Translate

Tuesday, September 20, 2022

ترامب لن يكون رئيس الولايات المتحدة القادم - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 20/9/2022

 سبق أن كتبت مقالين عن الانتخابات الأمريكية عام 2020 قبل موعدها بشهرين، وتوقعت فيها سقوط ترامب بالرغم من أن الأغلبية العظمى من الصحفيين والخبراء توقعوا فوزه. وكانت دول العالم الثالث سعيدة بوجود ترامب، وكان الجو العام في الصحافة العربية يرحب بترامب رئيسًا للمرة الثانية. بنيت تقديرى بنجاح بايدن على أن ترامب أثناء أزمة كورونا أثبت جهلًا وسوء تصرف غريب، بحيث إنه أصبح لا يصلح لأن يكون رئيسًا في الأزمات في نظر أغلبية الأمريكيين.

 فاز بايدن، الذي يفقد الجاذبية والقدرة على التعبير، بفارق 7 ملايين صوت، و306 مقابل 232 من أصوات الولايات. ترامب قادر على جذب الجماهير بصوته وإشاعة أنه سوف يعيد العظمة لأمريكا، وسوف يحسن اقتصادها ويعود الرخاء لكل الأمريكيين، وفعلًا قبل كورونا كان هناك تحسن كبير في الاقتصاد وفى البورصة. وتمر أمريكا الآن بفترة اقتصادية صعبة مع التضخم الذي لم تشهده أمريكا منذ عقود، ومع التدهور الواضح في البورصة الأمريكية. دعنا نفكر ماذا سيكون الأمر بعد عامين. منذ 4 شهور فقط كان الكلام واضحًا بأنه اكتساح من الجمهوريين في انتخابات منتصف المدة التي سوف تجرى في نوفمبر القادم، وكان هذا رأى الخبراء والمحللين وكذلك نتائج استطلاعات الرأى. الآن أصبح الكلام أن هناك فوزًا متوقعًا للجمهوريين ولكنه غير مؤكد في مجلس النواب، وعلى الأرجح سوف يخسر الجمهوريون مجلس الشيوخ. هذا التراجع سببه أمران، أولهما تصرفات ترامب الهوجاء ومساندته لمرشحين يؤيدونه في الانتخابات الأولية لاختياره المرشح الجمهورى، والنتيجة نجاح مرشحين يمثلون أقصى اليمين الجمهورى، ولكن أمام الديمقراطيين فرصتهم أضعف.

أما السبب الآخر فهو أن المحكمة الفيدرالية العليا التي أصبحت لأول مرة ذات أغلبية جمهورية كاسحة، حكمت بمنع الإجهاض في ظروف معينة، ولاقى هذا القرار الذي أيده ترامب بقوة غضبًا كبيرًا في الشارع الأمريكى. هذا الحكم الذي يؤيده اليمين الجمهورى وليس كل الجمهوريين، أضعف كثيرًا فرص النجاح لبعض مرشحى الجمهوريين، ولكن سوف نرى تأثير ذلك على انتخابات الكونجرس قريبًا.

مما لا شك فيه أن ترامب قام بأعمال غريبة لم تحدث في التاريخ الأمريكى. كان أولها إعلانه قبل بدء الانتخابات أنه إذا لم ينجح فسيكون ذلك سببه تزوير الانتخابات، وحين كانت النتائج على وشك الظهور وعرف أنه لن ينجح في ولايات مهمة ومتأرجحة، قام بالاتصال التليفونى وطلب من المسؤولين عن الانتخابات إعلانه فائزًا، ولما رفض هؤلاء المسؤولون هاجمهم بشدة، ودعا إلى إسقاطهم في الانتخابات القادمة. ثم ضغط على نائب الرئيس الجمهورى لرفض التصديق على نتيجة الانتخابات واعتبار ترامب فائزًا. وبالطبع رفض نائب الرئيس ذلك، فاعتبره عدوًا وهاجمه بشدة. وعندما اضطر لمغادرة البيت الأبيض رفض أن يحضر احتفال تسليم الرئيس الجديد، في ظاهرة غير مسبوقة. وبعد ذهابه بدأ حملته الانتخابية فورًا واستطاع أن يجمع أموالًا ضخمة لحملته، وأعلن أنه سوف يعاقب الذين صوتوا بمحاكمته أمام الكونجرس لشلحه من منصبه، وفعلًا بدأ ذلك ونجح في عدد كبير من الحالات، بالرغم من أن فرص الذين فازوا قد تكون أقل أمام المرشح الديمقراطى.

