Translate

Saturday, October 31, 2020

بانجيا.. أى كل الأرض بقلم د. وسيم السيسى ٣١/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

        بدعوة كريمة من اللواء أركان حرب طارق أنور هلال، مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا، لإلقاء محاضرة بعنوان: الحكاية هى مصر.

مصر تقع ما بين خطى عرض ٢٢، ٣٢ كما تقع بين خطى طول ٢٤، ٣٧ شرقًا.

قلت لهم هناك بند فى المادة الأولى من دستور ٢٠١٤ يقول: مصر تنتمى إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوى... إلخ. قلت هذا خطأ فى التعبير يجب أن يتغير، ذلك لأن شبه جزيرة سيناء ليست امتدادًا آسيويًا، بل هى جزء من قارة إفريقيا، ذلك لأننا إذا عدنا إلى ما قبل ٣٦٠ مليون سنة.

كانت الأرض كلها قارة واحدة عملاقة اسمها البانجيا Pangaea أى كل الأرض، لأن كلمة Pan معناها «كل» وجى أو جيا معناها أرض ومنها جيولوجى أى علم طبقات الأرض، أيضًا رب الزلازل «جى» والذى يبتهل إليه بعض القبائل الإفريقية «الساموا» يسجدون، ينبشون الأرض وقت الزلازل طالبين من رب الزلازل «جى» أن يكف عن التقلب فى باطن الأرض لأن الأرض ستنفجر!.

المهم.. بسبب دوران الأرض، بسرعة ١٦٧٠ كيلومترًا فى الساعة، تزحزحت القارات عن بعضها، ابتعدت الصفائح التكتونية Tectonic Plates والتى تمتد إلى مائة كيلومتر تحت القارات.

انفصلت صفيحة آسيا التكتونية عن صفيحة إفريقيا والتى معها شبه جزيرة سيناء، وللتوضيح قلت فى المحاضرة إن قارة إفريقيا تبتعد عن قارة آسيا ٢٫٨ سنتيمتر كل سنة.. اثنين وثمانية من عشرة أى حوالى ثلاثة سنتيمترات كل عام، أى تبتعد سيناء عن آسيا ٣ سم كل عام لأن سيناء الجرف الجغرافى الإفريقى وليس الآسيوى، فلماذا تقول: مصر لها امتداد آسيوى، ونجعل الصهيونية العالمية تتمسك بهذا الخطأ الدستورى الذى يجب تعديله فى أقرب وقت، ولزيادة التأكيد اتصلت بصديقى الأستاذ ماجد الحداد، وهو باحث من الطراز الأول، وصديق للعالم الجيولوجى الكبير الدكتور فاروق الباز، فأكد لنا، أن الجرف الإفريقى منه شبه جزيرة سيناء، إذًا هذا خطأ دستورى، يجب الإسراع فى تعديله.

يقول علماء الجيولوجيا إنه بعد آلاف السنين، سوف تلتحم صفيحة إفريقيا التكتونية بصفيحة أوروبا التكتونية، وتبتعد إفريقيا عن آسيا كثيرًا بسبب زحزحة القارات.

حدثتهم كيف أن الجينات المصرية فى الأوروبيين والآسيويين منذ ٥٥ ألف سنة مضت، «بحث علماء كمبردج ٢٤/٦/٢٠١٥»: المصريون فينا جميعًا، بينما الشعب المصرى ليس به جينات شعوب أخرى كما قال فلاندرز بترى: بالرغم من الغزوات الكثيرة التى مرت على مصر، إلا أنه كان تغييرًا فى الحكام، ولم يكن تغييرًا فى جنسية مصر، وقد ثبت هذا أخيرًا ببحوث عالمة الجينات مارجريت كندل، وعالم الجينات عميد طبيب الدكتور طارق طه بالقوات المسلحة.


جهاد اللافشكيرى وغزوة الترعة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /30

 مشهد إلقاء الشباب للجبن الفرنسى فى إحدى الترع للرد على الرسوم المسيئة ونصرة للإسلام وانتصاراً للدين وحماية للعقيدة، هذا المشهد هو قمة الكوميديا السوداء، وقد وصل أصحاب غزوة اللافشكيرى أمام هذه الترعة إلى قمة الهذيان، أولاً: هذا الجبن الذى أُلقى فى الترعة بكميات مهولة، إنتاج شركة مصرية حاصلة على العلامة التجارية بالاسم الفرنسى، صاحبها مصرى، وموظفوها مصريون، والعمال الذين يقفون أمام ماكيناتها مصريون يقبضون راتبهم بالجنيه المصرى وليس باليورو الأوروبى!!، وأنت بهذه الفعلة العبثية مثل من شاهد زوجته تخونه فقام بإخصاء نفسه!!، ثانياً: هذه الترعة التى حولتموها إلى أقذر بركة على سطح الأرض، والآن تلقون فيها بعلب كرتون وبلاستيك وجبن.. إلخ، لتزيدوا البركة عفناً وانسداداً وركوداً وقذارة، هل هذه هى نصرة الدين فى رأيكم؟، نصرة الدين أن تجملوا حياتكم ولا تألفوا القمامة وتتخيلوا أن رائحة النتانة الصادرة منها وعنها هى عطر كريستيان ديور!!، أن تنظفوا تلك الترعة من فضلاتكم النورانية هى أقدس المهام الآن بالنسبة لكم، ثالثاً: الله جل جلاله لا يحتاج إلى بودى جاردات والنبى عليه الصلاة والسلام لا يحتاج إلى بلطجية وإرهابيين يذبحون البشر ويقطعون الرؤوس حماية له، بل يحتاج إلى أن تعمر الأرض وتنشر العلم والنور وتساهم فى تنمية الحضارة، حتى يشير إليك العالم قائلاً: هذا من أتباع محمد، ناجح ومتفرد وفاعل فى مجتمعه وفى العالم، رابعاً: إذا كان صاحب السوبرماركت الورع التقى المؤمن مستغنياً عن هذه البضاعة الكافرة وكارهاً لذلك الجبن الشيطانى، هناك فقراء وأطفال شوارع يبحثون فى القمامة عما يأكلونه، كان بإمكانك أن تحميهم من الجوع وتقدم لهم وجبة تسندهم وتساعدهم على استكمال حياتهم البخيلة المعذبة، خامساً: هذه الهستيريا، وذلك السرور والحبور الذى يعتريكم ويتلبسكم وأنتم تلقون بكراتين الجبن فى تلك الترعة البائسة، ما هى إلا أعراض خلل واضطراب نفسى عميق، وإحساس جارف بالدونية والتهميش، يتم تعويضه بهذا التصرف المعتوه، سادساً: متى سيخرج من جماجمكم مفهوم الجهاد بغزو العالم، حيث ينتصر فسطاط الإيمان على فسطاط الكفر، هذا الشاب الذى يلقى بكرتونة الجبن فى غضب وتوتر وهستيريا، إذا منحته سيفاً سيذهب مثل الشاب التونسى إلى نيس ليقطع رأس السيدة العجوز فى الكنيسة!!، البرمجة المخية تسمح بذلك وتؤهل له، مسحوا مخه بفكرة المؤامرة الكونية على دينه، وبأنه الأفضل رغم جهله، والناجى رغم تخلفه، فصار فى حالة زهو زائف بنفسه، ويحارب من أجل التعويض وتكملة البورتريه الخادع بالهلاوس والضلالات.

هذا المشهد الذى لم يكن جزءاً من اسكتش «ساعة لقلبك» أو فقرة فى مسرح مصر الكوميدى، هو مشهد كانت له دلالات كثيرة على المستوى العقلى والنفسى، ويحتاج فهمه إلى تحليل من علماء الاجتماع.


Thursday, October 29, 2020

الجديد فى أدوية السكر - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /28

 أن تعقد مؤتمراً طبياً يشارك فيه أطباء من كل العالم فى تلك الظروف فهو حدث يستحق الاهتمام، حتى لو كان يستخدم تقنية الواقع الافتراضى، فالترتيب والتحضير وعرض المحاضرات والتفاعل وإقناع أكبر أطباء العالم فى المجال.. إلخ، هذا جهد جبار يماثل، إن لم يكن يتفوق على شكل المؤتمرات الطبية الكلاسيكية، وهذا ما تفعله د. إيناس شلتوت أستاذ الباطنة والسكر بقصر العينى فى مؤتمرها الذى بدأ ٢٨ أكتوبر، تحاول د. إيناس فى كل عام أن تتابع الجديد وتستضيف المتميزين من خبراء مرض السكر فى العالم، لتقديم تلك الخبرات إلى شباب الأطباء فى مصر، على مدى أربعة أيام يُقام المؤتمر السنوى السادس عشر للجمعية العربية لدراسة أمراض السكر والميتابوليزم، والجمعية العربية لدراسة أمراض السكر والميتابوليزم والتى ترأسها د. إيناس، هى عضو الاتحاد الفيدرالى الدولى لجمعيات السكر، وهو أكبر تجمع عالمى يعمل فى مجال السكر لخدمة مرضى السكر، وأيضاً لتقديم البحث العلمى والمؤتمرات الطبية فى مجال مرض السكر، ونظراً للظروف الحالية، توجد طريقة جديدة لتقديم هذا المؤتمر، وهى استخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضى لاستضافة الفعاليات، وهى الوسيلة الحديثة لمستقبل تبادل المعلومات، من خلال هذه التقنية يحضر المؤتمر عدد كبير جداً من الأطباء -آلاف الأطباء- وتسمح لأطباء من دول العالم المختلفة بحضور المؤتمر دون تكلفة للطيران أو للإقامة، فيستطيع الطبيب حضور المؤتمر بواسطة هذه التقنية الحديثة، كما يمكن أيضاً للطبيب الحاضر، التواصل والتفاعل مع الأساتذة والمحاضرين عن بُعد، ويتحرّك الأطباء داخل قاعات المؤتمر الافتراضية ثلاثية الأبعاد، جلسات المؤتمر تحتوى على أكثر من 85 محاضرة على مدار 4 أيام، وهناك جوائز علمية للأطباء الشبان فى مجال أفضل الأبحاث والمقالات والنشاط العلمى للأطباء أقل من سن 35، ومن الناحية العلمية، توجد بالمؤتمر الأبحاث الحديثة عن مرض السكر وعلاقته بالأمراض الأخرى، ومضاعفاته وكيفية اكتشافها المبكر وكيفية التعامل معها، وكيفية الوقاية من مرض السكر نفسه وكيفية الوقاية من مضاعفات مرض السكر، وأيضاً هناك جلسات مهمة عن مرض السمنة، والسمنة وعلاقتها بالأمراض الأخرى، وطبعاً أهم علاقة بين السمنة ومرض آخر هى العلاقة بين السمنة ومرض السكر، هناك أيضاً جلسات عن الأدوية الحديثة اللى ستُتاح بمصر قريباً، ومنها أدوية حديثة فى علاج السمنة، باعتبارها مرضاً، وأيضاً أدوية حديثة فى علاج مرض السكر، وبما أن المؤتمر يتحدث عن الجديد فى مجال علاج السكر، فنجد أن أحدث دواءين سيوجدان فى سوق الدواء المصرى هما دواء عبارة عن حقن تمزج بين الأنسولين ومادة أخرى تسمى مشابهات الـGLPR1، المزج بين هاتين المادتين «الأنسولين القاعدى طويل المفعول الذى يعمل لمدة 24 ساعة ويعمل على تخفيض السكر الصائم بالجسم، ومعه المادة الأخرى مشابهات الـGLPR1، التى تعمل على تخفيض السكر بعد تناول الوجبات»، فبالتالى استخدام هاتين المادتين معاً يخفض مستوى السكر بعد الوجبات وأيضاً السكر الصائم، وبالتالى هناك نتيجة جيّدة بالنسبة لمستوى الهيموجلوبين السكرى، كما يساعد على تخفيض وزن الجسم عند هؤلاء الأشخاص.

نداء لكل الأطباء الشبان المتخصصين والمهتمين بالغدد الصماء لأن يهتموا بحضور ومتابعة المؤتمر والتفاعل والاستفادة، وجزيل الشكر للدكتورة إيناس شلتوت، وكل أستاذ فى جميع التخصصات الطبية يهتم بتقديم خبراته لشباب الأطباء، خاصة أطباء الأقاليم الذين يبذلون أضعاف الجهد الذى يبذله أطباء القاهرة لتوفير نصف الإمكانيات المتوافرة فى العاصمة.


