Translate

Friday, April 26, 2024

نجيب محفوظ كاتب أطفال - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 25/4/2024

 عبقرية نجيب محفوظ تتجلى فى أنه يكتب لكل الناس، حتى الأطفال كتب لهم قصة عبقرية فى مجموعة «خمارة القط الأسود»، أقتبس لكم منها بداياتها:

الطفلة: بابا...

الأب: نعم!

الطفلة: أنا وصاحبتى نادية دائماً مع بعض.

الأب: طبعاً يا حبيبتى فهى صاحبتك.

الطفلة: فى الفصل، فى الفسحة، وساعة الأكل.

الأب: شىء لطيف، وهى بنت جميلة ومؤدبة.

الطفلة: لكن فى درس الدين أدخل أنا فى حجرة وتدخل هى فى حجرة أخرى.

لحظ الأم فرآها تبتسم رغم انشغالها بتطريز مفرش، فقال وهو يبتسم:

الأب: هذا فى درس الدين فقط...

الطفلة: لِمَ يا بابا؟

الأب: لأنك لك ديناً وهى لها دين آخر.

الطفلة: كيف يا بابا؟

الأب: أنت مسلمة وهى مسيحية.

الطفلة: لِمَ يا بابا؟

الأب: أنت صغيرة وسوف تفهمين فيما بعد.

الطفلة: أنا كبيرة يا بابا.

الأب: بل صغيرة يا حبيبتى.

الطفلة: لِمَ أنا مسلمة؟

الأب: بابا مسلم، وماما مسلمة، ولذلك فأنت مسلمة.

الطفلة: ونادية؟

الأب: باباها مسيحى، وأمها مسيحية، ولذلك فهى مسيحية.

الطفلة: هل لأن باباها يلبس نظّارة؟

الأب: كلا، لا دخلَ للنظّارة فى ذلك، ولكن لأن جدها كان مسيحياً كذلك.

وقرر أن يتابع سلسلة الأجداد إلى ما لا نهاية حتى تضجر وتتحول إلى موضوع آخر، لكنها سألت:

الطفلة: مَن أحسن؟

وتفكر قليلاً ثم قال:

الأب: المسلمة حسنة، والمسيحية حسنة.

الطفلة: ضرورى واحدة أحسن.

الأب: هذه حسنة، وتلك حسنة.

الطفلة: هل أعمل مسيحية لنبقى دائماً معاً؟

الأب: كلا يا حبيبتى، هذا غير ممكن، كل واحدة تظل كباباها ومامتها.

الطفلة: ولكن لِمَ؟

فى الحقيقة، أن التربية الحديثة طاغية... وسألها.

الأب: ألا تنتظرين حتى تكبرى؟

الطفلة: لا يا بابا.

الأب: حسن، أنت تعرفين الموضة. واحدة تحب موضة، وواحدة تفضّل موضة، وكونك مسلمة هو آخر موضة، لذلك يجب أن تبقى مسلمة.

الطفلة: يعنى أن نادية موضة قديمة؟

الله يقطعك أنت ونادية فى يوم واحد. الظاهر أنه يخطئ، رغم الحذر، وأنه يُدْفَع بلا رحمة إلى عنق زجاجة، وقال:

الأب: المسألة مسألة أذواق، ولكن يجب أن تبقى كل واحدة كباباها ومامتها.

الطفلة: هل أقول لها إنها موضة قديمة وإنى موضة جديدة؟

فبادرها الأب: كل دين حسن، المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله...

الطفلة: ولِمَ تعبده هى فى حجرة وأعبده أنا فى حجرة؟

الأب: هنا يعبَد بطريقة وهناك يعبَد بطريقة...

الطفلة: وما الفرق يا بابا؟

الأب: ستعرفينه فى العام القادم، أو الذى يليه، وكفاية أن تعرفى الآن أن المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله.

الطفلة: ومن هو الله يا بابا؟

وأخذ، وفكر ملياً، ثم سأل مستزيداً من الهدنة:

الأب: ماذا قالت «أبلة» فى المدرسة؟

الطفلة: تقرأ السورة وتعلمنا الصّلاة، ولكنى لا أعرف، ، فمن هو الله يا بابا؟

إذا أردتم معرفة كيف رد الأب بطريقة نجيب محفوظ الروائى ودارس الفلسفة، اقرأوا القصة.


Tuesday, April 9, 2024

كيف تقاطعت حياتى مع أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 9/4/2024

 بعد كارثة 1967 فقد الكثير من المصريين الأمل فى المستقبل، وانطبق ذلك على دفعتى حديثتى التخرج (220 طبيبا)، بقى فى مصر ثلثها وهاجر أقرب الأصدقاء فؤاد ستار ورضا الصاوى، وعلى خليف وآخرون. وبدأت أنا مشروع الهجرة بالسفر إلى شمال أوروبا فى انتظار أوراق أمريكا. كنا بعيدين عن مصر، فلا يوجد إنترنت ولا قنوات فضائية والاتصال التليفونى كان صعبا، وكنت أقرأ الأهرام فى مكتبة بلدية كوبنهاجن متأخرا أسبوعا، وكانت حرب الاستنزاف على أشدها وقلوبنا تتقطع على مصر وأبنائها. وفى سهرات كوبنهاجن استمعت لأول مرة بتركيز لأغانى إمام ونجم مسجلة على شريط كاسيت قادمة من مصر، أثارت هذه الأغانى مع مجموعة المصريين شجونى وبعد أن كنت تاركا الوطن يائسا من الإصلاح بعد هزيمة مرة واقتصاد منهار وظلم شديد للمواطنين وآلاف المحبوسين أثارت كلمات نجم وألحان وغناء إمام مشاعر رهيبة بالإحساس بالوطن وأوضحت لى مدى التصاقى بتراب البلد الذى تركته غضبا. وبعد ليلة طويلة مع نجم وإمام كان قرارى بإلغاء هجرة أمريكا التى كانت وشيكة وعدم الاستمرار فى العمل فى أوروبا والعودة إلى المحروسة، وعدنا أنا وزوجتى وابنتى هنا التى ولدت فى السويد، واشترطت زوجتى أن تكون العودة لمصر نهائية وبلا شحططة أخرى. وبالتأكيد كانت كلمات وأغانى نجم وإمام سببا مهما فى إلغاء مشروع الهجرة.