ثم ظهرت التحقيقات التي أجرتها المدعى العام في نيويورك على شركة ترامب التي استمرت فترة طويلة، واستطاعت المدعية أن تجد أسانيد تشير إلى الفساد الضرائبى في الشركة، وعرض هذا الأسبوع محامى شركة ترامب التصالح مقابل دفع مبالغ كبيرة، ولكن المدعى العام رفضت ذلك، وسوف تصدر لائحة اتهام فيها على الأقل أحد أبناء ترامب الذين كانوا يديرون الشركة. وفى نفس الوقت اكتشفت المباحث الفيدرالية أن ترامب استولى على عدد من الوثائق، بعضها يعتبر بالغ السرية ووضعها في بيته في فلوريدا، وطلبت المباحث تسليم هذه الوثائق ولكن ترامب رفض، واضطرت إلى إصدار أمر تفتيش قضائى، وتم ذلك مع رجوع هذه الوثائق إلى الدولة، وهى حاليًا تحت الفحص لتحديد مدى خطورتها.

وهناك اتهام موجه لترامب بأنه حرّض غلاة اليمين الجمهورى الذين هاجموا مجلس النواب والشيوخ وقتلوا جنديًا وهددوا النواب وحطموا جزءًا من المبنى. وهناك عدد من الكتب صدرت تباعًا عن حياة ترامب في البيت الأبيض، الكثير منها كتبه جمهوريون من مساعديه، ومنهم بعض غلاة اليمينيين الذين اعتبروا أن ترامب خطرًا على أمريكا. هذا الأسبوع أعلن أن رئيس موظفى البيت الأبيض، وهو منصب شديد الأهمية، قد شك في حالة ترامب الذهنية وطلب مساعدة الأطباء المختصين الذين أعطوه ملفًا لتقييم حالة الرئيس الذهنية بصفة مستمرة، وهو أمر في غاية الخطورة. هناك قلق شديد عند الأمريكيين من أن ترامب تربطه علاقة خاصة مع الرئيس الروسى بوتين، وثبت أن الروس حاولوا مساعدة ترامب في الانتخابات الأولى التي نجح فيها.

بالطبع أوروبا لم تكن على وفاق مع ترامب الذي أراد إضعاف أوروبا وإضعاف حلف الأطلنطى وفك الوحدة بين أوروبا والولايات المتحدة، وكانت سعيدة بسقوطه في الانتخابات. أما في العالم الثالث، فكان ترامب صديقًا لكل الزعماء الديكتاتوريين، سواء كانوا رؤساء أو ملوكًا وساعدهم وتناسى تمامًا مواثيق حقوق الإنسان وخاصة في أمريكا الجنوبية. هناك ظاهرة مهمة جدًا لم يلتفت لها أحد وهى أن الناخبين الأمريكيين من الجمهوريين في العادة ينتخبون المرشح الجمهورى والديمقراطيون ينتخبون الديمقراطى، ولكن هناك نسبة من كلا الفريقين لا تنتخب مرشح حزبها غضبًا عليه أو على الحزب، وهناك نسبة قد تكون كبيرة لا تذهب للتصويت إذا كان مرشح حزبها ليس على هواها، وهناك نسبة كبيرة تذهب إلى الصناديق في حالة الإحساس بالخطر من مرشح معين، وهذا مفيد للديمقراطيين. وهناك دائمًا نسبة من الأصوات المحايدة التي تنتخب بناءً على المرشح وليس على الحزب، وفى أحد استطلاعات الرأى الحديثة وصلت هذه النسبة إلى 40%، لأنها لا تريد ترامب، ولكنها أيضًا لا تريد بايدن. أعتقد أن الانتخابات القادمة سوف تشهد معركة بين مرشحين جدد من كلا الحزبين.

قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك

نداهة الفن - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 19/9/2022

 سحر الفن ومغناطيس الإبداع جعل الكثير من الفنانين يترك رفاهية الأسرة ويتمرد على راحة الطريق السهل والسكة الآمنة والوظيفة المضمونة، وهناك حكايات وقصص تشير إلى سيطرة تلك النداهة الفنية على الإنسان صاحب الموهبة، المثال الأول الشهير، الذى حفر للفنانين من بعده طريق التمرد الفنى، لأنه كان نموذجاً متفرداً لديه الثراء، المستقبل مضمون، لكنه بالرغم من ذلك قفز إلى المجهول الغامض، بحر الفن أو بحر يوسف الذى سمى على اسمه، يوسف وهبى ابن عبدالله باشا وهبى، مفتش رى الفيوم، الذى توجد هناك ترعة باسمه حولت الأراضى الصحراوية إلى خصب ونماء وآلاف الأفدنة، الطريق مفروش بالورود فى دنيا الهندسة، لكنه اختار الفن والغربة، وتعلم رياضة المصارعة، وكان بالفعل مصارعاً رياضياً وفنياً أيضاً، عارك الحياة وأرسى دعائم المسرح العربى وصار عميده بالرغم من رفض الأب أن يكون ابنه «مشخصاتى» لا تؤخذ بشهادته أمام المحاكم!! من ملك الميلودراما إلى ملك الكوميديا فؤاد المهندس ابن زكى المهندس المربى الفاضل الذى أرسل إلى إنجلترا فى بعثة لدراسة التربية وعاد وتدرج فى المناصب حتى أصبح عميداً لدار العلوم ونائب مجمع اللغة العربية، تلميذ أحمد لطفى السيد وصاحب الدراسات التربوية والفلسفية التى أثرت فى جيل النهضة المصرية، يتمرد الابن «فؤاد» على الطريق الممهد السهل وعلاقات أبيه المتشعبة والقوية وعلى صرامة عميد الدراعمة ويقرر أن يصبح عميد الكوميديا، التى كان يعتبرها البعض قمة الهلس، أرسى فؤاد المهندس دعائم الكوميديا الشيك الراقية، واحتفظ بصرامة الأب فى قواعد المسرح وقدسية الالتزام على خشبته، وهناك الموسيقار الجميل والممثل الفنان عزت أبوعوف، الذى تمرد على سلطة الأب حارس الموسيقى العربية، والذى أنشأ فرقة الموسيقى العربية، الضابط صديق الضباط الأحرار، الذى له أيادٍ بيضاء على مجلس الفنون والآداب، تمكنت نداهة الفن من ابنه «عزت»، الذى كان قد اقترب من أن يكون طبيباً للنساء والولادة، ويا للهول اختار العزف على آلة غربية لا تمت للموسيقى الشرقية بصلة وهى آلة الأورج، وبدأ يلحن أنماطاً موسيقية غربية ويشترك فى فرق شبابية تغنى «غربى» فقط، ثم كون هو فرقته الخاصة الـ«فور إم»، ضد كل قواعد الصرامة والانضباط التى كان يحكم بها أحمد شفيق أبوعوف البيت والأسرة، أما قصة تمرد الراقصة فريدة فهمى فكانت العكس، كانت قصة تمرد الأب المتفتح د. حسن فهمى، أستاذ الهندسة، الذى ترك لفرقة رضا الفيلا ليعيثوا فيها فساداً ويرقصوا على حريتهم، وتحول ما أطلق عليه المجتمع فساداً إلى أعظم فرقة وأهم سفير لمصر فى العالم، ساند الأب الجميل المستنير ابنته فراشة الرقص الشعبى رغم كل الهجوم والسخرية والرفض الاجتماعى، كان حسن فهمى استثناء فى مجتمع متحفظ واجهه بشجاعة، وكان زرقاء اليمامة الذى سبق زمانه ورأى النبوءة الحضارية.


