Translate

Sunday, December 25, 2022

من مصادر المشاكل الأسرية.. 3- مصادر اجتماعية - الأنبا موسى - المصري اليوم - 25/12/2022

 هناك بعض الزوايا الاجتماعية، التي يمكن أن تكون مصادر للمشاكل الأسرية مثل:

1- أصدقاء السوء:

وهم مصدر خطير للمشاكل الأسرية، في الجنسين. فحينما يتضايق الزوج من أمور عابرة تحدث في جو الأسرة، يدخل في مسلسل مزعج مراحله كما يلى:

- يذهب إلى أصدقائه البعيدين عن الله، إذ من المتوقع ألا يكون له أصدقاء أنقياء، ما دام هو بعيدًا عن الرب، وفى غمرة ضيقه، والدالة التي بينه وبين أصدقائه، لا يستطيع أن يخفى آلامه، فيبدأ بالحديث، أو يستدرجه أصدقاؤه إليه.

- أما أصدقاء السوء، فهم ولا شك تحت قيادة عدو الخير، الذي يجعلهم يصدقون زميلهم، ويعومون على تيار العنف والانتقام، فيوافقونه على كل قرار سلبى، ولا يشجعونه على الصلح إطلاقًا.

- بل إن عدو الخير قد يتمادى أكثر، فيعرض عليه وهو واجم وساهم، أو من خلال أصدقاء السوء، أن يتخلص من زوجته.

ونفس الأمر يحدث مع الزوجة.. دون فارق يذكر.. بالإضافة إلى طبيعة المرأة العاطفية التي تجعلها أكثر انفعالًا بالأمور، وأكثر انفعالاً في العرض، وأكثر انفعالاً في اتخاذ القرار.

والحل الوحيد هو في الحياة السليمة، التي تجعلنا نسترشد بالرب، وبشخص حكيم، وبالصديق الصالح، فالإنسان يجب أن يستريح.. لكن المهم أن يعرف موضع الراحة وطريقها.

2- الاختلاط الزائد:

وفى هذا مصدر مدمر للأسرة، وذلك أن التكدس السكانى الرهيب، واختلاط الحابل بالنابل في المساكن والشوارع ووسائل المواصلات وأماكن العمل والدراسة.. كل هذه جعلت من الاختلاط الزائد على الحد ظاهرة خطيرة تحتاج إلى وقفة وتقويم.

- لا مانع من حضور زميل البنت ليذاكر معها.. سذاجة رهيبة!!.

- لا مانع من ارتباط البنت بشاب معقول.. ربما يتزوجان!!.

- ما المشكلة في رحلة مشتركة؟!.

- هذا جارنا العزيز.. دائمًا يسأل عنا.. وقد صرنا أسرة واحدة، لهذا فهو يأخذ راحته عندنا!!.

- دع الأولاد ينطلقون معًا.. كلهم إخوة!!.

- تفضل يا فلان.. البيت بيتك!!.

- بالإضافة إلى التزاور غير المحدود، ووسائل الميديا التي قد تقدم لنا نماذج تكاد تكون غير موجودة في مجتمعنا، كالخيانة الزوجية المستمرة، أو طريقة لقاء الشباب خارج الأسرة.. إلخ.

هل هي سذاجة؟ أم سطحية؟ أم تهاون وتسيب؟ أم أغراض شريرة أساسًا؟.

ليتنا نحرص اليوم على بيوتنا وعلى أولادنا قبل أن نحصد الندم، بعد العدم.

3- سفر وغياب الزوج:

إن الغياب الطويل للأب وبال على الأسرة بلا شك.. فمهما حرصت الأم على نفسها وعلى بيتها. فهى تعانى بلا شك من جوع عاطفى نحو الشريك الوحيد.. أما الأولاد فلا شك أنهم يعانون كثيرًا في نموهم: الروحى والنفسى والاجتماعى والعصبى.. نتيجة انتزاع الأب من وسطهم، وغياب جرعات الأبوة الحانية والتوجيه السليم.

أما الغياب في سفر لسنوات، فكثيرًا ما كان سببًا في انحراف الزوجين أو أحدهما. وأمامنا قصص دامية.. خصوصًا في القرية المصرية التي خلعت ثياب التقليد والأصول.. ودخلت دوامة التحضر والعصرية.