Monday, October 26, 2020

د. محمد أبوالغار يكتب: لماذا دول العالم الثالث فقيرة ومتخلفة؟ ٢٧/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

بالتأكيد هذا موضوع لا يمكن تلخيصه فى مقالة صغيرة، ولكنى سوف أحاول أن أرصد بعض نقاط أراها مدخلاً لمحاولة الخروج من هذا المأزق وهذه الهاوية التى تسير إليها الكثير من دول العالم الثالث. لن أدخل فى علاقة الاستعمار بالتخلف، لأن الكثير من دول شرق آسيا كانت محتلة لفترات طويلة وعلى رأسها الصين، وأصبحت قوة اقتصادية عظمى، وهى تبنت النظام الشيوعى وطورته عبر سبعة عقود. وهناك دول مثل كوريا وسنغافورة وماليزيا أيضاً كانت محتلة، واتبعت نظماً رأسمالية وأصبحت دولاً شديدة التقدم اقتصادياً. إذن التاريخ الاستعمارى ليس السبب، ولا يوجد نظام اقتصادى بعينه هو الطريق الوحيد للتقدم، وإنما تطبيق النظام بجدية ومرونة تسمح بتعديله وتطويره حسب الحاجة وحسب تجربته على أرض الواقع، مع تنحية الفساد جانباً ومعاقبة الفاسدين.

أول مشكلة فى دول العالم المتخلف سواء كانت أغلبية السكان مسيحيين أو مسلمين أو غيرها من الديانات هو عدم اقتناع الأغلبية والحكام بأن فصل الدين عن الدولة كان حجر الأساس فى تقدم أوروبا وأن سطوة الكنيسة فى القرون الوسطى أخرت التقدم العلمى والاقتصادى وساعدت على نشر الخرافات ودعمت التفرقة بين الناس وحاكمت من اكتشف أن الأرض كروية بالبحث العلمى وحكمت عليه بالإعدام. بالتأكيد الدين جانب هام فى حياة الإنسان. الجانب الروحانى موجود فى البشرية بدرجات مختلفة. لا يجب أن تتدخل الدولة ولا المواطنون الآخرون فى العلاقة شديدة الخصوصية بين الإنسان وربه، صحيح أن العبادات جزء من طقوس كافة الديانات، ولكن الجزء الهام هو صفاء علاقة الإيمان المباشرة، والتى تنعكس على تعاملات الإنسان مع البشر ومع الحيوانات ومع البيئة، وهو أمر وصل ذروته فى أفكار الصوفيين من كافة الديانات. الدين هو أمر خاص بالإنسان، فالحيوان ليس له دين، والحكومة ليس لها دين، والنادى أو المحكمة أو المستشفى ليس لها دين. البنى آدم فقط هو الذى له دين. عندما فصلت أوروبا وأمريكا الشمالية الدين عن الدولة، حدث التقدم، وعندما استمر الدين كجزء من الأنظمة فى أمريكا الجنوبية استمرت فى حالة التخلف والمعاناة. الدستور السودانى الجديد فى مادته الأولى ينص على أن السودان دولة مدنية مستقلة تقوم على فصل الدين عن الدولة، ولا يقوم حزب على أساس دينى، وإلغاء القوانين التى تقوم على أسس دينية.

فصل الدين عن الدولة فى كافة الدول بغض النظر عن دين الأغلبية ضرورة لبداية الخروج من التخلف والأمر ليس سهلاً لأن السلطة الدينية قوية، وهناك تيار شعبى كبير يؤمن بها ويؤيدها فى كل العالم الثالث. قد يتساءل البعض وماذا عن إسرائيل وهى دولة متقدمة اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وبحثياً؟ الحقيقة أن إسرائيل على أرض الواقع ديانتها اليهودية ولكنها فى الحقيقة دولة مدنية حتى النخاع وحزب العمل الذى قامت على أكتافه الدولة كان معظم قياداته من الملحدين. الديانة اليهودية عند أغلبية يهود إسرائيل هى قومية أكثر منها ديانة، والكثير منهم لا يمارسون الطقوس الدينية أو يقومون ببعضها حفاظاً على الهوية وليس كجزء من الإيمان.

الأمر الثانى لتقدم دول العالم الثالث هو التعليم الحر المتقدم غير المرتبط بأيديولوجية أو سياسة معينة، التعليم الذى يدعو إلى أحكام العقل والمنطق والتفكير للوصول إلى حلول وليس فقط الحفظ والصم. وتطوير التعليم مشكلة المشاكل لأن معظم حكام العالم الثالث لا يحبون هذا النوع من التعليم الذى يفتح العقول ويطالب بالمناقشة وتقديم البراهين. هم يريدون أن تكون شعوبهم متعلمة ولكنهم لا يؤمنون بالتخطيط طويل المدى. تغيير نظم التعليم يحتاج إلى جيل كامل وإلى تغيير جذرى فى تفكير المعلمين واستثمار ضخم جداً وصعوبات بالغة. حكام العالم الثالث فى معظمهم يريدون نتائج سريعة ومشروعات تظهر أمام الناس بسرعة، وهم أيضاً لا يؤمنون بالتخطيط، وإن وجدت خطة يخرجون عن سياقها بسهولة بالغة ومسألة دراسات الجدوى قد تعتبر مضيعة للوقت وتعطل الإصلاح السريع.

الأمر التالى هو أن الإنسان ليعيش وينتج ويفكر ويبدع محتاج إلى مساحة فارغة حوله، وكم من الهواء النقى يستنشقه، وكرسى يجلس عليه فى مدرسته وسرير فى المستشفى إذا مرض، وأكل ولو بسيط ليأكله، ومياه نظيفة يشربها. هذا لا يمكن أن يتوفر فى أبسط صورة فى بلاد العالم الثالث المزدحمة بالسكان وفى مدينة كثيفة الأعداد وبيوت ضيقة يسكنها عشرات الأفراد. بدون تنظيم للأسرة ووضع حد للانفجار السكانى لا يوجد أمل فى أى نوع من الإصلاح وحتى تظهر نتائج هذا البرنامج نحتاج إلى جيل كامل، وهو ما فعلته الصين، وكان أحد أهم أسباب تقدمها الاقتصادى.

واضح أن أى تقدم ليحقق نتائج يلزمه جيل بأكمله حتى نحصد شيئاً، ويلزمه تطبيق فكر حداثى متطور، وهذا لا يمكن تطبيقه فى البلاد التى ينتشر فيها الإسلام السياسى بكثافة فى الطبقة الفقيرة والشريحة السفلى من الطبقة الوسطى، وهو الذى سوف يعترض بشدة على كل حرف كتب فى هذا المقال. بينما فى الواقع أن الدين هو علاقة خاصة من الإيمان بين الإنسان وربه، تزداد قوة وتجعل الإنسان أكثر نقاء إذا ابتعدنا عن تسييس الدين وإدخاله بالقوة فيما ليس له علاقة به مثل العلم. وكما هو معروف أن الدين المعاملة والأخلاق الحسنة والصدق والإنسانية. وهنا أنا لا أقلل من أهمية العبادات ولكنى أركز على فلسفة الدين.

دعنا نفكر جميعاً شعباً وحكومة هل لنا مخرج حقيقى آخر حتى يخرج جيل جديد بعد عشرات السنوات مختلف فى مظهره وأكله وطريقة حياته ومستوى تعليمه وتغيير فى معاملاته وأسلوبه مع الآخرين، ينتج ويصنع ويبدع ويضع الوطن فى مصاف الدول المتقدمة حتى تخرج أجيال جديدة تكون أكثر سعادة وتتمتع بأولويات الكرامة الإنسانية.

قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


كفر ناحوم - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /23

 تأخرت مشاهدتى لهذا الفيلم سنتين، لكنى أنصح كل من لم يشاهده أن يسارع بمشاهدته، «كفر ناحوم» للمخرجة اللبنانية نادين لبكى، فيلم مهم وقوى وجميل ويناقش أكثر من قضية فى منتهى الخطورة، أهميته ليست فى أنه رشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبى وللسعفة الذهبية فى مهرجان كان وحاز على العديد من الجوائز، ولكن أهميته فى أنه عالج تلك القضايا وتناولها ورصدها وعراها بجمال الفن، بالكادر والإيقاع والضوء، من الممكن أن يكون زحام القضايا، ورغبة المخرجة فى تغطية عشرين قضية فى ساعتين، أثر نوعاً ما على كثافة وعمق التناول، فقد ناقشت المخرجة قضية العشوائيات والتناسل السرطانى واللاجئات وتجارة الهجرة وأطفال الشوارع وعمالة الأطفال وزواج القاصرات.. إلخ، لكن فى وسط كل هذا الخضم، لم تفقد المخرجة أبداً بوصلتها الفنية، الفيلم يبدأ بالشخصية المحورية الطفل «زين»، هذا الممثل المذهل الذى سيأسرك بأدائه، وستسحبك عيناه إلى دائرته المغناطيسية رغماً عنك، وستندهش أنه يقف أمام الكاميرا لأول مرة، وأنه فى الواقع لاجئ سورى، فى أول مشهد الطبيب الشرعى يكشف على أسنانه فيجدها كلها مسوسة ويخمن سنه، ١٢ سنة، لنذهب معه بعدها إلى المحكمة كمتهم بمحاولة قتل زوج أخته «سحر» بالسكين، فى المحكمة يقف مطالباً بمحاكمة والده ووالدته لأنهما أنجباه، لأنهما خلّفاه!!، مهمة الأم الأساسية هى إنجاب أطفال يعيشون فى بيئة لا تصلح للهوام والحشرات، لن أحرق لكم الفيلم، لكنكم ستلمسون كم هى الحياة قاسية وظالمة على هؤلاء، مشاهد بكر طازجة لم تشاهدوها من قبل بمثل هذا الصدق، «زين» الذى أنضجه الفقر والغلب قبل الأوان، وهو يعلم شقيقته كيف تتعامل مع مفاجأة الدورة الشهرية، وهو يدافع عنها ضد اغتصابها من صاحب السوبر ماركت الذى يغريها بوجبة الإندومى، هروب «زين» ومقابلته بـ«صرصار مان» ذلك العجوز الذى يرتدى ملابس «اسبايدر مان» الممزقة ويؤدى دوره فى الملاهى، لقاء «زين» مع اللاجئة الإثيوبية التى انتهى تصريحها وتخفى طفلها الرضيع فى كوخ حقير على أطراف المدينة، كيف تحارب بكل ما أوتيت من قوة لتنتزع السعادة بمخالبها من هذا الزمن البخيل والحياة الضنينة، تسرق «تورتة» لتحتفل بعيد ميلاد ابنها لترسم ابتسامة، وفى السجن تعصر ثديها حتى لا يخزن اللبن على أمل العودة لإرضاعه، مطاردة سمسار تهريب اللاجئين لها لكى تبيع رضيعها لأحد الأسر التى لا تنجب، علاقة المسئولية التى نمت بين «زين» والرضيع، رحلتهما معاً التى هى ذروة إثارة وجمال الفيلم، كيف حركتهما المخرجة بهذه الدقة والمهارة؟، كيف نقلت إحساس الفقر المدقع من خلال عدسة صادقة وجميلة أيضاً؟! «كفر ناحوم» فيلم لن تنساه من فرط صدقه وجماله وبكارة وطزاجة أداء أبطاله.

هو متعة فنية مكتملة الأركان.


Saturday, October 24, 2020

د. وسيم السيسى يكتب: استعار العبرانيون فكرة التوحيد من مصر القديمة ٢٤/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

قالوا: فراعنة.. سخرة.. كنا فاكرينه موسى طلع فرعون! وقال مطران خليل مطران: لو أن مظالم الفراعنة كتبت على الرخام الأبيض، لاسودّ من كثرة مظالمهم!

رد عليه أمير الشعراء:

زعموا أنها دعائم شيدت

بيد البغى ملؤها ظلماء

أين كان القضاء والعدل والحكمة

والرأى والنهى والذكاء؟

إذا كان غير ما أتوه فخار

فأنا منك يا فخار براء!

وتمر الأيام ونعرف أن فرعون كاسم كان موجوداً، ولكن كصفة على ملوك مصر، فهذا افتراء من فلندرز بترى، فلا وجود لها فى «شن رن» «خراطيش» الملوك، وأصبحت سمعتهم سيئة كسمعة فرعون الخروج، فلندرز بترى مدفون فى القدس وهو بريطانى الجنسية!

قالوا حضارة وثنية، وتقول الكنيسة: فى رحلة العائلة المقدسة فى الأراضى المصرية، كانت الأوثان تتساقط! وكتبت معترضاً، وطلبت من الرجل الحكيم العظيم البابا تواضروس الثانى أن يغير هذا المفهوم الخطر على الحضارة المصرية، ويعلن أنها كانت أوثان الرومان، لأن مصر عرفت الإله الواحد منذ الأسرة الأولى، الجميل أن البابا استجاب وأعلن أن مصر عرفت الله فى حضارتها القديمة.

العالم الألمانى هنرى بروجش يقول: عقيدة مصر القديمة كانت قمة القمم فى التوحيد.

أما العقاد فيقول فى كتابه «الله»: لقد وصل المصريون إلى التوحيد. كذلك هنرى توماس يقول: لقد استعار العبرانيون فكرة التوحيد من مصر القديمة.. «هم يقولون حتى الآن: فى البدء خلقت الآلهة (جمع إله) الأرض! كما يقولون: من مثلك بين الآلهة يا رب!».

أما د. عبدالعزيز صالح، عالم الآثار الكبير، فيقول:

عبدت مصر الإله الواحد الذى لا شريك له، ونجد على متون الأهرام: واع واعو، أى واحد أحد، نن سنو، أى ليس له ثان.

