Translate

Saturday, December 30, 2017

د. عماد جاد - ضبط الأداء - جريدة الوطن - 31/12/2017

هناك حالة من الانفلات العام فى بلادنا، ويطول هذا الانفلات جميع المجالات، وعلى رأسها الإعلام والأداء الرسمى، وتحديداً طروحات بعض النواب الذين يطرحون أفكاراً غريبة وشاذة، ربما يستهدفون من ورائها الشهرة الشخصية، وأن يكونوا محلاً لجدل إعلامى، وفى المحصلة النهائية يرتد العائد على المجلس ككل ومن ثم تتشوه صورة المجلس أو تزداد تشوهاً. وفى تقديرى أن أداء مجلس النواب فى دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعى الأول ووفق الدستور الحالى، تطور كثيراً مقارنة بدورى الانعقاد الأول والثانى على جميع المستويات، وفى الشهور الثلاثة التى مضت من دور الانعقاد الثالث صدرت عشرات القوانين التى كانت مصر فى أشد الحاجة إليها وتم تعديل قوانين قديمة، كما أن خريطة المجلس من حيث الانتماءات السياسية والانحيازات الاجتماعية بدت واضحة، ومن دخل المجلس دون خبرة أو دراية اكتسب قدراً منهما على مدار دورى الانعقاد السابقين، ويمكنك رسم خريطة واضحة للانتماءات والانحيازات. وفى تقديرى أن الأجواء العامة داخل المجلس حالياً أفضل كثيراً من دورى الانعقاد السابقين، وإذا كان هناك من ينتقد تشكيل المجلس ويقول إنه لا يمثلنى، فالرد ببساطة أن المجلس يمثل المجتمع بجميع ألوانه وطوائفه وفئاته الاجتماعية، فالبرلمان الحالى به ممثلون لجميع شرائح المجتمع المصرى، فيه السلفى والليبرالى، اليسارى واليمينى، العامل ورجل الأعمال، الحاصل على شهادة إتمام التعليم الإعدادى والحاصل على الدكتوراه فى تخصصات علمية دقيقة ونظرية، وكل برلمان عضويته هى انعكاس للمجتمع، فالبرلمان السويدى هو انعكاس للمجتمع السويدى، وكذلك الدنماركى، فلا تطالب ببرلمان لدولة من العالم الأول فى دول مجتمعها ينتمى للعالم الثالث، كما لا تتوقع برلماناً يعمل وفق الآليات الديمقراطية ويتمكن أعضاؤه من استخدام آليات العمل التشريعى والرقابى المنصوص عليها دستورياً فى نظام لم تستقر فيه التجربة الديمقراطية بعد، ومجتمع غير قابل للديمقراطية كثقافة ومنظومة قيم، ولذلك ليس غريباً أن يظل قانون ازدراء الأديان قائماً، ويرفض مندوب وزارة العدل إلغاءه، فالسلطة التنفيذية فى حاجة للفقرة (و) من المادة (98) لمحاسبة من تريد وقتما تريد بتهمة ازدراء الأديان، والسلطة التنفيذية قادرة على تجميد أى قانون يصدر بل واستخدامه عكس ما تقول مواده والمستهدف من وراء صدوره، مثل قانون بناء وإصلاح الكنائس، الهدف المعلن هو حل إشكالية الكنائس القائمة دون ترخيص وتنظيم إجراءات بناء الكنائس الجديدة، ما يجرى على الأرض اليوم هو أن السلطة التنفيذية وتحديداً جناحها الأمنى يستخدم المعلومات التى قدمتها الكنيسة عن الكنائس غير المرخصة من أجل تقنين أوضاعها، يستغلها فى إغلاق هذه الكنائس بدعوى عدم وجود ترخيص، ويوظف فى هذا الإطار علاقاته القديمة بالجماعات المتشددة، فبعد أن يدفعها للخروج والاحتجاج، ويتركها تحطم محتويات الكنيسة وتدنس مقدسات المسيحيين، يتدخل بإغلاق الكنيسة حفاظاً على السلم المجتمعى.
فى تقديرى أن المطلوب اليوم هو ضبط الأداء فى مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، والذى لن يتحقق إلا عبر تطبيق مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات وتمكين مجلس النواب من القيام بدوره الرقابى والتشريعى بشكل حقيقى وكامل، وأن ترفع أيدى الأجهزة الأمنية عن التدخل فى مجالات ليس من حقها التدخل فيها، وتدخلها يفسد المواقف ويسبب أزمات حقيقية للدولة المصرية داخلياً وخارجياً، إضافة إلى تعطيل عملية التحول الديمقراطى فى البلاد.

Friday, December 29, 2017

البابا تواضروس بقلم د. وسيم السيسى ٣٠/ ١٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


سألتنى الإعلامية ماريان: كيف ترى البابا تواضروس؟ قلت: درس الصيدلة فأصبح تفكيره يعتمد على الأسس العلمية، عاصر هموم وطنه فقال: وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، يحلم بالأسرة البشرية الواحدة فبدأ بالمعمودية الواحدة بين الأرثوذكس والكاثوليك، معلم موهوب، شاهدت له درساً للأطفال، قلت لنفسى: هذا هو العلم.. هذا هو الدين.. هذا هو المعلم.
قالت ماريان: البعض غير راض عن المعمودية الواحدة! قلت: حين سألوا برناردشو عن سر النجاح؟ قال: لا أعرف، ولكنى أعرف سر الفشل! ألا وهو محاولة إرضاء كل الناس!
سألتنى ماريان: لماذا لم يقم البابا شنودة بهذه الخطوة؟ قلت لا أعرف، ولكنى أذكر أنى قلت له يوماً: إن التاريخ الصحيح لعيد الميلاد هو ٢٤ ديسمبر وليس ٧ يناير! قال البابا شنودة لى: أعرف ذلك!
سألتنى ماريان: ما رأيك فى رفض البابا مقابلة نائب الرئيس ترامب، أليس هذا تدخلاً فى السياسة؟! قلت: تذكرى أن الكنسية المصرية إنما هى وطنية قبل أن تكون مؤسسة دينية، رفض البابا كيرلس الخامس مقابلة اللورد كتشنر من قبل، كما طرد يوحنا هوج من مصر حين جاء للتبشير وقال له: مصر تعرف المسيح من قبل أن يكون لأمريكا وجود، وحارب اللورد كرومر حتى أعلن كرومر: أقباط مصر أعداء لنا ولابد أن نبادلهم عداء بعداء، وطردهم جميعاً من وظائفهم واستبدلهم بمسيحيين سوريين، كما منع قيام حزب مسيحى: أخنوخ فانوس، لقد قالها المفكر الكبير مأمون فندى:
شكراً.. أيها الأقباط، لولاكم لأصبحت مصر طالبان!
سألتنى ماريان: ماذا تتمنى للكنيسة المصرية الأرثوذكسية؟ قلت لها: هذه الزيجات العالقة سنوات وسنوات تريد حلاً، أعرف أن القسوة على الأفراد رحمة بالمجموع، وأن صعوبة الطلاق تجعل الشباب يدقق فى اختيار شريك الحياة، ولكن هناك لائحة ١٩٣٨ تعطى انفراجة، أذكر الأنبا تيموثاؤس أسقف الدقهلية، حدثنى قبل رحيله، حين كان الأساقفة من سلطاتهم الحكم بالطلاق، قال: كان محام شرس يضرب زوجته، ووقف محامى الزوج يدافع عنه: إنه زواج مقدس، ولا طلاق إلا لعلة الزنا، وما جمعه الله لا يفرقه إنسان! قال الأنبا تيموثاؤس: أجوز غراب على يمامة، وأقول زواج مقدس! وحكمت بالطلاق.
قالت ماريان: ولكن النص فى موعظة قبل التصريح: قيل لكم من طلق امرأته يعطها كتاب طلاق، أما أنا فأقول لكم.... إلا لعلة الزنا... إلخ. ثم ابتسمت ماريان وقالت: لا اجتهاد مع النص! قلت لها إن كلمة زنا ADOLTERY معناها علاقة بين رجل وامرأة ليس بينهما عقد، ولكن أيضاً كلمة زنا معناها الغش بدليل أننا نقول TO ADULTRAT THE MILK أى يغش اللبن.
الرجل الذى يخفى عن خطيبته أنه مريض مرضاً مزمناً، أليس هذا غشاً؟ الفتاة غير القادرة على الإنجاب وهى تعلم ذلك ولا تخبر خطيبها بذلك أليس هذا غشاً يستوجب الطلاق؟ الشاب الذى يوهم أسرة الفتاة بأنه ثرى أو جامعى، ويتضح بعد الزواج أنه ليس كذلك، أليس هذا غشاً يستوجب الطلاق؟!
الزنا أى الغش، ليس فقط غشاً جسدياً بل أخلاقى روحى نفسى، وكلها أسباب تدعو للطلاق.
سألتنى ماريان: كيف ترى الكنيسة الكاثوليكية، وقد سمعت أنهم يدعونك كثيراً لإلقاء محاضرات؟ قلت: انظرى للأب دانيال ونشاطه الفنى وتكريمه لرجال ونساء الفن الجميل، طلبوا منى محاضرة عن الحضارة المصرية، محاضرة عن الهندسة الوراثية، محاضرة عن كتاب جيمس هنرى برستد بما فيه من نقد الوصايا العشر، وإنكار وجود يوسف فى مصر، وحين سأل أحدهم بابا الكاثوليك وكان حاضراً: كيف هذا؟ قال خذ المعنى الأخلاقى من الرواية ولا تهتم بالتفاصيل!.

خالد منتصر - «سلماوى» يمزق الـ«كارت بوستال»- جريدة الوطن - 30/12/2017

جرّب أن تغلق على نفسك باباً وتتعرى على الورق وتراهن نفسك على كتابة كل تفاصيل حياتك بصدق وترسم ملامح البورتريه الخاص بك بلا مساحيق تجميل، ترسمها من «باليتة» ليست بها ألوان صناعية، ألوانها ألوان الطيف، فرشاتها مغموسة فى الطمى والدم ومندّاة بشرارة من البرق وقبس من الريح. فى شرقنا العربى حتماً ستفشل، وبعد أن تكتب ستُلقى كل ما كتبت فى سلة القمامة ثم تحرقها، رغم أنك كنت وحيداً فى غرفتك ولن يطلع عليك إنسان، ولكنها «فوبيا» مواجهة النفس على الورق، لذلك لا أُقبل كثيراً على قراءة السير الذاتية للكتّاب العرب وآخذ حذرى دائماً من «بوتوكس» المثقف العربى الذى يحقن به ملامح تجربته فتصير تجاعيد الروح مجرد خدعة جميلة مشدودة. نجحت بعض السير الذاتية المصرية القليلة فى الإفلات من أسْر التمجيد الشخصى والفصام الاجتماعى ومداهنة الشارع وغزَل الأغلبية، منها ما صدر منذ سنوات طويلة، د. لويس عوض، ومنها ما صدر حديثاً مثل سيرة الكاتب الكبير محمد سلماوى.. أصارحكم: كان لدىّ نفس التوجس، ولكن سلماوى كسر الحاجز وأذاب الجليد من أول سطر، فالقارئ مع كتاب سلماوى «يوماً أو بعض يوم»، الصادر عن دار الكرمة، يخترقه شعاع الصدق منذ اللحظة الأولى وبدون بروتوكول، فالكاتب لا يجعل من طفولته ملحمة عبقرية، فهو يعترف بانطوائيته وبأنه ليس «ألفة» الفصل، ويحكى عن تجربته الجنسية الأولى مع الشغالة. ومع بداية المراهقة لا يخشى أن يخبرنا عن فترة حيرته وإلحاده! هو يكتب السيرة الذاتية لا بطريقة الـ«كارت بوستال» السياحى، ولكن بطريقة «فان جوخ» الذى كان يرسم حذاءه المرتّق وكرسيه الممزق وحجرته المهجورة وغليونه البائس بألوانه التى أحياناً يسكبها على اللوحة بسُمكها وحرارتها وطزاجتها وطراوتها ووحشيتها وبدون شعيرات الفرشاة المهذبة!
ثراء رحلة محمد سلماوى كان لا بد من أن يُستثمر ويسجل، كانت ستصبح خسارة كبيرة إن تقاعس أو عطله الكسل أو الخوف من مناخ التربص، فلن تتكرر كثيراً صدفة الطفل المصرى المولود لأب من الرأسمالية المصرية التى حفرت فى الصخر وتوسعت فى المشاريع واتصل مع الغرب بالتفاعل والسفر، والأم الأرستقراطية الليدى الفنانة الشيك، أملاك العائلة تتعرض للتأميم بعد الثورة والأب يهيئه لتقبُّل تلك الصدمة حتى يتوازن نفسياً، الابن يصبح ناصرياً، يدخل السجن من أجل إيمانه بمبادئ من أمّم أملاك أبيه! تجربة أن تقوم بتربيتك مربية إنجليزية وأرمنية وفرنسية وألمانية! كل منهن لا تبث مفردات لغة فقط ولكنها تبث مفردات ثقافة جعلت مسام «سلماوى» الروحية منفتحة على تقبُّل الآخر أياً كان، تجربة التعليم فى أرقى مدارس مصر، كلية فيكتوريا، مع كريمة الكريمة من نخبة المجتمع المخملية، ثم فجأة يكون مطلوباً منك التعامل مع فلاحى قريتك وحساب ثمن المحاصيل حتى تستطيع أكل العيش فى زمن كان فيه فصل الصحفى أسهل من كرمشة الكلينيكس! النقلة الرهيبة من شاب المفروض أنّ لمسَ الحرير يُدمى بنانه، زوجته فنانة تشكيلية رقيقة من عائلة مشهورة كانت متوجسة أصلاً من ارتباطه بابنتهم التى ارتبط بها رغماً عنهم، إلى سجن القلعة حيث منتهى الأمل أن تلبى نداء المثانة وتتبول فى الحفرة قبل أن تبلل نفسك وتعملها على روحك فى الطابور! أن تدرس أرقى آداب العالم فى قسم اللغة الإنجليزية على يد جيل د. رشاد رشدى ومجدى وهبة، وتدرس أدق أسرار اللغة العربية على يد مدرس اللغة العربية فى البيت، أن تحلّق بجناحيك فى أرجاء العالم من موسكو إلى نيويورك، وأن تضم ضلوعك لتسعك زنزانة خانقة تتحول فيها إلى جثة تتنفس، عجينة ثقافية ظلت تتشكل وتُصهر فى فرن تجارب من الصعب أن تتكرر بكل هذا الزخم لإنسان آخر، حتى جاء فرن الدور السادس أو قل عليه مفاعل الدور السادس النووى فى الأهرام، هذا الشاب المتعطش للثقافة يجلس إلى توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحسين فوزى وزكى نجيب محمود ولويس عوض ويوسف إدريس وثروت أباظة، وفى ظل شجرة هيكل الوارفة الظلال! هذه الأنسيكلوبيديا البشرية التى من لحم ودم شحنت كاتب المذكرات بشحنات إنسانية وأدبية وفنية تكفى لإضاءة المبنى كاملاً وليس الدور السادس وحده!
المدهش والجميل والجذاب فى تلك المذكرات السلماوية روح السخرية وخفة الدم التى تجعل من بعض مناطق السيرة مشاهد باسمة ساخنة تتفوق فى «السركازم» على أشهر الأفلام والمسرحيات الكوميدية، مثل مشهد استدعاء والده للطبيب لخلع أسنان النسناس ورعب الطبيب الذى أخذ يرش اسبراى المخدر على النسناس بغزارة حتى أغمى على الطبيب وأصبحت المشكلة فى إنقاذ الطبيب لا النسناس!، ومشهد سطح أم حسن الذى كان يزدحم بالمساجين على بلاطه الفقير لإجراء الاتصالات التليفونية، ووصفه الساخر لتداخل المكالمات التى تجرى فى نفس الوقت وتناقض مفرداتها والمقالب التى تحدث نتيجة سوء فهمها.
«يوماً أو بعض يوم» ليس مجرد عنوان لكتاب محمد سلماوى، ولكنه حتماً هو الزمن القصير الخاطف الذى ستقرأ فيه الكتاب وكأنه لمحة لشدة جاذبيته وعذوبته وثراء حكيه ولغة كاتبه وسلاسة أسلوبه، شكراً للكاتب على تلك اللحظات التى اقتنصنى فيها هذا الكتاب الكريم السخى الممتع من زماننا البخيل الضنين الممتنع.

