Translate

Monday, July 31, 2017

سمير الإسكندرانى.. تعويذةُ الفراعنة بقلم فاطمة ناعوت ٣١/ ٧/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


ما كلُّ هذا الألقِ الذى يسكنُ هذا الرجل الذى يجلس جوارى على المنصّة الآن! ما سرُّ ذاك الإشعاع الذى ينبعثُ سَناهُ من بين ثناياه؟! رجلٌ فريدٌ، نسجٌ وحدَه، يأتى مثلُه كلَّ ألف دهر ودهر. يأبى الچينومُ البشرى أن يسمح بتلك التركيبة الإنسانية المعقدة الشفيفة، الصوفية العذبة، السهلة العسرة، النورانية النيّرة، الآسرة الكاسِرة، إلا مرّةً كلَّ ألف عام. ولا يمنحها إلا لبلاد تستحق أن تكون صانعةَ المواهب، وأمَّ التاريخ والدنيا، اسمُها: مصر.
أنا أحبُّ هذا الرجل. أحبُّه منذ خفق قلبى خفقتَه الأولى. وصنع ذهنى الصغيرُ، وأنا طفلة، على شاكلته، نموذجَ الفارس؛ الذى لا يكونُ الرجلُ إلا عليه. فارسٌ صوفى من عصور النبلاء. خرج لتوّه من كتاب الحواديت ليقصَّ علينا بعضًا من تاريخ مشبع بالبطولات التى منحها للوطن حتى يأمَن، والبهجات التى منحها للحزانى حتى يبسموا، والحواديت التى يمنحها للخائفين حتى يطمئنوا، وقبسات النور التى ينثرها على رؤوس الضالّين حتى يعرفوا طريقهم، والمواويل التى يمنحها للموجودين العازفين عن الدنيا حتى يأنسوا، فينتبه الكونُ على صدحِه ويعرف أن راهبًا صوفيًّا قد ترك خلوته وخرج على الناس ينثر بينهم الحبَّ والسلام والعذوبة والغناء، فيبتسمُ الكونُ، وتُشرقُ السماءُ بنور الله.
هو إحدى أجمل حناجر هذا الكون، وأكثرها ثقافةً. هناك حناجرُ جميلةٌ تمنحك صوتًا غرّيدًا شجيًّا تطرب له. وهناك حناجر مثقفة تمنحك حالا من السياحة والسباحة والتأمل والشجن الروحى والذهنى. وهناك حناجر نادرة تجمع الحسنيين. الجمال والثقافة. هذا هو. الرجل ذو الحنجرة الجميلة والمثقفة. كيف تجتمع القوة والعذوبة؟ نقيضان لا يجتمعان إلا فى قطرة الندى التى من فرط عذوبتها تذوب على ورقة زهرة، ومن فرط صلابتها تنقر الصخرَ وتُصدّع الجبال. تلك هى المعجزة الصوتية التى يمتلكها هذا الفارسُ النبيل.
هو أحد آبائى. أحد أجمل آبائى، وأكثرهم وسامةً وأناقةً ورقّة واستنارةً. تعلّمت منه فى طفولتى أن أحبَّ الناسَ جميعًا حين سمعته يغنّى: «ده أصلنا الإنسانية/ والأب واحد يا عالم/ وكلنا من دم واحد/ ألفين سلام لك يا آدم». وتعلّمتُ أن أحب بلادى وأبناء بلادى حين سمعته يقول: «إخواتى تلبس وتاكل/ اجعلنى حبّة تفرّع/ وتبقى فدادين سنابل/ وأبدر على الناس محبة/ وبسمة فى كل دار..» وأحببتُ فرانك سيناترا وتمنيتُ أن أقع فى الحبّ؛ حين سمعته يغنى بحنجرته العربية Feeelings. وأحببتُ أنوثتى حين سمعته يغرّد: «قدّك الميّاس». وتمنيتُ أن أشبَّ وأرتدى ثوب الزفاف وطرحة العرس، حين سمعته يغنّى: «طالعة من بيت أبوها/ رايحة بيت الجيران...»، و«زفّوا الخبر الشمس رايحة للقمر». وأحببت السفر خارج مصر؛ حتى أشتاق إليها بعد برهة، حين أسمعه يئنُّ فى شجن: «Take me Back to Cairo/ Beside the River Nile» فى جديلة واحدة مع «يا نخلتين فى العلالى يا بلحهم دوا». ما هذا الإعجاز الموسيقى الرؤيوى الوطنى! وأحببتُ فرادتى وأن أكون نفسى وليس أحدًا آخر، حين سمعته يغنّى: «My Way».
هو ابن الغورية، ربيبُ الحاج فؤاد الإسكندرانى، التاجر المثقف المستنير الذى غرس النبتةَ وأحسن ريّها وتشذيبها فى بيئة جمعت بيرم التنوسى والشيخ زكريا أحمد. علّمَ ابنه الطفل، ابن الخامسة، أن يصلى الفجر فى مسجد الحسين، ثم يذهب به إلى حارة الروم، ليزورا راعى الكنيسة يهنآنه بعيد القيامة المجيد. فنشأ الطفلُ صحيح النفس سوى الروح، نظيف العقل، لا ينقصه إلا أن يدرس الفنون الجميلة على أيدى الإيطاليين فتُصقَل ريشتُه، ويتشعّب لسانُه المصرى إلى ألسن عديدة إنجليزية وإيطالية وفرنسية ويونانية، فيتلّون صوتُه بألوان العالم، ثم «تتدوزن» حنجرتُه الاستثنائية مع الأيام ويكتملَ كمالُها الألماسى حتى يغدو مَن هو الآن، تلك الأيقونة المصرية الفريدة، التى لا شىء يشبهها.
فى صالونى الأدبى الشهرى، الذى يتجدد بمسرح مكتبة مصر الجديدة فى السبت الأخير من كل شهر، اخترتُه أن يكون ضيفَ الشرف لصالون شهر يوليو. رجوتُه فلبّى رجائى؛ رغم الإرهاق والمشاغل. لم يشأ أن يخذلنى، هو الذى لم يخذل محبيه ولا وطنه. ولا حتى خذل وردة صغيرة خلدت إلى النوم بين يديه الطيبتين، فأراحها فوق كتابٍ، وادعةً مطمئنة. جاء إلى الصالون بكامل سموّه ووسامته وطيبته. احتشد جمهورُ الصالون حوله يصفّقون غير مصدقين أنهم يرون من أرهقنا عذوبةً وشجوًا. قالت له سيدة جميلة فى شعرها الفضى: «أيام الجامعة كنت أنت نموذج الشاب الوطنى المثقف المناضل. حدّثنا عن تاريخك المشرّف فى المخابرات المصرية، وكيف أنقذت جمال عبدالناصر، وأنت بعدُ طالبٌ فى بداية حياته. فحدَّثنا.
إنه تعويذة الفراعنة الغنيّة بالمجد والمواهب. سمير الإسكندرانى. حبيبى وأستاذى وأبى الروحى. أعتزُّ بك.. وآآآه يا جميل.. يا الذى تقطرُ موسيقى وتنثرُ الفرح. شكرًا.

د. عماد جاد - «حماس» والأمن المصرى (٢) - جريدة الوطن - 31/7/2017

فى أعقاب التحولات التى جرت فى المنطقة عقب ثورة ٣٠ يونيو وسقوط حكم المرشد والجماعة فى مصر، أصيب تيار الإسلام السياسى بصدمة شديدة أفقدته التوازن، منهم من شارك بشراسة فى المعارك الدائرة فى سوريا وليبيا فى محاولة للتعويض وإيجاد موطئ قدم فى المنطقة، ومنهم من فر إلى قطر وتركيا للحصول على ملاذ آمن يبدأ منه النضال ضد النظام المصرى الجديد، ومنهم من فضل العودة إلى النوم فى أعماق مؤسسات الدولة المصرية انتظاراً للحظة قد تتطلب التنشيط من جديد.
عموماً كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من بين الذين أصيبوا بالاضطراب الشديد بفعل «٣٠ يونيو» وأقدمت على تصرفات تتسم بالتهور، إن لم يكن الجنون، مثل تقديم الدعم للعناصر الإرهابية التى تقوم بعمليات إرهابية ضد الجيش المصرى فى شمال سيناء، بل ومشاركة عناصر من الحركة فى القتال ضد القوات المصرية، وإمداد العناصر الإرهابية بالسلاح عبر الأنفاق، وتوفير ملاذات آمنة لها من مطاردة القوات المصرية.
وطدت الحركة علاقاتها مع قطر وتركيا وإيران، وهى الدول المعادية لمصر من ناحية، والمضادة لمصالح دول عربية خليجية رئيسية على رأسها السعودية والإمارات. مع استقرار الأوضاع فى مصر وإدراك الحركة أن الجماعة الأم سقطت ولن تعود إلى السلطة قريباً كما كانوا يتوهمون، بدأت الحركة تغير من خططها وتكتيكاتها، وعاود عدد من قادتها الاتصال بالقاهرة فى محاولة لإيجاد متنفس والتوافق مع النظام الجديد فى مصر على أسس مشتركة للعمل، على رأسها منع تسلل العناصر الإرهابية إلى شمال سيناء وضبط الحدود لمنع تهريب السلاح والتوقف عن تقديم ملاذات آمنة للإرهابيين، وحرصت الحركة على نفى أى صلة تنظيمية بجماعة الإخوان، وهو ما ورد فى الخطاب الأخير الذى ألقاه خالد مشعل قبل أن تنتهى رئاسته للمكتب السياسى للحركة، وهو الخطاب الذى شدد فيه على عدم وجود صلة تنظيمية بالجماعة، وأنها علاقة فكرية فقط لا غير من خلال الانتماء إلى مدرسة الإخوان الفكرية، وفى هذا الخطاب أعلن مشعل علناً قبوله بالأسس التى قامت عليها عملية أوسلو، أى دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، عاصمتها القدس الشرقية مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
هنا بدأ تواصل جديد من نوعه بين «حماس» وتيار القيادى الفتحاوى محمد دحلان، قائد الأمن الوقائى السابق فى غزة، والعدو اللدود للحركة، ودخلت القاهرة على الخط واستضافت لقاءات الطرفين التى من خلالها تم التوافق على إنهاء الصراع وحقن الدماء ووضع أسس لتقاسم السلطة وترتيب الأوضاع فى قطاع غزة، ومن بين التفاهمات العمل على تأمين الحدود بين قطاع غزة ومصر عبر إنشاء منطقة أمنية عازلة، ومراقبة الحدود وتسليم المتهمين المطلوبين فى مصر.
جرت اللقاءات فى القاهرة، ونجح الجانب المصرى فى ترتيب هذه اللقاءات وضمان مخرجاتها من تفاهمات، تمهيداً لإجراء مصالحة وطنية فلسطينية شاملة، وهو ما لم يرحب به الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فالعداء الذى يكنّه لدحلان يتجاوز قدرته على ممارسة دوره كرئيس للسلطة وزعيم فلسطينى. «أبومازن» لا مشكلة لديه فى ترتيبات المصالحة مع حماس، ولكن شرطه أن لا يكون هناك دور لدحلان، ومن هنا عبّر عن رأيه بوضوح وأطلق من يهاجم هذه التفاهمات، ومن يشكك فى مصداقية حركة حماس فى مواصلة تنفيذ التفاهمات والقبول بتقاسم للسلطة.
السؤال هنا هو: هل هناك من لديه ثقة فى «حماس» باعتبارها فرعاً للجماعة، ولكن السؤال أيضاً: ومنذ متى تعتمد المصالحات السياسية على الود والثقة؟
وللحديث بقية