أما ويل ديورانت، صاحب موسوعة قصة الحضارة فيقول: مصر هى أول من دعت إلى التوحيد. كذلك ثروت عكاشة يحدثنا قائلاً: عقيدة التوحيد، مصر هى مصدرها.

أما آرثر مى، فهو يقول: كانت عقيدة مصر فى التوحيد، هى الطلقة الأولى التى تأثر بها كل من أتوا بعدهم من عظماء البشرية.

إذا ذهبنا إلى كوم أمبو نجد جدارية عليها صورة محفورة لأذن وتحتها حفر لعين، وكلمات تقول: إنه «الله» السميع البصير، الذى يجيب دعوة الداعى إذا دعاه!

ها هو الحكيم المصرى أمين موبى يقول: لا تسرق حتى لا يبدد الله أموالك ويخرب بيتك! سبّح الله، واعصِ الشيطان، الكمال لله وحده، والعجز من صفات الإنسان، إن الله يكره الرجل الكذوب كما يكره الرجل المُزوِّر، لا تفصل قلبك عن لسانك حتى تكون فى مأمن فى يد الله، سعيد أنت إذا وصلت للدار الآخرة مبرءاً أمام الله، ثم نقول: حضارة وثنية!

أما أنا فلم أر جهلاً يشبه هذا الجهل، ولا عقوقاً من الأبناء للأجداد يشبه هذا العقوق، ولا تمجيداً لمن نهبونا ودمرونا يشبه هذا التمجيد، ليس ذنبنا بل ذنب المسؤولين عن تاريخنا وآثارنا وحضارتنا وثقافتنا وتعليمنا.


«كاريوكا» والراقصة البرازيلية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /23

 هستيريا البحث المصرى المحموم عن فيديو الدقيقة ونصف التى ترقص فيه برازيلية فى كوافير أو مركز تجميل، ذكّرنى برقصة الكاريوكا البرازيلية الشهيرة التى منحت الراقصة المصرية الأسطورية تحية كاريوكا لقبها الذى اشتهرت به، الاثنتان ارتبطتا بالبرازيل، الأولى بحكم الجنسية والثانية بحكم أن خطوات رقصها اقتربت من روح أشهر رقصات ذلك البلد الذى من كثرة عدد ما اخترعه من رقصات يظن الناس أن شعبه، شعب البرازيل، يشرب ويأكل ويعمل وهو يرقص!!، هذا الفيديو ذكرنى بكاتب مختلف من زمن مختلف، وضع الرقص الشرقى، وظاهرة تحية كاريوكا بالذات على طاولة التشريح الأدبى والاجتماعى، الكاتب هو إدوارد سعيد، الباحث الفلسطينى الأمريكى الشهير، ولضيق المساحة سأقتبس من مقاله «تحية إلى تحية» تلك العبارات:

«لا تنتمى تحية إلى ثقافة الفتيات الرخيصات أو النساء الساقطات التى يَسهلُ تعريفها، بل إلى عالم النساء التقدميّات اللواتى يتفادين الحواجز الاجتماعيّة أو يُزلنها. فقد ظلّت تحيّة مرتبطة بمجتمع بلادها ذلك الارتباط العضوى، نظراً لما اكتشفته لنفسها كراقصة ومحيية للحفلات من دور آخر أكثر أهميّة. إنّه دور العالمة الذى كاد يُنسى والذى تحدّث عنه زوار الشرق الأوروبيّون فى القرن التاسع عشر، مثل إدوارد لين وفلوبير. فقد كانت العالمة محظيّة من المحظيات، إنّما امرأة ذات مآثر بارزة. ولم يكن الرقص سوى واحدة من مواهبها الكثيرة: كالقدرة على الغناء وتلاوة القصائد، وطلاوة الحديث، وسعى رجال القانون والسياسة والأدب إلى رفقتها».

وكتب عنها بعد أن شاهدها فى صالة بديعة ترقص على أنغام أغنية عبدالعزيز محمود: «تواصلت الأغنية خمسين دقيقة على الأقل قبل أن تظهر تحيّة فجأةً على بعد بضع أقدام خلف كرسى المطرب. كنّا جالسين فى أبعد الأماكن عن المنصّة، لكن البدلة الزرقاء الوامضة المتلألئة التى كانت ترتديها خطفت أبصارنا، فيا لذلك اللمعان فى التّرتِر، ويا لوقفتها الهادئة المضبوطة وهى تقفُ هناك واثقة تماماً. إن جوهر فن الرقص العربى التقليدى، شأن مصارعة الثيران، ليس فى كثرة حركات الراقصة وإنّما فى قلّتها: وحدهن المبتدئات، أو المُقلّدات البائسات من يونانيّات وأمريكيّات، من يُواصلن الهزهزة والنطنطة الفظيعة هنا وهنا ما يُحسب إثارة وإغراءً حريمياً. فالهدف يتمثّل فى إحداث أثر عن طريق الإيحاء أساساً (إنما ليس حصراً على الإطلاق)، وذلك عبر سلسلة من الحوادث المُترابطة معاً بصيغٍ مُتعاقبة، أو موتيفات متكرّرة، على ذلك النحو من التوليف الكامل الذى قدّمته تحيّة فى تلك الليلة. فموتيف تحيّة الأساسى، بالنسبة لـ(منديل الحلو)، هو علاقتها بعبدالعزيز محمود الذى كان غافلاً عنها إلى حدٍّ بعيد. فكانت تنزلق من ورائه، فيما هو يدندن برتابة، فتبدو كما لو أنّها ستقع بين يديه، مُقلّدة إياه وهازئة منه، كل ذلك من غير أن تلمسه ألبتّة أو تستثير ردّة فعله».

ثم يصفها بقوله: «ما تُخلّفه من شعورٍ بجسدٍ مُذهل فى لدانته وحُسنه يتماوج من خلف عدّة معقدة من الزينة المؤلفة من الشرائط، والأحجية والعقود، وسلاسل الذهب والفضّة، التى تبعث حركاتُ تحيّة فيها الحياة على نحوٍ مُتعمّد وعلى نحوٍ مُفترض فى بعض الأحيان. وإذ تفعل كل هذا، فإنّها ترنو إلى هذه الأجزاء المتحركة وتُثبّت نظراتنا المُحدّقة إليها نحن أيضاً، كأنّنا جميعا إزاء مسرحيّة صغيرة مستقلة، مضبوط الإيقاع كلّ الضبط، نُعيد فيها تكوين جسدها على النحو الذى يسلّط الضوء على جانبها الأيمن الذى يبدو كأنّه قد انفصل عن بقية جسدها. كان رقص تحيّة أشبه بأرابيسك متطاول تُحكم صنعه من حول شريكها الجالس. لم تهزهز نهديها، أو تتقدّم من أحد لتدفعه أو تحتكّ به. كان ثمّة تروٍّ مهيب فى كلّ شىء بما فى ذلك المقاطع السريعة. وعَلِمَ كلّ منّا أنه يعيش تجربة إيروسيّة هائلة الإثارة، نظراً لإرجائها الذى لا ينتهى، تجربة ما كان لنا أن نحلم بأن نصادف مثلها أبداً فى حياتنا الواقعيّة»، ويواصل الوصف قائلاً: «أما تحيّة فلا، فرشاقتها وأناقتها توحيان بما هو كلاسيكى تماماً بل ومهيب. والمفارقة أنّها كانت ملموسة وقريبة كما كانت نائية، لا تُطال، ولا تُنال فى آنٍ معاً. وفى عالم الكبت الشديد الذى كنّا نعيشه كانت تلكم الصفات تعزّز الانطباع الذى خلّفته «تحيّة». وأذكر على وجه الخصوص أنّها ما إن بدأت ترقص حتّى ارتسم على وجهها ما بدا وكأنه بسمة صغيرة مستغرقة فى ذاتها لازمتها طوال العرض، وكان فمها مفتوحاً أوسع مما تكون عليه البسمة فى العادة، كما لو أنّها مختلية بنفسها تتأمّل جسدها وتستمتع بحركاته. لقد طغت تلك البسمة على كلّ بهرجة مسرحيّة مُتكلّفة فى المشهد أو فى رقصها، فنقّتهما بما انطوت على من تركيز مفروض على أفكارها العميقة والشاردة. بل إنّنى ما من مرأة رأيتها ترقص فى الأفلام الخمسة والعشرين أو الثلاثين التى شاهدتها لها، إلا وكنتُ أعثر على تلك البسمة، مضيئة الخلفيّة التى عادة ما تكون سخيفة مُتكلّفة. بسمتها نقطةٌ ثابتةٌ فى عالمٍ قُلَّب».


Friday, October 23, 2020

وداعاً قاهر الخرافات - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /22

 اليوم ودَّع العالم جيمس راندى الساحر الذى فضح الخرافة عن عمر يناهز ٩٢ سنة، كان أفضل شخص فى العالم عرى تلك الأوهام وكشفها، سر مهارته وشهرته وتمكنه ونجاحه فى فضح سماسرة الخرافة، أنه كان يعرف جيداً من خلال عمله أن السحر ليس إلا خفة يد وخداع متفرج ودهاء ساحر، برغم أنه هرب أثناء ممارسته السحر من تابوت مغلق مغمور بالمياه وتخلص من سترة مقيدة بينما كان يتدلى فوق شلالات نياجرا، إلا أنه لم يتاجر بهذه البهلوانيات وينصب نفسه من خلال إبهار الناس نبياً أو قديساً، كان مقتنعاً تمام الاقتناع بأن ما فعله هو من قبيل الألعاب السحرية، فى حلقة عام 1972 من برنامج «The Tonight Show»، تحدى راندى الفنان الإسرائيلى Uri Geller، والذى ادعى أنه يحنى الملاعق بعقله، حرص راندى على إبقاء الملاعق والأدوات الأخرى من أيدى جيللر حتى موعد العرض لمنع أى عبث، كانت النتيجة 22 دقيقة مؤلمة لم يتمكن فيها جيللر من أداء أى حيل، وذهل العالم وقتها والذى كان فيه ملايين من المقتنعين بأسطورة جيللر، لقد سعى إلى دحض ليس فقط أولئك الذين يطلقون على أنفسهم معالجين روحانيين، ولكنه هاجم وانتقد وتحدى دجالى الطب البديل ومقومى العظام بالضرب والعصى وتجار الهوميوباثى وغيرهم ممن وصفهم بالمفترسين الذين يبحثون عن أموال الأبرياء ويمتصون دماءهم، كان هدف راندى الذى كرس له حياته هم أولئك الذين اعتبرهم محتالين، فعلها بإصرار وتفانٍ، واعترف بأن الضحايا مجرد مرضى بالهوس، تحدى راندى العالم بخرافة ما يسمى المعجزات الخارقة للطبيعة فى زمننا الحاضر، ودعماً للعلم والعقل، وضع جائزة مليون دولار من خلال مؤسسته منذ سنوات لمن يثبت أن هناك معجزة خارقة للطبيعة وللعلم، لم يفز بها أحد، كله خسر تحدى راندى، لم يُثبت أحد فى أى بقعة فى العالم قدسية مياه تشفى الأمراض ولا جراحات بدون مشرط ولا ثنياً للمعادن بالقوة الروحية عن بعد ولا علاجات بالتمتمات ولا سفراً بالأجساد بدون مواصلات ولا أنواراً لقبور وأضرحة قديسين أو أولياء... إلخ، ولا يزال حتى هذه اللحظة التحدى قائماً، وللأسف ما زال المغيبون من معتنقى الخرافات والأوهام بمئات الملايين.

وإليكم بعض الاقتباسات من جيمس راندى:

هناك فرق واضح بين امتلاك عقل منفتح، وبين امتلاك فتحة فى رأسك يتسرب دماغك من خلالها.

مهما بلغت قوة إيمانك بشىء ما فإن ذلك لن يجعل منه حقيقة.

لقد حاربنا طويلاً وكثيراً لنفلت من براثن خرافات القرون الوسطى.. أنا عن نفسى لا أتمنى أن نرجع إلى الوراء.

السحرة هم أكثر الناس صدقاً فى العالم. يقولون لك إنهم سوف يخدعونك، ثم يفعلون ذلك.

لا أتوقع أن يتم تأسيس الهوميوباثى كشكل شرعى من العلاج، لكنى أتوقع أن تستمر فى الانتشار.

لا أتوقع أن يتم ربح المليون دولار، ببساطة لأنه لا يوجد دليل مؤكد لأى ادعاءات خوارق حتى الآن.

الشعور بالتحسن ليس فى الواقع معناه أنك أفضل.


Thursday, October 22, 2020

فوزى وحليم.. لقاء مستحيل! بقلم طارق الشناوى ٢٢/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

مرت ذكرى محمد فوزى أمس الأول، لم يسأل أحد عن اللقاء الذى لم يحدث بينه وبين عبدالحليم؟.