وبعد ثلاثة أيام من عودتى إلى مصر دعانى الصديق العزيز الراحل، د. محسن خطاب، إلى الاستماع إلى إمام ونجم فى شقة صديق. ذهبنا إلى شقة فى العجوزة فى الدور الأرضى وتوافد الأصدقاء والمعارف، وكان الباب مفتوحا طوال الليل، وبدأ الغناء فى العاشرة والنصف وكانت كلها أغان وطنية، والحماس والشجن كانا على أشدهما، وساعد على ذلك ظروف الوطن فى عام 1972 واليأس من بدء حرب التحرير. وكان الجو صيفا والشبابيك مفتوحة وامتلأت الشقة والبسطة أمام الباب وتجمهر العشرات أمام الشباك فى الشارع للاستماع، وصهلل إمام وتحمس نجم، وألقى بعض القصائد وتوقف الغناء فى الثالثة صباحا، وذهبت إلى بيتى لا أصدق ما حدث، واعتبرت أن هذه الليلة من أجمل ليالى حياتى، ولم أنم طوال الليل أفكر فى مصر وما حدث لها، وأنها لابد أن تستعيد نفسها مرة أخرى، وكان واضحا أن الجميع كانوا مستعدين للتضحية بكل شىء من أجل مصر.

اتصلت بمحسن طالبا أن يعرفنى صديقه بنجم وإمام لأدعوهما للغناء فى بيتى وبعد أسبوع اتفقنا على يوم وذهبت أنا وأصدقائى الراحلين د. محسن ود. محمد شرف إلى حوش قدم ووصلنا إلى حجرة الشيخ إمام بصعوبة ووجدناه مستلقى على السرير فى انتظارنا ومحمد على الرسام كان يجلس على الأرض، وقالا اتفضلوا نجم زمانه جاى، ولم يأت نجم، وبعد ساعة نزل محمد على مع د. محسن للبحث عنه ووجدوه فى قهوة وجاء نجم ثم قال لى محسن: ماذا سوف نقدم لهم مع الضيوف وقلت له إننى سألت وعرفت أنهم يحبون الكباب، فطلبتها، وقال محسن: لازملهم توفر المزاج، فقلت: الحكاية دى صعبة، فقال: ضرورى وإلا القعدة متنفعش. فقلت: أنا لا أدخن ومن يدخن من الضيوف عندى يخرج فى البلكونة. فقال لى: النهارده نغير النظام، شرف يعرف صديقا رتب له موضوع المزاج وبعدين قالوا هم يطلبوا جوزة فقلت هذا مستحيل واتفقوا على أن السجائر كفاية، فى النهاية وصلنا البيت وكان عندنا طرقة طويلة تفصل حجرات النوم عن حجرات المعيشة، وكان الحضور حوالى 20 صديقا، منهم كثير من الأطباء وأذكر منهم الراحل فرج فودة، واستمرت السهرة حتى الثالثة صباحا، وكانت سهرة من سهرات العمر النادرة، وقام الأصدقاء بتوصيل نجم وإمام ومحمد على إلى بيوتهم وسجلت الأغانى على شرائط الكاسيت، ولكن للأسف هذه الشرائط تلفت قبل أن نفرغها فى الوسائل الحديثة.

حضرت سهرات أخرى فى أماكن مختلفة وحفظت مع الجميع الأغانى والأشعار ومازلت أحفظ معظمها. واستمرت المعرفة، وأيام مظاهرات الطلبة فى الجامعة مطالبين السادات بضرورة الحسم وكنت مدرسا شابا حديثا فى كلية الطب فساعدت الطلبة على تهريب الشيخ إمام داخل الجامعة للغناء فى احتفال كبير، وساهم آخرون فى إدخال نجم.

طلب نجم مقابلتى أكثر من مرة وذهبت إليه فى مقر ميريت القديم فى شارع قصر النيل عند محمد هاشم، وكان حديثا رائعا. وآخر مرة قابلت فيها نجم كان فى مطار عمان حيث كنت فى مؤتمر طبى، وكان نجم مدعو للقاء هناك قبل فترة قليلة من رحيله. فى السنوات الأخيرة تباعدت اللقاءات، ولكن الود كان مستمرا والحب والتقدير موجودين.

لم أحضر جنازة الشيخ إمام لأنى كنت مسافرا فى الخارج. ولكن يوم وفاة نجم ذهبت مع جموع المصريين من مختلف الفئات والتوجهات إلى ميدان الحسين ووقفنا أمام المسجد وتحدث معى حديثا طويلا السفير الراحل والصديق الحميم شكرى فؤاد ومشينا فى جنازة نجم.

منذ سنوات دعانى الأستاذ سيد عنبة، مؤسس جمعية الشيخ إمام، وحضرت الاجتماع التأسيسى وأصبحت عضوا مؤسسا، ومازلت أواظب على دفع اشتراك الجمعية البسيط.