Sunday, July 30, 2017

د. عماد جاد - حماس والأمن المصرى - جريدة الوطن - 30/7/2017

حركة المقاومة الإسلامية - حماس- هى الجناح المسلح للفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان الإرهابية، تأسست هذه الحركة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى فى ديسمبر من عام ١٩٨٧، وكان تأثيرها سلبياً للغاية على الانتفاضة وعلى العمل الوطنى الفلسطينى. هذه الحركة هى من أفشل مسار أوسلو، فمع بدء تطبيق الاتفاق أقدمت على ارتكاب العشرات من العمليات الانتحارية رفضاً لأوسلو التى قامت على استعادة الأراضى الفلسطينية التى احتُلت فى عدوان يونيو ١٩٦٧، وهو ما كانت الحركة ترفضه وتعتبر أن أرض فلسطين من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، أرض وقف إسلامى لا يجوز التفريط فى شبر منها، والحل يكمن فى إزالة إسرائيل من الوجود. هذه الحركة كانت تقول إنها حركة مقاومة مسلحة ومن ثم فهى لا تتعاطى العمل السياسى وترفض ممارسة الانتخابات، لا سيما الانتخابات التشريعية الفلسطينية لأنها ناتجة عن اتفاق أوسلو. تسللت عناصر هذه الحركة المسلحة إلى الداخل المصرى لمساعدة الجماعة الأم فى تحقيق مشروع الاستيلاء على السلطة فى مصر، وهو ما بدأ تنفيذه فى أعقاب الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١، وبطلب من الجماعة تم وقف كافة أشكال المقاومة المسلحة، بل إن عناصر الجماعة من تنظيم القسام، تلقوا الأوامر بمنع قصف الأراضى الإسرائيلية، بل وحراسة الحدود مع إسرائيل حتى لا تتعرض للقصف من قبل جماعات مسلحة أخرى فى القطاع.
هذه الجماعة أساءت لمصر والمصريين كثيراً، اقتربت كثيراً من إيران وحصلت منها على دعم كبير، خانت سوريا والشعب السورى والتحقت بالجماعات المسلحة التى كانت تسعى لإسقاط نظام الأسد، الذى سبق وقدم للمكتب السياسى للحركة ملاذات آمنة فى وقت كانت فيه الحركة منبوذة وملاحقة، ارتمت فى أحضان النظام القطرى ثم التركى. باختصار هى حركة برجماتية متحولة متلونة مثلها مثل الجماعة الأم التى انبثقت منها، والدليل على ذلك أنه رغم أن المادة الأولى من ميثاق الحركة تقول بوضوح إنها جزء من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، فإنها عندما وجدت مصلحتها فى التنصل من الانتماء للتنظيم، عقد خالد مشعل مؤتمراً فى الدوحة لينفى فيه انتماء الحركة للجماعة، وليعلن قبول أسس اتفاق أوسلو كأساس لتسوية القضية الفلسطينية، أى دولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧، عاصمتها القدس الشرقية مع حق العودة. وهى نفس الأسس التى قبلتها منظمة التحرير قبل عشرات السنين ودخلت بموجبها مفاوضات أوسلو، والتى سبق أن رفضتها حماس وقامت بالعشرات من العمليات الانتحارية لوقف هذا المسار وهدمه، وهو ما تحقق بالفعل، وبعد أن عدنا إلى المربع الأول وأعادت إسرائيل احتلال ما سبق وانسحبت منه من الأراضى الفلسطينية، أعلنت الحركة قبولها بالأسس التى حكمت اتفاق أوسلو، وأسقطت مقولات صراع الوجود، إزالة إسرائيل، فلسطين من البحر إلى النهر أرض وقف إسلامى لا يجوز التفريط فى شبر منها.
هذا هو تاريخ حماس ودورها فى وقف مسار التسوية السياسية ثم التدخل فى الشأن المصرى، وفجأة حدث انفتاح مصرى على حماس، وعُقدت لقاءات بين ممثلى حماس وتيار محمد دحلان داخل حركة فتح لترتيب الأوضاع فى قطاع غزة، كيف نفهم ذلك وما هو مصير أى اتفاق يوقع مع هذه الحركة الخارجة من رحم جماعة الإخوان المسلمين؟
وللحديث بقية

خالد منتصر - محمد خان والبحث عن فارس - جريدة الوطن - 30/7/2017

فى الليلة الظلماء يفتقد البدر، ومع انهيار السينما نفتقد محب السينما وبدرها الوضاء محمد خان، تمر ذكراه الأولى علينا هذا الشهر ومعها يمر شريطه السينمائى الثرى، الذى نستطيع بعد مشاهدته أن نقول وبدون تردد إن السينما المصرية قبل «خان» وجيله من أبناء الواقعية الجديدة ليست هى السينما بعده وبعدهم، كان معه عاطف الطيب وخيرى بشارة وداود عبدالسيد، ولكنه تميز عنهم بطول النفس وكم الأفلام الأكبر وبالبداية المبكرة، فقد غيّب الموت عاطف الطيب فلم يتح له صناعة هذا الكم من الأفلام وانتقل «بشارة» إلى الدراما التليفزيونية ودخل «داود» مجال الإخراج متأخراً عنهم وتباعدت السنون بين الفيلم والآخر، لذلك كانت أفلامه قليلة مقارنة بمحمد خان، استدعيت «خان» فى ذكراه من خلال قراءة كتاب هو أفضل وأعمق وأجمل ما كتب عن محمد خان، كتاب سينما محمد خان البحث عن فارس، للناقد الجميل صاحب الأسلوب القصصى البديع محمود عبدالشكور، وهو الروائى الذى ضل طريقه إلى الصحافة، كتاب أدعوكم لقراءته فى ذكرى «خان» والاستمتاع به كما استمتعت، الكتاب بقلم محب وعاشق لسينما محمد خان، اقترب منه شخصياً بعد أن استوعبه فنياً، الكتاب تحليل لمسيرته السينمائية منذ أول أفلامه التسجيلية «بطيخة» وحتى آخر أفلامه الروائية «قبل زحمة الصيف»، نستطيع تلخيص «خان» فى كلمات مختصرة بسيطة عبر عنها الكتاب، أنه الحكاء المدهش، الباحث عن الصدق فى الشارع المصرى حتى النخاع برغم أنه كان قد حصل على الجنسية قبل رحيله بسنتين فقط، كل ممثل عمل مع خان ليس هو مع الآخرين، إنه يفجر فيهم آبار نفط إبداعية لا تنضب ولم تكتشفها إلا عين محمد خان، سأقتبس من كتاب «عبدالشكور» تلك اللقطة وأترك لكم بقية اللقطات لتطلعوا عليها بأنفسكم فى هذا الكتاب الساحر، يقول محمود عبدالشكور فى كتابه: نجوم السينما المصرية الذين يعرفهم الجمهور لم يعودوا هم أنفسهم فى أفلام محمد خان، ليلى علوى ليست هى التى نعرفها من قبل فى شخصية الفلاحة غير المتعلمة، خيرية خوخة، فى فيلم «خرج ولم يعد»، وعادل إمام أصبح «فارس»، لاعب كرة الشوارع فى «الحريف» دون أن ينطلق ليقدم الشويتين بتوعه كممثل كوميدى يريد أن يضحك الجمهور، وسعاد حسنى تعيش شخصية «نوال» المقهورة فى «موعد على العشاء»، يستمر الناقد محمد عبدالشكور بعينه الذكية فى التقاط تغير الممثلين من خلال كاميرا خان، ميرفت أمين فى «زوجة رجل مهم»، ونجلاء فتحى، الملاك الجميل الأرستقراطى خادمة فى «هند وكاميليا».. إلخ، حتى الأدوار الثانوية تألق فيها أصحابها مع محمد خان من نجاح الموجى فى «الحريف»، وحتى إبراهيم قدرى فى نفس الفيلم!!، يكتب «عبدالشكور»: «لم يعد ممكناً بعد «خان» أن يصبح الاستوديو بديلاً عن الشارع، ولا الصنعة بديلة عن الصدق، اكتسب مفهوم سينما المؤلف رسوخاً كاملاً، ليس المقصود بصمة المخرج وروحه فى الكتابة فقط، ولكن أيضاً رؤيته التى تنتظم عمله وأسلوبه الذى يجعلك تميز الفيلم دون أن تعرف صاحبه»، رحم الله محمد خان عاشق الصورة ومروض الحكى، الذى علمنا أن نحب السينما ونغرم بها مثله.

Friday, July 28, 2017

المؤامرة (٣-٣) بقلم د. وسيم السيسى ٢٩/ ٧/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

لعب الإعلام اليهودى على المسيحية البروتستانتية، بأن عودة المسيح لن تقترب إلا بعودة اليهود إلى فلسطين، كما أن المال اليهودى لعب دوراً مهماً، ويكفى أن إنجلترا اشترت أسهمها فى قناة السويس باقتراضها من روتشيلد! مات تيودور هرزل ١٩٠٤، فتولى من بعده حاييم وايزمان الذى كان مصراً على فلسطين! اكتشف وايزمان الأسيتون الضرورى لصناعة البارود، تمت صفقة بينه وبين لورد بلفور «وعد بلفور» مقابل:
أ- ثورة بلشفية لإسقاط روسيا القيصرية.
ب- هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى لتحكم اليهود فى الطاقة.
سقطت روسيا، والخلافة العثمانية، وتمت هزيمة ألمانيا، ومن هنا كان عداء هتلر لهم. بدأ تقسيم الكعكة بين إنجلترا وفرنسا «مارك سايكس، جورج بيكو»، نصت هذه الاتفاقية على أن تظل القدس وفلسطين دولية.
بدأت هجرة اليهود إلى فلسطين، قامت الثورات وكانت أكبرها ثورة ١٩٣٩ الفلسطينية. قامت ثورة سعد ١٩١٩، لجأ الإنجليز إلى محمد رضا ثم حسن البنا.
وفى الخمسينيات كان بن جوريون وموشيه شاريت، وزير خارجيته، اتفقا على تدمير ثلاث دول كبرى: العراق، سوريا، مصر، وتحويلها إلى دويلات متصارعة على أسس دينية وطائفية، وقال شاريت: نجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر! «نحن! وما يحدث فى صعيد مصر دليل على ذلك».
ظهر برنارد لويس الذى ولد ١٩١٦ فى بريطانيا، كان متخصصاً فى تاريخ الإسلام والشرق الأدنى، والدولة العثمانية والشرق الأوسط. تقدم برنارد لويس ١٩٨٠ بمشروع لتقسيم- ما قسم من قبل- إلى بريجينسكى، مستشار الأمن القومى لجيمى كارتر، خريطة برنارد لويس:
مصر: دولة مسيحية عاصمتها الإسكندرية، دولة إسلامية عاصمتها القاهرة، دولة نوبية من أسيوط إلى شمال السودان عاصمتها أسوان!! أما شرق الدلتا وسيناء فهى لفلسطين تحت الإدارة الإسرائيلية!
السودان: دولة مسيحية فى الجنوب عاصمتها جوبا، دولة إسلامية عاصمتها الخرطوم شمال السودان حتى أسيوط النوبة، ودارفور دولة مستقلة.
العراق: ثلاث دول، شيعية فى الجنوب، سنية فى الوسط، كردية فى الشمال وعاصمتها الموصل!
أما السعودية:
أ- نجد. ب- الحجاز. ج- الأحساء إذ تضم الكويت، الإمارات، قطر، عمان، البحرين!
نجحت المؤامرة، صرحت كونداليزا رايس: مصر هى الجائزة الكبرى، جاء الإخوان، ظهر ختم سيناء كإمارة إسلامية، خمسون ألفاً من الفلسطينيين أخذوا الجنسية المصرية، سقطت كل مؤسسات الدولة حتى الشرطة ما عدا قواتنا المسلحة!
«ربنا رب الجنود قال مصر أدهم وأدود»! غيرت مصر خريطة العالم الشرير، والذى يغير العالم يحكم العالم، وهذا ما قاله نابليون بونابرت: قل لى من يحكم مصر أقول لك من يحكم العالم! صدقت هذا بعد ٣٠/ ٦! ظهر المخزون الحضارى لمصر فى ٣٣ مليون مصرى ومصرية وقدرهم مرتين فى البيوت، يهتفون: يسقط يسقط من يقول: مصر حفنة من تراب عفن! يسقط يسقط ساكنو مصر كفندق وليسوا كأبناء مصر يولدون ويموتون فيها.
نجونا من ثقب أسود رهيب يلتهم الكواكب والنجوم، سقطت مخططات هرزل، وايزمان، بن جوريون، شاريت، برنارد لويس، أوباما، الصهيونية العالمية، سقط من كانوا يريدون لنا أن نكون جالية مصرية فى بلادنا مصر! أن نكون عبيداً وخدماً للعم سام، وجون بول!! علمت كل دولة «باغية» أننا سمها وأننا الوباء.
من جرح الأهرام فى عزتها/ مشى إلى القبر مجروح الإباء.

