق والإعجاب من الجمهور الإيطالى. ودعيت فاطمة للغناء حول العالم فى فرنسا واليونان وعُمان وفنلندا والنمسا وأسبانيا وايطاليا وسويسرا وأمريكا وسوف تغنى فى أوبرا مسقط فى ٣ أكتوبر وفى فيينا فى مهرجان موزارت فى يناير القادم.
و بالطبع فاطمة تعتز بمصريتها وقد غنت فى مصر عدة مرات فى حفلات مختلفة منها حفل فى السفارة الإيطالية وآخر فى السفارة البريطانية وحفل كبير فى الأقصر فى معبد الكرنك هذا العام وهو الحفل الذى نظمته الأمم المتحدة فى مصر لنشر الثقافة ودعم الطفل والمرأة. ومثلت فاطمة مصر فى حفل كبير أقيم فى جنيف فى مبنى الأمم المتحدة بمناسبة يوم حقوق الإنسان وحق الأطفال فى التعلم وفى الشهر الماضى غنت فى احتفال فى بيت العائلة فى حضور مجموعة أصدقاء فى الساحل الشمالى إحياء لتقليد إيطالى قديم اسمه الأوبرا فى البيت.
الأوبرا فى مصر جمهورها محدود لأن الموسيقى والغناء الأوبرالى يحتاج إلى تدريب لتذوقه والاستمتاع به والجمهور المصرى وأنا منهم نحب الموسيقى الشرقية المتميزة بالغناء الشرقى الجميل، ولكن ذلك لا يمنع أن هناك أعداداً من المصريين يحبون الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية ويتمتعون بها ويجب أن نشجع الشباب على تذوق هذه الموسيقى الجميلة لأن العالم أصبح قرية صغيرة والفنون العالمية يتذوقها الجميع ولا يتعارض ذلك مع حب الفن المصرى الأصيل.
فاطمة سعيد فى منتصف العشرينات من العمر وفى غضون سنوات قليلة ستكون واحدة من أهم إن لم تصبح أهم مغنية أوبرا فى العالم وهو شىء نادر وصعب أن يحدث لفتاة أو فتى مصرى. فاطمة بذلت مجهوداً رهيباً فى الدراسة والتدريب بجدية شديدة لسنوات طويلة، وهى تحب بلدها وتحضر لها كلما أمكنها ذلك. أعتقد أنه آن الأوان أن يتم دعوة فاطمة لإحياء حفل كبير على خشبة الأوبرا المصرية، وأن يحدث ذلك قريباً.
«قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك»

Monday, August 27, 2018

طوبَى لصُنّاع الفرح بقلم فاطمة ناعوت ٢٧/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


اجتمعتِ الأعيادُ الدينية هذا الأسبوع لتتأكد حقيقتان: الأولى أن الفرح ظاهرةٌ إنسانية، والثانية أن اللَه واحدٌ، نورٌ غامرٌ يُدثّرُ الكونَ، كلٌّ يراه من زاويته.
أما الحقيقة الثالثة فهى أن «صناعة الفرح فنٌّ». فى الموعظة فوق الجبل يقول السيد المسيح- عليه السلام- فى تطويباته التى بدأها بتطويب المساكين والحَزانى: «طوبَى لصانعى السلام».
وبما أن السلامَ يأتى بالفرح، ولا فرحَ بدون سلام، فبوسعنا أن نقول: «طوبى لصُنّاع الفرح». فصناعةُ الفرح فنٌّ رفيع. أن ترسم البسمة على وجه حزين. أن تلوّن عينين مكسورتين بريشة الحُبور.
أن تنقل قلبًا واجفًا راجفًا من خانة الوجع والقلق إلى خانة الدعَة والاطمئنان. تلك رسالةٌ لا يحملُها إلا أخيارُ العالم. وفى تقديرى هى «فرضُ عين» على كل بشرى يمرُّ فوق هذا الكوكب المُثقَل بأحزاننا. لا شك أنكم شاهدتم مثلى إحدى تلك الصور الفوتوغرافية البديعة التى تُخلّد لحظاتٍ وجوديةً بالغةَ الاستثناء فى الحنوّ والعذوبة، اختطفتها عدسةٌ ذكية من جعبة مدونة الزمان التى تعجُّ بمشاهد القتل والدمار والقسوة. طفلان فقيران نحيلان فى أسمالٍ ممزقة، عليهما سيماءُ العَوَز والجوع، الكبير فيهما فى الرابعة من عمره تقريبًا، يمد يده بكسرة خبز إلى الطفل الأصغر ذى العامين، فيمنحه الصغيرُ نظرة امتنان وحب، وتكسو عينيه لمحةٌ من الفرح. ها هنا حزينٌ، منح شيئًا من الفرح، لحزين آخر. مشهدُ قِطّة تحتضن عصفورًا جريحًا، وتلعقُ بلسانها نزفَه ليبرأ. مشهدُ طائر يحمل فى منقاره شربةَ ماء ليسقى ظبيًا مكسور الساق.
ذاك هو فنُّ صناعة الفرح والسلام الذى منحه اللهُ لمخلوقاته. فاستثمر البعضُ تلك النعمة، وملأ الكون جمالا، فى حين أهدرَ البعضُ الآخر مِنحتَه السماوية، فكان كمن «تأبط شرًّا» ومضى ينثر فى الأرض الخراب.
أما فنُّ تحويل المحنة إلى منحة، والعذاب إلى عذوبة، والحزن إلى فرح وجمال، فتلك عبقريةٌ أخرى لا يُتقنها إلا القليلون من البشر. قرأنا قبل سنوات فى جريدة «ديلى ميل» الإنجليزية عن البريطانى وينستون هويس، الذى توفيت زوجته بالسكتة القلبية المباغتة. ضربُه الحَزَنُ المُرُّ. وفى يوم جنازها قرّر أن يشيّد لجثمانها مكانًا للراحة الأبدية يختلف عما درج عليه البشرُ فى بناء الأضرحة والقبور. قرر أن يغزل لها ضريحًا، صناعة يد، Hand made، مثلما تغزلُ المرأةُ دثار تريكو لحبيبها. أىّ ضريح يليق بجميلته التى غافلته، وطارت إلى حيث يطير الأحبةُ ولا يعودون؟ أىّ قبر يناسب حبَّه لها، وهولَ الفقد الذى اعتصره بخسارتها. عشيةَ موتها، بذر آلاف البذور من أشجار السنديان، على محيط مساحة شاسعة من الأرض بلغت ستة فدادين. رسم البذور المنثورة على شكل قلب فارغ. ووضع فى منتصف القلب، مقعدًا وحيدًا، يواجه المنزل العتيق الذى قضت فيه زوجته الراحلةُ طفولتها وصباها وفجر شبابها حتى تزوجها.
ظل الأرملُ يذهب إلى حديقته/ الضريح كلَّ يوم، يسقى البذور ويحرث التربة، ثم يجلس وحيدًا على المقعد ينظر إلى شرفة الجميلة التى لم تعد هناك. يراقب بذوره التى أنبتت براعمَ طفلةً، ثم سيقانًا خُضرًا نحيلة. واشتدَّ عودُ السيقان مع الأيام، واكتست وريقاتٍ خضرًا دقيقات، لتتحول مع الأعوام إلى شجيرات. وظل الأمر سرًّا من أسرار العائلة لا يعرفه إلا الزوج الحزين، والابن الوحيد.
وحين بلغ الزوج السبعين من عمره، كان سبعة عشر عامًا قد مرّت على البذرة الأولى. وكانت الأشجار قد بلغت عنان السماء طولًا وأوراقًا وإشراقًا وعشقًا.
انكشف السرُّ الرومانسىّ للعالم، حين صوَّرَ القلبَ الشجرىّ الأخضرَ مِنطادٌ طائر، فانتشر خبرُ الزوج العاشق فى أرجاء العالم.
هنا فنٌّ جديد ابتكره عاشقٌ حزين. تحويل الوجع إلى بهجة وجمال. ومضة بارقة ألمحت فى عقله لحظة مواراة جثمانٍ حبيبٍ فى الثرى. ربما فكّر أن حبيبته هذه تشبه البذرة الخصبة التى ستنبتُ أوارقًا خُضرًا إن هى زُرعت فى الأرض. فكان أن قرر تحويل الفكرة الفانتازية إلى حقيقة بصرية يراها العالم، فيتعلمون درسَ الحب، ودرس الفرح. فطوبى لصناع الفرح، لأنهم ينثرون فى الأرض السلام.

وحيد حامدفى وداع ياسر المصرى - جريدة الوطن - 27/8/2018

كانت لدينا مشكلة كبيرة بحق..
فقد بدأنا تصوير الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة» دون أن نعثر على الممثل الذى يقوم بدور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رحمه الله. وكثيراً ما وقع اختيارى أنا والمخرج شريف البندارى على اسم فنان كبير وقدير، ثم نتراجع لعدم اكتمال رضانا وقناعتنا، رغم الإحراج الشديد الذى كنا نتعرض له أمام فنانين كبار أصحاب مكانة فنية رفيعة. كنا على يقين من أن شخصية جمال عبدالناصر سوف تتعرض للرفض بقوة أو القبول بقوة أيضاً، حيث إن الرجل له من يؤيده وله من يعارضه، بالإضافة إلى أن عبدالناصر كان يملك «كاريزما» نادرة وطاغية ومؤثرة تجعل اختيار الممثل أكثر صعوبة. ولم نكن على استعداد للقبول بمن يقلد عبدالناصر لأننا لسنا فى برنامج ساخر أو مسلٍّ، كنا فى حاجة إلى ممثل قادر على حمل هذه الشخصية بما لها وبما عليها، وبكل أبعادها الإنسانية والنفسية. كنا نبحث عن فنان قادر على استلهام روح عبدالناصر فى داخله، واتجهت أنظارنا إلى خارج مصر، رغم وجود مشكلة فى هذا التوجه، وهى إتقان اللهجة المصرية كأهلها، وهذا لا يحدث إلا نادراً، وليس من المقبول أن ينطق عبدالناصر بلهجة شامية أو خليجية.
وأمام اسم الفنان الراحل «ياسر المصرى» توقفنا، وبدأنا فى مراجعة أدواره، وتوصلنا إلى نتيجة مبدئية أنه الأفضل. وكان لى شرف الاتصال به. وقد أدركت، منذ اللحظة الأولى لحديثنا، أننى أمام شخص يستحق الاحترام، حيث قال إنه فى حاجة إلى مدة زمنية لا تقل عن ستة شهور لدراسة الشخصية وإدراك أبعادها، وألا يكون فى النص ما يحمل إساءة إلى المملكة الأردنية. وحاولنا، أنا والمخرج شريف البندارى، إجباره على التنازل عن مسألة الشهور الستة، وبعد تفاوض مرهق اتفقنا على شهرين. ولأنى أعلم أن ما يطلبه هو الصواب، فقد راجعنا برنامج العمل ورأينا إجراء بعض التعديلات، وأنه من الممكن انتظار الفنان حتى يأخذ كامل وقته فى استيعاب الشخصية، إلا أنه بعد عدة أيام اتصل بى معتذراً لأنه لا بد أن يسافر إلى ألمانيا مصاحباً للسيدة والدته فى رحلة علاج. ولأول وهلة تصورت أنه سبب وهمى للاعتذار، وربما تكون هناك أسباب أخرى خافية ولا يريد الإفصاح عنها، إلا أنه نفى ذلك تماماً، وهنا وجدنا الحل معاً، وهو أن يحمل النص معه إلى ألمانيا، وهنا قدّرت الإنسان الكامن فى داخله.
كان لقاؤنا الأول فى القاهرة، تحديداً فى استوديو الأهرام، لأجد نفسى أمام إنسان مهذب خلوق رقيق المشاعر قوى الأحاسيس، من اللحظة الأولى تشعر أنك أمام صديق حميم تعرفه من زمن.. يعمل فى بساطة وهدوء وتأمل ودون إزعاج. من شدة إعجابى به كلما وُجدت باستوديو التصوير أحب أن أكون معه، وإذا لم يكن هناك مجال للحديث اخترعت مجالاً. وصار الرجل صديقاً، حتى إن فرحتى بنجاحه فى أداء شخصية عبدالناصر ربما كانت تعادل فرحته. لقد هزنى الحزن عندما فقدت أصدقاء أعزاء وزملاء وأساتذة.. منهم عاطف ومحسن زايد وأسامة عكاشة ومحمود مرسى وسعيد صالح وعلى أبوشادى ورفيق الصبان وممدوح الليثى وغيرهم. واليوم أضيف إليهم ياسر المصرى الإنسان والفنان والقدوة.

Sunday, August 26, 2018

المعارضة فى الثقافة الشرقية بقلم د. عماد جاد ٢٦/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


تعد المعارضة جزءا من النظام السياسى فى الدول الديمقراطية، فأحزاب وقوى المعارضة اليوم، قد تتولى السلطة غدا، فمن بين أسس النظام الديمقراطى إجراء انتخابات دورية والتداول السلمى للسلطة، صحيح قد يسيطر حزب سياسى واحد على السلطة لفترة زمنية طويلة أو يجرى تداول السلطة بين حزبين كبيرين، إلا أن الصحيح أيضأ أن من يتواجد فى موقع المعارضة أو خارج السلطة بصفة عامة يجرى التعامل معه على أنه جزء من النظام السياسى وجزء من المنظومة الشرعية، وفى أوقات الأزمات، فى نظم الحكم البرلمانية، مثل إسرائيل وبريطانيا والهند، عادة ما يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية من الأحزاب السياسية الشرعية المختلفة بصرف النظر عن أوزانها النسبية فى البرلمان. أما فى النظم الرئاسية مثل الولايات المتحدة الامريكية فعادة ما يستعين الرئيس بالحزب الآخر الموجود فى موقع المعارضة للتباحث فى سبل مواجهة الأزمة ويستمر التواصل طوال فترة الأزمة وما إن تنتهى حتى يعود كل حزب إلى موقعه.
أما فى النظم غير الديمقراطية بصفة عامة فقد جرى زرع صورة نمطية سلبية للغاية لكل أشكال المعارضة، وجرى عن عمد الخلط بين كل مكونات هذه القوى دون تفرقة أو تمييز بين معارضة وطنية ترى نفسها جزءا من النظام السياسى وتعمل تحت سقف الوطن، وبين قوى هدامة وجماعات إرهابية تعمل من أجل إسقاط النظام السياسى والاستحواذ على السلطة وتدشين نظام سياسى مغاير فكريا وأيديولوجيا. فى الشرق تراكمت ثقافة تنظر بعين الشك والريبة تجاه كل صوت مختلف دون النظر إلى ما يحمل من رؤية وموقع العمل داخل النظام السياسى أو خارجه، فكل معارض هو بالضرورة شرير، هدام يعمل لحساب قوى خارجية تستهدف الوطن. وللأسف الشديد انتشرت هذه الرؤية بين صفوف مكونات حزب أو تكتل الأغلبية بحيث باتوا ينظرون إلى أعضاء المعارضة باعتبارهم خارجين عن المصلحة الوطنية ويعملون لحساب أجندات خارجية، حيث سادت قاعدة من ليس معنا فهو علينا ومن ثم فهو عدونا، وبات المقياس أو معيار الحكم يرتبط بشخص الموجود على رأس السلطة، ومن ثم كثيرا ما يجرى القفز من فوق مواقع الانتماء إلى مواقع أخرى مع تغير شخص الحاكم أو حدوث تغير فى التوجهات الأيديولوجية.
وتعد هذه الثقافة العائق الرئيسى اليوم أمام تطور النظم السياسية باتجاه الديمقراطية فى الكثير من البلدان الشرقية، وبدلا من فتح النظام السياسى ووضعه على طريق التطور يجرى ابتداع طرق وأشكال جديدة للتحايل على نصوص الدستور مثل الظاهرة الروسية التى ابتدعها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، باستخدام رئيس الوزراء ميدفيديف كمحلل له بعد انقضاء دورتين له فى الرئاسة، فحيث إن الدستور ينص على فترتى رئاسة فقط، ولكنه لم يكن محددا كالدستور الأمريكى الذى ينص صراحة على أن من يقضى فترتى رئاسة متتاليتين، ليس من حقه الترشح مرة أخرى، فإن بوتين وبعد أن يقضى فترتى رئاسة يرشح رئيس وزرائه للرئاسة ويتولى هو منصب رئيس الوزراء لفترة واحدة ثم يعود للترشح من جديد.
أخطر ما يترتب على انتشار هذه الثقافة أنها تمهد الأرض لانتشار نظرية المؤامرة، وتجعل شقا كبيرا من النخبة بأشكالها المتنوعة يتماهى مع النظام، وتعطى لنفسها الحق فى احتكار الوطنية وتوزيع صكوكها ومن ثم انتشار ثقافة التخوين.