Saturday, September 10, 2022

المريض العقلي والجن - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/9/2022

 ما زالت ثقافة الاعتراف بأن هناك مرضاً اسمه المرض النفسى، وطباً اسمه الطب النفسى، وطبيباً متخصصاً دارساً اسمه الطبيب النفسى، ما زالت تلك الثقافة غائبة عن مجتمعنا، ولا نعترف بها ونتعامل معها باستخفاف خاصة فى الريف، وكلما تفاءلت بأن المجتمع المصرى قد اقتنع بأن الطب النفسى مهم، وأن هناك من الأمراض النفسية ما يستحق الحجز فى مستشفى، وأن المرض النفسى لا تكفى فيه الطبطبة والكلام، وأن الدجالين والنصابين الذين يفكون الأعمال ويجندون الجان مكانهم الطبيعى السجن وليس مكانهم القصور الفخمة التى يعيشون فيها من تجارتهم الرائجة نتيجة جهل الناس وقلة ثقافتهم، أكدت لى جريمة دكرنس الأخيرة ذلك كله وأثبتت أن هذا التفاؤل كان مجرد وهم، وأن الوضع ما زال «محلك سر» فى تجارة الخرافة.

ما هى تلك الجريمة؟ العنوان «ذبح رجل يصلى فى الجامع»، تفاصيل محضر الشرطة تقول: أكد شهود عيان أن المتهم «صابر فرج عبدالسلام»، 33 سنة، تربص بالمجنى عليه «الشربينى عوض المتولى الخواجة»، 48 سنة، حتى دخل المسجد ثم دخل خلفه، وكان المجنى عليه فى الصف الأول بينما كان المتهم فى الصفوف الأخيرة، وقام بالصلاة والتحرك أثناء انشغال المصلين بالصلاة حتى أصبح خلف المجنى عليه مباشرة، وأثناء قيامه من السجود نحره بسكين كانت بحوزته، وحدث هرج بالمسجد، وتوقفت الصلاة، بينما حاول إمام المسجد الكفيف إعادتهم للصلاة لعدم علمه بما يحدث.

وأضاف شهود العيان: «المجنى عليه وقف والسكين ما زالت برقبته وهو ينطق الشهادة بينما حاول البعض إنقاذه بإخراجه من المسجد، وتم نقله للمستشفى بتوك توك لكنه توفى فى الطريق».

انتهت التفاصيل البوليسية الأمنية، ولكن ما هى الكواليس الاجتماعية الثقافية؟ هذا الرجل نرى مثله كثيراً، وتكرر ما فعله فى حوادث كثيرة من الممكن ألا تنتهى كلها بالقتل، لكنها تكررت، ومعظمها تعامل الناس معها باستخفاف على أن المريض راكبه جن أو معمول له عمل، ببساطة هو مريض عقلى بالبارانويا الدينية، يحسب نفسه نبياً ويدّعى أنه المهدى المنتظر وتهاجمه هلاوس وضلالات، ما حدث مع قاتل دكرنس وسمعته من تصريحات أهل القرية، أنهم مقتنعون بأنه قد ركبه جن واتعمل له عمل منذ أن قام بنقل رفات أبيه من المقبرة، ولم يلفت نظرهم ما يكتبه على حوائط القرية من تهديدات ومواعظ وما يخطه من رسومات غريبة، هل فكر أحد فى الذهاب معه إلى طبيب نفسى؟ لا وألف لا، فهم لا يعترفون بالطب النفسى الذى لا يعتبرونه طباً على الإطلاق، هم يريدون شيئاً محسوساً مثل ألم عظام أو تعب فى التبول أو مغص.. إلخ حتى يعترفوا بأنه مرض!!