خالد منتصر - مشرحة العقل بعد كشك الفتوى وقبل سلخانة الضمير! - جريدة الوطن - 29/7/2017

قرر فضيلة المفتى د. شوقى علام إطلاق مشروع «تشريح العقل المتطرف». وقد حدد المفتى أهداف هذا المشروع قائلاً بأن المشروع «يهدف إلى فهم وتشريح الفرد المتطرف والعوامل الأساسية الدافعة نحو التطرف، والمراحل التى يمر بها المتطرف وصولاً إلى تنفيذ الأعمال الإرهابية، عبر عقد مجموعة من جلسات العصف الذهنى وورش العمل للخروج بنماذج واضحة ودليل كاشف لأنماط المتطرفين ومراحل تحولهم، سواء فى الداخل أو الخارج». أى إن المفتى يريد، باختصار، فهم كيفية تشكيل العقل المتطرف وكيف يتحول من إنسان طبيعى وصفحة بيضاء إلى تكفيرى وانتحارى وجهادى متطرف. مشروع عظيم جداً، ومحاولة نحيى المفتى عليها، ونشد على يديه، ولكن بدلاً من إقامة مشرحة لعقل المتطرف وتعرُّض فضيلته إلى أضرار رائحة الفورمالين النفاذة، وتوفيراً للجهد والنفقات، أطالب فضيلة المفتى بالتوجه إلى مكتبة دار الإفتاء المجاورة لمكتب سيادته والاطلاع على الكتب التراثية التى تحتل رفوفها وسيجد حتماً الإجابة، بدون إقامة مشرحة عقل أو كشك فتوى! على فضيلته فقط أن يطلع على تفسير الفقهاء لآية السيف وخاتمة سورة الفاتحة وتفسير «الضالين والمغضوب عليهم»، ورسالة دكتوراه عمر عبدالرحمن فى «الولاء والبراء»، وشرح القدماء لأحاديث مثل الكلام عن الذنوب التى يحملها أبناء الديانات الأخرى فى الآخرة عنا نحن المسلمين ليدخلوا بها جهنم مكاننا، ومثل «النصرة بالرعب»... إلخ، ويا ليته يطلع أيضاً على كتب التاريخ ليعرف أن المتطرف عندما قرأ ما حدث مع يهود بنى قريظة اعتبره قانوناً يجب تطبيقه مع داعش.... إلخ. وإذا كان يود أن يتعمق أكثر، وأنا أعرف جيداً عمق ثقافة فضيلته وسعة اطلاعه، فليُنزل مجموع فتاوى ابن تيمية وكتبه الأخرى من على الرفوف، وليغلق باب المكتب ويقرأ مجرد ساعة فيها، سيكفى نفسه تعب وجهد وعبء فتح المشرحة، سيجد فضيلته عبارة «يُستتاب وإلا قُتل» 428 مرة، منها 200 مرة فقط فى كتاب فتاويه!! وسأكفى فضيلته مئونة التعب وضياع وقته الثمين وأرسل له عيّنة بسيطة من فتاوى ابن تيمية مساعدة له فى تشريح عقل المتطرف:
■ من قال إنه يجب على كل مسافر أن يصلى أربعاً فهو بمنزلة من قال إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان، وكلاهما ضلال، مخالف لإجماع المسلمين، يُستتاب قائله، فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 22، صـ 31.
■ الرجل البالغ إذا امتنع عن صلاة واحدة من الصلوات الخمس أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها، فإنه يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 3، صـ 429.
■ لو صلى صلاة بوضوء وأراد أن يصلى سائر الصلوات بغير وضوء، استُتيب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 21، صـ 379.
■ ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 1، صـ 153.
■ من زعم أن الله لا يُرَى فى الآخرة فقد كفر وكذّب بالقرآن وردّ على الله تعالى أمره، يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 6، صـ 499.
■ أكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين، فمن أكلها مستحلاً لذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 11، صـ 609.
■ من قال: «القرآن مخلوق» يستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 12، صـ 507.
■ ومعلوم أن هذا الكلام (أى القول بالمجاز فى القرآن) من أعظم المنكرات فى الشرع، وقائله يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 20، صـ 564.
■ الذى قال: كلم الله موسى بواسطة فهذا ضال مخطئ؛ بل قد نص الأئمة على أن من قال ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 12، صـ 532.
انتهت عينة الفتاوى. وأعتقد أنه لا حاجة لنا بالمشرحة، ولكنى أطالب فضيلة المفتى بدلاً منها بسلخانة ضمير لكل من سمح باعتبار تلك الكتب مراجع لحياتنا وقدوة لشبابنا.

د. عماد جاد - الجماعة: تكفير وتحريض - جريدة الوطن - 29/7/2017

بمرور الوقت تتكشف شبكة علاقات الجماعة الإرهابية وخطوط اتصالها المختلفة، فمن بين المزايا القليلة وربما هى الميزة الوحيدة لصعود الجماعة إلى السلطة فى مصر فى عام ٢٠١٢، كشف كل خلاياها النائمة فى مصر، فضح انتهازية جزء ليس بيسير من النخبة المدنية المصرية المراوغة التى بادرت بالاتصال بالجماعة وتقديم التهانى، ومنهم من كشف أنه عضو فى الجماعة منذ سنوات طويلة، وما إن هوت الجماعة عن السلطة بعد عام واحد فقط لا غير حتى بدأت تنفذ أفكارها الشاذة، التى ترى فى الوطن حفنة من التراب العفن، وتسعى بكل قوة لنشر الخراب والدمار فى البلاد، وتمارس المبدأ المكيافيللى الشهير فى عالم الحكم والسياسة وهو الغاية تبرر الوسيلة.
وظفت رموزها الدينية فى تكفير الحاكم والمجتمع فى البلاد، وأفتوا ومنهم القرضاوى بجواز القيام بالعمليات الانتحارية فى الدول العربية لخدمة الجماعة، فى وقت أفتى فيه بأن الصراع مع إسرائيل لا يمثل أولوية اليوم، بل وجه القرضاوى فتاواه الشاذة إلى الحكام العرب والمجتمعات العربية، فى نفس الوقت دشنت جماعة الإخوان عدداً من المحطات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية فى قطر وتركيا، وامتلكت سلسلة من وسائل الإعلام، مستعينة فى ذلك بمدرسة الجزيرة وشركاتها المختلفة، إضافة إلى عدد من الإعلاميين المصريين الذين قبلوا لعب هذا الدور لقاء دولارات قطر والجماعة، كان البرلمانى الإسرائيلى السابق عزمى بشارة هو رأس الحربة فى تشكيل هذه المنظومة، فهذا الشخص الذى كان ينتمى إلى عرب ١٩٤٨ وتمتع بعضوية الكنيست الإسرائيلى فر هارباً من إسرائيل بعد اكتشاف أجهزة الأمن الإسرائيلية صلات بينه وبين حزب الله وجرى رصد أموال محولة له من الحزب لقاء تقديم معلومات حساسة، وبعد أن كان عزمى بشارة أحد أبرز قيادات عرب ١٩٤٨ وسبق له الترشح على منصب رئيس الوزراء، عندما اعتمد قانون الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء هناك، بات مطارداً من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهنا لجأ إلى قطر وقدم خدماته للأسرة الحاكمة واستخدم كل مهاراته التى اكتسبها من دراسته فى ألمانيا فى خدمة الأسرة الحاكمة، أنشأوا له مركزاً للأبحاث كان بمثابة غطاء عمل تحته عزمى بشارة من أجل استقطاب وتجنيد الكتاب والمثقفين فى خدمة الأسرة الحاكمة فى قطر.
بعد سقوط حكم المرشد والجماعة فى مصر، كان الهروب الكبير لقيادات وكوادر الجماعة، ومعهم كل من باع نفسه لقاء دولارات قطر، توزعوا ما بين قطر وتركيا وأنشأوا قنوات فضائية مثل «رابعة، مكملين، الشرق ومصر الآن» وفتحوا أبواب هذه القنوات لعدد من الشخصيات المنتمية للجماعة وتلك التى عملت لحسابات مصلحية، وتكشف متابعة هذه القنوات أنها لا تقدم إعلاماً بالمعنى المتعارف عليه، بل تقوم بمهمة التحريض على مدار الساعة على طريقة «الجزيرة مباشر»، كما أنها قنوات تقوم بالسب والقذف وتوجيه الإهانات الشخصية والتجريح الذاتى وتوجيه الشتائم البذيئة لرموز الدولة المصرية ومؤسساتها، يفتون باستحلال دماء رموز الدولة المصرية، ويدخل فى سباق السب والقذف عدد من الإعلاميين المصريين الذين لم يعرف عنهم أى صلة بالجماعة، جمع بينهم فقط الطمع فى أموال التنظيم الدولى والأسرة الحاكمة القطرية، وباتت شاشات هذه الفضائيات مرتعاً لعتاة المجرمين والقتلة، أمثال طارق الزمر وعاصم عبدالماجد، الذين يتحدثون اليوم عن الحرية والديمقراطية.
نظرة تحليلية إلى إعلام الجماعة الذى يبث اليوم من قطر وتركيا تكشف عن أنه إعلام جديد يقوم على مجموعة من المجرمين والقتلة والفارين من العدالة، كما أن اللغة المستخدمة هى لغة بذيئة، تحريضية عبارة عن سب وقذف وفتاوى إهدار دم.

نحو تحليل علمى لثورة يناير وتوابعها بقلم د. محمد نور فرحات ٢٨/ ٧/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