وكم من شاب رأيناه ضائعًا تمامًا، إذ تركه الوالدان وسافرا للعمل بالخارج، نعم، لقد أحضرا له نقودًا كثيرة، ولكنهما لم يجداه.. لقد ضاع إلى الأبد!!

لذلك فلا بد من التفكير بضع مرات عند السفر للخارج، هل هناك ضرورة؟ هل هناك فرصة لتكون الأسرة كلها معًا؟ هل هناك ضمانات: روحية ورعوية وتربوية للزوجة والأولاد؟.

هذه كلها أسئلة واجبة قبل أن يقدم الزوج على السفر.

ولعل الظاهرة الأحدث هي أن تسافر الزوجة تحت إغراء النقود، وتترك زوجها تتجاذبه أنواء الرجولة والأصول والحروب الشيطانية.

وتتضاعف المشكلة كثيرًا حينما تترك الزوجة أطفالها الصغار في رعاية أبيهم.. وتذهب لتكتنز!!.

أمور تحتاج إلى تقويم، وإعادة نظر، وحسن تدبير.

4- تدخل الأسرتين:

منذ السنة الأولى في الزواج، قد يبدأ تدخل الأسرتين في حياة الزوجين الخاصة، بأسلوب ردىء، خاصة في القرية المصرية. ويتصاعد التدخل كل يوم، محاولاً بدلاً من أن يوفق بين الزوجين حتى يتكاتفا ويتحدا معًا، أن يمزق روح الوفاق، ويعمق جذور الخلاف، ويروى بذار المشاكل.

كيف؟ ولماذا؟ وماذا حدث؟ وكيف تقول هي هذه الكلمة؟ وكيف يقول هو هذه العبارة؟ ولماذا هذا الأسلوب في التعامل؟.. إنه لا يعرف قدرك ولا قدر أسرتك؟ لقد أسأنا الاختيار!! مسكينة يا بنتى!.. مسكين يا ابنى! خذها بالشدة من الأول حتى تطيعك!.. خذيه بالشدة من البداية حتى لا يتحكم فيك!.

وتتكاثر النصائح الجهنمية، وتنتهز الأسرتان الكبيرتان أي فرصة للدخول في خلاف، هل يريد أن يمنعك من الحضور إلينا؟ كيف؟ هل يساعد أسرته من المرتب؟ غير معقول، فالبيت محتاج مصروفك ومصروفه؟ اعملى حساب الزمن؟.

من أخطر الأمور أن تتعامل كل من الأسرتين الكبيرتين مع الشريك الخاص بها بروح التدليل وعدم التوجيه السليم والدفاع عنه حتى لو كان مخطئًا.. بينما تتعامل مع الشريك الآخر في روح الحرب والعداوة والإدانة المستمرة.

ومن خلال محاولاتنا المتكررة في الصلح بين الزوجين كم من مرة وجدنا تجاوبًا منهما، لكن الرفض جاء من الأسرة الكبيرة. إنها جريمة سيدفع الجميع ثمنها خصوصًا الأطفال الصغار الأبرياء.

ليت تدخّل الأقارب يكون لتقريب وجهات النظر، وبروح موضوعية دون تعصب عائلى، وبروح الله القدوس لا بالعاطفة العمياء المنحازة. لو اتحد الزوجان، لوجد كل منهما راحته في الآخر، وأحس بأخطائه إذ تنبهه أسرته إليها.


Sunday, December 18, 2022

التعامل مع الهدف - الأنبا موسى - المصري اليوم - 18/12/2022

 هناك- في علم النفس- ثلاثة أساليب يستخدمها البشر للتحرك نحو الأهداف المرحلية، سعيًا إلى الهدف النهائى، نود أن نطرحها، ثم نحدد الموقف الدينى منها:

أولًا: الأسلوب المباشر:

وهذا يلجأ إليه الإنسان حينما يجد العقبات أمامه، بعضه مقبول دينيًا، وبعضه الآخر غير مقبول.. ويسمى علم النفس هذه المسالك «الحيل الدفاعية Defence Mechanisms»، فيها يدافع الإنسان عن وجوده وتحقيقه لذاته، ولكن المهم أن يتخذ المسلك السليم دينيًا، لأن غالبية هذه الحيل غير مقبولة من وجهة النظر الدينية.. وهذه بعضها:

