Translate

Sunday, January 31, 2016

Fatma Said - Je veux vivre | Winner of the 8th Veronica Dunne Internatio...

«اركب دماغ الباشا» بقلم ياسر عبدالعزيز ٣١/ ١/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم


سيصل «الباشا» إلى موقعه الجديد.. لديه مسؤوليات صعبة، ويعمل تحت قيادته الآلاف من العاملين، ويتحكم فى مصائر دواوين ومنظمات وأجهزة.
إنه يشعر بعبء المسؤولية، ويريد أن يركز فى عمله، خصوصاً أن التركة ثقيلة، والتحديات صعبة، والوقت ضيق.
لا يشعر الرجل بأنه مدين لأحد، لذلك فإنه يحاسب المُخطئين، ويواجه المُقصِّرين، ويطالب العاملين معه بأقصى درجات الالتزام والنزاهة.
لكن هذا الحارس المُعيَّن لحراسة «الباشا» يشعر بضيق شديد، ذلك أن نفوذه السابق بدأ يتسرب منه، والأخطاء التى يرتكبها فى عمله بدأت تنكشف، والجميع يسلط الضوء على قصور أدائه، وأحياناً تتم مهاجمته، وانتقاد رجاله، ومطالبتهم بمزيد من الأمانة والكفاءة والحرص عند أدائهم عملهم.
لم يَعتَد هذا الحارس أن يكون محل انتقاد، ولم يطالبه أحد من قبل بالالتزام بالقانون، والأهم من ذلك أنه كان يتحكم فى «الباشوات» السابقين.. يقودهم، ويحدد لهم خطواتهم، حتى إن أياً منهم لم يكن يقوى على أن يتخذ قراراً فى أى شأن من الشؤون دون العودة إليه والحصول على موافقته.
شعر الحارس بأن دولته تنهار، وأن حظوته تنتهى، وأن زمانه يُوَلِّى.. والسبب أن «الباشا» يريد أن يعمل ويُدَقِّق ويحاسب ويحقق الإنجاز.
س: ماذا يفعل الحارس؟
ج: «يركب دماغ الباشا».
تلك لعبة قديمة يُتقنها جميع الحراس الذين نشأوا فى أحضان الاستبداد والفساد، وهى لعبة سهلة، ستمنح الحارس الحظوة التى يريد، وستطلق يده من دون حساب، وستحميه من أى مساءلة أو عقاب، وستجعله المتحكم الأول فى كل شؤون «الباشا».. والأهم من ذلك أنها ستمنحه «الحوافز» و«البدلات» و«المكافآت» التى ستبلغ عشرات الملايين، فى بلد لا يبلغ مرتب أعلى رأس فيه مليوناً واحداً فى السنة.
سيبدأ الحارس فى إبلاغ «الباشا» بأن «ثمة تقارير تفيد بتعرض سيادتكم لمخاطر»، وسيُمطره بتقديرات مواقف متشائمة ومُثيرة للقلق، وسيعرض عليه «معلومات سرية» عن أفخاخ تُنصب له، ومؤامرات تُحاك ضده وضد مصلحة البلاد، وسيصطنع أدلة فى حال احتاج، أو سيُضخِّم الأدلة المتواجدة بالفعل، وسيُحرِّفها عن حقيقتها، ليُقنع «الباشا» بأن الوضع خطير.
«لولا الحارس ويقظته لأخفق مشروعى، وربما فقدت حياتى أيضاً».. هذا ما سيبدأ «الباشا» فى الإحساس به، وبالتالى سيزيد من اهتمامه بالحارس، وربما يُرقيه، أو يُعزِّز الثقة فيه، أو يُفرط فى الإغداق عليه، أو يصرف النظر عن محاسبته فى حال أخفق أو تجاوز.
سيبدأ الحارس فى توسيع نطاق سيطرته عند اللحظة التى سيرى فيها أن «الباشا» بدأ فى القلق والتجاوب مع التقارير المصطنعة والمعلومات المختلقة والتقديرات المُبالَغ فيها.
سيُخطر الحارس «الباشا»، صبيحة هذا اليوم، بوجود مؤامرة على حياته شخصياً، وسيطلب منه أن يلزم محل إقامته، لحين القضاء على المتآمرين، وتأمين الأوضاع.
سيظل «الباشا» رهين إرادة الحارس بداعى الأمن، وسيقرر الحارس فى اللحظة التى يريدها أن يطلق سراحه، لكنه سيحدد مسار السير، بداعى تفادى تربص بعض العناصر، ولاحقاً سيحدد وجهة السير أيضاً بداعى «سهولة التأمين أو صعوبته».
فى الواقع أن الحارس يقوم بدور مهم فى مواجهة بعض المشكلات الأمنية، وأن عدداً من رجاله يضحى ويبذل جهوداً كبيرة فى مواجهة مخاطر جدية، وهو أمر يُعزِّز ثقة «الباشا» فيما يفعله، ويُغطى الكثير من أكاذيبه ومبالغاته.
لكن هذا الدور المهم وتلك التضحيات المُقدَّرة لا يمكن أن تغفر للحارس الكثير من الخطايا والتجاوزات التى يرتكبها من وقت إلى آخر، لأن تلك التجاوزات بالذات من بين أهم العوامل التى تمنح تلك المخاطر الفرص لكى تتفاقم ويتسع أثرها.
أما الإشكال الكبير فسيظهر عندما يتمكن الحارس من أن «يركب دماغ الباشا» تماماً، حيث سيبدو «الباشا» حين أذن، ومعه أتباعه وأنصاره وحلفاؤه، مسكونين بهوس الارتياب، يحاربون أشباحاً ومؤامرات مزعومة، مشدودى الأعصاب، متوترين، وخائفين، ومنوَّمين، وعاجزين عن إحراز أى تقدم.. وعاجزين أيضاً عن رؤية الطريق.

Saturday, January 30, 2016

مقولة كاذبة : «مرسي رئيس شرعي» 30/01/2016 بقلم : نجيب ساويرس - الاخبار





سعدت جدا عندما استدعاني المستشار عادل ادريس الذي قبل التحقيق في قضية تزوير الانتخابات الرئاسية بعد اعتذار العديد من القضاة عنها.. وأدليت بشهادتي فيها عن واقعة تزوير الأوراق الانتخابية للإدلاء بالأصوات والتي طبعت في المطابع الأميرية والتي دارت الشبهات فيها حول تورط رجل أعمال قبطي له صورة شهيرة وهو يقبل رأس المرشد في رشوة العاملين فيها وتسويد البطاقات.
ومن المضحك أن اللجنة العليا أقرت بوجود الأوراق المزورة والتي جري تسويدها إلا أنها أعلنت انها استبعدت الصناديق التي ثبت وجود الأوراق المزورة بها وأنها حتي لو لم تستبعد لما كانت لتغير من النتيجة. والمضحك هو السؤال: هل راجعت اللجنة كل الصناديق الأخري وتأكدت من عدم وجود بطاقات أخري مزورة فيها؟ وقانونا وجود اوراق مزورة في أي صندوق مفروض أن يبطل العملية الانتخابية كاملة كذلك أيضا منع أعداد كبيرة من المواطنين الأقباط بالقوة من الوصول إلي المقار الانتخابية..إلا أنه سرعان ما تبددت فرحتي عندما صدر قرار بوقف التحقيق في هذه القضية.. إلي أن أعاد الحكم الأخير للقضاء الإداري باستمرار التحقيق هيبة القضاء المصري!
لقد دأبت الجماعة الإرهابية علي التكرار والتأكيد علي أن مرسي رئيس شرعي جاء في انتخابات نزيهة رغم تأكد تزوير تلك الانتخابات لصالح محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين ضد الفريق أحمد شفيق، ولقد أكدت نتائج هذا التحقيق وكذلك أكد الشهود من أعضاء اللجنة العليا والشرطة خلال السنوات الثلاث التي استغرقها التحقيق تزوير النتيجة وأن خروج النتيجة بفارق ضئيل كان الغرض منه أيضا التمويه وطمس الحقيقة!
ورغم كل هذا فلقد أعلن فوز مرسي واستبقت الجماعة الموقف للضغط علي المجلس العسكري بإعلان الفوز قبل انتهاء الفرز وإعلان النتيجة الرسمية! ورغم ثبوت التزوير تم تجاهل كل المخالفات التي تبطل هذه الانتخابات وتجاهل أيضا أقوال المستشار عبد المعز بشأن المستشار الشهير بجاتو بأنه قد أخفي عن اللجنة العليا البلاغات والوقائع التي تضمنها الطعن في الانتخابات والتي كان من المرجح أن تبطل هذه الانتخابات! وقد حاول المستشار عادل إدريس رفع الحصانة عن المستشار بجاتو لسؤاله إلا أنه لم يتلق ردًا علي طلبه بل بالعكس كوفئ المستشار بجاتو بتعيينه وزيرا في حكومة الإخوان!
لابد من إعلان نتائج هذا التحقيق المهم علي الرأي العام لأنه يتعلق بفترة تاريخية مهمة ولأنه يؤكد أن مرسي لم يأت في انتخابات حرة ولا نزيهة وهو ليس برئيس شرعي ولا يحزنون! وعلي كل المنافقين وأدعياء الحرية والديموقراطية أن يتوقفوا عن هذه المقولة الكاذبة! أنا واثق أن التاريخ لا يمكن تزويره وأنا هناك شهودًا ستظهر شهادتهم بعد أن يستيقظ ضميرهم وأنه لا يمكن إخفاء الحقائق للأبد..
وللعلم هذه المقالة لا دخل لها بالفريق شفيق فهو لم يكن مرشحي المفضل.. لكن أي مرشح كان، سيكون أقل ضررا علي مصر من مرشح الإخوان، لكن حكمة الله وحبه لمصر أرادت أن يأتوا إلي الحكم لكي يعرفهم مريدوهم علي حقيقتهم ويظهر فشلهم ونواياهم الشريرة وانعدام وطينتهم علي وزن قول المرشد الأسبق « طظ في مصر ».

Friday, January 29, 2016

من هول المعارك.. توقفت النساء عن الإنجاب! بقلم د. وسيم السيسى ٣٠/ ١/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم


ما أشد حيائى منك أيها البطل العظيم، أحاول أن أجد لنفسى عذراً، فلا أجد، إلا أنى مقصر أشد ما يكون التقصير، جاهل أشد ما يكون الجهل، ناكر لجميلكم أشد ما يكون إنكار الجميل! فلولاك أنت وأسرتك الكريمة وشعبك العظيم، لأصبحنا عبيداً للآسيويين.. عدائى الرمال وجرذان الصحراء كما كنتم تسمونهم، أو الهكسوس!
أنت يا جلالة الملك، أنت يا أحمس.. أيها البطل الذى تم على يديه تحرير مصر بعد أن استشهد أبوك سقنن رع، ثم أخوك كاموس فى حروب بدأت فى نفروس «إقليم الأشمونيين». جاء فى لوحة تقول: النساء لن تلد من هول المعارك براً وبحراً بعد الآن!
إنها ضربة من الله أصابتكم لأنكم تهاونتم فى ترك سيناء كما قال مؤرخكم ماينتون، كان تسللاً سلمياً حتى وصل عددهم ثلاثة ملايين، فأصبحوا دولة داخل الدولة، وكونوا الأسرات ١٥، ١٦، ١٧ (١٧٧٨ - ١٥٧٠ق. م) كان أول ملوكهم ساليتس، وأشهرهم أبوفيس الذى أرسل لسقنن رع «والد كاموس وأحمس» المقيم فى طيبة، يطلب منه إسكات أفراس النهر التى تزعجه فى قصره فى الدلتا! كذلك أن تتخلى مصر عن عبادة آمون، وتعبد إلههم سوتخ، وكان رمزه الحمار! «بردية سالييه».
انتفضت الأسرة العظيمة، حتى الملكة أع حوتب، جيَّشت الجيوش، استشهد الآلاف من مصر وعلى رأسهم مليكهم وابنه الأكبر، ولكنهما كتبا تاريخ مصر بمداد من ذهب.
بعد وفاة سقنن رع، اجتمع كاموس بالوزراء وقال: كيف أحكم مصر، وفى شمالها ملك آسيوى، وفى جنوبها ملك نوبى؟! الناس فى ذل، ويل للمغلوب! خاف الوزراء وكان رأيهم سلبياً محبطاً، ولكن كاموس صاح فيهم: سوف أذهب للشمال وأطرد الغزاة، وأبقر بطن رئيسهم، وسوف يهتف الشعب لى: يحيا كاموس محرر مصر من الآسيويين! ولكن استشهد كاموس، وحمل الراية من بعده أخوه الأصغر أحمس الذى تم على يديه التحرير.
وجدنا لوحة فى معبد الكرنك ١٩٥٤م تصف معركة نيلية مع قائد هكسوسى اسمه أبيبى، انتصرت فيها الجيوش المصرية واستولت على ثلاثمائة سفينة من خشب الأرز، وكميات هائلة من الذهب، والفضة، والفيروز، واللازورد، وكميات هائلة من الفئوس المصنوعة من النحاس، وكميات هائلة من زيت الزيتون، والعسل، والدهن، والبخور.
هذه معركة واحدة من مئات المعارك، لنا أن نتخيل هول المعارك التى جعلت النساء تتوقف عن الإنجاب!!
استولى كاموس على مدن كثيرة حتى أطفيح ثم استشهد، ولكن أحمس أكمل من بعده حتى حرر أواريس عاصمة الهكسوس «الشرقية». تصف لنا بردية سالييه كيف فر الهكسوس بعد سقوط أواريس إلى شاروهين «جنوب غزة» فحاصرها الجيش المصرى ثلاث سنوات حتى سقطت وتحررت مصر منهم جغرافياً، ثم جاء تحوتمس الثالث، مؤسس الإمبراطورية، فقضى عليهم تاريخياً إلى الأبد، فلم يعد لهم وجود منذ ذلك التاريخ!
يقول أمي الشعراء:
علمت كل دولة قد تولت
أننا سـمّها وأنا الوباء.
وله أيضا:
من جرح الأهرام فى عزتها
مشى إلى القبر مجروح الإباء
أما آن الأوان أيها المصريون أن نحيى شهداءنا المنسيين، وننتج فيلماً يصور هذه البطولات المنسية؟! نملك أعظم تاريخ ولا نعرف عنه شيئاً، أغنياء بتراثنا ونبدو فقراء، ابتعدنا عن حضارتنا، وعن قيمنا وأخلاقنا، هجرنا بلادنا وارتحلنا، وعدنا بثقافة «صوت المرأة عورة» حتى وهى تبكى على إنسان رحل عنها! يا وزراء الثقافة والتعليم أين تهربون من حكم التاريخ عليكم؟!