الاستقلال والدستور لا يكفيان وحدهما لتحقيق الحرية والتقدم. هكذا نبهنا طه حسين فى كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) سنة ١٩٣٨ بعد عامين من نيل مصر استقلالها بمعاهدة سنة ١٩٣٦. يقول فى مقدمة كتابه «وقد كانت شعوب كثيرة… تعيش حرة مستقلة، ولم يجدِ عليها الاستقلال نفعا…. وإنما تضيف إليهما الحضارة التى تقوم على الثقافة والعلم، والقوة التى تنشأ عن الثقافة والعلم، والثروة التى تنشأ عن الثقافة والعلم».
قرابة ثمانين عاما مرت على كلمات طه حسين ولم تحقق مصر النهضة الثقافية والعلمية التى أرادها كشرط لدعم الحرية والتقدم.
وعلى العكس جرت عملية دؤوبة لتغييب العقل وزرع الفتنة باسم الدين، ووئدت أى محاولة لإشاعة العقلانية وما زلنا على الطريق سائرين.
ولكن الشعوب حتى وإن غابت عنها الثقافة والعلم تثور إذا ما اشتدت عليها وطأة القهر. ولكنها ثورة لا تكتمل أركانها، بل تنزع نحو هدم ما هو قائم دون بناء ما هو قادم.
وهذا بالضبط ما حدث فى ثورة يناير سنة ٢٠١١، حتى إن مفكرنا الكبير جلال أمين تحفظ عن اعتبارها ثورة، أطاح المصريون برموز نظام فاسد ولم ينجحوا فى بناء نظام عادل رشيد يكفل لهم الحرية ليحل محله. وتدور بنا الدورة التاريخية مرة أخرى: ثورة ضد السلطوية تسلم قيادتها لمزيد من السلطوية.
هذا هو انطباعى بعد قراءة الفصل الأول من المجلد السياسى للتقرير العلمى عن ثورة يناير الذى نشره المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى إطار المسح الاجتماعى للمجتمع المصرى (٢٠١٠ - ٢٠١٥).
هذا تقرير جدير بالاحتفاء به كأول عمل علمى جاد يدرس ثورة ٢٠١١، بعدما كان الحديث عنها حكرا على ثرثرة وهجوم وتسريبات فضائيات رجال الأعمال والأجهزة الأمنية.
يتحدث التقرير فى فصله الأول عن إرهاصات الثورة. ويرصد من أسبابها السلطوية المفرطة لنظام مبارك. يقول التقرير: «السلطوية كما هو معروف فى علم السياسة نظام يقوم على استحواذ جماعات قليلة من النخب السياسية الحاكمة على السلطة والقوة معا. وهذا يسهل لها ممارسة القمع السياسى وحصار الأحزاب السياسية المعارضة والتضييق على حركات مؤسسات المجتمع المدنى، بل خرق حقوق الإنسان بصورة منهجية ضمانا لاستمرار الحكم غالبا لمدد غير محددة، لأن باب تداول السلطة يتم إغلاقه بإحكام عبر إجراءات غير دستورية ….. وفى مجال التحليل الثقافى للمجتمع العربى، وهو ما ينطبق بالضرورة على المجتمع المصرى، هناك ثلاث ظواهر أساسية، وهى هيمنة النص الدينى على العقل الجمعى، وتهافت أداء العقل العربى، وسيادة البنية الاجتماعية القمعية فى ظل ما يطلق عليه «المجتمع البطريركى» أو الأبوى الذى تمارس فيه السلطة سياسية كانت أو ثقافية بطريقة مطلقة» (ص٤).
التقرير يريد أن يقول لنا إن السلطوية الدينية والسلطوية السياسية، أى احتكارالحقيقة ممن يحكمون بقوة الدين أو بقوة القمع المادى، هما وجهان لعملة واحدة. وهذا هو المدخل الوحيد لفهم الثورة ضد نظام مبارك سنة ٢٠١١ وفهم ما تبع ذلك.
فى عصر ثورة الاتصالات لم يعد سوء التعليم الرسمى كما حذر طه حسين عقبة فى سبيل التواصل الثقافى والقدرة على التعلم وطلب الحرية. لقد تمكن شباب المصريين من سرعة الاتصال والانفتاح على العالم بغزارته المعلوماتية. يقول التقرير «إن الأحداث العالمية باتت تشاهد فى الزمن الواقعى لها REAL TIME مما ساعد على تخليق وعى كونى.. وأصبحت الأجيال الجديدة تتواصل عبر وسائل اتصال مستحدثة وإعلام يسيطر» ( ص٦).
حقا إن السلطوية قديمة فى مجتمعنا قدم الدولة المصرية. وهى سبب تعثرنا التاريخى الدائم بحيث تبدأ نهضتنا وتدور دورتها وتتحول دائما إلى هزائم ونكسات. النخبة الحاكمة فى أى مجتمع لا تملك وحدها الحقيقة. بل يملكها الوعى الجمعى الذى يجب أن يراقب السلطة ويحاسبها ويرشدها بطريقة مؤسسية. وهذا ما يسمى انفتاح المجال العام.
استهدفت ثورة يناير إحداث انعطاف فى الطابع السلطوى التاريخى فى مصر ولكنها فشلت، وتكالبت عليها بالقمع أحيانا، وبالتشويه دائما، وبالمناورة والخديعة أحيانا أخرى وبالخطاب الدينى أحيانا ثالثة، القوى صاحبة المصلحة فى الحيلولة بين المصريين وبين تقرير مصيرهم.
التقرير وإن أبرز سوءات السلطوية المسببة للثورة انحاز لتبرير السلطوية اللاحقة. يتحدث التقرير عن الأحزاب ويقول (تبين من الممارسة الديمقراطية الفعلية بعد الثورة أن الأحزاب السياسية التقليدية ليس لها أى ظهير شعبى.. وكذلك الأحزاب السياسية الجديدة التى نشأت بعد الثورة وخصوصا تلك التى أسسها النشطاء السياسيون والتى ظهر أنها أحزاب «كرتونية» ليس لها أى تأييد شعبى). هذه نفس لغة الإعلام الرسمى لتبرير السلطوية الجديدة. وأغفل التقرير دور المنظومة التشريعية والتدخل الأمنى فى تهميش الأحزاب السياسية، ومحاصرتها، وعدم وصول ممثليها إلى مقاعد البرلمان، والتخطيط لفتح الباب على مصراعيه لرموز النظام السابق وممثلى الأجهزة الأمنية لتشكيل الأغلبية البرلمانية مما أعاد الدولة السلطوية إلى الصدارة بصورة أشد سفورا وفجاجة.
لقد انتقد التقرير الممارسات التشريعية والتنفيذية لحكم الإخوان الهادفة للاستئثار بالسلطة ولإغلاق المجال العام والتى توجت بالإعلان الدستورى الذى أصدره الدكتور مرسى، وكان أحد أسباب الثورة عليه، ولكن التقرير لم يشر بكلمة واحدة إلى القوانين غير الدستورية والمناهضة للحريات التى صدرت بعد ٣٠ يونيو.
يقول التقرير «الدولة التنموية هى دولة تتدخل بقوة فى مجال الاقتصاد بالإضافة إلى استقلالها الذاتى فى مجال القوة السياسية». واعتبر التقرير أن تفريعة قناة السويس مثال عليها. بل ويبشرنا التقرير بأنه فى دولة ما بعد الحداثة لا لزوم للمجالس النيابية، وكأنه يريدنا أن نزدرد علقم مجلس النواب الحالى (ص٥٠)!!!
ويتجنب التقرير فى تبريره للسلطوية الجديدة أسئلة حرجة مثل: هل يمكن أن تتحقق تنمية حقيقية بغير مشاركة من أصحاب المصلحة فيها؟ ومن الذى يملك تحديد أولويات التنمية وبدائلها؟ وهل التنمية فى مجال الإنشاءات أولى من تشغيل المصانع المغلقة وتخفيف البطالة؟ ولمن يتوجه عائد التنمية؟ وهل تستقيم التنمية مع قهر الحريات؟ وهل تتحقق دون استقلال لمؤسسات العدالة والرقابة؟ وهل تتحقق بتجاهل أحكام القضاء حتى وصل الأمر إلى التنازل عن الأرض وسجن المعارضين للمعاهدة بتهمة الإرهاب؟..
والحديث مستمر.

خطة للقوى المدنية لاختيار مرشح رئاسى قوى بقلم د. عمار على حسن ٢٨/ ٧/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


كثير مما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال مؤتمر الشباب الأخير يتطلب ردا علميا ووطنيا لأنه ينطوى على تصورات إن لم تراجعها الرئاسة فى أسرع وقت فلنقل على بلدنا السلام، وأقل ما يمكن قوله هنا إن أقصر الطرق وأسرعها لإسقاط الدولة هو السياسات الفاشلة وتبديد المال العام، بما أدى إلى تراكم الديون الخارجية والداخلية وانهيار قيمة العملة الوطنية، لكنى سأؤجل هذا إلى وقت آخر، ولاسيما أن كلام الرئيس يتكرر فى كل المناسبات تقريبا، وسأترك مساحتى تلك لرؤية عميقة قدمها سياسى وطبيب نفسى مصرى كبير يعيش بين القاهرة ولندن، لكن مصر تسكن روحه وكل خلايا جسده، وهو الدكتور صلاح أبوالفضل الذى بدأ رؤيته قائلا: «باق من الزمن شهور عدة، ولاشك أن كل المهمومين بالعمل الوطنى وبمستقبل هذا البلد وشعبه يفكرون فيما سنواجهه جميعا، وما يطرحه ذلك من احتمالات التغيير أو أمنياته. وأى محاولة لمعالجة هذه التساؤلات يجب أن تسعى للحفز على التفكير والتدبر وليس بالضرورة تقديم الإجابات الجاهزة»، ثم يشرح باستفاضة البدايات التى ارتبطت بما خسره التيار المدنى عقب ثورة يناير، وبعدها يطرح ما يصفه بـ«الإحباطات الحالية والمخاطر التى تلوح فى الأفق»، ليصل إلى مدى «الحاجة لرسم خطة عمل يشارك فيها الجميع، أحزاب وأفراد»، ويقول هنا: «لا أحد يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث خلال العام الباقى من ولاية الرئيس، لكن المؤكد أن مسرحية التجديد ستبدأ لإعادة انتخاب الرئيس، ثم التمديد ثم تعديل الدستور. وقد تتفاقم الأمور ونجد أنفسنا والوطن عند منعطف خطير تتخلله الفوضى أكثر من الثورة وتتربص فيه بالوطن قوى التيار الدينى المدعوم خارجيا، وقد يندفع النظام فيه برعونة لا تنقصه لقمع الشعب، وقد نجد أنفسنا مفاجئين وعاجزين عن الفعل المؤثر، وسوف تتضارب اجتهاداتنا لغياب التنسيق والتفاهم المسبق. فهل سنقف موقف المتفرج أم سننزل الساحة بعشرة مرشحين يفتتون الأصوات وتختلط رسائلهم للمجتمع فنصبح أضحوكة للنظام ونمنحه مصداقية لا يستحقها بل يكتسبها من فُرقتنا، أم تحدث المعجزة ونتقدم للمجتمع وللنظام بطرح بديل متماسك تنسجه كل القوى التقدمية معا باسم واحد وراية واحدة؟».
ويجيب هو عن هذا السؤال فى وضع ملامح عامة لخطة يمكن تطبيقها لتجنب هذه السيناريوهات الكابوسية، من خلال النقاط التالية:
أ- التقاء القوى الوطنية التقدمية على نقطتين أساسيتين نابعتين من الدستور، هما رفض الهيمنة العسكرية على الحكم، ورفض انخراط التيار الدينى فى العمل السياسى، ثم العمل على توصيلهما للجمهور المصرى العريض لتكوين رأى عام متماسك.
ب- علينا أن نتذكر أن العنصر الشخصى له أهمية قصوى عند شعبنا، والمصريون يصنعون آلهتهم أو قادتهم.
ج- لأن وسائل الإعلام وصلت لدرجة من التشبع والتبعية للنظام، ففاعليتها فى توصيل الأفكار الجديدة تراجعت، ولذلك يجب البحث عن وسائل جديدة لحفز المصريين على التفكير والاختيار، مثل نشاط من نوع جديد أو أسلوب جديد فى التواصل.
د- البحث عن حلول لربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية.
هـ- اعتماد سياسة مشتركة وبتنسيق واسع لمجابهة أخطار التمييز والخطر السلفى وثقافة الإسلام السياسى.
و- اعتماد فكرة تطوير ونشر التعليم الفنى المرتبط بوحدات الإنتاج كحافز للنمو المجتمعى.
ز- التركيز على أفكار بناء المواطن المصرى العصرى، وقيم العمل والمسؤولية.
ح- تجنب الهجوم على النظام والتركيز على الطرح المقابل.
ويقدم الدكتور صلاح أبوالفضل خطوة عملية هنا من خلال «الدعوة لمؤتمر الأحزاب والتيارات التقدمية على غرار مؤتمر المصريين الذى عُقد بعد الثورة فى أرض المعارض، ربما بعنوان (لا للتجديد- مرشح وحيد)، ودلك لتحقيق الأهداف التالية :
١- تدارس التحديات التى يواجهها الوطن، وأفكار المرشحين فى الحلول المطروحة، ومدى جاهزية المرشحين بخطط متماسكة يجرى اختبارها علنا وصولا لبرامج محددة تصلح للعرض على الجمهور.
٢- ترتيب عملية لاختيار مرشح واحد يمثل كل القوى المدنية وببرنامج واحد للثورة من خلال مناظرات علنية تجرى على عدة أسابيع.
٣- اقتراح أن تسمى كل قوة أو كل حزب أو تيار مرشحا تختاره.
٤- تعلن أسماء المرشحين.
٥- تكون المناظرات علنية وإعلامية، وتجرى بها عملية انتقاء للمرشح من خلال جلسات استماع ومناظرات بين المرشحين حول سلسلة من القضايا التى يرى المنظمون أنها محك القدرة على الأداء.
٦- يُدعى الجمهور إلى التصويت على المرشحين ويُستبعد فى كل مرحلة أحد المرشحين، إلى أن نصل إلى مرشحين أو ثلاثة تجرى بينهم منافسة راقية، تهدف إلى تعميق الأفكار الأساسية التى يلزم انتشارها والتنبيه إليها وتكوين رأى عام فى صالحها تجذب انتباه الجمهور المصرى وتنقل أفكار الحوار إلى الناس من خلال التصفية التدريجية.
٧- قد لا نتمكن من الفوز بمقعد الرئاسة فى ظروف الوطن المعقدة، لكن الهدف هو فى تدريب أنفسنا والمصريين على التفكير والتحرك بأسلوب علمى وتجربة وسائل جديدة للعمل السياسى تقترب من الناس أكثر. وربما يهيئنا ذلك لمجابهة أى تطورات درامية مفاجئة.
٨- إذا تمكنت القوى الوطنية من انتقاء مرشح واحد يرضى به الجميع، عندئذ يمكن أن تبدأ حملة (لا للتجديد).