١- الكبت: حينما يدفن الإنسان الدوافع غير المقبولة اجتماعيًا والذكريات المؤلمة أو المخجلة في اللاشعور.. ويظن أنها انتهت، ولكنها تظهر بالقطع في أحلامه أو تخيلاته. وحينما يزداد الكبت، تأتى ربما لحظة انفجار وانفلات وضياع، والمنهج الدينى هنا يعلمنا ألا نكبت هذه الأمور السلبية في اللاشعور، بل نخرجها إلى الشعور، ونصلى، ونفكر، ونعترف.. وهكذا نحصل على غفران ومعونة وإرشاد لمواجهة هذه الدوافع غير المقبولة أو الذكريات المؤلمة، واثقين في قدرة الرب على أن ينصرنا، ويسند ضعفنا، ويقدس دوافعنا، ويستثمر ذكرياتنا المؤلمة والمخجلة لبنيان حاضرنا ومستقبلنا.

٢- الإعلاء (Sublimation): هو الارتقاء والسمو بالدوافع غير المقبولة وتوجيهها إلى نشاط مقبول ومفيد، على سبيل المثال التسامى بالطاقة الجنسية في اتجاه بنّاء كالتدين، والقراءة، والرياضة، والهوايات، وخدمة الآخرين.. إلخ.. وهذا بالطبع مقبول وممكن دينيًا ومجتمعيًا.

٣- التعويض: بمعنى إذا فشل الإنسان في مجال معين، يتحول إلى مجال آخر ينجح فيه، وهذا أمر مقبول طبعًا طالما أن هذه المجالات بنّاءة ومقدسة: كالعمل والرياضة والفنون.. إلخ.

٤- التبرير: معناه أن يبرر الإنسان فشله بأعذار واهية للهروب من المسؤولية، فيشوه الهدف الجيد الذي فشل في تحقيقه أو يرفع من قيمة هدف سيئ اتجه إليه، أو يلتمس أعذارًا غير حقيقية لفشله. والصحيح هنا أن يعترف الإنسان بأنه فشل، فلا عيب في ذلك، ويدرس السبب الحقيقى ويتعامل معه سعيًا إلى النجاح بنعمة الله.

٥- الإحلال: كأن يضغط رئيس العمل على موظف فيحول ضيقه إلى مشاجرة مع زوجته مثلًا.. وهذا غير مقبول دينيًا وإنسانيًا.. والأصح أن يتعامل مع المشكلة بطريقة سليمة، مُرضيًا رئيسه ومصححًا أخطاءه، أو مطالبًا بحقوقه بطريقة حكيمة إذا ما ظُلم.

٦- الإسقاط: معناه أن يتحدث الإنسان عن أخطاء الآخرين ليبعد الأنظار عن أخطائه هو.. وهذا ما نسميه الإدانة.. وكان الأفضل أن يفتش الإنسان عن أخطائه ليعالجها، وأن يبحث عن فضائل الآخرين ليتعلم منها.

٧- التقمص: إذ يتقمص الإنسان شخصية إنسان آخر يراه ناجحًا ومتميزًا لكى ينال شيئًا من هذا النجاح، فيستعير من صفاته وسلوكياته وحركاته، وربما في الشكل وليس في الجوهر، وهذا غير سليم طبعًا، فلكل إنسان جوهره الخاص ووزناته وملامحه، والأفضل أن يتعامل مع الله في إيمان، ليحقق الرب قصده من خلقه، ويجعل منه أيقونة خاصة.

٨- التكوين الضدى: وفيه يبالغ الإنسان في مظاهر المحبة مع شخص ما، لكى يخفى عدم محبته له.. وهذا غير سليم.. إذ يمكنه- بعمل الله في حياته- أن يحب محبة حقيقية حتى من يعارضونه أو يعادونه.. ولا يكون هكذا مرائيًا.. وممكن طبعًا أن يستخدم أسلوب العتاب والمصارحة للوصول إلى السلام والمصالحة.