الشباب والتحدى الثقافى.. (٢-٢) بقلم الأنبا موسى ٢٦/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

كيف نواجه الثقافة الوافدة؟
إن هذا الزحف كله لا يصيبنا بالخوف، وإن كان يستوجب منا الحذر والحكمة والدراسة والعمل الدؤوب، حتى نحمى أجيالنا من سلبيات الإعلام، وسلبيات شبكات التواصل الاجتماعى، ونجعلهم يستفيدون من إيجابياته..
والمطلوب فى تصورنا هو:
١- الإشباع الروحى:
فلا شك أن «اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ وَلِلنَّفْسِ الْجَائِعَةِ كُلُّ مُرٍّ حُلْوٌ» (أم ٧:٢٧).
إذن فحينما نشبع أولادنا وبناتنا دينيًا، لا شك أن هذا الشبع يخلق شخصية يسهل فطامها عن طغيان التليفزيون والنت والشات، وكل وسائل التواصل الاجتماعى الضارة، وتسهل مقاومتها لأى سلبيات فى برامجه. فالمسيحية قوة جبارة تخلص الإنسان من سلطان الجسد والعالم والشيطان، وتعطيه إمكانية النصرة على الشر فى كل صوره، والاستغناء عن اللذة المحرمة مهما كان إغراؤها. لذلك يجب أن نشجع على التدين السليم من صلاة وصوم وممارسات روحية.. إن الفراغ الداخلى هو السر وراء جاذبية وسائل التواصل الاجتماعى المتزايدة، أما الإنسان الشبعان بالنعمة فسوف يشاهد القليل النافع ويرفض كل ما هو غث.
٢- الإشباع الثقافى:
كنا نرى فى بيوتنا مكتبات تحوى كل جديد فى ميادين الروح والفكر والعلم، وكان الأب يقرأ كتاباً ويتركه ليقرأه الابن، ويتناقشان فى روح جميلة فى كل ما هو بناء.
أما الآن فأصبحنا نركن إلى السطحية الثقافية، ننتظر ما يمليه علينا الفيس والنت ووسائل التواصل الاحتماعى بما فيها من جيد وسيئ، إيجابى وسلبى. نحتاج إلى دفعة جديدة نحو القراءة، تشحذ الذهن وتملأ الحياة بحماس مقدس، واتجاهات بناءة، ولا تترك للشباب وقتاً للضياع والانحراف. الإنسان المثقف لديه من الثقل الداخلى ما يجعله يعزف عن التفاهات، ويرتبط بكل الأمور والبرامج والكتب البناءة. وقد أجرى علماء الاجتماع فى الولايات المتحدة تجربة منذ عدة سنوات، اتفقوا فيها مع مجموعة عائلات على عدم مشاهدة التليفزيون لمدة شهرين، لكى يلاحظوا ماذا سيحدث عندئذ، فلاحظوا:
١- أن الأسرة تماسكت، حيث كان الكل مشدودين إلى الشاشة، أو كل فرد أمام تليفزيونه الخاص يشاهد ما يروق له من برامج.
٢- أن الأسر تزاورت، مما نمّى العلاقات الاجتماعية بينها.
٣- أن الشباب بدأ يقرأ.. بعد الفراغ الضخم الذى أحدثه غلق التليفزيون والشاشة.
٣- الانتقاء البناء:
حين يشبع القلب، والفكر بالثقافة، يكون من السهل على الإنسان أن يفرز الغث من السمين، وأن يختار من البرامج والأصدقاء والكتب والمجلات ما يبنيه ويطرد ما يهدمه.
ويقول الكتاب المقدس: «امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (١تس ٢١:٥). وهو يزن الأمور من منطلق آيات ثلاث هى:
* «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ» (١كو ١٢:٦).
*«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِى» (١كو ٢٣:١٠).
*«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى لَكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَىَّ شَىْءٌ» (١كو ١٢:٦).
إنه يحيا فى حرية داخلية، يقرأ ويدرس ويتناقش ويشاهد ويسافر إلى الخارج ويعود... إلخ.
التدين وعصر الاتصال والمعلومات
وبالطبع.. فلا بد من وقفة هنا بخصوص دور العبادة ومسؤوليتها أمام هذا التطور المذهل والسريع.. وأستطيع أن ألخص ذلك فى كلمات بسيطة، ولكنها تحتاج إلى برامج وخطط طموحة وهامة. فمثلاً:
١- نحتاج أن نستوعب يومياً ما يحدث من تطورات فى عالم الاتصال والعلوم والمعلومات.
٢- نحتاج إلى تدريب كوادر ناضجة فى هذه المجالات، داخل وخارج القطر.
٣- نحتاج إلى رأى وموقف دينى من كل إنجاز، إذ إن هذه الثورة يمكن أن تعصف بكل القيم والموروثات والمثل العليا، ما لم يكن هناك موقف واضح من كل شىء، سواء من جهة الدين أو الهوية الحضارية أو الثقافة والفكر والعلوم.
٤- نحتاج إلى تأصيل شبابنا المسيحى خصوصاً والمصرى عموماً، أمام هذا الطوفان الهائل: التأصيل الروحى الدينى والثقافى والاجتماعى والوطنى، حتى يستطيع الصمود، والتفاعل، والاستفادة مما هو جيد، ورفض ما هو ردىء. وها نحن نرى شبكات الكمبيوتر، تنافس البث التليفزيونى من الأقمار الصناعية، فى نشر الإباحية والانحلال والمادية والإلحاد.. إنه غزو هائل يحتاج إلى تأصيل.
يعظم انتصارنا
ليس معنى هذا «نهاية العالم» فمهما كانت ضغوط العصر وإغراءاته، إلا أن غنى الروح، والاقتناع بالصواب، والإفراز والتمييز، واستيعاب دروس التاريخ والخبرة الإنسانية، من جهة صعود وهبوط الحضارات.. كل هذا يجعلنا- بنعمة الله- قادرين على الصمود، والارتقاء بشبابنا فى مدارج الحياة المقدسة، التى بدونها لا يكون سلام للإنسان ولا شبع للروح، ولا وصول للأبدية السعيدة.. بل بالعكس: دمار للجسد وخواء فى الداخل، ونكوص للإنسانية.
وليكن هتافنا المستمر، وخبرتنا اليومية «فِى هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا، بِالَّذِى أَحَبَّنَا» (رو ٣٧:٨).. فالتطورات العلمية تحمل إلينا الخير الجزيل، وعلينا فقط أن نرفض ما قد تحمله إلينا من شر هزيل!!.
فلنحيا مع شبابنا حياة روحية مشبعة، حياة ثقافية بناءة، ولندخل معاً باستمرار فى حوار حىّ، يبنى ضمائرهم وشخصياتهم، حتى لا يكونوا مثل ريشة فى مهب الرياح..
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

خالد منتصر - من الذي زرع في دماغ هذا الشرطي أن المسيحيين كفرة - 28/8/2018

إن من زرعها هو من أقنعه بأن تهنئة النصارى حرام ومودتهم القلبية لا تجوز، من زرعها هو من يصر على أنهم الضالون المغضوب عليهم، من زرعها هو من روج لعقيدة الولاء والبراء، من زرعها هو من يستدعى زمن الجزية وينتشى وهو يخطب فى جموع المغيبين بأنه ولا بد من فرض المهانة والذل عند جباية الجزية!!، من زرعها هو من يردد نصوص الجهاد والتكفير والحرب والإغارة على الآخر وكأنها نصوص مطلقة خارج الزمان والمكان والبيئة وعلى أنها فرض عين وأمر إلهى علينا أن نسعى من أجله حتى يستجيب الآخر لعقيدتنا وإلا قتلناه بالسيف، من زرعها هو من ما زال يعتبرهم ذميين وديتهم ليست كديتنا وسرقة صلبان كنائسهم ليست كسرقة أبواب مساجدنا!!، من زرعها هو من ينصحنا بالتضييق عليهم فى الطرقات، هل رجل الأمن هو المدان والمتواطئ الوحيد؟، مجتمعنا وكلنا مدانون ومتواطئون ، سمحنا بكليات ومدارس لا تقبل إلا المسلم فقط، و سمحنا لأقسام فى كلية الطب أن تغلق بابها أمام أى مسيحى، يوم أن ارتعشنا وتراجعنا عن تعيين محافظ قبطى لمحافظة قنا ومنعنا ناظرة مسيحية من تسلم عملها!، المتواطئ هو من وضع فى مناهج وزارة التربية والتعليم قصصاً وحكايات تمجد من يقطع الرؤوس ويقتل الأسرى، وقبل أن نتهم هذا الشرطي الذي صرخ في المصلين داخل الكنيسة ، لنسأل عمن زيف وعيه ، من يطل علينا من الشاشات ليعلن انهم كفرة ، المنبر الذى يقف عليه خطيب الجمعة ليدعو لمرضى المسلمين فقط ثم يدعو على اليهود والنصارى، مكتب المدير أو الوزير الذى تخرج منه التقارير السرية للترقى رافضة ترقية جرجس وبطرس وميخائيل لاقتناع الوزير بأنه لا يجب أن يولى عليك ذمى،!، عندما يخرج علينا برنامج يدعى ضيفه بأن فى الكنائس أسوداً ونموراً مفترسة يربيها القساوسة تمهيداً لاحتلال مصر وهزيمة المسلمين، عندما تخرج مظاهرات يكون كل همها المطالبة بأن تتحول كاميليا إلى فاطمة، وعندما يقبل مسئول كبير يد الشيخ محمد حسان ويسمع دروس برهامى ويحفظ فتاوى وجدى غنيم، وعندما تحرق مساكن غلابة لمجرد أن خطيب مسجد أشعل الفتيل وأخبر الأهالى بأنهم يريدون الصلاة وتحويل البيت إلى كنيسة، عندما يستفزك منظر الصليب ولا يستفزك مشهد الطفل الذى يأكل من صفيحة القمامة، هنا لا بد أن تعرف أن آخر المتهمين وأقلهم إدانة وإجراماً هو هذا الشرطي ، إنه مجرد دمية فى مسرح عرائس أو بالأصح مسرح أصنام تحركها أصابع المجرم الحقيقى الذى لا بد من أن نحدده ونقبض عليه، وألا نكتفى بالدمية فقط!.

Saturday, August 25, 2018

د. وسيم السيسى يكتب: حرية أنفى! ٢٥/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

علقت الدكتورة هبة التهامى على مقالتى فى «المصرى اليوم» عن هجوم باربارا كاسل، عضو المعارضة بمجلس العموم البريطانى، على رئيس الوزراء إدوارد هيث وقولى: عقبالنا.. قالت: «عقبالنا لما نهاجم رئيس وزرائنا؟.. لقد أصبحت الحرية عندنا حرية السفهاء... إلخ»، وردى عليها:
١- المقصود بعقبالنا هو القدرة على التغيير كما أوقفت باربارا مشروع قانون رئيس الوزراء والذى كان ضد حق العمال فى التظاهر السلمى.
٢- الحرية هى الحرية الموزونة الخالية من التعدى على كرامة أى إنسان آخر، مد أحدهم ذراعيه فجاءت يده فى أنف الآخر، فلما احتج.. قال: أنا حر، رد عليه: حرية يدك تنتهى حيث تبدأ حرية أنفى!
٣- هاجم أحدهم سعد باشا زغلول واتهمه بالشذوذ الجنسى، وأمام المحكمة براءة! لأن سعد باشا شخصية عامة!
٤- هاجم العقاد الملك فؤاد فى البرلمان قائلاً: الأمة قادرة على أن تحطم أكبر رأس تقف ضد الدستور.
٥- قذف أحدهم ويلسون، رئيس وزراء بريطانيا ببيضة على وجهه قال ويلسون إنه «الجانى» من المحافظين لأن السنة الماضية قذفوه ببيضة كانت بنفس العنف والطعم والاتجاه.
٦- أراد تشرشل توجيه اللوم لمستر كنج الذى كان يهاجمه ليل نهار أثناء الحرب العالمية الثانية، رفض مجلس العموم قائلاً: نحن نخوض حرباً من أجل الحرية.. الويل لنا إذا كممنا حرية مستر كنج «رئيس تحرير الـTimes اللندنية».
٧- قال فولتير: إذا طرق الرقى باب أمة سأل أولاً: هل لديهم فكر حر؟ هل لديهم حرية؟ إذا أجابوه نعم، دخل وارتقت الأمة، وإذا أجابوه لا: ولى هارباً وانحطت الأمة.
٨- فى زيارتى لباريس، زرت البانثيون «مثوى العظماء» وكان قبر فولتير بجوار قبر جان جاك روسو الذى قال له: أنا لا أؤمن بكلمة واحدة مما كتبت فى «العقد الاجتماعى» ولكنى سأظل حتى الموت أدافع عن حريتك فى أن تفكر وتكتب ما تشاء.
٩- قذفت فتاة إدوارد هيث بجردل حبر وعند التحقيق، كانت أسبابها: رجل غبى، ضعيف الشخصية، إدخل إنجلترا فى السوق الأوروبية المشتركة ولا يصلح أن يكون رئيساً لوزراء إنجلترا!!.. رفضت الاعتذار إلا إذا وعد بعدم دخول إنجلترا السوق الأوروبية، وكانت العقوبة شهر سجن وثمن البدلة!
١٠- الحرية السياسية لواء تتألق من تحته باقى الحريات جميعاً، والديمقراطية هى حرية التعبير مع القدرة على التغيير «هارولد لاسكى- الحرية فى الدولة الحديثة» أما حرية السفهاء يا دكتورة هبة فهى ليست حرية وأحرى بك أن تسميها: سفالة السفهاء! أخيراً ألا ترين أن الاحتجاج بالبيض والحبر أأمن من الاحتجاج بالرصاص!!