خالد منتصر - الهبهبة والنهيق حلال أمّا الجعير فهو حرام - جريدة الوطن - 29/12/2017

قامت القيامة وسُنت السكاكين على الفنانة شيرين رضا لأنها وصفت صوت الأذان العالى من خلال الميكروفون بأنه «جعير»، تم تكفيرها وسبها بالأب والأم واتهامها بالفسق والمجون ولفقوا لها على وسائل التواصل حكايات وقضايا وهمية عن قضايا شرف إلى آخر تلك السفالات التى انفتحت من بلاعات البوستات التى اشترك فيها الجميع، إخواناً وغير إخوان، فى ملحمة وحدة وطنية مصرية غير مسبوقة من الشعب المتدين بطبعه!!، الست قالت «جعير» فقط، تعالوا لنعرف ماذا قال مثلاً الشيخ الشعراوى عن نفس الموقف وبماذا وصف الميكروفون والأذان العالى من خلاله، وصفه الشيخ الجليل بأنه غوغائية وبأنه أكبر نقمة، وأضاف صفة «الهبهبة» على هذا الصوت العالى المزعج!!، ونحن جميعاً نعرف أن الذى يهبهب هو الكلب!!، تعالوا لشيخ آخر وهو خالد الجندى وصف مصدر هذا الصوت من خلال الميكروفون بأنه حمار يصدر أنكر الأصوات ولا يحترم مريضاً أو طالباً يستذكر دروسه!!، شيرين احتفظت بصفة الإنسان عند وصفها لصاحب الصوت العالى وقالت فقط «إنه بيجعر»، لكنه ما زال يقف عند حدود أنه إنسان، لكن الشيخين الفاضلين أحدهما نزل به درجة واختار حيوان الكلب والثانى اختار حيوان الحمار، لكن المدهش والعجيب أن هذا الشعب المتدين بالفطرة قبل كلام الشعراوى والجندى وكان على قلبه كالعسل الجبلى، أما بالنسبة للفنانة شيرين فقد لعنوا خاش العيلة وعيلة العيلة وخاضوا فى عرضها وافترسوها افتراس الضباع!!، معادلة لوغاريتمية صعبة الحل والتفسير، لم أجد لها إلا تفسيراً واحداً استفز المستفزين ولكنى أعرف أن الحقيقة موجعة، هذا التفسير كتبته على صفحتى وقلت فيه:
تفسير سيكولوجى للهجوم الكاسح على شيرين برغم أن الكثيرين قبلها قالوا نفس الكلام.. السبب ببساطة أنها جميلة فى غابة يسودها القبح وفى زمن يمجد الترهل والبدانة وتكفين النساء أحياء... سبب الهجوم من بعض الستات هو نفسنة وحقد على جمالها الذى استفزهن وكشف عن حالة الدفن التى يعشنها فى اللفائف السميكة والعرق النافذ وبقايا فتات الحلاوة الغاربة، أما هجوم الرجال فمعظم المهاجمين ممن تنمو لحاهم إلى الداخل يتمناها فى أحلامه لذلك فهو عدوانى تجاهها يشتمها ويسبها فى محاولة تعويضية لإطفاء نار ظمئه وشهوانيته المشتعلة!!! بعد إذنكم بلاش عروق نافرة فأنتم لا تدافعون فى الحقيقة عن دين أو إيمان لكنكم تدافعون عن طمأنينة زائفة وكبت يعذبكم لا تعرفون سمواً به أو رقياً تجاهه!
باختصار المرأة الجميلة وكمان لو فنانة صارت مستفزة لمجتمع أدمن كل ما هو دميم.

د. عماد جاد - حرية الاعتقاد - جريدة الوطن - 29/12/2017

يبدو أننا نسير خطوات سريعة إلى الخلف فى كل ما يتعلق بالحريات مثل حرية الرأى والتعبير وحرية الاعتقاد، وذلك بالتناقض مع مواد دستور البلاد الموضوع عام 2014 وما قبله من دساتير، وقد اعتاد المصريون صدور بعض الأفكار الشاردة من قبَل بعض نواب البرلمان من حين إلى آخر، ففى زمن الإخوان سمعنا عن توجهات لإصدار تشريعات بخفض سن الزاج للسماح بتزويج الأطفال، وفى برلماننا الحالى طرح أحد النواب فكرة التقدم بمشروع قانون لحماية ما سماه «الرموز التاريخية» من النقد، وقد تراجع بعد موجة نقد شديدة، وبالأمس القريب طرح نفس النائب فكرة مشروع قانون بتجريم الإلحاد وفرض عقوبات على الملحدين، معتبراً أن الإلحاد يمثل ازدراء للأديان لأن الملحد لا يؤمن بأى منها، ومن ثم فهو يزدريها، الأمر الذى يستوجب فرض عقوبة عليه تصل إلى السجن. وقد أثارت هذه الفكرة جدلاً شديداً فى المجتمع، وناقشتها بعض برامج «التوك شو» فى الفضائيات المصرية، وخرج الرجل ليشرح فكرته، وردّ عليه بعض الحقوقيين والعاملين فى مجال حقوق الإنسان. وفى تقديرى أن مثل هذا المشروع لن يرى النور، فلا تنزعجوا من طرح مثل مشروعات القوانين هذه التى لا وجود لها فى العالم اليوم إلا فى الدول الديكتاتورية ذات الدين الواحد وربما الطائفة الواحدة، وليس بها مجتمع مدنى قوى وحركة مدنية قوية وأيضاً محكمة دستورية عريقة كما هو الحال فى مصر.
بدايةً، هذا المشروع يُعتبر مخالفاً للدستور المصرى الذى ينص على أن حرية الاعتقاد مطلقة، صحيح أن الدستور قصَر ممارسة الشعائر على أصحاب الديانات الإبراهيمية، وصحيح أننا لدينا مشاكل حتى فى حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين المصريين بسبب الأجهزة الأمنية والتعاون التحتى بين هذه الأجهزة والمجموعات السلفية التى تتولى إغلاق الكنائس والاعتداء عليها وتدمير محتوياتها ومقدساتها، وصحيح أننا كنا نتمنى أن تكون حرية ممارسة الشعائر متاحة لكل صاحب اعتقاد والله سوف يحاسب الجميع على الأفكار والأعمال.
أما فيما يخص حرية الاعتقاد فالنص الدستورى أطلقها ولم يُقصرها على الأديان الإبراهيمية، بل ذكر أن حرية الاعتقاد مطلقة، ومن ثم فإن أى مشروع قانون يجرم الإلحاد يمثل مخالفة للدستور، ومن ثم لن يمر فى البرلمان، ولو افترضنا ومرّ، فسوف تُسقطه المحكمة الدستورية العليا التى تتولى مسئولية الحكم فيما يخص دستورية ما يصدر من تشريعات وقوانين. أيضاً وهو الأمر المهم والأكثر أهمية أن مصر موقّعة على الميثاق العالمى لحقوق الإنسان وعشرات الاتفاقيات الدولية التى تنص على احترام حرية الرأى والاعتقاد، ومن ثم لا أتصور أن الدولة المصرية يمكن أن تسمح بصدور قانون من هذا النوع سيكون كفيلاً بتعريض مصر لأزمات حقيقية مع المجتمع الدولى، ما أتوقعه هو أن يحاول أفراد من أجهزة الأمن ممارسة مثل هذه الأعمال باجتهاد شخصى، وربما من قبَل أجهزة أمنية لاعتبارات مركبة لا تخلو من رغبة فى جنى الحسنات وخدمة الدين من وجهة نظرهم.
ما أود التأكيد عليه هنا هو أن البعض يريد أن يجتهد، يزايد، وليس لديه دراية بمواد الدستور ولا الاتفاقيات الدولية الموقّعة عليها مصر، ولا دراية لديه بالتطورات التى تمر بها الأجيال الجديدة من المصريين، وبدلاً من الاجتهاد فى إعمال العقل وتحديث وتطوير الخطاب الدينى، ومجاراة الشباب، بل والأطفال، فى تساؤلاتهم المنطقية والاجتهاد فى تقديم إجابات منطقية وعقلانية، يخرج من بيننا من يطالب بتجريم الإلحاد وحبس الملحد، وهذا فى تقديرى شهادة إعلان ذاتى بالفشل والعجز عن الإقناع، ناهيك عن انتهاك مادة دستورية أطلقت الحق فى الاعتقاد، ومواد اتفاقيات دولية وقّعنا عليها تجرّم تقييد حق الاعتقاد، بل وتجرم مثل هذا النمط من التفكير.
لا تخشوا مثل هذه العقليات العاجزة عن الشرح والتفسير والإقناع، لن يصدر فى مصر قانون من هذا النوع لأنه مخالف للدستور ولكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، كما أنها مخالفة للميراث الثقافى لمصرى.