٩- العناد: هو حيلة الطرف الضعيف أمام الطرف المتسلط والمسيطر، إثباتًا لذاته. ويمكن أن ينبع العناد من كبرياء الإنسان واعتـداده بنفسـه وفكره.. وكلاهما موقف خاطئ، فالرب قادر على أن يهب الطرف الضعيف قوة ومعونة من أجل العتاب والتفاهم.. وأن يكسر كبرياء العنيد إذا ما تصلف وملأه الغرور لكى يدفعه إلى التوبة.

١٠- أحلام اليقظة: وفيها يحاول أن يحقق الإنسان في عالم الخيال ما يفشل في تحقيقه في عالم الواقع.. فإما يتجه إلى تحقيق بطولات خيالية، أو عدوان وهمى على أعدائه، أو اجترار الإحساس بالاضطهاد.. وكلها خطأ، فالحياة على أرض الواقع أفضل، والتعامل مع المشكلات بأسلوب مباشر ممكن وأنسب.. ويصل بنا إلى الأهداف الواقعية المنشودة.

١١- الانسحاب: كأن يبتعد الإنسان عن المواقف التي تؤدى إلى نقده أو عقابه، فينعزل في حجرته لساعات طويلة.. والأفضل أن يهدئ نفسه قليلًا بالراحة والاعتزال والصلاة، ثم يخرج لمواجهة الموقف ودراسته.


Saturday, December 10, 2022

الشباب ما بين: الماضى- الحاضر- المستقبل - الأنبا موسى - المصري اليوم - 11/12/2022

 1- يموج العصر الحديث بأمور جديدة مثل: شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعى (الفيس بوك - الإنستجرام.. إلخ)، والمزيد القادم فى الطريق.. وأصبح التواصل ممكنًا بالصورة، والحركة، والتخاطب المباشر.. والإنسان قابع فى حجرته أمام اللاب توب أو على موبايله الخاص.

2- ومع هذا الخلط والاختلاط، تتداخل وتتسابق وتتقاطع «المفاهيم والمبادئ والنفوس»، ما يعطى الشباب فرصًا كبيرة فى الخروج من الذات والأسرة والأصدقاء ومكان العبادة والمجتمع المحلى إلى آفاق بعيدة يمكن أن تدفعه إلى قرارات واختيارات ومواقف غاية فى الأهمية والخطورة على حياته.

وكم من شباب تواصل مع فتيات من خلال هذا الطريق، وسقط فى فخاخ خطيرة ومدمرة.. وأتذكر ما نشرته الصحف عن فتاة تواصلت مع شاب غير مصرى، وجاء إلى مصر، فسرق كل ما لديها وتركها مدمرة!.

3- إن أهم فضيلة يجدر بشباب القرن الـ 21 أن يتحلى بها هى فضيلة: (التوازن).. ذلك لأن عالم القرن الجديد يحفل بثنائيات كثيرة تستدعى منا أن نتخذ موقفًا متوازنًا وحكيمًا، كل يوم، وكل ساعة!.

4- والتوازن طبعًا هو عكس التطرف، فالتطرف هو أن يركن الإنسان إلى أحد طرفى المعادلة أو الميزان، ويتجاهل وينفى الطرف الآخر، أو الكفة الأخرى من الميزان، فيسقط فى «التطرف اليمينى»، أو «اليسارى».. بينما عندنا شعار مصرى جميل يقول: «خير الأمور الوسط».

5- كذلك فالتوازن هو من أهم مؤشرات الصحة النفسية، كما يقول علماء النفس.. من هنا يكون لزامًا علينا أن نتعرف على بعض ثنائيات القرن الجديد، لكى نتخذ الموقف المتوازن منها، فلا نتطرف يمينًا أو يسارًا.. كما قال سليمان الحكيم: «لاَ تَكُنْ حَكِيمًا بِزِيَادَةٍ. لِمَاذَا تَخْرِبُ نَفْسَكَ؟» (جامعة 16:7)، ويقصد بالحكمة هنا ما يمكن أن نسميه «الوسوسة». وأذكر أن بعض هؤلاء كانوا يغسلون الصنبور، الحنفية نفسها بالماء والصابون قبل أن يأخذوا منها الماء!!.

6- ولدينا هنا المقولة الشهيرة: «خير الأمور الوسط»، وبالأكثر كلمة الآباء القدماء: «الطريق الوسطى خلصت كثيرين».