Thursday, August 23, 2018

أشهرُ صفقة باب فى التاريخ بقلم فاطمة ناعوت ٢٣/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


كلّما صادفتُ فتاةً حُرّةً تأبَى أن تكون دُميةً بكماءَ فى يد طفل يلهو، أو قطعةَ حلوى خرساءَ لا تعرفُ كيف تهشُّ عن جسدها الذبابَ والبعوض المُحوّم حولها، تذكّرتُ «نورا»، التى اختارها «هنريك إبسن» لتكون بطلة مسرحية «بيت الدُمية»، صاحبة أشهر صفقة باب عرفها الأدبُ. خرجت من باب الأسْر «الدُميوى»، بيت الدُمية، وصفقتِ البابَ وراءها ومضت دون أن تنظر إلى الوراء. ملهمةُ الشعراء والمفكرين والنقّاد، منذ نهاية القرن ١٩، وحتى اليوم. والمسرحيةُ فى الأساس منشغلةٌ بنمط النساء الُمنسحقات المأسورات بجمالهن، ثم محاولاتهن الانعتاق من دور «الدُمية الحسناء» لتغدو «إنسانًا»، راضيةً بالفاتورة الباهظة مقابل ذلك الاختيار الصعب. الجميلةُ «نورا»، تركت وراءها كلَّ ما يُذكّرها بأنها دميةٌ فى يد آخرين، وتمرّدت على خرافة أنها مخلوقةٌ مسلوبةُ الإرادة، غيرُ جديرة بالحرية وتحمُّل المسؤولية كإنسان له وزن ودورٌ فى المجتمع، بعدما عاشت سنواتٍ مؤمنةً بتلك الخرافة. كانت«نورا» مهزوزةً مهلهلةَ الشخصية أضعفَ من مواجهة المخاطر خارج جدر «بيت الدُمية» الآمن الرغد. قبعت فى البيت شابّةً جميلة مُدللة تطيرُ بين غرف البيت مثل عصفور رشيق مُلوّن، لا يقوى إلا على الزقزقة والشقشقة والتسرية عن الرجل والترفيه عن الأطفال. فما الذى جعلها تُقرّر أن تقومَ بتلك الثورة المفصلية؟ مرض زوجُها «هملر» بمرض خطير، فسعتْ إلى الحصول على المال لعلاجه وإنقاذه من الموت، ولو عبر طريق ملتوية. الطريق الملتوية هى لجوؤها إلى صديق الأسرة المحامى كروجشتاد للاستدانة منه بعدما زوّرت توقيع أبيها على إيصال أمانة. فيقوم كروجشتاد الوغدُ بتهديدها بإفشاء سرها لزوجها، الذى شُفى الآن بفضلها، إن لم تُسانده فى أن يتراجع زوجُها عن قرار فصله من البنك؛ لأنه يسىء استخدام صداقته له كمرؤوس للزوج فى البنك. يعلم الزوجُ بفعلة الزوجة فيُعنفها ويقرر بمنتهى القسوة إنهاء حياتهما الزوجية، ليس من باب الشرف، بل خوفًا على سمعته! وحين يستوثق الزوجُ من أن كروجشتاد قد سحب تهديده وأرسل لهما الوثيقة المزورة، الدليل الوحيد على الجريمة، يحاول هملر استرضاءَ زوجته. لكنها ترفضُ الصفح عمّن جرحَها وباعها رخيصًا، وتهجرُ البيتَ مُخلّفةً وراءها صفقةً مُدوّيةً؛ هزّت أركان الدنيا. ولهذا تقول نورا فى ختام المسرحية مبررة لزوجها عدم غفرانها:
«طوالَ الأعوام الثمانية التى قضيناها معًا، وأنا أنتظرُ معجزةً ما. أعلمُ أن زمن المعجزات قد ولّى، ولكننى كنتُ أنتظر! حتى نزلت بى تلك الكارثةُ، فأيقنتُ أن أوانَ المعجزة قد حلّ. ولم يخطر لى ببال، عندما وصل خطاب (كروجشتاد)، أنكَ سترضخ لشروطه، بل كنت واثقةً أنك ستقول له أذعِ القصةَ على الملأ؛ فأنا لا أبالى، ثم...»، فيقاطعها «هملر»: «ثم ماذا بعد أن أكون قد عرّضتُ باسم زوجتى وجلبت عليها الفضيحة؟» فتستطرد «نورا»، وكأنها لم تسمعه: «ثم تتقدم لتحمل عنى وزرَ المسؤولية قائلا: أنا المذنبُ... وبالطبع ما كنتُ لأقبلَ تلك التضحية؟ تلك هى المعجزة التى كنت أنتظرها وأخشاها يا هملر». ولم تحدث المعجزةُ فخاب ظنُّها فى زوجها.
وهاجم بعض النقاد شخصية «نورا» قائلين إن التى تُقدم على تزوير توقيع والدها لا يمكن الوثوق بقدرتها على القيام بمثل تلك الثورة المجتمعية التى جعلتها ترفضُ موقع الدُّمية وتبرحها إلى موقع الحرية والمسؤولية. وألمحوا إلى التناقض الذى جعل سيدة اقترفت جرمًا يطاله القانون لإنقاذ زوجها من الموت، تريد منه بالمقابل أن يتحمل وزر ما فعلته لأجله، دون أن يخطر ببالها أن زوجها، رغم كونه رئيسا للبنك، ليس مطلوبًا منه أن يكون بطلا إغريقيًّا يصنع المعجزات ويتحمل نتائجها الكارثية التى ستمس حياته ومستقبله. وربما نتفقُ معهم فى أن الفضيلةَ لا تتجزأ. ولكن الفكرة هنا فى تأمل فكرة أن ترفضَ المرأةُ أن تكون عروسَ ماريونيت حسناءَ بليدةً، خيوطُها فى يد الآخرين، وإصرارها على أن تتجاوز تلك البقعة الخاملة، نحو فضاء المسؤولية والفاعلية والالتزام والقيام بدور حقيقى فى المجتمع.

Tuesday, August 21, 2018

أولاد حارتنا: السيرة المحرمة بقلم د. محمد أبوالغار ٢١/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

كتاب محمد شعير البديع الذى صدر حديثاً يجمع بين التاريخ والفن والتوثيق لرواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ ولفترة من تاريخ مصر، يمتزج فيه الفن مع الأدب والسياسة والصحافة وتحت حكم ضباط ٢٣ يوليو وأفكار ونفوذ الإخوان، بالرغم من وجودهم فى السجون. الكتاب يذكرنا بهذه الأيام بحلوها ومرها ويُعَرِف الأجيال الجديدة بتاريخ مصر الواقعى بعيداً عن التاريخ الأكاديمى ولنعرف أن ما قد مر بنا ويمر بنا الآن وفى المستقبل جذوره موجودة فى هذه الفترة.
ظهرت الرواية فى فترة انقلاب دموى فى العراق وتغيير فى حياة الشباب المصرى بتأثير السينما والموسيقى الأمريكية وسطوة هائلة لرجال الدين ونشاط ثقافى فى المسرح وغناء لأم كلثوم، كل هذا فى دولة الوحدة بين مصر وسوريا. محفوظ لم يكن معزولاً عن هذا المجتمع وكان فى ندوته الأسبوعية يستمع ويناقش ويعرف ما يدور فى عقول ومشاعر المصريين.
عثر شعير على مقالات نادرة عن محفوظ تعكس رأى الأدباء والصحفيين والرأى العام. هناك انطباع عام أن محفوظ والسلطة لم يشتبكا، لكن روايته رادوبيس اعترضت عليها الرقابة عام ١٩٤٣ وتم التحقيق معه بسبب رواية القاهرة الجديدة عام ١٩٤٥ وبعد الثورة أثارت روايات أولاد حارتنا واللص والكلاب وميرامار وثرثرة فوق النيل مشاكل مع النظام.
يحكى شعير أن هيكل لم يتردد فى نشر أولاد حارتنا مسلسلة يومياً فى الأهرام. وبدأ اعتراض الأزهر أثناء النشر واتفق هيكل مع ناصر على تكوين لجنة فى
الأزهر لدراسة الرواية للتعطيل حتى ينتهى نشر الرواية.

جهات مدنية اعترضت وحرضت على الرواية، منها حلمى سلام فى مجلة الإذاعة واسعة الانتشار آنذاك وبعض صحفيى الجمهورية، وصالح جودت فى المصور. الظاهرة اللافتة أن ضباط ٢٣ يوليو اعترضوا وحرضوا أتباعهم الصحفيين. فعبدالحكيم عامر أطلق حلمى سلام وأنورالسادات أطلق صحفيى الجمهورية وكمال الدين حسين القوى الدينية وفلول الإخوان، وكان جناح عبدالناصر (هيكل وثروت عكاشة) هو المدافع عن محفوظ حتى وصل الأمر إلى أن أرسل عامر قوات للقبض على نجيب محفوظ وأبلغ سامى شرف عبدالناصر الذى طلب من عامر أن يوقفهم فوراً قائلاً «إحنا عندنا كام نجيب محفوظ».
وينشر شعير تقرير لجنة الدفاع عن الإسلام وبها الشيخان سيد سابق ومحمد الغزالى وكلاهما عضوان تباعدا عن الإخوان عام ١٩٥٤ وقال الغزالى إن الرواية إلحاد وعبث بتاريخ الديانات. ودافع محفوظ عن أولاد حارتنا قائلاً إنها تصور الصراع المرير الذى تزعمه الأنبياء والرسل دفاعاً عن الفقراء وتهيئة العيش السعيد للناس أجمعين ثم تدخل العلم بعد انتهاء الرسالات ليقوم بنفس الغاية.
وينشر الكتاب نصاً رائعاً لبرنارد شو الذى صدر عام ١٩٢٢ والذى قال نجيب محفوظ إنه تأثر به وقد يكون وراء فكرته فى كتابة أولاد حارتنا. ويبين الكتاب تأثير سلامة موسى الكبير على نجيب محفوظ فى تقدير العلم والديمقراطية الاجتماعية، وهو ما أسعدنى لأن سلامة موسى هو معلمى الأعظم.
والكتاب يبين تدخل السلطة السياسية بطريقة فجة فى الأعمال الأدبية ويذكر تفاصيل اعتراض عبد الناصر على روايات إحسان عبدالقدوس واعتراض الأمن على رواية فتحى غانم. ويشرح علاقة محفوظ بسيد قطب وكان من أوائل الذين قدموا محفوظ على أنه نجم المستقبل وكتب محفوظ عن أعمال سيد قطب الأولى وفى النهاية اكتشف نجيب محفوظ التحول الهائل الذى حدث عند سيد قطب وانتهت علاقتهما.
واستمرت الرواية ممنوعة من النشر فى مصر بالاتفاق مع محفوظ حتى يوافق الأزهر. خلال ذلك نشرت الرواية فى دار الآداب فى بيروت وتسربت آلاف النسخ إلى مصر، حتى نشرت بعد عقود بمقدمة من الكاتب الإسلامى أحمد كمال أبوالمجد.
وينتقل الكتاب إلى جائزة نوبل ويحكى كيف حصل عليها وتفاعل الشعب المصرى والمنطقة كلها بالجائزة.
وفى نادى الكتاب فى بيتنا عام ٢٠٠٤ ناقشنا أولاد حارتنا وأحضر جمال الغيطانى تسجيلاً صوتياً من نجيب محفوظ بالإجابة على الأسئلة المقدمة مسبقاً عن الرواية من أعضاء النادى.
هذا العمل يكشف خطورة الفكر الشمولى حين كان كل مسؤول ينفذ ما يراه بالقوة وعلى مزاجه ويوضح خطورة الفاشية الدينية التى تسيطر على مؤسسات وهيئات وجمعيات وهى تستميت فى قتل الفن والأدب الجيد خوفاً على تأثيرهما على بعض الأفكار العتيقة التى دمرت وما زالت تدمر وطننا.
رحم الله كاتبنا الكبير المصرى العظيم البسيط المتواضع الذى أمتعنا ورفع رأسنا جميعاً عالياً الراحل نجيب محفوظ.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


Monday, August 20, 2018

هرمُ الإسكندرية.. والشيخُ سيد بقلم فاطمة ناعوت ٢٠/ ٨/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