Thursday, December 28, 2017

ميرى كريسماس.. يا سامح! بقلم فاطمة ناعوت ٢٨/ ١٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


أولاً: ميرى كريسماس يا شعب مصر، ويا شعوب العالم. وثانيًا: فى نهايات عام ٢٠١١ كتبتُ مقالا عنوانه: «ميرى كريسماس رغم أنفهم»، وفى ٢٠١٢ كتبتُ: «ميرى كريسماس كمان وكمان»، وفى ٢٠١٣ كتبتُ: «ميرى كريسماس يا مصر»، وفى ٢٠١٥ كتبتُ: «ميرى كريسماس رغم غلاستهم»، وفى ٢٠١٦ كتبتُ: «ميرى كريسماس ولو كرهوا»، وهذا مقالى فى ٢٠١٧. وعلّكم تسألون: «ومَن يا تُرى الأخ سامح؟».
أما «أنفهم»، و«غلاستهم»، «ولو كرهوا»، فلا شكّ أن القارئ الفَطِن قد أدرك على مَن يعود ضميرُ: «هُم» فى عناوين المقالات. إنهم الأشاوسُ الأدعياءُ خصومُ الحياة أعداءُ الفرح، الذين ينبطحون على الأرائك الوثيرة ليزرعوا الشوكَ فى خاصرة مصر. هم أبناء الويل الذين يملأون حياتنا نكدًا وغَمًّا وينثرون سوادَ قلوبهم فى قلوبنا حتى نكره مثلما يكرهون. لكن قلوبَنا صافيةٌ نقيّةٌ عصيةٌ على التلوّن بالسواد مُحصّنةٌ ضدّ التلوّث بالكراهية.
وفى يناير ٢٠١٥، أهديتُ المستشار «عدلى منصور» مقالا عنوانه: «البايونير عدلى منصور»، تحيةً له لأنه أسّسَ نهجًا جديدًا، بزيارته كرئيس الجمهورية المصرى، للكنيسة المصرية وتقديم التهنئة بعيد الميلاد المجيد لأبناء مصر المسيحيين ولقداسة البابا، فأقرَّ بهذا مبدأً لابد أن يسير عليه كلُّ مَن يتبعه من رؤساء قادمين. كانت زيارةُ الرئيس للكاتدرائية لتهنئة قداسة البابا تواضروس الثانى بعيد الميلاد المجيد صفعة مدوّية على وجه العنصرية والتطرف و«السخافة» التى صدعّنا بها مقاولو الوهابية حين حرّموا علينا، نحن المسلمين، تهنئة المسيحى فى عيد أو مواساته فى متوفى، وغيرها من قنابل موقوتة شديدة الانفجار، زرعتها فى أرضنا كائناتٌ تكره الحياة وتحارب المحبة التى تسرى فى شرايين مصر منذ الأزل وحتى الأبد، بإذن الله.
كانت هى الزيارة الرئاسية الأولى، منذ بناء الكاتدرائية المصرية فى ستينيات القرن الماضى، أعقبتها زيارة الرئيس التالى: «عبدالفتاح السيسى» عامًا بعد عام، طوال مدّة رئاسته، ولن يخلف عهدَه هذا العام ٢٠١٨، بإذن الله.
وفى زيارة الرئيس السيسى الأولى للكاتدرائية فى عيد الميلاد المجيد، أهديتُه قصيدة عنوانها: «محرابٌ ومذبح»، قلتُ فيها:
«زهرةٌ أورقتْ/ فى الأشجارِ اليابسة/ حينَ خرجَ الأميرُ من مِحرابِه/ حاملاً قرآنَه وقلبَه/ فصعدَ إلى مَِنْجَليةِ الَمذبحِ/ يقرأُ سورةَ مريم/ ليبارِكَ الطفلَ الجميلَ/ فى مِزْوَدِ البَّركة/ ثم ينحنى يرتّبُ هدايا الميلادِِ/ تحتَ قدمىْ الصغيرِ الأقدس: ذهبًا ولُبانًا ومُرًّا/ فتبتسمُ الأمُّ البتولُ/ وتمسحُ على جَبهةِ الأميرِ هامسةً: مباركٌ أنتَ بين الرجالْ/ أيّها الابنُ الطيبُ/ فاجلسْ عن يمينى/ واحملْ صولجانَ الحُكمْ/ وارتقِ عَرشِ بيتى/ وارفعْ رايتى عاليةً/ بين النساءْ/ علّمِ الرَّعيَّةَ/ كيف يحتضنُ المحرابُ المذبحَ/ وكيف تتناغمُ المئذنةُ/ مع رنينِ الأجراسْ/ وارشدْ خُطاهم/ حتى يتبعوا النَجمَ/ الذى سوف يدُلُّهم على الطريقْ/ إلى أرضِ أجدادِهم الصالحين/ بُناةِ الهرم/ فإذا ما وصلوا إلى ضفافِ النيلْ/ أوقدوا الشموعَ/ فى وهجِ الصبحِ/ حتى تدخلَ العصافيرُ عند المساء أعشاشَها/ بعدما تبذرُ القمحَ والشعيرَ والسوسنَ على أرضِ طِيبةَ كلِّها/ فلا ينامُ جائعٌ جائعًا/ ولا محرومٌ يبقى محرومًا/ ولا بردانٌ/ بردانًا ينامُ ليلتَه/ ولا حزينٌ يجِنُّ الليلُ على عينيه/ دونما يدخلُ قلبَه الفرحُ».
■ ■ ■
لا أظنّكم مازلتم تريدون معرفة «سامح»!، حسنًا، إنه الطائفى «سامح عبدالحميد» الذى يصرخ بملء ضجيجه مُحرِّمًا تهنئة المسيحيين فى عيدهم. وهو المُحرّض ضد الشيعة والمتصوفة فى صفحته: «إمسك شيعى». وهو الذى طالب الدولة بهدم أضرحة أولياء الله وآل البيت. وهو مَن أقول له اليوم: «ميرى كريسماس.. يا سامح!».

خالد منتصر - النصب على الأطفال مرضى السكر - جريدة الوطن - 28/12/2017

أرسل لى د.قطب عباس، أستاذ «سكر الأطفال» بطب أسيوط، هذه الرسالة المأساوية المخجلة التى تعرى سماسرة الطب ودجالى الصحة ممن انعدم لديهم الضمير وماتت الإنسانية، يقول فى رسالته:
وصل انعدام الضمير إلى النصب على أسر مبتلاة فى أطفالها بمرض السكر تحت شعار براق اسمه العلاج بالخلايا الجذعية، ويتم ابتزاز الأسر بمرضهم والضغط عليهم واستجلابهم ثم استحلابهم وهم حالمون بالشفاء التام والتخلص من الحقن والمتابعة، مع أنه يتم إفهامهم مراراً من قبل أطبائهم ذوى الضمير -وما أكثرهم- أن أبناءهم يمكنهم أن يعيشوا حياة طبيعية بشرط الالتزام بجرعات الأنسولين وبرنامج التغذية مع المتابعة الدورية.
جاء أحدهم لى يستشيرنى فى علاج ابنه المريض بالسكر بالخلايا الجذعية متحدثاً عن الأستاذ الدكتور الذى يملأ الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى بحديثه عن هذا النوع من العلاج وأن فيه الشفاء التام، ومعدداً كلام الأستاذ الدكتور الذى يحفظه عن ظهر قلب.... أجبته بشكل قاطع أنه حتى الآن هذا النوع من العلاج ليس متوافراً فى مصر، وبالنسبة للدول المتقدمة لا يزال تحت البحث ولم يتم اعتماده حتى الآن من هيئة الغذاء والدواء العالمية، تركنى منصرفاً وكان واضحاً أنه قد عزم عزمه وأن النصائح لن تجدى نفعاً.
عاد بعد أشهر ليحكى عن مأساته وعن النصباية التى تعرض لها فى عيادة الأستاذ الدكتور. لماذا أقول «نصباية»؛ لأن الآليات والطرق التى يتم استخدامها لخداع المرضى هى ذاتها التى تشكل الركن المادى لجريمة النصب، يدخل المريض العيادة الفخمة فى الحى الراقى ليجد شخصاً يرتدى زياً خليجياً يقيس السكر لابنه كل عشر دقائق، مكرراً «الحمد والشكر لله»، ثم للأستاذ الدكتور، على نعمة شفاء ابنه وأن قياس السكر فى معدلاته الطبيعية، ولا أحد يسأل نفسه إذا كان الطفل قد تم شفاؤه فلماذا أتى به إلى العيادة، شاشة التليفزيون فى العيادة تعرض لقاءات الأستاذ الدكتور التليفزيونية التى يؤكد فيها على تمام الشفاء باستخدام الخلايا الجذعية، والسكرتير يحدثك عن أن الأستاذ الدكتور سيتأخر لأن لديه لقاءً تليفزيونياً، وأنت تزداد قناعة فى كل ثانية أن لحظة الشفاء التام قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
يصل الأستاذ الدكتور بعد طول انتظار، وفوراً يحدد موعد العملية، طالباً مبالغ خيالية لا مفر من دفعها ويتم عمل العملية فى اليوم المحدد ويخرج الطفل من غرفة العمليات ومعه الأستاذ الدكتور مبشراً ومهللاً ومؤكداً الشفاء التام، وأول ما يفعله الأب والأم هو إلقاء الأنسولين ومنح الابن جرعة تحفيزية من كل ما لذ وطاب من الطعام لتعويضه عن سنوات الحرمان.
أيام تمر ومعدل السكر فى ازدياد مما اضطر الأب إلى الرجوع إلى جرعات الأنسولين السابقة حتى لا يصاب ابنه بغيبوبة السكر ويعود الأب للأستاذ الدكتور ليخبره بما يجرى، فيجيب بهدوء تام لا يملكه إلا معتوه أو شخص معدوم الضمير (إن مرض ابنك من النوع الذى لا يستجيب للعلاج بالخلايا الجذعية وسوف أحاول البحث له عن علاج جديد)، ثم يدخل السكرتير ليخرجك لأن هناك مواعيد فى الانتظار.
نصيحتى لكل أب أو أم لديهم طفل مصاب بالسكر ألا ينخدعوا بتلك الأوهام، فالعلاج الجاد حين يظهر ويكون معتمداً ومجرباً وفعالاً ستجدونه فى كل مكان فى العالم، ولا تغرنكم الأسماء والألقاب، فالنصاب يظل نصاباً أياً كان اسمه ولقبه.

Tuesday, December 26, 2017

خالد منتصر - دقات جنائزية على دفوف الستينات - جريدة الوطن - 27/12/2017

رحل صلاح عيسى، كبيرنا الذى علَّمنا سحر الكتابة، منحنا بعض السر والشفرة، منحنا البعض، ليس عن بخل منه ولكن عن تقصير منا، مهما كان الموضوع تاريخاً أو فلسفة أو نقداً لفيلم أو قصاً لطرفة، فلابد من أن تكتب بجاذبية، لا بد أن تمسك القارئ وتحاصره وتقبض عليه من أول جملة، ولابد أن تكون الكتابة كتابتك أنت، والبصمة بصمتك أنت، بحيث لا يحتاج مقالك إلى توقيع ليعرف القراء من هو كاتب المقال من أول سطر، هو روائى ضلَّ طريقه إلى الصحافة، وصحفى طوَّع التاريخ بحيث صار سرده لذة وحكايته متعة وأعقد أحداثه ملحمة تتفوق فى مغناطيسيتها على ملحمة سيف بن ذى يزن وسيرة أبى زيد الهلالى، سخريته دامية موجعة وجديته بسيطة نافذة، عندما قابلته وأنا فى المرحلة الثانوية فى جريدة «الأهالى» أعرض عليه مقالاً ساخراً لنشره فى زاوية «الإهبارية»، تلك الزاوية الكوميدية الرهيبة التى اخترعها والتى كانت إحدى البذور الجنينية المهمة لكل صور الساركازم البرامجى الذى اكتسح الفضائيات بعد ذلك، استقبلنى وكأننى «التابعى» ونشر ما كتبته بعدها بأسبوع، وظلت العلاقة حتى طلب منى الكتابة فى جريدة «القاهرة»، كتِّيب حرفجى صنايعى أرابيسكى صبور مثابر من الطراز الأول، لم يحصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ ولكن كتابه عن الثورة العرابية صار أهم مرجع عن تلك الفترة لكل من يتقدم لنيل الدكتوراه فى التاريخ الحديث، يغمس قلمه فى الشريان لا الحبر، ينتقى كلماته من أصداف اللآلئ لا من صفحات المعاجم، قرأت كل ما كتب تقريباً لكن أصارحكم أن المقال الأول الذى سحرنى لدرجة أننى أعدت قراءته عشرات المرات وعرفنى من هو صلاح عيسى، كان مقالاً فى عدد مجلة «خطوة» غير الدورية، الذى كان مخصصاً لرثاء كاتب القصة الرائع يحيى الطاهر عبدالله، المقال نادر وصعب الحصول عليه ولا يوجد على «جوجل» لكنه محفور فى القلب والذهن، عنوان المقال الأيقونة هو «دقات جنائزية على دفوف الستينات»، فى الحقيقة كان «صلاح» لا يرثى «يحيى» بل كان يرثى نفسه، وعلى مستوى الشكل كان المقال مدهشاً بتضميناته القصصية من جمل وعبارات يحيى الطاهر، المقال شحنة كهربية لا يمكن أن تكون بعدها نفس الشخص، مقال سوط يجلد ويجرح ويدمى، وصوت يلوم ويؤنب ويغسل الروح، سأنقل لكم بعض المقتطفات من هذا المقال الأيقونة الذى كتب فيه صلاح عيسى نعيه قبل الأوان وقبل وفاته بثمانية وثلاثين عاماً:
مات الطاووس المشاغب، أمير الحكى ونديم الحى، المتقمص العظيم، المتلون كالطيف، المتعدد كريش الطاووس، الغماز، اللماز، الهجاء، الغضوب، المتشاجر مع ذباب وجهه، طفل البرارى، ابن الموت الذى عمل لدنياه كأنه يموت غداً، كانوا قد ذهبوا بالمشاعل وحين تقدمت إلى القبر كان إسكافى المودة ينتحب فى الظلام، سألته:
- ألا يأتى على هذا الوطن يوم نجد أمامنا خياراً رابعاً غير الموت والهجرة والزنازين؟!.
من دنيا السوق أنا قادم، بصحبتى شهودى، أسماء الطوق والأسورة وأسماء ابنتى، وأسماء أمى، وأسماء بنت أبى بكر، وسميى سيئ السمعة عبدالفتاح يحيى باشا بطل الانقلاب الدستورى، ورأس يوحنا المعمدان، وشاهد من جيلى كلمته نصف نصف اسمه صلاح عيسى.
حين كان الزمن حرباً ولدنا، فدونوا فى خانة الظروف المخففة أننا من جيل كان رضيعاً يوم خرج آباؤه يسألون عن الخبز، ويرحبون بـ«روميل» فما ظهر الخبز وما تقدم روميل، وقد تسألون: أثمة علاقة بين الخبز وروميل؟، فأقول: كالعلاقة بين عم الطاهر عبدالله وعبدالفتاح يحيى باشا، هى الحرب سادتى، تختل فيها الأوضاع وتنعكس الطباع، كما قال شيخنا الجبرتى.
نحن كنا نحلم، دفعنا أهلونا إلى الكتاتيب لعلنا نفلح فنسند ظهورهم التى أحنتها الحرب، نرتدى البنطلون والـ«زاكتة»، ونضع على رؤوسنا طربوشاً يقينا ضربة الشمس، ونتقاضى آخر الشهر مرتباً ثابتاً، كنا نحلم بخبز المدينة الطرى وبالطعمية والحلاوة الطحينية، وفى الذاكرة صور للسياط التى تكوى الظهر والنساء اللواتى متن قهراً وجوعاً، والجدة التى تروى الأساطير، والراوية الذى يغنى على الربابة، وحين زحفنا من القرى الشقوق إلى المدن الكبيرة لم تمنعنا عساكر الهجانة، جئنا فى الدرجة الثالثة لأنه لا توجد درجة رابعة بالقطار، على ظهورنا قفف البتاو وزلع المش والأرز المعمر بلا شىء، تسربنا فى الغرف السطوحية فى الحارات الخلفية، نقرأ كتباً مدرسية وكتباً صفراء، وكتباً بيروتية، والدنيا قد تغيرت.
نحن فى واقع الأمر عينة صالحة لدراسة أثر القهر على الأدب والفن والمهم على الإنسان، فنحن كنا مطاردين من الداخل، بأحلام أهلنا أن نصبح أفندية، بذكريات الوباء والهزيمة، بكتب قرأناها، برفاق حلمنا بهم، بعجز يمنعنا أن نكون من الشعب حقاً، مطاردين من الخارج بالمخبرين وأصحاب العمارات ورؤساء تحرير الصحف ومقالات هيكل وسياط ضباط المباحث فى معتقل القلعة، وحلقتنا المسكينة التى لم تزد عنا نحن، ولم تمنحنا الإحساس بأننا رفضنا ما يجرى، وعجزت أو عجزنا نحن أن نمدها للشعب الذى نحلم به ونفكر فيه.