الديمقراطية بالتدريج بقلم د. عماد جاد ٢٩/ ١/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير، ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسى كلمة أحسب أنها كانت شاملة وموفقة للغاية، فقد تحدث عن قيمة ثورة الخامس والعشرين من يناير ودماء الشباب التى جدَّدت شرايين البلاد، وأن البلاد تحولت من وطن لجماعة إلى وطن للجميع، ومن بين ما شدد عليه الرئيس فى كلمته أن الديمقراطية عملية تطورية تدرُّجية لا تتحقق بين ليلة وضحاها، وهى أكبر من إجراء انتخابات، وهو أمر لابد أن يعيه الشعب المصرى جيدا، ويتابع عملية التطور الديمقراطى الجارية فى مصر اليوم، والتى تنهض على الفصل بين السلطات والتوازن بينها أيضا، فوظيفة السلطة التشريعية هى التشريع، أى إصدار القوانين، ومراقبة السلطة التنفيذية «الرئيس والحكومة»، وهى وظيفة كانت غائبة فى بلادنا على مدار العقود السبعة الماضية، وعلى الجميع أن يتابع ذلك ويدعمه حتى تتحقق الديمقراطية فى بلادنا.
والديمقراطية قيمة فى ذاتها، تتواجد بتواجد قيم إنسانية أخرى كالعدل والحرية والمساواة، وتعبر عن نفسها فى مؤسسات تمارس السلطة نيابة عن شعب، لها صلاحيات مستقلة ومتوازنة وتراقب بعضها البعض، الديمقراطية تتواجد عندما تكون المؤسسات أقوى وأكبر من الأفراد، عندما يخضع الجميع لحكم القانون، حكاما قبل المحكومين. والديمقراطية بهذا المعنى ثقافة تنتشر فى المجتمع، فلا تكون قيمة من القيم الإنسانية محل تساؤل أو شك، ولا يتواجد فى ثقافة المجتمع ما يتناقض مع قيمة الديمقراطية ولا القيم الإنسانية المرتبطة بها. ومن هنا يصعب الحديث عن بناء نظام ديمقراطى فى مجتمع لديه من الموروث الثقافى ما يتناقض مع القيم الإنسانية مثل الحرية والمساواة والمواطنة والعدل، وأيضا الفصل بين المجالين الدينى والسياسى.
وإذا نظرنا لحالنا فى مصر نجد أنه كان لدينا فى الحقبة شبه الليبرالية من ١٩٢٣ حتى ١٩٥٢، نظام برلمانى، وعلى رأس السلطة التنفيذية مَلِك، جرت محاولات لتقييد صلاحياته من خلال الدستور، كنا فى مصر فى تلك الفترة أكثر تقدما وديمقراطية من دول فى جنوب ووسط أوروبا، وانتشرت مكونات عدة من القيم الإنسانية الأساسية كالحرية والمساواة، ووضعت بذور نظام ديمقراطى سمح بتداول السلطة وتقييد صلاحيات الملك، وقد انتهت هذه التجربة بخروج الجيش للاستيلاء على السلطة فى يوليو ١٩٥٢.
عمل النظام الجديد على إنهاء التجربة الديمقراطية شبه الليبرالية، وقلص من قيمة الحرية لحساب قيمة العدل والمساواة من خلال مبدأ العدالة الاجتماعية، وبدأت تجربة نظام الحزب الواحد، الأمر الذى وضع أساس نظام سلطوى، وجاءت الحروب العربية الإسرائيلية ومقتضيات مواجهة إسرائيل على حساب قيم الحرية والديمقراطية، فقد ظهرت مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، التى استُخدمت لتقييد مطالب الحرية والديمقراطية.
لم يتغير الأمر كثيرا فى عهد السادات ومبارك، فقط حاول كل منهما استيعاب مطالب التغيير والديمقراطية بإجراءات شكلية، أى بناء مؤسسات دون أن تصاحبها القيم المطلوبة ولا نشر ثقافة الديمقراطية، بل بالعكس جرى تشويه القيم الإنسانية بالكامل، واستُخدم «الدين» فى مواجهة مَن يطالب بنشر هذه القيم أو ثقافة الديمقراطية، فقد خرج علينا رجال الدين ليحدثونا عن ولى الأمر، عن الرابطة الدينية، التى تعنى تقديم الدينى على الوطنى، ومن ثَمَّ فلا مجال للحديث عن ديمقراطية ولا مساواة، وأيضا لا مجال للحديث عن حرية إلا فى الحدود التى يسمح بها ولى الأمر.
وجاءت هجرة قطاعات من المصريين إلى بلدان النفط، وتحديدا المملكة العربية السعودية، لتدمر مكونات المنظومة الثقافية المصرية القائمة على التنوع والتعدد وقبول الاختلاف والتسامح والتعايش، لحساب ثقافة صحراية منغلقة أحادية، وجاء توظيف العامل الدينى فى تدعيم شرعية الحاكم، ليقضى على ما تبقى لدى المصريين من ثقافة الديمقراطية والقيم الإنسانية الأخرى. استمر الحال هكذا حتى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، عندما خرج الشباب المصرى يطالب بالحرية والكرامة الإنسانية، وعندما كان يهتف «عيش..» فقد كان يطالب بالمساواة، وهنا بدأت مصر فى تجاوز الثقافة الأحادية والعودة إلى ثقافة التنوع والتعدد، واستلهام القيم الإنسانية، هناك مقاومة من تيارات الإسلام السياسى نعم، وهناك أيضا مقاومة أشد من أنصار النظام القديم الذين تربوا على الفكر الأحادى، ومن ثَمَّ يرفضون كل ما له علاقة بالقيم الإنسانية من حرية وديمقراطية ومساواة وتنوع.
خلاصة القول: نحن نعيش فى مرحلة تحول، وهى مرحلة تشهد صراعا حادا بين مَن يحملون ثقافة معادية للقيم الإنسانية وللديمقراطية، وبين مَن يدفع فى اتجاه نشر هذه القيم وتضمينها فى قلب الثقافة المصرية، المعركة شديدة وتختلط فيها الأوراق، فكثيرون من أعداء القيم الإنسانية وثقافة الديمقراطية ينتمون شكليا للتيار المدنى، وهم فى الحقيقة يحملون نفس قيم وأفكار التيار المتشدد المعادى للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ببدء عمل البرلمان فى العاشر من يناير الجارى، تبدأ عملية التحول الديمقراطى فى مصر، فالبرلمان يمارس صلاحياته المنصوص عليها فى دستور البلاد، وقد تضيق السلطة التنفيذية ذرعا بهذه الصلاحيات والحقوق، لكن تصورى أنها سوف تعتاد عليها، وبمرور الوقت توضع اللبنات اللازمة لبناء نموذج مصرى فى التحول الديمقراطى، نموذج وطنى خالص لا هو مستورد ولا هو مفروض من الخارج، بل نابع من التربة المصرية، وأتصور أن كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير، تقول إن الرجل مستوعب تماما متطلبات عمليات التحول الديمقراطى والثمن المطلوب دفعه، وهو التسليم بالفصل بين السلطات والتوازن بينها.

الدولة القوية والدولة العاقلة- هل من فارق؟ بقلم د. محمد نور فرحات ٢٩/ ١/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