لا شكَّ عندى فى أنّ مصرَ العظيمةَ كانت فى بال المؤرخين الألمان، حين أطلقوا لقب (The Three “B” Pyramids of Germany) على ثلاثة من عظماء ألمانيا تبدأ أسماؤهم بحرف: «الباء» B. فالأهرامات المصرية الثلاثة شىءٌ حضارى فريدٌ وحصرى، لا يخصُّ إلا مصرَ الجميلة وحدها، ربّةِ أعظم حضارات الأرض. لهذا استعارَ الألمانُ العبارةَ الرمزية: «أهرامات ألمانيا الثلاثة»، ليعبّروا بها عن قاماتٍ موسيقية أسطورية هم: (بيتهوڤن- باخ- برامز). ولكنْ، هل بالفعل لا تمتلك مصرُ إلا أهراماتٍ ثلاثةً، وفقط؟ بالقطع لا. فعطفًا على الأهرامات الثلاثة الشهيرة، وأكثر من مائة هرمٍ حجرى قديم آخر شيّدها أجدادُنا المصريون القدامى، لحماية مومياوات الملوك وحراستهم فى رحلة «الخروج إلى النهار» حيث الموت والبعث والأبدية، ثمّة أهراماتٌ حجرية حديثة، شيّدها المصريون المعاصرون، تنافسُ الأهرامات القديمة عظمةً وأسطورية. فى القاهرة يتمُّ الآن تشييد هرم مصرى عالمى هائل، هو «المتحف الكبير» على هضبة الأهرام، وفى الإسكندرية ثمّة هرمٌ أسطورى عالمى هو «مكتبة الإسكندرية الجديدة»، شُيّدت على مقربة من أطلال مكتبة الإسكندرية القديمة (ببليتيكا دى لو أكسندرينا)، التى شُيّدت قبل أربعة وعشرين قرنًا، فى عهد الإسكندر الأكبر وخلفائه من البطالمة، كأول وأعظم وأضخم مكتبة عامة فى التاريخ، ضمّت بين جناحيها وقتئذ ٧٠٠ ألف مخطوطة تاريخية نادرة، وجميع مؤلفات أرسطو وهوميروس، وتعلّم على مقاعدها عظماءُ الفلاسفة والعلوم مثل أرخميدس وإقليدس وأفلاطون وهيروفيلوس وهيباثيا وجالينوس وأبولونيوس وغيرهم، ولم يكن يُعترفُ بأى فيلسوف أو عالمٍ، فى العصور القديمة، حتى يُحصِّل علومَه ويبنى عقلَه من فرائد تلك المكتبة وأمّهات مجلداتها.
وكلّما دخلتُ هرم الإسكندرية الحديث، أطمئنُ إلى أن مجدَ أجدادى، السَّلف الصالح، موصولٌ غيرُ مقطوع، وأن أمّى العظيمةَ مصرَ، تعودُ إلى مجدها العريق يومًا بعد يوم. من الدور الخامس بالمكتبة، وبعد تناول وجبة العشاء الشرفى مع مدير المكتبة د. مصطفى الفقى، السياسى والمثقف الموسوعى، وقادة حزب الوفد، وقفتُ لأنظر من عَلٍ، بعين طائر، إلى معجزة معمارية تُطلُّ بوجهها على العالم عبر صفحة المتوسّط الزرقاء. ٩٣ ألف متر مربع من خشب السنديان الثمين، تكسو أرضيات أكبر قاعة قراءة عامة فى العالم. أرفعُ بصرى لأعلى لأتأمل السقفَ المرفوع على ٩٣ عمود تيجانُه زهرة اللوتس الخالدة، تخترقه نوافذُ سماويةٌ تُكَّحِلُها عواكسُ مثل جفون العيون لتكسرَ أشعة الشمس المباشرة لئلا تؤذى عيونَ القُراء على مقاعد المطالعة. أجولُ ببصرى فى أرجاء المكتبة وأتأملُ الفتحات المستطيلة المحفورة فى جدرانها، تُشبه الأرففَ التى كانت تحفظُّ رولات المخطوطات النادرة فى المكتبة القديمة ببليتيكا، لكنها اليوم تُشتّتُ الصوتَ وتكسِّر الصخبَ لكى تتدثّرَ المكتبةُ بثوبٍ رافلٍ من الهدوء والسكينة. وهكذا يتناغمُ الشكلُ مع الوظيفة فى علاقة روحية متناغمة لتتحقق العمارةُ المثالية كما تعلّمناها فى كلية الهندسة: Function and Function should join in spiritual union. ترتاحُ العينُ والأُذنُ وتهنأ القراءةُ.
بدأتُ المقالَ للحديث عن الشيخ سيد، فاستلبتنى المكتبةُ التى لا ينتهى الحديثُ عنها. وأمّا الشيخُ سيد، فهو أحدُ أهرامات مصر البشرية: سيد درويش عبقرى الموسيقى. وأما مديرُ هرم الإسكندرية، د. مصطفى الفقى، فقد قرر أن يحتفل بمئوية ثورة ١٩، بطريقة مبتكرة. فأقام فى مسرح الهرم/ المكتبة، حفلا غنائيًّا ثريًّا، دعا إليه رموزَ حزب الوفد، مُفجّر الثورة الليبرالية المجيدة، وأحياه حفيدُ سيد درويش، المطرب المهندس الموهوب إيمان البحر درويش، الذى ذكّرنا بأمجاد الجَدّ الخالد، وغنّينا معه الأغنيةَ الساحرة الماكرة التى ناجى فيها الشعبُ المصرى زعيمَه «سعد زغلول» فى منفاه، بعدما أصدر المحتلُّ الإنجليزى وقتها فرمانًا بمنع الهتاف باسمه أو المطالبة بعودته. ومَن يقدرُ على قمع شعب مصر الذكى المبدع؟! على نغمات عظيم الموسيقى «سيد درويش»، غنّى الشعبُ كلمات العظيم «بديع خيرى»: «يا بلح زغلول/ يا حليوة يا بلح/ يا زرع بلدى/ عليك يا وعدى/ يا بخت سعدى/ زغلول يا بلح/ عليك أنادى/ فى كل وادى/ قصدى ومُرادى/ الله أكبر/ عليك يا سُكّر/ يا روح بلادك/ ليه طال بُعادك/ تعا صون بلادك/ زغلول يا بلح/ سعدى وقال لى/ ربى نصرنى/ وراجع لوطنى/ يا حليوة يا بلح».
تحيةَ احترام لهرم الإسكندرية الشاهق، ومديره المثقف، ولأهرامات مصر الحجرية والبشرية القديمة والراهنة، وتحيةً من قبل ومن بعد لمصر صانعة الأهرامات الحضارية والإنسانية، تلك التى وقفت على أولى درجات سُلَّم التاريخ، وعلى درجات اللحظة الراهنة، وإلى درجات نهاية الزمان، بإذن الله.

Sunday, August 19, 2018

لازم ولكنه غير كافٍ بقلم د. عماد جاد ١٩/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

الديمقراطية شكل من أشكال نظم الحكم، جاء فى سياق تطور طبيعى للمجتمعات الغربية التى بدأت من المدينة اليونانية، والتى تمثلت فى البداية فى الديمقراطية المباشرة، والتى كانت تتمثل فى اجتماع الرجال اليونانيين الأحرار فى ساحة بالمدينة، يناقشون قضايا دولتهم الداخلية والخارجية، ويتخذون القرارات اللازمة.
وبمرور الوقت ومع تزايد عدد سكان الدولة وتزايد عدد المواطنين من الرجال الأحرار، لم تعد ساحات المدينة كافية لاجتماعاتهم، ومن ثم ظهرت الديمقراطية التمثيلية والتى تعنى اختيار ممثلين عن المواطنين من الرجال الأحرار، بشكل متوازن، بمعنى اختيار شخص ممثل لكل مائة أو ألف مواطن، يجتمعون فى مكان محدد لمناقشة قضايا بلادهم الداخلية والخارجية واتخاذ القرارات اللازمة.
وتطور الأمر بعد ذلك بوضع أساس فصل بين السلطات الثلاث بحيث يتولى الممثلون المنتخبون أو المختارون سلطة التشريع والرقابة على أداء السلطة التنفيذية (الحكومة)، مع تولى القضاء الفصل فى المنازعات. وبمرور الوقت تطورت النظم وأضاف العلماء والفلاسفة قواعد وأسسا لضبط النظم الديمقراطية، وصولا لفكرة العقد الاجتماعى، بحيث سقطت نظرية التفويض الإلهى للملك أو القيصر المتحالف مع رجال الدين، وبات التفويض شعبيا، وظهرت هذه النظرية التى تقول إن الحاكم هو موظف عام مفوض من الشعب بموجب عقد محدد الشروط والمواصفات (الدستور)، من حق الشعب فى حال عدم الوفاء بشروط العقد أن يسلبه التفويض ويسحبه منه.
التعريف المبسط لنظام الحكم الديمقراطى يقول إن الشعب هو مصدر السلطات، هو مصدر السيادة، هو الذى يحكم (عبر التفويض أى اختيار الحكام) وهو وحده صاحب الحق فى التجديد لهم (لحدود معينة عادة دورتا حكم) وله وحده سحب التفويض أو استرداد التكليف. تنفرد الديمقراطية عن غيرها من أشكال الحكم بكونها شكلا من أشكال الحكم لا يقف بمفرده، بل يستند إلى منظومة من القيم الإنسانية مثل المساواة، الحرية والعدل، فالديمقراطية فى ذاتها شكل من أشكال الحكم وهى عبارة عن مجموعة إجراءات (تعدد الأحزاب، صوت واحد لكل مواطن، الانتخابات الحرة النزيهة، دورية الانتخابات وتداول السلطة) لا تستقيم دون مصاحبة القيم الانسانية، ولا يمكن اختزال الديمقراطية فى مجموعة إجراءات كالانتخابات الحرة، مثلا، فقد تجرى نظم حكم انتخابات دورية، وقد تكون نزيهة دون أن يعنى ذلك أن نظام الحكم ديمقراطى، كما أن هذه الانتخابات الحرة لا تفرز بالضرورة حكاما ديمقراطيين أو يحترمون الديمقراطية، بالعكس هناك تجارب فى التاريخ أفرزت الانتخابات الحرة، فيها حكام مستبدون، سرعان ما ألغوا الديمقراطية، وانتهكوا حقوق المواطن، ومنهم من جاء بالديمقراطية، وأشعل حربا كونية (هتلر جاء بالديمقراطية، وأشعل الحرب العالمية الثانية التى راح ضحيتها خمسون مليون إنسان).
من هنا نؤكد أن الانتخابات الحرة النزيهة شرط لازم لاكتمال الديمقراطية، لكنها ليست شرطا كافيا، فوجودها ضرورى لاكتمال الديمقراطية، ولكن وجودها فى ذاته لا يعنى بالضرورة أن النظام ديمقراطى، فلا بد من توافر القيم الإنسانية الأخرى المصاحبة للديمقراطية كالعلمانية، بمعنى فصل الدين عن السياسة وحياد الدولة تجاه الأديان والوظائف دينية للدولة، وكذلك الحرية والمساواة والعدل.
السؤال هنا: هل يمكن إقامة نظام حكم ديمقراطى فى دول متخلفة اقتصاديا، وفى ظل طبقة وسطى هشة وضعيفة وطبقة دنيا كبيرة، أو ارتفاع نسبة السكان تحت خط الفقر وفوقه مباشرة وارتفاع معدلات الأمية الهجائية والثقافية أيضا؟
الإجابة العامة تقول بصعوبة وضع أسس نظام ديمقراطى حقيقى فى مجتمع يئن غالبية سكانه من الفقر، وينتشر بينهم الجهل، وأن الانتخابات فى مثل هذه المجتمعات عادة ما تشهد ظواهر مثل شراء الأصوات وتوظيف الدين فى جلب الأصوات، كما أن الاعتبارات المعنوية والقيم الإنسانية مثل الحرية والكرامة لا تعتبر أولوية لدى الفئات الفقيرة التى ينصب جل همها على تلبية الاحتياجات الأساسية، وفى حال تحسن الأوضاع الاقتصادية واتساع مساحة الطبقة الوسطى ووزنها، وارتفاع معدلات التعليم وفتح أفق الانتقال الطبقى أى الصعود الاجتماعى يدفع فى اتجاه السعى نحو اعتبارات قيمية ومعنوية ومن ثم المطالبة بالديمقراطية كشكل من أشكال الحكم.
الخلاصة تحقيق معدلات تنمية مرتفعة وبشكل مستمر يعنى لاحقا ضرورة تحول النظام السياسى إلى الآخذ بالديمقراطية أو السير باتجاه النظام الديمقراطى، يمكن اعتبار ذلك قاعدة عامة، جرت فى كوريا الجنوبية وغالبية دول أمريكا اللاتينية ومؤخرا بعض الدول الإفريقية، وبالطبع لكل قاعدة استثناءات، ومنها على سبيل المثال التجربة الصينية التى حققت معدلات تنمية مرتفعة، ولكنها لا تزال تقاوم التحول الديمقراطى، عكس التجربة الهندية التى بنت نموذجا ديمقراطيا فى ظل ظروف اقتصادية صعبة للغاية.

الشباب والتحدى الثقافى «١-٢» بقلم الأنبا موسى ١٩/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

أولاً- ملامح الثقافة الوافدة:
يتحدثون الآن عن «العولمة الثقافية» أو «الثقافة الكوكبية»، والمقصود بها أنه من خلال طغيان وسائل الإعلام، سواء التليفزيون المحلى أو القنوات القادمة من الأقمار الصناعية، سوف تنتشر ثقافة واحدة فى العالم كله، يتأثر بها الإنسان، وبخاصة الشباب ويسلكون بحسبها، متجاهلين الثقافة الوطنية، والتقاليد الاجتماعية، والقيم السائدة فى بلادنا الآن.
نحن الآن فى عصر «السماوات المفتوحة»، فلم يعد هناك حدود أو سدود أو قيود على أى ثقافة أو أفكار، أو سلوكيات أو قيم غريبة، تدخل إلى مجتمعنا.
ومن سنوات فى دراسة فرنسية نعرف أن التليفزيون الفرنسى الذى يبث ٧٠.٠٠٠ ساعة فى العام، اكتشف أن ٦٣.٠٠٠ ساعة منها قادمة من هوليوود الأمريكية، وباللغة الإنجليزية، والعادات والقيم الشائعة هناك، وأن ٧.٠٠٠ ساعة فى العام فقط هى المنتجة فرنسياً والناطقة باللغة الفرنسية. هنا الزحف الخطير القادم من الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى دولة فى العالم عسكرياً وعلمياً واقتصادياً، سوف يؤثر بدون شك فى الأجيال الفرنسية الصاعدة، وينسيها لغتها وتقاليدها وثقافتها الوطنية، لصالح الأسلوب والمنهج الأمريكى فى الحياة.
وإذا ما تذكرنا أن فرنسا دولة ذات ثقافة إنسانية رفيعة وعريقة، كنا نذهب إليها منذ عقود كثيرة، ونتفاعل مع حضارتها الأدبية والفنية والقانونية والفكرية، أيام طه حسين وغيره من مبدعى مصر، ندرك الخطر الأمريكى الزاحف إلى كل بلدان العالم، بالثقافة الأمريكية التى تتسم بسمات مهمة وخطيرة.. فما هى ملامح الثقافة الوافدة؟
١- ثقافة الاستهلاك:
فالثقافة الأمريكية القادمة إلينا من خلال وسائل الإعلام، ترتكز فى جوهرها على إيراد الإعلانات، ويظل الإعلان يلح على الناس، حتى يشتروا ما لا يناسبهم، أو يشتروا ما هم ليسوا فى حاجة إليه. وهكذا ترتفع معدلات الاستهلاك فى الأسرة، ويصرفون الكثير، الأمر الذى غالباً، لا يتناسب مع الدخول المادية للأسرة، مما يمكن أن يعرض أفرادها للانحراف، بغية الحصول على المال، ناهيك من خطورة «تسطيح» الذهن الإنسانى، فلا يعد يفكر فى أمور علمية أو أدبية أو فنية أو إبداعية، ويظل حبيساً للأمور المظهرية من ملابس وأحذية وأثاث وسجاد ومأكولات معينة... إلخ.
٢- ثقافة الجسد:
فمن الواضح أن الحرية الأمريكية انفلتت فى هذا الميدان بصورة محزنة، وما نراه على شاشاتها القادمة إلينا، شئنا أم أبينا، انفلات جنسى خطير ومدمر، وكمجرد مثال نتحدث عن «علاقات ما قبل الزواج»، فمن المؤسف أن الشباب الأمريكى العادى، وكذلك الشابة، يغير كل منهما الآخر ١٢ مرة، فى الفترة من ١٥-١٨ سنة! وهذه إحصائية حقيقية مدونة فى كتبهم هناك. ومع هذا السلوك:
أ- ينغمس الشباب فى شهوة الجسد، حتى إلى الإدمان.
ب- يقودهم إدمان الجسد إلى إدمان المخدرات.
ج- ويقودهم إدمان المخدرات إلى إدمان العنف والجريمة.
د- ويقودهم إدمان العنف والجريمة إلى السجن والفشل والضياع.
ه‍- وتقول الإحصائيات هناك إن الإيدز بدأت تزداد الإصابة به، حتى بين الفتيات، بسبب كثرة تغيير الشريك.
و- كما أن هذا الأسلوب يجعل الشباب يدخل إلى الزواج من باب الجسد، وليس من باب الروح، ولا حتى العقل، مما ينتج عنه: زواج فاشل، وأسر ممزقة، وأولاد ضائعون.
ز- وما أكثر ما يترك الزوج زوجته بعد ١٠- ١٥ سنة، وبعد أن ينجب منها ولداً أو أكثر، ثم يتركان بعضهما، ويتزوج كل منهما، ويتركان الأولاد والبنات فى ضياع رهيب، وبدون أسرة حانية.
وها نحن نسمع عن الأفلام المنحرفة التى تحاول أن تشبع «النهم الجنسى» لدى الكبار والصغار هناك (Pornography)، كما نسمع عن سهولة الدنس والخطيئة، وعن صور الانحراف بالعلاقة الزوجية المقدسة، لتصير علاقة مؤقتة، وغير موثقة، وأولاداً ضائعين. بل ها نحن نسمع فى الغرب عن تقنين الدولة - للأسف - للزواج بين اثنين من نفس الجنس، والموافقة على هذا النوع من «الزواج»، «والأسرة»، وأن تعريف الأسرة لم يعد، كما نعرف، زوجاً وزوجة اتحدا فى قداسة والتزام، وأثمرا أولاداً وبناتاً، بل هما اثنان من نفس الجنس، أو «أم غير متزوجة» تعيش مع طفلها الذى لا يعرف أباه، ولا يلتزم أبوه به.. أمور دمرت الأسرة هناك، فأصبحوا كل يوم يتحدثون عن القيم العائلية (Family Values)، ولكن هيهات أن تستقيم الأسرة- الخلية الأساسية فى المجتمع- ما دامت تعيش هذا الانفلات الجنسى المحزن!
نستكمل الأسبوع المقبل