د. عماد جاد - عواصم عالمية على خُطى واشنطن - جريدة الوطن - 27/12/2017

عندما أصدر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل، وقراره بتنفيذ قانون الكونجرس الصادر عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثار العرب.. هاجوا وماجوا، عقدوا اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية الدول العربية، تقدمت مصر بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولى فسقط بفيتو أمريكى، ثم جرى التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تتساوى أصوات الدول ولا وجود للفيتو، فصدر القرار بموافقة 124 دولة مقابل 9 دول وامتناع 29 دولة عن التصويت. وحتى نذكّر مرة ثانية بأن العلاقات الدولية ونمط تصويت الدول يخضع للحسابات المصلحية لا العواطف أو الروابط، فقد صوّتت صربيا مع مشروع القرار، بينما امتنعت جمهورية البوسنة والهرسك عن التصويت على القرار، وقد سبق لغالبية الدول العربية أن ساندت البوسنة ضد صربيا لاعتبارات دينية دون أن تدخل المصلحة فى الحسابات. عموماً صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكداً قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولى بأن القدس مدينة محتلة وأنها جزء من الأراضى الفلسطينية التى احتُلت بقوة السلاح فى عدوان يونيو 1967،
اعتبرت دول عربية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة نصراً سياسياً، وهو كذلك بالفعل، واعتبرته حصاد جهودها السياسية وكافياً لمنع تهويد القدس، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، فالتجارب التاريخية فى التعامل مع العرب أنهم يثورون وينتفضون ويُسيّرون المظاهرات والاحتجاجات لأيام وربما أسابيع، ثم يركنون إلى الدعة والهدوء من جديد، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عندما سُئل عن ردود الفعل العربية المتوقعة، فآباؤه وأجداده درسوا العقلية العربية جيداً منذ صدور قرار التقسيم عام 1974، وأدركوا جيداً أن الرد العربى يغلب عليه الانفعال وقصَر النفَس، ومن ثم فسوف ينسى العرب ما حدث وينخرطون مجدداً فى خلافاتهم وصراعاتهم الوهمية. ويبدو ذلك منطقياً بالفعل، فقد سبق للعرب أن ابتلعوا الطعم الفرنسى البريطانى فى القرار الأممى 242، ولم يلاحظوا غياب أداة التعريف فى النص الإنجليزى الذى نص على انسحاب إسرائيل من «أراضٍ» احتُلت فى النزاع الأخير، عكس النص الفرنسى الذى كان ينص على انسحاب إسرائيل من «الأراضى» التى احتُلت فى النزاع الأخير. وقد تمسكت إسرائيل بالنص الإنجليزى وقالت: نفذنا القرار بالانسحاب من سيناء التى تمثل أكثر من 90% من الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى حرب يونيو.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن عدداً من دول العالم بدأت تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، بالإضافة إلى الدول التى أيّدت واشنطن فى الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول التى امتنعت عن التصويت، بدأت دول أخرى فى نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، مثل رومانيا وتشيكيا، وهو أمر يُتوقع تسارعه فى الفترة المقبلة فتضيع القدس مثلما ضاعت مدن فلسطينية أخرى كانت ضمن الدولة العربية وفق قرار التقسيم وأيضاً احتُلت فى يونيو 1967 ولن تعود بسبب طبيعة العقلية العربية وأدائها السياسى.

نعمت شفيق حفيدة الفراعنة تقود أعرق الجامعات البريطانية بقلم د. محمد أبوالغار ٢٦/ ١٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

نعمت شفيق المصرية الأصيلة تسلمت وظيفتها كرئيسة لجامعة لندن للاقتصاد (London School of Economics) التى تأسست عام ١٨٩٥، وهى أهم جامعة فى بريطانيا فى العلوم الإنسانية والاقتصادية والسياسية، وربما تكون أهم جامعة فى العالم فى هذه الفروع.
أما الشخصية المصرية المبهرة نعمت شفيق والمعروفة بين العائلة والأصدقاء باسم مينوش (وهو اسم كلب صغير كانت تربيه العائلة) فقد ولدت فى الإسكندرية عام ١٩٦٢ من أبوين مصريين، وكان والدها رجل أعمال من مُلاك الأراضى وتم تأميم ممتلكاته بالكامل، وبعد التأميم هاجرت العائلة عام ١٩٦٦ إلى الولايات المتحدة، وكان عمر مينوش أربع سنوات، لكن العائلة عادت مرة أخرى إلى مصر، وكانت مينوش فى سن المراهقة لتعيش فى مصر بضع سنوات قبل أن تسافر إلى الدراسة، وحصلت على الماجستير من كلية الاقتصاد البريطانية، ودرست فى ماساشوسيتس وأُكسفورد. وفى عمر ٣٥ عاما تم تعيينها فى وظيفة نائب مدير البنك الدولى فى واشنطن، وكانت أصغر من شغل هذه الوظيفة، وكانت تعمل فيما يخص العالم الثالث. ثم عادت إلى انجلترا لتعمل فى وظيفة السكرتير الدائم للبنك المركزى البريطانى، ثم انتقلت إلى وظيفة نائب رئيس صندوق النقد الدولى، ثم تولت وظيفة مهمة وهى نائب محافظ البنك المركزى الإنجليزى. واستقالت بعد سنتين فقط بالرغم من أن عقدها مستمر خمس سنوات عندما عرضت عليها وظيفة رئيس جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وهى الوظيفة التى كانت تحلم بها. وقد أنعمت ملكة بريطانيا على نعمت بلقب «ديم» (Dame)، وهو المقابل للقب «سير» للسيدات.
تقول نعمت شفيق إن هناك شخصيتين أثرتا فيها هما جدتها وكانت شخصية قوية قيادية ومسؤولة عن عائلة كبيرة، ولكنها لم تجرح أو تكدر أحداً علانية وإنما تجلس فى غرفة مغلقة وتشرح الخطأ والصواب. والشخصية الثانية هى والدها الذى قال لها إنهم يستطيعون تأميم أملاكهم ولكنهم لا يستطيعون تأميم عقولهم وقدرتهم على التفكير والابتكار.
فى لندن، ذهبت مع عائلتى لحضور حفلة تخرج الدراسات العليا فى الجامعة برئاسة نعمت شفيق، وذلك بمناسبة حصول حفيدتى الكبرى منى (٢٢ عاماً) على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف من الجامعة. تحدثت نعمت شفيق عن ثلاثة أمور فى كلمتها فى بداية الاحتفال، أولها عن أهمية التعليم، وهو ما اهتم به والدها وشجعها على المثابرة حتى حصلت على الدكتوراه من بريطانيا، وقالت إن سر النجاح للأفراد والأمم هو التعليم المتميز، وإن أحسن استثمار هو ما يتم فى التعليم، وشجعت الخريجين على مواصلة التعلم، وقالت إن تقدم الفرد والعائلة والأمة مرتبط بالتقدم فى التعليم وتطويره ليتماشى مع العصر. والأمر الثانى هو اغتنام الفرص، فقالت إن كل إنسان يتاح له فى حياته بعض الفرص وعليه أن يغتنمها، وكلما كان الإنسان حاصلا على تعليم وتدريب أحسن أتيحت له فرص أكثر. وتقول إنها استطاعت أن تغتنم كل الفرص المتاحة لها فى حياتها العملية. والأمر الثالث هو متعة الحياة والسعادة، وتقول إن الإنسان ينجح إذا كان يحب عمله ويتمتع بحياته بفرح وسعادة، ويستطيع أن يجد متعة فى أشياء كثيرة يعملها. وذكرت نعمت فى كلمتها اسم مصر مرتين، الأولى عندما تحدثت عن أصلها المصرى، وهجرتها مع العائلة، والثانية حين تحدثت عن السعادة المرتبطة بالعمل، فقالت إن قدماء المصريين كانوا يعملون كثيراً وبجدية ولكن بشغف وحب وسعادة شديدة، وهى تسير على نفس النهج. قوبلت كلمتها بتصفيق وإعجاب من الخريجين وأهاليهم. حوالى ثلثى طلبة الجامعة من خارج إنجلترا، من ١٦٠ دولة من جميع أنحاء العالم، وخريجى الجامعة يحتلون مراكز مهمة فى انجلترا وفى العالم كله، منهم ٧٠ من زعماء العالم الحاليين والسابقين، و٧٠ عضو برلمان ومجلس لوردات فى بريطانيا حالياً.
وقد حصل ١٨ خريجا من هذه الجامعة على جائزة نوبل، من ضمنهم مؤسس الجامعة جورج برنارد شو، ومنهم كثيرون حصلوا على جائزة نوبل فى الاقتصاد. ويمثل خريجو الدراسات العليا نصف عدد الخريجين، وهى نسبة مرتفعة جداً مقارنة بكل الجامعات الكبيرة.
الجامعة بها ٢٧ قسماً و٢٤ مركزاً بحثياً فى فروع العلوم الإنسانية، والتى توسعت لتشمل التنمية الحضارية وحقوق الإنسان ونظم المعلومات والإعلام والفلسفة وقياس المخاطر والإحصاء فى العلوم الاجتماعية والتغير المناخى.
بالإضافة إلى سعادتى بتفوق حفيدتى فى هذه الجامعة، فإننى سعدت بتفوق مينوش المصرية المبهرة التى تعتز بوطنها وتذكره فى خطابها بحماس شديد، وانبهرت بقدرتها على العمل فى هذا العدد من الوظائف الاقتصادية شديدة الخطورة والأهمية فى انجلترا، وهى البلد الذى لن يعطى لك الفرصة للوصول إلى القمة إلا لو كنت شديد التفوق والمهارة، وهو ما قدمته مينوش لأمريكا وانجلترا فوضعاها فى الصف الأول.
فى نفس الوقت حزنت للتدهور الرهيب الذى حدث للتعليم فى مصر وأصبح التعليم الجيد محصوراً فى فئة صغيرة عندها الفكر المتقدم المصحوب بالقدرة المالية للوصول إليه. دعونى أحلم بيوم يكون فيه مائة مينوش مصرية فى كل أنحاء العالم، وذلك ممكن أن يحدث إذا انصلح حال التعليم فى بلدنا وركزنا جهودنا فى بناء الإنسان.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