د. عماد جاد - جرائم مركبة - جريدة الوطن - 28/7/2017

لست من أنصار التهجم على «مبارك» ونظامه بمناسبة أو من دون مناسبة، ولكن عندما نتأمل حال مصر اليوم وحال شعبها على جميع المستويات نعلم كم هى ثقيلة جرائمه فى حق البلاد، فقد استقر فى السلطة ثلاثة عقود كاملة، قفزت خلالها دول من مرحلة اللادولة والفقر والعوز إلى دائرة العالم الثانى، بل منها مَن اقترب من دخول العالم الأول، ومنها مَن تحول من نظام قبلى إلى دولة حقيقية، ومن نظام سلطوى إلى ديمقراطى حقيقى. تتمثل جرائم نظام «مبارك» الحقيقية فى التجريف السياسى والعقلى، وإغلاق النخبة السياسية، وتزاوج السلطة والمال، ونشر التخلف والجهل والتعصب، وتوظيف الدين فى خدمة السياسة، عبر الخلط المتواصل بينهما.
فقد كشفت ثورة الخامس والعشرين من يناير عن حجم التجريف السياسى فى البلاد، وجريمة «مبارك» ونظامه فى الحكم، من خلال نخبة مغلقة، محدودة، وكيف قام نظام «مبارك» من خلال لجنة شئون الأحزاب التى كان يقودها الأمين العام للحزب الوطنى فى تفصيل أحزاب سياسية من خلال جهاز أمن الدولة للقيام بدور المعارضة الشكلية. لم يفتح نظام «مبارك» للنخبة السياسية التجنيد من خارج الدائرة الضيقة التى كان يعتمد عليها، ولم تكن للأحزاب السياسية الكارتونية أى دور سوى تمثيل دور المعارضة، أما الأحزاب المعارضة الحقيقية والقوى السياسية التى حرمها نظام «مبارك» من تأسيس أحزاب سياسية، فقد ظلت تمارس دور المعارضة الاحتجاجية، وأحياناً كانت تبرم الصفقات مع النظام، من خلال أجهزة الأمن، للحصول على عدد من مقاعد البرلمان، مثلما كانت تفعل جماعة الإخوان المسلمين.
خلال فترة حكمه التى دامت ثلاثة عقود كاملة، لم يفتح «مبارك» النخبة السياسية، حافظ عليها نخبة مغلقة، واعتمد على شخصيات لفترات زمنية طويلة حتى شاخت فى السلطة، وشاخ معها النظام، هذه الشخصيات عمدت إلى قتل الصف الثانى حتى لا يجد النظام بديلاً لها، وحتى تبدو الفجوة كبيرة للغاية، فى حال تغيير الشخصيات القيادية، بات قتل الصفوف الثانية سياسة مبرمجة فى النظام، فى الوزارات والمصالح الحكومية، فى المؤسسات العامة. النتيجة المنطقية لذلك كانت فقدان الأجيال التالية من السياسيين والمهنيين للخبرات اللازمة، وإذا تحدثنا عن السياسة فسوف نرصد بسهولة فقدان رجال المعارضة من مختلف الأعمار للخبرات السياسية اللازمة التى تجعل منهم رجال دولة، ويمثلون بدائل حقيقية لرجال النظام، تحول غالبية رجال المعارضة إلى رجال أعمال بشكل أو بآخر، منهم مَن تحول إلى سمسار عمل مع أجهزة النظام، ومنهم مَن نسج روابط وصلات مع نظم خارجية، ومنهم مَن أفاد صناعته الخاصة من خلال لعب دور المعارض، من هنا اتسمت المعارضة المصرية بأنها ظاهرة صوتية، لا خبرة سياسية لديها، وعجزت عن ممارسة دور رجل الدولة بعد «٢٥ يناير»، فقد اتسم سلوكها بالاضطراب والتخبط، ولم تحترم الحدود الأيديولوجية مع القوى الأخرى، فرأينا القومى واليسارى يتحالف مع اليمين الدينى، ورأينا من الليبراليين مَن دخل على خط التعامل مع الجماعة الإرهابية للحصول على مكاسب سياسية متصورة. إذا نظرنا إلى حال الأحزاب والقوى المدنية اليوم وحالة التخبّط التى تسود صفوفها وعدم قدرة البعض على تقديم مصلحة الوطن على مصالحه الخاصة، فسوف نعرف كم هى ثقيلة جريمة «مبارك» ونظامه فى تجريف الحياة السياسية فى البلاد. وإذا أمعنا النظر فى حالة «الهوس الدينى» السائد فى البلاد، ونوعية الجرائم التى ترتكب فى المجتمع المصرى، وعلى الأراضى المصرية اليوم، لأدركنا حدود الجرائم التى ارتكبها نظام «مبارك» على مدار ثلاثة عقود كاملة فى حق مصر والمصريين، ولأدركنا أيضاً وطأة آثار وتداعيات الخروج من هذه الحالة المركبة.

خالد منتصر - مجلس مكافحة الإرهاب بدون وزير ثقافة! - جريدة الوطن - 28/7/2017

أخيراً تم تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، الذى تساءلنا عن سبب تأخير إعلانه أكثر من مرة، خاصة أن الرئيس بنفسه كان قد أشار إلى ضرورة الإسراع بتشكيله عقب تفجير كنيستَى طنطا والإسكندرية، لكن باستعراض الأسماء المحترمة التى ضمها المجلس لم أجد من بينها اسم وزير الثقافة!! وهذا لا يعنى عندى إلا معنى واحداً، وهو للأسف معنى سلبى ومحبط، وهو أن الدولة ما زالت مقتنعة بأن الثقافة لا دور لها فى مكافحة الإرهاب، وهذا يجعلنا نشك فى جدوى هذا المجلس إذا كانت تلك هى الرؤية التى سيتبناها المجلس. كنت أنتظر أن يكون اسم وزير الثقافة بصفته على رأس قائمة تشكيل المجلس. ولا يستطيع أحد الرد بأن وزير الثقافة منصب تنفيذى ونحن نريد المجلس تشكيلة شخصيات عامة وكوكتيل مثقفين وليس موظفين، إجابتى: يا ريت كان كده، لكن عدد الوزراء التنفيذيين والموظفين يساوى، أو أكثر من، عدد من نطلق عليهم الشخصيات العامة، وإذا قلنا أهلاً بوزير الداخلية فى مجلس مكافحة الإرهاب فلا بد أن نقول ألف أهلاً لوزير الثقافة لأن دوره من وجهة نظرى أهم، فوزير الداخلية يكافح من نقطة النهاية بينما وزير الثقافة يقطع الطريق على البداية، وزير الداخلية يطارد السلعة فى منفذ التوزيع لكن وزير الثقافة يخلع جذورها من حقل الزرع ويمنع تصنيعها فى المصنع، وزير الداخلية فى يده المسدس ووزير الثقافة فى يده مشعل التنوير، وزير الداخلية يطارد الحشرات بينما وزير الثقافة يجفف المستنقعات!
إذا كان الرد أن المجلس يضم د. صابر عرب، بالطبع اسم د. عرب له كل الاحترام لكن ما هى السلطات التى يمتلكها للتنفيذ على أرض الواقع؟ سيقول قائل: سنصدر التوصيات وينفذها وزير الثقافة، لكن من حقنا أن نتساءل: لماذا لم تقولوا سنصدر التوصيات أيضاً لوزير الداخلية ولوزير التعليم... إلخ لينفذوها؟! اشمعنى وزير الثقافة؟!! هل لم يدرك من اقترح الأسماء أن دور قصور الثقافة على سبيل المثال فى مكافحة الإرهاب فى مصر أخطر أو بالأصح لا بد أن يكون أخطر من دور مديريات الأمن؟! نحن نمتلك فى مصر قلاعاً ثقافية معطلة اسمها قصور الثقافة، ومسارح مطفأة فيها، وقاعات موسيقى صامتة ومكتبات عشش فيها العنكبوت وماكينات سينما علاها الصدأ، كلها تنتظر نفخ الروح من هذا المجلس، ألا يثير التساؤل والدهشة أن يضم المجلس مَن كتب مقدمة دستور الإخوان ويطرد من جنته مَن كتب أهم كتاب فضح سيد قطب مُنظر التكفير؟! ليست المشكلة فى اسم حلمى النمنم، فمن الممكن أن يكون للمثقفين وجهات نظر وانتقادات له، لكن المشكلة كما قلت فى استبعاد وإقصاء الثقافة لا الوزير، الصفة وليس الاسم، إننا استبشرنا خيراً بالتغيير فلم نجد تغييراً، وطالبنا بفلسفة جديدة فوجدنا أن الدولة لا ترهق نفسها وتمشى فى سياسة الاختيار بشعار «الجودة من الموجود والعب فى المضمون واختار الموثوق وابعد عن المشاغبين»!! أتمنى أن يكون استبعاد وزير الثقافة سهواً لا منهجاً، نسياناً لا قراراً، ارتباكاً فى مؤسسة حكومية وليس ضغطاً من مؤسسة دينية!.

Thursday, July 27, 2017

خالد منتصر - «قال الفيلسوف» بعد أن أطلق لحيته! - جريدة الوطن - 27/7/2017

أعتبر نفسى برغم أننا فى زمن الفضائيات والدش واليوتيوب كائناً إذاعياً ما زال يعشق سماع الإذاعة، مغرماً ومتيماً بالراديو، وفضلاً عن أنه أداة استمتاع وتثقيف فهو بالنسبة لى علاج للأرق، لذلك أدير مؤشر الراديو بجانبى بعد منتصف الليل إلى أن أستقر على إذاعتى المفضلة التى هى فى الغالب إذاعة البرنامج العام التى أرتبط بها ارتباطاً وجدانياً منذ أن كتبت فيها كتاباتى الأولى سواء برامج أو مسلسلات، وصار روادها الكبار بالنسبة لى ليسوا مجرد مذيعين مخضرمين ولكنهم صاروا أساتذة ومعلمين، ويكفى أن أقول إننى قابلت عمالقة البرنامج العام وعملت معهم وتعلمت منهم مثل فاروق شوشة وأبلة فضيلة ونادية صالح وهالة الحديدى وسلوان محمود وآخرين من باقة زهور هذا الزمن الجميل، لذلك فارتباطى بهذه الإذاعة هو نوستالجيا أشبه بالزواج الكاثوليكى والتوأم الملتصق، بعد منتصف ليل الاثنين الماضى وبالتحديد فى الثانية قبل الفجر بينما جفونى تستدعى النوم الهادئ وتستجديه، إذا ببرنامج «قال الفيلسوف» الذى كان بالنسبة لى أيقونة الجمال والفن والحب بصوت سعد الغزاوى وسميرة عبدالعزيز، إذا بالفيلسوف قد أعفى اللحية وقصر الجلباب وصار الفيلسوف مسرور السياف! إذا بفيلسوفنا الإذاعى يفاجئنا بموضوع رومانسى يناسب سدول ستائر الليل الحنون على أجفان المستمع الغلبان المطحون، إنه يتحدث عن حد الحرابة وكيفية تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف!! و«سميرة» تسأل عن التفاصيل، و«الغزاوى» يُسهب فى الشرح والتفاصيل، ومن بين ركام الأشلاء وأصوات البتر والتقطيع، انتفضت وفنجلت عينَى على اتساعهما رعباً، ودفنت رأسى أسفل الوسادة خوفاً من أن يخرج الفيلسوف من الراديو وينفذ الحد ويطبقه علىّ فى غرفة النوم!، لم أصدق ما تسمعه أذناى، هل هذا حقيقى أم أضغاث أحلام؟، البرنامج الذى كنت أسمع فيه سميرة عبدالعزيز وهى تسأل بدلال عن الحب والفن والمشاعر الرقيقة ويجيبها الفيلسوف بصوته الرخيم بأبيات الشعر وكلمات العشق الناعمة كالقطيفة، يتحول فجأة إلى كهف من كهوف تورابورا ليتحدث عن الصلب والرجم والبتر والسحل، وتتحول إذاعة البرنامج العام على يد مسئول سلفى إلى إذاعة قندهار وبوق من أبواق الزرقاوى وأبى بكر البغدادى!!
ألاحظ منذ مدة تحول هذا البرنامج من برنامج منوعات هادئ متنوع إلى برنامج دينى بل برنامج وهابى. وإذا كان رئيس البرنامج العام هواه سلفى ومزاجه داعشى فهذا يخصه وهو حر فى توجهاته لكن البرنامج العام ليس شقته الخاصة التمليك، البرنامج العام يخصنا جميعاً، وإذا كان قد تبنى رئيس جامعة سابقاً أحيل إلى المعاش بعلامات استفهام هو يعرفها قبلنا وفرضه على البرنامج العام ليعلمنا ديننا، فما ذنبنا نحن أن يفرض حزمة الأفكار التى يتبناها سيادته وهو المفروض رئيس إذاعة هى بمثابة الإذاعة الرسمية للدولة وتعبر عن توجهاتها، فيا ليته يعلن صراحة هل توجهات الدولة صارت سلفية تجبرنا على سماع تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف الساعة الثانية فجراً؟! وهل الحكومة المصرية تنوى أن تحول البرنامج العام إلى إذاعة داعش؟!
إذاعة البرنامج العام ليست عزبتك الخاصة يا عزيزى رئيس البرنامج العام، وعليك أن تتخلى عن هواك السلفى وتخلع أى انتماءات قبل أن تجلس على هذا الكرسى العظيم الذى جلس عليه من قبل عمالقة الإذاعة وأساطينها، أسفى على الزمن الردىء الذى هرس كل ما هو جميل لصالح كل ما هو قبيح، زمن صار فيه كل سمسار دين يرفع فى وجوهنا فزاعة احتكار الورع والتقوى ويزايد على الناس وكأنه صاحب التوكيل الإلهى فى توصيلنا إلى الجنة، الإذاعة ليست «توك توك» يقوده رئيس إذاعة أو مسئول محطة يوصلنا به إلى الفردوس، الإذاعة خدمة لمواطن مصرى مسلم ومسيحى، ليست مهمة الإعلامى أن يدخلنا الجنة، ولا أن يرهبنا بحد الحرابة بعد منتصف الليل، مهمتك أيها الإعلامى المبجل والإذاعى المحترم أن تحافظ على الوجدان والعقل المصرى وتثقفه وتمنحه باقة الفن والحب والجمال عبر الأثير، لا أن تعتبره الأسير لدى المؤلفة جيوبهم من تجار بازارات الدين.