Saturday, August 18, 2018

د. وسيم السيسى يكتب: ذكريات عبرت.. ١٨/ ٨/ ٢٠١٨ «١» - المصري اليوم

كنت فى لندن، وكان مؤتمراً يحاضر فيه دافيد والاس من أكبر علماء وجراحى المسالك البولية، همس جارى فى أذنى: إنه عالم كبير، خصوصاً فى سرطان المثانة، ولكنه كجراح لا أطمئن أن أعطيه قطة يجرى لها عملية!
جدير بالذكر أن دافيد ولاس من مؤسسى أحد المستشفيات الكبرى بالسعودية، أجرى عملية استئصال خصية لشاب سعودى بسبب السرطان، ولكنه لم يأخذ موافقة المريض قبل إجراء العملية، حكمت المحكمة باستئصال خصية والاس بعد شكوى المريض، اضطرت السلطات لخروجه عن طريق البحر، وبعد ٢٥ سنة طلبت المملكة منه حضور اليوبيل الفضى، خصوصاً أن الحكم سقط بالتقادم، وفى كلمة الافتتاح قال دافيد والاس: أنا مدان لكم بخصية، يمكنكما أن تأخذوا الاثنتين فلم أعد فى حاجة لهما!!
وفى الاستراحة كنت أتحدث إلى زميلى، شغوفاً أن أعرف عن والاس الكثير، فوجئت بواحد يتقدم لى بصينية عليها ساندوتش وكولا قائلاً: أمامنا جلسة طويلة وأنت لا تأكل شيئاً، شكرته كثيرا.
بدأت الجلسة الثانية، وإذ بمن قدم لى الساندوتش والمشروب هو رئيس الجلسة وهو بروفيسور بالمر، رئيس خمس دول لتقسيم جديد للسرطان، وهو المعروف باسم T. IV.M. ما أجمل تواضع هؤلاء العلماء.
«٢»
فى مجلس العموم البريطانى، هاجمت عضوة المعارضة باربارا كاسل، رئيس الوزراء إدوارد هيث، لأنه تقدم بمشروع قانون يحد من حق العمال فى التظاهر: وحش، متعسف، ديكتاتور، صاحب رجل سوداء «أى خائن - عن عامل الفحم الذى ينزل المنجم وحده ويخرج برجل سوداء»، سوف نحاربك حتى بالناب والمخلب! حتى ندمر مشروع قانونك هذا!
توتر المجلس.. أراد رئيس المجلس التخفيف عن رئيس الوزراء بفكاهة، خصوصاً بعد أن قام إدوارد هيث للرد على باربارا قائلاً: بغض النظر عن إهانة العضوة الموقرة.. هنا قاطعه رئيس المجلس: ألست أنت رئيس الوزراء؟ قال: نعم! قال الرئيس: لهذا أنت هنا! أى لإهانتك!! ضج المجلس بالضحك! وتانى يوم، الصحافة: هجوم شرس على رئيس الوزراء، باربارا تسيل الدماء فى مجلس العموم... إلخ.
خرجت من المجلس وأنا أردد لعبدالوهاب: يا نسمة الحرية.. يا نسمة رايحة وجاية!
عقبالنا!!


Thursday, August 16, 2018

دموعٌ على جديلة... وآيسبرج على حُفاة! بقلم فاطمة ناعوت ١٦/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


ما تلك الهشاشةُ والانبطاح التى تجعلُ ذكرًا يذرفُ الدمعَ وينشجُ فى النحيب؛ حين يلمحُ طرفَ جديلةٍ أطلقتها صَبيةٌ للنسيم لتتنفس؟! يبكى لأن جديلةَ تتواثبُ حول صَبيّة كما تتواثبُ فراشاتٌ حول زهرة! لونٌ مدهشٌ من التمثيل والادعاء الرخيص! وحين نعرفُ أن تلك الصبيةَ ليست ذات قُربى لذلك الذكر من قريبٍ أو بعيد، تزدادُ الدهشةُ من حجم التمثيل الهابط. وحين نعرفُ أن ذلك الذكرَ يتحوّل فجأةً من بَكّاءَ نَوّاحٍ ذرّافِ دمعٍ، إلى جبل من الجليد الصقيعى حين يرى قدمين مُصدّعتين بالشقوق لطفلة حافية جائعة، ترعى فى صناديق القمامة، تتحوّلُ الدهشةُ فى عقولنا إلى رواسبَ صلدة من الاشمئزاز من ذلك الممثل الفاشل الذى أخفق فى كسب تعاطفنا مع دموعه الكذوب. نجدُ أنفسَنا أمام معادلة تشقُّ على نيوتن وقوانينه: دمعٌ ساخنٌ على خصلة فى رأس فتاة، وآيسبرجُ باردٌ أمام جُرجٍ فى قدم طفلة! كيف اجتمع النقيضان الـDon›t mix؟! إنها حُنكةُ التمثيل.
وفى مقابل تلك الركاكة التمثيلية، نجد نضوجًا مشهودًا فى الوعى الجمعى المصرى الذى رفض تصديق ذلك «الذكر» فأوسع لحيتَه المبتلّة بالدمع سخريةً، وانتفض فى وجهه قائلا: للفتاة ربٌّ يحميها من هوسك الشبقى الذى أراق دموعَك على خيط نسيج ولم يُرقه على دم متجلّط فى عروق الحُفاة من أطفال المسلمين يعيشون فى عشش الصفيح ويعتاشون على حُشاش الأرض ونفايات الأغنياء، الذين أنت منهم أيها الباكى.
وثَمَّ «ذكرٌ» آخرُ ظهرَ مبتسمًا فى برنامج «العاشرة مساءً» يُدافع عن دموع ربيبه قائلاً: إنما الدموعُ على «التهتك وانعدام الستر». وحين هاجمته سيداتٌ من ذوات الرجاحة والنُهى قائلات: «وأنتَ مالك؟ خليك فى حالك! كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة» انكمش فى مقعده وجَبُن، وقال: «نحنُ لا نُجبر النساءَ على التخفّى فى نقابٍ أو التوارى فى حجاب. إنما هى النصيحةُ النَّصوحُ. كذبتَ أيها الذَّكر! إنما تزعمُ «النصيحةَ» لأنك لا تملكُ أكثر منها، فى الوقت الحاضر. ولو تمكّنتم أذللتم. تحلُمون بعهد «التمكين»، وإن حدثَ لأشبعتم النساءَ وَيْلاً وسِبايةً واسترقاقًا وامتلاكَ يمين، كما فعلت داعشُ السوداءُ. تحلمون بأستاذية العالم، وإن حدث لأشبعتم البشرَ تهجيرًا وإذلالاً وذبحًا، كما فعلت داعشُ السوداءُ. تحلمون باستعمار الأرض؛ وإن حدث لنشرتم الجهل والمرض والفقر والتضخم والظلام فى أرجاء المعمورة، كما فعلت داعشُ السوداءُ. أنتم «داعش» ذاتُها، ولكن دون سلطان. ينقصُكم السلاحُ وسقوطُ النظام وغيابُ القانون، فيحدث «التمكينُ» وتصبحون داعشَ. تمكَّن «طالبان» من أفغانستان ففجّر مجرمون منهم تمثالىْ «بوذا» اللذين لا يُقدّران بثمن. وفى مصرَ جاء من بين ثنايا خيامكم ذكرٌ أرعنُ اسمُه «صائمُ الدهر»، هشّم أنفَ أبى الهول. ولولا رحمةٌ من الرحمن أثارت من حوله زوبعةَ رمالِ عاصفةً؛ فارتعب المجرمُ وولّى الأدبارَ إذْ ظنَّ لجهله أنها «لعنةُ الفراعنة»، لحطّمَ التمثالَ الخالد كاملاً، ولاختفى من الوجود أثرٌ عزّ نظيرُه واستحالَ شبيهٌ، بين خوالد الحضارات. وفى عام الإخوان الأسود على مصر الطيبة، وثبَ «ذكرٌ» من أربابهم رامَ هدمَ آثار حضارتنا المصرية! لماذا؟ لأنها «أوثان»(!!!) وحين سخر المصريون منه، تراجع المجرمُ خطوةً للوراء واقترح تغطية التماثيل بالشمع؛ لكيلا تفتن البشرَ فيعبدونها من دون الله، أو يشتهونها من دون الغلمان!.
أيها الذكور المنتحبون على جدائل الصبايا، ليست دموعُكم على دِين أو إيمان أو تُقًى، إنما على أطلال ممالكَ شيدتموها عقودًا وسنواتٍ فى عقول البسطاء بالكذب على الله، فصدّقوكم برهةً ثم استفاقوا وانفضّوا عنكم ولفظوكم كما تلفظُ القدمُ نعلاً باليًا. ويا أيتها الصبيةُ التى أطلقت جدائلها للنسيم، كونى كما تريدين أن تكونى؛ ولا تعيرى المنافقين بالاً، فاللهُ كاشفُهم وكاشفُ عيونهم الجوعى التى تُثير جنونَها الشهواتُ ولا يعبأون بالفقر والعوز والجوع والمرض والبغضاء ترعى من حولهم فى مجتمعاتنا التعسة بهم.

Monday, August 13, 2018

مصر تتحسن فى الابتكار وتتدهور فى الشفافية والفساد بقلم د. محمد أبوالغار ١٤/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

أوضح تقرير الهيئة الدولية لقياس الابتكار (٢٠١٨) أن مصر قد تقدمت عشرة مراكز لتصبح الـ٩٥ فى الجدول المكون من ١٢٦ دولة وكان التقدم الأكبر فى نسبة معامل الابتكار وهو الكفاءة فى تحويل مدخلات الابتكار إلى مخرجات لها قيمة، وفى هذه الجزئية قفزت مصر من المركز ٨١ إلى ٤٩ هذا العام. تحية لأكاديمية البحث العلمى والجامعات ومراكز البحوث وبالطبع وزارة البحث العلمى.
أملنا الوحيد لإنقاذ الاقتصاد هو قدرتنا على الابتكار. فشركة أبل القائمة على الابتكار قيمتها تريليون دولار مقارنة بـ١.٨ تريليون دولار قيمة الدخل القومى لقارة أفريقيا. الابتكار يعتمد أيضاً على البنية التحتية وتنظيم العمل ودرجة تطور الشركات ورجال الأعمال ومستوى التعليم ومتوسط دخل الفرد والاستقرار السياسى والأمن. ويضع التقرير فى اعتباره عدد السكان، وكانت سويسرا وهولندا والسويد وإنجلترا وسنغافورة وأمريكا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وإسرائيل وكوريا فى المراكز الأولى بالترتيب ودخلت الصين لأول مرة ضمن العشرين الأوائل. التركيز على الابتكار والإبداع بتهيئة الفرصة للعباقرة من شباب المصريين ووضعهم فى البيئة العلمية بغض النظر عن مستواهم الاجتماعى هو الأمل فى دخول مصر عالم التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الصناعى وتكوين حاضنات لهم، لإبعادهم عن العك، هى الفرصة الحقيقية لتقدم مصر علمياً واقتصادياً.
وأعلنت مؤسسة الفساد والشفافية فى ٢٠١٨ تأخر مصر من المركز ١٠٨ إلى المركز ١١٧ من ضمن ١٨٠ دولة، بمعدل شفافية قدرة ٣٢%، يعنى ٦٨% عدم شفافية وفساد.
الدول التى تحتل ذيل الجدول هى السودان وسوريا واليمن وإريتريا. وفى مقدمة العرب تأتى الإمارات وتليها قطر. وإسرائيل تحتل المركز الـ٢٨. هناك دول كبرى مستوى الشفافية فيها ضعيف والفساد كبير مثل روسيا والصين وترتيب كلاهما متأخر فى الجدول.
هناك علاقة واضحة بين درجة الشفافية والنمو الاقتصادى، كلما قل الفساد ارتفع الدخل القومى ومتوسط إيراد الفرد. الدول المتقدمة فى الجدول هى الدنمارك والنرويج والسويد وفنلندا ومعها نيوزلاندا، وتليها سويسرا وهولاندا وكندا.
مثال يوضح معنى الشفافية فى السويد: الوزيرة المرشحة لترأس الوزارة كانت تركب المترو فى طريقها إلى المنزل، شاهدت فى الفترينة فستان أعجبها فاشترته بكارت الائتمان الخاص بالحزب وفى اليوم التالى صباحاً أودعت ثمن الفستان من حسابها الشخصى فى حساب الحزب. وأثناء المراجعة الحسابية اكتشفوا ما حدث وأصبحت فضيحة كبرى انتهت باستقالتها من منصبها. كيف تجرؤ على استخدام الكارت لشىء شخصى حتى لو سددت المبلغ؟ طبعاً هذا المثال لو طبق فى العالم الثالث سوف يعتبر جميع المسؤولين فاسدين، وربما يجب عليهم الانتحار من هول المفارقة فى المعايير.
الشفافية تعنى الأمانة والصراحة فى كل ما يخص الشأن العام وتعنى حرية تداول المعلومات وسهولة الحصول عليها. حرية الصحافة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدرجة الفساد والشفافية، ويقول التقرير كلما كانت الصحافة حرة منعت الفساد وتحسنت درجة الشفافية.
الأجهزة الرقابية الأمينة تلعب دوراً فى محاربة الفساد فى العالم كله وفى العالم الثالث. شاهدنا جميعاً الدور الإيجابى الذى لعبته الرقابة الإدارية فى مصر فى كشف بعض كبار الفاسدين.
و أحياناً أخرى تعلب الأجهزة دوراً سلبياً بالمساعدة على إخفاء الفساد ويلعب الإعلام الفاسد دوراً كارثياً بالدفاع عن الفساد والفاسدين. وسائل التواصل الاجتماعى لها دور فى كشف الفساد وحيثما تكون الصحافة ووسائل الإعلام حرة تقل أهمية وسائل التواصل الاجتماعى. فى العالم الأول لأن هناك حرية كبيرة للإعلام فلا يجد المواطن الحاجة لاستخدام وسائل التواصل بينما فى العالم الثالث لأن الإعلام فيها محاصر وغير دقيق فالإقبال على هذه الوسائل رهيب وخطير وينقل أخباراً صحيحة وأخرى غير صحيحة.
فى دول العالم الثالث تلعب الدولة دوراً كبيراً فى الاقتصاد ولذا فالفساد فيها مرتبط فى علاقة غير سوية بينها وبين القطاع الخاص وفى غياب الشفافية والرقابة الشعبية ممثلة فى البرلمان المنتخب بقواعد ديمقراطية يرتفع مستوى الفساد ويضع هذه الدول فى النصف الأسفل من قائمة الشفافية الدولية.
مصر يجب أن تأخذ خطوة جدية فى التخلص من الفساد الكبير والذى تقوم به نسبة قليلة من السكان ولكنه يسبب خسارة ضخمة فى الاقتصاد. حسب المؤشر العالمى فإن الدولة التى تكون درجة الشفافية فيها أقل من ٥٠% تكون فى خطر ومصر درجتها ٣٢%، وثلثا بلاد العالم درجتها أقل من ٥٠%. لماذا لا تقيم مصر مؤتمراً مفتوحاً لمكافحة الفساد ودعم الشفافية؟ ربما يكون هذا المؤتمر ذا فائدة كبرى لمصر واقتصادها ومستقبلها ويحسن الوضع داخلياً وعالمياً.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