تركوه يكتب ويهدد ويهلوس ويعتبر أن جاره يعطله عن رسالته فى هداية البشر وإنقاذهم من الضلال!

يا سادة، المريض العقلى ليس مكانه الشارع، ويجب ألا يُترك بدون علاج هائماً على وجهه فى البرية، لم تعد شماعة الجن والعفاريت والأعمال.. إلخ التى نريح بها أنفسنا من عناء علاجه، لم تعد تنفع، بل أصبحت خطراً رهيباً.


Sunday, September 4, 2022

فترة الخطوبة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 4/9/2022


 أولًا: مفهوم الخطبة:

الخطبة هى الفترة التى تبدأ للاتفاق على الزواج، وتنتهى بالزواج فعلًا. وهى فترة مهمة جدًا، إذ فيها فرصة تعارف أعمق، ونمو للمحبة الحقيقية، وإحساس بإمكانية السير السعيد إلى زواج موفق.. إذ يتعارف الخطيبان، وتتعارف الأسرتان، ويتعاون الكل معًا من أجل تأسيس بيت الزوجية المبارك.

والأصل فى كلمة «الخطبة» أنها مشتقة من «الخطابة» إذ يتكلم الجميع فى مصارحة بناءة.

ثانيًا: أهداف فترة الخطبة:

1- أن يتعرف كل طرف على ملامح الطرف الآخر: أفكاره، وآرائه، وتطلعاته، وأسلوب حياته، وطباعه.

2- أن ينمو الاثنان فى شركة روحية مقدسة، يتعلمان فيها الجهاد ضد الحسيات، والسلوك العنيف، والشبع الروحى كسبيل لزواج مقدس.

3- أن تتعارف الأسرتان، وتتكون بينهما روح محبة وتفاهم وتعاون ورعاية لهذه النبتة الجديدة.

4- أن يتعاون الجميع فى تدبير أمور بيت الزوجية وما يلزمه، فى روح متفاهمة بعيدة عن التطرف والمظهرية والبخل والإسراف والالتواء وعدم الوضوح، ومضايقة الطرف الآخر، والتخاذل عن الوفاء بالالتزامات المتفق عليها.

ثالثًا: مبادئ أساسية فى هذه الفترة:

كثيرًا ما تهتز العلاقة بشدة بين الخطيبين بدلًا من أن تتوثق وتقوى، وهناك أسباب كثيرة ومهمة يجب أن يلتفت إليها الطرفان، إذا أرادا أن تنجح الخطبة وتتحول إلى زواج مقدس:

1- من أخطر أسباب التعب الغيرة المتطرفة بين الخطيبين، فبمجرد أن يلاحظ طرف ما اهتمام الطرف الآخر بشخص ثالث، تبدأ المتاعب والشكوك والمعاتبات. ومع أن المنتظر من كل طرف أن يكون وفيًا بصورة مطلقة للطرف الثانى، إلا أن المطلوب من كل منهما أن يتخلص بسرعة من هذه الغيرة التى لا تدل إلا على أنانية وذاتية بغيضة، فربما كان التصرف بحسن نية أو كذوق اجتماعى عام إلا أن الأنانية تتصور هذا خيانة.. ولذلك فكلما ارتبط كل من الخطيبين بالله، ارتبط بخطيبه بصورة سليمة خالية من هذه الاستيلائية البغيضة.

2- وسبب آخر يمكن أن يفسد العلاقة بين الخطيبين وهو الارتباط العاطفى الشديد من أسرة كل طرف بالطرف القريب.. الأم ملتصقة بعنف بابنتها وتغار عليها من خطيبها الذى سينتزعها يومًا من حضنها، والأب أيضًا مرتبط عاطفيًا بابنته، ولا يقدم لها التوجيه المناسب الذى يربطها بخطيبها، وهكذا تحدث المشاكل بين الأسرتين منذ البداية، إذ يشكو كل طرف لأسرته من سوء معاملة أسرة الطرف الآخر. وغالبًا ما تكون الأسباب تافهة وبسيطة، ولكن «جو الاختبار والاحتمالات» المحيط بالخطبة يضخم الأمور ويعقّد المشكلات اليومية والعادية.

