Translate

Friday, September 30, 2016

من قناة «الجزيرة» إلى السيسى: شكراً لتعاونكم معنا بقلم د. عمار على حسن ٣٠/ ٩/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم


(١)
هذه الطراوة والرخاوة التى تعامل بها السلطة المحتكرين الفاسدين، ومشعلى الأسعار، وسماسرة الهجرة غير الشرعية، تشجعهم على التمادى فى إيذاء الشعب الذى لم يجد إلى الآن «من يحنو عليه، ويرفق به».. وهنا يثار السؤال: ما شرعية سلطة لا تحمى الشعب، صاحب السيادة والمال والشرعية، لا فى البر ولا البحر؟
(٢)
بعد إصرار السلطة الحاكمة على السيطرة التامة على الإعلام، ليصبح ذا صوت واحد، سواء بدفع بعض الأثرياء الجدد الموالين لها لشراء قنوات، أو بإقدام أجهزة سيادية على إطلاق قنوات وشراء صحف ومواقع إخبارية إلكترونية، لن يجد الناس آراء مختلفة ومتنوعة، إنما تطبيل ونفاق وسطحية، ومن ثم سينصرفون تباعا عن الإعلام المصرى، بكل قنواته، إلى قناة الجزيرة وأخواتها من قنوات الإخوان، وهنا سيقعون فى فخ الدعاية الفجة، والغرض السياسى المكشوف، ولا عزاء لمن يصرون على تسليم المصريين لهذه المنابر الإعلامية التى تقول السلطة إنها تمارس حرب الجيل الرابع ضد مصر، بعد أن كان الناس قد انصرفوا عنها وأعرضوا.
لو أن الذين على رأس الجزيرة وأخواتها هم ممن يقدرون الجميل ويردونه، لأرسلوا برقية شكر إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى تقول له بوضوح شديد: شكرا لتعاونكم معنا.
(٣)
يليق أداء البرلمان فى دورته المنقضية بسلطة تميل إلى الانفراد بالقرار، ولا تريد للشعب أن يسمعها صوته، فهذا يزعجها، ويسقط عنها أوهامها بأنها مقدسة وتعرف كل شىء، وعلى الناس أن يسلموها أمرهم طواعية، فإن لم يفعلوا فسيُجبرون على هذا.
كان بوسع البرلمان، لو أنه يمثل كل فئات المجتمع من حيث توجهاتها ومصالحها أن يكون مكانا لصناعة السياسة بدلا من موت السياسة فى المجال العام، وهو ما يجعل المشكلات والسخط والمطالب تتجه إلى الرئاسة مباشرة، ومنها إلى المؤسسة العسكرية التى صارت فى الواجهة، وهذا يشكل خطرا داهما على البلاد.
لقد عمل البرلمان، فى أغلبه، على إرضاء السلطة التنفيذية، الرئيس والحكومة، أكثر من إرضاء الشعب، صاحب السيادة والشرعية ومن انتخب مجلس النواب. والقلة التى اختلفت مع هذا التوجه، وأرادت أن تمارس دورها الحقيقى فى الرقابة والتشريع وتمثيل مصالح الناس تم قمعها بقسوة، وبصورة مباشرة، أشبه بالكوميديا السوداء، فيما يمثل أداء رئيس مجلس النواب حالة صارخة لسوء الاختيار، فالسلطة التنفيذية تصورت أن رجلا ضعيفا فى هذا الموقع ميزة لها، لكن ها هو يشكل عبئا ثقيلا عليها، لو كانت تدرك جواهر الأمور لا ظواهرها.
(٤)
فى المقهى، قالت مذيعة التليفزيون: السيسى يعرض أجندة مصر أمام الأمم المتحدة فى نيويورك، فصرخ زبون: الله أكبر طلع عندنا أجندة لا نعرفها فقال زميله: شىء قليل من التطبيل لا يضر كثيرا.
(٥)
هناك مؤشرات تؤكد صعوبة إجراء الانتخابات المحلية هذا العام. طبعا فهم ليسوا متعجلين، ولن يكونوا، فاللواءات المتقاعدون يمسكون بأعناق الإدارة المحلية ولا يريدون من يزعجهم على الإطلاق.
(٦)
حولت جوجل موقع «يوتيوب» لمنصة تواصل اجتماعى لمنافسة «فيس بوك».. متى يفهم أنصار التعتيم وإعلام الصوت الواحد أن زمانهم قد ولى إلى الأبد؟
(٧)
لا يمكن أن ننكر تفاعل أغلبية المصريين إيجابيا مع قيام الرئيس السادات بإبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل، لكنهم وقتها كانوا، ولا يزالون، يريدون سلاما يقوى الدولة لا يضعفها ويجعلها فى حالة «استسلام» غير معلن.
إن ما وعدت السلطة به الشعب المصرى بأن السلام سيعقبه الرخاء والحرية وأن ما كان يذهب للحرب من مال وجهد سيسخر لبناء الدولة لم يتحقق منه شىء، بل زادت الهوة بين الطبقات بشكل صارخ، وارتفعت مستويات الفقر والتهميش الاجتماعى إلى مستويات مخيفة، وتعزز الاستبداد السياسى بمرور الوقت إلى حد يدعو للرثاء، وتمت عسكرة المجال العام إلى درجة بعيدة، وسقطت الدولة فى فخ الديون والتبعية، وتراجع دورها الإقليمى والدولى إلى مستوى مخجل.
وإذا كان بعض من عارضوا الاتفاقية وقت إبرامها تفهموها فيما بعد، فإنهم مع هذا لم ينسوا أن «حالة العداء» مع إسرائيل قائمة، وأن مصر لا يمكن أن تتخلى عن نصرة العرب، لا سيما الفلسطينيين حتى ينالوا حقوقهم المشروعة.
إن أى إنسان سوى يجب أن يكره الحروب، حيث القتل والدمار والأحقاد الدفينة، لكن لا يمكن لذى نخوة أن يخضع لظلم أو عدوان أو إكراه، لاسيما أن اتفاقية جنيف تحدثت عن الحرب العادلة، وهناك الحرب الدفاعية التى تفرض على بلد معين إن هوجم من بلد آخر.
(٨)
أتمنى لو تُقدم السلطة الحاكمة على تغيير مرشحة مصر لمنصب مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» السفيرة مشيرة خطاب قبل فوات الأوان، فترشيح خطاب ليس الأمثل، ومصر غنية بمن هم أو هن أفضل منها كثيرا للترشح، لكن لا أدرى لماذا تم التسرع وطرح اسمها على هذا النحو، وبتلك الطريقة التى عفا عليها الزمن؟
إننى أتعجب من أن يغامر الرئيس عبدالفتاح السيسى، بل يقامر باسم مصر، حين يصر على ترشيح خطاب، ويقر الوقوف وراءها، رغم أن فرصها تبدو ضعيفة، وتحتاج جهدا مضنيا من الدولة حتى يمكنها المنافسة، فهى بعيدة فى اهتمامها وخبرتها عن اليونسكو، ولا أعتقد أن بوسعها أن تُقنع من ينتخبونها فى نهاية المطاف.
إن منصب اليونسكو هذا ليس منصبا وزاريا فى مصر حتى يمكن لمن هم فى مثل إمكانات خطاب أن ينالوه، بعد أن يدخلوا من باب الأمن والنفاق. وعلينا أن نحترم عقلية العالم، بل نحترم مصلحة المصريين التى كانت تفرض ضرورة التفكير فى ترشيح آخر، حتى لو كان من بين أولئك المقربين من السلطة والمسبحين بحمدها، والذين سترضى عنهم أجهزة الأمن، أو المؤسسات الإدارية المتكلسة.
لا أطلب من الرئيس أن يختار أيا من معارضيه، فهذا فوق طاقته، لكن من بين الذين حوله من يصلحون أكثر من خطاب، فلمَ لا يلتفت إليهم، لتدخل مصر السباق بحصان هزيل؟.