المحظور نفسياً - عبد الناصر سلامة - المصرى اليوم - 27/7/2017

بعد إعلان الرئيس صراحةً أن النقد يؤثر فى «ثبات الدولة» حسب تعبيره، أود الإشارة إلى أن هناك الكثير من القضايا التى يجد الكاتب نفسه يبتعد عن تناولها لأسباب نفسية دون قرار مسبق، ربما تضامناً مع ثبات الدولة!!، وربما لأنه لن يستطيع الخوض فيها صراحةً، أو بما يُرضى الله، أو تجنباً لرفع ضغط الدم، أو تحاشياً للأزمات، أو خوفاً من العواقب، أو أى شىء من هذا القبيل فى ظل مرحلة الخوف على الثبات هذه!!، من بين هذه القضايا ما تعلق أخيراً بافتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، سواء من حيث الشكل أو المضمون، من بين هذه القضايا أيضاً ما تعلق بقضية بناء قصور رئاسية فى هذا التوقيت، ومن بينها قصر المعمورة بالإسكندرية، على الرغم من وجود مجموعة من القصور هناك فى المكان نفسه، من بين هذه القضايا أعمال التصفية الجسدية التى ترد أنباؤها بين الحين والآخر، وكأننا لا نريد استيعاب دروس الماضى، أيضاً قضية اعتقال ابنة الشيخ القرضاوى، على الرغم من أنها مُسِنَّة، دون اعتبار للقانون، الذى لا يُسأل فيه المواطن إلا عن نفسه، ودون اعتبار للشرع، الذى ينطلق من قاعدة «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، أيضاً قضية أموال المساعدات الخارجية وأين ذهبت، فى غياب الشفافية فى هذا الشأن، أيضاً بقية مبلغ الـ64 مليار جنيه، التى تم جمعها من المواطنين لحفر تفريعة قناة السويس، ذلك أن السيد رئيس الجمهورية أعلن صراحة أن المشروع لم يتكلف أكثر من 20 ملياراً، أيضاً مشروع جبل الجلالة ومدى جدواه، ذلك أنه مشروع سياحى بالدرجة الأولى، فى الوقت الذى تراجعت فيه السياحة إلى مستويات غير مسبوقة، أيضاً مشروع العاصمة الإدارية وجدواها فى هذا التوقيت، الذى أضحت فيه معاناة المواطن حالة عامة، أيضاً تعديل قانون الهيئات القضائية بهدف استبعاد أشخاص بأعينهم، فيما يُعد تدخلا صارخاً فى شؤون القضاء، أيضاً الإصرار على التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير، أيضاً التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ المتعلق بسد النهضة الإثيوبى، على الرغم من الضرر البالغ الواقع على مصر، أيضاً قضية القروض والديون، التى تجاوزت خارجياً فقط مبلغ 75 مليار دولار، وهو الرقم الأكبر فى تاريخ الدولة المصرية، مع الأخذ فى الاعتبار أنها فى عهد الرئيس مبارك لم تتجاوز 32 ملياراً، ناهيك عن الديون الداخلية، التى تجاوزت هى الأخرى مبلغ 3.5 تريليون جنيه، فى الوقت الذى كانت فيه أيضاً 1.4 تريليون، أيضاً قضية إعفاء منشآت بعينها من الضرائب، أيضاً قضية زيادة رواتب ومعاشات فئة بعينها دون الفئات الأخرى، وهو الأمر الذى خلق ضغينة بين فئات المجتمع لم يُحسب لها الحساب الكافى، أيضاً قضية التنكيل بالجنيه فى صورة تعويم أو ما شابه ذلك، وهو الأمر الذى عانت منه كل فئات المجتمع دون استثناء، أيضاً قضية رفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء والماء بهذه الطريقة السريعة والكثيفة، التى ساهمت فى زيادة نسبة الفقر والتشرد فى المجتمع، أيضاً قضية بناء مزيد من السجون، فى الوقت الذى تحتاج فيه البلاد إلى مزيد من المدارس والمستشفيات، أيضاً تلك الأرواح البريئة، التى تتساقط يومياً من رجال الجيش والشرطة دون أفق واضح لوقف هذا النزيف، أيضاً استمرار فشل منظومتى التعليم والصحة لمستويات غير مسبوقة عالمياً دون أفق واضح للإصلاح، ارتفاع مؤشر التضخم وارتفاع نسب البطالة والعشوائيات، ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية وغيرها من السلع، التى لم تعد فى متناول معظم المواطنين، تراجع ثقة رجال الأعمال فى النظام السياسى بما جعلهم يُحجمون فى معظم الأحوال عن المشاركة، كما تراجع الاستثمار الأجنبى فى الوقت نفسه دون محاولات لتدارك الموقف، استمرار تراجع السياحة دون محاولات حقيقية للنهوض تبدأ بالعامل السياسى إنقاذاً لنحو مليونى أسرة تعيش على هذا النشاط، تراجع مؤشرات حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير، ممثلاً فى عشرات الآلاف بالسجون، وإغلاق عشرات المواقع الإلكترونية، وشراء الصحف والقنوات التليفزيونية لحساب مُوالِين للنظام، من خلال أموال غير معلنة المصدر، مع تراجع وسائل الإعلام الرسمية من صحافة وتليفزيون، مُحقِّقة خسائر كبيرة، دون محاولات جادة للنهوض بها، بعد الإصرار على الاعتماد على أهل الثقة دون أهل الخبرة، الإبقاء على حكومة دون المستوى، مع أداء برلمانى هزيل فى غياب مجالس محلية، أيضاً غياب المشاركة المجتمعية الحقيقية فى صناعة القرار، مما أحدث فجوة كبيرة من عدم الثقة مع المواطنين وضحت فى استطلاعات الرأى، التى تراجعت فيها نسبة التأييد إلى مستويات مزعجة، عدم وضوح الرؤية تجاه العديد من المشروعات التى تم الإعلان عنها من قبل، كمشروع الضبعة النووى، ومشروع استصلاح أربعة ملايين فدان، التى تم اختصارها فيما بعد لمليون وربع مليون، قبل أن يتوقف الحديث عنها تماماً، بل الأدهى من ذلك أن الأسعار تضاعفت ثلاث مرات، التضخم ارتفع أربعة أضعاف.. ما الذى يمكن الإشادة به إذن؟، حاولنا الاتجاه إلى الفن، وجدناه تراجع هو الآخر، إلى الرياضة لم يختلف الأمر كثيراً، إلى البحر كانت القناديل، إلى النهر كان الجفاف، إلى الجو كانت درجة الحرارة، إنها مرحلة ثبات الدولة، التى تسير بشكل (جيد جداً) حسب الإعلان الرسمى.

Wednesday, July 26, 2017

الوراق.. إهانة الدستور وغياب الكفاءة والعدل بقلم د. محمد أبوالغار ٢٥/ ٧/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

أداء النظام فى محاولة اقتحام جزيرة الوراق كان غريباً وكأن لا عقل ولا تجربة ولا فكر ولا تصور. لم أكن أتخيل بعد سوء الأداء البالغ فى قضية تيران وصنافير، والذى أدى إلى فجوة حقيقية وعميقة بين النظام وغالبية الشعب المصرى، ألا يفكر أحد بعد هذه الكارثة بأن يتروى ويفكر ويتدبر قبل أن يصطدم مرة أخرى بالناس.
١- أتمنى ويتمنى الشعب المصرى كله أن يطبق القانون فى مصر. أتمنى ألا يكون هناك مبنى مخالف فى مصر وأتمنى أن تمنع الدولة إقامة هذه المبانى وأن تهدمها إذا تم بناؤها فى غفلة. البناء على الأراضى الزراعية مستمر، وتم فقد أكثر من ربع الأراضى الخصبة، والدولة لا تفعل شيئاً. أتمنى أن يرى الشعب المصرى نهر النيل ويجلس الجميع على شاطئه يأكل سميط وجبنة ويتمشى كما كنا نفعل فى الزمن الغابر. للأسف نهر النيل فى معظمه مخفى عن الأنظار بمبان ومراكب ومنشآت، كثير منها ملك هيئات سيادية وبعضها لهيئات عادية وقليل منها لعلية القوم، وذلك مخالف لجميع القواعد والقوانين، ولم أسمع أو أقرأ أن هناك خطة أو فكرة لإزالة هذه المنشآت أو حتى الحد منها. قوانين البناء فى مصر شديدة الدقة ونعلم كلنا أن أعداد الفيلات الأثرية التى هُدمت وتم بناء أبراج مكانها مخالفة لجميع القواعد تملأ القاهرة والإسكندرية والجيزة ولا أحد يستطيع أن يفتح فمه. اشتكى شعب الإسكندرية لطوب الأرض بأن البحر يتم ردمه مخالفة للقواعد العالمية والقوانين المحلية وتم عمل جراجات تحت الكورنيش لإنشاء لوكاندة جديدة وتم إغلاق نصف الكورنيش شهورا عديدة، ولا أحد يستطيع أن يقول شيئاً. القانون أخذ إجازة كاملة ونام تماماً.
٢- تنص المادة ٣٥ من الدستور على «ألا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدماً». بوضوح نزع الملكية هو لإنشاء كوبرى أو طريق ينفع الناس، وليس لبيع أو تنازل لمشروع استثمارى. ما يتم مخالفة واضحة وصريحة للدستور، ثم إن ما تملكه الدولة فى الجزيرة ٣% فقط من مساحتها، وهو ما يعنى أنها ليس لها أى حقوق. هناك حوالى من ستين إلى مائة ألف مصرى يعيشون فيها، بعضهم مقيم أباً عن جد منذ أكثر من مائة عام وبعض المنازل والأراضى مسجلة والبعض غير مرخص ولا مسجل مثلها مثل كل مدن وقرى مصر. هل تقوم الشرطة بإزالة قرية أو حى بأكمله فى المحروسة لأن به بعض المنازل المخالفة؟ فلماذا الهجوم على الوراق بهذه الطريقة الغشيمة وكأن النظام فى حرب مع شعبه، ويتم قتل شاب ويُقبض على بعض الأهالى لمقايضتهم بالأرض! هذه ليست تصرفات دولة ولكم أن تجدوا الوصف المناسب.
٣- عندما فوجئ النظام بمقاومة شعبية ضخمة، وعرف أن الاستيلاء على الجزيرة سوف يؤدى إلى قتل المئات دفاعاً عن أرضهم، واكتشف أن معظم الأراضى والمبانى مرخصة، واكتشف أيضاً أن الجزيرة بها جامع وكنيسة ومدارس ومستشفى وشهر عقارى وشبكة كهرباء حكومية، وأن الإخلاء غير دستورى احتاس كالعادة فخرج متحدث النظام يقول إننا نريد فقط هدم بضعة منازل مخالفة، هل كل هذا المولد لهدم عدة بيوت مخالفة؟.. وقال وزير الرى إنه خائف على الوراق من الغرق (فى وقت انخفضت فيه مياه النيل)! أعتقد أن هذا الكلام عيب لأن الناس برضه عندها مخ.
٤- منذ سنتين وأنا لا أشاهد تليفزيونا مصريا أو أجنبيا بخلاف قناة «بن سبورت» الرياضية.
ومعلوماتى من الصحف المصرية والإنترنت واليوتيوب، ومن اشتراكى فى النيويورك تايمز الذى يكلفنى دولاراً واحداً فى الأسبوع، عرفت أن القنوات المصرية كلها تغرد وتغنى وتؤيد احتلال الجزيرة وطرد السكان وأنها كلها مع القانون وتطبيقه. ولم تتطرق لآلاف المخالفات والاختراقات التى يقوم بها النظام وأذنابه للقانون. لا أحد يتكلم فى أن الأمر كله غير دستورى. أود أن أعرف نسبة المشاهدة للقنوات المصرية الآن لأننى عندى خشية أن تكون قنوات الإخوان وغيرها قد استولت على عقل وقلب المصريين بينما قنواتنا تغرد لنفسها.
٥- ألم يفكر صاحب القرار، الذى لابد أن يكون على أعلى مستوى، فى ماذا سوف يحدث إذا خرج من ٦٠٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠٠ مواطن من الجزيرة بدون سكن أو مأوى؟ ماذا سوف يحدث فى القاهرة الكبرى؟ ألم يفكر فى عدد المواطنين المسالمين الذين سوف يتحولون إلى إرهابيين؟
٦- هل مصر الآن فى حاجة إلى مشروعات ترفيهية ومولات ترتادها شريحة صغيرة جداً من المصريين وتنتظر السياح العرب؟ نحن فى حاجة إلى استثمارات صناعية حقيقية تزيد الإنتاج والتصدير وتدرب العمالة على الصناعة الحديثة.
أخيراً، إن موضوع تيران وصنافير مازال وسوف يظل عالقاً بأذهاننا جميعاً، وإن فقدان أجزاء أخرى من الوطن وفى سيناء يبدو أنها فى الطريق أدى إلى فقدان الثقة فى قدرة النظام على الحفاظ على الوطن. كل هذا أدى إلى الغضب الشعبى العارم والذى سببه انعدام كفاءة أصحاب القرار فى مصر وغياب الوعى بأهمية العدل.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