هل تعرفون المصريين الأرمن؟ بقلم فاطمة ناعوت ١٣/ ٨/ ٢٠١٨- المصري اليوم


هل تذكرون «ألكسندر صاروخان» مبتكر شخصيات من الكاريكاتور السياسى عاشت معنا واحتلّت عقولنا وثقافتنا مثل: «المصرى أفندى»، «مخضوض باشا الفزعنجى»، «إشاعة هانم»، وغيرها، وصاحب كتاب النقد السياسى «هذه الحرب»؟ فنان كاريكاتور عظيم، أرمنى مصرى من أصول روسية، يُعدُّ من أقوى ١٠٠ رسام كاريكاتير فى العالم، وفق تصنيف مجلة ستوديو الإيطالية، وهو الشرارةُ الأولى لفن الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى. ولد صاروخان عام ١٨٩٨ فى القوقاز، ثم هاجر إلى مصر فى شبابه، واستقر بها ومنحه الرئيسُ جمال عبدالناصر الجنسية المصرية، إلى أن رحل عنّا يناير ١٩٧٧، بعدما أثرى الوعى العام بآلاف القطع النفيسة من فن الكاريكاتور التى انتقد فيها، بريشة لاذعة، متناقضات السياسة والمجتمع فى مصر والعالم. كانت لوحاتُه تُزيّن مجلات وجرائد مصرية وأرمينية وفرنسية وازنة مثل «روزاليوسف، أخبار اليوم، المستقبل، لابورس إيجيبسين، إيماج، كاردوش»، وغيرها. وفى الصالون الذى أقيم على شرفى الشهر الماضى بنادى الشرق الأدنى للأرمن، أهدونى موسوعة ملوّنة ضخمة، من إعداد وتقديم الناقد الأرمنى «هرانت كشيشيان»، تضمُّ مئات من لوحات ألكسندر صاروخان، يقول كلٌّ خطٍّ فيها مئات الكلمات، دون قول.
وهل تذكرون «ڤان ليو»؟ لا شكّ أن كثيرًا منكم يحتفظ فى بيته أو مكتبته الإلكترونية بصور فوتوغرافية عديدة تحمل توقيعَه الفنى الشهير، ربما دون أن يدرى من هو صاحب العدسة الاستثنائية الفريدة التى التقطتها. شخصيًّا، تحتلُّ جدرانَ بيتى لوحاتٌ ثمينةٌ، بالأبيض والأسود، تُصوّر أمى وأبى فى يوم زفافهما، بعدسة ذلك الفنان الأرمنى ذائع الصيت فى نهايات القرن الماضى، الذى برع فى اللعب بالضوء والظلال، وكان المصوّر الخاص لمشاهير مصر فى العصر الذهبى، مثل الدكتور طه حسين، فاتن حمامة، عمر الشريف، سعاد حسنى، نيللى، أحمد مظهر، مريم فخر الدين، رشدى أباظة، زبيدة ثروت، صباح، فريد الأطرش، وغيرهم من نجوم الفن وحسناوات السينما.
وهل تعرفون الأرمن المصريين؟ ذلك العِرق الوطنى الُمسالم النبيل، الذى اختارَ مصرَ وطنًا حاضنًا له، بعد المذابح والمحارق الجماعية الوحشية التى تعرض لها على يد الدولة العثمانية الفاشية، أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، فأحبوا مصرَ وأثروها بعلومهم وآدابهم وفنونهم وثقافتهم، ووطنيتهم. ربما كلُّ من يقرأ هذا المقال وله صديقٌ أرمنى، يُؤمِّن على وطنيتهم وثرائهم المعرفى والفنى. الأرمنُ المصريون الراهنون مولودون فى مصر التى لا يعرفون غيرها وطنًا، وربما ينظرون إلى أرمينيا كوطن فولكلورى قديم، يحملون جيناته الثقافية ويُغنون بها أرضَنا السمراء الحانية. منهم الجميلات نيلى ولبلبة وفيروز الطفلة وأنوشكا وليز ساركسيان الشهيرة بـ«إيمان»، كذلك نوبار باشا أول رئيس لوزراء مصر والذى يعود له الفضل فى إنشاء أول خطوط للسكك الحديدية فى مصر، ومُوقّع عقد مقاولة حفر قناة السويس مع الفرنسى فرديناند ديليسيبس عام ١٨٦٣. وللأرمن تاريخٌ طويلٌ فى مصر، يعود إلى الدولة الفاطمية، لكنّ هجرتهم الكبرى إلى بلادنا كانت بعد عمليات الإبادة الممنهجة الرخيصة التى قام بها الاحتلال العثمانى فى تركيا عام ١٩١٥، حتى أنقذت البحريةُ الفرنسية مَن تبقّى منهم ونقلتهم إلى ميناء بورسعيد فى واحدة من كبريات عمليات الإنقاذ التى أنجزها عسكريون للمدنيين فى التاريخ الحديث. وظلّ الناجون من الأرمن فى مخيّمات فى مدينة بورسعيد سنواتٍ أربعًا قبل أن يتّجهوا إلى الإسكندرية والقاهرة لينصهروا فى النسيج المصرى، يؤدون الخدمة العسكرية فى جيشنا العظيم ويبنون المصانع والمدارس والمستشفيات ويؤسسون الصحف والمجلات ويشعّون فى سمائنا ثراءً وفنًّا وحبًّا وسلاما.
ورغم انخراطهم فى نسيج مصر، إلا أن اعتزازهم النبيل بهُويتهم جعلهم يحافظون على أصولهم وعِرقهم ويُدرّسون لغتَهم الأمَّ فى مدارسهم حتى لا تنقرض، ويُعلّمون أولادها التاريخ الأرمنى حتى لا تنقطع جذورهم من أرض ميلاد أسلافهم. وحين برز نجمهم فى مصر فى مجال الثقافة والفنون والصناعة أوائل القرن الماضى، حاول الإنجليز الوقيعة بينهم وبين المصريين، فأشاعوا أن الأرمن حاولوا اغتيال سعد زغلول، لكن المسعى باء بالخيبة حين كذّبَ سعد باشا نفسُه تلك الشائعة. وبعد تأميم مصانعهم وممتلكاتهم مع ثورة ٥٢، غادر الكثيرون منهم أرضنا، وأصرَّ على البقاء فيها كثيرون آخرون استأنفوا حياتهم من الصفر، هم آباء وأجداد من يعيشون بيننا اليوم من شرفاء المصريين الأرمن.
تحية احترام ومحبة لأبناء وطنى النبلاء من الأرمن المثقفين الذين أثروا مصرَ وأحبّوها كما لم يحبّها أحدٌ.

ثلاث من صديقات الطفولة بقلم د. نوال السعداوى ١٣/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

فى المدرسة الابتدائية كانت أقرب الصديقات، إيزيس، وسارة، وفاطمة، إيزيس ابنة الطبيب مفتش الصحة الدكتور مرقس، سارة ابنة مسيو جرامينو صاحب المقهى الكبير فى الميدان، وفاطمة ابنة المأمور، كان أبى من مديرى التعليم بوزارة المعارف بمحافظة المنوفية، أدخلنى المدرسة الإنجليزية الابتدائية بمنوف، كان يقول لنا تعلموا لغة الأعداء لتنتصروا عليهم، كما كان يدرك ارتفاع مستوى التعليم بالمدارس الأجنبية عن المدارس الوطنية، وكان يدخل المعارك ضد الوكلاء والوزراء بالمعارف، من أجل تطوير التعليم الأساسى للأطفال، دون جدوى، كان الاستعمار البريطانى يسيطر على التعليم فى مصر، بمثل ما يسيطر على الاقتصاد وينهب الموارد المادية وموارد المعرفة والعقل المفكر أيضا، كانت الناظرة الإنجليزية، مس هيمر، بمدرستى الابتدائية، تحرص على تقسيم الأطفال حسب الديانة، وتفرق بينى وبين صديقاتى الثلاث، ترسل إيزيس لتحفظ الإنجيل فى فصل المسيحيين، وترسل سارة لتحفظ التوراة فى فصل اليهود، وتبقى فاطمة ونوال مع المسلمات لحفظ القرآن على يد عبدالمقصود أفندى، كان لقب الأفندى من الألقاب التركية التى سقطت مع سقوط الملك والبيه والباشا بعد ثورة يوليو ١٩٥٢.
لم يكف مدرس الدين عن لسعنا بالخيزرانة، إن طرحنا سؤالا بديهيا، أو إن قلنا له «يا أفندى، الله لا يفرق بين البشر، فلماذا تفرق أنت بيننا نحن الصديقات الثلاث؟».
وكان أبى وأمى يستقبلان صديقاتى الثلاث بترحاب، ويقولان، الله هو العدل والحرية والجمال والإبداع ولا يفرق بين البشر،
لكن الناظرة الإنجليزية والمدرسين كانوا يرفضون المساواة والعدل والحرية والإبداع، ويشطب المدرس على اسم أمى بالقلم الأحمر كأنما عاهة أو إثم، ويكتب إلى جوار اسمى اسم جدى السعداوى، الذى مات قبل أن أولد، ولم أره مرة واحدة فى حياتى، أما أمى، التى عاشت وماتت من أجلى، فلم أضع اسمها إلى جوار اسمى، فوق أى كتاب من كتبى التى تحمل الاسم الغريب عنى (السعداوى).
وكنت أجتمع مع صديقاتى الثلاث فى الاستراحة بين الحصص، نضحك على غباء المدرسين الذين يفرقون بيننا، نسترجع ما نسمعه فى حصص الدين الثلاث، ونحزن من ازدراء دم النساء، كانت زميلتنا سارة تقول إن المدرس يقرأ من كتاب التوراة آيات تعتبر دم المرأة نجسا، وتسميه الطمث: «فى أيام الطمث السبعة تصبح المرأة نجسة، لا تمس أى شىء مقدس وإلى المقدس لا تجىء حتى تكمل أيام تطهيرها، إن حبلت المرأة وولدت ذكرا عليها أن تأتى بخروف أو فرخ حمامة أو يمامة ذبيحة تقدمها لربها فيكفر عن ذنبها وتطهر من دمها»، وفى القرآن لم يكن الحيض أو المحيض إلا «أذى» فقط، بدت لى كلمة حيض أفضل من طمث، تتضاعف نجاسة الأم فى التوراة حين تكون المولودة أنثى، ولا تطهر من دمها إلا بتقديم فرخة أو خروف مشوى للرب.
وشكرت الله كثيرا حينئذ، لأنه خلق أبى مسلما وليس يهوديا، وكنت أظن أن الله يخلق الآباء ويخلق لهم دينهم، وكنت أظن أيضا أن المسلمين يؤمنون بالقرآن فقط، لكن أبى قال لى إن التوراة والإنجيل كليهما مثل القرآن، أنزلهما الله إلى الناس جميعا هدى ونورا، وإنه يجب على المسلمين الإيمان بكتب الله الثلاثة.
وكأنما ألقى أبى فوق رأسى كوز ماء ساقع فى ليلة شتوية.