Wednesday, September 28, 2016

رسالة إسلام بحيرى التى لم يقرأها الرئيس بعد - خالد منتصر - جريدة الوطن -29/9/2016

  
 إذا كان السجن هو ثمن أن يتحرّر الوطن من أسر واستعمار الفكر الوهابى، فمرحباً به، ففرج فودة دفع وقدّم حياته، وليس حريته فقط، لكن إذا كان السجن مجانياً لمزيد من ترسيخ هذا الفكر وتدليله ومغازلته فإنه يصبح نوعاً من الحماقة، عندما صدر الحكم بسجن إسلام بحيرى كتبت رسالة مطولة إلى الرئيس السيسى ما زالت صالحة للقراءة بعد الإفراج عنه، أقتبس منها بعض العبارات، لعلها تصل أو تُقرأ قبل الطوفان.
عندما قتلوا فرج فودة اغتالوا المفكر، وعندما سجنوا إسلام بحيرى اغتالوا التفكير! وهذا هو الخطر الأكبر والمصيبة العظمى، الفكرة أكبر وأخلد من المفكر ذاته، يرحل الجسد وتبقى الفكرة محلقة طليقة تنثر بذور الخصب والنماء فى أرضنا المجدبة القاحلة، اغتيال هذا الطائر ببندقية التزمّت والتعصّب والانغلاق، يعنى خلو السماء من الأجنحة والألوان والنغم لتبقى الغيوم والصقيع والكآبة.
رسالتى موجهة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، أقول له.. نعم لقد أزحت الإخوان أشخاصاً، لكنهم للأسف ترسّخوا فكراً، نعم طالبت بالتجديد الدينى، لكنك لم تمنح أى مفكر أو مجدّد منديل الأمان، تركته نهباً لسلطة دينية غاشمة عارى الصدر أمام رماح وسهام المتربصين من تجار الدين والمؤلفة جيوبهم! حذّرت الشيوخ بالمحاججة يوم القيامة، فاطمأنوا إلى أن مكاسبهم الدنيوية الأهم لديهم، بأنها لن تُمس، وتعاملوا بمنطق «ابقى قابلنى، فنحن الواسطة، ونحن أصحاب التوكيل الحصرى للجنة، ومعنا توكيلات السماء، وضامنون أننا محصّنون يومها ضد المحاججة»!
صدّق «إسلام» وصدّقنا معه أننا بالفعل على أبواب ثورة دينية.. صدّق وصدّقنا معه أن السلطة والمجتمع فى مصر تكره «داعش»، الحقيقة المرة أنها تكره «الدواعش الاستيراد»، وتُربى الدواعش المحليين للتصدير، تربيهم بمناهج الأزهر ومنابر المساجد وفصول التعليم وزوايا السلفيين.. صدّق وصدّقنا معه أن المجتمع منزعج فعلاً من الذبح باسم الجهاد، وقهر المرأة واغتصابها باسم العفاف، والإرهاب باسم الجهاد، اكتشفنا أنه منزعج فقط من الصورة التليفزيونية، لكنه مطمئن جداً إلى الصورة الذهنية، مقتنع تماماً بأن المرأة عورة فى قاع جهنم، وبأن المسيحى والشيعى والبهائى.. إلخ، مكانهم الطبيعى «غرفة عشماوى»، وجزاؤهم «سيف مسرور»، لم ينزعج الأزهر والشيوخ والسلفيون من كتابات مفكرين قبله تخطت وتجاوزت أفكار إسلام بحيرى بمراحل، ما أزعجهم حقاً هو التليفزيون، الوسيلة التى استخدمها، أصابهم الفزع والرعب أن يعرف العامة المسكوت عنه فى التراث، أن يفكروا، أن يناقشوا، أن ينتقدوا، أن يستخدموا العقل، ذلك الجزء الضامر مصرياً وعربياً وإسلامياً بفعل الإهمال وعدم الاستعمال وسوء الاستخدام، الذى تحول بفعل الزمن إلى زائدة دودية مصيرها البتر حتى لا تصيب الجسم بالتسمُّم! كشف المسكوت عنه وفضح مناطق التراث الظلامية وحض الناس على التفكير النقدى الحر يُزلزل عروش سماسرة الدين ويغلق بوتيكاتهم، فالقضية لديهم ليست الدفاع عن الرب، لأن الرب هو الذى يُدافِع عنا ولا يُدافَع عنه، القضية الأساسية هى الدفاع عن المصالح وعن البيزنس.
رئيس مصر.. لقد خرجنا فى «30 يونيو» ضد «الإخوان» كفكر وليس كأشخاص، لم نهتف «يسقط يسقط حكم المرشد» لأننا ضد شخص «بديع»، لكن لأننا ضد فكر التكفير، لم نتظاهر ونخرج فى الشوارع إلا لندخل عصر التنوير والحداثة لا لكى ندخل سجن طرة!! وهذه كانت عبقرية «30 يونيو»، كان عقدنا معك مشروطاً بأن تخلصنا من هذا الفكر بكل أطيافه وأقنعته التنكرية، كان خصامنا مع الذقن التى تنمو إلى الداخل فتتحول إلى أحراش تعوق نمو العقل وتطور الروح وبهجة الحياة وليست أبداً مع الذقون التى تنمو إلى الخارج، لم يكن تفويضاً أو شيكاً على بياض، تمت إزاحة «التنظيم»، لكن ظل التنظير، بل تمدّد وتشعّب الفكر الإخوانى الإقصائى التكفيرى، وتمت تقوية قبضة الأزهر الرقابية وبالدستور، وتم الحفاظ على مواد وقوانين سيئة السمعة مثل «الازدراء»، بل تم تفعيلها، وبشكل أكثر بطشاً من قوى الرجعية الدينية، لا يمكن أن أتخيل أن الرئاسة تحركت فى زمن «مبارك» بكل خطاياه، لإلغاء قانون الحسبة، إنقاذاً لرقبة نصر أبوزيد، وفى زمنك أنت، وبعد ثورتين، يُسجن إسلام بحيرى وباقى الطابور ما زال فى انتظار المقصلة!!، لا أتصور أن تكون قد طالبت المثقفين بتجديد الخطاب الدينى والقيام بثورة دينية دون إعطائهم منديل الأمان وتركهم ظهورهم للحائط وصدورهم مغروسة فيها الخناجر، ثم يُقال للغرب نحن لدينا حرية تعبير غير مسبوقة!!
يا رئيس مصر.. إسلام بحيرى ليس على رأسه ريشة، لكن فى رأسه فكرة وحلم، مهما كان مدى الفكرة ومهما كان سقف الحلم، فإنه لم يكوّن عصابة أو يشكل تنظيماً عسكرياً لفرض فكرته، وهذا هو الخلاف بين أفكار التجديد والتنوير والحداثة، وبين أفكار الإسلام السياسى التى حتماً تتحول إلى قنوات دم واقتتال، إسلام بحيرى لم يرأس تنظيماً للذبح والسحل والحرق والتفخيخ، كل جريمة «إسلام» أنه فكر وغرد خارج السرب وخرج عن القطيع، سيقول البعض إنه قد صدمنا، ولا بد أن يأخذنا بالهدوء والروية، يا سادة.. الفصام أحياناً يحتاج إلى الصدمات الكهربائية، وفصام المجتمعات أقسى وأشرس من فصام الأفراد.