تناولت (الميديا)- ولا تزال- العديد من المشروعات الغنائية المجهضة بين فريد الأطرش وعبدالحليم (يا ويلى من حبه يا ويلى) و(يا واحشنى رد علىَّ) وغيرهما، لم أعثر فى الأرشيف على أى محاولة للقاء مشترك يجمع فوزى بالعندليب، بالطبع لن يعرض فوزى لحنًا على حليم، المفروض أن العندليب يطلب، وهو لم يفعلها.

سألت الموسيقار كمال الطويل: من أكثر المتيمين والمقدرين لمحمد فوزى؟ أجابنى: (فوزى من الممكن أن يمنح حليم ألحانا مرحة خفيفة وهو اللون الذى برع فيه منير مراد، ولم يشأ حليم أن يضع صديقه منير فى حرج)، لم أقتنع بكلمات الأستاذ كمال، فوزى ليس بديلا لمنير، ثم إن عبدالحليم فى عز تألق الموجى والطويل ومنير غنى من تلحين محمود الشريف (حلو وكداب.. ليه صدقتك)، ولبليغ حمدى فى أفلام البدايات (تخونوه) و(خسارة خسارة) و(خايف مرة أحب)، ولم يُعنِه أن يُغضب ذلك أصدقاءه الثلاثة.

تذكرت حكاية روتها لى مديحة يسرى عندما كانت زوجة لفوزى، وفى عيد ميلادها حاول عبدالحليم على سبيل الصداقة أن يحضنها- قطعا ببراءة- فحال فوزى بينه وبين إكمال تلك المهمة، فقال له حليم: (دى أمى)، حيث كانت تلعب هذا الدور فى فيلم (الخطايا)، أجابه: (أمك فى الأستوديو بس).

مجرد موقف لرجل شرقى أراه فقط فى حدوده يعبر عن التركيبة الشخصية لفوزى، حاولت أن أجد إجابة، اتضح أن الصحافة الفنية لم تهتم وحتى رحيل فوزى عام ١٩٦٦، ولم يسأل أحد أيًا من الطرفين، وجدت مثلًا أن فوزى أثنى على عبدالحليم واعترف أنه صار يحقق نجاحا ضخما أكثر منه، إلا أنه فسر ذلك بجملة (الغربال الجديد له شدة)، كان لديه أمل أن تتراجع شعبية حليم ويعود فوزى (الغربال القديم) لمكانته وشدته.

هل كانت الصراعات المادية سببا؟.. فوزى لديه شركة (مصر فون)، بينما عبدالحليم وعبدالوهاب يمتلكان (صوت الفن).

وإذا افترضنا تعاونا بينهما، فمن سيحصل على الحق المادى؟.. أظن أيضا أن فوزى لم يشأ أن يمنح عبدالحليم لحنا، يلعب دورا إضافيا فى تأكيد نجاحه وتفوقه عليه بالأرقام، لاحظت بالإضافة لكل الأسباب السابقة أن فوزى مُقلٌّ فى التعامل مع المطربين، أغلب أغانيه لحنها لمطربات مثل ليلى مراد وشقيقته هدى سلطان وشادية وصباح ونور الهدى وفايزة أحمد ووردة ونجاة وغيرهن، وربما كانت أشهر أغنية قدمها لرجل (م السيدة لسيدنا الحسين) لعبدالمطلب، وهى بالفعل لا تليق سوى على صوت (طلب) و(يا مصطفى يا مصطفى) لبوب عزام ولا يغنيها إلا (بوب).

فوزى أكبر من حليم بـ١١ عاما، منذ ٥٥ بداية تألق حليم، لعب فوزى بطولة ثلاثة أفلام، بينما حليم قدم فى نفس المرحلة الزمنية ١٤ فيلما، زيادة شعبية عبدالحليم على الشاشة جاءت على حساب تراجع فوزى.

لا أدعى أن تلك هى كل الأسباب، وليست بالضرورة هى الإجابة الصحيحة، هى فقط محاولة، إذا أصبت فَلِى أجران، ولو أخفقت فلا تحرمونى من أجر.


الإسلام والعالم والأزمة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /21

 وصلتنى رسالة من الأردن بقلم الطبيب د. محمد طلافحة، تعليقاً على ما يحدث فى فرنسا، يقول فيها:

تابعنا جميعاً تصريح الرئيس الفرنسى «ماكرون» الذى يقول: إن الدين الإسلامى بات يمر بأزمة فى العالم بأسره وليس فقط فى فرنسا، سنحاول فى هذا المقال تحليل هذا الادعاء لنرى مدى صحته ومصداقيته.

عندما نتحدث عن الإسلام عبر العصور ابتداء من زمن الرسول يتبين لنا أن المسلمين عاشوا فترات متباينة، فمن دولة صغيرة تحكم مدينتى مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى دولة تمتد من الصين شرقاً إلى فرنسا والأندلس غرباً فى عهد الدولة الأموية.

بعد ذلك بدأت الدولة الإسلامية تضعف تدريجياً فى العصر العباسى الثانى حيث بدأت الفتن والحروب الداخلية، حتى سقطت أمام غزو المغول «التتار» وسقوط بغداد عام 1258م وانتهاء حكم العرب للعالم الإسلامى.

ومع ظهور الدولة العثمانية، التى سيطرت على أجزاء واسعة من الوطن العربى عانت خلالها من الفقر والجهل والظلم والاستبداد، حيث كان يمنع انتشار العلم أو قراءة كتب الفلسفة، كما تم تحريم دخول الطابعة إلى البلاد الإسلامية، فكانت تلك النقطة بداية النهاية للحضارة الإسلامية، فلك أن تتخيل -عزيزى القارئ- أنه مع انهيار الدولة العثمانية عام 1917م بلغت نسبة الأمية فى مصر 95%.

ومع بدء حركات المقاومة والاستقلال للاستعمار التى أسفرت عن استقلال صورى فى أغلب الأقطار العربية، ووجود كيان إسرائيلى فى قلب الوطن العربى لمنع أى فرصة لاتحاد العرب والمسلمين مرة أخرى، ولم يكن حال باقى الدول الإسلامية أفضل حالاً، فقد عانت من الاستعمار البريطانى والثورات والحركات الإرهابية فى دول مثل باكستان وأفغانستان.

ومع ظهور حركة الإخوان المسلمين فى مصر عام 1928م بقيادة حسن البنا وانتشارها فى عدة دول عربية مرتدية عباءة الدين، لتصل إلى أهدافها السياسية المتمثلة بالحكم والسلطة من خلال تنفيذ أجنداتهم بنشر الحجاب والثقافة الإسلامية المتطرفة والتى نتج عنها عدد من التنظيمات الإرهابية، وكما كان لها دور بارز فى ثورات الربيع العربى التى أباحت الخروج على الحاكم، لتنفيذ أجندتها الخارجية المدعومة من أمريكا لتقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية.

بالنظر إلى العالم اليوم، لا يمكننا أن ننكر أننا نعيش فى أزمة إنسانية وحضارية وعلمية ودينية حتى، فما زلنا نكفر ونقتل بعضنا باسم الدين والكل يدَّعى أنه على صواب وكل من يخالفه كافر يستباح دمه وعرضه، فما زال العالم الإسلامى يعيش انقسامات كثيرة وجهلاً وتخلفاً حيث بِتنا فى واد سحيق متقوقعين بين الحضارتين الشرقية والغربية ونحن غارقون بينهما فى سبات عميق.

وأخيراً جاءت حادثة قتل المعلم الفرنسى الذى قُتل بعد عرضه رسوماً كاريكاتيرية مسيئة للرسول لتكون القشة التى قصمت ظهر البعير، فلا مبرر للقتل مهما كانت الأسباب والظروف، فهذه هى حرية الرأى التى يفتخر بها الغرب مثل فرنسا والتى أعطت حقوقاً للمسلمين أنفسهم بممارسة شعائر الدين الإسلامى بحرية.

أختم مقالى هذا بالشكر للرئيس ماكرون، فوجب قول كلمة الحق، فنحن نعيش بكابوس حقيقى، فما زلنا نفكر فى الخلافات بين الصحابة فى العصور الوسطى، فلا سبيل للتقدم إلا من خلال نبذ خلافات الماضى والاختلافات الفكرية والعقائدية بيننا، ورص الصفوف والاتحاد معاً للنظر إلى المستقبل كى لا تزداد الفجوة الهائلة بيننا وبين باقى الأمم والشعوب فى العالم.


Monday, October 19, 2020

د. محمد أبوالغار يكتب: الفن بدون حرية ليس فنًا ولن يعيش ٢٠/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

الدعاية الفجة لفنون محدودة القيمة لن ترفع من قيمتها ومصيرها الزوال والنسيان. فى تاريخ الفن هناك كنوز باقية ومستمرة وتزداد قيمة وجمالاً وتؤثر فى أجيال وراء أجيال، وأصبحت عموداً راسخاً فى الحضارة الإنسانية التى ترفع مستوى البنى آدم وتعطيه متعة رائعة لا يشعر بها إلا من تذوق هذا الفن الرفيع. وهناك أعمال ضحلة وضعيفة ولا تأثير لها، وهناك أيضاً فن زاعق نبرته عالية وألوانه فاقعة، وتقف وراءه شخصيات ومؤسسات وأحياناً دول بأكملها. وكل ذلك فى النهاية سوف يختفى ولن يتذكره أحد.

نعرف أن الأدب الروسى العظيم قد كتب قبل الثورة الروسية عام ١٩١٧، والكتاب العظماء تولستوى وديستوفسكى فى الرواية، وبوشكين فى الشعر، كتبوا أعمالهم قبل قيام الثورة. العالم كله يحتفى بأعمالهم وسوف يستمر ذلك لأنه أدب خالد نابع من موهبة عظيمة وسوف يستمر عظيماً إلى أبد الآبدين. هناك أدباء روس ظهروا بعد ذلك وساندهم الاتحاد السوفيتى دعائياً والبعض ساعدهم الغرب سياسياً ودعائياً لأنه اعتبرهم منشقين عن الاتحاد السوفيتى بل وحصل بعضهم على جوائز كبرى ولكنهم اختفوا واندثروا ولم يعد يذكر اسمهم ولا أحد يقرأ كتبهم لأنهم نتاج الدعاية وليس الموهبة.

نفس الأمر بالنسبة للموسيقى والفن التشكيلى. فقد أعلن هتلر ومعاونوه أن هناك فنا منحطا وهناك موسيقى منحطة تم منعها أثناء الحرب العالمية الثانية مثل موسيقى الجاز التى اعتبروها موسيقى رجعية مسيئة ومنع عزفها. ومن الموسيقى الكلاسيكية اعتبروا سيمفونيات الموسيقار العظيم مندلسون وكذلك سترافيتسكى موسيقى منحطة وتم منعها تماماً. وكانت الموسيقى المفضلة لهتلر هى موسيقى فاجنر القوية، أما بيتهوفن فقد اعتبره الجميع الموسيقار العظيم الذى يعبر عنهم، فكانت موسيقاه تذاع فى كل مكان فى الفترة النازية. وفى نفس الوقت كان العالم الغربى يعزف موسيقى بيتهوفن ويعتبرها معبرة عن الحرية، عزفت أوركسترا الفيلهارمونيكا فى برلين فى عام ١٩٤٢ السيمفونية التاسعة لبيتهوفن بمناسبة عيد ميلاد هتلر، وفى عام ١٩٤٨ نفس الأوركسترا عزفت فى لندن نفس السيمفونية تحية للسلام. أخذ حاكم روديسيا العنصرى (زيمبابوى الآن) حركة من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن لتصبح النشيد القومى واستخدم الشباب الذين تحرروا من سجون شيلى نفس الموسيقى لتصبح رمزاً للحرية، وهى نفس الموسيقى التى استخدمها الطلبة فى الصين أثناء اعتصام ميدان تيانايمن ضد الحكم الديكتاتورى. الموسيقى الخالدة مستمرة ومؤثرة، موسيقى الجاز أصبح لها شعبية كبيرة فى العالم كله، أم كلثوم وعبد الوهاب أبدعا فى الغناء فى كل العصور ومدحا الملك فؤاد والملك فاروق وعبد الناصر والسادات، وفنهم استمر حتى اليوم لأنه فن رائع وراقى وليس بسبب تأييد الملوك والرؤساء. الفن المتميز مستمر وباقى والفن الردىء يزول مهما كانت وراءه دعاية دولة بأكملها.

أما فى السينما فكانت هوليوود أكبر منتج لأفلام دعائية أمريكية بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى الآن. وتعاون البنتاجون مع هوليوود بالأفكار وراجع سيناريوهات الأفلام بين عامى ١٩٤٢ – ١٩٤٥ للتأكد أن شيئاً لم يؤثر على الروح المعنوية للجنود.

وساهمت الأفلام الأمريكية فى تشكيل الرأى العام ووجدان الأمريكيين والعالم كله عن طريقة تقنية عالية وأفكار مصاغة بدقة ومهارة وذلك قبل عصر التليفزيون والنتفلكس بحيث شعر الأمريكيون بالفخار من جنودهم.