خالد منتصر - صلاح جاهين قرأ الغيب وتنبأ بالتطرف - جريدة الوطن - 26/12/2017

 - الفن نبوءة، والفنان الحقيقى الذى يستحق لقب فنان هو «زرقاء اليمامة» الذى لا يكتفى بالرصد وإنما يتوقّع ويستشرف ويرى المستقبل بنظارة الفن ويدق جرس الإنذار.. «صلاح جاهين» كان من هذا النوع الثانى، وقد تعرّض بسبب هذا الحس المستقبلى الناقد للواقع المصرى رغم كل مظاهر التحديث والتقدم التى كانت قائمة على قدم وساق، كان «جاهين» يرى هذا الواقع بائساً من الناحية الثقافية، وأن الماكياج يُخفى تحته دمامة وقبحاً، ولهذا السبب واجه حروباً مستعرة من تيار التخلف ورُفعت ضده وضد رسومه وكاريكاتيراته وأشعاره قضايا متعددة. ونحن نعيش أجواء الذكرى السابعة والثمانين لميلاد هذا العبقرى العظيم أتذكّر نبوءته التى جسّدها فى شخصية الطالب المتطرّف فى فيلم تعرّض بسببه لهجوم شديد وتعامل معه الجميع على أنه عورة وسقطة لا تُغتفر فى تاريخ «صلاح جاهين» رغم اكتساحه الجماهيرى فى ذلك الوقت، ورغم أن «جاهين» بذل فيه جهداً كبيراً، إنه فيلم «خلّى بالك من زوزو» هذا الفيلم الذى تجاوزت مدة عرضه العام. ورغم الخلاف الفنى على هذا الفيلم، ورغم أن الجماهيرية ليست مرادفاً للفن الجيد على طول الخط، فإننى لن أتعرّض لتلك النقاط، ولكن لنتأمل «جاهين» فى بداية السبعينات وهو ينسج شخصية طالب الجامعة المتزمّت المتطرّف الذى جسّده الفنان محيى إسماعيل ببراعة، كان «جاهين» يتوقّع صراعاً بين هذا التيار الكاره للحياة وتيار آخر يحب الحياة ويعشق التجديد ويعرف أن الثابت الوحيد فى هذه الدنيا هو التغيير، كان يتوقّع أن الصراع سيخرج من حدود الجامعة ويقفز أسوارها ويتعدى الحدود الأكاديمية الإقليمية إلى نخاع وعقل ووجدان المجتمع نفسه، كان انتقاده لهذه الشخصية المريضة السيكوباتية امتداداً لانتقاده للشيخ «متلوف»، تلك الشخصية الكاريكاتيرية المبتكرة التى تُسمّم حياتنا بالفتاوى والفضول ومحاولة رسم أدق تفاصيلها بقلم «متلوف» التالف وعلى مقاس مسطرته المتآكلة، كانت سخريته المريرة الموجعة، امتداداً لسخريته من بعض الذين رفضوا إضاءة الحملة الفرنسية للمصابيح بحجة أنها بدعة وكل بدعة ضلالة، كان «صلاح جاهين»، رغم اكتئابه العميق يقدّس الحب والانطلاق والفن، كان يعشق الحيوية، هذه النار السحرية التى ما إن تدب فى الجسد والروح حتى تتحوّل الحياة معها إلى معنى يستحق أن نذوب من أجله غراماً، كتيبة الفن المسمّاة «صلاح جاهين» هى ثورة على كل المستويات، كان مبدعاً صاحب بصمة فى كل فن مارسه، لم يمارسه من على السطح، لم يتعامل مع تلك الفنون بسلوك السائح المتعجّل الملهوف «المتسربع»، بل بسلوك المنقب المدقق الباحث، مارس الكتابة الصحفية وتولى رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير» أعلى المجلات توزيعاً فى ذلك الحين، كتب الشعر العامى ووصل فيه إلى مرتبة الأب الروحى لمدرسة جديدة فى أسلوبه وشكله ومضمونه، رسم الكاريكاتير بريشة مدهشة وفكر جرىء وجَسور وموضوعات طازجة وثرية، كتب السيناريو والحوار، وشارك فى صناعة سينما مختلفة شارك فيها مع كل الأطياف من «حسن الإمام» إلى «يوسف شاهين»، كتب المسرح بروح الطفل حتى ولو كانت المسرحية غير موجّهة للأطفال، مثل الأغانى التى كتبها لمسرحية «على جناح التبريزى»، صاغ الفوازير المغرقة فى مصريتها المعجونة بروح الشقاوة وحب الألغاز وتحدّى الغموض الكامن فيها، كان يمارس كل هذه الفنون بروح الهواية وجنون وشقاوة اللعب الطفولى، وكأنه كان يستبدل الفن بقرص علاج الاكتئاب، ما أحوجنا اليوم إلى «صلاح جاهين» جديد يؤكد لنا فى كل لحظة أن مصر تكره الكآبة وتحب الحياة.

د. عماد جاد - القانون والثقافة مرة أخرى - جريدة الوطن - 26/12/2017

تغير الواقع فى كل دول العالم المتحضر عبر سن قوانين وتطبيقها بصرامة وشفافية، فتوقف الناس عن ممارسة عادات همجية، وتوقفوا عن الاعتداء على بعضهم البعض لاعتبارات تتعلق بعوامل الانقسام الأولى من لغة وعِرق ودين وطائفة، أو الانقسام الثانوى التى يكتسبها الإنسان فى مسيرته فى الحياة. تغير الواقع عبر سن قوانين وتطبيقها، حدث ذلك فى دول العالم المتقدم عندما كانت متخلفة مثل حالنا اليوم، خرج البشر فى أوروبا من عصور الظلام والحروب الدينية والطائفية والقومية إلى عالم جديد ينهض على دولة المؤسسات وحكم القانون والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، واللغة، والدين، فالبشر، وبعد تجارب مريرة وحروب مدمرة بسبب الانحياز لدين أو طائفة والعمل على تمكينها من الهيمنة والتضييق على المخالف والمختلف، وجدوا أن القاعدة الذهبية للتقدم والتطور هى بناء نظام ديمقراطى بأشكاله المتعددة المعروفة، وحكم القانون، والمواطنة والمساواة، وحياد الدولة تجاه الأديان والعقائد، بمعنى أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، لا تنحاز لدين على حساب آخر ولا تمكن طائفة من أخرى، فليس من وظائف الدولة مساعدة أو إجبار المواطن على دخول الجنة، وظيفتها القيام بمهام الحماية والتأمين وتنظيم شئون الحياة، الدول الفاشلة هى التى تتخذ لنفسها مهام دينية وتخلط الدين بالسياسة.
عندما أرادت هذه الدول بناء قاعدة الانطلاق نحو المستقبل وضعت دساتير ديمقراطية، وبنت مؤسسات، وفصلت بين السلطات، وسنت مئات القوانين التى تقر المواطنة، والمساواة، وقبول التنوع والتعدد، وحياد الدولة إزاء قضية الأديان والمعتقدات، وفرضت عقوبات صارمة على مخالفة هذه القوانين وتحديداً المساواة بين المواطنين، وكانت هذه القوانين بمثابة الرادع الحقيقى عن ممارسة سياسات التمييز بين المواطنين أو التدخل فى شئون الآخرين، وبمرور الوقت اعتاد المواطنون على وجود هذه القوانين، وتحولت لدى الأجيال التالية إلى ثقافة دون خشية من رادع أو عقوبة.
أما فى بلادنا حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض والخرافة، فالأمر مختلف تماماً، فلدينا دستور ملتبس، مرتبك بشأن علاقة الدين بالدولة، وفى الوقت نفسه لدينا قوانين بها فقرات غامضة عن عمد تدخل الموضوع فى متاهة ولا تحسم الموقف تجاه قضايا محددة، خذ على سبيل المثال قانون بناء الكنائس الذى صدر قبل عام من أجل ترتيب عملية بناء الكنائس وإصلاحها، وتجد عبارة أن الموافقة على البناء أو الإصلاح «بعد الرجوع إلى الجهات المعنية» ولا يخفى على أحد أن الجهات المعنية هنا تعنى الجهات الأمنية، ومن ثم بات قرار إنشاء الكنائس وإصلاحها بيد جهاز الأمن الوطنى، الذى يواصل العمل وفق الأسس التى وضعت زمن الرئيس المؤمن وفى إطارها يعمل الجهاز بكل قوة على تعميق جراح المسيحيين فى البلاد ومنع السير باتجاه بناء دولة المواطنة، فما تم فى أطفيح مؤخراً هو مجرد واقعة من مئات الوقائع التى يقف وراءها أفراد جهاز الأمن الوطنى فى محاولة يائسة للحفاظ على السياسات التمييزية القائمة وإفشال جميع الجهود المبذولة لوضع أسس دولة المواطنة. كما أن أعمال ضباط فى الجهاز تقدم المبررات للدول الأجنبية للتدخل فى الشئون المصرية الداخلية، وهو أمر قلنا مراراً إننا نرفضه ونسعى للحل على أساس وطنى، لكنهم يعرقلون كل الجهود فى هذا الميدان.

Monday, December 25, 2017

د. عماد جاد - الوقوع بين طرفى نقيض - جريدة الوطن - 25/12/2017

تمر العلاقات المصرية - الأمريكية بمرحلة جديدة من مراحل التوتر، بحيث لم تثمر مرحلة التحسن التى كانت متوقعة قرارات أمريكية جديدة مغايرة لتلك المرحلة الممتدة من «بوش» الابن فى بداية الألفية الثالثة حتى باراك أوباما الذى أنهى ولايته الثانية فى العشرين من يناير الماضى. كان الأمل يحدونا فى مصر أن تتبدل الأحوال وتتغير السياسة الأمريكية بمجىء الرئيس الجمهورى دونالد ترامب، ويبدو أن مبالغات كثيرة وقعت من جانبنا تجاه التحسن القادم فى العلاقات المصرية - الأمريكية نتيجة حالة التوافق التى كانت بادية على علاقة الرئيس السيسى بالمرشح الجمهورى ترامب، مقارنة بتلك الحالة التى كانت عليها علاقة الرئيس المصرى بالمرشحة الديمقراطية، امتداد إدارة باراك أوباما، هيلارى كلينتون.
ويبدو أن غلبة البعد العاطفى لدينا على البعد التحليلى والقدرة على استيعاب حقيقة أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح وليس المشاعر، دفع البعض فى مصر إلى القفز إلى استنتاجات غير صحيحة بالمرة، فتصرفات الرئيس الأمريكى بعد أن جلس على كرسيه فى البيت الأبيض اختلفت كثيراً عما كان يصرح به ويقوله، فالرجل جاء إلى المنطقة فى جولة لم تكن القاهرة محطةً فيها. وكان قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بمدينة القدس المحتلة كعاصمة أبدية لإسرائيل، بمثابة الخطوة الكاشفة لحقيقة التفاعلات القادمة فى العلاقات المصرية - الأمريكية، فقد تحركت مصر كعضو فى مجلس الأمن وقدمت مشروع قرار ضد القرار الأمريكى وافقت عليه جميع الدول الأعضاء عدا واشنطن، التى استخدمت حق الفيتو لمنع صدور القرار، وعندما تم التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت مندوبة واشنطن فى المنظمة الدولية أن الدول التى ستصوّت عكس رغبة واشنطن لن تحصل على معونات من الولايات المتحدة، وصوّتت مصر ومعها 123 دولة على القرار بينما صوَّت مع واشنطن 9 دول فقط، منها جزر مارشال وترينداد، وميكرونيزيا...
هناك مؤشرات على توتر قادم فى العلاقات المصرية - الأمريكية، وفى سياقه يمكن فهم تحرك منظمة التضامن القبطى التى يرأسها مجدى خليل تجاه الكونجرس، للدفع نحو مشروع قرار يناقش أوضاع الأقباط فى مصر ومشكلاتهم وقصة بناء الكنائس، وهنا أقول: إن لدينا فى مصر مشكلات حقيقية وهناك تضييق بالفعل على بناء الكنائس وتهميش للأقباط فى الوظائف العامة، وهى مشكلات تعود إلى أسباب اجتماعية وثقافية ودور لمؤسسات وأجهزة أمنية، لكننى أؤمن إيماناً تاماً بأنها مشكلات مصرية وتحل بين المصريين، ونرفض على نحو مطلق أن تناقش قضايانا المصرية داخل الكونجرس الأمريكى، ولا نريد أن نرى أى دور أمريكى فى مثل هذه القضايا، فمشكلاتنا مهما تنوعت وتعددت وتعقدت، سنحلها فى مصر وعلى أرضية مصرية خالصة.
هذا الكلام لن يعجب الأستاذ مجدى خليل، الذى سبق أن اتهمنى فى عدة مقالات بأننى عميل لأجهزة الأمن المصرية، لأنه ببساطة يريد تدويل القضية ويعتبر أنه مبعوث العناية الإلهية لحل مشكلات الأقباط وإنهاء معاناتهم. كما لن يعجب هذا الكلام المحامى رجائى عطية، الذى سبق أن اتهمنى فى سلسلة مقالات بالتعصب والتطرف، وفى تقديرى أن اتهامى من طرفى نقيض بتهمتين متناقضتين كاشف فى ذاته عن طبيعة موقفى وموقعى أيضاً، فالأول يعتبر أن الأقباط يعانون اضطهاداً فى مصر، ورفضى لمنطقه ولأسلوبه ورفضى الجازم لأى تدخل خارجى فى شئون بلادى تحت أى دعاوى، وإيمانى بأن الحل مصرى، جعله يتهمنى بالعمالة للأمن، والثانى لأنه متعصب ومنفصل عن الواقع، يرفض رؤية الحقائق كما هى على الأرض، بل يرد على الوقائع باستغراق فى ذكريات ومرويات مرّ عليها زمن، ويستخدم أسلوباً عفا عليه الزمن فى الرد على حقائق التمييز بسرد شخصيات شغلت مواقع وصداقات قديمة، لذلك يرى فيما أكتب دفاعاً عن دولة المواطنة والقانون تطرفاً وتعصباً...
إذا هاجمك طرفا نقيض وبتهم مضادة لبعضها البعض، فاعلم أنك كشفت تطرّفهما وتعصّبهما.

Sunday, December 24, 2017

د. عماد جاد - قيمة المواطنة - جريدة الوطن - 24/12/2017

كلما سارت المجتمعات على طريق التنمية والتطور والتحضر، انعكس ذلك فى سلسلة قوانين تكرس من قيمة المواطنة، وبات المواطن أكثر تقبلاً لهذه القيمة، وانتشرت الجمعيات والمؤسسات التى تدافع عن قيمة المواطنة فى أشكالها المختلفة من مساواة تامة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين، العرق، اللغة والمكانة الاجتماعية والوضع الاقتصادى، فكما يقال «المواطنون أمام القانون سواء» أى متساوين، أيضاً حرية تعبير، حرية رأى واعتقاد، حياد الدولة تجاه هذه القضايا، فالدولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، فهى كيان اعتبارى لا دين له، فى الوقت نفسه يتسم موقف أجهزة الدولة ومؤسساتها بالحياد التام، فلا تنحاز لطائفة من الناس لأسباب أولية أى موروثة أو ثانوية، أى مكتسبة.
نعلم أن جميع المجتمعات الإنسانية مرت بمراحل التطور وفى بدايتها شهدت تمييزاً قاسياً بل وقتل على الهوية وحروب دينية وطائفية طاحنة، وقد تخلصت من كل هذه النواقص بمرور الوقت، ولذلك لا تجد دولة من دول العالم الأول تميز بين مواطنيها لأى من اعتبارات أزلية أو ثانوية، بل هناك من يمارس التمييز الإيجابى لصالح الفئات التى توصف بالأضعف فى المجتمع، ونادراً ما تجد التمييز الفج فى دول العالم الثانى، تلك الدول التى غادرت العالم الثالث وفق معايير التنمية ولم تصل بعد إلى العالم الأول، ولكنها فى الطريق. أما دول العالم الثالث فقد وصفت كذلك لكونها لم تحقق معدلات تنمية شاملة ولم تضع أساس التطور الديمقراطى بعد، مثل هذه الدول عادة ما تتخندق وراء سياسات تمييزية بحق جزء من مواطنيها وتتبنى خطابات دينية وطائفية، وتخلط بين الدين والسياسة، ولذلك نجد أن حكام هذه الدول وبصرف النظر عن خطابهم، فإنهم يحافظون على سمة من سمات الدولة الدينية، ويستخدمون خطاباً دينياً، ويطلقون يد المؤسسات المعنية فى الحفاظ على هذه البنية وممارسة جميع أشكال التمييز والحفاظ عليها، وهذه الدول عادة ما تحتل قاع قائمة الإنجاز بجميع أشكاله، فتجدها تتذيل قائمة الإنجاز العلمى، قاع قوائم الشفافية، وتقع على قمة قوائم الفساد والتحرش الجنسى وغيرهما من السلوكيات المشابهة.
وآفة هذه الدول هى تعطيل القانون أو استخدامه بطريقة انتقائية لخدمة سياسات التمييز بين المواطنين، فتجد القانون يطبق بقسوة شديدة وتصدر الأحكام القصوى بحق المغاير للأغلبية عرقياً، دينياً، طائفياً أو لغوياً، وتجد القانون ينحنى تماماً فى مواجهة المتهم المنتمى للأغلبية، ويتم تعطيله أو البحث عن حلول خارج إطار القانون مثل قصة الجلسات العرفية والصلح العرفى الذى عادة ما يقلب الآية ويحول المجنى عليه إلى جانٍ توقع عليه العقوبات أو يجب عليه إبرام الصلح وتوثيقه حفاظاً على السلم المجتمعى.
هذه الأوضاع كانت تمارس بقسوة، وتقديرى أن التطورات التى يشهدها العالم وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال الحديث، ستقلص من عمر هذه الممارسات وجميع أشكال التمييز بين البشر، ومرحلة ما قبل سقوط هذه الأشكال التمييزية هى الأكثر قسوة وصعوبة إذ يحارب أصحاب المصالح والتمييز بضراوة دفاعاً عن هذه المنظومة التى أصبحت آيلة للسقوط، بل بات سقوطها مسألة وقت لا أكثر.

خالد منتصر - ارفعوا تمثال الخديو كما رفعتم تمثال ديليسبس! - جريدة الوطن - 24/12/2017

أثار د. أسامة الغزالى حرب، فى عموده بجريدة «الأهرام»، موضوع «عودة تمثال ديليسبس»، وكنت قد كتبت منادياً بعودته منذ عدة سنوات، وقد شجعنى مقال د. أسامة واحتفالات عيد النصر على إعادة فتح ملف التمثال مرة أخرى، ففى إجازة العيد الماضى ومن داخل حدود معشوقتى الجميلة بورسعيد، جلست أتأمل موقفاً ما زال يمثل بالنسبة لى لغزاً لم يحل بعد، كانت نافذة غرفتى تطل على مشهد بديع من أجمل المناظر الطبيعية، البحر والسفن تتهادى استعداداً للمرور من القناة، يكسر المشهد ويجعله نشازاً قاعدة عارية بلا تمثال!! القاعدة جميلة تخبرنا بأنه ثمة تمثال بديع كان يقف عليها، إنه تمثال ديليسبس الذى رفعوه من المكان بعد 1956 احتجاجاً على اشتراك فرنسا فى العدوان الثلاثى، ثم أخذ الأمر أبعاداً أخرى من قبيل إزالة رمز الاستعمار والعبودية وسخرة الفلاحين.. إلخ، تغير كل شىء فى مصر وتبدل إلا أن موضوع عودة ديليسبس على قاعدته صار من المحرمات ومن قبيل الكفر والزندقة وقضية شائكة دونها الرقاب!! من الناحية الفنية التمثال الذى يرقد فى الترسانة تحفة ومنحوتة جمالية رائعة ستمنح المكان منظوراً بديعاً ومشهداً فريداً قلما يتكرر فى مصر، يمسح من ذاكرتنا المنحوتات القبيحة التى جادت بها قريحة نحاتى زمن العشوائيات، والتى تجعل الفراعنة الذين علَّموا فن النحت للعالم ينتفضون فى قبورهم حزناً على أحفادهم، أما تاريخياً فنحن بالطبع نحترم انفعال وغضب ثوار بورسعيد المشروع وقتها الذى جعلهم يخرجون البخار المكتوم فى شكل إزالة ومحاولة تحطيم التمثال الذى ترجموه فورياً إلى رمز الاستعمار، وأحياناً الفعل الانفعالى الثورى يكون مخاصماً للمنطق وبعد مرور السنين يتضح أنه كان أداء أوفر، لأننا لو تكلمنا منطقياً وبهدوء هناك عدة ردود على الشعارات التى يرفعها المنادون بعدم عودة تمثال ديليسبس إلا على جثثهم وكأنهم فى معركة ستالينجراد!! فالمنطق يقول لمن يتهمون ديليسبس بأنه أهدر حياة عشرات الآلاف من المصريين الذين دُفنوا أثناء الحفر، كان الأولى بكم أن تهدموا تماثيل من أصدر الأمر وسمح لديليسبس بهذا وهو «سعيد» ثم «إسماعيل»، لكن الخديو إسماعيل على سبيل المثال له أكثر من تمثال، والسؤال: هل ديليسبس هو المهندس صاحب فكرة القناة أم أنه بائع بطاطا على شط القناة؟! هو صاحب الفكرة، وهى حقيقة تاريخية لا يستطيع إنكارها جاحد، وإذا لم نكن قد نسينا الإساءة لفرنسا على اشتراكها فى عدوان 56 فلماذا نشترى منها الرافال الآن؟! وهى أصبحت وما زالت أكبر دولة أوروبية مساندة لنا الآن، وأعتقد أن دور أحد مواطنيها وهو ديليسبس فى حياتنا أهم من دور سيمون بوليفار الذى يقف تمثاله شامخاً بجانب أهم ميدان فى مصر!! العلاقات بين الدول لا تحكمها شعارات الحنجورى الانفعالية، ولا يعقل أن تكون الجزائر التى مات منها مليون على يد الفرنسيين أكثر مرونة مع فرنسا من المصريين الذين لم يمت منهم واحد على ألف من هذا العدد فى العدوان الثلاثى، أو حتى فى الحملة الفرنسية، التى مثلما احتلتنا مثلما كانت علامة فارقة فى حياتنا العقلية والفكرية وبداية عصر التنوير بعد الظلام العثمانى!! تحطيم التماثيل التى تسكن الميادين لا يبنى أوطاناً لكن يبنيها تحطيم أصنام الخرافة والجهل الذى يسكن العقول، والحقائق التاريخية لا يطمسها صراخ أو دهانات بوية أو رفع تمثال من قاعدته أو تحطيمه بمعول، فلنفكر بالمنطق والعقل حتى نرسل رسالة للجميع بأننا شعب منطق وفكر وعقلانية، ولنضع على الجانب الآخر من الشارع ومطلاً على القناة أيضاً تمثالاً عملاقاً منحوتاً بفن وإبداع لفلاح مصرى شامخ يشير أيضاً إلى القناة، ولنكف عن مغازلة الناس بشعارات صارت فى متحف التاريخ، وليعُد ديليسبس إلى قاعدته ليس تمجيداً لديليسبس ولكن تمجيداً للمنطق والعقل ولاحترام التاريخ.

Saturday, December 23, 2017

خالد منتصر - العلم عصا موسى التى تلتهم حيّات الخرافة - جريدة الوطن - 23/12/2017

أن يخرج علينا فى فضائية شهيرة مَن يسمى نفسه باحثاً ويعلن عن اكتشافه علاجاً للسرطان وأنه مرشح بسبب هذا الاكتشاف الرهيب لجائزة نوبل، ويتبجح أكثر فيقول إن شيخ الأزهر يرعاه ويرعى اكتشافه ولا يخرج علينا الأزهر بأى تكذيب رغم إعادة البرنامج أكثر من مرة فهذا كارثة، والكارثة الأكبر أن يزدحم المرضى طوابير وجماعات وزرافات للحصول على هذا العلاج السحرى!
عشوائية طبية وفكرية وإعلامية مرعبة نعيش فيها، ينتفض مجلس الإعلام من أجل منع إعلان «أبلة فاهيتا» ويشجعون أبلة فهلويتا ونصبيتا ودجليتا! أرواح المرضى لا تهم. المهم ألا يستثار الناس جنسياً من كليب عندى ظروف! وما دامت البرامج المشتراة تدفع «الأظرُف» لصاحب القناة فلا توجد مشاكل حتى ولو ذهب ضحيتها الغلابة المضحوك عليهم بالوهم المصدّر عبر الشاشات، لكن إلى متى سنصبح ضحايا لتلك المافيا الإعلامية؟ ومتى تنتهى عصابات تجار الموت الذين يرتدون أحياناً قبعات برامج طبية وأحياناً برانيط برامج «توك شو»، وكل شىء مباح، المهم أن نقدم القرابين لصنم الإعلانات والرعاة؟! إلى متى ستصبح برامج الجن هى الخلطة المضمونة للنجاح فيلهث مذيع خلف الجن الذى يرسم لفظ الجلالة على سيراميك صالة المنزل، وتسهر مذيعة مصر لكى تتابع القطط التى تتحول إلى عفاريت فى منتصف الليل!!
ما هو البديل يا سادة؟ البديل هو العلم الحقيقى، البديل هو تقديم الثقافة العلمية وتكوين جهاز مناعة عند المشاهد بحقنة تطعيم المنهج العلمى فى التفكير، العلم هو بمثابة «عصا موسى» التى تلتهم حيّات السحرة والدجالين وسماسرة الوهم. تتذكرون برامج مرضى فيروس «سى» التى كانت تتحدث مرة عن حمامة توضع على السرة فتشفى المرض، ومرة عن أعشاب عبدالباسط وجهاز عبدالعاطى وبول ناقة الشيخ فلان وحجامة الحاج علان والرقية الشرعية التى يقرأها ذو اللحية الكثيفة والعسل الجبلى الذى يبيعه ذو الجلباب القصير... إلخ، عشنا كل تلك الأوهام والألاعيب حتى الثمالة وصدّقها الملايين، عشناها حتى جاءت «عصا موسى» التى التهمت كل تلك الحيّات السامة فى لحظة حين اكتشف العالم الحقيقى شينازى «السوفالدى» نتاج أبحاث معملية جادة وليس بالجلا جلا، هنا اختفت كل تلك البرامج التافهة وتوارت تلك الفضائيات النصابة وخرست وصمتت كل حناجر السماسرة وأصحاب بازارات الدجل الإعلامى، لكن ما زالت هناك ملاعب مفتوحة للعب هؤلاء الضباع البشريين الذين يجنون ثرواتهم من مص دماء البشر، ما زال هناك السرطان والعقم والروماتويد والشلل والتصلب المتناثر والأمراض الجينية... إلخ، كل تلك الأمراض يحاربها العالم الحقيقى فى معمله، وسنصل حتماً إلى الحل نتيجة هذا العلم الذى لا يعرف إلا الحقيقة العلمية والتجربة المعملية، سيأتى اليوم الذى تصبح فيه تلك الأمراض فولكلوراً متحفياً مثل الطاعون والجدرى والزهرى وغيرها من الأمراض التى كانت تحصد أرواح الملايين وتمحو بلاداً من على الخريطة، لكن حتى تتحقق تلك اللحظات سيظل هناك من يسترزقون منها ويجنون السبوبة ويتمنون أن يسود الجهل وتنتصر الخرافة حتى تتضخم أرصدتهم فى البنوك، ولسان حالهم يقول: فليذهب الوطن والعقل ومعهما الإنسان المصرى إلى الجحيم ما دام الجهل يأتى إلينا بصُرة الدنانير.

المؤامرة الجديدة على مصر بقلم د. وسيم السيسى ٢٣/ ١٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


هذه المؤامرات الجهنمية منذ عصر محمد على باشا، مروراً بإسماعيل باشا والديون، توفيق باشا والاحتلال البريطانى، هشلر وتيودور هرتزل، فايزمان وحاييم وايزمان ١٩٠٧، سايكس بيكو ١٩١٦، لورد كرومر وحسن البنا ١٩٢٨، بن جوريون وموشيه شاريت ١٩٥٤، برنارد لويس وبريجنسكى ١٩٨٣، وقبلها عبدالناصر وكارثة ١٩٦٧، كونداليزا رايس والجائزة الكبرى «مصر» ٢٠٠٦، الخراب العربى بداية من حرب إيران- العراق، مروراً بالعراق- الكويت، ثم تونس ٢٠١٠، مصر ٢٠١١، سوريا ليبيا، اليمن، السعودية، دمروا الكل ماعدا مصر! مؤامرة جديدة: القدس ٢٠١٧!
إشعال النيران بتجديد قرار ١٩٩٥، مظاهرات، ضرب غزة، لاجئون جدد، احتلال شمال سيناء ومعهم الدواعش، وتبدأ المأساة باحتلال إسرائيل لغزة، ثم الحمساوية مع الدواعشية لسيناء!!
سألوا وزير داخلية الإمارات: هل أنت قلق على مصر؟ قال: أبداً! فالدولة التى قهرت المغول، قادرة على هزيمة البغول.
فكرت كثيراً كيف استطاعت مصر أن تصحو بعد ٢٥٠٠ سنة احتلالاً، وبعد أن كادت أن تنقرض، فقد كان تعداد مصر فى عصر عمرو بن العاص ٢٤ مليوناً «خطط المقريزى ص ٧٦ مجلد ١»، فأصبحنا اثنين مليون واتنين من عشرة فى تعداد الحملة الفرنسية! قامت مصر وكأنها العنقاء.. الفينوكس.. هذا الطائر الأسطورى الذى يجدد شبابه كل خمسمائة عام! هذا الطائر يستمد قوته من المخزون الحضارى فى شعبه، كما يستمدها من قواته المسلحة، أى جيشه.
انتهى العصر المطير «عصر السافانا» منذ ١١ ألف سنة، تجمعت القبائل المصرية «نيلوس والجبتانا» حول نهر النيل، بدأت الزراعة ومعها جهاز إدارى أمنى للداخل «الشرطة»، والخارج «الجيش». عاشت مصر فى سلام إلا من غزوات عدائى الرمال وجرذان الصحراء، فكانت الحملات التأديبية لهؤلاء الأشقياء، فى سنة ١٧٣٠ ق.م كان الغزو السلمى لـ: حقوخاسوت أى حكام البلاد الأجنبية أو الهكسوس، جدير بالذكر أن خاسوت أو خسيس معناها الأجنبى. أفاقت مصر على دولة داخل الدولة، تطرد مليكها إلى طيبة، فكانت الحرب التى توقفت فيها النساء عن الإنجاب من هول المعارك براً وبحراً حتى تم تحرير مصر على يدى أحمس. أصبح لمصر جيش مدرب، قال عنه أرنولد توينبى: كانت حكومة مصر فى عهد تحوتمس الثالث حكومة عالمية، كما كان جيشها جيشاً عالمياً كما كتبت موسوعة كمبردج: كان تحوتمس الثالث هو أول من جعل للجيش قلبا وجناحين، كما أنشأ مجلس أركان حرب، وخططه العسكرية العبقرية أخذ بها لورد اللنبى ١٩١٦، كما أخذ بها مونتجومرى ١٩٤٢ فى الحرب العالمية الثانية.
كانت المدارس العسكرية فى مصر القديمة تسمى بيوتات الحياة، كما كان سلاح الفرسان بمثابة الدبابات فى العصر الحديث، كان التجنيد إجبارياً، ورتب الجيش وصلت ٦٣ رتبة ولقبا، كما كانت السجلات لحفظ الأسماء.
كان الجنود يدرسون الهندسة، والفلك ويتفاخرون بالعلم، لدينا بردية يتفاخر فيها الجندى حورى على زميله إمنوبى: أنا درست الكيمياء والطبوغرافيا، والآخر يقول رداً عليه: وأنا درست كل هذا وهندسة المعمار، كما وجدنا بردية فى مدينة هابو تقول:
كان الجنود يزأرون كالأسود فى الجبال.
أيتها الأفعى الراقدة فى لندن، وأنت المغلوبة على أمرها من الصهيونية العالمية فى واشنطن D.C، وأنتم أيها الخونة فى قطر وتركيا والإخوان، وأنت يا من تعانين من مركب النقص الأزلى من الحضارة المصرية «إسرائيل»، لا تحاولوا مع مصر، اسمعوا أحد أناشيدنا القومية:
هتف الداعى ونادى بالجهاد
أى بشرى يوم نادى بالنفير
نحن شعب حكم الدينا وساد
ونما والدهر فى المهد صغير.

Friday, December 22, 2017

لافتات «عشان تبنيها» التى ملأت الشوارع.. بأى مال نُصبت؟ بقلم د. عمار على حسن ٢٢/ ١٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


كل شىء صار يجرى من أعلى، حتى اللافتات التى ملأت الميادين والساحات والشوارع والحارات تطلب من الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يبقى ويستمر، وكأنه قد أعلن الرحيل، لأن فى هذا «إتمام الجميل» و«ضمان استمرار البناء» و«ركيزة الأمان والاطمئنان»، ولأن الفراغ الذى قد ينجم عن الانصراف الافتراضى لن يستطيع أى واحد من ملايين الرجال فى هذا البلد أن يملأه، حتى لو كان من بين مئات الآلاف من حملة الماجستير والدكتوراه، وآلاف الباحثين والعلماء فى كافة التخصصات، ورجال السياسة فى الأحزاب والشوارع، ونشطاء المجتمع المدنى فى المؤسسات وعلى الشاشات، وآلاف القضاة، ومئات الآلاف من المحامين والمهندسين والأطباء، وملايين المدرسين والمحاسبين والإداريين، وآلاف الضباط. فلا أحد فى هؤلاء بوسعه أن «يكمل الجميل» ويمضى بـ«السفينة فى بحر متلاطم الأمواج» كما كان يقول صفوت الشريف فى كل مرة يتحدث فيه بلغة فخيمة عن سيده ورب نعمته حسنى مبارك.
فى السابق كانت السلطة تقيم مثل هذا الأمر من أسفل، فتطلب من رؤساء الأحياء، ومأمورى أقسام الشرطة، أن يضغطوا على أصحاب المحال التجارية، كى يعلقوا لافتات تطلب من الرئيس حسنى مبارك أن يكمل المسيرة، وكانت الأحياء وبعض المؤسسات ورجال الأعمال وكبار التجار يسابقون أصحاب المقاهى والمطاعم والمجازر والبقالات والأفران والصيدليات والمعاصر ودكاكين المخللات والمسامط والسرجات والعلافات ومحلات الملابس والبارات فى رفع صور «الزعيم القائد» لتملأ العيون، وتكاد تسمع صوتا وهو فاغر فاه للآذان حتى ولو بها صمم.
الآن لم يعلق أحد من هؤلاء شيئا، فقد سألت كل صاحب محل أمامه لافتة عما إذا كان هو الذى قام بنصبها، فكان ينفى. وصدقت كل من نفى لأن الواضح عيانا بيانا أن مصدر أو منبع أو منشأ هذه اللافتات واحد، فصور الرئيس والعبارات المكتوبة فوق كل لافتة وحجم اللافتات جميعها، وطريقة نصبها المدروسة بعناية، إذ إنها تحتل أماكن جاذبة للانتباه، يدل على أنها قد خرجت من مكان واحد، ويهندس وجودها عقل واحد، أو جهة واحدة. والسؤال الذى من حق كل مواطن مصرى أن يسأله الآن: ما هو هذا المكان؟ ومن أنفق على صناعة هذا العدد الهائل من اللافتات؟ ومن يحاسب الفاعلين؟ وإن كان تبرعا من رجل أعمال، فما المقابل الذى سيحصل عليه؟.. إنها الأسئلة التى لا تدور فى رأسى فقط، بل فى رؤوس كل الذين يطالعون هذه اللافتات التى ملأت الشوارع، ويهزون رؤوسهم، وهم يقولون: ما أشبه الليلة بالبارحة.
(٢)
تواجه مصر حربا صامتة، لا نسمع فيها هدير المدافع وزمجرة الدبابات وأزيز الطائرات وحمحمة الحشود الزاحفة بالأحذية الثقيلة على الأرض، لكننا ندرك ما هو أعتى وأشد من كل هذا، ونلمس بأفهامنا قبل أيدينا ما هو ظاهر وخفى من المخطط الجهنمى الذى يريد أصحابه تركيع مصر، فمن تمويل جماعات إرهابية تخوض «حرب استنزاف» ضد الجيش فى سيناء بالأساس، إلى الجور على حصة مصر من مياه النيل، إلى ضرب السياحة، وهى أحد مصادر الدخل المهمة لبلدنا، إما بفعل الإرهاب أو ما تسعى إليه دول جارة من بناء منتجعات جديدة، مستخدمة أموالها الوفيرة، بما قد يؤدى إلى خروج منتجعاتنا من «تاريخ السياحة الإقليمية وجغرافيتيها».
ويزيد الطين بلة أن السلطة السياسية تفعل كل يوم ما يجرح التماسك الاجتماعى، وهو مصدر عظيم لقوتنا الناعمة، معتقدة أن الاكتفاء بالكلام الذى يحذر الناس من مغبة ما تواجهه البلاد، أو يحملهم مسؤولية ما يجرى لها لأنهم غضبوا لحريتهم وكرامتهم يوما ما وأرادوا أن يوقفوا نزيف الدولة وانهيارها، هو كاف للحفاظ على التماسك، وغير مدركة أن التضليل والخداع وتراجع الثقة فى أهل القرار، وانجراح مصداقيتهم، والعجز عن تحقيق إنجاز حقيقى يملأ العيون، والتنكر لتطلعات الجيل الجديد إلى دولة عصرية تليق بزماننا، هو ما يسهل على الأعداء تنفيذ مخططهم الجهنمى، وتحقيق أهداف حربهم الصامتة، التى يقال لنا فيها، بـ «كلام ساكت» أو «صمت بليغ»: تخلوا عن جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وتنازلوا عن جزء من مياه النيل لإسرائيل حتى تترك لكم إثيوبيا كامل حصتكم.
(٣)
بعد صدور روايتى الأخيرة «خبيئة العارف» سألنى البعض عن ميلى إلى كتابة الرواية التاريخية خلال السنوات الأخيرة، وعما إذا كان هذا يعنى الهروب من مواجهة الواقع وقضاياه الملحة، أو مجاراة موجة سردية حالية تربط بين الرواية التاريخية وتحصيل التقدير والانتشار.
ابتداء فإن «خبيئة العارف» تصل التاريخ بالواقع المعيش، حتى إننا نجد صدى لقضايا معاصرة فى الرواية مثل قضية «تيران وصنافير» والأزمة الاقتصادية التى تواجهها مصر، والدور الذى تمارسه أجهزة الأمن فى الجامعات، وانفراد الحاكم بالقرار.. إلخ. وقد حضر التاريخ فى رواياتى: شجرة العابد، وجبل الطير، وبيت السنارى، وخبيئة العارف، لكن الواقع الاجتماعى البائس موجود بقوة فى روايات أخرى مثل حكاية شمردل، وجدران المدى، وزهر الخريف، وسقوط الصمت، والسلفى، وباب رزق، وحتى فى الروايات التاريخية فإن فيها من المعانى ما يمس الواقع المعاش. ولدى الآن مخطوطان لروايتين لم تكتملا، الأولى عن تجربة السجن لشاب كان ينتمى إلى خلية شيوعية، وآخر لجماعة دينية متطرفة، والثانية تجرى أحداثها فى قرية مصرية صغيرة.
إن لجوئى إلى التاريخ لكتابة روايات لا يعنى هروبا من قول ما أريد حيال ما يجرى الآن، لاسيما أننى أفعل هذا فى مقالاتى الصحفية، وإطلالاتى المتلفزة، وما أدونه على صفحتى بمواقع التواصل الاجتماعى.. لكن ما فى التاريخ من سحر يشغل كاتبا مثلى مهتما بالواقعية السحرية العربية.
إن كثيرين يسألوننى الآن فى هذا الاتجاه، لأن البعض ذهب إلى كتابة الرواية التاريخية والصوفية مستغلا النجاح الذى حققته بعض الروايات فى الفترة الأخيرة، سواء من حيث التوزيع أو حصد الجوائر، لكن الأمر مختلف بالنسبة لى، فقد كتبت الرواية الصوفية قبل هذه الموجة، فروايتى شجرة العابد بدأت فى كتابتها عام ٢٠٠١ ونشرتها عام ٢٠١٢ قبل أن تترجم رواية التركية إليف شافاق «قواعد العشق الأربعون» أو يفوز السعودى حسن علوان بالبوكر عن روايته «موت صغير». كما أن انشغالى بالصوفية سابق على هذا بكثير، فهناك قصص صوفية ظهرت فى مجموعتى الأولى «عرب العطيات» التى كتبتها مطلع التسعينيات ونشرت عام ١٩٩٨، كما أن التنشئة السياسية للطرق الصوفية كانت موضوع أطروحتى للماجستير.

خالد منتصر - الأم عمرها 26 سنة وبنتها 25!! - جريدة الوطن - 22/12/2017

إنجازات العلم لا تنتهى وأخباره واقتحاماته ليس لها سقف، لكن للأسف تحتل تلك الأخبار مانشيتات صحف العالم إلا مصر!، معجزة أن تنجب أم عمرها 26 عاماً بنتاً عمرها تقريباً 25 عاماً، هى معجزة تدل على أن عالم علاج العقم وتأخر الحمل وطرق الإنجاب بالحقن المجهرى قد تقدمت تقدماً مذهلاً، الخبر كما نقلته وكالات الأنباء هو أن تينا جيبسون أنجبت طفلتها إيما التى تم تجميدها كجنين فى عام 1992 فى الوقت الذى كان عمر الأم عاماً واحداً فقط، الولادة تمت فى الخامس والعشرين من شهر نوفمبر، حيث عبر والدها بينجامين عن سعادته البالغة لأنه رزق بهذه الطفلة المعجزة، الأب مريض بالتليف الكيسى وهو مرض قاتل ولكنه يحلم هو وزوجته بطفل ينشر البهجة بعد رحيله، ولدت إيما بدون تشوهات، وقد تم نقلها إلى رحم تينا عبر عملية دقيقة فى مركز (إن إى دى سى) للتبرع بالأجنة فى منطقة نوكسفيل، شرق ولاية تينيسى، فى بداية هذا العام، وكان جنين إيما قد وضع فى مجمدة خاصة بالأجنة فى شهر أكتوبر من عام 1992 حيث بقيت فيه طوال 24 عاماً، وهذا رقم قياسى لم يحدث من قبل، لكن ما هو بنك الأجنة وما هو التجميد؟
تجميد الأجنة طريقة للحفاظ على الأجنة نتيجة لعلاج الإخصاب بالمساعدة، إما لأنه عند إتمام النقل يتبقى لدينا فائض من أجنة ذات جودة عالية، أو إما لدوافع مختلفة يكون من الضرورى أو من المستحسن إجراء النقل فى وقت آخر، ولتجميد الأجنة من الضرورى إخضاعها لدرجات حرارية منخفضة جداً، ولذلك يستعمل النيتروجين السائل الذى يصل إلى ناقص 196 درجة، عند تلك الدرجات المنخفضة يتوقف كل نشاط بيولوجى بدون مساس بفسيولوجيته، أى بالناحية الوظيفية العضوية، والوضع بالنسبة لمصر فإن لائحة آداب المهنة «تجرم تجميد الأجنة، وبالمثل تجميد البويضات والحيوانات المنوية، ويُسمح فقط فى حالة وجود زواج قائم خلال عملية الحقن المجهرى أو أطفال الأنابيب، ولا يجوز فى حال الطلاق أو وفاة أحد الطرفين خلال العملية، أى السماح بتجميد الأجنة أو غيرها، لحين التأكد من إتمام الحمل، ومن يمارس غير ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية، والشطب من جدول نقابة الأطباء، بالإضافة لغلق المركز بعد التنسيق مع إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة»، ومتوسط الأسعار فى مصر هو كالتالى: سحب البويضات بـ12 ألف جنيه، والتجميد بـ2500 جنيه، وكل عام يُجدد بألف جنيه، والحفظ حتى 10 أعوام»، فهل سنستطيع أن نحفظ لمدة ربع قرن فى البنوك المصرية؟! هذا هو التحدى!

د. عماد جاد - ليس بالمساعدات وحدها تصوِّت الدول - جريدة الوطن - 22/12/2017

هدَّد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بوقف المساعدات الأمريكية عن أى دولة تصوّت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ومن ثم قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وأعلنت مندوبة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة نيكى هايلى هذا الخبر بطريقة استفزازية؛ حيث قالت إن الوفد الأمريكى سيتابع عملية التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسوف يكتب أسماء الدول التى ستصوّت عكس إرادة الولايات المتحدة، وسوف تسلّم هذه الأسماء للرئيس الأمريكى، أى إن السيدة هايلى تهدد الدول التى تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة بالحرمان من الحصول على هذه المساعدات فى حال التصويت بأن القدس مدينة محتلة، وفق ما تقول قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولى، وأيضاً الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفى هذا الإطار نقول: إن المساعدات الخارجية التى يدرسها طلبة العلوم السياسية فى باب أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول التى تقدمها، تخدم مصالح الدول التى تقدمها مثلما تفيد الدول المتلقية، التى تقدم مساعدات خارجية تمتلك قدراً من النفوذ والتأثير على قرار الدول المتلقية للمساعدات، ومن ثم فالمساعدات تحقق مصالح مزدوجة للطرفين المقدِّم والمتلقى. ووقف تقديم المساعدات من دولة لأخرى بالقطع يفقد الأولى أى قدر من النفوذ أو حتى التأثير لدى الدولة المتلقية، أيضاً فإن المساعدات الأمريكية لم تعُد بالحجم الذى كان يقدَّم سابقاً، وتحصل إسرائيل بمفردها على نحو 60% من إجمالى المساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة لدول العالم المختلفة. وإذا كانت المساعدات تحقق مصلحة الطرفين، وإن كانت المساعدات الأمريكية تقلصت كثيراً ويتوجه أكثر من نصفها لإسرائيل، فلنا أن نتصور قدر محدودية تأثير هذه المساعدات فى مواقف الدول عندما تعرض عليها قضايا مهمة أو حيوية بالنسبة لها، بل وبالنسبة لشعوبها، فمهما كان احتياج بعض الدول للمساعدات الخارجية، فإنها لن تفضل الحصول على هذه المساعدات مقابل بيع مواقف تاريخية لها، فالموقف من مدينة القدس أكبر كثيراً من أن تتخذ الدول قرارها، مفضلة ما تحصل عليه من مساعدات على موقف تاريخى من مدينة القدس المحتلة. وتعلم جميع الحكومات، بما فيها حكومات الدول العربية والإسلامية التى تتلقى مساعدات من واشنطن أن شعوبها تترقب الموقف، ولا تتصور أنها سوف تفضل الحصول على حصة من المساعدات الأمريكية لبيع الموقف من القدس، وعلى هذه الدول أن تعلم أن القضية لن تتوقف عند هذا الحد، فهذا الرئيس العامل فى مجال الأعمال، ومن خارج مؤسسات الدولة الأمريكية، لن يتوقف عن إبرام الصفقات والضغط فى كل المواقف على الدول الأخرى بما تقدمه واشنطن لها من مساعدات، حتى يجعل من الدول التى تقبل تغيير موقفها من القدس لقاء المساعدات النموذج الجديد للحليف الأمريكى، النموذج الذى تمسخ شخصيته، وتمحى استقلاليته.
وفى تقديرى أن غالبية دول العالم الأعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة سوف تصوِّت وفق ما ترى وتعتقد، وما صدر من قرارات من مجلس الأمن، ومحدودة للغاية الدويلات التى ستصوّت وفق الرغبة الأمريكية، فإذا كان الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، فليس بالمساعدات وحدها تحدد الدول اتجاهاتها التصويتية.

Thursday, December 21, 2017

خالد منتصر - رسالة إلى الرئيس.. هل مصر تحارب البحث العلمى؟! - جريدة الوطن - 21/12/2017

البحث العلمى هو أساس ارتقاء الدول وعماد تطورها، ومع التطور الظاهرى فى حياة المصريين، من حيث استخدام التكنولوجيا، إلا أن إنتاج مصر فى جودة البحث العلمى وتطبيقاته لم تتناسب مع بدايته، منذ إنشاء الجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة)، وتخلف تطبيق البحث العلمى فى مصر هو نتيجة مشاكل عدة، قد يتوهم البعض أن التمويل هو المشكلة الأساسية، ولكن على خلاف هذا المعتقد غير الدقيق، فإن المشكلة الحقيقية تكمن فى إدارة البحث العلمى وسياسته، وليس فى تمويل الأبحاث العلمية، بلغ عدد الباحثين فى مصر 125 ألفاً فى عام 2014 وطبقاً لليونيسكو، فإن 1.5 من ألف عامل فى مصر يعملون فى البحث العلمى، بينما كانت النسبة 11 فى سنغافورة، و7.9 فى أمريكا، و7.8 فى بريطانيا، أما إسرائيل، فكانت النسبة 16 من ألف عامل يعملون فى البحث العلمى، وأما عن إنتاج مصر فى الأوراق البحثية، فجاءت مصر فى المرتبة 31 فى إنتاجية الأوراق البحثية فى مجال التكنولوجيا الحيوية فى عام 2016، وجاءت إسرائيل فى المرتبة الـ41 فى العام نفسه، والمثير للجدل فى هذا أنه فى عام 2014 تم استثمار 801 مليون دولار فى 167 شركة ناشئة إسرائيلية فى مجال التكنولوجيا الحيوية، بينما كان الأمر أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، سواء كان فى الاستثمار، أو عدد الشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا الحيوية، وهذا ليس بسبب التمويل فى مصر، ولكن بسبب غياب الرؤية وتدهور حالة حقوق الملكية الفكرية، والهجرة الجماعية للعلماء خارج مصر، مع وجود قوانين تمنع الباحثين فى الجامعات الحكومية من إنشاء شركات ناشئة، فنستطيع أن نقول إن إنتاج مصر فى البحث العلمى، لا يساعد فى تقدم الإنسانية، ولكنه يساعد فى التقدم للترقية.
مشكلة مهمة تواجه جميع الباحثين فى مصر فى مجال العلوم الحيوية، التى تعوق أساس التقدم فى البحث العلمى، وهى مشكلة المورّدين للمستحضرات والكيماويات أو كما أود أن أسمى هذه المشكلة.. مشكلة «شهبندر التجار»، وتكمن حقيقة هذه المشكلة فى أن الشركات الأم فى شتى أنحاء العالم تمنح لمكاتب التوريد فى مصر الأحقية فى توريد منتجاتها. ومن ثم فإن حياة الباحث المصرى تقع تحت رحمة مكاتب التوريد، دون رقابة أو هذا ما أود أن أؤمن به، تستغل هذه المكاتب حاجة الباحث المصرى للكيماويات -التى دونها لا يستطيع أن يحدث فارقاً فى البحث العلمى- وتطلب سعراً أعلى بكثير من السعر الرسمى على صفحة الشركة الأم الإلكترونية، فمثلاً قد يطلب المكتب من الباحث دفع 5000 جنيه مصرى، على منتج ثمنه 100 جنيه إسترلينى فى الصفحة الرئيسية، وليس هذا فحسب، فتوريد الكيماويات أو المستحضرات يستغرق وقتاً طويلاً جداً ما بين الشهرين والأكثر، فى ذلك الوقت يتساءل الباحث المصرى عن معنى الحياة، ولماذا يحدث هذا فى وطنه الحبيب، الذى سافر ثم عاد إليه، مضحياً بكل ما يسر القلب والعين فى الخارج، الحقيقة هى أن هذه المشكلة هى لب تدهور البحث العلمى فى مجال العلوم الحيوية، لأنه دون كيماويات تأتى سريعاً للباحث، لا يستطيع الباحث أن ينتج شيئاً، وإذا ازداد سعر هذه الكيماويات ازداد معها الحمل على كاهل الباحث المصرى، حتى يقع فى جوف الروتين الممل والتخلف الأبدى، مع الإضافة إلى عدم الإنصاف فى تحكيم الأبحاث العلمية فى مصر أو الِمنح التى يتقدم إليها الباحثون، فللأسف بعض المحكّمين لا يفقهون ما يقدم إليهم، ولكنهم يرفضون الإفصاح عن جهلهم، وإلا ضاع العائد المادى، ولذلك فإن معظم الباحثين فى مجال العلوم الحيوية، خاصة الشباب، لا يثقون فى صندوق تطوير العلوم والتكنولوجيا المصرى. ولا يثقون حتى فى جودة التحكيم على أى منحة، مصر مشاركة فيها إذا كان المحكمون من مصر. لا يجب أن نخجل من أن نطلب التحكيم الدولى.. فالخيل والليل والبيداء فقط تعرفنا، وليس القرطاس ولا القلم!
كل هذا يقتل البحث العلمى فى مصر ويسرّع من هجرة العقول المصرية إلى الخارج، وقد عانيت شخصياً من تلك المشكلات، التى كانت الطعنة الغادرة فى عقلى، وكانت السبب الأساسى للسفر إلى الخارج. سافرت بعقلى وظلت روحى فى أرض وطنى، وهذا هو حال الباحثين المصريين فى الخارج، مشتتين ما بين العقل والروح.. الوطن والعلم والتطور والإمضاءات والأختام.
فى النهاية.. قد يطيب للبعض مضاجعة الجهل، ولكن إذا رأينا الفقر والتطرف بيننا فيجب ألا نلوم سوى أنفسنا.