تذكرة وحيدة للقاهرة - خالد منتصر - جريدة الوطن - 28/9/2016

 «غنى عبدالحليم للسد، لكنه نسى أن يُغنى لمن هم خلفه»، عبارة عابرة كتبتها عين لمّاحة راصدة وقلم ذكى كاشف فى رواية جذابة آسرة، «تذكرة وحيدة للقاهرة»، قرّر مؤلف الرواية أشرف العشماوى أن يتدارك خطأ «عبدالحليم» ويغنى للغلابة الذين خلف السد، النوبيين الذين هُجّروا لكنهم لم يهاجروا، ظلوا مشدودين بحبال الوجد والشجن وأوتار الذكريات وأمانى العودة وأحلام الرجوع، أشرف العشماوى كاتب يمتلك مشروعاً روائياً طويل النفس يعرف تضاريس خريطته الإبداعية جيّداً، يستلهم فيه عبق التاريخ دون أن يحول صفحات رواياته إلى أرشيف بارد فى دار المحفوظات، رواياته حياة تنبض تاريخاً، وسطوره تاريخ يتنفّس حياة، فى هذه الرواية قرّر أن يقطع تذكرة لعجيبة النوبى الهامشى ليقتحم مسرح روايته الملحمية وينصبه بطلاً كأبطال الإغريق لينتظر مصيره القدرى كـ«سيزيف» حامل الصخرة التى تنحدر كلما صعد، من جنوب الجنوب يأتى أسمر البشرة مطروداً من النوبة بالتهجير القسرى يتيم الأب المقتول غرقاً فى لحظة عبثية لتبدأ تفاصيل ملحمة من 400 صفحة تجوب أماكن لا يمكن أن تتوقعها كقارئ، من رفقة ابن العم فى نادى الجزيرة نادى الباشاوات قبل الثورة، إلى الزمالك، إلى عابدين، ثم إلى سويسرا!!، وإذا كانت ملاحم الإغريق هى صراع وثأر بين أرباب وملوك وأمراء وبشر من نور ونار، فإن ملحمة عجيبة هى قصة بشر من لحم ودم ولقطات صراع غلابة مع لقمة العيش، انتقل «عجيبة» من بواب فى نادٍ.. إلى «جزمجى».. إلى «عربجى».. ثم إلى مشارك فى تهريب وغسيل أموال من بنوك سويسرا إلى شرق أوروبا!!، كيف انتقل بين كل هذه الأماكن وكل هذه المهن، والمهم أنه انتقل دون أى شذوذ أو افتعال روائى، لكن بمنتهى السلاسة والمنطقية، وهذا هو سحر الرواية وسر جاذبيتها، يظهر أشرف العشماوى من خلف الستار ويتسلل برأى سياسى صادم هنا ورأى اجتماعى مثير هناك دون أن يجثم كواعظ على أنفاسنا، إنه يطل علينا من خلف النافذة أحياناً ويراقبنا من ثقب الباب أحياناً أخرى، مشاعر متضاربة تلعب بك كأمواج البحر، تتعاطف معه وهو يعذّب من رجال الأمن ويستخدم كدمية من الإقطاعى أو تبتر أصابعه من الجزار، وتدينه وتستفز منه وهو يناور مع النساء ويزيف مع مافيا المال ويقتل بالخنجر الذى ظل يحلم باقتنائه طوال الرواية، لكنك فى مرحلة التعاطف أو الإدانة تظل حائراً فى ضبط بوصلة عاطفتك وأحكامك، وهذا ترمومتر الرواية الجيدة التى تستحق القراءة، الرواية امرأة جميلة لعوب تغويك فتطاردها وحين تقترب منها وتظن أنك قد امتلكتها وستستمتع بدفئها، تجدها قد أفلتت لتبدأ رحلة القنص والكر والفر من جديد، الرواية بناء هندسى محكم، لكنها ليست هندسة براجماتية خرساء، لكن فيها جنون الفنان الجامح الذى يخرق أحياناً قواعد الهندسة، هى أوركسترا منضبط الإيقاع لكن المايسترو أحياناً يسمح إلى عازف الكمان أو الفلوت أن يعزف صولو محلقاً، لكنه لا يخرج عن سياق السرب الجميل مفرود الأجنحة، هكذا يتعامل أشرف العشماوى مع شخوصه، يتركهم أحياناً يتمرّدون عليه على الورق ويختبئون خلف السطور، لكنه فى النهاية يُلملم خيوط الماريونيت ويُصدر حكمه البات النهائى ولا ينسى أنه فى النهاية قاضٍ مسموح له بأن يقضى فى مصائر أبطاله، لكن غير مسموح له أن يقضى عليهم.

المناظرة - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 28/9/2016


جرت المناظرة الأولى بين المرشحين الجمهورى دونالد ترامب والديمقراطى هيلارى كلينتون مساء الاثنين الماضى بتوقيت واشنطن (فجر أمس الثلاثاء بتوقيت القاهرة)، وما إن انتهت المناظرة حتى بدأت التحليلات واستطلاعات الرأى تتدفّق لتجيب عن سؤال: مَن الذى انتصر فى المناظرة الأولى؟ وجاءت الإجابات حسب انتماءات الجهة القائمة بالتحليل والاستطلاع، فالجهات الديمقراطية قالت إن «كلينتون» سحقت «ترامب» وفازت عليه قى المناظرة الأولى، والجهات الجمهورية والقريبة منها قفزت إلى قول إن «ترامب» حقّق الفوز فى أول مناظرة، بينما المحللون الأقل تأثُّراً بالانتماء الحزبى، والذين تحلوا برؤية تحليلية موضوعية وصلوا إلى نتيجة أن المناظرة الأولى لم تكن حاسمة لمصلحة أىٍّ من الطرفين، فلا «كلينتون» انتصرت وحقّقت مزيداً من التقدّم، ولا «ترامب» تعرّض لهزيمة ومزيد من التراجع فى استطلاعات الرأى، ومن ثم فالأمر مؤجّل إلى مناظرتين مقبلتين بين المرشحين.
الأداء فى المناظرات يعتمد على الخبرة والتدريب والإصغاء للمستشارين، ووفق هذا التحديد، فقد كان متوقعاً أن تكتسح «كلينتون» «ترامب» فى المناظرة لأسباب عدة، منها أن «هيلارى» سبق وعاشت أجواء المناظرات فى تجربتين مع زوجها بيل كلينتون، وهى أجواء تمكن زوجها من الفوز بالانتخابات مرتين متتاليتين، كما أنها عاشت معه ثمانى سنوات فى البيت الأبيض واكتسبت خلال هذه السنوات خبرات كثيرة، وعاشت أجواء التفاوض والأداء الدبلوماسى، ثم خاضت بعد ذلك تجربة السباق للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى عام ٢٠٠٨ أمام باراك أوباما، وانتزع منها الأخير بطاقة ترشيح الحزب، بعد أن قامت بحملة ممنهجة لتشويهه والادعاء بأنه «إرهابى كينى»!! وقبلت بعد ذلك العمل معه كوزير للخارجية لدورة كاملة، أى أربع سنوات، خرجت منها بفضائح كثيرة، أبرزها استخدام بريدها الإلكترونى الخاص فى إرسال رسائل رسمية، وارتباط مؤسسة زوجها بعلاقات مالية مع عواصم تدعم الإرهاب والجماعات المتطرّفة، ودورها فى تسهيل تغلغل رجال الجماعة فى الخارجية والبيت الأبيض أيضاً. أما «ترامب» ذلك الملياردير المقبل من خارج مؤسسات الدولة الأمريكية فهو شخص متهور، مندفع، سريع الاستجابة للاستفزاز، لا يحسب كلماته بدقة قبل أن تخرج من فمه، أى أن لسانه يسبق تفكيره، ولا خبرة سابقة له فى العمل مع مؤسسات الدولة أو خوض تجارب العمل الحزبى ودخول أجواء المناظرات.
ونعرف أن دور المناظرات حاسم فى جذب الأصوات العائمة، أى غير المنتمية حزبياً، والتى لم تحسم أمرها بعد فى التصويت لأىٍّ من المرشحين، فأياً كان أداء المرشح فى المناظرة فلن يؤثر فى الفئة المنتمية حزبياً له أو لخصمه، تأثيره يكون فقط على مواقف الأصوات العائمة أو المتردّدة أو التى لم تحسم أمرها، ووفق هذه الرؤية نستطيع أن نقول إن «ترامب» صمد فى المناظرة الأولى وأفشل خطة «كلينتون» التى كانت تعتمد على جره للحديث عن ملفه المالى والضريبى وأيضاً استفزازه للخروج عن شعوره. انتهت المناظرة الأولى وكل معسكر يقول إن مرشحه حقق الفوز فى المناظرة وإنه تقدم على خصمه، والحقيقة أن المناظرة الأولى انتهت دون فوز كلينتون أو هزيمة «ترامب»، فلا «كلينتون» فازت ولا «ترامب» خسر، وهو أمر يُحسب لمصلحة المرشح الجمهورى، مقارنة بالخبرات المتراكمة لدى «كلينتون»، التى كانت تُرشحها لتحقيق مزيد من التقدّم فى أول مناظرة مع «ترامب»، ومع انتهاء المناظرة الأولى بدأت على الفور الاستعدادات للمناظرة الثانية، التى قال عنها «آرى فلايشر»، المتحدث باسم البيت الأبيض فى عهد جورج بوش الابن، الجمهورى، أنها سوف تشهد تحسّناً كبيراً فى أداء «ترامب».