حدث خلاف بين وجهة نظر البنتاجون ووجهة نظر قطاع كبير من الشعب أثناء حرب فيتنام، وقد تم ظهور الخلاف فى بعض الأفلام ونجحت بقوة الأفلام المخالفة لوجهة نظر الدولة الأمريكية وكان لها تأثير أدى إلى انسحاب أمريكا من فيتنام.

الرواية العظيمة «مزرعة الحيوانات» للكاتب المبهر جورج أورويل والتى أنتجت فى بريطانيا واستمرت على الشاشة أربع سنوات وعرضت فى الفصول فى المدارس، وهى رواية عن الديكتاتورية والشمولية. وقد ظهر بعد أربعة عقود أن المخابرات المركزية الأمريكية اشترت حق إنتاج الفيلم سرياً، وقامت بنشر الفيلم كدعاية ضد الاتحاد السوفيتى ودول شرق أوروبا.

هذه الدعاية كانت ناجحة لأن الرواية متميزة ككتاب والفيلم عظيم لمخرج فنان فاهم.

الأمر موجود فى المسرح العالمى والمسرح المصرى بجميع أنواعه. هناك مسرحيات غنائية ضخمة أنتجت تلبية لرغبة بعض الرؤساء وتم إخراجها على مسرح ضخم بآليات مبهرة ونجوم كبيرة وتابعتها الملايين بسبب الدعاية المكثفة، ولكن أين هذه المسرحيات، لقد اختفت تماماً ولم يعد مصرى واحد يتذكر حتى اسم هذه الأوبريتات التى حضرها ورعاها رؤساء عبر عشرات السنوات بينما الشعب المصرى كله يحفظ عن ظهر قلب ويغنى أوبريت الليلة الكبيرة الرائع للمبدعين صلاح جاهين وسيد مكاوى وناجى شاكر.

السينما المصرية أخرجت أفلاماً ضخمة صُرف عليها مبالغ طائلة ودعاية جبارة وساندتها الحكومة وأجهزة مختلفة خلال عشرات السنوات فأثارت ضجة إعلامية بتوجيهات حكومية ولكنها وضعت فى الدرج واختفت من ذاكرة المصريين. السبب الرئيسى أن هذه الأفلام ذات قيمة فنية ضعيفة والإبداع فيها محدود والصوت الدعائى فيها زاعق، هذا ليس فناً ولذا لن يعيش. المصريون يشاهدون مراراً وتكراراً مسلسلات ليالى الحلمية وأم كلثوم والراية البيضة لسنوات طويلة وهناك مسلسلات أخرى صُرف عليها الكثير وقامت الدولة كلها بالدعاية لها سوف يظل تأثيرها محدوداً، وسوف تختفى فى أدراج الفضائيات. الفن الذى ينتجه مبدعون موهوبون يتركون على سجيتهم فيخرجون عملاً فنياً يؤثر ويعيش.

أصبح واضحاً عبر عقود طويلة أن الفن الذى تتدخل فيه الحكومات أو رؤوس الأموال لتروج لها أو لنظريات سياسية أو اقتصادية لم ولن يعيش أو يؤثر أبداً.

قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


جمال الغيطانى وفريد الأطرش - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /20

 فى يومين متتاليين احتفت مصر بالذكرى الخامسة لرحيل الروائى الكبير جمال الغيطانى، واحتفى «جوجل» بذكرى مرور ١١٠ أعوام على مولد الموسيقار فريد الأطرش، كلاهما عازف وعاشق، جمال الغيطانى عازف على أوتار اللغة وعلى خيوط السجاد، عاشق للتراث العربى، وفريد الأطرش ملك العزف على آلة العود، وعاشق متيم بالتجديد فى فن الموسيقى، جمع «الغيطانى» بين الصحافة والرواية، وجمع «الأطرش» بين الغناء والتلحين والتمثيل، أتمنى من قناة دريم أن تعيد بث برنامج «الغيطانى» الرائع الذى قرأ فيه ملامح القاهرة القديمة، وتجول بين آثارها الإسلامية، تجول بحب العاشق المغرم، لا بفضول السائح الذى يرى السطح لا الأعماق، تميز جمال الغيطانى عن أبناء جيله بعشقه لقراءة التاريخ، خاصة التاريخ المملوكى، واستمد منه ملامح كثيرة كانت موجودة بحذافيرها وتفاصيلها فى الواقع المعاصر، وأيضاً تميز بأنه الروائى الوحيد الذى عمل مراسلاً حربياً على الجبهة، وكتب من الداخل ومن الأعماق وتحت نيران المدافع وببصمات جنازير الدبابات، وهذا منحه نكهة روائية متميزة ومتفردة، ولغة كالبخور المعتق الذى يمنحك المتعة والثراء وعبق التاريخ الحى، ويعتبر هو أهم روائى كتب عن الحرب سواء الاستنزاف أو أكتوبر، وبرغم أنه ابن جيل الهزيمة، وصدرت أولى رواياته فى ظل إحساس الهزيمة المر، إلا أنه ظل متفائلاً بالنصر، ومراهناً على أن عزيمة المقاتل المصرى لا تلين وغير قابلة للكسر، وأن كرامته غير قابلة للمساومة، كانت أخبار الأدب تحت رئاسته هى القاموس الذى ننهل منه مفردات الأدب العالمى الحديث، والنافذة التى نطل منها على أدب الشباب الواعد، عرفنا من خلاله كل أدباء نوبل، وكانت دائماً أولى الترجمات هى من نصيب أخبار الأدب، وكانت يوميات «الغيطانى» فى الصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار هى الزاد الأسبوعى فى القحط والجفاف الثقافى المحيط بنا، أما فريد الأطرش فقد عانى فى بداياته نفس معاناة «الغيطانى» فى بداياته، حفر فى الصخر، «الأطرش» ابن الأمراء كان مطارداً وجاء مصر ليعمل فى البداية فى محلات وصالات ليصرف على أسرته، حتى وصل إلى أن يكون أغلى ممثل فى مصر فى فترة توهجه، الكل قال عنه إنه لم يكن فيه شر بعض النرجسيين من النجوم، بل كان فى منتهى الطيبة والكرم الذى بلغ فى بعض الأحيان حد السفه، كان عاشقاً لمصر، رغم أنه مولود فى الشام، وكان عندما يحب يغدق المشاعر ولا يحسبها، كان أسطورة العود، وعاشق الأوبريتات فى السينما، وملك الشجن فى اللحن، ظلمته السينما فلم يمنحه نقاد ومؤرخو الموسيقى حقه فى التقييم كمجدد موسيقى وصاحب بصمات لحنية شاركت فى الثورة الموسيقية فى تلك الأيام، وظلمته أيضاً المقارنات والمعارك المفتعلة مع عبدالحليم حافظ، الذى، ولظروف كثيرة لا مجال للحديث عنها الآن، كان مطرب الثورة بلا منافس، ولم يكن فريد الأطرش قادراً أو بالأصح مسموحاً له باقتحام تلك المساحة التى احتكرها حليم، رحم الله جمال الغيطانى وفريد الأطرش.


تخلفنا هو أكبر إهانة للرسول - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /17

 عندما قال ماكرون إن الإسلام فى أزمة غضب واستنكر الكثيرون، وعلى رأسهم رجال الدين، هل ما زالوا بنفس درجة الاستنكار والغضب بعد حادث قطع وجز رأس أستاذ التاريخ فى ضاحية باريس من طالب شيشانى مسلم، عمره ١٨ عاماً فقط، صرخ قبل ذبحه الله أكبر، لم يعزف الجاز أو يرقص الماكارينا، لكنه ذبح وبتر وفصل الرأس مقتنعاً بأنه يحمى الدين ويرد الإهانة عن الرسول الصادق الأمين، الرسول الذى لو شاهد تخلف المسلمين اليوم لقال إن حالكم يا مسلمين وتخلفكم ووضعكم فى ذيل الأمم هو أكبر إهانة لى كنبى ورسول، كانت أول كلمة أوحيت إليه هى اقرأ!!

أليست أكبر إهانة للرسول ألا يستطيع أبناؤه وأتباعه ولا تستطيع الدول الإسلامية حماية نفسها إلا بالقواعد الأمريكية والبريطانية والأسلحة الغربية؟، أليست إهانة ألا تستطيع دولة عربية إسلامية، سواء تصنيع صاروخ أو طائرة أو حتى عصاية مقشة؟!!!، إن ما يقدّم من فتاوى متضاربة كوميدية صناعة شيوخ البيزنس فى بورصة الفضائيات يُعد أكبر إهانة للعقل وللرسول نفسه؟، إن الآلاف الذين يموتون فى هستيريا رجم الشيطان على جسر الموت أثناء فريضة المفروض فيها أن تهذّب النفس وترقى الروح.. يموتون نتيجة فتاوى الدعاة الكاجوال وشيوخ السبع نجوم.. كل هؤلاء دماؤهم هى أكبر إهانة لنبينا العظيم؟، أليست إهانة للرسول أن تكون معظم كمبيوترات المسلمين من صنع «أنتل»، الذى مكانه دولة إسرائيل؟!، أليست إهانة أن تكون ميزانية إسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا هى أضعاف أضعاف الدول العربية؟ وأن يكون مستخدمو الإنترنت وعدد الكتب المطبوعة فى إسرائيل بالنسبة لعدد سكانها أضعاف أضعاف الدول الإسلامية التى تحتل كتب الجان والخرافة معظم رفوف مكتباتها؟، أليست إهانة للرسول ألا توجد جامعة إسلامية واحدة فى ترتيب أفضل خمسمائة جامعة فى العالم؟!!

إن الإهانة العظمى للرسول محمد الصادق الأمين أن تصبح الدول الإسلامية أكبر مجتمعات فى مؤشر الفقر وتدهور التعليم وانتشار الرشوة والفساد وحوادث الإرهاب فى العالم كله، إن أكبر إهانة للرسول العظيم أن تصنع الصين البوذية الكونفوشيوسية الكافرة من وجهة نظرنا لأبنائه المسلمين سجاجيد صلاتهم ومسابحهم وجلابيبهم وبوصلات تحديد قبلتهم وحتى فوانيس عيالهم الرمضانية؟، أليس من العار والمهانة على خير أمة أخرجت للناس أن تتسول أربعة أرغفة من كل خمسة من أمريكا، وأن تكون كل أدوية علاج مرضاها والأدوات الجراحية وأجهزة الأشعة والتحاليل وحتى البلاستر والشاش وصبغة اليود والميكركروم... إلخ من إنتاج الغرب الكافر؟، أليست إهانة للرسول ألا يخترع مسلم واحد من خمسمائة سنة أى اختراع، حتى ولو صامولة؟!

أليست إهانة للرسول أن تكون نهاية من تعرض للعذاب والنفى فى سبيلهم أن يصبحوا من سكان الغابات والكهوف والأشجار إذا ما قرّر الغرب مقاطعتهم فعلاً، ليصبح سلاح المسلمين خردة بدون قطع غيار، وتصبح أدويتهم تراباً بدون مواد خام، ويصبح طعامهم عفناً بدون سماد وبذور ومبيدات الكفرة، وتصبح ملابسهم خرقاً بالية بدون ماكينات غزل ونسيج الأجانب من فسطاط الكفر؟، أليست إهانة للرسول أن يتم سجن ومطاردة ونفى وقتل من يدافعون عن صورته ضد قصص وحكايات وأحاديث أنه قد سُحر، أو أنه قد انتقم من قوم بسمل أعينهم وقطع أطرافهم وتعطيشهم حتى الموت، أو أنه كان يطوف على نسائه بغُسل واحد، وأنه أوتى قوة أربعين رجلاً فى الجماع، وأنه تزوج طفلة.. إلى آخر كل هذه القصص التى صارت مقدسة عند معظم المسلمين، وصار من يحاول تفنيدها فى طابور الضحايا المرشحين للقتل والنفى والسحل والتجريس وتلويث السمعة وتكدير الحياة.

فى النهاية، علينا أن نسأل أنفسنا وأن نجيب بشجاعة، من الذى أهان الرسول حقاً، الرسوم الكاريكاتيرية الفرنسية، أم الأحوال المزرية المتخلفة الإسلامية؟.


Sunday, October 18, 2020

كيف أتخذ قرارًا؟ بقلم الأنبا موسى ١٨/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

إن أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان عمومًا، والشباب خصوصًا، هو مشكلة اتخاذ قرار. فنحن حين نتخذ قرارًا فى شأن ما، نتحمل بالضرورة مسؤولية قرارنا هذا. كما أن هناك قوى كثيرة تعمل فى الإنسان، وتتدخل فى عملية اتخاذ القرار، وعلى الإنسان أن يأخذ بمحصلة هذه القوى- التى كثيرًا ما تتعارض- حتى يصل إلى القرار السليم.

هناك قوى عديدة، لكل منها تأثيرها الخاص، وضغطها ودفاعاتها. ومن حصيلة هذا كله، يصدر القرار. إنها «مراكز صنع القرار» إذا استعرنا التعبير الذى تستعمله الدول، وهى تتخذ قراراتها المصيرية والمهمة. فما مراكز صنع القرار فى حياة الإنسان؟

١- الروح:

وهى ذلك العنصر الإلهى الذى يقود الإنسان إلى التأمل فى إلهنا العظيم، والغوص فى بحار ما وراء الطبيعة، والمادة، والموت. عنصر الخلود، والإيمانيات، والتعرف على أمور الحياة الأخرى، والعالم السماوى.