Tuesday, July 25, 2017

خالد منتصر - دولة الفتوى تتمدد ودولة المواطنة تتبدد - جريدة الوطن - 26/7/2017

الدولة الدينية تتمدد وتحتل مساحات أوسع وأكبر، والدولة المدنية تتبدد وتنحسر وتتراجع أكثر وأكثر، هل هذا هو حصادنا بعد ثورة 30 يونيو؟ هذا هو السؤال المؤلم والموجع، هل كان خروجنا بالملايين فى ذلك اليوم لمجرد هذا الهدف المتهافت وهو إزالة بديع وعصابته! لو كان هذا هو الهدف فقط فما أعظم إحباطنا وما أبشع صدمتنا. نحن قد خرجنا من أجل إسقاط كل مظاهر الدولة الدينية، دولة الفتوى والملالى والكهنوت والتكفير وكراهية الآخر، الدولة التى تحكم بالعمامة لا بالروب الأسود، خرجنا لصالح دولة مدنية يحكمها القانون وتؤسسها المواطنة وترسخها المساواة ويسيّرها العلم، فإذا بنا نمنح السلطة الدينية سلطات سرمدية، ونحشر أنفها فى كافة شئوننا، ونصنع منها كهنوت عصور وسطى ومحاكم تفتيش أزمنة الظلام، صرنا فى دولة رئيسها يُعزل وشيخها لا يمكن عزله! صرنا فى دولة يدخل فيها السجن مفكر بسبب رأيه وتلاحقه السلطة الدينية لقطع لسانه، ويخرج فيها شيخ على الملأ ليعلن فساد عقيدة مواطن مصرى مسيحى! مفكرون خلف القفص ووراء الأسوار، ومشايخ فى محطات المترو وداخل الأكشاك! هل هذا هو شكل الدولة التى كنا نتمناها؟ دولة يطلب رئيسها ويستأذن السلطة الدينية فى إنقاذ شباب مصر من كارثة الطلاق الشفوى وتدمير الأسر المصرية فتُخرج السلطة الدينية لسانها له وتقول: ها قد بحثنا فى كتبنا التى كُتبت منذ ألف عام ولم نجد فيها طلاقاً كتابياً واخبطوا رأسكم يا شعب فى أتخن حائط!! يقدم مشروع قانون لإصلاح الأزهر فينتفض المجلس: «انتبهوا الأزهر خط أحمر»، هل الدولة العصرية هى التى تصرف 12 ملياراً ميزانية على جامعة دينية لا تقبل إلا المسلم؟ هل يحدث هذا فى دولة تدّعى أنها دولة مواطنة؟!! سلطة دينية تتغول وتمتد فى مسام الدولة المدنية وتحتل نواتها وتغير من «الدى إن إيه» الكامن فيها، تترك ميدانها الحقيقى فى سيناء والعريش ورفح لتجديد وتعديل وتصحيح مفاهيم الشباب هناك حتى لا ينضم إلى داعش، وتذهب لتجدد الخطاب الدينى وتقاتل فى محطة زهراء المعادى وفم الخليج والمرج!!
الدولة للأسف تعالج تغول السلطة الدينية بمزيد من منح مساحات لها أكثر وأكثر، وكأن على الرأس بطحة، فى اعتذار مستتر عن «30 يونيو»، والصراخ: ها نحن أكثر تديناً، وإياكم تفتكروا إننا مش متدينين علشان شلنا الإخوان، لأ إحنا متدينين ونص!! ويقدم التنازل تلو التنازل، والانبطاح تلو الانبطاح، والانسحاق تلو الانسحاق، وبعد الكشك ستفاجئنا هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لنجد المطوعين فى الشوارع يهرولون وراء السيدات غير المحجبات، ثم نتجه بعد صلاة الجمعة للفرجة على مشهد قطع الأيدى والرؤوس فى ميدان رمسيس أو التحرير حيث نستمتع بمشاهد البتر والجلد تطبيقاً للشرع وتقليداً للوهابية وتنفيذاً لفتوى الكشك المقدس، وبذلك قريباً جداً سنقيم الأفراح والليالى الملاح احتفالاً بتولى الشيخ عمر عبدالكافى مهام وزير الثقافة وتعيين أبوإسحاق الحوينى مسئولاً عن قطاع السينما ووجدى غنيم مشرفاً على دار الأوبرا!! الكابوس دائماً يتشكل من مفردات الواقع، والحرائق التى تأكل الأخضر واليابس تبدأ من مستصغَر الشرر، ومن يلتهم ذراعك يبدأ دائماً بصباعك!!.

د. عماد جاد - انتشار حالة «الهوس الدينى» (٢) - جريدة الوطن - 26/7/2017

تتناسب حالة «الهوس الدينى» والاستغراق فى التدين الشكلى طردياً مع حالة التخلف الاقتصادى والاجتماعى والثقافى بل والسياسى أيضاً، وتتناسب عكسياً مع السير فى طريق التنمية الشاملة وتحقيق معدلات عالية من الإنجاز فى شتى المجالات.
وقد مرت مختلف المجتمعات بحالة الهوس الدينى فى مراحل تخلفها وعدم قدرتها على الإنجاز على أى مستوى من المستويات، وأيضاً مراحل رغبة الحاكم الفرد فى السيطرة على الشعب ونهب ثرواته والتحكم فيه، فظهرت نظريات الحق الإلهى فى الحكم وخليفة الله على الأرض، ظهر تزاوج السلطة بالدين قبل أن يظهر تزاوج السلطة بالمال. فالحاكم الفرد المتسلط سواء كان أميراً أو ملكاً أو سلطاناً كان بحاجة إلى إخضاع الشعوب عبر رجال الدين، الذين يحثون الشعوب على الخضوع للحاكم وعدم مقاومته بل وعدم الدفاع عن حقوقهم التى كان الملك أو القيصر يهضمها فيقوم رجال الدين بتخدير الشعب من خلال توظيف الدين، فمن «ابن الطاعة تحل عليه البركة» فى المسيحية، و«أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، إلى «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر»، إلى تحريم الخروج على الحاكم فى الإسلام. فمن قصة دور البطريرك الروسى فى إخماد غضب الشعب على استيلاء القيصر على منتجاتهم الزراعية ظلماً وعدواناً، خرج كارل ماركس بمقولة «الدين أفيون الشعوب»، بمعنى أن رجال الدين يستخدمونه فى امتصاص غضب المطالبين بحقوقهم المدافعين عن ممتلكاتهم التى كانت تتعرض للنهب، فبعد جلسة مع رجال الدين تهدأ الأعصاب ويخمد الغضب ويتطلع المرء إلى مرحلة المجىء الثانى للمسيح ومن ثم ينتظر التعويض فى السماء.
ظاهرة الهوس الدينى بدأت على يد الحكام الذين كانوا فى حاجة لرجل الدين إلى جوارهم، يحلل لهم ما يريدون تحليله، ويحرم ما يرغب الحاكم فى تحريمه، يهدئ من غضب الشعوب، يخدرهم، ويهبط من عزيمتهم، ويتقاسم المكاسب مع الحاكم. وكلما كان الحاكم متسلطاً، زاد احتياجه لرجل الدين، كلما كان ديمقراطياً إصلاحياً، دفع باتجاه الفصل بين الدين والسياسة، بمعنى توقف عن توظيف الدين فى خدمة السياسة، القاعدة العامة هى أن الحاكم فى مراحل ما قبل التطور الديمقراطى عادة ما يحتاج لرجال الدين وللخلط بين الدين والسياسة، ولدينا حالة «السادات» تعد حالة نموذجية فى تديين المجال العام والخلط بين الدين والسياسة، وأحياناً قليلة يكون الحاكم راغباً فى تقليص مساحة التداخل بين الدين والسياسة لمصلحة المجالين معاً، وحتى ينشر الفكر العلمى ويقلص مساحة الخرافة والتواكل، وتأتيه المقاومة من المؤسسة الدينية ومن الشعب الذى دخل فى مرحلة الهوس الدينى واستراح فيها ولا يريد مغادرتها، وهناك حالات نادرة قام فيها رجال الدين والمؤسسة الدينية بدور تنويرى تقدمى، مثل العظماء من رجال الأزهر، رفاعة الطهطاوى، ومحمد عبده، والأخوين على ومصطفى عبدالرازق، وفلسفة لاهوت التحرير التى قدمتها الكنيسة الكاثوليكية فى أمريكا اللاتينية، لكن النتيجة العامة هى أنه لا تنمية ولا تقدم ولا تطوير دون فصل الدين عن السياسة، لا توجد دولة متقدمة بمعايير التقدم الشامل تخلط بين الدين والسياسة، ولا توجد دولة دينية متقدمة، أولى خطوات التقدم وتمهيد الأرض للانطلاق تتمثل فى فصل الدين عن السياسة ونشر التفكير العلمى مع احترام الدين باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالق الكون، لا تخص أحداً غيره. من هنا لا بد من وقف عملية الخلط المتعمد بين الدين والسياسة فى مصر التى انتشرت حتى داخل مؤسسات ومرافق الدولة المصرية فأنتجت لنا ظاهرة التدين الشكلى التى قادت إلى انتشار ظاهرة الهوس الدينى.