يحفل القرن الـ 21 بثنائيات مهمة يجب أن ننتبه إليها ونتعامل معها بتوازن، نذكر منها: الماضى والحاضر والمستقبل،

ونبدأ دراستها ببعض التفاصيل:

مع النبرة المتزايدة فى اتجاه المعاصرة، وعدم الانسحاب من تيار الحياة، والجديد التكنولوجى، وثورة الاتصال الحديثة، ورياح الحرية، ودواعى التجديد والتغيير، ودعاوى الليبرالية والتقدمية.. وكلها أمور مهمة ومفيدة.. مع كل ذلك يحتاج شباب القرن الـ 21 إلى التمسك بجذور التراث والأصالة، فبدون جذور لا تنمو الساق، ولا تظهر الأوراق، ولا تشرق الأزهار، ولا نجنى الثمار.

أ- التراث والماضى هو بمثابة الجذور: التى نستمد منها عصارة الحياة، فالحياة لا تبدأ من فراغ، والحاضر كان جنينًا فى رحم الماضى، كما أن المستقبل هو جنين فى رحم الحاضر.. لهذا تحدث المفكرون عن: «سر اللحظة الحاضرة» (The secret of the present moment).

ب- نعم.. ينبغى أن تكون لنا رؤية مستقبلية: حتى إن هناك الآن علم «المستقبل (Futurology)»، الذى لفت نظرنا إليه الراحل الكبير أحمد بهاء الدين.. ولكن التطلع إلى المستقبل، ينبغى أن يبنى على مراجعة الماضى واستيعاب دروس ومعطيات التراث السخى والمهم.. لذلك فاستيعابنا لكتابات القدامى، والتعرف على الجذور، والهوية المصرية، والكفاح الإنسانى العام (ضد العبودية مثلًا)، والكفاح الوطنى الخاص (ضد الاستعمار مثلًا)، يلزمنا لنبنى أنفسنا على قواعد مهمة وراسخة.

ج- إنه تراث ضخم: روحى، وثقافى، ونفسى، واجتماعى، ووطنى.. يجب أن نستوعبه قبل أن نحدد لأنفسنا رؤى المستقبل ومعالم الطريق.

د- من هنا كان لابد لنا من «المعاهد الدراسية»، و«الشهادات العلمية»، و«البحوث المتخصصة»، لكى نستزيد من تراث الماضى، استعدادًا لخطوات المستقبل، ولكن دون إغراق فى الماضى، أو التوقف عند عصر معين، أو الاكتفاء بالافتخار بالتاريخ، وكذلك دون إلغاء لمفردات ومنجزات العصر الحديث: روحيًا، وفكريًا، وتكنولوجيًا، ومعلوماتيًا.. فمن خلال هذا المزيج، تتضح الرؤية، ونضمن سلامة خطوات الحاضر والمستقبل بنعمة الله.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Tuesday, December 6, 2022

حكاية المرأة التي هزت عرش الملالي - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/12/2022