٢- الضمير:

وهو ذلك الصوت القادم من السماء، حيث الله العظيم، صوت الخير والحب والجمال المطلق. إنه صوت يهز أعماقنا من الداخل، مرة يباركنا حينما نصيب، ومرة يوبخنا حينما نخطئ. وهو بالقطع ليس نتاج المجتمع أو التربية أو القيم السائدة، بدليل أنه يحرمنا من النوم، لا من أجل خطأ علنى، بل من اجل خطأ سرى، حدث بين الإنسان والله فقط.

٣- العقل:

وهو الطاقة المفكرة فى الإنسان، والتى تجعله يناقش، ويدرس ويحلل، ويستنبط، ويربط، ويستدل، ويستنتج... إنه التفكير البشرى، المحدود طبعًا، والذى يميز الإنسان (مع القوتين السابقتين: الروح والضمير) عن الحيوان والنبات.

٤- النفس:

وهى ذلك الجهاز الإنسانى الذى يحوى الكثير من مكونات الشخصية الإنسانية مثل:

أ) الغرائز: أى الدوافع الأساسية فى الإنسان، والتى ولد بها، من أجل حفظ الحياة، والنوع البشرى. كغريزة الجوع والعطش والجنس وحب الحياة، والتملك، والخوف... إلخ.

ب) العادات: التى اكتسبها الإنسان أثناء مسيرته فى الحياة، سواء أكانت نافعة كالصلاة، ودراسة كلمة الله، والتردد المنتظم على دور العبادة، والتعامل الراقى فى الكلام والتصرف. أو كانت هدامة مثل إدمان المخدرات أو الخمور أو التدخين، أو الألفاظ النابية، أو الغضب.

ج) الاتجاهات: وهى الخطوط الرئيسة التى يسير فيها قلب الإنسان وشهواته، فهذا يتجه نحو جمع المال، وذلك نحو خطايا الجسد، بينما الثالث يتجه نحو الدراسة والتفوق العلمى، أو نحو تكريس الحياة لله ولخدمة الآخرين.

د) العواطف: وهى المشاعر التى تتكون وتتثبت نتيجة انفعال متكرر تجاه شخص ما، أو شىء ما. فهذا تحبه، وذاك قد لا نحبه، من الأشخاص والفضائل ومحبة الرذائل المختلفة.

٥- الجسم: ولا شك أن له وطأة خاصة فى اتخاذ القرار سواء من جهة الضعف والقوة، أو الجمال والقبح، أو الطول والقصر، فالشاب يختار العمل المناسب لطاقته الجسمانية، ويختار شريكة الحياة واضعًا فى الاعتبار الملامح الجسمية وهكذا.

٦- المجتمع: لأن الإنسان اجتماعى بطبعه، ولا يستطيع أن يحيا فى جزيرة منعزلة، عن الواقع المجتمعى المحيط به، بما يسوده من قيم وتقاليد وعرف. لهذا فقد يفشل زواج ما، لأنه لم يراع الفوارق الاجتماعية بين العروسين، أو قد يفشل مشروع ما بسبب عدم مراعاته ظروف المجتمع وتقاليده.

وهكذا.. ومن هذا الخضم الهائل من القوى، يصنع القرار. حقيقة إن قوة قد تبرز لتأخذ مكان الصدارة، وتنقاد لها باقى القوى، ولكن -على العموم- هناك دور ما لكل من تلك القوى.

* مثال فى اتخاذ قرار اختيار شريكة الحياة، فنجد الإنسان المقبل على تلك الخطوة:

١- يصلى طالبًا من الرب أن يقوده ويوفقه.

٢- يسأل ضميره باستمرار: هل أخطأ أم أصاب، سواء فى الاختيار، أو فى السلوك اليومى؟

٣- يفكر بإمعان فى إمكانية إتمام هذا المشروع، من جهة موافقة الأسرتين، والإمكانيات المادية، ومكان المعيشة، ونوع العمل، والمشاركة فى الأعباء المنزلية... وهكذا.

٤- يتكشف راحته العاطفية نحو هذه الشخصية، وهل هو مستريح نفسيًّا لها، ويحس أنها ستساعده فى تحقيق اتجاهاته، وتتوافق مع ميوله وعاداته، وستكون سبب سعادة له.

٥- ينظر... هل هناك فيمن اختارها قدر مناسب من الجمال، دون مغالاة أو تطرف؟.

٦- يدرس.. هل يتفق قراره مع التقاليد والقيم السائدة فى المجتمع الذى يعيش فيه، أم أن هناك مآخذ ستقض مضجعه إذا أتم هذا المشروع؟

وهكذا يقيم قراراته، مسترشدًا بالآباء الروحيين، وطالبًا فوق الكل معونة السماء. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Friday, October 16, 2020

د. وسيم السيسى يكتب: جونار ميردال والدولة الرخوة! ١٧/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

قد يختلف الناس لأن مفهوم الكلمة الواحدة يختلف من إنسان لآخر، ولو اتفق الاثنان على معنى واحد للكلمة فلا خلاف بينهما، فمثلًا يخلط الناس بين الدولة والحكومة، فالدولة أكثر اتساعًا من الحكومة، والدولة دائمة، والحكومة مؤقتة، والدولة حياد سياسى، بينما الحكومة تمثل حزبًا سياسيًا، كذلك يخلط الناس بين الدولة والأمة، فالأمة شعوب تجمعها روابط مشتركة كاللغة، والدين، والمصالح.. كالأمة العربية. يخلط الناس أيضًا بين الفيدرالى، والكونفيدرالى، فالأول: رئيس واحد، سياسة خارجية واحدة، جيش وطنى واحد، رمز وطنى واحد، جنسية واحدة، نشيد وطنى واحد، أما الكونفيدرالى فهو اتحاد دولتين أو أكثر كالاتحاد الأوروبى أو مجلس التعاون الخليجى.

استقلت من لجنة الخمسين لأنه بعد اتفاقنا على أن مصر دولة مدنية، وعند التصويت كان أحد عشر صوتًا مع الدولة المدنية، وأربعة ضدها، وبالرغم من ذلك غيروا هذا التعريف إلى: دولة ديمقراطية بحكومة مدنية!! وسبب استقالتى أن الدولة المدنية هى دولة ليست دينية ولا عسكرية، ثم إن هذه التسمية جاءت من وثيقة المدينة والتى هى ليست بالقرآن أو التوارة أو الإنجيل، إنما هى تقوم على: أنت حر ما لم تضر، لا أؤذيك إذا لم تُصلِّ ولكنى أؤذيك إذا آذيت جارك سواء كان يهوديًا أو مسيحيًا أو مسلمًا.

يقول هارولد لاسكى فى كتابه «الحرية فى الدولة الحديثة»: أسوأ أنواع الحكم فى أى دولة الحكم الدينى أو العسكرى، وذلك لغياب أعظم كلمة: هى الديمقراطية بمعناها الصحيح، والذى هو حرية التعبير مع القدرة على التغيير.

جدير بالذكر أن تعريف الدولة هو شعب + إقليم جغرافى محدد+ حكومة، والشعب يخضع لنظام سياسى معين متفق عليه يتولى شؤون الدولة. هل نحن دولة قوية؟ الإجابة: نعم لعدة أسباب: جينات واحدة ٩٧.٥٪، هوية واحدة، حضارة نهرية وليست ثقافة رملية، لذا قال ستامب: المشكلة فى مصر ليست فى غزوها بل فى الوصول إليها! فنادرًا ما تجد شعبًا متماثلًا فى شكله الظاهرى بل فى طباعه وأخلاقه ومزاجه مثل الشعب المصرى، كما قالها نابليون بونابرت: قل لى من يحكم مصر، أقل لك من يحكم العالم.

هناك سؤال: ما وظيفة الدولة الأساسية:

أ. الأمن الداخلى والخارجى. ب- القضاء والعدالة. جـ- العلاقات الخارجية. د- الإشراف على الخدمات كالصحة والتعليم والمواصلات والمياه والكهرباء والصرف الصحى من خلال الحكومة.

سؤال آخر: ما خصائص الدولة؟

أ. السيادة على أى تنظيمات أو جماعات، لذا كان توماس هوبز يطلق على الدولة: الوحش الضخم. ب- الهيمنة أى قوة الإرغام على الالتزام بالقوانين، والتى كان يسميها ماكس فيبر: العنف الشرعى.

حـ- الشرعية أو الاستمرارية السياسية.

أخيرًا إذا سألنى سائل: من أين نبدأ؟

أقول له ما قاله عالم العلوم السياسية والاجتماع السويدى جونار ميردال فى كتابه: الدراما الآسيوية.

العامل المشترك الأعظم بين الدول الرخوة Soft States هو: غياب سيادة القانون.


محمود ياسين هو العنوان!! بقلم طارق الشناوى ١٧/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

لو طلبتم منى أن أذكر جملة واحدة تشير إليه، لقلت لكم على الفور (حضرة المحترم)، قبل أن نصفه بالفنان الكبير والنجم الاستثنائى، يكفى أن نقول (المحترم).

الشاب البورسعيدى الذى جاء للقاهرة فى مطلع العشرينيات من عمره، يحمل ليسانس حقوق، منتهى أمله أن يقف على خشبة المسرح القومى العريق، أحبته عدسة الكاميرا وحدثت بينهما كيميائية ليصل إلى ذروة درجات الألق والوهج.

لم يتعمد أن يُصدر للجمهور صورة ذهنية عن الفنان الملتزم، سلوكه الشخصى وعلاقته بالفن و(الميديا)، وتسامحه مع الجميع وترفُّعه عن الدخول فى أى مهاترات ومشاحنات، قدمت لنا فى النهاية محمود ياسين، نموذجًا لما ينبغى أن يتحلى به النجوم.

آخر مرة سمعت فيها صوته قبل عامين أو ثلاثة على أكثر تقدير، كنت قد كتبت رأيًا عن برنامج استضاف الفنانة شهيرة، اتصلت بى توضح بعض الملابسات، وأضافت فى نهاية المكالمة: (تحب تسلم على محمود).

كانت تلك هى رغبتى الدفينة، ولم أشأ أن أبوح بها، بعد أن تناثرت أخبار عن تدهور ذاكرة محمود.. أنا قطعا ليس من طموحى أن أقتنص سبقًا صحفيًا، الإنسان فى أعماقى صوته أعلى من الصحفى، كنت حقًا أتوق لسماع صوته، فقلت لها على الفور: (يا ريت).

استمعت إليها وهى تقول: (طارق الشناوى عايز يصبّح عليك)، ثم جاءت لحظ صمت، أكملت أنا المشهد الذى لم أره طبعا، مؤكد قال لها بعينيه وأصابع يديه، مين؟، واستمعت إلى صوتها تعيد عليه الاسم مجددا، فأمسك السماعة وقال: (أهلا حبيبى طروقة ح نشوفك إمتى)، وشعرت باطمئنان، ولم أشأ أن أثقل عليه، فقط قلت له: سنلتقى قريبا، وكانت المكالمة الأخيرة بيننا.

عرفت محمود ياسين منذ بداية عملى بالصحافة، هو نجم النجوم وأنا لا أزال أحبو على بلاط صاحبة الجلالة، طالبا بالسنوات الأولى بكلية الإعلام وأتدرب فى مجلة (روزاليوسف)، كانت التعليمات للعاملين معه فى المكتب أن أدخل إليه بمجرد الحضور، وتعددت اللقاءات والأماكن ومختلف المهرجانات فى الداخل والخارج، ولكنى لا أنسى لقاءنا فى بورسعيد، إحدى كليات الإعلام - قبل نحو عشر سنوات - أقامت مهرجانا لمشروعات أفلام الطلبة، بمشاركة السفارة الفرنسية، ورشحنى لرئاسة لجنة التحكيم، وكنا نتناول معا طعام العشاء بصحبة المستشار الثقافى الفرنسى، الذى كان يجيد القليل من العربية، اكتشفت أن محمود لديه حاسة تذوق عالية، فقال لمضيفنا: «ده سمك مزارع وليس بحراوى»، وعدّد الفروق، بعد قليل أخذ يغنى ترحيبا بالضيف بالفرنسية، وقال إنهم كانوا فى المدرسة الابتدائية فى حصة الموسيقى يقدمون أغانى بمختلف اللغات.. بورسعيد مدينة (كوزموبوليتان)، بها كل الأعراق واللغات والأديان، وهذا ما منحه ذاكرة إبداعية متنوعة وثرية.

ظل محمود ياسين فى كل مكان نلتقى فيه خارج الحدود، هو واجهتنا المشرفة، ليس الأمر مقصورا فقط على صدارة (الأفيش) و(التترات).. ولكن أن يصبح هو دائما العنوان.