Monday, September 26, 2016

غرق مركب رشيد.. ماذا حدث لمصر؟ بقلم د. محمد أبوالغار ٢٧/ ٩/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

ما حدث على المركب البدائى الذى خرج من رشيد على متنه مئات من الشيوخ والشباب والأطفال هرباً من مصر وهم يعلمون علم اليقين أن فرص الوصول إلى إيطاليا أقل بكثير من فرص الغرق فى البحر. ماذا يدفع المصريين لهذه الهجرة المخيفة؟. هؤلاء المصريون الذين لم يعرفوا الهجرة فى التاريخ من آلاف السنين إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين وانقسمت الهجرة إلى الهجرة النهائية لمئات الآلاف من المهنيين والمفكرين والعلماء والعمال المهرة ذهبوا إلى أمريكا الشمالية وأوروبا وقلة ذهبت إلى أستراليا. أما المجموعة الثانية فقد هاجرت لبلاد الخليج وليبيا هجرة مؤقتة ولكنها طويلة وكان يغلب عليها الطابع العمالى وبعض المهنيين، وتكونت من عدة ملايين وعاد الكثير منهم بأموال ليست هائلة ولكنها كثيرة بالنسبة لفقراء الفلاحين وسكان العشوائيات، وعادوا بثقافة وبملابس مختلفة ولهجة أخرى وتفكير مختلف وصاحبت عودتهم ظهور صناعة جديدة وهى الدعوة الإسلامية يقوم بها الدعاة أصحاب الصوت العالى لتخويف وتكفير كل مخلوقات الأرض. وهى مهنة مربحة ولها تأثير سياسى على ملايين الفقراء وآلاف من معدومى الثقافة من أنصاف المتعلمين.
فقدنا العقول المفكرة وصانعى الحضارة والمؤمنين بثقافة التصنيع والإبداع والتكافل المجتمعى والتسامح الدينى والمؤمنين بأهمية الفن والشعر وعادت العقول البسيطة الجميلة للمصريين بعد أن تشربت بروح دخيلة مدمرة فانهارت الثقافة والفكر وانتصر الجهل.
لماذا هاجر كل هؤلاء وهؤلاء؟ المجموعة الأولى هاجرت حين شعرت بأن حجم الحرية الفكرية والشخصية التى كانت تتمتع بها أخذت فى الانحسار، وأحوالهم الاقتصادية وطموحاتهم بدأت فى الانكسار، وشعر بعض من الأقباط والمسلمين بخطر الفكر المتطرف وتأثيره على المجتمع وأن المستقبل ليس فى صالحهم. المجموعة الثانية خرجت بغرض الرزق والعودة بتحويشة العمر. والجميع خرجوا بطريقة رسمية.
ما حدث الآن شىء مذهل. هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين خرجوا للموت لأنه يبدو أنه أحسن من الحياة التى يعيشونها. ما هى المشكلة التى تؤدى إلى انتحار جماعى متتالى من أهالى الدلتا؟.
يبدو أن أحداً لا يعلم بدقة الأحوال فى مصر! كلنا نعلم أن هناك فقراً شديداً ونعلم أن هناك معاناة كبيرة ولكننا لا نعلم أن الأمر وصل إلى الانتحار الجماعى. الطبقة المتوسطة تنقرض بسرعة كبيرة وإذا كان دخلك ثلاثة آلاف جنيه وتعتبر أنك من الطبقة المتوسطة فإنك واهم فأنت لا تستطيع دفع إيجار وأكل ومصاريف طفلين وأجرة مواصلات وأنا أتحدث مع أحدهم فقال إنه مرعوب من رفع سعر المترو والميكروباص لأنه يركب ثلاث مواصلات للوصول إلى عمله ورفع سعر المواصلات معناه أن يستغنى عن وجبة طعام وأساسيات أخرى. فما بالك بفقراء الريف والعشوائيات.
الغريب فى الأمر هو الاستخفاف بالحادث، فقال أحد النواب إنهم يستاهلوا وكثيرون أبدوا عدم التعاطف معهم، بل اعتبروا أن وضعهم فى السجن هو الحل الأمثل.
هذه الحادثة الطارئة أيقظت الكثير من الشجون عند الناس والغضب واليأس عند البعض، فمن يرمى بنفسه مع أولاده فى المحيط بالتأكيد مستعد أن يفعل أى شىء كارثى آخر فى المجتمع. يبدو أننا جميعاً نعيش فى برج عاجى ولا نعرف بدقة حجم المأساة. هل هناك ستار حديدى يحيط بالرئيس الآن ويقول له كله تمام يا أفندم وتحت السيطرة.
أنا لا أعرف ماذا يمكن أن يفعله الرئيس بمشاكل بهذه الضخامة! أنا لا أعرف ولا أستطيع أن أطلب منه طلبا محددا لأننى أعلم أننا فى طريق غلاء كبير سواء أردنا أم لم نرد، فالأمر لم يصبح بأيدينا تماماً. إننا نزيد أكثر من ٢ مليون نسمة كل عام ولا أحد يفعل شيئاً.
الحل الوحيد الذى قد يؤدى إلى الخروج من النفق المظلم هو أن يتوقف الرئيس عن استشارة القوات المسلحة فقط ويعود إلى الخبراء الوطنيين المدنيين لعلهم يخرجون بفكرة عبقرية تخرج أحسن ما فى المصريين وتفجر طاقاتهم للعمل والصبر والتفانى، ويلزم لنجاح أى مشروع حماس الشعب كله. المناقشة المجتمعية للمستقبل أمر ضرورى، وطريقة إعلان قرارات بدون أخذ وجهات النظر المختلفة وإطلاع الشعب عليها أمر كارثى. مشكلة تيران وصنافير سببها أننا أخذنا قراراً منفرداً وطلبنا من الجميع عدم النقاش فى هذا الأمر، ونريد الآن أن نلتف على حكم مجلس الدولة بتحويل الأمر إلى محكمة صغيرة، يقول أساتذة القانون إنها غير ذات صفة فى نظر القضية. مشكلة العاصمة الإدارية أننا نقوم بمشروع كبير الضخامة، والمصريون أصحاب البلد لا يعلمون عنه شيئاً. لن نستطيع تفجير طاقات هذا الشعب وتحفيزه وراء القيادة مع وجود الآلاف فى السجون بدون ذنب بسبب وجود قوانين غير دستورية.
الأزمة أكبر من شخص أو مجموعة، ولا بد أن نتكاتف كلنا لمحاولة حل المشاكل المتراكمة بطريقة علمية. نحن نخاف على مصر أن تسقط فى فوضى – لا قدر الله – وسوف تكون نهاية الوطن الغالى. نحن لا نريد أن نسقط فى أيدى نظام فاشى دينى يعود بنا إلى القرون الوسطى.
رئيس الجمهورية عليه أن يلم الشمل ويبدأ فى الحل الحقيقى ونحن معه نساعده ونعضده ونشترك كل قدر استطاعته وطاقته وعمره.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