 سيظل اسم الشهيدة الكردية بنت العشرين «مهسا أمينى» أيقونة خالدة فى تاريخ نضال المرأة فى العالم من أجل الحرية، فبعد وفاتها على أيدى شرطة الأخلاق الإيرانية اندلعت احتجاجات فى جميع أنحاء إيران، وكانت النتيجة إلغاء شرطة الأخلاق وتعديل قانون الحجاب، وهذا انتصار لو تعلمون عظيم، لكن ما هى حكاية اغتيالها التى لا بد أن نحفظها عن ظهر قلب؟ نسمعها من ابن عمتها عرفان مرتضائى الذى قال:فى يوم 13 سبتمبر كانت مهسا مع أخيها البالغ من العمر 17 سنة وقريباتها، لزيارة أماكن سياحية فى طهران، بعد أن نزلوا من محطة المترو (فى طهران) وعبروا الشارع، أوقفتهم شرطة الأخلاق واعتقلوا مهسا ورفيقاتها، حاول شقيقها إقناع الشرطة بالإفراج عنها لكنهم لم يستجيبوا له، قال الشاب لعناصر الشرطة وفق مرتضائى، «إنها أول زيارة لنا إلى طهران ولا نعرف العادات والتقاليد»، لكن رد عناصر الشرطة عليه بالقول «نحن نأخذها ونقوم بإرشادها حتى تتعلم كيف ترتدى الحجاب»، لكن مرتضائى يقول إن «لباسها كان عادياً، ترتديه كل النساء فى إيران، وكانت تضع الحجاب»، تعرضت للضرب بالعصى على الرأس وعلى رجليها وعلى وجهها بقبضاتهم، أما شقيقها فقد قام رجال الشرطة برش رذاذ الفلفل على وجهه، بعد توقيفهن وُضعت مهسا وقريباتها فى سيارة الشرطة، ونُقلن من هناك إلى الأمن الأخلاقى فى شارع الوزارات بطهران، تلقت الفتاة ضربات أيضاً فى سيارة الشرطة، كما يروى ابن عمتها إلى أن «فقدت الوعى»، طلبت قريباتها المساعدة من الشرطة «لأنها كانت فى حالة صحية سيئة، لكن رجال الشرطة رفضوا الطلب، وقال لهن أحدهم «هذه دراما هندية»، ويقول مرتضائى «أخبرتنى والدة زينا (اسمها الكردى) أنها بقيت فى السجن ساعة ونصف الساعة قبل أن تُنقل إلى المستشفى حيث قال الأطباء إنها توفيت»، لم تشأ أم مهسا حينها أن تصدّق وطلبت أن يوضع لها الأوكسجين، أبلغ الأطباء الأهل أن «مهسا أو زينا أصيبت بضربة شديدة على رأسها»، كما قالت الوالدة له، وبعد ثلاثة أيام قضتها فى غيبوبة، أُعلنت وفاة «أمينى» رسمياً فى 16 سبتمبر.

مهسا أمينى ستظل صوتاً محرضاً ضد قمع المرأة وسحقها، وستظل فى قلب البنات والرجال أيضاً لأنها رمز حرية وأيقونة أمل. 


Sunday, December 4, 2022

مصادر المشاكل الأسرية.. ثانيًا: المصادر الثنائية «6» - الأنبا موسى - المصري اليوم - 4/12/2022

 ولنا هنا ملاحظات نتصور أنها مناسبة، ولكن باب الاجتهاد والرأى مفتوح فى هذه الموضوعات الحيوية.

أ- هل الإنجاب هو الهدف الوحيد للزواج؟

الحقيقة أن الإنجاب ليس الهدف الوحيد للزواج ولكن ثمرته! فالزواج المقدس هدفه تكوين خلية حب مقدس جديدة فى جسد المجتمع، قادرة على أن تصير أيقونة حلوة لاتحاد الله بنا، وقادرة على نشر الحب والعطاء فى الكون، وعلى صيانة الإنسان المدعو للزواج من الانحراف.

■ لذلك فالأولاد هم ثمرة مباركة للزواج المقدس، لكن الله نفسه كثيرًا ما يسمح بعدم الإنجاب، ليعطى فرصة لانطلاق الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الأكبر: الكنيسة والمجتمع، فيقومان بخدمة واسعة لأطفال كثيرين.

■ والرب لم يجعل من عدم الإنجاب مبررًا للطلاق.

■ كما أن الرب سمح بوسائل طبية كثيرة لعلاج العقم نلجأ إليها، ونطلب العطية منه.. ولو كان الزواج هدفه الوحيد هو الإنجاب، لانتهت العلاقة الخاصة التى تربط الزوجين وتوقفت ما بين طفل أو آخر، أو فى ختام فترة الإنجاب.

■ هذا كله يؤكد لنا أن الحب الحقيقى هو هدف الزواج بحد ذاته، وأن الإنجاب ثمرة مباركة، لكنه ليس كل شىء.

ب- ما هدف الإنجاب:

  • إن هدف الإنجاب الحقيقى فى الدين ليس هو فقط إشباع غريزة الأبوة عند الأب، والأمومة عند الأم.. فهذا مستوى الغريزة الذى نشترك فيه حتى مع الكائنات الأخرى.

■ كذلك ليس هو حفظ النوع فقط، فالرب قادر أن يخلق أكثر من آدم وحواء، دون الاستعانة بهما.

كما أن الإنجاب ليس لحفظ اسم الأسرة، كما يلذ لنا أن نهدف ونتمنى.

الإنجاب السليم: شركة مع الله فى الخلق، وامتداد للملكوت!!.