عندما أدلى الرئيس فى عيد الشرطة بتصريحاته حول رفض مجلس النواب لقانون الخدمة المدنية، طالباً من أعضائه التروى فى قراءة مشروعات القوانين جيداً، وأن هذا القانون كان محاولة لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة، وأن هذا الجهاز يضم بين جنباته حوالى سبعة ملايين موظف، وأن الدولة ليست بحاجة إلا لمليون واحد منهم، عندما أدلى الرئيس بهذه التصريحات أثارت تصريحاته كثيراً من التساؤلات والتعليقات والملاحظات، التى أرجو أن يتسع لها الصدر دون ضيق.
الملاحظة الأولى (بالخلاف لرأى متسرع كنت قد أبديته) أن هذه التصريحات لا تنطوى على مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة التشريعية. فالسلطات لا تعمل فى جزر منعزلة، فللرئيس، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، أن يوجه النقد للسلطة التشريعية. مثلما أن من واجب السلطة التشريعية مراقبة أداء السلطة التنفيذية، بل وسحب الثقة منها إن رأت لزوماً لذلك.
وتحفل الحياة السياسية فى الدول الديمقراطية الحقة بهذه الممارسات، بل إن الرئيس أوباما لم يتردد فى توجيه النقد للكونجرس مرارا، بل وتوجيه اللوم الحاد للمحكمة العليا الأمريكية عندما أصدرت حكمها الشهير بشأن تمويل حملات الانتخابات الرئاسية. ولم تتم إحالته إلى قاضى التحقيق بتهمة إهانة القضاء الأمريكى، فليس لديهم هذه التهمة. ولكن ثمة ملاحظات عديدة أحسبها صائبة إلى أن يثبت العكس. فأظن أن الجهة المسؤولة عن إمداد المسؤولين بالدولة، وفى مقدمتهم الرئيس، بالبيانات الإحصائية فى حاجة إلى مراجعة. إذ كيف يقال إن الدولة بحاجة فقط إلى مليون موظف من بين الملايين السبعة من العاملين، إذا كانت وزارة التعليم وحدها يعمل بها ما يزيد على المليون ونصف المليون شخص؟ هل تنوى الدولة إغلاق مدارسها والاستغناء عن معلميها ومساعديهم من الإداريين؟ ونفس الأمر ينطبق على وزارة الداخلية التى يعمل بها ما يقرب من ثمانمائة وثلاثين ألف شخص بخلاف الجيوش الجرارة للأمن المركزى التى ينخرط بها مئات الآلاف من المجندين، ووزارة الصحة التى يعمل بها ما يزيد على أربعمائة ألف شخص، فهل تنوى الدولة الكف عن رعاية الأمن وتقديم العلاج؟ لابد من ضبط الأرقام إن أردنا الخروج بنتائج صحيحة، ويجب أن نفعل ذلك بإخلاص لأننا جميعا فى قارب واحد مصيره واحد.
قانون الخدمة المدنية هو القانون الوحيد الذى رفضه البرلمان الوليد. وثمة مجموعة من الحقائق واجبة الإثبات: أن البرلمان قد وافق دون مناقشة تقريباً، وغالباً دون قراءة، على حوالى ٣٥٠ قانونا رئاسيا، ومنها ما هو أخطر من قانون الخدمة المدنية، وأكثر مساسا بالحقوق والحريات العامة وبأداء الدولة. وتنطوى بعض هذه القوانين التى وافق عليها المجلس على شبهات قوية بعدم الدستورية الموضوعية. ومع ذلك سلم البرلمان من النقد الرسمى لموافقته على هذه القوانين، رغم أن الطريقة التى تم بها تمريرها دون مناقشة تقريباً قد تنحدر بها إلى شبهة الانعدام، وستثبت الأيام صحة وصواب ما كنا عنه معرضين.
الأمر الآخر أن برلماننا الموقر لم يعترض على قانون الخدمة المدنية لاعتبارات تتعلق بالشرعية أو الدستورية أو الحريات أو العدالة الاجتماعية أو حسن السياسة التشريعية (حاشا لله)، وإنما لاعتبارات تتعلق بالمعارك الانتخابية السابقة والقادمة، وأصوات الملايين التى تنتظره خارج المجلس. القانون بذاته قانون جيد يُرَشِّد الجهاز الإدارى المترهل الذى كانت الدولة والتوريث فى الوظائف والوساطة فى توليها سببا رئيسيا فى ترهله وعدم كفاءته، ولكن يعيب القانون كثرة إحالة أحكامه إلى اللائحة التنفيذية، بما يجعل السلطة التنفيذية هى المشرع الحقيقى. ويعيبه أيضا أنه صدر دون حوار مجتمعى حقيقى، وأنه طبق فجأة دون تدرج، وأنه كان بحاجة إلى مزيد من الضمانات للموظفين تحول دون تعسف الرؤساء ضدهم. وكان من الممكن تلافى كل هذه العيوب لو أن أولى الأمر آثروا انتظار تشكيل البرلمان صاحب السلطة الأصيلة فى التشريع، كما فعلوا مع القوانين التى تنظم الممارسات والحريات الإعلامية مثلاً.
ولم يكن بوسع البرلمان وفقاً للمادة ١٥٦ من الدستور أن يدخل أى تعديلات على هذا القرار بقانون أو غيره، لأنه لم يكن أمامه وفقاً لصريح نص المادة إلا أحد خيارين: إما الرفض، وبالتالى يزول بأثر رجعى ما للقرار من قوة القانون، وإما الموافقة بعد المناقشة، وقد رفضه البرلمان بعد المناقشة، وبعد ذلك يأتى الحديث عن تقديم مشروع آخر معدل. وهذا أمر تتحمل مسؤوليته الحكومة التى لم تفهم الفهم الصحيح نص المادة ١٥٦ من الدستور، التى تقصر سلطة الرئيس فى التشريع فى غيبة البرلمان على حالة الضرورة التى لا تحتمل التأخير.
ما علينا، موقف الزهو بالقوة هو المسؤول عن كون رفض البرلمان لقانون الخدمة المدنية هو الممارسة الوحيدة منه لحقه الدستورى فى عدم إقرار القوانين الرئاسية، بينما عزف (أو أذعن) عن عدم ممارسة هذا الحق فيما هو أوجب وأدعى.
موقف الزهو بالقوة ولو كانت غير عاقلة، حين تكون العقلانية القوية هى الأوجب، هو موطن الداء فى الأداء العام للدولة المصرية. فعندما تتسلط الأذرع القوية المفتولة لأجهزة الأمن على زهور شباب مصر بالقبض العشوائى عليهم بحجة نية التظاهر (رغم أن القانون لا يعلق على النيات) ذعراً منها من ذكرى ٢٥ يناير، فليس هذا إلا زهواً غير عقلانى بالقوة ندفع ثمنه غالياً على الساحتين الدولية والداخلية. وعندما يتحول الحبس الاحتياطى عندنا إلى بديل عن الاعتقال غير محدد المدة (حالة طفل التى شيرت نموذجا) فهذا زهو غير عقلانى بالقوة. وعندما يتباهى بعض القضاة بأنهم قضاة إعدامات فهذا زهو ممقوت بالقوة. وعندما تنكر الداخلية وجود حالات الاختفاء القسرى ثم يتبين أن هناك عشرات من المحتجزين لديها خفية، فهذا نوع من استعراض العضلات المفتولة. وعندما تسعى سلطات الدولة (مع كامل توقيرنا وبعدنا عن قصد الإهانة) إلى أن تستخدم سلطتها لخدمة مصالح أفرادها، بينما شرعت هذه السلطة فى الدستور لخدمة الشعب، فهذا نوع آخر من تحويل السلطة إلى تسلط. وأقرب الأمثلة على ذلك الفتوى التى صدرت عن مجلس الدولة بأن رجال القضاء لا يخضعون لقانون الكسب غير المشروع. وقبل ذلك صدر قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة بعدم قبول النساء كقاضيات بالمجلس. وقبل ذلك صدرت تصريحات عن مشروعية الاستثناء وعدم تطبيق القانون على فئات بعينها، لا لشىء إلا أنها تتمتع بسلطة حولتها إلى تسلط وبصلاحية حكم حولته إلى تحكم.
وليس بعيداً عن منطق الزهو غير العاقل بالسلطة تلك الممارسات الفجة التى مورست مع رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات. الرجل موظف عام رفيع القدر، قد يصيب ويخطئ، والفيصل بيننا وبينه هو القانون، الذى يجب أن يطبق بحيدة ونزاهة وتجرد. الرجل وفاء لواجبات وظيفته أشار إلى وجود إهدار جسيم للمال العام من أجهزة سيادية، فإذا برئيس نادى القضاة (وزير العدل الحالى) يتهمه بإهانة القضاء. وبصرف النظر عن أن أى إجراء فى تحقيق هذه التهمة لابد قانوناً أن يسبقه طلب من صاحب الصفة، وهو مجلس القضاء الأعلى وحده، فإن النص على جرائم الإهانات والازدراء والحض على الكراهية وترويج الشائعات المغرضة، وغير ذلك من جرائم هى نصوص غير دستورية لعدم انضباط الركن المادى لها، وفق ما قضت به المحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها.
الدولة القوية يجب أن تكون دولة عاقلة. وتكون الدولة عاقلة عندما يوازن قانونها وقضاؤها موازنة دقيقة بين الأمن من ناحية، وحقوق وحريات المواطنين من ناحية أخرى. وعندما تكون أجهزة إنفاذ القانون قادرة على إنزال حكمه بنزاهة وكفاءة ودون تعسف. وعندما يكون نظام العدالة قادراً على ملاحقة الخارجين على القانون فعلاً لا ادعاء، وتكون الأحكام القضائية واجبة التطبيق فوراً. وعندما تبتعد أجهزة الدولة عن استخدام سلطتها للقصاص لنفسها ممن ينتقدون امتيازاتها أو ممارساتها غير المشروعة، وعندما تتوزع أعباء التكاليف العامة على الجميع، كل حسب مقدرته وكل حسب عمله، وعندما تكون الدولة قادرة على سد ذرائع الفساد حقاً وليس ملاحقة من يكشفون عنه..
والشعوب تراقب.

علاقة الإخوان بثورات مصر.. تاريخ من الخيانات بقلم د. عمار على حسن ٢٩/ ١/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

رغم أنهم لم يدعوا إليها، بل استهجنوا هذه الدعوة وقالوا «لا نعرف صاحبها»، ولم يشاركوا فيها إلا متأخرين، ثم كانوا أول من غادروها وتآمروا عليها وخانوها، فإن جماعة الإخوان تصر على أن تقدم نفسها باعتبارها صاحبة ثورة ٢٥ يناير العظيمة، وها هى تستغل الذكرى الخامسة لها لتتخذ منها ستارا يخفى مساعيها الحقيقية للعودة إلى السلطة، بأى ثمن، حتى لو كان جثة كل الثوار، وكل شباب مصر من غير المنتمين للجماعة.
لقد كتبت مقالا فى «المصرى اليوم» يوم ٥/٤/٢٠١١، أى بعد رحيل مبارك بأقل من شهرين، وبعد استفتاء الغدر على تعديلات الدستور أو ما سميت «غزوة الصناديق» بسبعة عشر يوما، كان عنوانه «الإخوان وغزوة أحد» تحدثت فيه عن انصراف الإخوان عن الثورة، وتآمرهم عليها، وفتحهم الباب لسرقتها، وتوقعت فيه كل ما جرى لهم فيما بعد. واليوم وفى ذكرى الثورة ها هم لا يستحون، يعودون ليتاجروا بالثورة من جديد، بعد أن تنكروا لطليعتها المدنية، ومطالبها الوطنية، ويتحدثون بعبارات ثورية، مع أنهم جماعة محافظة، مشروعها الفكرى من أساسه، يعيد إنتاج الماضى، ولا يتقدم إلى المستقبل، يرفض أن تكون السيادة للشعب ويؤمن بالحاكمية، ويعادى الطريق المدنى ويتحالف مع الجماعات المتسلفة، ويرفض قيم التحدث والحداثة، وهذا كله يطرح السؤال: «كيف يكون ثوريا من يؤمن بأفكار لا تدعو للتطور؟ وكيف يكون ثوريا من ظل طيلة حياته يتحدث عن التدرج البطئ الممل؟».
ومع أن الثورة كانت سلمية، ونادى شبابها فى الشوارع وهم يواجهون قوات الأمن «سلمية.. سلمية» فإن الإخوان ينخرطون فى العنف والإرهاب، بعد تحالفهم الوثيق مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية، ولعبهم دور حصان طروادة لمشروعات خارجية تستهدف أمن مصر وتماسكها الاجتماعى. وبذا يخون الإخوان الثورة مرة أخرى بحرفها عن وسائلها، بعد أن حرفوها عن أهدافها حين استغلوها فى حيازة السلطة، وتنكروا لطليعتها المدنية وشوهوها، وتواطأوا على التنكيل بها من قبل الذين حكموا مصر بعد مبارك مباشرة.
وهذا ليس بجديد على الإخوان، فهم طيلة تاريخهم كانوا على موعد مع خيانات متلاحقة ضد إرادة الشعب المصرى فى التغيير إلى الأفضل، فمؤسس الجماعة حسن البنا، وقف مع الملك فاروق ضد الحكومة غير مرة، وتعامل مع إسماعيل صدقى، رئيس الوزراء وأيد موقفه ضد حزب الوفد، الممثل السياسى الحقيقى للأمة المصرية، فحصل البنا بمقتضى هذا على إعانة من وزارة التربية والتعليم عام ١٩٤٦ مكنت الجماعة من بناء مدارس والحصول على كتب وقرطاسية مجانية، كما قامت الوزارة بدفع النفقات التعليمية والإدارية لهذه المدارس، وفتحت فروعا للإخوان فى كافة المحافظات المصرية، بهدف التضييق على الوفد وتصفية مكتسبات ثورة ١٩١٩.
وحكى أحمد حسين، زعيم مصر الفتاة فى مرافعته القضائية عن أحد المتهمين فى قضية مقتل رئيس وزراء مصر محمود فهمى النقراشى ١٩٤٩، أن حامد جودة الوزير السعدى، فى حكومة حسين سرى ١٩٤١، قد حضر إلى المعتقل الذى حل فيه البنا وبعض الإخوان، واجتمع به لساعات، وبعدها أُفرج عنه وأتباعه، وتُرك بقية المعتقلين من الاتجاهات السياسية الأخرى، وذلك بغية مساندة الإخوان للسعديين، مقابل أن يتركوا له حرية الحركة والدعوة والانتشار، وغضت الحكومة الطرف عن مخالفة البنا للقانون فى إنشائه نظام الجوالة، كما كانت المؤسسات الاجتماعية للإخوان كالمستشفيات والمدارس وجمعيات البر تنشأ تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية، التى كانت تمنحها الإعانات أيضا، كما تمنح شعبة الإخوان الخمسمائة بعض المساعدات، خاصة عبر مجالس المديريات والبلديات.
وعقب ثورة يوليو ١٩٥٢ نسق جمال عبدالناصر مع الإخوان فى السيطرة على المجتمع، وأغروه بأنهم البديل الاجتماعى للأحزاب السياسية ولذا أقدم على حلها مطمئنا، فأجهضت تجربة ديمقراطية مصرية عريقة، لكنه سرعان ما اصطدم بهم حين تصرفوا على أن الضباط الأحرار مجرد مجموعة عسكرية فى الواجهة عليها أن تنفذ مشروع الإخوان وتمتثل له، وتسلم مقاليد الأمور فى البلاد تدريجيا لقيادات إخوانية.
وحين أراد السادات محاصرة اليسار الذى اشتد عوده فى زمن عبدالناصر وظف التيار الدينى المسيس فى تحقيق هذا الهدف، وفتح له باب الجامعات والمؤسسات والنقابات ليتمدد فيها وهو فى مأمن من أى نقد أو تخوف من هذا المسلك الخطر، فما كان منه إلا أن استفحل، وملك زمام المبادرة، ولم يعد طوع بنان السادات نفسه، بل اصطدم به ثم اغتاله فى نهاية المطاف. وأدى تحالف الإخوان مع السادات إلى انهيار مكتسبات العدل الاجتماعى للقاعدة العريضة من المصريين بعد ثورة يوليو.
وتحالف الإخوان مع نظام مبارك، فأطالوا عمره على حساب رغبة شعبية حقيقية فى التغيير، حيث أبرموا اتفاقات وتفاهمات أمنية استغلوها فى التمدد الاجتماعى نحو تمكين لمشروعهم الذى لا علاقة له بمشروع الثورة التى يزعمون انتماء إليها، وبالتالى ها هم يلعبون من جديد دور المعوق لتطور مصر نحو دولة وطنية مدنية حديثة بشكل حقيقى وقاطع.
وفى أوائل أكتوبر ٢٠١٠ قالت مجلة «نيوزويك» الأمريكية الشهيرة إن «مبارك إن لم يجد الإخوان لاخترعهم» قاصدة بهذا استخدام السلطة وقتها للجماعة كفزاعة فى الداخل فيتآلف المثقفون والمدنيون مع النظام، وفزاعة فى الخارج، فلا تطمئن القوى الدولية إلا لهذه السلطة، وبالتزامن مع هذا خرج المرشد العام للإخوان ليتحدث وقتها، على غير إرادة ومصلحة الأغلبية الكاسحة من المصريين، عن عدم معارضة الجماعة لتولى جمال مبارك حكم مصر.
وكان كلما وهن النظام وتراخت قدراته، واتسعت الهوة بينه وبين الناس، يخرج الإخوان من قبوهم التاريخى ليحقنوه بدم جديد، يجعل الحياة تسرى فى شرايينه التى كانت تكاد تتيبس. وكان هذا نابعا من أن الإخوان كانوا يخشون بطش النظام ويقدرون ما لديه من أدوات مفرطة للإكراه المادى والمعنوى، ولا يثقون فى أن الناس سينصرونهم إن وقعت الواقعة ودخلوا ضده فى مواجهة سافرة، وكانوا يعتقدون أن بقاء النظام على حاله من الإخفاق والافتقاد للرضاء الشعبى سيجعل جدرانه المتآكلة تتحطم فى النهاية على أيديهم ليرثوا تركته، ويديروها، وبالتالى ظل تعامل الإخوان مع مبارك دوما يقوم على المثل الذى يقول «اليد التى لا تستطيع أن تقطعها قبلها».
ولذا ظل الإخوان واقفين على باب النظام، يطرقونه فلا يسمح لهم بالدخول، لكنهم لم يغادروه إلى باب غيره، بل انتظروا ما وسعهم، وأعادوا الطرق من جديد بلا كلل ولا ملل، ودون أن يفقدوا الأمل، إلى أن فاجأهم الشعب المصرى فى ثورة عظيمة، فاستكثروها عليه، وهم من اعتادوا الانتظار الخانع الراكع الهاجع الخاضع.
وبعد الثورة فضل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أسند إليه مبارك السلطة بعد تخليه عنها التعامل مع الإخوان والسلفيين عن التعامل التيار المدنى، لأنهم مجموعات منظمة يسهل التعاطى معها بالنسبة لقادة عسكريين اعتادوا النظام وطاعة الأوامر. وساعد على هذا التوجه أن الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت من أجل إعطاء «الإخوان» فرصة للحكم، واستمرأ الإخوان الأمر، متنكرين للثورة أولا ومتربصين بالجيش ثانيا، فأدخلوا بلادنا فى هذا النفق المظلم.
لقد كتبت مقالا قبل أيام عن الثعالب السبعة التى تآمرت على ثورة يناير، وهى الإخوان، والمجلس العسكرى، وفلول نظام مبارك بإمكاناتهم الأمنية والاقتصادية والإعلامية والبيروقراطية، ونظم إقليمية خافت من تغير مصر، والأمريكان الذين خشوا من ثورة نادت باستقلال القرار الوطنى، والأحزاب التقليدية التى كانت تعيش على فتات مبارك، والمراهقون الثوريون. وكان من الطبيعى لكل ما جرى من تاريخ خيانات الإخوان لثورات المصريين أن أضعهم كأول ثعلب- بل ضبع- خان ثورة يناير كما خان غيرها.

الإعدام أو الرجم أو الجلد لفاطمة ناعوت! - محمد عبد المجيد طائر الشمال أوسلو في 27 يناير 2016 . - الحوار المتمدن



سيدي الرئيس
سادتي القضاة
شيوخنا الأفاضل
دعاتنا الكرام،
ما الذي جعلكم تنتظرون كل هذه الفترة لتحكموا على الحُرمة(!) فاطمة ناعوت بثلاث سنوات فقط؟
ألم تسمعوا عن جرائمها؟ إنها تكتب الشعر، وتختلط بالرجال، وتكشف وجهها، وتكحــّــل عينيها، وتقرأ روايات إباحية عن الحب والغرام والولــَـه والصبابة.
إنها تسافر لشرم الشيخ تدعو السائحين الفُــجـَّــار للعودة إلى مصر!
إنها ترتكب أم الجرائم فهي تفكر، وتقرأ القرآن الكريم ممعنة في تفسيراته بدلا من أن تترك ذكور قومها يفسرونه!
إنها تؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، وكذلك المساواة بين المسلمين والأقباط، فكيف تتركونها حرة تؤثر في عقول الناس!
إنها تحب الموسيقى، وتسمع الكلاسيكيات الكافرة، وتنتشي بسوناتا بيانو وفيولين لبيتهوفن، وتغمض عينيها وهي تسبح في موسيقى رحمانينوف وموتسارت وإدفارد جريج، وقد تمادت في غيها وكفرها وزعمت أنها تحب الباليه!
إنها تلقي محاضرات وتنظم ندوات فيسمع الرجال صوتها، وتشاهدها عيونهم الماكرة والشهوانية، بل تصافح الرجال فينتفض الشيطان من مجلسه ليعلن انتصاره.
إنها تنافس الرجال في عالم السياسة حيث أجمع علماؤنا الأفاضل أن مكان المرأة البيت، لا تخرج إلا للقبر أو بيت زوجها، فإذا بها بكل كراهية للإسلام تتحدث عن حقوق المرأة وأموالها وحريتها وثقافتها وتعليمها.
فاطمة ناعوت يرق قلبها للخروف، ولا تستطيع أن تشاهد ديكاً يُذبح كما يشاهد الإسلاميون أطفالا ونساء ورجالا تقطع أيديهم وأرجلهم.
فاطمة ناعوت تستخدم عقلها في فهم آيات القرآن الكريم السامية في وقت تعج فيه الأمة وتكتظ وتتكدس بآلاف العلماء، فتأتي امرأة عورة وتجادلهم وتناقشهم.
قضاؤنا لا أحد يعترض عليه فنحن اخترناه بمحض إرادتنا كما قالت أماني الخياط، وهو القضاء العظيم الذي أفرج عن مبارك وولديه وحبيب العادلي وصفوت الشريف وزكريا عزمي وأحمد فتحي سرور، بل إنه حكم بالإعدام على أكثر من 1500 شخص في بضعة أيام.
فاطمة ناعوت تظن أن أنثىَ يمكن أن تتفوق على رجل، رغم أن أكثر أهل النار من النساء.
فاطمة ناعوت تكره التيارات الدينية المتطرفة، وعلى رأسها الاخوان وداعش والتيار السلفي، لذا كان ينبغي الحُكم باعدامها.
فاطمة ناعوت يجب ان تكون عبرة لمن تسول له نفسه الاقتراب من زبيبة أو لحية أو نقاب أو منبر أوشيخ أو تعاكس تفسيرا غير الذي أُلقيَ في أذنيها، أو تتشبه بالرجال فتقرض الشعر، وتتظاهر، وتعتصم، وترفع راية الوطن، وتزعم أن الله رب قلوب
فاطمة ناعوت أخطأت فظنت أن الرئيس سيقوم بحمايتها، واعتقدت أن الدستور يقف مع الفكر والمنطق والموضوعية والعدالة والمساواة، فإذا بكل هذا يتهاوى في لحظة واحدة تماما كما تهاوت مطرقة العدالة عندما قرأ القاضي مئة وتسعين ألف صفحة تدين مبارك وابنيه وحبيب العادلي وصفوت الشريف وأحمد فتحي سرور وزكريا عزمي فحكم بتبرئتهم.
فاطمة ناعوت تثير الرجال الطيبين الضعاف أمامها، ويتهافتون على صورها وكتاباتها وحواراتها بحجة المتابعة النقدية، لكن أعينهم تكاد تقفز من رؤوسها.
فاطمة ناعوت تناهض الطبيعة فتشفق على أرنب، وتبكي على عصفور، وتدمع عيناها على كلب أعرج، ويغرقها دمع غزير على جنود مصر الشهداء، فتكتب لهم وعنهم ومنهم، فيغضب القضاء والرئيس والبرلمان والشيوخ والدعاة ، فهذا إزدراء للأديان.
فاطمة ناعوت تقوم بزيارة شركاء الوطن الأقباط في كنائسهم ومعابدهم لتوسيع رقعة التسامح، رغم أنهم أهل ذمة وكفار ولا يدفعون الجزية وهم صاغرون.
فاطمة ناعوت قتيلة الحب الوطني، ونحن في دولة ساهم في وضع دستورها من يحتقر العــَــلــَــم المصري، ويرى النشيد الوطني معزوفات الشيطان، ومع ذلك فهم يحظون باحترام القضاء والرئيس والإعلام.
فاطمة ناعوت قامت بتعريتنا جميعا، وإثبات أننا رضعنا النفاق مع حليب أمهاتنا، وأن كل مصري داعشي منذ أن كان حيوانا منويا يسابق الريح فيخصب بويضة وهو يمسك السكين بيساره، ويرفع أربعة أصابع بيمينه.
اقتلوا فاطمة ناعوت فهي امرأة تتطهر بالعقل، وتتوضأ بالشعر، وتستحم بحروف ضادها الجميلة، وتحارب من أجل وطنها، فإذا بوطنها يسدد لها لكمة تجعل الغوغاء يثورون (من الثيران ) ويــُــثارون ( من البورنوجرافية الدينية )، ويثأرون ( من الفكر الدموي)!
جريمة فاطمة ناعوت تهتز لها السماوات والارض، فهي تحب الله والوطن والتسامح والسلام، فــانصبوا لها ولمحبيها محاكم التفتيش في كل مكان.
كل من يتخلىَ عن فاطمة ناعوت في هذه اللحظات كمن يمزق خريطة مصر ويلقي بها لتماسيح سد النهضة، أو كمن يستبدل بالعربية العبرية، أو كمن يطلب من الأزهر تدريس خطب الخليفة أبي بكر البغدادي.
فاطمة ناعوت، سامحينا فنحن غزاة الوطن والدين! سامحينا فنحن لم نبدأ بعد رحلة التعرف على الله.

الجمهورية الثالثة لحكم الضباط الاحرار محمد حسين يونس الحوار المتمدن-العدد: 5059 - 2016 / 1 / 29 المحور: مواضيع وابحاث سياسية

    

الجمهورية الاولي لحكم الضباط الاحرار ..بدأت رسميا بعد 18يونيو 53 ، بحلم ديموقراطي طوبوى للتخلص من عهد إعتبروه بائدا ،يوم إعلان (الجمهورية المصرية) برأسة اللواء محمد نجيب. 
ثم مع أحداث وخلافات مارس 1954أخذت الجمهورية (قبل أن تكمل عاما من عمرها ) مسارا مغايرا يتجه نحو الدولة الفاشيستية الشمولية التي يسيرها الضباط مباشرة بأنفسهم ( دون برلمان ) بعد أن إبتكر أعداء الوفد من مستشارى مجلس الدولة (سليمان حافظ وعبد الرازق السنهورى ) لهم مبدأ الشرعية الثورية بدلا من الشرعية الدستورية فصدقوه وتبعوه و تولي عبد الناصر رئاسة مجلس وزراء كان معظم أعضاؤه زملاء له من السادة الضباط الاحرار (المنقلبون علي الملك والرئيس الجديد ). 
وبزرع الصف الثاني من الضباط في كل مفصل سياسي أو إدارى وتكوين هيئة التحرير(الجد الاكبر للحزب الوطني ) بدأت الامور تتجه نحو إستقرار النظام الجديد ومع نجاح الاستفتاء علي دستور يونيو 56 دان حكم مصر(رسميا وشعبيا ودستوريا ) لعبد الناصروصحبه من (الثوار ) مكونا الجمهورية الاولي للضباط الاحرار.
حكام الجمهورية الاولي كانوا قد تعلموا ونشأوا كأبناء مدللين في المجتمع الليبرالي .. الذى كان لا يجرم لعب القمار أو أن يكون في أندية الضباط بارات يتناولون فيها المشروبات الكحولية أو يجلسون حول حمام السباحة مع عائلاتهم من بنات الارستقراطية المصرية اللائي يرتدين ملابس عصرية و يكشفن شعورهن وقد يرقصن في المناسبات التي يرتادها أقرانهم بالملابس الاحتفالية.
ومع ذلك كان أغلب الضباط من المهتمين بالهم العام، المعاديين للاستعمار الانجليزى، و الذين يقرأون( وقد يدرسون ) العلوم الاجتماعية و الفلسفية و يدورون بين أفكار وإنتماءات الاحزاب اليسارية أوالفاشيستية والاخوان المسلمين .. و يشعرون بغصة من هزائم 48 فينشرون أنها قد حدثت بسبب أسلحة فاسدة وردتها حاشية الملك لا بسبب نقص تدريبهم و عجزهم في الفنون العسكرية. 
حكام الجمهورية الاولي كانت لهم طموحات عريضة بدأت بعد وضع أيدهم علي أجهزة إتخاذ القرار بالدولة وتتصل بالاستقلال عن النفوذ الاجنبي واللحاق بركب المعاصرة الذى عمت أنواره اوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية .
و لان خبرتهم محدودة ..و فكرهم غير متماسك أو متجانس ولصعوبة تطويع الراسماية المحلية التي كان أغلبها من اليهود المصريين و الاجانب المتمصرين خاضوا معارك طويلة مع الفصل العنصرى والمصادرة والتأميم مستخدمين كل أدوات الحماس و الحشد الجماهيرى خلف أحلام لا تختلف في طوباويتها عن ما كان سائدا في العالم من إرهاصات ثورة عالمية تقودها دول معسكر الحياد الايجابي ومحاربة الاستعمار .
هذا الصراع الطويل والمستمر إنتهي بإقرار قوانين يوليو 1961 للسيطرة علي الاقتصاد القومي وخلق نظام رأسمالية الدولة أو ما أطلقوا علية (الاشتراكية العربية ) .
مع أعباء حرب اليمن وهزيمة 67 إنتهي إكلينيكيا زمن الجمهورية الاولي ناصرية التوجهات والمرتبطة بأحلام القومية العربية، ثم فعليا بتولي الرئيس المؤمن بطل الحرب و السلام الحكم بعد وفاة الزعيم وإنقلابة يوم 15 مايو 1971علي رجاله من أعضاء (الاتحاد الاشتراكي العربي) ليضع خلال الفترة من 71 حتي صدور قانون تشجيع الاستثمار رقم 8 لعام 1977 نقطة الختام الفعلي لحكم الجمهورية الاولي للضباط الاحرار،تاركة وطنها منهكا تماما بعد أن خاضت به أربعة حروب (اليمن ، 67، الاستنزاف و 73 )و حازت علي عداوة الممالك العربية وحكومات اوروبا و أمريكا بسبب دورها المحورى في منظمات تأييد حركات التحرر الوطني والاصرار علي أن إسرائيل عدوا إستراتيجيا . 
الجمهورية الثانية توطدت أركانها علي دعاية واسعة مبالغ فيها(أن الله سبحانه منٌ علينا ) بإنتصار( ما) علي إسرائيل كانت فية الملائكة تحارب بجوار الجنود و كانت صيحة (الله أكبر) تهز أرض المعركة هزا .. لقد أنهي جنود مصر بعبورهم ذل الهزيمة و أصبحوا في موقف القوة الذى يسمح بتوقف الحروب مع العدو التقليدى للجمهورية الاولي و علي مصر أن تتعايش مع الوضع الجديد في إطارعلاقات سلام تدعمة أمريكا بالفكر و النفوذ والمعونات . 
صاحب إنهاء مرحلة (لا صوت يعلو علي صوت المعركة ) والاحتفال بالزمن الجديد عاملين أساسيين ، أولهما تمكين الجهاز الادارى من إنشاء جمهورية النهب والسرقة و العمولات و الفساد ، المنقلبة علي الناصرية والاتحاد الاشتراكي (ذو الفساد المحدود )و(المنقلبة أيضا )علي العلاقات مع دول المعسكر السوفيتي ويا أهلا بنعيم الانفتاح .. و الانضمام لمعسكر اوروبا /امريكا الرأسمالي مانح القروض والمعونات والتسهيلات. 
والعامل الاخر أن القائد المنتصرأعلن فجأة أنه رئيس مسلم لبلد مسلم .. ويستقبل مجاهدى أفغانستان .. و يجند المليشيات لدعم أخوه الاسلام..وينعكس هذا علي المجتمع الذى يضطهد اليسار و الكفار ( المخالفين لدين الرئيس ) و يسقط علي المجتمع من السماء الشيخ متولي الشعراوى .. و (الشيخ) مصطفي محمود .. يشغلون كل أجهزة الاعلام بأفكار مضادة للعلمانية (الهشة ) الناصرية ..و تبدأ موجة لبس الحجاب و النقاب ( علي الرغم من أن الرئيس المؤمن يسمح لزوجته وبناتة بالسفور .. وتقبيل رؤساء جمهوريات الاعداء ) و يعلو الاذان من جميع الاركان .. و(الله أكبر) علي مظاهر الايمان رائع يا سيادة الرئيس و لذلك يغتالك من أغرقت بهم السوق السياسي و الاجتماعي في بلدك الحزين .
الرئيس مؤثث الجمهورية الثانية لحكم الضباط الاحرار أراد لها أن تأتي متلفعة بالمناورة و الفساد و الغش في اوراق اللعب فإنعكس هذا علي جميع القرارات و منها إختياره لنائب مشكوك في ذمته منذ أن إختارتة ليبيا للتفضيل بين أنواع الطائرات ..فإختار من ناوله المعلوم .. و منذ أن كون عصابة نقل السلاح من أمريكا .. لقد كان هذا النوع من الضباط المفضل لدية . 
وإنقلب الحال في القوات المسلحة .. الجميع حرص علي أن تكون سجادة الصلاة واضحة لمن يزورونهم .. والزبيبة تخترق العيون .. و العمرة سنويا (علي حساب صاحب المحل ) و السيدات المرتديات الحجاب أغلبية بين المستمتعات بالنوادى و المستشفيات العسكرية .. و التوجيه المعنوى يقوم به مشايخ محترفون تعلموا من الشيخ المتولي أو من سلفيي السعودية .. و أصبح جيش الجمهورية الثانية .. جيش إسلامي يتوق المنضمين إليه أن يطلقوا لحاهم .. و في نفس الوقت ( لاتنسي نصيبك من الدنيا ) وهو كثير يا خال .. بس اللي يجيله نفس يعبي . 
مع إغتيال المؤمن بواسطة المؤمنين توسعت جمهورية الفساد .. وشملت كل شبر من أرض مصر المحروسة فقد وجدت التربة خصبة خلال ثلاثة عقود حكم فيها .. المبارك وعصاباته . 
إنتهت الجمهورية الثانية لحكم الضباط الاحرار .. بإقالة المشير طنطاوى و مساعدة الفريق عنان.. وتفرق مجلسهم العسكرى .. الذى سلم مصر (عن عمد ) للاخوان المسلمين و السلفيين متغاضيا عن أنهم إرتكبوا جميع الموبقات السياسية والانسانية بدأ من التهديد والارهاب والاغتيال .. و إضطهاد المخالفين وسرقتهم بإسم الشريعة و الدين.. والتضليل أثناء الاستفتاءات ونهاية بتزوير إنتخابات الرئاسة .
تصرفات هذا المجلس العسكرى جاء متسقة كنتيجة لتهميش متعمد لدور الجيش في الحياة العامة أثناء حكم الرئيس المبارك بعدما رأى سلفة ينقل كجثة إلي المستشفي في 6 إكتوبر1981مغتالا بواسطة رجاله. 
القوات المسلحة يوم أن نقل لها المبارك السلطة كانت جيش محدود العدد و التسليح .. غير مسموح له بدخول سيناء(طبقا لاتفاقية السلام ) ..مشغول بالتدريب الداخلي و الخارجي .. موجه في إتجاهين .. الوطنية و التمسك بالاخلاق الحميدة بواسطة وازع الدين .. في نفس الوقت مدللا ماديا .. و ذلك عن طريق إدارة مشاريع مدنية تبدأ بتسمين العجول و تصنيع الالبان و اللحوم .. و لا تتوقف عن أداء أى نشاط إقتصادى بما في ذلك تكوين خمسة فرق للكرة تلعب وتنافس في الدورى المصرى تحت رعاية و تشجيع سيادة المشير القائد العام ووزير الدفاع . 
الجيش له ميزانية لا يراجعها الجهاز المركزى للمحاسبات و توضع في الموازنة العامة للدولة كمخصصات .. من الافضل عدم الاطلاع عليها .. ولا أعرف هل تم تخفيضها بعد إعلان حالة السكون القتالي أم ظلت علي حالها .. ولكنني متأكد أن حياة الضباط في نهاية الجمهورية الثانية كانت أفضل من حياتهم خلال الجمهورية الاولي . رغم كل ما يشاع عن تدليل المشير عامر لرجاله ، فإن المشير طنطاوى فاقه و تعداه بمراحل .
المجلس العسكرى الذى ورطه مبارك في تحمل مواجهة تذمر الشعب .. لم يكن معد نفسة لهذا العبء الذى يفوق قدراته .. لذلك بدأ بأداء التحية العسكرية للشعب .. ثم تقدم خطوة خطوة في إتجاه تجميد القوة الدافعة لطلب إسقاط النظام .. و كما تعلم من السادات .. أخرج من الجراب ورقة الاخوان والسلفيين لمواجهة المد الذى في طريقة ليصبح ثورة سياسية و إجتماعية .. و بسرعة ..إعترفوا بالمحظورة .. وأتوا بمستشارى مجلس الدولة يفتون كما فعل ضباط يوليو .. فوجدنا الجمل و البشرى .. يوجهونهم .. لتسقط الانتفاضة في حجر الاخوان .. و يغطي ميدان التحرير في جمعة ما القادمون من قندهار الذين زرعهم الرئيس المؤمن لضرب السوفيت هناك .
عندما إنتهت الجمهورية الثانية بتجميد قيادة الجيش عن الفعل تخيل مزورى الانتخابات من الاخوان المسلمين أن حكم مصر قد دان لهم ..وأنهم بعد نصف قرن يردون علي عبد الناصر و عصبته ضربهم وتشتيتهم و يجلسون علي كراسي إتخاذ القرار .. لكن لم يمض أكثر من عام (حسبناه قرونا) حتي خرج الشعب يستجير بقواته المسلحة لتصحح ما وقع منها من خطايا بتسليم البلاد و العباد لحثالة البشر من الاخوان المسلمين وحلفاءهم من السلفيين .
ضباط القوات المسلحة الذين لبوا النداء بشرف و نية بيضاء .. حددوا هدفهم منذ اليوم الاول (التصدى لمرسي و عصابته) ولم يطمعوا( كما هي العادة ) إلا في لعب دور البطل الشهم الذى يقض علي الاشرار .
وهكذا أعلن وزير الحربية و القائد العام للقوات المسلحة المشير السيسي خطة وفاق وطني بخارطة مستقبل من عدة نقاط كالتالي:
تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بجميع الصلاحيات لادارة المرحلة الحالية
تشكيل لجنة مراجعة التعديلات الدستورية على دستور 2012 
مناشدة المحكمة الدستورية العليا اقرار قانون انتخابات مجلس النواب ، والبدء في اجراءات الانتخابات 
اتخاذ اجراءات لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكونوا شركاء القرار في السلطة التنفيذية
تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية تمثل مختلف التوجهات
وضع ميثاق شرف اعلامي يكفل حرية الاعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية.
و كما حدث مع الجمهورية الاولي لحكم الضباط.. عندما توجهوا لتسليم الحكم إلي الادارة المدنيه فوجدوا أن الساحة قد خلت إلا من عناصر متفرقة من الساسة .. يحاول كل منهم أن يركب الموجة ويقود سفينة الضباط الي المجرى الذى يراه ينتهي بمرفأه .. حدث مع ضباط الجمهورية الثالثة .. لقد كانت الساحة أيضا خالية تماما من الثوار و بذلك أصبحت الارض للمرة الثانية ممهدة لاعلان الجمهورية الثالثة لحكم الضباط الاحرار من الجيش . لتواجه القيادة بعد أن وضعت قيادات الارهاب في سجون خمسة نجوم بالسؤال القديم الحديث .. ما العمل ؟ و نحن لم نعد أنفسنا لان نحكم مصر .
السيد الرئيس أسر قلوب المصريين بإبتسامته و تهذيبة و رقة خطابة مع تواضع القادرين .. أمامه تلال من الهموم و المشاكل و القضايا التي ينوء بحملها الجبال .. أهم هذه المشاكل هو السلبية التي يتعامل بها المصرى مع مستقبله .. يتوالد كالارانب .. ولا يعمل .. و تصبح اللقمة التي لا تكفي فرد مقسمة علي خمسة في بعض الطبقات و الاماكن .. و ترميها في القمامة طبقات أخرى دون أن يهتز لها رمش . الانتاج متدهور و توزيع عائد الانتاج مجحف .. والديون تتراكم و خدمة الدين وحش يمتص الكفاف الذى ينتجه المصريون .. إنها نفس مشاكل الجمهورية الاولي .. ولن تجدى حلول الجمهورية الثانية . 
السيد الرئيس يقود شعب جاهل .. منوم مخدر بواسطة من هم أكثر منه جهلامن مدرسين و إعلاميين و رجال الدين .. و لا تجدى حلول الجمهورية الاولي فالجمهورية الثانية أفسدت الجميع و الشره أصبح غولا لا حدود لاطماعه .. و السوق يقذفون له كل يوم الالاف من محدودى القدرات تنتجهم أله جهنمية ..صنعتها الجمهورية الاولي .. وإستولي عليها سلفي الجمهورية الثانية .. تطلق المظاهرات .. وتقيم قضايا الحسبة علي الاذكياء ولا تتوقف عن العبث بالكتب الصفراء و إزعاج البشر بفتاوى تسمح بالاغتصاب و فتح أسواق النخاسة . 
السيد الرئيس محاط بالوحوش التي يطلق عليها ( إذا ما رأيت نيوب الليث بارزة .. فلا تحسبن أن الليث يبتسم ) فالرجال حوله يعدون العدة للافتراس ..إن فساد الجمهورية الاولي المحدود أصبح ظاهرة عامة في الجمهورية الثانية .. ولم يتغير في الجمهورية الثالثة .. مهما أفرغت في الافواه من الاموال فسيظل من شب علي شيء شاب علية .. الفساد لا يعالج بالقوة و القانون .. وأجهزة الرقابة ..ففي الجمهورية الثانية تحول القانون لخادم للفاسدين و أجهزة الرقابة لشريك .. ولازال الامر علي ما هو علية .
السيد الرئيس علية التعامل بنفسه في قضايا العلاقات الخارجية .. فالجمهورية الاولي دمرت العلاقات السوية و الطبيعية من المعسكر الرأسمالي و هو لازال يحتفظ بذكريات اليمة .. و الجمهورية الثانية غدرت بالحلفاء من المعسكر الاشتراكي ولازالوا يحتفظون بذكريات اليمة .. والعرب و المسلمين و الافارقة ينظرون بريبة و توجس تجاة نوايانا بعد أن راوا لاعب الثلاث ورقات الساداتي يتلاعب بهم.
الجمهورية الثالثة .. عليها الان و حالا وفورا .. العمل علي تسليم البلاد لقيادة ديموقراطية تتمثل في أحزاب جماهيرية لها خططها و إسترا تيجيتها .. وأدواتها الحامية للشعب و القادرة علي قيادته تجاه المعاصرة و لان الحاكم لم يعد يوم طالبته الجماهير بإنقاذها أنه يمتلك مصباح علاء الدين لتغير الواقع المهين .. فعلي المصريين .. وضع خطة إستراتيجية تحقق فيها النقاط التي بدأ بها المشير السيسي .. و التي أطلق عليها خارطة المستقبل ..( فالعيشة بقت مرة نريد حكومة حرة ).

Thursday, January 28, 2016

مستقبل القفص الحديد بقلم سمير مرقس ١٣/ ١/ ٢٠١٦ (١) - المصرى اليوم

«الإدارة فى المغارة: يوميات التنقيب والتجريب»؛ هو الجزء الثانى من كتاب نقوم بإعداده عن «قصة الميرى المصرى»، الذى «فُتّه» (من فاتنى)، فلم أعمل به منذ تخرجى. ولكنه «لحق بى» فى ظروف معقدة. كان الجزء الأول من قصة الميرى عنوانه: «الشفرة السرية للبيروقراطية المصرية». وقد تشرفت بنشر ١١ حلقة من هذا الجزء فى «المصرى اليوم» العام الماضى، لاقت ترحيبا كبيرا واطلاعا واسعا. فى الجزء الأول، حاولت أن أقوم بعمل تأصيل تاريخى علمى لقصة البيروقراطية المصرية منذ الفراعنة إلى يومنا هذا. آخذا فى الاعتبار أنه لا توجد دراسة مصرية حول هذا الموضوع ـ فى حدود علمى ـ تناولت المسار التاريخى للبيروقراطية المصرية. حيث ركزت أغلب الدراسات والرسائل على عصور بعينها مثل: الحكومة فى العصر البطلمى، عصر المماليك، أو الإدارة فى عهد الاحتلال البريطانى... إلخ. ولكننا أخذنا نتعقب تطور الجهاز الإدارى فى مصر من عصر إلى عصر. ما مكننا أن نطرح تصورا حول أثر أنظمة الحكم الوافدة، ومن ثم الأنظمة الاقتصادية التى تم تطبيقها على طبيعة هذا الجهاز.
(٢)
أما «الإدارة فى المغارة: يوميات التنقيب والتجريب»؛ فلقد حرصنا من خلاله أن نتأمل وندرس ونختبر الجهاز الإدارى المصرى من خلال مجموعة من الإشكاليات والقضايا والأفكار. سوف نعرض لبعض منها، كل فى مقال. يعتبر «قصة الميرى المصرى» من أهم التجارب التى خضتها، أو كما أحب أن أجيب عندما يسألنى عنها أحد: «إنها تجربة عمرى». تجربة لم أسع إليها. ولكن القدر رتبها، والضرورة دفعتنى للاستجابة للدعوة، فى سياق ظرف تاريخى معقد. كان حصادها عاما كاملا فى المحليات وسنة ونصفا فى الحكومة. وقد حاولت فى أرض الواقع أن أمارس نوعا من الإدارة ينتمى إلى ما أحب أن اطلق عليه: «الإدارة التفاعلية الحوارية»، وليست الهرمية الجافة الآمرة القمية. وذلك بتأثير العمل التنموى الذى امتهنته لزمن طويل بالتوازى مع العمل العام. وأن أترجم هذه الخبرة إلى عمل علمى، ربما بتأثير ما تخصصت فيه لاحقا، وهو تقييم المؤسسات والمشروعات التنموية. وظنى أن تطوير الجهاز الإدارى المصرى لن يحدث إذا ما استمر التعاطى معه بشكل وظيفى إجرائى دون النظر إلى تأثير التحولات الاقتصادية/ الاجتماعية عليه، وعلى فهم ظروف نشأته التاريخية الفرعونية، ثم تحديثه الفوقى الذى تم على يد محمد على. وإرغامه على التخديم على التوجه الاشتراكى وهو غير مهيأ لذلك. وأخيرا تخديمه على التوجه النيوليبرالى مع قانون الانفتاح ١٩٧٤، ما خلق تعقيدات كبرى نتحدث عنها فى حينها.. وأن تطويره فى الواقع ـ وبالضرورةـ يرتبط موضوعيا بالنموذج التنموى المنوط به أن يحقق التقدم.
(٣)
لماذا المغارة؟.. واقع الحال أن هذا هو الانطباع الأول الذى تملكنى عندما عبرت مدخل البناية الضخمة فى يومى الأول بالمحليات. بناية حديثة تقترب من الـ١٥ دورا فى قلب القاهرة. ولكن ما إن تدلف إلى داخلها حتى تجد نفسك وقد عدت بالزمن إلى الوراء كثيرا. فالمبنى فى حالة يرثى لها من الداخل: مظلم، ومعتم، وتهويته سيئة، والأفراد يزيدون على الحد. ونصف المصاعد لا تعمل، هذا بالإضافة إلى انكشاف البياض عن حديد التسليح حيث بات يطل بأطرافه من كل جهة. كما لاحظت أنه لا توجد أجهزة كمبيوتر إلا فيما ندر والأهم أنها قديمة.. يلاقيك المواطنون يشتكون من تعنت الموظفين وتأخر مصالحهم. ولاحظت أن الشاكين أغلبهم من الفئات الدنيا. وكان التنبيه الأساسى لى هو «ألا أصدقهم». فهم يبالغون فى ما يقولون بل يكذبون. وعلى الجانب الآخر تجد أن هناك من يعرف كيف ينهى مصالحه مع الموظفين بطريقة أو أخرى. وهناك إدارات تحمل تسميات حديثة مثل: العلاقات العامة، و«الآى تى» وهى بعيدة تماما عن ذلك،... إلخ. إنه مشهد يوحى بأنك فى مغارة معزولة عن العالم بالرغم من أن الإدارة التى بداخلها هى المعنية بأن تنفذ الاشتراطات والمعايير الصحيحة التى من شأنها أن تؤسس حياة مدنية طبقا للقوانين التى تعدل بين الجميع وفى نفس الوقت تحافظ على الجمال العام.. وفجأة تذكرت فكرة لماكس فيبر، ما هى؟..
(٤)
طرح ماكس فيبر فكرة تقول: «إن المقومات الأساسية للدولة الحديثة تقوم على نظام إدارى (بالإضافة إلى قانونى) يكون قادرا على تنظيم الحكم والضبط والسيطرة انطلاقا من معاملة متساوية لكل المواطنين فى شتى المجالات: التعليم، تسجيل المواليد، وتوثيق الوفيات، وتنظيم البناء، وتوفير التصاريح المتنوعة، والضرائب، وتأمين الخدمات، وتيسير الخدمات... إلخ. ومن ثم يصبح الجهاز الإدارى مثل «القفص الحديد»، حيث عناصره الوظيفية تقوم بأعمالها بمن داخله وإن بدا «كالسجن» وفق «دولاب عمل» غاية فى الانضباط. بهدف تحقيق العدالة بين المواطنين (راجع الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية).. وكان السؤال...
(٥)
هل يا ترى لم يزل تصور فيبر حول بيروقراطية «القفص الحديد» قائما؟...هل الإدارة التى تكمن فى «المغارة» بمعزل عن الواقع وتفاضل بين من تخدمه ولا تخدمه، يمكن أن تستمر قفصا حديديا كما عرفته المجتمعات التى قطعت شوطا فى التقدم؟ وهل تنجح القوانين فى إخراج الإدارة من مغارتها؟ وكيف يمكن أن نتجاوز مرحلة القفص الحديد التى أظن العصر قد تجاوزها ـ لأسباب كثيرة ـ شريطة انضباط وعدالة الجهاز الإدارى؟.. ونواصل...

الإدارة فى المغارة (٢).. الذاكرة المؤسسية بقلم سمير مرقس ٢٠/ ١/ ٢٠١٦ (١) - المصرى اليوم

تتحرك الإدارة المؤسسية الحديثة وفق تصورات تحكم هذه الحركة. تبدأ أولاً: من الفلسفة الإدارية التى يتم اختيارها، والخطط الممتدة والوسيطة والقصيرة، والسياسات العملية، والكيفية التى تحقق أهداف المؤسسة، والهيكلية المناسبة، والتوصيف الوظيفى لكل موقع من مواقع هذه الهيكلية... إلخ. ويشترط ثانياً: أن تكون هذه التصورات موثقة بشكل مكتوب، ومتاحة وقابلة للتداول عند اللزوم. ذلك لأن هذه التصورات ما إن تتحول إلى واقع عملى من خلال «دولاب العمل اليومى» يتم تقييم- ثالثاً- الأداءات والممارسات على أرض الواقع حتى يمكن إحداث التصويب المطلوب إذا ما لزم الأمر.. ولكى تكون العملية متكاملة لابد من توثيق كل مراحلها فى صورة تقارير دورية تتسم بالتكامل بين البعدين: الكيفى والكمى.. ويعرف كل ما سبق: بـ«الذاكرة المؤسسية» للكيان الإدارى.. ويشار هنا إلى أن القوانين واللوائح المنظمة فى هذا السياق المؤسسى الحداثى يتم تشريعها وفق التصورات التى يتم الاتفاق عليها لا العكس. أو بلغة أخرى، ما القوانين- فى هذه الحالة- إلا خادمة للتوجهات العامة. وتتسم «الذاكرة المؤسسية» بأنها تكون مدونة وموثقة وقابلة للاستعادة والتداول فى أى وقت، إما بغرض إعادة النظر فى أمر من الأمور، أو للتعريف بعمل الكيان وجهوده، أو للتذكير بتوجهات الكيان، أو بتوجيه القادمين الجدد إلى الجهاز الإدارى.. إنها «الإدارة فى النور».
(٢)
على النقيض، نجد «إدارة المغارة» تقوم على أن يقوم القادم الجديد باكتشاف أسرار المغارة بنفسه والتنقيب عن تاريخها، ومساراتها، ومقدراتها، وهو وشطارته، لذا رأينا أن نعنون هذه الملاحظات حول الجهاز الإدارى: بـ«يوميات التنقيب والتجريب».. «فحراس المغارة» من قدامى/ عتاة الموظفين يحتفظون بما لديهم من معلومات. ولا يتبرعون بتقديم أى معلومة إلا بمقابل أن يحظوا بمزايا ما. ويجيبون بـ«القطارة» إذا ما سئلوا، ناهيك عن سيادة الذاكرة الشفاهية، وهى ذاكرة ـ أردنا أو لم نرد ـ يشوبها: التحيز، الانتقاء، اللامؤسسية، شبهة التوجيه الخاطئ، احتمالية النسيان... إلخ. وهو أمر اختبرناه بأنفسنا. وأذكر أنه فى اليوم الذى طرح علينا فيه الالتحاق بالمحليات، أننى بحثت عن أى أوراق تعيننى فى مهمتى فلم أجد. سألت عدداً من المسؤولين حول: الرؤية العامة الحاكمة للمنصب، والتوصيف الوظيفى والصلاحيات والمهام... إلخ. وفى كل مرة كنت أطلب ذلك كانت الإجابة كما يلى: «أكيد هناك أوراق توفر كل ما تريده من معلومات، وعموماً المحافظ ونائب المحافظ هما بمثابة رئيس الجمهورية فى موقعهما».. وفى الواقع العملى، وبعد بحث وتنقيب، وجدت أن القليل المدون ما هو إلا مجموعة من العناصر الإجرائية العملية لا يوجد ما يؤصلها مفهومياً، وأن الصلاحية محدودة على غير ما هو شائع. الأهم هو أنه لا توجد «ذاكرة مؤسسية»، بالمعنى الذى شرحناه، يمكن توفيرها للقادم الجديد.. فلا يوجد «تسليم وتسلم» كما هو متبع فى التقاليد العسكرية المعروفة أو فى الكيانات الإدارية الحداثية.. ويترجم البعض ممن درسوا هذه الظواهر أن هذه ظاهرة تتسم بـ«الهدر» بامتياز.
(٣)
المحصلة، أن الإدارة الفاقدة لـ«الذاكرة المؤسسية» تدفع بعناصرها الإدارية للبدء من جديد مع كل قيادة جديدة. ما يعنى «التجريب»، فى غياب الوثائق الأساسية. ويؤدى ما سبق إلى: عدم الاستمرارية الإدارية، ومنع التراكم، وعدم ضمان أن يحقق الكيان الإدارى ما تأسس من أجله، وتشوه- يقيناًـ الرؤية الحاكمة لحركته، ومن ثم القدرة على الإنجاز الممتد والمؤثر فى حياة المواطنين. وعليه افتقاد الجهاز الإدارى صفته كـ«قفص حديد»، بحسب تعبير عالم الاجتماع الأشهر ماكس فيبر، كجهاز مؤسسى منضبط وعقلانى يعمل لحساب المواطنين فى دولة المواطنة، ليكون قفص حديد «تحكمياً» يعمل لحساب «حراس المغارة» الذين فى يدهم: «التعطيل» أو «التعجيل».. ويصبح جل اهتمام الجهاز الإدارى هو تنفيذ اللوائح بصورة لا روح فيها، والحفاظ على مكاسب المغارة وخصوصيتها وقفصها الحديدى التحكمى لا الخادم للمواطنين.
(٤)
ويفرض غياب «الذاكرة المؤسسية» أن تجرب القيادة الإدارية الجديدة. والتجربة تعنى احتمالية الصواب كما تعنى احتمالية الخطأ. وقد تكون حداثية شبكية وقد تكون تقليدية هرمية. وفى الحالتين تفرض إدارة المغارة نفسها فلا تسمح إلا بالقليل الحداثى مقابل تستيف الملفات وتأمين إرسال المذكرات فى مواعيدها، والاستجابة لخطط يتم وضعها بمنطق معكوس ومقلوب تجاوزته المؤسسات الحداثية، وإعداد ميزانيات ذات بنود حجرية ذات ميزان مختل عن كل ما هو متعارف عليه فى ميزانيات كهذه، حيث غالبية البنود تكون لتنفيذ وتطوير قدرات الكيان الإدارى، بينما لا يتجاوز الـ٣٠% من البنود ما يعرف بالإداريات.. ونواصل.
بعد المقال:
بالمصادفة، شهدت جانباً من البث التليفزيونى الحى لتوزيع جوائز مؤسسة ساويرس الثقافية، وسعدت جداً بالتقدير الذى حظى به الدكتور سيد ضيف الله عن كتابه: «صورة الشعب بين الشاعر والرئيس». وهى رسالته للدكتوراه التى تقدم بها حول قراءته لخطاب الشاعر الكبير فؤاد حداد ورؤساء مصر: ناصر، والسادات، ومبارك.. وهو العمل الذى كتبنا عنه أربع مقالات فى نفس هذا المكان وعن أهميته وجدة تناوله للموضوع فى الصيف الماضى. تهنئة للمؤلف الشاب الدكتور سيد ضيف الله بالتقدير.

الإدارة فى المغارة «٣» «اللى تشوفه معاليك»! بقلم سمير مرقس ٢٧/ ١/ ٢٠١٦ «١» - المصرى اليوم


فى يومى الأول بالمحليات، جمعت قيادات المحافظة كى أعرض لهم تصوراتى التى اجتهدت فى إعدادها على مدى أسبوع حول منهج العمل المستقبلى. كذلك رغبتى الصادقة فى أن أسمع منهم، فى ضوء خبرتهم، ملاحظاتهم عن المدى الذى يمكن أن نصله فى ضوء ما هو متاح من موارد: مادية وبشرية، من جهة. وظروف صعبة، من جهة أخرى. مستفيدا من كل ما اختبرته فى عملى التنموى فى الفترة من ١٩٨٦ إلى ٢٠٠٧، سواء كميسر للعمل التنموى على المستوى القاعدى، أو مقيما للمؤسسات والمشروعات التنموية.. وبعد ما يقرب من الساعة عرضت فيها تصوراتى من خلال عرض بالشرائح المعينة. وما إن انتهيت طلبت من الحضور رأيهم من واقع خبراتهم الميدانية. فجاءنى ردهم، الذى كان أقرب إلى «كورال موسيقى» عالى التدريب، فى صوت واحد وبهارمونية بديعة: «اللى تشوفه معاليك»!.. حاولت مرة أخرى، وقلت: «حابب أسمع رأيكم».. فأسمعونى نفس الإجابة: «اللى تشوفه معاليك».. فسُقط فى يدى.. ولكنى لم أيأس، حيث كررت طلبى مرة أخرى مقدما إياه بعبارة: «لا بجد، هو فيه مشكلة تقولوا رأيكم؟!»...عندئذ سمعت بعض الاختلال فى التوافق الصوتى لدى الكورال المدرب. حيث بقيت الأغلبية على ردها الذى جاء واضحا وبجماعية حاسمة: «اللى تشوفه معاليك». بينما انتبهت أن هناك أقلية شذت بعض الشىء عن الباقين بقولها الأقل حدة فى نغمته الحاسمة: «اللى تشوفه سيادتك».. واعتبرت «خلخلتى» لانضباط الكورال نجاحا.. ولكن الإجابة المتكررة كانت تحمل الكثير من الرسائل.
«٢»
«اللى تشوفه معاليك»، عبارة يجب تأملها كثيرا. فهى تعنى من ضمن ما تعنى، أولا: أن المسؤولية الأولى والأخيرة هى مهمة رأس المكان. وثانيا: أن الجميع يعملون وفق أفكار وتوجيهات وخطط «الرأس». ثالثا: ما يحكم العلاقة بين المستويات الإدارية هو «الهرمية الإدارية»، فلا مجال لمن هو دون الرأس أن يفكر أو يخطط أو يضيف على توجيهات المسؤول الكبير.. وعليه تتمحور الحركة حوله. ويكون الملاذ لكل من يطلب معونة والمرجع فى كل شىء. ولديه تتجمع كل التوقيعات حتى لو كانت من عينة: نقل موظف صغير من مكان إلى مكان، أو تجديد إجازة وضع، أو تجديد إعارة، أو...إلخ. وعند وقوع أى مشكلةـ مهما كانت بسيطةـ يتطلع الموظف إلى «الكبير» لحل المشكلة متجاوزا كل المستويات الإدارية. وهنا تجد الجهاز الإدارى الذى يبدو أنه يتسم بالصرامة الشديدة يتحول إلى حالة ما قبل حداثية ولا مؤسسية، مجسدا النموذج السائد فى الريف المنظم للعلاقة بين الريفيين والسلطة. حيث العمدة هو المرجع الأول والأخير فى إدارة شؤون الفلاحين. فالكل يلجأ إلى «أبا العمدة» لحل مشاكله. وهكذا فى الجهاز الإدارى يصر الكثيرون على اللجوء إلى «أبا العمدة» لحل مشاكلهم، بالرغم من أن هناك مستويات إدارية من واجبها أن تحل المشكلات، قبل أن يتم تصعيدها إلى قمة الجهاز الإدارى.. إنه نموذج «أبا العمدة» الإدارى.
«٣»
إذن، نحن أمام حالة بيروقراطية تسعى إلى الحفاظ على أسرار المغارة الإدارية أو الإدارة المغارية، خاصة إذا لم نكن نعرف بعد ما إذا كان الوافد الجديد الذى تسلم المسؤولية سوف يستمر أم لا. أو أنه سوف يستسلم لقواعد المغارة أم سيحاول أن ينقب فى دهاليزها. ومن ثم يبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يظهر ما يستوجب تغيير الموقف.. وبهذا يكون المسؤول أمام موقفين هما: الأول أن يقبل بالأمر الواقع فُيستغرق فى حل المشاكل باعتباره «أبا العمدة». وأن يستمر دولاب العمل يعمل وفق قواعد المغارة وببركة صاحب المعالى، والتى تعنى قبوله بعبارة الكورال «اللى تشوفه معاليك»، أو التواطؤ، ما يعنى أن تستمر الإدارة فى المغارة، دون تصويب أو تطوير أو تقديم الخدمة المدنية، بما تعنيه علميا. كذلك الصالح العام. الثانى: أن يحاول خلخلة الواقع قليلا، حيث يتحرر من محاولة إغراقه المتعمد فى أمور إدارية، يمكن أن تحل فى مستويات إدارية أدنى. ومن ثم التحرر من نموذج الإدارة على طريقة «أبا العمدة» حيث التمركز التام للسلطة. وذلك بتفويض السلطة أو بإعادة الاعتبار للمؤسسية بصورة أو أخرى. وابتكار آليات متنوعة تزيد من الشراكة فى اتخاذ القرار كما تقلل من مركزته قليلا. خاصة أن الفهم العلمى الدقيق للمحليات يعنى اللامركزية أو صناعة القرار من أسفل، ومن خلال شراكة شعبية. ومن ثم لا يمكن الاستمرار فى عمل المحليات بمفهوم يتناقض مع فلسفتها.. ويقينا يتناقض مع عبارة «اللى تشوفه معاليك».
«٤»
وتحتاج عملية «الخلخلة» إلى ابتكارات تتجاوز الحلول النمطية. كما تدرك أن القوانين وحدها غير قادرة على تطوير الجهاز الإدارى ميكانيكيًّا، لأن هناك حاجة إلى التعاطى المباشر مع واقع البيروقراطية المصرية، كما حاولنا أن نقترب إليها فى دراستنا عن الشفرة السرية للبيروقراطية المصرية. ومن خلال دراساتنا المكملة لها حول الإدارة فى المغارة. فمن خلال الخبرة فى المحليات والجهاز الحكومى، أظن أننا فى حاجة إلى كوادر إدارية مدربة على ما أُطلق عليه الإدارة الحوارية التنموية التى تعرف مفاتيح الشفرة البيروقراطية، والقادرة على التنقيب فى المغارة والخروج بالجهاز الإدارى من عتمة المغارة إلى نور الشمس.. ونواصل.

Wednesday, January 27, 2016

التحميس بالتقديس والتهميش بالتشويش بقلم د. يوسف زيدان ٢٧/ ١/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بعد توقف دام طويلاً لأسباب يعرفها كثيرون، نعاود اليوم كتابة المقالات الأسبوعية «والقلب فيه ما فيه» مستكملين سبيل السباحة ضد التيار الارتدادى المضطرم، المضطرب، الذى يريد المستحيل: العودة بالزمن إلى الوراء للعيش فى الماضى الذى انقضى وانطوت صفحته.. ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، مهما استمات أصحاب التوهمات، لكننا، مع رفضنا العيش فى الماضى، نرفض القطيعة معه والانقطاع عنه، لأن تراثنا القديم ذخيرة فينا ما دمنا نعى به ونستلهم منه ونستهدى بمناراته ونقاطه المضيئة، انطلاقاً من القواعد العامة التى صاغها لنا قدماؤنا بأنصع العبارات وأرهف المفاهيم، مثلما نرى مثلاً فى قول ابن خلدون: يجب علينا إعمال العقل فى الخبر.. وقول ابن النفيس: ربما أوجب استقصاؤنا النظر، عدولاً عن المشهور والمتعارف.. وقول الإمام الجيلانى: إياكم والاعتياد.. وقول النبى: ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس، أن يقول بحق إذا علمه.
وتلك وأمثالها، ليست زخارف أقوال نتسلى بترديدها وإبداء الإعجاب ببلاغتها، وإنما هى قواعد منهجية نستعين بها عند مواجهة موروث التخلف الذى ران على عقولنا عدة عقود من الزمان، انحدر خلالها العقل الجمعى المريض إلى الحضيض، حتى ابتعدنا عن إيقاع العالم المعاصر وصارت بلادنا مواطن بلاء، تتفاقم فيها سخائف المشكلات ويموت بسببها الناس وتحتدم الحروب.
ولا سبيل أمامنا اليوم، فيما أرى، إلا القيام بثورة ثقافية بالمعنى الذى شرحته بالتفصيل فى الفصل الأخير من كتابى الصادر قبل شهر بعنوان «شجون مصرية» وهى ثورة لا تصطخب فى الشوارع والميادين وإنما فى العقول والأذهان، هادفة إلى الخروج من دهليز التدهور الحضارى الذى نقبع فيه، بإعادة النظر فى المفاهيم الأساسية والتصورات العامة التى تقوم عليها الأفكار والمعتقدات الفرعية التى تتحكم فى سلوك الأفراد والجماعات.. وهذا أمر ليس بالهين، وهو مطلب تقوم فى طريقه عوائق عديدة لابد من إزالتها، منها ما جعلناه عنواناً لهذه المقالة الأولى من سباعية القدس «بيت المقدس، إيليا، بيت هميقداش، أورشليم، أوروساليم، يبوس».
وبالمناسبة، فسوف تكون هذه المقالات أحياناً على هيئة سباعيات مقالاتها منفصلة متصلة، وأحياناً على هيئة مقالات مفردة أو ثلاثيات، بحسب طبيعة الموضوع المطروح أمامنا للنظر وإعادة الاعتبار، ومكوناته الرئيسية التى يجب تفكيكها وإعادة بنائها فى أذهاننا على نحو أكثر عقلانية ومنطقية، وأقل غموضاً والتباساً.. وأحياناً، سيكون لقاؤنا الأربعائى هذا، مع قصة قصيرة أو نص أدبى ينفض عن اللغة الغبار.
■ ■ ■
والآن، نعود إلى المقصود من عنوان مقالة اليوم، لنرى معاً كيف يكون التحميس بالتقديس من جهة، ويكون التهميش من الجهة الأخرى بالتشويش؟.. دعونا نستعرض بعض الأمثلة مما رأيناه معاً خلال السنوات الخمس الماضية، الملتهبة، التى أودت بمصير عدة بلاد عربية، وسوف أقتصر فى إيراد الأمثلة والشواهد، على الحوادث والوقائع الكبرى التى جرت فى أنحاء مصر:
بعد أيام قلائل من اندلاع ثورة يناير ٢٠١١ ولفترة طويلة تالية، رأينا من الغرائب والعجب العجاب كثيراً، فالثورة التى قامت لهدف سياسى هو إسقاط النظام الحاكم و«وأد» فكرة توريث الحكم، وغاية اجتماعية هى القضاء على رموز الفساد وزمرة الناهبين، حفلت بتظاهرات حاشدة تنادى بل تزعق فى الشوارع بشعارات مثل: إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية «كأن الثورة اندلعت لتبحث عن هوية مصر».. على القدس رايحين شهداء بالملايين «دون تفسير لإقحام القدس فى الأمر! ولماذا شهداء وليسوا منتصرين؟».. خيبر خيبر يا يهود!
وسرعان ما التهب الحال بحجة أن امرأة «مسيحية» اسمها «كاميليا» يقال إنها أسلمت وأهلها يمسكونها فى كنيسة! وبدأ آنذاك مسلسل البؤس «إحراق الكنائس» لتحرير كاميليا المشكوك فى قصة إسلامها، بينما تعانى النسوة المسلمات من مشكلات لا حصر لها لم تحرك حماس متظاهر واحد «العيش بالعشوائيات، الأنين تحت وطأة الفقر، العنوسة، التحرش الفاجر.. وغير ذلك» ثم كانت فاجعة «أبوالنمرس» حيث سُحل وقتل أبرياء بتهمة أنهم: شيعة يسبون صحابة الرسول الذى جاءنا بالدين! من دون انتباه إلى أن الجهلة والعوام يسبون الدين نفسه أحياناً فى العلن، دون أن يثير ذلك بواطن الثائرين.. وفى تلك الفترة الفوضوية، ترشح للرئاسة د. محمد مرسى فكان يستعمل فى دعايته الهجوم غير المبرر على اليهود الذين كان يصفهم بأنهم أحفاد القردة والخنازير «كأنه مؤمن بنظرية التطور»، فلما استقام له الأمر الرئاسى، راح يغازل حكام إسرائيل والمسؤولين الأمريكيين بكل معسول الكلام.
فى تلك الأمثلة دليل على أن العقل الجمعى المصرى، أعنى النظام الإدراكى لغالبية الناس لاسيما العوام منهم، به من الخلل والتخريف مقدار كبير يسمح بإثارة الحماس لأية قضية، مهما كانت باطلة أو غير مناسبة التوقيت أو مختلقة، بسكب «القداسة» عليها وإعلائها فوق ما عداها باعتبارها مسألة دينية.. وعلى هذا النحو، اكتسح الذين لعبوا بالتدين المشهد السياسى العام، وتمكنوا من الوصول إلى الحكم فى غفلة من العقل القويم، فكانت الورطة التى دفعنا ثمنها غالياً وسوف نظل ندفعه إلى حين قد يطول.
وقد اقترن «التحميس بالتقديس» ببزوغ الشأن السياسى لرافعى راية الإسلام والمستفيدين منه، وبأفول نجمهم أيضاً، وكلنا شهود على ما كان يهرف به الرئيس الإخوانى فى سويعات حكمه الأخيرة، قائلاً: دمى فداء للشرعية.. مستغلاً التقارب اللفظى والمعنوى بين كلمتى «الشرعية، الشريعة»، وموهماً سامعيه بأن السلطة السياسية هدف تجوز من أجله «الشهادة» وغاية تستحق سفك الدم، ومن هنا، خرج أعوانه الموتورون يقتلون الناس بإطلاق الأعيرة العشوائية تجاه البيوت، ويُلقون بالصبية من فوق الأسطح على مشهد من الجيران، من دون أى شعور بالذنب أو بالتجنى، ومن غير حرص على أرواح الناس أو أرواحهم هم! لأن السعى للسلطة السياسية صار مكسواً بالقداسة المثيرة للحماس الدينى، والدين فيما يتوهمون أهم وأسبق وأولى من الدنيا «مع أن العكس أصح، إذ لا يقوم الدين إلا فى مجتمع»، وبالتالى، فلا بأس عندهم أن يقتلوا المسلمين ويقتلهم المسلمون، ماداموا يدافعون عن الشرعية.. عن الشريعة.. عن الدين.. عن الله! مع أن الله قال فى قرآنه الكريم إنه جل علاه يدافع عن الذين آمنوا، وليس العكس.
كما اقترنت حيلة التحميس بالتقديس «التى تعلمها الإسلاميون من اليهود والمتهودين، حسبما سنرى فى مقالة الأسبوع القادم» بحيلة أخرى لا تقل خبثاً ووضاعة ومناسبة لعقول العوام من الناس، هى «التهميش بالتشويش» حيث يتم صرف الأنظار عن القضايا والمسائل المهمة، بأخرى مختلقة يتم الترويج على نطاق واسع لها، وتوجيه الأنظار بقوة إليها، فينجرف اهتمام الناس إلى وجهة بعينها تناسب أصحاب الأغراض، وينصرف الاهتمام عن الأمور الأهم.. ولنتذكر بعض الأمثلة:
فى الفترة التى كان الإخوان والسلفيون يمهدون فيها لدولتهم التى ظنوا أنها ستدوم لهم خمسين عاماً على الأقل، وكانوا خلالها يُفرغون الوظائف العامة لأتباعهم، ويمنحون الجنسية وبطاقات الرقم القومى لعشرات الآلاف من الوافدين على سيناء بالأسلحة، ويجتهدون بحماس لرفع شأن أعضاء حركة حماس، ويعدلون الدستور.. كان إعلامهم يثير عبر جماعة من المعتوهين مسائل، مثل: ما السن الشرعية لزواج الفتيات، تسع سنوات أم سبع سنوات أم لا تشترط السن مادامت البنت تطيق النكاح «مع أن الفتيات فى مصر والفتيان، فريسة العنوسة وتأخر سن الزواج!».. التهويم بأن هناك «حارة مزنوقة» يجتمع فيها أعداء مصر وعملاء المؤامرة الكونية، الماسونية، الصهيونية، الإمبريالية.. إثارة نفوس الناس بحلقات تليفزيونية كتلك التى قدمتها قناة الجزيرة بعنوان «فلسطين، مأساة وطن»، بينما عدة بلاد عربية تتداعى كالجدار المهيأ للسقوط.. اختطاف ثلاثة يهود من سكان إسرائيل وذبحهم، ومن ثَمّ قيام «جيش الدفاع» بتدمير غزة وقتل ما يزيد على ألف ومائتى شخص، ليس من بينهم بطبيعة الحال الذين اختطفوا اليهود وقتلوهم.
إذن، ارتبطت الحيلتان «التحميس بالتقديس» و«التهميش بالتشويش» وصارت بينهما تفاعلات وتفعيلات مصطنعة، طيلة السنوات الخمس الماضية.. ولم يقتصر استعمالهما على الإخوان والسلفيين والذين يُسمون «رجال الدين»، وإنما سلك هذا السبيل أيضاً أعضاء المجلس الذى أدار البلاد من بعد سقوط مبارك، فترسخت الحيلتان وصارتا نهجاً لكل من أراد اللعب الرخيص على الصعيد العام، ومنهجاً مذموماً لدى كثير من الناس، منهم مثلاً الزاعقون اليوم والناعقون لإيقاد نار الحرب بين السنة والشيعة.. ومن هنا، ندخل لمسألة بيت المقدس وما يتعلق بها من كلام عن مفهوم الإسراء والمعراج وقداسة الأقصى «الجريح» والقدس «الأسير» ومكانة المدينة المسماة زوراً: دار السلام.. فدعونا نروِ بدء الحكاية.
■ ■ ■
فى غمرة الطغيان الجارف لمشاعر الكراهية والغل، كنت على سبيل «العلاج بالضد» أكتب فقرات فى «فقه الحب».. ثم جمعتها فى كتاب بهذا العنوان، أرادت بعض البرامج التليفزيونية الاحتفاء بصدوره، فخرجت فى حلقة على الهواء مع المذيع الشهير عمرو أديب، الذى كان قد استعرض قبيل اللقاء الأخبار الجارية، ومنها هجوم بعض المسيحيين المصريين على البابا تواضروس، لأنه زار مدينة القدس.. فقلت فى ثنايا كلامى، إن هذا دال على جهلهم بتراثهم، لأن المسيحية لا تعرف «القدس» وإنما المقدس عندهم هو «إيلياء» التى قامت بعد تدمير القدس على يد الإمبراطور إيليانوس مادريانوس «هادريان» أما بيت المقدس فهو وصف عبرانى لأورشليم، أخذه المسلمون عن اليهود. سألنى: وماذا عن الإسراء والمعراج؟ قلت إن الإسراء ثابت فى النص القرآنى ولا مجال لإنكاره، أما المعراج فلا أعرف من أين جئنا به «وهو غير مذكور فى القرآن».. فوقعت الواقعة التى فيها تم تطبيق حيلة التحميس بالتقديس، وحيلة التهميش بالتشويش، فثارت فى بعض النفوس نوازع الكراهية والمقت وأزيح «فقه الحب» عن المشهد.. على النحو العجيب التالى:
بعد انتهاء البرنامج بنصف الساعة فقط، خرجت البوابة الإلكترونية لإحدى الصحف المصرية المعروفة بالابتذال والفبركة، بعنوان كاذب لافت للأنظار «يوسف زيدان ينكر الإسراء والمعراج» وبعد ساعتين نشرت الصحيفة ذاتها كلامى تحت عنوان أعتى ابتذالاً وأوقح فبركة، «يوسف زيدان يدعى أن القدس من حق اليهود» وفى الصباح الباكر، وبعد اتصال تليفونى بأحد المدرسين بجامعة الأزهر، لم يسمع الناس باسمه من قبل ومن بعد، نشرت الجريدة التى لا تحظى باحترام أحد موضوعاً بعنوان «الأزهر يكفِّر يوسف زيدان».. وفى الظهيرة، كانت العناوين الثلاثة قد تناقلتها المواقع الصحفية العرجاء، على الصورة نفسها «الكاذبة، المشوِّشة».
وفى اليوم التالى، التقطت قناة الجزيرة وشبكة «رصد» البائسة، الخيط المهترئ، فنزلت إلى الشوارع بكاميرا تستوقف الناس بسؤال: ما رأيك فى «فلان» الذى ينكر الإسراء والمعراج؟ فيرد العابرون، أو بالأحرى بعضهم: كافر.. فيصير ذلك هو العنوان! وبعد يومين، تم التقاط بعض العبارات المبهمة المشوَّش عليها والمشوَّش بها، واقتطاع فقرات من محاضرة عامة لى موجودة على «اليوتيوب» منذ قرابة عامين، وليس فيها من قريب أو بعيد ما يفيد «العنوان» الذى قامت القناة الحقيرة بوضعه تدليساً وتزويراً: السيسى يكلف المثقفين بالتمهيد لبيع القضية الفلسطينية. «ويعلم الله أن كلمات فلسطين والقدس والإسراء والمعراج، لم ترد قط فى حديث دار بينى وبين الرئيس.
وعلى طريقة الحقراء من أهل الدسّ والتدليس، وإمعاناً فى التحميس بالتقديس والتهميش بالتشويش، وصفت الأبواق الإخوانية الموتورة هذه الكذبة الحقيرة بأنها: تسريب خطير. «ويعلم كثير من الناس أن المحاضرة المقتطف منها الكلام المشوَّش، كانت قبل قرابة عامين، وكانت علنية، فليس فى الأمر أى تسريب.
ولأن غالبية الناس يكتفون عادة بقراءة العناوين، ولا يستوثقون، فقد صار الكذب كأنه اليقين.. وخلال عشرة أيام، نُشرت عشرات المقالات الزاعقة الناعقة الناعية حال فلسطين! وكنت قد نويت تجاهل الأمر برمته، إلا أنه اتّسع على نحو أهوج، فصار من الواجب التبيان، تلافياً لمزيد من الخوض فى هذه النقيعة والوقوع فى شَـرَك تلك الوقيعة.. ولذلك عرضت رؤيتى فى حلقة تليفزيونية مع «خيرى رمضان» أورد عليها بعض الأفاضل ملاحظات، وعلى رأسهم د. على جمعة، د. عدنان إبراهيم، الحبيب الجفرى.. وفى الأسابيع المقبلة، سوف أورد رؤيتى متكاملة الأركان، وأوضح غايتى من طرح هذه القضية، مستفيداً من الملاحظات التى تفضل هؤلاء الأفاضل بإيرادها، وردودى عليهم، وتثبيت ما أراه «وقد يكون خاطئاً وقد يكون صائباً».. وسوف تكون مقالة الأربعاء القادم، بعنوان يُفصح عن محتواها: الاستعمال السياسى للدين «اليهودى».. وتأتى المقالة التالية لها بعنوان: الاستعمال السياسى للدين «الإسلامى»، ثم نتحدث بعد ذلك عن «العروج» وعن «الإسراء» وعن آفاق الحلول الممكنة لمشكلة فلسطين وحروب العرب والعبرانيين «المسلمين واليهود» وهى الحروب التى يتكسَّـب منها كثيرون ممن لا يقدرون قيمة الإنسان ودمه المسفوك هباءً.