3- وسبب ثالث هو محاولة كل طرف السؤال عن ماضى الطرف الآخر.. وهذا أمر مهم، فرغم حسن النية فى السؤال، إلا أن الإفصاح عن أى أمر انتهى من جذوره يُحدث لدى الطرف الآخر غيرة وتعبًا نفسيًا، بل ربما إحساسًا بسهولة انحراف شريكه فى المستقبل. وهنا نحذر الخطيبين من:

أ- الإفصاح عن خبرات ربما تكون قد حدثت فى الماضى، وقد تُبنا عنها وانتهت من حياتنا.

ب- التجاوب مع أى طلب حسى أو تعبيرات جسدية مهما كانت بسيطة، لأنها تثير الشكوك لدى الطرف الذى طلب ذلك، وأيضًا الطرف الآخر.

ج- الإلحاح فى سؤال الطرف الآخر عن خبراته القديمة بطريقة منفردة ربما تدعوه إلى الكذب، أو إلى الإقرار بما سوف يفسد الخطبة، وربما ينهيها.. فاجعل شعارك: «اِنسَ ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام».

4- كذلك الاختلاف حول الأمور المادية.. سبب رابع ومتكرر لفسخ الخطوبات، لذلك يستحسن الاتفاق على كل التفاصيل من قبل أن تتمم الخطبة: الشبكة، السكن، المساهمات فيه «الأثاث، الحفلات.. وغيرها». ويجب أن نبتعد عن المظهرية والإسراف والتثقيل من طرف على الآخر. ونحن نتمنى أن تكسر الأجيال الصاعدة من الشباب طوق التقاليد البالية، فلا يحتاج الزواج كل هذه المبالغ الطائلة.. لماذا لا نقتصد فى تكاليف الاحتفالات؟ لماذا لا نقتصد فى الأثاث فلا يكون ثقيلًا غير عملى، متعبًا فى الشراء ومتعبًا فى النظافة والصيانة؟!.. أنتريه خفيف، مائدة طعام وكراسى خفيفة وبسيطة، أَسرّة يمكن أن يكون لها أكثر من استخدام.. إلخ.

المهم أن يسلك كل طرف فى روح التعاون والصراحة والصدق والوفاء بالالتزام، دون تهرب أو مراوغة تفسد الود القائم، وتعطى إحساسًا بالخداع أو الانخداع.

رابعًا: العدول عن الخطبة:

حين يستحيل إتمام الزواج نتيجة لأى سبب، ينبغى أن يعدل الطرف الراغب أو الطرفان عن الخطبة بصورة سليمة، هذه معالمها:

1- تبادل الحقوق المدنية، واللجوء إلى رجل الدين عند الخلاف.

2- الطرف الرافض يترك الشبكة والهدايا غير المستهلكة والنقود.. أما الهدايا المستهلكة كالملابس أو الطعام أو غيرهما فلا حديث عنها.

3- ينبغى أن تظل أسرار كل من الطرفين أمانة لدى الطرف الآخر، والغدر له عقابه الخاص عند الله.

4- يتحرر محضر رسمى بمعرفة رجل الدين وشهادة شهود كمخالصة مادية ومدنية.

5- إذا اختلف الخطيبان فى الأمور المدنية واستحال الصلح، تُفسخ الخطبة دينيًا - ولو بناءً على طرف واحد - مع حفظ الحقوق المدنية للطرفين.

إن العدول عن الخطبة أصبح أمرًا شائعًا هذه الأيام، وهذا دليل على التسرع فى القرار وعدم استشارة الرب، أو علامة ضحالة روحية، أو قلب مادى مرتبط بالأرض.

ليتنا إذًا ننمى حياتنا فى الرب ونستلهم رأيه فى كل خطوة، ونسلك بروح محبة سخية مع الطرف الآخر.. والرب هو سر البركة والفرح، وأساس النجاح والوحدة.