الوجدان العربى، وليس فقط المصرى، يضعه دائما فى المقدمة، إنه الفنان الكبير صاحب المكانة، قبل النجم الكبير صاحب المكان، حضرة المحترم محمود ياسين سيظل دائما هو العنوان!!.


طاقية الإخفا ولجام العفة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /17

 هل المطلوب أن ترتدى البنت المصرية «طاقية الإخفا» قبل النزول للشارع حتى لا تصبح حلوى مكشوفة للذباب كما يقول ويردد السلفيون دائماً؟! وهل المفروض أن يصدر قانون يُلزم «صيّع» النواصى ومتحرشى الشوارع بارتداء لجام العفة حتى لا يتم التحرش؟! بنت يتم سحلها، وسيدة تُغتصب أمام زوجها.. إلخ، كلمات نابية توجَّه إلى أى بنت تمشى فى حالها حتى ولو كانت ترتدى أطناناً من اللفائف كالمومياوات، فضلاً عن اللمس بعد الغمز واللمز، تحرش لزج وسمج وسافل ووضيع، وكما قلت من قبل الشارع صار لهم وليس لنا، صار للمتحرشين السلطة والسطوة والنفوذ، صادروا الشارع لصالحهم، البنت ليس من حقها الشارع أو الرصيف أو السلم، صدر فرمان البلطجية أن تظل فى بيتها، مدفونة فيه، مسجونة بين جدرانه، حتى لا تُدهس كرامتها، وتهان، أو تدان.

كنت أتمنى دائماً طيلة حياتى أن أكون أباً لبنت، تكون صاحبتى وصديقتى، تصبح مصدر الحنية والطبطبة فى الكبر، نسمة الهواء الجميلة فى صيف الوحدة، نقطة الندى فى زمن الجفاف، لكن ما يحدث فى مصر للبنات والذى جعل كل أب «عايش مرعوب» على بنته من غول اسمه الشارع، مع هؤلاء الزومبى الذين يعتبرون البنت مشروع فريسة، لا يستطيع المرء إلا أن يتنازل عن أمنية «أبوالبنات»، ذلك الحلم الجميل الذى يداعب الآباء الذين يبخل عليهم الزمن بحنان وعواطف واحتضان تاء التأنيث.

لا بد من حماية البنات فى الشارع، والاقتناع بأن الشارع للجميع، ولا نرضخ لتلك المصادرة الإجبارية التى يفرضها بعض شباب البلطجية، ولا بد أن يفهم كل مواطن من خلال المدرسة والشاشة والمنبر والأسرة أن اللفظ الجارح تحرش، أن العين اللزجة تحرش، أن الحشرية فى الشأن الخاص تحرش. ليس التحرش بالضرورة هو فيلم بورنو كامل فى الشارع، ليس المفروض أن تنتظر كل التفاصيل ومشهد النهاية وستارة الختام حتى تعترف بأن ما يحدث هو تحرش، المفهوم لا بد أن يتسع، والتعريف لا بد أن يكون أشمل، البنت المصرية غلبانة ومظلومة فى تلك الظروف الخانقة التى يدينها فيها رجل الدين فينتقد ملابسها ويلقى عليها اللوم ويعتبرها شيطان الغواية، ويدينها الرجل العاطل بأنها السبب فى بطالته وعدم حصوله على فرصة عمل، ويدينها راكب الأوتوبيس بأنها السبب فى الزحمة، ويدينها الواقف فى طابور العيش بأنها السبب فى نفاد مخزون الفرن.. إلخ.

صارت البنت تعد اللفتات والحركات وتراقب الأنفاس والهمسات، حتى لا يساء التفسير وتُتهم بالإثارة والإغواء والإغراء، صوتها عورة، وضحكتها رشوة علاقة، ومشيتها مقدمة ليلة حمراء!! مجتمع مريض وضع كتالوجه السيكوباتى وحوّلها إلى أسيرة محبوسة داخل قضبان العيون فاغرة الأحداق، سائلة اللعاب، مكبوتة الغدد!!، أطلقوا سراح البنت المصرية من سجن كبتكم وعقدكم وكلاكيعكم وهلاوسكم وضلالاتكم.


هل يستفيد الأزهر من «الزيتونة»؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /15

 كان المجددون من شيوخ جامعة الزيتونة التونسية دائماً يضعون الشيخ محمد عبده وشلتوت وعبدالمتعال الصعيدى وأبورية واجتهاداتهم موضع التقدير والاحتفاء، الآن جاء الوقت لنعترف وبصراحة بأننا يجب أن نطّلع على التجربة التونسية فى تجديد الفكر الدينى، وأن يستفيد الأزهر من الزيتونة، وبرغم أن مفكرين تونسيين علمانيين ما زالوا يتهمون الزيتونة وبرغم كل هذه المرونة بالجمود!!، فإن مقارنة بسيطة بين ما يقدمه التقليديون المخترقون للأزهر من أطروحات وبين ما يقدمه أبناء الزيتونة، حتى المحافظين منهم، ستكتشف أننا قد تقهقرنا كثيراً، وأننا يجب أن نعيد النظر ونطّلع على تفاعلات التوانسة مع الواقع المتغير وتجديد الفكر الدينى بناء على معطياته الجديدة، وتكفى ملاحقات بعض المفكرين المصريين بتهم، منها ازدراء الأديان التى تخرج من جنبات تلك المؤسسة الدينية العريقة، ومنها طلب منع مفكر مصرى من الظهور على التليفزيون!!، الطلب عجيب والقضية كانت مرفوعة من قامة رفيعة داخل المؤسسة وباسمه شخصياً، وهذا يدل على أننا نحتاج نقل العدوى من الزيتونة لنا، لمست هذا الاختلاف عن قرب عندما حاورت رئيس جامعة الزيتونة ووزير الشئون الدينية السابق د. عبدالجليل سالم، الذى كان صديقاً لنصر حامد أبوزيد، والذى استضاف فرج فودة لمحاورته فى كلية الشريعة بالزيتونة!!، وطبعاً سيقفز السؤال: هل يستطيع الأزهر الذى لم يحتمل د. الخشت، وكان يريد عقاب سعد الهلالى، هل يستطيع استضافة «فودة» لو كان حياً الآن؟!، السؤال إجابته معروفة، تعالوا نتعرف على بعض نقاط الحوار مع رئيس جامعة الزيتونة السابق لنعرف مقدار المسافة التى قطعتها تونس فى تجديد الفكر الدينى، يقول عبدالجليل سالم فى حواره معى:

ازدراء الأديان هو بالأساس نتاج خلافات سياسية منذ خلاف المعتزلة والحنابلة.

لا بد أن نفرق بين ازدراء الدين ونقد التراث، ولا بد كذلك أن نفرق بين الدين والفكر الدينى، المشكلة عند المسلمين أنهم قدسوا هذا التراث وصار التراث هو الدين، هذا باطل يراد نشره باسم الدين، تقويم هذه الأفهام الإسلامية عمل بشرى، ونقد «البخارى» لا يعد ازدراء للدين، لا قداسة للبخارى، لا بد أن نعيد النظر فى «البخارى» وفى الأحاديث، العقلية الحديثة من الممكن أن ترفض بعض تلك الأحاديث، لا قداسة للتراث، لا بد أن نخلخل هذا التراث، العقل العربى يعيد ويجتر مشاكله القديمة.

التراث لا يمكن أن يُقتل، التراث هو فينا ومخزون نفسى يسكننا، نحن كائنات تراثية نتيجة لصيرورة تاريخية، نريد تطوير التراث، نتجاوز قصوره وحدوده التاريخية والاجتماعية، د. نصر أبوزيد كان صديقى، المنظومة القانونية فى ذلك الوقت كبّلته ونفته وفرقته عن زوجته، كنا فى تونس كأساتذة نضحك على هذا الاتجاه وحكم التفريق، أما فرج فودة فقد استضفناه فى كلية الشريعة وتحاورنا معه بكل أريحية.

وقوانين الازدراء هى ترضية للقوى المحافظة وليست نتاج الإسلام السياسى فقط.

يجب ألا تكون هناك حدود للخيال، ولا حجر على الإبداع الفنى بكافة ألوانه، يجب أن يكون باب الإبداع مفتوحاً على مصراعيه، تراثنا الأدبى لو عرضنا نصوصه الآن لتم تكفير أصحابه.

المتطرف لا يقتنع بالحوار، يتغير بالتعليم، قلت لمسئول سعودى: أنصحكم بإصلاح مدرستكم الوهابية، ولحسن الحظ الآن أن المسئولين السعوديين اقتنعوا، لا يمكن أن نتقدم بفكر صار خارج التاريخ، مشكلة المسلمين أننا نريد أن ننزل ونحكم القديم على الواقع الجديد المتغير.


Thursday, October 15, 2020

فى حب محمود ياسين - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /14

 هذه الكلمات كتبتها أثناء مرضه الأخير وقبل رحيله: «برغم أن الفنان محمود ياسين لن يقرأ هذا المقال، فإنه يكفينى أننى أكتب عنه حتى إن لم تصافح عيناه كلماتى، فأنا راضٍ ومستمتع بأن يستدعى عقلى ويستعيد وجدانى فتى أحلام السبعينات ونموذج الرجولة والوسامة بالنسبة لجيلى، الذى تشبعت عيونه فى فترة المراهقة برؤية هذا الفنان الجميل الذى كانت أوتار حنجرته هى شاطئ راحتنا ونخلة ظلنا وقارب أحلامنا، أعلنت «الوطن»، أمس، أنه قد قرر الاعتزال لظروفه الصحية، اعتزاله قراره الشخصى الذى من حقه أن يأخذه، لكننا لن نعتزله، وهذا هو قرارنا الشخصى الذى ليس من حقنا ولا فى استطاعتنا اتخاذه، فمحمود ياسين قد صاغ الوجدان وصار حجراً فى بناء ذاكرتنا البصرية والفنية والروحية، ووشماً نافذاً فى شغاف القلب وتلافيف المخ لا يمكن محوه ولو بماء النار، تجربتى الشخصية مع هذا النجم هى تجربة جيل مع أيقونة، لم أكن مجرد مشاهد لأفلامه، فقد كانت نبرات صوته تنفذ إلى ما تحت الجلد، إلى مسام روحى، كان يتحدث وكأنه يعزف بمهارة على كمان من خشب الصنوبر، كنت منجذباً بمغناطيس ياسينى إلى تلك الشاشة السحرية، شاهدته أول ما شاهدته فى سينما اللبان بدمياط، حيث كنت أقضى إجازتى الصيفية، وشاهدت بالصدفة شقيقه، الذى كان قد ترك بورسعيد بعد هزيمة ٦٧ فى فترة الهجرة إلى دمياط ورأس البر، كان يشبهه إلى حد بعيد باستثناء الشعر المنفوش الذى كان موضة السبعينات، بالسيشوار والقَصة والسوالف، قلّدناه فى كل شىء من البنطلون الشارلستون الواسع وقمصانه المشجرة، إلى طريقة كلامه ولغته الجسدية التى يستعين فيها كثيراً بأصابعه الرشيقة، ما زلت أتذكر دوره الذى لم يستغرق دقيقة على الشاشة فى «شىء من الخوف»، وهو يحمل نعش ابن يحيى شاهين، الذى قتله عتريس، ثم بدايته مع الفنانة الجميلة شادية فى «نحن لا نزرع الشوك»، ثم فاتن حمامة فى «الخيط الرفيع».. إلخ، هاجمه نقاد كثيرون على أنه يسكن الاستوديوهات طوال العام، ويمثل خمسة أو سبعة أفلام فى السنة، وأغلب الأحيان يمثل فيلمين فى الوقت نفسه، لكن ياسين كان ظاهرة، كل النجمات يعِشن حلم التمثيل أمامه لضمان النجاح، المنتجون يتهافتون عليه، دور السينما تضع أفيشاته لمغازلة الجمهور، للأسف الأجيال المعاصرة لم تتعرف على محمود ياسين مسرحياً، ولمن يريد أن يعرف ملك الإلقاء المسرحى، فليشاهد «ليلى والمجنون» لصلاح عبدالصبور، مونولوجات تلك المسرحية بإلقاء محمود ياسين يجب أن تدرّس، متعة استماع ومشاهدة تحلّق بك فوق السحاب، كتابة تاريخ محمود ياسين تحتاج إلى مجلدات، وليس إلى زاوية صحفية، لكن الإشارة أحياناً تكون أفضل من الاحتواء، أردت أن أحتضن محمود ياسين بكلماتى، فقد اقتربت منه إنسانياً أثناء إعداد حلقات للشرق الأوسط كنت قد كتبتها على شكل مقامات، وأيضاً فى حملة لمقاومة الختان، الإنسان محمود ياسين، مثل الفنان محمود ياسين، نهر يتدفق إنسانية، وقطعة ماس تتألق بريقاً.

نريده مجرد اعتزال لا عزلة، محمود ياسين.. من حقك أن تعتزل، ولكن أيضاً من حقنا أن نعشقك».