■ شركة فى الخلق: إذ نتعاون مع إلهنا العظيم، ونلمس يده الإلهية القادرة، وهى تخلق من خلية ميكروسكوبية عند الزوج، وأخرى مثلها عند الزوجة، جنينًا ينمو فى أحشاء الأم، ويتشكل بقدرة خارقة معجزية. ليصير إنسانًا جديدًا فى العالم، له بصمته الخاصة، ومواهبه وسماته المميزة ودوره الفريد.

لأننا حينما ننجب طفلاً نربطه بالرب، وبالملكوت الأبدى. ونسلمه لمن يرعاه، ونهتم بتربيته الروحية والدينية والكنسية، لينشأ ابنًا لله، وخادمًا فى بيت الرب، وشاهدًا للمسيح فى المجتمع.

لذلك، فكل من أنجب مسؤول عمن أنجبه!!.

■ وكل من لم ينجب.. أمامه سبيل آخر لرعاية أطفال محتاجين!!.

ج- لماذا تنظيم الأسرة؟

إن تنظيم الأسرة فى الحقيقة يحتاج لمعونة إلهية للإنسان المعاصر، المجهد كرجل، والمكدودة كامرأة، بل إن الرب نفسه أعطى فرصة أمان - ما بعد الدورة الشهرية مباشرة - وقبل تكوين البويضة الجديدة، وهى بويضة كل شهر، فإذا ما أخصبت وصارت جنينًا، لا يتكون آخر بعده إلا بعد الولادة.

أما الوسائل الحديثة فنحن نشترط فيها:

1- عدم قتل الجنين..

2- عدم الإضرار بصحة الأم.

■ وإن كان الله قد سمح لنا بعلاج العقم.. دون أن نعتبر هذا تدخلا فى الإرادة الإلهية، فهو الذى سمح بهذه الوسائل، التى نرجو أن تتحسن ليضبط عملية الإنجاب فى العالم، نظرًا للظروف الصحية والتربوية والروحية للمرأة العاملة. إن الإيمان لا يلغى العقل، والعقل لا يلغى الإيمان، ولذلك فالظروف الاقتصادية العالمية تحتاج إلى تدخل، ربما بالإقلال من النسل، وربما بتوجيه تربيته بطريقة سريعة الإنتاج.

■ لكن أخطر ما فى الموضوع الظروف الصحية والتربوية والروحية للأسرة، فلا شك أن العدد الأقل سيكون أفضل صحيًا للزوجة، وللنسل نفسه، كما أنه سيكون أفضل بالنسبة للتربية والرعاية الروحية.

■ أما أن نسلك بفكرة (التواكل) وليس الاتكال، فنطلق الحبل على الغارب، وتنجب الأم أعدادًا غير محتملة من الأطفال، فهذا درب من تجربة الرب، الذى أعطانا وسائل مأمونة لتنظيم الأسرة.

■ أعرف أن كثيرين يتهيبون من هذا الكلام، لكنى أسألهم: انزلوا إلى الميدان العملى، وواجهوا الزوجة العاملة، لتتعرفوا أن لجوءها إلى تنظيم الأسرة ليس شكًا فى قدرة الله على الإعاشة، ولكن طاقتها البدنية والنفسية والعصبية لا تحتمل إلا العدد المعقول.

د- تأخير الطفل الأول:

■ عمومًا.. يلجأ الزوجان إلى هذا الأمر من منطلق مادى، كنقص الموارد، أو من منطلق مكانى كضيق السكن، إذ يكون لدى الأسرة الكبيرة مؤقتًا. الهدف الأول خاطئ إيمانيًا، والثانى يحتاج إلى إقناع الأسرة الكبيرة التى بالقطع تفرح بالمولود الجديد. خصوصًا أن البعض يلاحظ أن تأجيل الحمل فيه خطر تهبيط المبيضين، الأمر الذى كثيرًا ما يتسبب فى صعوبة الحمل حين يطلبان ذلك فيما بعد.

■ إن أسلوب الحوار، وثقة الإيمان بالله، والاسترشاد بأب روحى أمور مهمة للأسرتين الكبيرتين، كل هذا كفيل بوصول الأسرة الجديدة إلى القرار السليم الذى يريح الجميع.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية