Translate

Sunday, July 16, 2023

شخصيتى.. وكيف تكون متكاملة؟.. الطريق العملى للنصرة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 16/7/2023

 لقد رسم لنا الكتاب المقدس الطريق العملى للنصرة الروحية، إذ وضع أمامنا الركائز التالية:

1- الشبع الروحى: «فالنفس الشبعانة تدوس العسل» (أمثال 7:27)، فحتى لو كانت الخطيئة عسلًا لذيذًا، إلا أنه مسموم!!، والشبع الروحى يجعل الإنسان مكتفيًا بأغذيته الروحية، فلا يحتاج ولا يميل إلى العسل المسموم الذى تقدمه لنا الخطيئة.

ويكون الشبع الروحى بمصادر كثيرة مثل:

1- الصلوات وقراءة الكتب المقدسة: حيث نجد فيها غذاءً روحيًّا دسمًا، وخبرات إنسانية مهمة، ووصايا وتعاليم ومعجزات ووعودًا إلهية.

2- التسبيح والترتيل: إذ يتسامى بالفكر إلى آفاق سمائية وإلهية، ويقف بنا خاشعين فرحين أمام عمل الله وكمالاته.

3- المناسبات الدينية: كالأصوام التى ترتفع بالروح وتضبط الجسد، وكذلك الأعياد التى تبهج النفس، فلا تبحث عن أفراح الأرض الزائلة.

4- الخدمة ومساندة الآخرين: إذ يفرح الإنسان بالعطاء، ويستفيد من بركات الخدمة: الروحية والفكرية والإنسانية، إذ «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال 35:20).

- القراءات الروحية: التى تنير الطريق، وتدسم النفس، وتشبع الذهن. وقد قال القديس الأنبا أنطونيوس: «أتعب نفسك فى القراءة، فهى تُخلصك من النجاسة» لأن «كثرة القراءة تُقوم العقل الطوّاف».

- الاجتماعات الروحية: حيث تشبع النفس بالشركة مع الله فى الصلاة، والاستماع إلى كلمات النعمة فى العظات، والتفاعل بمحبة مع بقية أعضاء الجسد المقدس، من خلال تكوين صداقات وعلاقات بنّاءة.

2- الجهاد الأمين: إذ يُعلمنا الكتاب المقدس: «كل مَن يجاهد يضبط نفسه فى كل شىء» (1كورنثوس 25:9، 2تى 5:2، عبرانيين 4:12).

ونتذكر هنا جهاد آبائنا الرهبان مع كل أنواع الخطايا، سواء فى مجال الجسد أو الفكر أو النفس أو الروح، وكيف انتصروا بنعمة الرب على كل حروب العدو، وصاحوا مع النبى يوئيل: «ليقل الضعيف بطل أنا» (يوئيل 10:3)، ومع بولس الرسول: «أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى» (فيلبى 13:4).. «يعظم انتصارنا بالذى أحبنا» (رومية 37:8).

وماذا نقول عن انتصار الشهداء، الذين رفضوا إنكار السيد المسيح، أو التبخير للأصنام، أو التخلى عن العقيدة الأرثوذكسية، أو عن الطهارة والعفة، وكانوا على استعداد أن يموتوا بأى طريقة، رافضين الخضوع للإثم أو الانحناء للشيطان.

‍‍‍‍‍‍‍3- الاعتراف الأمين: فمهما كان الشبع الروحى، ومهما كان الجهاد الأمين، فلن يصير الإنسان معصومًا من الخطأ، ولابد أن يتعثر من آن لآخر. وكما علمنا قداسة البابا شنودة الثالث، إذ حينما نعترف بأمانة وانتظام وروح توبة واستعداد جيد، ننال غفرانًا لخطايانا، كما نأخذ إرشادًا لأرواحنا من الأب الروحى، كيف نسلك فى طريق القداسة، وكيف ننتصر على خطيئة ما، وكيف نحل مشكلة نتعرض لها.. إلخ.

ومهما كان تكرار السقوط فى بعض خطايا المرحلة، فالرب ينتظرنا فاتحًا ذراعيه، قائلًا بفمه الطاهر: «مَن يُقبل إلىَّ لا أُخرجه خارجًا» (يوحنا 37:6).

المهم أن نستمر فى الشبع والجهاد والاعتراف الأمين، وهكذا تتوارى الخطيئة من حياتنا: كمًّا وكيفًا!!، أى أننا لا نزيد على خطايانا خطايا جديدة، ونبدأ أن ننتصر تدريجيًّا على خطايانا القديمة، فنتحرر من العادات المسيطرة، وإن كنا نتعثر من آن لآخر، ثم نتركها تمامًا بالفعل، ثم ننتصر على مجرد الميل الداخلى نحوها، بنعمة الرب وأمانة الجهاد.. فيكون التعثر بعد ذلك قليلًا، والنصرة هى الأمر الغالب.

وفى هذا يقول معلمنا يوحنا: «يا أولادى أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا (هذا هو جهادنا، وهدفنا ألّا نخطئ)، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب» (1يوحنا 1:2،2). أى أن النصرة ستكون هى الأمر الغالب، والتعثر يأتى من آن إلى آخر، والرب يسند ويغفر ويبارك جهادنا.

4- روح الرجاء: فالرب «لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح» (2تيموثاوس 7:1)، وهكذا فمهما فشلنا فى محاربة أمر ما خاطئ، فإن النصرة قادمة هى فى الطريق، وعلينا ألّا نيأس مطلقًا، فالرب هو الذى وعدنى: «لا تخف، آمن فقط» (مرقس 36:5)، وطلب منى أن أقول دائمًا: «لا تشمتى بى يا عدوتى (الخطيئة)، لأنى إن سقطت أقوم، إذا جلست فى الظلمة، فالرب نور لى» (ميخا 8:7).

ومعروف أن «الصديق يسقط سبع مرات ويقوم» (أمثال 16:24)، أى أنه قد يسقط كثيرًا، لكن المهم أننا فى النهاية نقوم، بقوة الرب وأمانة الجهاد الروحى.

وقديمًا قال الآباء: «أليق بنا أن نموت فى الجهاد الروحى، من أن نحيا فى السقوط».. فلنجاهد إذن بكل قوتنا، فإذا حدث أن تعثرنا، فعلينا ألّا نيأس، بل نمتلك روح الرجاء، فى إلهنا المحب الذى يغفر لنا خطايانا، ويسندنا أمام ضعفاتنا، وينصرنا على عدو الخير، على إبليس وجنوده، نعمة الرب تسندنا جميعًا. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.


Sunday, July 9, 2023

شخصيتى وكيف تكون متكاملة.. كيف أتخلص من العادات الضارة؟ - الأنبا موسى - المصري اليوم - 9/7/2023

 هناك عادات كثيرة ضارة، متصلة بالروح: كالشهوات الشريرة، أو بالعقل: كالسرحان في الصلاة أو الأفكار السلبية، أو بالحواس: كالنظر والسمع وتعاطى المسكرات والمخدرات، أو بالجسد: كالعادات الشبابية والعلاقات المحرمة، أو بالعلاقات: كالأصدقاء الأشرار الذين يدمرون حياة أصدقائهم.

ونحن نشكر الله القادر أن يحرر أولاده من كل قيد وعبودية، فهو الذي قال لنا: «تعرفون الحق، والحق يحرركم» (يوحنا 32:8)، وقال أيضًا: «إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا (يوحنا 36:8). كما قال لنا الرسول بولس: «كل من يعمل الخطية هو عبدللخطية» (يوحنا 34:8)، «إنما دعيتم للحرية أيها الأخوة، غير أنه لا تُصيّروا الحرية فرصة للجسد» (غلاطية 13:5).

والسؤال الآن هو: لو أننى استعبدت لعادة معينة، فكيف الخلاص منها؟

والجواب: لا بد من ثلاثة أمور:

1- الاقتناع: أي أن يقتنع الإنسان بأن هذه العادة مدمرة، للروح: إذ تحرمنى من الله، وللفكر: إذ تحرمه من التركيز والإبداع والنقاوة، وللنفس: إذ تورثها التعاسة والإحساس بالذنب، وللجسد: إذ تتسبب في أمراض كثيرة، وللعلاقات: إذ تحصر الإنسان داخل نفسه، وتمنعه من تكوين علاقات جيدة.

وإن كنا قد ألمحنا إلى آثار التدخين والخمر والمخدرات بسرعة، فالعادات الشبابية الأخرى فيها أخطار كثيرة مثل:

■ فقدان للطاقة البدنية.

■ فقدان للطاقة الجنسية.

■ نمط غير سوى، يضر بالحياة الزوجية فيما بعد...

■ تحدث التهابات مزمنة يصعب علاجها.

■ انحصار في الذات، له متاعبه النفسية والاجتماعية.

■ جوع روحى وفراغ داخلى، يحرمنا من النمو في محبة الله.

ونحن لا نريد التهويل من آثارها، ولكننا- أيضًا- لا نريد التهوين منها، لذلك لا بد من:

2- الامتناع: فالاقتناع الفكرى وحده لا يكفى، إذ لا بد من الامتناع والتوقف عن هذه الممارسات السلبية.. فلا معنى للاقتناع بأن التدخين له خطورته على الصحة الجسدية والنفسية والروحية، ثم يستمر الإنسان في هذا الأمر!! ما معنى الاقتناع إذن؟!.

إن هذا نوع من اللامبالاة أو الانتحار البطىء!!؛ لأن هيكل الله مقدس، الذي هو جسدنا، «إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله» (1كورنثوس 17:3). فالله- بجانب أنه المحبة- هو الحق!!، وهو العدل!!، والتهاون مع الخطيئة بدعوى أن الله محبة، هو الطريق إلى العبودية المدمرة!!.

لقد صرخ شاول الملك قائلًا: «أخطـأت» (1صموئيل 30:15)، وصرخ يهـوذا الأسخريوطـى بمرارة قائلًا نفس الكلمة: «أخطأت» (متى 4:27)، ولكنهما لم يتركا الخطيئة فعلًا، وهكذا هلكا!!، لذلك يوصينا سليمان الحكيم- عن اختبار- قائلًا: «من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر بها ويتركها يرحم» (أمثال 13:28). لذلك فالامتناع هام، بعد الاقتناع!!.

3- الإشباع: ذلك لأن الإنسان سوف يقول: أنا مقتنع، وأحاول الامتناع، ولكنى ضعيف. لذلك يقول له الكتاب المقدس: «ليقل الضعيف بطل أنا» (يؤييل 10:3)... «أستطيع كل شىء في الله الذي يقوينى» (فيلبى 13:4).. «فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا» (رومية 37:8).. «هذه هي الغلبة التي تغلب العالم... إيماننا» (1يوحنا 4:5).

المطلوب إذًا هو:

1- الشبع الروحى المستمر،

2- واستغلال وقت الفراغ،

3- والانشغال الدائم،

وذلك بكلمة الله، والصلوات الحارة، والقراءات والاجتماعات الروحية، والأصوام، والخدمة والتسبيح والألحان، والأنشطة المتنوعة من: أنشطة فنية وثقافية ورياضية، والقراءة العامة، لأن «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أمثال7:27).

نحتاج أن نصرخ في وجه الخطيئة قائلين: «لا تشمتى بى يا عدوتى، لأنى إن سقطت أقوم» (ميخا 8:7).

إن:

1- النعمة الإلهية،

2- والجهاد الإنسانى،

3- وروح الرجاء في الرب،

هذه هي مكونات حياة النصرة، وطريق الخلاص من كل عادة سلبية، ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

Sunday, July 2, 2023

شخصيتى.. وكيف تكون متكاملة؟.. الشباب والاتجاهات - الأنبا موسى - المصري اليوم - 2/7/2023

 ما هى الاتجاهات (Attitudes)؟

المقصود بالاتجاهات.. الخطوط الرئيسية للحياة، والتى يرتكز عليها اهتمام الإنسان فكريًّا ووجدانيًّا وسلوكيًّا. بمعنى أن الاتجاه هو خط أساسى فى حياة إنسان ما، يهتم بأن يسير فيه، ويحقق هدفه المقصود، الذى يتفق مع تفكيره، وينال حماسه ومشاعره، ويتضح فى سلوكه اليومى بصورة ثابتة، وقد ينشأ عن هذا اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ سلوك تجاه أشخاص أو أشياء، أو موضوع ما، سواء كان توجهًا إيجابيًّا أو سلبيًّا!.

1- مثال للتوجه الإيجابى:

الاتجاه نحو الله: أى أن تكون بوصلة الحياة متجهة نحو الله، الذى أحبنا، «ومنحنا كل شىء بغنى للتمتع» (1تيموثاوس 17:6)، وخلّصنا..، وسكن فينا بروحه القدوس، ويعمل فينا كل يوم من خلال «نعمة الله المخلصة لجميع الناس» (تيموثاوس 11:2).

الإنسان المؤمن يتجه قلبه لله، بحب أكيد، وذلك بعد أن يقتنع فكره بأن الله هو مصدر وجوده، وسر خلاصه، وينبوع بركاته، وأساس خلوده وأبديته السعيدة، فمثل هذا الإنسان يكون الله متملكًا على فكره، وسوف يكون قلبه كله لله «يا ابنى أعطنى قلبك» (أمثال 26:23)، وسوف يسلك بمبدأ «أحبك يا رب يا قوتى» (مزمور 1:18). وبالتالى سيظهر هذا الفكر، وذاك الحب، فى السلوك اليومى، سواء فى المجالات الإيجابية: كالصلاة، ودراسة الوصايا، والسلوك بحسبها، والشبع بوسائط النعمة المتعددة، أو فى المجالات السلبية: كالبعد عن مصادر الخطيئة، والهروب من الشر، ومقاومة الإثم، وترك أصدقاء السوء، والجهاد ضد العادات والشهوات الرديئة.. الاتجاه إذن هو فكر، يدفع إلى وجدان، يظهر فى سلوك. وهو إدراك أن الله مصدر كل خير، ووجدان أنه وحده يستحق كل حب، وسلوك أن أنفذ وصاياه بفرح، متأكدًا أنها الأصلح لحياتى الزمنية والأبدية، كما يقول الكتاب المقدس: لأنه «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟» (متى 26:16).

لتنظر إلينا يا رب بعين الرحمة والحنان ولكل البشرية وتقودنا للرجوع إليك، لتنظر لبلادنا وتمنحنا السلام والأمان والإيمان والمحبة والرجاء فى مستقبل أفضل، لتسعى فى طلب الضالين مانحًا سلامك للعالم الذى يسير نحو الهلاك، ومن أجل الأيادى المرفوعة، والقلوب المجروحة، والنفوس الأمينة، ارجع واطلع من السماء وتعهدنا واهبًا إيانا السير فى الطريق الصحيح نحو الأبدية السعيدة.

2- مثال سلبى: محبة القنية والمال:

هى مثال سلبى على الاتجاه الذى يمكن أن يسود فى حياة إنسان ما، فيدمر روحياته، وينجرف بعيدًا عن طريق أبديته والخلاص، وحياة الملكوت.

والمشكلة ليست فى القنية أو المال، ولا فى الغنى!!، فالمال منحة من الله: الذى «يمنحنا كل شىء بغنى للتمتع» (1تيموثاوس 17:6)، والذى نناجيه قائلين: «منك الجميع، ومن يدك أعطيناك» (1أيوب 14:29).

والمال وزنة مقدسة: حينما نسخرها لخدمة الرب، وبيته وأولاده المحتاجين، إذ يوصى الكتاب المقدس الأغنياء: «أن يصنعوا صلاحًا، وأن يكونوا أغنياء فى أعمال صالحة.. أسخياء فى العطاء، كرماء فى التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل لكى يمسكوا بالحياة الأبدية» (1تيموثاوس 18:6،19).

المشكلة فى المال تكمن فى:

1- أن يحب الإنسان المال: «لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذى إذا ابتغاه قوم، ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة» (1تيموثاوس 10:6). «ولا يقدر أحد أن يخدم سيدين، إما الله أو المال.. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» (متى 24:6).

2- أن يشتهى الإنسان الغنى: إذ يحذرنا الرسول بولس قائلًا: «أما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطوا فى تجربة وفخ، وشهوات كثيرة، غبية ومضرة، تغرق الناس فى العطب والهلاك» (1تيموثاوس 9:6).

3- أن يتكل أحد على المال: لأن الرب قال: «ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله» (مرقس 24:10). كما قال أيوب الصديق: «إن كنت قد جعلت الذهب عمدتى، أو قلت للإبريز أنت متكلى، أكون قد جحدت الله من فوق» (أيوب:31،27). والقاعدة الثابتة تقول: «مَن يتكل على غناه يسقط» (أمثال 28:11).

وهكذا فالإنسان المحب للمال، يتجه بكل فكره وقلبه نحو شهوة الثراء السريع أو حتى البطىء، سرعان ما قد يسقط فى سلوكيات خاطئة، ويتخلى عن مبادئ ووصايا مهمة، ويدخل فى تورطات وعلاقات وانحرافات مدمرة، الأمر الذى يوصله إلى العطب والهلاك.

الرب يحمينا من هذا كله، لمجد اسمه القدوس.

الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.