د. عماد جاد - انتشار حالة «الهوس الدينى» - جريدة الوطن - 25/7/2017

بعد أيام قليلة من بدء تجربة «كشك الفتوى» فى محطات مترو الأنفاق، جاء فى الامتحان التحريرى للمتقدمين لشغل وظائف مساعد ونائب رئيس مدينة ورئيس وحدة قروية فى ديوان عام محافظة القليوبية سؤال يقيس مدى الالتزام الدينى للمتقدمين، فقد جاء فى الصفحة الثانية من الامتحان، حسب ما ورد فى جريدة «الوطن» أمس الأول، «لو لم تمارس الشعائر الدينية، هل تكون راضياً عن نفسك؟». وكانت الإجابة اختيار ما بين «أوافق» و«أوافق بشدة». هذا سؤال لا علاقة له بالكفاءة والمهارة والقدرة على أداء العمل، لا علاقة له بالقدرة على تأدية مهام الوظيفة، هذا سؤال ينطوى على حزمة تجاوزات بحق مصر والمصريين والدولة المدنية، بل وإعمال العقل والتفكير ناهيك عن معايير شغل الوظائف العامة فى البلاد. أولاً هذا السؤال يمكن أن يكون منطقياً فى دولة دينية تقوم على أساس دينى ويدين شعبها بديانة واحدة ولا تقبل ولا تسمح بحرية الاعتقاد أو حرية ممارسة الشعائر الدينية إلا وفق ما تحدد. أو هو سؤال يتوافق وحكم جماعة دينية متشددة ومتطرفة، فلن يكون غريباً ولا عجيباً إذا ما جاء سؤال من هذا النوع فى دولة يسيطر عليها تيار دينى متطرف كالإخوان أو السلفيين. ومن ثم فهو سؤال يناقض أسس الدولة المدنية ويتصادم ومبدأ التعددية، ويقتل مبدأ حرية العقيدة، حرية الرأى والاعتقاد. وثانياً هذا سؤال لا علاقة له بقوانين العمل، فليس فى قانون العمل المصرى أو أى قانون فى أى دولة مدنية بند أو شرط ينص على الالتزام بأداء الشعائر الدينية. وثالثاً فإن هذا السؤال يكرس حالة التدين الشكلى السائدة فى المجتمع المصرى، يقولون إن الشعب المصرى متدين بطبعة ولا أعلم من أين جاءوا بهذا الحكم، فالشعب المصرى ومنذ زمن طويل أكثر شعوب الأرض حديثاً فى الدين وعنه، وتمسكاً بالطقوس والمظاهر، حتى فى ممارسته للألعاب الرياضية تجد اللاعب يركع طوال الوقت فى حين أنه كان يكفى أن يشكر الله فى قلبه دون أن يمارس سلوكاً شكلياً بات عادة يمارسها الجميع. بل إن حالة الهوس الدينى دفعت مطرباً مغموراً إلى أن يغير فى كلمات قصيدة «الأطلال» للشاعر العظيم الدكتور أحمد ناجى ليقول «لا تقل شئنا فإن الله شاء» بدلاً من «فإن الحظ شاء».
المجتمع المصرى دخل فى نفق التدين الشكلى والهوس الدينى منذ مطلع السبعينات على يد الرئيس «المؤمن» وكلما اعتقدنا أننا فى الطريق للخروج من نفق هذا الهوس الدينى، يأتى الارتداد من الدولة ذاتها، فبنية مؤسسات الدولة بنية دينية، يلفها التعصب والتطرف، تتخذ لنفسها وظائف لا علاقة لها بوظائف الدولة المتفق عليها بين فلاسفة وعلماء النظم السياسية، فمهام الدولة إسعاد المواطن على الأرض، وتوفير الأمن والحماية للمواطنين، وحماية حدود الدولة ومصالحها والدفاع عنها، وتعظيم قدرات الدولة، وتوفير متطلبات الحياة الكريمة والآدمية لغير القادرين من مسكن صحى مناسب وتعليم مجانى جيد، وعلاج مجانى وفرص عمل أو إعانات بطالة. لم نجد فى أى كتاب أو نظرية أن للدولة ديناً، فالدولة كائن اعتبارى يقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد والمعتقدات، ولم نصادف من قبل وظيفة للدولة هى مساعدة الإنسان أو إجباره على دخول الجنة، فهذه ليست مسئولية الدولة، بل مسئولية شخصية وحرية مطلقة للأفراد، وكلما زادت مساحة تدخل الدولة فى شئون الإنسان الخاصة كان ذلك مؤشراً على أنها دولة غير ديمقراطية، عاجزة عن القيام بمهامها الحقيقية فتقوم بتوظيف الدين لتخدير الشعوب.
إذا أردنا قطع خطوات على طريق التطور والتقدم وبناء دولة مدنية حديثة لا بد من وقف ظاهرة الهوس الدينى بكل الطرق ومحاسبة من قام بوضع سؤال عن الالتزام بالشعائر الدينية فى مسابقة لشغل وظيفة عامة، أوقفوا الهوس الدينى قبل أن يعصف بنا جميعاً.

د. عماد جاد - دولة قوية أم دولة قانون؟ (٢) - جريدة الوطن - 24/7/2017

قلنا إن «مبارك» وأجهزته الأمنية مارسوا لعبة «القط والفأر» مع «الجماعة»، أى تتصل بها وتتواصل معها، تمنحها قدراً من المكاسب، وعندما تطمع فى المزيد، توجه لها رسائل تحذيرية ثم ضربات غير حاسمة، فنظام «مبارك» كان فى حاجة لـ«الجماعة» حتى يقول للغرب إن ضغوطهم عليه لمزيد من الانفتاح الديمقراطى فى مصر سوف تأتى بـ«الجماعة» إلى السلطة، وهى جماعة متطرفة تكره الغرب وإسرائيل. واستمر الأمر إلى أن تواصلت «الجماعة» مع الغرب، وطمأنتهم على مصالحهم، وعلى أمن إسرائيل واستقرارها، فكان قرار بيع «مبارك» أمريكياً وأوروبياً، وكان ما سُمى بـ«الربيع العربى» الذى بدأ بتونس ووصل إلى مصر. من نتائج هذا الربيع تحلل أجهزة الدولة ومؤسساتها، ففجأة واجه الشعب المصرى حالة غير مسبوقة فى تاريخه الحديث، هى حالة فراغ السلطة، تحلل مؤسسات الدولة، انفتاح السجون، وانتشار أعمال البلطجة، السلب والنهب، غياب الأمن، وفقدان الشعور به تماماً من قِبل المصريين. بات مطلوباً من المصريين أن يحموا أنفسهم، فالدولة القوية التى كانت توفر لهم الحماية وهنت وضعفت، ولم تعد قادرة على توفير الحماية لشعبها. انتشرت عصابات الخطف والسطو وسرقة السيارات، عبثت الثعالب الصغيرة فى الكروم فلم «تنم النواطير فقط، بل اختفت تماماً»، فلم يعد هناك مَن يخشى منه حتى من الناحية الشكلية بصرف النظر عن القدرة على الفعل.
عانى المصريون سنوات طويلة من تبعات قوة الدولة وسطوتها، ثم فجأة انهارت هذه القوة وتلاشت تماماً، فبدأت معاناة جديدة للمصريين تماماً، هى معاناة ضعف الدولة ووهنها، ومعها ضاع القانون تماماً، وباتت القوة هى المعيار الوحيد لحماية الذات والدفاع عن النفس. وعلى مدار الفترة من نهاية يناير ٢٠١١ عانى المصريون من ضعف الدولة ووهنها، وسطوة العصابات والجماعات، وتغييب القانون تماماً. خرج المصريون فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ لاسترداد هويتهم واستعادة الدولة، فقد اشتاقوا إلى الدولة القوية التى توفر لهم الحماية والأمن قبل أى شىء آخر، وهو ما تحقق فى بيان الثالث من يوليو، ومن ثَم بدْء عودة الدولة المصرية، سواء فى العام الانتقالى تحت حكم المستشار الجليل عدلى منصور، أو رئاسة عبدالفتاح السيسى.
عادت الدولة المصرية القوية تدريجياً، وحاولت فى الوقت نفسه استعادة دولة القانون عبر محاربة الفساد، وإرساء أسس الشفافية والمحاسبة، وتسير الدولة بالفعل على طريق تحقيق ذلك، مع الاهتمام بتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة فى المجتمع، لا سيما فى مراحل التحول الاقتصادى والاجتماعى، الذى تمر به البلاد، والذى يتطلب حزمة من القرارات المؤلمة لسنوات قبل أن تبدأ عملية جنى الثمار والمكاسب.
وفى تقديرى أن إنجازات كثيرة تحققت على مستوى البنية التحتية، والقرارات الصادمة، التى لا مفر منها لبدء تنمية حقيقية، ونقطة الضعف الجوهرية فيما يجرى اليوم هى غياب السياسة أو الإدارة السياسية للأزمات والمشكلات على النحو الذى يضعف من وتيرة الإصلاح والتغيير وجنى ثمارهما، فالدولة القوية حقاً هى دولة القانون والعدل، استخدام القوة يكون فى إطار القانون ووفق الدستور، نعم نريد مصر دولة قوية، ولكننا نريدها دولة قانون، لا نريد العودة إلى الدولة القوية الباطشة، كما كانت فى خمسينات وستينات القرن الماضى، ولا نريدها دولة شبه قوية يسودها الفساد، كما كان حال دولة «مبارك»، وبالقطع واليقين لا نريدها دولة ضعيفة فتخترقها الثعالب الصغيرة قبل الكبيرة، وتلتهم خيراتها، كما كان يحدث تاريخياً، نريدها دولة قوية مهيبة الجانب فى الإقليم والخارج، دولة عدل وقانون فى الداخل، وهو ما نأمل إرساء أسسها فى الفترة المقبلة.

Sunday, July 23, 2017

د. عماد جاد - دولة قوية أم دولة قانون؟ - جريدة الوطن - 23/7/2017

طوال تاريخها، اتسمت الدولة المصرية بالمركزية الشديدة، وكانت الأقاليم تُحكم من المركز، إلا فترات محددة فى تاريخ مصر القديم، اتحدت فيها أقاليم المركز وانقسمت الدولة، وحتى عندما أصيبت الدولة المصرية بالوهن فى مقاييس القدرة شاملة وباتت مطمعاً لدول الجوار وقبائلها، ظلت فى الداخل دولة مركزية قبضتها على مواطنيها شديدة، وكذلك قبضة المستعمر أو المحتل، نظراً لتوظيفه أدوات وآليات الدولة المصرية. وخضعت مصر لاحتلال متوالٍ لأكثر من ألفى عام، واعتباراً من عام ١٩٥٢ بدأ المصريون فى حكم أنفسهم، وكان السؤال: هل ينبغى أن تكون الدولة المصرية ديمقراطية أم تكون دولة قوية، بصرف النظر عن طبيعة نظام الحكم، وبعد مساجلات واحتكاكات انتهى الأمر بانتصار أنصار الدولة المركزية القوية على حساب دعاة استمرار التجربة الديمقراطية التى استمرت من ١٩٢٣ وحتى ١٩٥٢، وقام الجناح المنتصر (جناح عبدالناصر) بتحطيم كل مرتكزات وأسس الحكم شبه الديمقراطى فى الحقبة شبه الليبرالية، وخرج الجناح المقابل (جناح محمد نجيب) من السلطة تماماً، وزج به فى السجون.
قاد «عبدالناصر» موجة القومية العربية، وتبنّى قضاياها، وبدأ فى الخروج خارج قواعد اللعبة الدولية من خلال تأميم قناة السويس، فكان العدوان الثلاثى واحتلال سيناء، زج بقواتنا المسلحة فى أتون حرب اليمن، أى أنه أرسل قواته إلى خارج الحدود دون التنسيق مع القوى الكبرى، أو قوة واحدة كبرى على الأقل، وهو سلوك لا تمارسه إلا القوى الكبرى فقط، فكانت مصيدة لقواتنا المسلحة ووقع عبدالناصر فى الفخ السورى، فقام بإغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الإسرائيلية، فكان عدوان يونيو ١٩٦٧، والهزيمة التى أنهت طموح «عبدالناصر»، وكسرت مشروعه العربى، وأضعفت الدولة المصرية كثيراً، ولا نبالغ إذا قلنا إن هزيمة يونيو ١٩٦٧ هى السبب الجوهرى فى ما عانته مصر وتعانيه حتى اليوم.
انتهى الحديث عن المفاضلة بين الدولة القوية والدولة الديمقراطية أو دولة القانون على الأقل، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وجاء «السادات» ليجهز على بقايا دولة القانون عبر تغيير الدستور ووضع المادة الثانية، ثم تديين المجال العام، واستخدام الدين فى خدمة السياسة، فحدث الشرخ التاريخى فى مصر، صحيح الشرخ موجود طوال التاريخ، لكن الصحيح أيضاً أنه اتسع كثيراً بعد ١٩٥٢ بفعل سياسات ربما لم تكن وراءها أبعاد طائفية، لكن مع مطلع السبعينات ولعبة «السادات» مع السعودية والجماعة، ثم لعبته مع المخابرات المركزية الأمريكية، بالاتفاق مع السعودية وباكستان، لتشكيل جماعة المجاهدين التى سوف تقاتل السوفييت فى أفغانستان من منطلق دينى، تعمّق الشرخ ووضع البلاد فى نهاية السبعينات على شفا الانفجار. قتل «السادات» وجاء «مبارك» واستمرت اللعبة نفسها وإن حدث تغيير بسيط، وهو أن أجهزة «مبارك» الأمنية بدأت فى لعبة «القط والفأر» مع الجماعة، أى تتصل بها وتتواصل معها، تمنحها قدراً من المكاسب وعندما تطمع فى المزيد، توجه إليها رسائل تحذيرية ثم ضربات غير حاسمة، فنظام «مبارك» كان فى حاجة إلى الجماعة حتى يقول للغرب إن ضغوطهم عليه لمزيد من الانفتاح الديمقراطى فى مصر، سوف يأتى بالجماعة إلى السلطة، وهى جماعة متطرّفة تكره الغرب وإسرائيل. واستمر الأمر إلى أن تواصلت الجماعة مع الغرب وطمأنتهم على مصالحهم وعلى أمن إسرائيل واستقرارها، فكان قرار بيع «مبارك» أمريكياً وأوروبياً.
وللحديث بقية