جنين بيرو - د. عماد جاد - ريدة الوطن - 27/9/2016







 جنين بيرو، هى قاضية أمريكية شغلت منصب المدعى العام فى نيويورك، والدتها من أصول لبنانية، عندما وصلت إلى سن التقاعد من عملها القضائى بدأت فى تقديم برنامج على شاشة «فوكس نيوز»، كانت فكرة البرنامج قانونية بالأساس، فهى قاضية سابقة ومن ثم كان برنامجها يدور حول القضايا القانونية وتحقيق العدالة. لم تفكر فى يوم من الأيام أن تكون لها علاقة بالسياسة ولا أن يتطرق برنامجها للشأن السياسى. فجأة برزت جنين بيرو مدعى عام نيويورك الأسبق كأبرز شخصية معارضة لسياسات الرئيس الأمريكى باراك أوباما، لم تستطع تجاهل الكوارث التى ارتكبتها وترتكبها إدارة أوباما فى الشرق الأوسط تحديداً، كان نقدها لاذعاً، وهجومها شديداً، بل فاقت جميع المحللين الأمريكيين فى توجيه الاتهامات المباشرة للرئيس الأمريكى باراك أوباما واتهمته صراحة بدعم وتشجيع الإرهاب، كالت الاتهامات أيضاً لوزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون وشنت عليها حملات مكثفة متهمة إياها بالكذب والتدليس والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.
كانت أول من رحب بثورة الثلاثين من يونيو واعتبرتها نقطة تحول فى شئون المنطقة بالكامل، وأن الجيش المصرى نجح فى إسقاط مخططات إدارة أوباما لتفتيت المنطقة، وصفت الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ الوهلة الأولى لثورة الثلاثين من يونيو بالزعيم الوطنى والقائد البارز الذى أنقذ بلاده من مخطط جهنمى للإدارة الأمريكية بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين. كان برنامجها على قناة «فوكس نيوز» هو النافذة الوحيدة التى تقول الحقيقة للشعب الأمريكى وتكرر له أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم المتحضر كله، وأن ما حدث فى الثلاثين من يونيو هو ثورة شعبية حقيقية وأن إدارة أوباما تعادى مصر وشعبها وتقف فى وجهها وهى تحارب الإرهاب، كانت ولا تزال تقول وتكرر إن جماعة الإخوان المسلمين هى الجماعة الأم لكافة التنظيمات الإرهابية وهى أم كل الشرور. جاءت إلى القاهرة أكثر من مرة وكانت أمنيتها ولا تزال إجراء حوار مع الرئيس عبدالفتاح السياسى. عندما علمت بوجود وفد برلمانى مصرى فى نيويورك مصاحب للرئيس عبدالفتاح السيسى، رحبت بعقد لقاء مع أعضاء الوفد، جاءتنا مبتسمة وقالت أين رئيسكم؟ أريد رؤيته وإجراء حوار معه. وعدها البعض بنقل الرغبة إلى الرئاسة والعمل على إتمام مثل هذا اللقاء.
جاءت برسالة واضحة: بلدكم عريق وله جذور ضاربة فى أعماق التاريخ، أنتم أصحاب حضارة عريقة، ما فعله الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو غيَّر خريطة المنطقة بالكامل، ما قام به الجيش المصرى هو جزء من دوره التاريخى، لديكم رئيس عظيم فحافظوا عليه، ثم جاء الشق الأخير فى الحوار وكان بمثابة صرخة من المدعى العام لمدينة نيويورك ومؤداها أن الشعب الأمريكى أمام مرشحين عليه أن يختار بينهما، مرشحة للحزب الديمقراطى كانت جزءاً من إدارة فاشلة متعاونة مع جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة فى الشرق الأوسط، ومرشح جمهورى يقدر مصر ورئيسها ويعد بالتعاون الكامل مع مصر لمحابة الإرهاب ومساعدة المنطقة على النهوض من كبوتها، لا تتوقفوا كثيراً أمام تصريحاته الانتخابية فما أن يدخل البيت الأبيض حتى تتلاشى هذه التصريحات وتوابعها، هو معادٍ للإخوان، كاره للإرهاب، سيكون صديقاً لبلدكم، تحدثت لنا «جنين بيرو» كما لو كانت مصرية وتعيش معنا وفى وسطنا، فتحية من القلب لهذه الإنسانة الرائعة التى تعشق مصر وشعبها، وأتمنى بالفعل أن تتمكن من إجراء الحوار الذى تحلم به مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، أعلم الحسابات المعقدة التى يمكن أن تعوق إجراء مثل هذا الحوار، ولكنى أقول إنها تستحق من مصر ومنا جميعاً تلبية رغبتها وشكرها على ما قامت وتقوم به فى الدفاع عن مصر وثورة شعبها فى قلب نيويورك.

يا شيخ أحمد عمر هاشم مصالحتك منتهية الصلاحية - خالد منتصر - جريدة الوطن - 27/9/2016

  
إذا كنا قد غفرنا للدكتور أحمد عمر هاشم تسويقه لمبارك فلن نغفر له تسويقه للإخوان، وإذا كان الشعب قد خُدع مرة من حلاوة وطلاوة وبلاغة حديث شيخ أزهرى فلن يُخدع ويقع فى نفس الفخ مرة أخرى، فقد خرج علينا الشيخ الجليل فى حواره مع «الوطن» أمس بوهم جديد وأسطورة مبتكرة تحت اسم المصالحة بعد المراجعة، وهى كلمة باطل يراد بها باطل أيضاً!، هذه الكلمة الممجوجة التى يخدرون بها الشعب وهى المصالحة لفظ يستدعى القيم الإنسانية مع عصابة لم تعرف أى قيم ولم تمارس أى إنسانية، مجموعة قتلة نازيين عنصريين زرعتهم يد الاستعمار ونمّاهم وغذاهم سماد الخيانة، شلة من ممسوحى الفكر ممسوخى الروح مزيفى الوعى لم تعرف معنى الوطنية قط، مصر بالنسبة لهم سكن لا وطن، قالوا عنها حفنة من تراب عفن وشتمها مرشدهم بطظ فى مصر وتمنى أن يحكمها ماليزى إخوانى مسلم، ويأتى الشيخ عمر هاشم ليقول مصالحة، طالب مرشدهم المسيحيين بالجزية ويبسمل عمر هاشم ويحوقل ويقول مراجعة!!، زرعوا القنابل وفخخوا البيوت ولغموا الأرض وأحرقوا أبراج الكهرباء وقذفوا بالأطفال من فوق أسطح المنازل ويهز عمر هاشم رأسه ويعدل من وضع طاقيته ويصرخ فينا وهو يبكى ويدمع كما عودنا فى خطبه المجلجلة قائلاً «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»!!، يا شيخ أحمد عمر هاشم أقول لك إن الله جل جلاله هو من سيقبل توبتهم أو يرفضها ويحاسبهم فى الآخرة على ما اقترفوه من جرائم فى حق هذا الوطن، هذا عند الله، ولكننا على الأرض وفى الدنيا لن ننتظر وسيحكمنا ويحكمهم القانون الذى لم يعترفوا به وأهدروه وحاصروا أعلى رموزه فى الدستورية العليا، إذا لم تأخذ حقك ومرتبك يا شيخنا الفاضل من الفضائيات التى تقدم فيها برامجك وفتاواك فنحن على استعداد وقتها ألا نأخذ حقنا كمجتمع منهم وننتظر حتى يوم الحساب!!، ألا تقرأ التاريخ يا شيخنا يا عالم الحديث الكبير، ألم تسمع عمن قتل القاضى الخازندار وعمن قتل النقراشى؟!، ولو كنت قد قرأت هذا التاريخ ألم تقتنع بأنهم جماعة فاشية لا تنفع معهم مصالحات ولا مراجعات، ألم يصالحهم جمال عبدالناصر الذى شطب كل الأحزاب وأبقى على جماعتهم الإجرامية وقرّب منه ومن مجلس قيادة الثورة سيد قطب وأعوانه بل وعيّن منهم وزيراً!!، إنه لم يصالحهم فقط بل حالفهم فى البداية، فماذا كانت مكافأته؟، حاولوا اغتياله فى المنشية!، ألم يصالحهم السادات وأخرجهم من السجون وسمح لهم بالمقر والمجلة والوجود وضرب اليسار المصرى فى الجامعة وممارسة الدعوة فيها، ماذا كانت مكافأته؟، اغتالوه على الملأ وفى ليلة عرسه والاحتفال بانتصاره!!، أما مبارك الذى ترك لهم الشارع هم وحلفائهم السلفيين ومنحهم عظمة الثمانين كرسياً التى التهموها بمنتهى التلذذ لدرجة أنهم أيدوا التوريث ودعوا إلى ترشح جمال مبارك، هذا المبارك لا نحتاج إلى شرح ما هى مكافأته فنحن نعايش مصيره صوتاً وصورة «لايف» على الهواء مباشرة!، أما المراجعات التى تتحدث عنها يا شيخنا الجليل والتى تنصح أن تكون مع الأزهر فنحن نسألك أسئلة بسيطة من الممكن أن تنعش ذاكرتك المصدقة لموضوع فنكوش المراجعات التى انخدعت فيها وبها للأسف، مراجعات التسعينات وحتى 2002...إلخ والتى ألفوا فيها كتباً وأقنعونا بأنهم ملائكة مجنّحون، خرج من بين هؤلاء المراجعين القاتل عاصم عبدالماجد والقاتل طارق الزمر وباقى أفراد العصابة من السجون وهم يرددون مثلك «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» والتى تنفع فى صلاة الجمعة عندما تقولها من على المنبر لكنهم عندما يذبحونك ويذبحوننى ويذبحون المصريين على المنبر مثلما ذبح الجعد بن درهم فى عيد الأضحى تنفيذاً لشرع الله أو كما ذبح وتجرع ماء النار الإخوانية ضباط كرداسة، هل ساعتها والسكين الإخوانية على رقبتك أو كوب ماء النار مجهز لإرواء عطشك، هل ستطلب ساعتها منهم المراجعات وتدبر وسماع جملة «التائب من الذنب» أم ستصرخ طالباً النجدة؟!!، المراجعات المزعومة وهم كبير وخديعة عظيمة ومؤامرة مدبرة وعملية نصب واضحة الملامح، ولا يصح يا شيخ أن تشارك فيها وتروج لها، وسؤال آخر لفضيلتك: من سيراجعهم؟، هل هو الأزهر الوسطى المستنير أم النسخة الإخوانية التى أفرزت مفتى الإخوان وعميد الكلية الأزهرية أم هو مستشار شيخ الأزهر الذى كان يرأس تحرير مجلته وسب المسيحيين فى عقيدتهم ونشر الفتنة ومجّد فى رابعة؟! أم وكيله الذى رفع مرسى إلى عنان السماء وأمرنا بطاعته فى خطبة الجمعة الشهيرة؟!، أم عندكم اقتراح آخر بإخراج الشيخ الأزهرى عمر عبدالرحمن من سجون أمريكا ليقنعهم بالمراجعات بصفته شيخاً أزهرياً سابقاً وتكفيرياً حالياً؟!!، يا شيخ أحمد عمر هاشم مصالحتك منتهية الصلاحية ويجب أن يصادرها جهاز حماية المستهلك ومفتشو التموين، لن ننتظر المعجزات وكرامات الأولياء التى كنت تحدثنا عنها لكى يتحول الإخوان إلى جماعة وطنية، لم يعد الشعب يصدق حكاياتك عن أن الشيخ كشك قد شاهد النبى وأبابكر وعمر ثم مات ساجداً، لم نعد مقتنعين بأن ما تقوله فى جامعتك وعلى الفضائيات من شروح وفتاوى أهم من دروس الكيمياء والفيزياء، فالأمم لم تتقدم بما قلته فضيلتك على مدار ثلاثين سنة فى زمن مبارك أنت وباقى زملائك وأصدقائك فى البرلمان أو فى مؤتمرات الحزب الوطنى وأوصلنا إلى القاع الذى نحن فيه، ولكنها تقدمت بالمنهج العلمى لا العنعنة، وتطورت بالشك والسؤال والابتداع وليس باتهام كل صاحب بدعة بأنه ضال مُضل، أرجوك يا شيخ أحمد عمر هاشم يا عالم الحديث أن تكف عن هذا الحديث الداعى للمصالحة مع عصابة القتلة الإجرامية التى أحرقت الأخضر واليابس فى هذا الوطن، وياليت لكى نحتفظ فى ذاكرتنا بأى شىء ذى فائدة قلته يوماً ما، ياليت تفعل مثل واصل بن عطاء الذى اعتزل.

توابع «تديين» المجال العام - د. عماد جاد - جريدة الوطن -26/9/2016

  
مرَّت دول العالم المختلفة التى قطعت شوطاً على طريق الديمقراطية والحرية، والتى حققت قفزات نوعية فى مجالات الحياة المختلفة، مرت بمرحلة تحول أو مرحلة انتقالية عبرت فيها من السلطوية والديكتاتورية إلى الديمقراطية، ومن التخلف إلى التقدم، وكان العنصر الأهم والأبرز الذى ميز تجارب الشعوب والدول وحدد ثمن التحول ومداه الزمنى هو مدى امتلاك النظام القائم لرؤية واضحة ومحددة، وتحليه بالشجاعة الكافية للعبور نحو المستقبل. من امتلك هذه الرؤية دفع ثمناً أقل وأحدث عملية التحول والانتقال فى وقت معقول كان السير فيه باتجاه واحد، عكس حال النظم التى افتقدت الرؤية والشجاعة الكافية، حيث كان الثمن باهظاً، وكان السير على طريقة «خطوة للأمام وخطوتان للخلف».
امتلاك الرؤية الشاملة بعيدة المدى هو أول خطوة على طريق التحول باتجاه الديمقراطية والتقدم، وأول مكونات هذه الرؤية هو الفصل بين السياسة والدين، فالأولى متلونة متغيرة ومراوغة وقديماً قال الفلاسفة إنها ليست مجال عمل الرجل الفاضل، تستند إلى منطق «الغاية تبرر الوسيلة»، والسياسى الماهر هو من يجيد تلقى دروس مكيافيللى التى صاغها فى كتابه الأشهر «الأمير» الذى يقدم فيه نصائحه للحاكم كيف يكون مراوغاً، مناوراً ومخادعاً أيضاً، أما الدين فهو مقدس فى نفوس معتنقيه يحض على الفضائل والقيم النبيلة، اختلاطهما معاً يؤدى إلى إنتاج خلطة تجمع صفات الاثنين معاً، تضيف السياسة فيه من صفاتها إلى الدين على نحو يضر بالأخير ضرراً شديداً، خلطة تنتهى إلى الإساءة للدين والإضرار بالسياسة أيضاً. وتكشف تجارب التحول فى شتى قارات العالم مع تنوع الثقافات والأديان والمعتقدات، أنه لا تحول دون وضع الخطوط الفاصلة بين الدين والسياسة، للأول خصوصيته وقدسيته، فهو قائم على الفردية والشخصية، علاقة بين الرب والعبد لا دخل للدولة بها، والثانية تستند إلى ضرورات الواقع المتغير والمتلون.
اختبرنا فى مصر خلط الدين بالسياسة منذ عام ١٩٥٢ ووصلنا إلى الذروة فى عهد السادات إلى نهاية عهد مبارك، فكان السير خطوة للأمام وخطوتين للخلف، وجاء زمن الجماعة وكان الخلط شديداً، ومن ثم كان الثمن باهظاً حتى بالنسبة للدين الذى تعرض للاهتزاز فى نفوس شباب مصرى وظهرت على السطح ظواهر الغش والخداع باسم الدين، فكان منطقياً أن يخرج علينا مَن يعلن عدم إيمانه بالدين كما يقدمه البعض من رجاله.
جاءت ثورة الثلاثين من يونيو تطالب بدولة مدنية حديثة تستند إلى القيم الإنسانية، إلى المواطنة والمساواة وعدم التمييز، إلى فصل الدين عن السياسة، وطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بإصلاح الخطاب الدينى، وبدا أن بلادنا تسير باتجاه امتلاك الرؤية اللازمة لتحقيق عملية التحول العصىّ فى منطقتنا وثقافتنا، ولكن سرعان ما بدا واضحاً أن الرؤية اللازمة غائبة بالفعل، وما يحدث أن مجتمعنا يسير خطوة للأمام ثم يرتد خطوتين إلى الخلف. خذ على سبيل المثال قرار رئيس الوزراء بضم الدكتور عباس شومان، صاحب فتوى أن «مرسى» ولى أمر وتجب علينا طاعته فيما يتخذ من قرارات، إلى لجنة تطوير التعليم، وتقدم حزب النور السلفى برؤيته لتطوير التعليم على طريقة «برهامى والشحات»، واكتمل المشهد بقرار وزارة التربية والتعليم بإرسال بعثة إلى باكستان لدراسة تجربتها فى تطوير التعليم، نتعلم من باكستان التى أنتجت مناهجها حركة «طالبان». أكثر من ذلك تصدر المحكمة الإدارية العليا حكماً يحظر الإضراب ويعاقب كل مَن يضرب عن العمل بالفصل من الوظيفة، مؤكدة أن الإضراب مخالف للشريعة الإسلامية، ما علاقة الشريعة بالإضراب عن العمل؟ لا ندرى، فالإضراب مهما كان موقفنا منه حق أصيل من حقوق العامل والموظف، قد ترد عليه بعض القيود والضوابط، لكنه أبداً لا يمكن تجريمه، ناهيك عن وصفه بالمخالف للشريعة. وفى نفس الأسبوع خرجت علينا وزارة المالية بالقول إنها سوف تصدر صكوكاً إسلامية، ويعلم دارسو الاقتصاد أن رأس المال لا دين له، وأنه لا يمكن تديين الوسائط المالية، وأن القضية برمتها هى دغدغة لمشاعر بسطاء المصريين. السؤال هنا: لماذا هذا التوجه نحو تديين المجال العام فى وقت تتطلب فيه عملية التحول التى تمر بها البلاد الفصل ما بين الدينى والسياسى؟ لمصلحة مَن يتم ذلك فى وقت يسعى فيه رئيس الجمهورية إلى امتلاك رؤية واضحة نحو المستقبل، وكل ما يجرى على الأرض يعرقل الوصول إلى هذه الرؤية ومن ثم يطيل من عملية التحول ويرفع ثمنها. مشكلة الإغراق فى تديين المجال العام أنه يضرب الرؤية ويعيدها إلى المربع الأول وإلى السجال حول الغيبيّات وهو أمر لن تصبر عليه الأجيال الجديدة طويلاً، ويمكن أن ترد عليه بالهجرة من الوطن مادياً، والأخطر ثقافياً وروحياً أيضاً.

Sunday, September 25, 2016

فن إدارة الوقت وإحساس الزمن المفقود - خالد منتصر - 25/9/2016 - جريدة الوطن

المؤتمرات الطبية والعلمية فى مصر وخارجها فرصة ذهبية لمزيد من العلم والمعرفة والتحصيل، ولكنها فرصة أيضاً للمقارنة، والإجابة عن أسئلة كثيرة، على رأسها لماذا تخلفنا ولماذا تقدموا؟!، بالطبع هناك أسباب كثيرة ومتعددة، ولكنى لاحظت ملاحظة تبدو شكلية وهامشية ولكنى أجدها مهمة، فقد لاحظت فى المؤتمرات المصرية أن فى الأغلب الأعم يتجاوز المحاضر وقته المحدد له، وأحياناً يتجاوز ضعفه!!، وعندما يتم تنبيهه إلى أن حديثه تجاوز الوقت، وأن زملاءه الذين سيتحدثون بعده تم خصم رصيد وقتهم المحدد، وسيضطرون للاختصار، يهبط المحاضر من على منصة المحاضرة، وهو غاضب ومتأفف، وللأسف تعاد الكرة، وتتكرر المأساة من المحاضر التالى الذى كان يشكو من تجاوز زميله السابق!!، على عكس المؤتمرات الأوروبية والأمريكية، فهناك التزام صارم بالوقت المحدد للمحاضرة لا يتم تجاوزه ولو بثانية واحدة، وأحياناً يكون هناك سيستم أوتوماتيك يفصل الميكروفون ويقطع الصوت أو عداد يظهر مرور الوقت بالثانية على الشاشة أثناء المحاضرة، ولكن غالباً لا يحتاج المحاضر تلك الساعة، لأن ساعته البيولوجية الداخلية تربت على هذا الانضباط، لذلك تضبط عقاربها من خلال اللاوعى على الميعاد المضبوط، إنه فن إدارة الوقت والإحساس المنضبط والجاد بالزمن وبضغط وسرعة تروس عجلته، لا توجد عندهم عبارة «ما تيجى نضيع وقت»، فالاستثمار فى الوقت أفضل أنواع الاستثمار، وقد ضربت مثلاً بما يقال عنهم كريمة الكريمة فى المجتمع، من علماء وأطباء، وبالرغم من ذلك لا يحسون بالزمن وضغطه ولا يحسنون إدارة الوقت، ومن هنا يأتى ترهل الأداء و«لكاعة» التنفيذ وبطء الإنجاز، ولكنهم ليسوا بمعزل عن المجتمع، فكل المجتمع مثلهم وغالباً بصورة أسوأ، انظر إلى برامج الرغى والتوك شو واسمع وشاهد بطء الإيقاع والثرثرة حتى مطلع الفجر، عندما تتفق على ميعاد مع صديقك تقول له بمنتهى الجدية هعدى عليك بعد العشا!!، وكأن اختراع الساعة لم يصلنا بعد، وكأننا ما زلنا نقيس الوقت بمقدار الظل والساعة الرملية!!، معادلاتنا الإنسانية والاجتماعية والسلوكية لا يدخل فى نسيجها عامل الوقت وعنصر الزمن، برغم أن الزمن صار يستهلك معظم جهد علماء الفيزياء لدرجة أن أكثر الكتب العلمية مبيعاً فى العالم كله للعالم ستيفن هوكنج، ويتحدث فيه عن موجز تاريخ للزمن، ونحن ما زلنا نغنى: «قول للزمان ارجع يا زمان»، إذا لم نحس كمجتمع بأننا لا بد أن نستلف من الغد 24 ساعة، ونضاعف مساحة اليوم لكى نسابق الزمن ونلحق بقطار، بل بصاروخ الحضارة، فلن نصنع أى مستقبل، إذا لم نستثمر وقت القهوة والشات والرغى والنميمة والفضول فى معرفة أسرار الآخرين والحكم عليهم، إذا لم نستثمر هذا الوقت فى شىء جاد وعمل مثمر، فلن يحدث تقدم ولن نصنع رفاهية، إذا لم تنضبط ساعاتنا الداخلية، فيجب أن نحطم الساعات التى نحملها فى معاصمنا، لأنها ببساطة عبء ثقيل وديكور وهمى.

صعيدى فى البيت الأبيض - د. عماد جاد - 25/9/2016 - جريدة الوطن

  
من أهم اللقاءات التى عقدها الوفد البرلمانى المصرى، الذى رافق الرئيس فى رحلته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك اللقاء مع السيد/ جمال هلال، الصعيدى المصرى الذى شغل وظيفة مترجم خاص لستة رؤساء أمريكيين، وحضر كل الاجتماعات التى عقدها الرؤساء الأمريكان الستة مع قادة وملوك ورؤساء عرب، وكان شاهداً على ما دار من حوارات وما قاله ملوك ورؤساء عرب فى الغرف المغلقة لرؤساء أمريكان، كيف كان بعضهم يقول كلاماً فى الغرف المغلقة ويقول عكسه أمام الرأى العام، كيف كانت اللقاءات كاشفة عن رغبة فى بناء علاقات جيدة، فى حين كان القادة يوجهون وسائل إعلامهم كى تسب أمريكا وتهاجمها.
جمال هلال مصرى صعيدى من أسيوط، هاجر إلى أمريكا فى سبعينات القرن الماضى، وتدرج فى العمل الحكومى الأمريكى إلى أن صار المترجم الخاص للرئيس الأمريكى، واليوم وبعد أن خرج إلى المعاش لدى الرجل حصيلة هائلة عن كل ما جرى من حوارات فى الغرف المغلقة بين الرؤساء الأمريكان وقادة ومسئولين عرب، صحيح أن الرجل لا يمكن أن يعلن كل كل ما لديه أو يقول كل ما يعرف لأن فيها أسراراً تتعلق بالأمن القومى للولايات المتحدة وأسراراً أخرى تخص دولاً عربية، لكن الصحيح أيضاً أن لدى الرجل حصيلة هائلة من الخبرات وهو مستعد لنقلها لأهل بلده، فهو مصرى حتى النخاع ويعشق بلده، وفى الوقت نفسه لا يمكن أن يخون البلد الذى حمل جنسيته وعمل فى جهازه التنفيذى (الولايات المتحدة) لكنه مستعد لنقل كل ما لديه من خبرات لأبناء بلده، كيف يفهمون العقلية الأمريكية، كيف يتعاملون مع الواقعية الأمريكية، كيف يقرأون الوقائع بموضوعية بعيداً عن الوقوع فى أسر نظرية المؤامرة.
يرى السيد/ جمال هلال أن آفة العقلية العربية التقليدية هى الوقوع فى أسر نظرية المؤامرة على النحو الذى يحجب القدرة على التعامل مع سياسات الأمر الواقع، وضرب الرجل مثلاً واضحاً بالدور الذى بذله اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة وبطلب مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى الضغط على الإدارة الأمريكية وأعضاء مجلسى الشيوخ والنواب للتعاطى إيجابياً مع ثورة ٣٠ يونيو، وقال إنه كان شاهداً على اتصالات أجراها اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة بأعضاء فى الكونجرس، وأوصلوا رسالة واحدة هى أن ما جرى فى مصر فى الثلاثين من يونيو ثورة شعبية حقيقية، وأن أى عضو كونجرس سوف يتعامل مع ما جرى فى مصر على أنه انقلاب عسكرى، فلن يحصل على دعم اللوبى اليهودى فى الانتخابات المقبلة، ويقول جمال هلال إن عدد الذين كانوا يرون ما جرى انقلاباً عسكرياً كان ١٧٥ عضواً فى مجلسى الكونجرس، وأنه بفضل ضغوط اللوبى اليهودى صوت عضوان اثنان فقط مع وصف انقلاب عسكرى.
بالقطع واليقين جهود اللوبى اليهودى لمنع وصف الكونجرس ما جرى فى الثلاثين من يونيو على أنه انقلاب عسكرى لم ولن يكون حباً فى مصر. فالسياسة لا تعرف الحب والكره، القرارات السياسية مجردة من المشاعر والأحاسيس، قائمة فقط على حسبة المصالح، ومصلحة إسرائيل كانت ولا تزال فى مصر مستقرة، يضاف إلى ذلك تعاون إسرائيل التام مع مصر فى مواجهة الإرهاب فى شمال سيناء الواقع فى المنطقة (ج) والتى لا يمكننا بموجب الملحق الأمنى فى معاهدة السلام نشر أى نوع من القوات والعتاد، واليوم مصر تستخدم داخل هذه المنطقة الأسلحة الثقيلة بل وطائرات الـ«إف -١٦».
لدى السيد/ جمال هلال ذخيرة من المعلومات ولديه قدرات تحليلية هائلة وقدرة على الاستنتاج والإسقاط على المستقبل، قال لنا بوضوح إن أعضاء فى الكونجرس يتطلعون إلى رؤية نظرائهم فى البرلمان المصرى، وإن التواصل مهم للغاية، ومن ثم نتمنى أن يبادر رئيس مجلس النواب بتشكيل مجموعة صداقة برلمانية مصرية أمريكية وأن تبدأ الاتصالات سريعاً، لا سيما مع التغيرات المتوقعة فى البيت الأبيض، وهنا يمكن للسيد جمال هلال أن يلعب دوراً محورياً لصالح بلده، مصر.

Saturday, September 24, 2016

الله أرسلنى إليك.. أين أوراق اعتمادك؟! بقلم د. وسيم السيسى ٢٤/ ٩/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

كنت فى زيارة لبانثيون باريس، وكلمة بانثيون معناها: هيكل لجميع الآلهة «عند اليونان والرومان القدماء»، وهى كلمة لاتينية الأصل، دخلت اليونانية ثم الفرنسية، المهم أن بانثيون باريس أصبح مثوى لعظمائها، لفت انتباهى أن تابوت فولتير كان بجوار تابوت جان جاك روسو صاحب كتاب «العقد الاجتماعى» الذى حكمت السلطات الفرنسية بإعدامه «إعدام الكتاب» فانبرى للدفاع عنه فولتير قائلاً: أنا لا أؤمن بكلمة واحدة مما كُتب فى هذا الكتاب ولكنى سأظل حتى الموت أدافع عن حريتك فى أن تفكر وتكتب ما تشاء.
قلت لنفسى: فرقت بينهما الحياة، وجمع بينهما المثوى الأخير، كما جمعت بينهما الحرية.
وصف فيكتور هوجو القرن الثامن عشر بقوله: كان لإيطاليا نهضة، ولألمانيا إصلاح، أما فرنسا فكان لها فولتير.
آمن بحرية الفكر حتى إنه قال: إذا طرق الرقى باب أمة سأل أولا: هل لديهم فكر حر؟! فإذا أجابوه: نعم، دخل الرقىّ وارتقت الأمة، وإذا أجابوه: لا! ولى هاربا وانحطت الأمة!.
حارب الحكام فى ديكتاتوريتهم ورجال الدين فى تعصبهم وقال: تمنيت لو أنى خنقت آخر سياسى بأمعاء آخر رجل دين!، سجنوه مرتين فى الباستيل وشردوه فى سويسرا، إنجلترا، ألمانيا، وعندما عفوا عنه، وعند عودته، سأله رجل الجمرك: هل معك ممنوعات؟ كان رد فولتير: أفكارى!.
ولد سنة ١٦٩٤ وعاش ٨٤ عاماً، كان التعصب على أشده فى فرنسا، حتى إن السلطات حكمت على امرأة كاثوليكية بغرامة ٣ آلاف فرنك لأنها استعانت فى ولادتها بقابلة «مولّدة» بروتستانتية! صرخ فولتير من منفاه اسحقوا هذا العار، وأضاف: رجل الدين الجاهل يثير احتقارنا، ورجل الدين المتعصب يثير اشمئزازنا، أما رجل الدين المثقف الواعى فهو الجدير بحبنا واحترامنا.
هاجم حكم رجال الدين وقال: إن الذى يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك!، وحين صدر قانون يقضى بإعدام من يهاجمون الدين، قال فولتير:
أول كاهن كان أول محتال، قابل أول أحمق!.
ترى هل انتقلت لفولتير فلسفة أبى العلاء حين قال:
وقد فتّشتُ عن أصْحابِ دينٍ  
لهم نُسْكٌ، وليس لهم رِياءُ
فألفيتُ البهائمَ لا عقـــولٌ      
تُقيمُ لها الدّليلَ، ولا ضِياءُ
وإخوانَ الفَطانةِ في اختيالٍ   
كأنــــهـــــمُ لقــــومٍ أنبياءُ
فأمّا هــؤلاءِ، فأهــلُ مَكرٍ     
وأمّا الأوّلونَ، فأغبيـــاءُ
عاد فولتير من منفاه إلى فرنسا فى فبراير ١٧٧٨ فاستقبلته كملك بعد أن عرفوا قيمته، زاره بنيامين فرانكلين الرئيس الأمريكى وهو على فراش المرض وطلب من حفيده أن يقبل يده، وفى أواخر أيامه أرسلت له الكنيسة قسيسا كى يستغفر له، سأله فولتير: من الذى أرسلك لى؟ قال الكاهن: الله! سأله فولتير: أين أوراق اعتمادك؟! تركه الكاهن وانصرف، أرسلت الكنيسة له قسيسا آخر، فطرده، وطلب من سكرتيره أن يكتب عنه: أؤمن بالله، أحب أصدقائى، أكره الخرافات والأساطير الدخيلة على الدين. مات فولتير فى ٣٠ مايو ١٧٧٨، رفضت السلطات دفنه فى مدفن مسيحى فى باريس ولكن بعد ١٣ سنة أجبرت الجمعية الوطنية التى تكونت بعد نجاح الثورة الفرنسية على نقل رفاته إلى مثوى العظماء، وكتب على العربة التى نقلت جثمانه: «فولتير الذى أعطى لعقولنا قوة دافعة، وحررنا من الخرافات وأعدنا وهيأنا للحرية».