Sunday, August 12, 2018

د. عماد جاد يكتب: من يحاسب الإنسان؟ ١٢/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


خرجت أوروبا من عصور الظلام عبر حسم عدد من القضايا الجوهرية، على رأسها قضية علاقة الدين بالدولة أو السياسة، فقد عانت القارة الأوروبية من التداخل بين الدين والدولة ومن تديين المجال العام وأيضا السياسة الخارجية، فقد تحالف الحاكم، الملك أو القيصر، مع رجال الدين، ومنحهم السلطات الكاملة على الإنسان فى كل ما يخص عقائده ومعتقداته وكل ما يتصورون أنه يخص علاقة الإنسان بالله، فهم خلفاء الله على الأرض من يدينونه يصبح مدانا ومنبوذا ومن يخلصونه أو يمنحونه صكا لصلاح يصبح مخلصا، بل كانت صكوك الغفران تباع من قبل رجال الدين، وإضافة عليها أيضا قطع من الجنة، فقد كانوا يصدرون حكم البراءة أو الإدانة على الإنسان، وكان لهم فى كثير من الأحيان إصدار الأحكام وتنفيذها، مثل الحكم على جاليليو بالموت حرقا، لأنه قال بكروية الأرض وإنها تدور حول الشمس. فى مقابل ذلك كانوا يبررون للحاكم كل أفعاله وقراراته، بل ويوافقون على نزواته وشهواته، كانت لديهم المبررات لتدجين الشعوب وإقناعهم بالخضوع للحاكم وتقبل قراراته واستخرج آيات من الإنجيل تبرر للحاكم ما يفعل ويقرر، حتى أطلق ماركس مقولته الشهيرة فى هذا المجال، حينما قال إن «الدين أفيون الشعوب» أى يستخدمه رجال الدين لتخدير الشعوب ومنعها من الغضب والثورة على ظلم الحاكم.
خرجت أوروبا من عصور الظلام حينما كسرت هذه المعادلة وخرجت عليها، حينما فصلت بين الدين والدولة أو السياسة، وتوقفت عن تديين المجال العام وأيضا السياسة الخارجية. أبرمت الشعوب عقودا اجتماعية تمثلت فى الدستور، أقرت بأن الشعب هو مصدر السيادة، ومن ثم السلطة والتشريع، جعلت الحاكم موظفا عاما لدى الشعب، مكلفا بوظيفة محددة، إن أجاد أمكن التجديد له لفترات محددة دستوريا ووفق طبيعة النظم السياسية من برلمانى أو رئاسى أو مختلط، حدد السلطات فى ثلاث، واحدة لتشريع القوانين وثانية للتطبيق وثالثة للتنفيذ ووضع توازن دقيق بينها على النحو الذى يضمن حسن أداء المهام. وأعطى لهذه السلطات حق ممارسة السلطة والاستخدام المقنن للقوة وفق القانون، ومن ثم فإن التعامل مع المواطن ومحاسبته يكون وفقا لقواعد القانون ولا يجوز الخروج عليها.
وخرجت أوروبا من عصور الظلام بعد الفصل بين الدين والسياسة وعاد رجال الدين إلى ممارسة دور روحى لا إلزام ولا إكراه فيه، ولا علاقة لهم بالمجال العام من قريب أو بعيد، لا حق لهم فى إجبار الإنسان على اتباع ديانة أو طائفة معينة ولا سلطة لهم على ضمير المواطن، ولا حق للدولة فى تفضيل ديانة أو طائفة على أخرى، بل تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد والمعتقدات، ليس من وظيفتها مساعدة الإنسان على دخول الجنة حسب معتقدها، بل هذا أمر متروك لعلاقة الفرد بخالقه وليس من حق الدولة ولا رجل الدين التدخل فى هذه العلاقة.
تكشف تجارب شعوب العالم عن أنه لا ديمقراطية دون فصل الدين عن الدولة ولا تطور وتقدم دون ديمقراطية، السؤال هنا: أين نحن من كل ذلك؟ هل هناك رغبة وإرادة حقيقية فى بدء عملية التطور والنهضة؟ يمكن البدء بسن قانون يجرم محاسبة الإنسان من قبل الإنسان على سلوكه الأخلاقى، الروحى، علاقته بالخالق، ومآله بعد الموت، فهذه أمور تخص الخالق وحده لا دخل للإنسان مهما كان موقعه فيها، وتجريم المساس بالعقائد والمعتقدات كما يراها المؤمنون بها والتوقف عن الحكم على عقائد ومعتقدات الغير من أرضية ذاتية أو حسب المعتقد الذاتى.

خالد منتصرالحجاب اللوجو والحجاب الزى - جريدة الوطن - 12/8/2018

عندما كنت أكتب عن موضوع ظاهرة الحجاب منذ أكثر من ربع القرن وكان الكثيرون ينتقدوننى ويهاجموننى ويقولون إنه موضوع تافه وهايف وحرية شخصية، ولا علاقة له بإسلام سياسى، أو جماعات، أو جهاد، وإنما هو فريضة تذكرتها المرأة فجأة فى بداية الثمانينات، كانت إجابتى هى أن الحجاب إذا كان مجرد زى فقط مثل السارى الهندى، فهو شىء شخصى، ولا يستحق عناء الرصد والكتابة، لكن كانت وجهة نظرى وقتها، ومما شاهدته أثناء مرحلة الدراسة فى طب قصر العينى، أن الحجاب كان «لوجو» تناضل من أجل فرضه الجماعة الإسلامية، لتقول وتعلن بسهولة وسرعة «ها نحن هنا»، ويمكن بنظرة بسيطة للمصرى فى داخل مصر، أو الأجنبى خارج مصر، أن يترجم هذا اللوجو إلى «ها قد اختارت مصر التيار الإسلامى، ممثلاً فى الإخوان لحكم مصر، وها هى الأغلبية قد ارتدت اللوجو والبراند رافعة الراية فى الشارع المصرى كل صباح». وجاء عصام العريان بعد كل تلك السنوات عندما استقرت جماعته فى الحكم، ليتخلى عن التقية والمعاريض، وليؤكد هذا الاستنتاج، ويعلن صراحة أن معركة فرض الحجاب كانت معركتهم الأولى والأهم، وهو شىء متوقع لسبب بسيط، وهو أن الإخوان لن يستطيعوا التغيير السريع والإعلان عن أنفسهم بسطوة عن طريق تغيير الاقتصاد الإسلامى مثلاً، فهذا يحتاج إلى جهد رهيب وسنوات طويلة، ومردوده سيصبح غير محسوس، ولن يصير «لوجو» مؤثراً، لكن الحجاب مجرد طرحة توضع على الشعر، قرار سهل وببعض الكتب والفزاعات من الممكن زرع إحساس الذنب والندم لدى البنت وبث الرعب من مصيرها فى جهنم واختزال الدين كله فى قطعة قماش إن لم ترتدِها ستجر من شعرها إلى قاع النار، لذلك لم أندهش من تلك الهستيريا التى صُدّرت من الإسلاميين إخواناً وسلفيين، تجاه خلع حجاب حلا شيحة، عويل وصراخ ولطم خدود وشق جيوب، وكأن الإسلام قد تم هدمه واستئصاله، لأن خصلات شعر حلا قد ظهرت وانكشفت، إنه ليس خوفاً على الدين وإنما هو خوف على اللوجو والبيزنس، لكن لماذا «حلا» بالذات؟!، لماذا لم تحدث تلك الهستيريا مع خلع عبير صبرى للحجاب، أو رانيا علوانى، أو شاهيناز، أو إيمان العاصى، أو هالة فاخر، أو شهيرة، أو هدى رمزى.. إلخ؟؟!، ببساطة لأنهم مرعوبون من كشف أسرارهم وفضحهم من فنانة اقتحمت عالمهم الغامض السرى الماسونى المافياوى المحكم، كانوا يطمحون إلى تجهيزها كادراً إخوانياً فى الخارج، خاصة أن كندا صارت مرتعاً للإخوان، وصاروا قوة بيزنس هائلة هناك، ومع جفاف التمويل وجدوا فى «حلا» الدجاجة التى تبيض ذهباً، لذلك الصدمة عنيفة، ولا أستبعد اتخاذ خطوات أعنف من هؤلاء المجرمين الإرهابيين تجاه تلك الخطوة، باختصار صار جسد المرأة هو المساحة الأهم والوحيدة المتبقية لهم كساحة معركة ينتصرون فيها بسهولة، ويحتلونها باطمئنان، فجاء هذا القرار ليسحب منهم تلك المساحة ويجعل بنات كثيرات يرفضن «باكيدج» الأفكار القامعة القاهرة المصاحبة لترويج هذا اللوجو، اعذروهم فهم لا يملكون، ولم يعد أمامهم إلا جسد المرأة مساحة قتال ووسواس قهر وتسجيل نقاط نصر وفوز وغلبة، وإذا فقدوا تلك المساحة فسيصبح مصيرهم الانقراض كالديناصورات.

Saturday, August 11, 2018

د. وسيم السيسى يكتب: سرقوا الخليفة وهو حىٌ!! ١١/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم



عرفنا من المقالة السابقة أن كارتر حفر ثقباً ونظر منه إلى داخل المقبرة قائلاً: أشياء رائعة! كان يجب أن يتوقف عند هذا الحد، لأن المادة ٣ من قانون الحفر والتنقيب تحتم وجود «لاكو» الرئيس الفرنسى قبل عمل أى شىء.
كسر كارتر القانون، لم يبلغ السلطات، وسع الفتحة حتى يستطيع أن يدخل منها، دخل كارتر، ومعه إيفلين، وصديقه Pecky Callender ثم كارنارفون بعد ذلك.
وجد كارتر حاجزاً ما بين الممر والغرفة الأمامية، وكانت الغرفة ٧٠ سم تحت الممر، دخل كارتر ومن معه، وجد صندوقاً مُطعماً بالذهب، رفعه وجد صندوقاً آخر مثله، رفعه، وجد صندوقاً ثالثاً مثله، رفعه وجد تابوتاً حجرياً، رفع الغطاء وجد الملك وعلى وجهه «القناع» من الذهب الخالص، والملك نفسه مزين بالحلى وعصا الملك وكلها من الذهب الخالص، وبكل أسف فصلوا الجمجمة عن باقى الجسد، والأطراف من المفاصل لاستخراج زينة الملك الذهبية. كأن الأقدار حكمت على هذا الملك أن يعانى من قسوة الإنسان حياً وميتاً. وقع دكتور Derry البريطانى، وأستاذ التشريح بالقصر العينى، الكشف على توت عنخ آمون سنة ١٩٢٢، فوجد كسراً فى قاع الجمجمة، كما وجد كسراً فى عظمة الفخذ اليسرى، استنتج Derry أن توت قتل بضربة آلة حادة على مؤخرة رأسه أثناء نومه، كما استنتج أن المجرم هو رجل الدين «آى»، خصوصاً أنه تولى الحكم من بعده، كما تزوج أرملة توت عنخ آمون.
توصلت جامعتا ليفربول ١٩٦٨، ومتشيجان ١٩٧٨ إلى بقعة دم فى مكان كسر الجمجمة، وأن فصيلة دمه «A» وأن توت مات بنزيف المخ، وأنه قد قتل، وفى سنة ٢٠١٠ أعلن الدكتور زاهى حواس أن توت مات بالملاريا، وأنه لم يقتل، وفسر كسر الجمجمة بعملية التحنيط، وكسر الفخذ الأيسر بالوقوع من عربته الملكية.
اكتشف العلماء أيضاً بالحمض النووى أنه- توت- ابن أخناتون، كما اكتشفوا أنه كان مصاباً بمرض Marfan’s Syndrome، وهذا المرض يجعل أصحابه يموتون فى سن مبكرة.
عودة إلى كارتر، اتفق الأربعة: كارنارفون- كارتر- إيفلين- كالندر على إبقاء هذا الأمر سراً، وقام كارتر ومن معه بسد الفتحة بالحجارة ومواد لاصقة مرفن Mervyn هربرت الأخ غير الشقيق للورد كارنارفون، ترك لنا فى مذكراته: كان افتتاح المقبرة رسمياً فى ١٦ فبراير ١٩٢٣ وكان يوم جمعة، قال لى Porch «اسم اللورد كارنارفون»: أنا خائف، ولن أستطيع أن أخبرك بأى شىء!!
كان من ضمن الحضور فى هذا الحفل التاريخى، جيمس هنرى برستد صاحب كتاب فجر الضمير، أيضاً آلان جاردنر Alan H Gardner نزلوا جميعاً ١٦ سلمة للغرفة الثانية التى بها التابوت، معتقدين أنهم يرون هذا المشهد الذى لم يره أحد من قبل! ولكن الأربعة إياهم ومعهم مرفن هربرت سفير بريطانيا فى مدريد كانوا يعرفون الحقيقة الغائبة والتى كان وراءها ما هو أخطر.


خالد منتصركيف تنقذ حبك من الموت الإكلينيكى؟ - جريدة الوطن - 11/8/2018

النصيحة الذهبية المكررة المقررة لطبيب العناية المركزة هى «راقب العلامات الحيوية للمريض»، الضغط والنبض والحرارة، كذلك فى الحب لا بد أن يكون بروتوكول مشاعرك هو نفس بروتوكول هذا الطبيب، خفض الضغط إلى المستوى المناسب، وضع يدك على نبض رفيق رحلة الحب، وقس باستمرار درجة حرارة العشق بترمومتر عادل منضبط لا يتأثر زئبقه بالمؤامرات والنميمة، إن لم تلاحظ تلك العلامات الحيوية للحب، سيموت إكلينيكياً مهما وضع على أجهزة التنفس الصناعى.
رجل يتحدث الفارسية وامرأة تتحدث العربية تحت سقف واحد، هذا هو حال مؤسسة الزواج فى معظم بيوتنا المصرية، فاللغتان مكتوبتان بنفس الحروف، لكنهما لغتان مختلفتان تماماً، الحوار مفقود والتواصل معدوم والصمت هو سيد الموقف، والخرس الزوجى هو شعار المرحلة، وكأن الزواج جلطة تسد شرايين التواصل، وكوليسترول يترسّب على جدران الود والفهم والحنان والتعاطف، فيحدث الشلل العاطفى، وينتهى الأمر بأن يدخل الزواج غرفة العناية المركزة لوضعه تحت الملاحظة وتوصيله بخراطيم الأوكسجين، بالفعل هو لم يفارق الحياة، لكنه فى مرحلة الموت الإكلينيكى، وفرق كبير بين الجسد والجثة، فالجسد نبض وحياة، والجثة كفن وقبر، ورغم أن الكفن أبيض، والضريح ملون ومذهب الجدران، إلا أننا فى النهاية يلفنا صمت الموت.
«آهى عيشة والسلام»، نشيد قومى يردّده الأزواج المصريون كلما سُئلوا عن الزواج، فهم يمارسون العيشة لا الحياة، فالعيشة هى مجرد أنفاس تدخل وتخرج، نبضات قلب تسرع وتبطئ، يتحول فيها الزوج إلى روبوت، والزوجة إلى عروسة ماريونيت، لكن الحياة شىء آخر، هى دفء وحرارة وعنفوان وتألق وتجاوز وتفاعل واحتضان، والعيشة هى السلام الجمهورى للبيت المصرى، الزوج إما غارق فى جريدته الصباحية أو شخيره المسائى، والزوجة إما متربصة أو متخصصة، لكن فى شئون النكد الأزلى، نقل إليهما المجتمع المصرى كل أمراضه وعقده وكلاكيعه النفسية، فصار البيت «مورستان»، وتحولت العلاقة من علاقة مودة وسكن، إلى علاقة مخدة ومكن!!.
تجمعهما نفس الغرفة، وتفرقهما الاهتمامات، فعندما يتحدث آدم عن مشاكل الأرشيف ومعضلات الترقيات، تريد حواء أن تتكلم فى شئون الرومانسية وقضايا الغرام، وعندما يتلطف شهريار ويخون تراثه ليقتبس من قاموس حبه الفقير بعض كلمات العشق المفتعلة، تحكى له شهرزاد قبل سكوتها عن الكلام المباح عن تقميع البامية وتقطيف الملوخية!.
لماذا تحولت مؤسسة الزواج المصرية إلى مسرحية ذات نص ردىء وأبطال مزيفين وخشبة مسرح نخرها السوس وستارة مهترئة تفضح أكثر مما تستر؟!، هل فقدنا الحب؟، أعتقد أننا أكثر شعوب الأرض قاطبة حديثاً عن الحب، لكننا أقلهم ممارسة له بجد وبصدق، الحب عندنا مثله مثل كرة القدم، لدينا أكبر جمهور وأضخم خناقات كروية وأوسع كتابات صحفية واستوديوهات تحليلية عن الكرة، لكننا فعلاً لا نلعب كرة حقيقية، ولا نذهب لكأس العالم إلا كل ربع قرن مرة!!، إننا فاشلون فى الحب لأننا نخاف الحميمية، علاقاتنا أصبحت هامشية وسطحية، بدون عمق، بدون نفاذ، بدون تغلغل، الزواج لم يعد مرآة الحب كما يقال، فالمرايا صارت كمرايا الملاهى نشاهد فيها بلياتشو، وأحياناً نشاهد مسخاً، وكثيراً ما نطلق وصف علاقة مستقرة على هذا النمط من الزواج، وفى معظم الأحيان هى ليست بالمستقرة، لكنها ساكنة سكون الموت، أو سكون ما قبل انطلاق الحمم من البركان، إنه قهر اللاتواصل وحوار الطرشان.