Tuesday, October 13, 2020

اختيارات الإنسان بين الممكن والمستحيل بقلم د. محمد أبوالغار ١٣/ ١٠/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

يواجه الإنسان منذ أن يولد أموراً ليس له فيها حق الاختيار، وأموراً أخرى يكون الاختيار متاحاً. أنت لا تختار اسمك ولا دينك ولا مكان ميلادك ولا من هو أبوك أو أمك، ولا تختار وطنك ولا البيئة ولا المجتمع الذى تولد وتعيش فيه، ولكن بعد فترة يكون أمام الإنسان فرصة الاختيار، وهذه الفرصة ليست مطلقة، فالفرص أمام الإنسان فى بلد معينة أو فى طبقة معينة تختلف تماماً عن فرص إنسان آخر فى بلد أخرى أو طبقة أخرى.

الاختيار قد يكون فى نوع التعليم وقد يكون فى حجم المجهود الذى يبذل فى التعليم وقد يكون فى درجة المثابرة وإتقان العمل، وهذه اختيارات فى معظم الأحيان تكون واضحة ونتائجها تكون معروفة، فمن يجتهد فى الأغلب تكون فرصه أعلى من المهمل أو المستهتر، ولكن فى الحياة العملية هناك أمور أخرى تقرر النجاح والفشل، منها القدرة على اقتحام الأفكار الجديدة والابتكار، والأخذ ببعض المخاطر لأن اختيار المضمون هو اختيار آمن، لكنه يؤدى إلى نجاحات بسيطة ومحدودة.

هناك اختيارات تلعب فيها المصادفة دوراً كبيراً منها صداقة حميمة وثيقة أو الوقوع فى الحب أو قرار الزواج.

هناك أمورٌ يلعب فيها القدر دوراً كبيراً فى تهيئة الظروف والجو المناسب ولكن القرار فى النهاية هو قرار الإنسان الذى قد يكون صادراً من القلب والعواطف بدون أى اعتبارات أخرى وأحياناً يكون صادراً من العقل والتفكير وفى كلا الحالتين يكون هذا هو اختيار الإنسان.

اختيار القلب هو اختيار حب الحياة وهو المؤدى إلى سعادة جارفة معرضة لانهيارات سريعة، لأسباب عقلانية وقد تستمر العواطف بهدوء ورشاقة وتسير الحياة.

اختيار العقل فيه ضمان استمرار الحياة أكبر، ولكن أى حياة؟ حياة عواطفها محدودة ونجاحها يقاس بالاستمرارية. فأى الاختيارات أصح؟ لا يوجد اختيار صحيح واختيار خاطئ، فمن يقول لحظة حب وسعادة تساوى الدنيا بما فيها، ولا يهم ما يحدث بعد ذلك، ومن يريد حياة رتيبة هادئة بدون تقلبات وعواطف كاسحة.

اختيار الهجرة وترك الوطن والأهل والأحباب هو اختيار يسعد به من تتاح له الفرصة، وبل ويسعى إليها بكل جهد للتقدم بطلب الهجرة ويحضر الأوراق ويعدد الأسباب الحقيقية وغير الحقيقية، وفى الوطن الجديد المواطن المصرى الأصلى الذى هاجر لأنه يعتقد أن أفكاره وحريته الشخصية أو الدينية أو السياسية محاصرة، فجأة بعد الهجرة ينضم إلى أكثر الفئات والأحزاب يمينية ولا يبدى أى تعاطف مع السود الأمريكيين ويؤيد بشدة قوانين منع الهجرة وكأنه يريد أن يكون آخر المهاجرين، وهذا المواطن علاقته بمصر تكون محدودة بعلاقته بأهله وأقاربه وإرسال مساعدات لهم. هذا المهاجر رغب فى الهجرة وحقق ما أراد، وهو سعيد بوطنه الغنى الجديد.

وهناك المهاجر المصرى الذى وجد نفسه فى المهجر مضطراً لأنه لم يحقق نفسه فى مصر ووقفت البيروقراطية والظروف ووضعه العائلى حائلاً أمام طموحاته فسافر وحقق نجاحاً ولكن مصر بقيت فى فكره دائماً فهو يكتب ويحاضر ويتكلم ويتصل بمصر ويساعد الوطن بماله وعلمه وجهده ويتابع بدقة أخبار الوطن. فهو فى أمريكا بجسده ولكن قلبه فى مصر. وهناك قرار الهجرة الإجبارى ومثال لذلك العمال المصريون فى أوروبا والذين هاجروا خلال الخمس عقود الماضية، أصبحوا أوروبيين على الورق ولكن طباعهم وفكرهم وتعليمهم ومزاجهم كلها مصرية تقليدية.

هؤلاء لم يتأقلموا، هم لم يختاروا وإنما فرضت الظروف الاقتصادية عليهم الهجرة وهم يحضرون لزيارة أقاربهم فى مصر كل عام. ويذهبون للريف ويلبسون الجلابية الريفية، وزوجاتهم فى معظم الأحوال لم يتعلمن لغة المهجر، ويعيشن معظم الوقت فى قراهم، فهناك قرى فى المنوفية فيها آلاف يعملون فى إيطاليا من عشرات السنوات.

هناك الاختيار فى الفكر وفى العمل السياسى. من الطبيعى أن يختار الإنسان الفكر والتوجه السياسى الذى يناسبه. فى البلاد الديمقراطية العمل السياسى متاح للجميع، والاشتراك فى الأحزاب السياسية سهل وبسيط، والوصول إلى المراكز القيادية فيه يكون عن طريق الانتخاب. الأمور هناك واضحة وسلسة وبسيطة.

الدول أيضاً تختار نظمها السياسية، فبعضها يختار النظام الديكتاتورى الصريح، والبعض يختار نظاما ديكتاتوريا بصبغة تجميلية، والبعض يختار النظام الديمقراطى. والتاريخ هو الحكم الوحيد بما هو النظام الذى أدى إلى التقدم والرفاهية. فى بلاد العالم الثالث فموضوع الديمقراطية والحزبية والاختيار موضوع شائك وصعب وصورى فى معظم هذه الدول.

المجالس النيابية فى معظم هذه البلاد تُشكل بطرق يشكل الانتخاب والاختيار الشعبى جانباً هامشياً، هى مجالس مظهرية لإعطاء شكل ديمقراطى للدولة وطريقة تشكيلها وانتخابها بعيدة عن فكرة التمثيل الحقيقى للشعب والعالم أجمعه يعلم ذلك. البعض يرفض المشاركة السياسية ويفضل الابتعاد، والبعض الآخر يدخل فى المشاركة السياسية بالشروط المتاحة البعيدة عن الديمقراطية بغرض الظهور فى الصورة. والبعض للاستفادة الشخصية والمادية.

وفى حكومات هتلر وموسولينى كان على من يرغب فى العمل السياسى أن يختار بين بديلين أحدهما الموت أو السجن، والآخر هو التصفيق المستمر للنظام. من حق الإنسان أن يخاف من السجن والموت ولا يعتبر هذا تخاذلاً لأنه أولاً وأخيراً إنسان. ومن حق الإنسان أن يصمت ويبتعد ومن حقه أن يناضل فى سبيل مبادئه وأن يتقبل التعرض لمخاطر رهيبة وهذا قراره.

هناك قلة عندها موهبة اللعب على الحبال بتأييد مراكز القوى، مقابل الفوز ببعض المناصب المظهرية وتحقيق مكاسب مادية، وهنا يكون الخيار أصعب. الإنسان من حقه أن يختار، ومن حقه أن يبرر لنفسه وللناس أسباب الاختيار سواء كان ذلك تبريراً حقيقياً أو تبريراً لإرضاء النفس. أمريكا الجنوبية وإفريقيا والشرق الأوسط أمثلة واضحة فى مشكلة الاختيار الذى يراه البعض صعباً ومحرجاً، ويراه البعض سهلاً وبسيطاً وواضحاً تماماً.

قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


رسائل هيلاري والإخوان الأمريكان - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2020 /12

 وصلتنى رسالة من الصديق المفكر والمحلل السياسى والطبيب طارق عبدالحميد، الشهير بتوفيق حميد، والذى يعيش فى أمريكا منذ فترة ويمثل شوكة فى ظهر الإخوان هناك، يتصدى لهم فى كل مناسبة بمنطقه القوى الهادئ والمفحم، ولذلك تُعد رسالته فى هذا التوقيت مهمة جداً لفهم الوضع هناك، كتب د. طارق عبدالحميد:

كان إعلان إدارة الرئيس ترامب مؤخراً عن قرار نشر إيميلات هيلارى كلينتون أثناء وجودها فى البيت الأبيض بمثابة صاعقة على القيادات الأمريكية التى احتضنت جماعة الإخوان المسلمين فى عهد الرئيس السابق أوباما.

فالأمر سيفضح أموراً كثيرة عن علاقة منظمة الإخوان المسلمين التى كانت وراء انتشار فكر التطرف وجماعاته الإرهابية فى معظم أنحاء العالم بهيلارى كلينتون وأعوانها.

وقد تجلى دعم هيلارى كلينتون للإخوان فى العديد من الأمور، فأصبحت هوما عابدين، وهى المقربة لجماعة الإخوان المسلمين، هى أقرب مستشارة لها فى البيت الأبيض الأمريكى. ولم يقف الأمر عند هذا فحسب، بل أصبحت المنظمات المدعومة بالإخوان مثل منظمة «كير» الأمريكية هى مصدر المعلومات والناصح لإدارة أوباما لإدارة ملفات الشرق الأوسط.

وتجلت هذه العلاقة المشئومة فى قرارات مصيرية مثل ترك منظمة داعش الإرهابية، وهى أحد أذناب منظمة الإخوان، تنمو فى وضح النهار أمام أعين إدارة أوباما دون تدخل لمنع نموها بل ورفض لكل النصائح المقدمة إليه، والتى نصحت بوأدها فى بداية ظهورها.

وكان لعلاقة هيلارى كلينتون ونظام أوباما بالإخوان تأثير واضح فى مواقفهم من ثورات الربيع العربى، فنزول الشعب بالملايين كما حدث فى ثورة 25 يناير وتدخل الجيش لإزاحة رئيس الدولة حينذاك عن الحكم أصبح فى نظرهم ثورة محمودة لا بد أن يدعموها بكل الوسائل، أما تكرار نفس الشىء ألا وهو تدخل الجيش لإزاحة الرئيس الإخوانى محمد مرسى عن الحكم بعد نزول 30 مليون مصرى ضده فى ثورة 30 يونيو فهو فى نظر نفس الإدارة «انقلاب» مرفوض تماماً!

وهذا الكيل بمكيالين يوضح مدى تأثير منظمة الإخوان على صنّاع القرار الأمريكى فى عهد هيلارى كلينتون.

وقد يتساءل البعض: كيف يتفق طرفان قد يكونان فى الواقع على طرفى نقيض فكرى؟! فمن ناحية ها هى منظمة الإخوان التى تقول إنها تريد دولة إسلامية تضع يدها فى يد من يروجون بقوة لزواج المثليين! ومن ناحية أخرى تقبل هيلارى كلينتون التى تتظاهر بأنها داعمة الحريات وضع يدها فى يد من يقهر المرأة ويبيح الرق ويقضى تماماً على هذه الحريات! والأمر ببساطة أن كلاً من الطرفين كان يستفيد من الآخر ولكن بصورة مختلفة.

فمن ناحية الإخوان كان اختراق الإدارة الأمريكية خطوة رئيسية لإزالة الحكومات التى تقاومهم فى الشرق الأوسط كمرحلة للسيطرة المطلقة عليه بعد ذلك.

أما عن هيلارى كلينتون وإدارة أوباما فكان أحد الأهداف من وضع يدهم فى يد الإخوان هو خلق نوع من عدم الاستقرار والصراعات والتفكك فى الشرق الأوسط تجعل جميع أطراف هذا الصراع فى احتياج دائم لدعم أمريكى وتعطى إدارة أوباما وداعميه القدرة على السيطرة على مقدرات هذه الشعوب.

أما الهدف الآخر من خلق هذه الصراعات فكان عمل نوع من الاضطرابات فى منطقة منتجة وواعدة فى إنتاج البترول والغاز الطبيعى فى المرحلة القادمة حتى يتجه العالم للاعتماد فقط على الطاقة البديلة (والتى تدعمها هيلارى كلينتون بشراسة) بعيداً عن هذه الصراعات واحتمالات تأثيرها على إمدادات الطاقة للدول الصناعية الكبرى فى المستقبل.

واستمرت هذه العلاقة التى تباع فيها الأوطان وتموت فيها كل معانى الحرية والإنسانية، وكلا الطرفين سعيد بتحقيق أهدافه حتى انقلب السحر على الساحر وجاء الرئيس الأمريكى ترامب ليقلب الطاولة عليهم ويعلن عن بداية نشر إيميلات هيلارى كلينتون السرية والتى حاولت إخفاءها من الوجود بكل الوسائل!

ونشر هذه الإيميلات قد يكون بداية السقوط الحقيقى لمنظمة الإخوان فى الفترة القادمة، خاصة إذا تمت إعادة انتخاب الرئيس ترامب لفترة ثانية!