Friday, August 10, 2018

الأب رفيق جريش يكتب لـ«المصرى اليوم»: التشويه عمداً وجهلاً؟! - ١٠/ ٨/ ٢٠١٨

إن التشويه الذى جرى لتمثال الخديوِ إسماعيل فى الإسماعيلية لا ينم إلا عن جهل صانعه، وعدم تقدير لتاريخ مصر الذى شوهناه فى كتب التاريخ، خاصة تلك الحقبة من عائلة محمد على، وينم عن أشخاص عشوائيين عشوأوا حياة المصريين، وينم عن أشخاص لا يعرفون الفن ولا يتذوقونه، وكيف لهم ذلك؟ فكل ما هو جميل نشوهه عمداً أو جهلاً، قبل ذلك شوهنا أسود كوبرى قصر النيل بالقاهرة، وتمثال سعد زغلول فى الإسكندرية، وحطمنا تمثال القائد العظيم عبدالمنعم رياض ببور سعيد، وتركنا تماثيل لكبار الشعراء والمفكرين وحيدة يعلوها الغبار ومركونة فى أماكن مظلمة، كأننا مكسوفون أن هؤلاء العظماء من أبناء مصر.
شُوه تمثال الخديوِ إسماعيل بطلائه بلاكيه أسود واللون الفضى فى بعض تفاصيله الدقيقة، بدلاً من اللون الأخضر المذهب. ويقول الخبراء إنه من الصعب إعادة ترميمه وعودته لأصله بعد هذا التشويه الكبير، كيف سيتصرف المرممون الآن؟!
تعتبر تماثيل الميادين والأعمال الفنية المعروضة هى الواجهة الحضارية لأى دولة تظهر من خلالها عظمتها وتاريخها. انظروا إلى مدن العالم، مثل باريس ولندن وروما وموسكو وغيرها، ونحن عندما نسافر نسارع إلى التقاط الصور بجوار تلك التماثيل، أما عندنا فلا نعطى لتماثيلنا أو الأعمال الفنية الأخرى أى اهتمام، وذلك تشويه لتاريخنا بجانب وجود بعض الكارهين للاستنارة والتنوير والفن.
هل الحل هو إخفاء هذه الأعمال الفنية فى صناديق وبدرومات المتاحف؟ لا أظن، وأقترح أن نقوم بحركة عكسية وهى وضع التماثيل والأعمال الفنية فى الميادين المختلفة وإقامة معارض فنية فى محطات المترو حتى نتعود أن نراها، ونقرأ نبذة عن أشخاصها أو رموزها، فنتعلم ونعتاد وجودها ونتذوق فنها وربما ذلك يحتاج تشكيل لجنة أو عدة لجان لتنفيذها.
نريد أن نحرر تماثيل زعماء وحكماء وشعراء منذ عهد الفراعنة إلى اليوم، بدلاً من حبسهم الاحتياطى.
نريد أن نتعلم، ونتكون لنتذوق هذا الفن قبل أن يندثر تماماً من بلادنا.


خالد منتصرغزوة حلا وبكاء الشيخ وخطاب خديجة - - جريدة الوطن - 10/8/2018

فجأة تحولت قطعة القماش التى خلعتها الفنانة حلا شيحة، التى أظهرت خصلات شعرها، إلى غزوة دينية ومعركة إسلامية دونها خرط القتاد، يستعد السلفيون بالتضحية فيها بكل غالٍ ونفيس!، السلفيون والإخوان قسموا البلد والبشر بحجاب حلا إلى فسطاطين، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، يصرخون إلى المعتصم «واإسلاماه»، يريدون استعادتها إلى فسطاطهم حفاظاً على الشرف الذى يسيل على جوانبه الدم، انتفض الإسلاميون وكتب الدعاة معلقات على «فيس بوك» يناشدون حلا الثبات على إيمانها والعودة إلى نقابها حتى لا يلتهمها الثعبان الأقرع، استخدموا معها سيف المعز وذهبه، إن لم ترجعى عن فعلتك الشنعاء ستهبطين سبعين خريفاً فى نار جهنم وسنضع السيخ المحمى فى صرصور ودنك!، وإن تراجعتِ واعتذرتِ عن جريمتك نعدك بالجنة التى معنا فقط تصريح دخولها وتوكيلها الحصرى.
سواء عادت حلا للنقاب أو الحجاب أو لم تعد، سواء أضافت للفن ونجحت فيه أم لم تُضف وفشلت، فقد دارت تروس عجلة التغيير والحراك ولن يوقفها لطم خدود أو شق جيوب، وستبقى دلالة الفعل، لا الفعل نفسه، هى التى تحتاج إلى قراءة وتحليل، قراءة هذا المشهد وردود فعل معظم السوشيال ميديا التى تشم فيها رائحة الهوى السلفى حتى ممن كنت تتصورهم بعيدين تماماً عن تلك المساحة، سأتوقف عند رد فعل الشيخ الباكى الذى حاول الاتصال بـ«حلا» ليثنيها عن قرارها ثم اتصل بزوجها، وأيضاً سأتوقف عند خطاب ابنة خيرت الشاطر الذى تطالب فيه حلا بالعودة إلى حظيرة الإيمان، خرج الشيخ الصاوى باكياً بحرقة وهو يسرب تفاصيل مكالمته لزوج حلا فى كندا، وبالطبع هو يبكى على نفاد رصيد بضاعته التى بارت ويبكى أيضاً على الباقة التى لم تعد «بقباقة» شغالة!، من خلال فيديو الشيخ الباكى تخرج بحزمة مغالطات تجعلك مصدوماً من كم الهلاوس الفكرية والشكليات الطقوسية التى باتت تتحكم فى عقولنا كمسلمين، وتجعلك أيضاً يائساً من إصلاح تلك العقول التى حتماً ستحتاج قروناً لإعادة التأهيل والدمج، يقول وهو يمسح دموعه إن الزوج قد أخبره بأن عِرضه ظل مصاناً طيلة تلك السنوات والآن صار مكشوفاً، الشرف عند هذا الشيخ وبالطبع عند عشرات الملايين مثله تم اختزاله فى تلك القماشة!، وينادى صارخاً اثبت على إيمانك وثبتها على إيمانها، هل صار الإيمان هو الطرحة يا فضيلة الشيخ الفاضل الباكى؟!، أما رسالة خديجة خيرت الشاطر فقد وضعت النقاط على الحروف وبينت أن هذه البكائية الملحمية الإخوانية السلفية ليست على نقاب أو حجاب حلا وإنما هى على شعار ورمز وراية إخوانية رخيصة وسهلة اعترف عصام العريان أنها كانت بداية اختراقهم للشارع والجامعة، فقد كتبت وهى تتمزق: «دعيهم يا حلا فى ظلمات التيه»، طبعاً اللى هم إحنا وأمثالنا ومعنا مكشوفات الشعر، نحن جميعاً من الهالكين فى ظلمات التيه، وتذكرها بحلمها حين رأت أهوال يوم القيامة فى الحلم، طريق الإقناع دائماً عند خديجة ومدرستها هو الإفزاع والرعب والتخويف، وتقول لـ«حلا» فى عتاب مر من هول الصدمة: «ذبحتنى شائعة خلع حجابك بسكين بارد»!، ثم تستخدم بعد الوعيد والتهديد لغة بابا نويل الرقيقة وتعدها بالحصول على سلعة الله، ثم تهمس لها بأنها ستصلى فى جوف الليل وتدعو لها!، المدهش أن الشيخ لم يدمع يوم ألقى الإخوانى بالطفل المسكين من أعلى سطح العمارة أو حين أجبر ضابط كرداسة على شرب ماء النار، والغريب أن خديجة لم يذبحها سكين اغتصاب الأيزيديات وبيعهن فى سوق السبايا عرايا، لكن ما بكى عليه الشيخ وما صلّت من أجله بنت الشاطر فى جوف الليل هو مجرد طرحة!

Thursday, August 9, 2018

المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم بقلم فاطمة ناعوت ٩/ ٨/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

شىءٌ يُشبه الحُلمَ القدسيَّ؛ أن تقفَ فى حضرة جلال جثامين أجدادك المصريين القدامى الذين حفروا بعقولهم الاستثنائية، حضارةَ الإنسان فى فجر ميلاد المنظومة البشرية. وشىء يُشبه جرعةً من كأس الرجاء؛ أن تقف فى حضرة أشقائك المصريين الراهنين، يُشيّدون تحت وهج الشمس، صرحًا عملاقًا يضمُّ آثارَ أولئك الأجداد الذين صنعوا مجدَ مصرَ، الأرض السوداء الطيبة.
دعوةٌ كريمة من الدكتور خالد العنانى، أستاذ علم المصريات واللغة المصرية القديمة، ووزير الآثار المصرى، لزيارة «كواليس» تشييد «المتحف المصرى الكبير» The Grand Egyptian Museum الذى سيقفُ هرمًا رابعًا حديثًا، إلى جوار الأهرامات المصرية الثلاثة بهضبة الأهرامات بالجيزة. وحتى يكون الكرمُ كاملاً غير منقوص، قرّر الوزيرُ مشكورًا أن يكون رفيقَ تلك الزيارة ومرشدَها، أستاذٌ فى الآثار وعلم المصريات هو الدكتور طارق توفيق، مدير المشروع. فكانت الرحلةُ بالنسبة لى، ولفريق عملى المصاحب، جرعةً هائلة من المعرفة والمتعة والفخر بهويتنا المصرية الفريدة.
عملٌ جادٌّ بالداخل، حيث مركز الترميم فى قاعات معزولة عن الأشعة فوق البنفسجية المُضرّة بالآثار العضوية من جثامين السلف وملابسهم ومومياوات طيورهم المقدسة، يقابله عمل جاد بالخارج، تحت نير الشمس وهجيرها، فى تشييد الواجهات والأبنية والدَّرج العظيم، الذى سيحمل الزوّارَ نحو العُلا، فيما يتأملون أولَ صفحة فى كتاب التاريخ التى تحكى حكاية أعظم حضارات الأرض. فيما يصافحهم على جانبى الدرج، الخالدون من ملوك مصر: رمسيس الثانى ومنكاورع، وخفرع، وأمنحتب الثالث وسوناسرت وإخناتون والمعبود حورس والمعبودة سخمت وغيرهم من بُناة مجدنا المصريّ.
أقفُ فى فرح وفخر أمام أكبر متحف للآثار المصرية فى العالم، وضع حجر أساسه الرئيسُ مبارك عام ٢٠٠٢، وسوف يقصُّ شريطَ افتتاحه الرئيس السيسى عام ٢٠٢٠، بإذن الله، بين ملوك العالم ورؤسائه، لتُقدّم مصرُ للدنيا تاريخَها الذى أبهر العلماءَ والمؤرخين والشعراء. خمسون ألف قطعة أثرية فى المعرض الدائم، وخمسون ألفًا أخرى فى مخازن المتحف للدراسة والمعارض المتغيرة. عشرون ألف أثرٍ منها تُعرض للمرة الأولى. كلّ زائر سيُمنح كتيبٌ للإرشادات باللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والهيروغليفية، فيكون كأنما نسخة حداثية مصغرة من حجر رشيد حتى يتعلّم الزوارُ لغتنا المصرية القديمة بمقارنة الكلمات فى اللغات الثلاث، كما قارن شامبليون بين الإغريقية والديموطيقية والهيروغليفية، فنجح فى فك رموز الأبجدية المصرية القديمة؛ فانفتح أمام عيوننا أحدُ أعظم علوم الأرض: «علم المصريات» Egyptology، وعرفنا ماذا أراد أن يقول لنا، وللبشرية، الجدُّ المصريُّ القديم.
أنا الآن فى القاعة الهائلة التى ستضمُّ جميعَ آثار الملك توت عنخ آمون فى مكان واحد لأول مرة فى التاريخ. خمسةُ آلاف قطعة نادرة من مقتنيات توت، كلُّ قطعة منها تساوى كنوز الأرض. أقفُ فى إجلال أمام معجزة علمية وحضارية صارخة تجعلنى أشاهد ثوبًا أنيقًا من الكتّان المُطرّز بالخيوط الملونة، ارتداه الملك توت عنخ آمون، اجتاز على سُلَّم السنوات ٣٥٠٠ درجة؛ حتى يعبر إلينا فى كامل الأبهاء والدقّة، تُطلُّ من بين ثناياه خيوطٌ نحيلةٌ قهرت عشرات القرون لتقول لى: «انظرى كيف كان أجدادك العظماء!» وأفتح فمُ الدهشة أمام سلّة مجدولة من الخوص حملت له الفاكهة قبل خمسة وثلاثين قرنًا. وأنحنى فى احترام أمام ألقِ عجلاته الحربية المُذهّبة والأسِرّة الجنائزية المطعّمة بالذهب، تلك التى رقد عليها الملك أمام المحكمة الأزوروية، ليعترف باثنين وأربعين اعترافًا إنكاريًّا: لم أقتل، لم أكذب، لم أستغلّ وظيفتى، لم أتسبب فى دموع إنسان، لم أعذّب حيوانًا ولا نباتًا بأن نسيت أن أسقيه، لم ألوّث مياه النهر.. ثم اثنين وأربعين اعترافًا: كنتُ عينًا للأعمى، وساقًا للكسيح، ويدًا للمشلول، وأبًا لليتيم…. فتزنُ «ماعت» ربّةُ العدالة، قلبَه أمام ريشتها، ريشة الضمير، لتشهد على صدقه، فيدخلُ الأبديةَ ويُبعَثُ للحياة الأخرى. وأقفُ فى تبجيل أمام برديات أصلية من كتاب «الخروج إلى النهار»، الشهير بكتاب الموتى، تحكى قصة الحساب الإلهى لملكة من جدّاتى المصريات العظيمات.
هذا مقال لا ينتهى وتمتدُّ كلماتُه فى مجلدات لأحكى ما شاهدتُه من أبهاء وعظمة فى خمس ساعات مضيئة من نهار الأحد الماضى، فإلامَ تمتدُّ كلماتٌ تحكى حكايةَ مصر التى سنقرأها ويقرأها العالمُ فى هذا الصرح العملاق الذى هو بمثابة هدية مصر للدنيا؟! أشكرُ د. خالد العنانى على يومٍ من عمرى لا يُنسى، وأشكر د. طارق توفيق على ما منحنى من ثراء علمه ووقته، كما أشكره لأنه وعدنى بأن يكون «ضيف الشرف» فى صالونى الشهرى ليحكى لنا عن هذا المتحف العظيم. والشكر موصول لكل يدٍ مصرية شريفة وضعت حجرًا لتُشيّد الآن ذلك الصرح الخالد.